جامع الافكار وناقد الانظار - ج ١

محمد مهدي بن أبي ذر النراقي [ المولى مهدي النراقي ]

جامع الافكار وناقد الانظار - ج ١

المؤلف:

محمد مهدي بن أبي ذر النراقي [ المولى مهدي النراقي ]


المحقق: مجيد هاديزاده
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة انتشارات حكمت
المطبعة: نور حكمت
الطبعة: ١
ISBN: 964-5616-70-7
الصفحات: ٥١٧
الجزء ١ الجزء ٢

ذات الواجب ، ولا يقولون انّ الأمر الممتدّ هو عين هذا العدم الصرف ـ لي لزم كون محض العدم زمانا أو حركة ـ. والحاصل إنّهم يقولون : انّ عدم العالم كان في وعاء ممتدّ متجدّد منقض كوجود زيد في الزمان ، وكما انّه لا يلزم منه كون وجود زيد زمانا أو حركة كذلك لا يلزم هناك أيضا كون العدم زمانا أو حركة ، بل ليس إلاّ كعدم زيد في زمان قبل زمان وجوده. ولا تفاوت إلاّ بأنّ هذا الزمان يتبعّض بالليل والنهار ويتّصف بما شأنه ذلك من الصفات ، وليس ذلك في ذلك الزمان.

فاللازم على هذا ليس إلاّ وجود الزمان هناك ، والقائلون بالزمان الموهوم يلتزمونه لا كون العدم هو الحركة أو الزمان.

وبذلك يندفع ما أورد عليهم السيد الداماد في جملة ما أورد عليهم : انّه لو تصحّح في العدم ما توهّموه لكان هو الزمان بعينه أو الحركة بعينها اذ كان متكمّما سيالا كلّه أزيد لا محالة عن بعضه وابعاضه متعاقبة غير مجتمعة ، فإمّا انّه بالذات على تلك الشاكلة فيكون هو الزمان ، أو بالعرض فيكون / ٤٣DA / هو الحركة ، فقد اطلقوا على الزمان أو على الحركة اسم العدم ، / ٤٤MB / فليت شعري بأيّ ذنب استحقّ الزمان أو الحركة سلب الاسم والالحاق بالعدم؟!.

ومنها : انّ هذا الامتداد لكونه منتزعا من الواجب ـ تعالى شأنه ـ وكون الواجب قديما أزليا يلزم أن يكون غير متناه ، وهو باطل لجريان التطبيق وغيره من ادلّة بطلان عدم التناهي في الكميات ، وادلّة بطلان التسلسل بعد أن يفرض اشتمال هذا الكمّ على أعداد ـ كالازرع وأمثالها ـ.

فان قيل : انّه ليس موجودا خارجيا حتّى يتأتّى فيه التطبيق ؛

قلنا : انّهم يقولون انّ له تحقّقا في حاقّ الواقع ومتن نفس الأمر ، فيثبت في الواقع ونفس الأمر ما هو غير متناه ويصحّ أن نطبق بين شيئين متحقّقين في الواقع ـ كما مرّ في التسلسل في الأمور المتعاقبة ـ وإن لم تكن مجتمعة في الوجود. وقال السيد المحقّق الداماد ـ رحمه‌الله ـ : على ما ذكره المتكلّمون يكون الباري الحقّ ـ سبحانه ـ واقعا في حدّ بعينه من ذلك الامتداد العدمي ـ تعالى عن ذلك ـ والعالم في حدّ آخر بخصوصه ،

٢٠١

حتّى يصحّ تخلّل ذلك الامتداد الموهوم بينه ـ سبحانه ـ وبين العالم ويتصحّح تأخّر العالم وتخلّفه عنه ـ سبحانه ـ في الوجود ، فاذن إذا كان ذلك الامتداد غير متناهي التمادي كان غير المتناهي محصورا بين حاصرين ، هما حاشيتاه وطرفاه (١) ؛ انتهى.

وأورد عليه بعض الأفاضل : بأنّ مرادهم بقولهم « بين الباري الحقّ وأوّل العالم زمان موهوم ازلي » : انّه كان قبل العالم امتداد موهوم لم يكن العالم فيه ، وكان الحقّ ـ تعالى شأنه ـ فيه بالمعنى الّذي يقال الآن انّه ـ تعالى ـ موجود ، لا انّ ذلك الزمان واسطة بينه ـ تعالى ـ وبين العالم بحيث يكون هو ـ تعالى ـ في أحد الحدّين والعالم في الحدّ الآخر حتّى يلزم كون غير المتناهي محصورا بين حاصرين ؛ انتهى.

والظاهر ـ كما ذكره المورد ـ انّه لا يلزم كون غير المتناهي محصورا بين حاصرين ـ كما ذكره السيّد ـ ، لأنّ المتكلّمين يقولون : انّ هذا الامتداد منتزع من الواجب قبل ايجاد العالم وبعده ، ويكون عدم العالم في بعضه ووجوده في بعض آخر منه وابتداء وجوده يقارن جزء منه ، فالواجب هو محلّ هذا الامتداد عندهم ، لا أن يكون هو شيئا خارجا عن الواجب متّصلا أحد طرفيه به وإن كان جزء منه متّصلا بأوّل العالم ومقارنا له.

نعم! ، يمكن أن يقال : لمّا كان هذا الزمان غير متناه يمكن أن يستدلّ على ابطاله بوجوه :

منها : لزوم المفسدة المذكورة ـ أي : كون غير المتناهي محصورا بين حاصرين ـ من فرض وجوده ، فلذلك لا يبعد أن يدّعى لزوم كون غير المتناهي محصورا بين حاصرين ، بناء على تحقّق الزمان الموهوم. مثلا نقول : لو كان الزمان الموهوم متحقّقا مع كونه غير متناه لاشتمل في الواقع ونفس الأمر على عدّة غير متناهية كالازرع ومثلها ، فنقول : يلزم كونه محصورا بين حاصرين بوجهين : أحدهما : انّه لا ريب في انّه تعرض لهذه العدّة مرتبة من العدد معينة البتة ـ لأنّ كلّ جملة متحقّقة في الواقع معينة الآحاد يعرضها عدد معيّن ضرورة ـ ، ثمّ نقول : يوجد في هذه الجملة مراتب اعداد

__________________

(١) راجع : القبسات ، ص ٣١.

٢٠٢

ناقصة عنها بواحد أو اثنين أو بثلاثة أو أربعة وهكذا طبقات مترتبة متنازلة غير متناهية ويوجد فيها واحد البته لا مرتبة تحته ، فيوجد بين مرتبة العدد الّذي لكل السلسلة وبين مرتبة الواحدية مراتب غير متناهية مترتبة مع كونها محصورة بين حاصرين ـ هما مرتبة العدد الّذي للكلّ ومرتبة الواحدية ـ.

وثانيهما : انّ كلّ عدد التئم من آحاد مترتبة وكان له نصف فما لم يحصل له نصف أوّلا لا يحصل كلّه ، وهو بديهي ، فلما تحقّق في الزمان الموهوم اعداد غير متناهية في الواقع لها مبدأ فنقول : لا ريب في انّه يوجد في هذه الأعداد آحاد فردية غير متناهية وآحاد زوجية غير متناهية ، ويكون بإزاء كلّ واحد من الأولى واحد من الثانية وبالعكس ، فالآحاد الزوجية مثلا نصف السلسلة ، فلعدد السلسلة نصف البتة.

فاذا اعتبرت الجملة من حيث انّ آحادها المترتبة مأخوذة مع الثواني والترتيب يجب أن يحصل نصفا أوّلا ثمّ يحصل الجملة ـ لما ذكرناه من أنّ كلّ عدد له نصف ـ فما لم يحصل نصفه لم يحصل كلّه. ولا ريب انّ النصف الّذي يوجد محصور بين / ٤٥MA / المبدأ ومبدأ النصف الآخر مع انّ الفرض انّه غير متناه ، فكذا كلّه.

ومنها : انّ المتقدّس عن الغواشي والعلائق يكون مع أيّ امتداد فرض ومع كلّ جزء من اجزائه وكلّ واحد من حدوده معينة غير متقدّرة على سبيل واحد ومحيط بجميع اجزائه وحدوده على نسبة واحدة موجودا كان ذلك الامتداد أو موهوما ، فاذن اختصاص العالم بحدّ من حدود ذلك الامتداد الموهوم لا يفيد تأخّره وتخلّفه عن الباري الحقّ اصلا ، فانّه إذا كان امتداد الزمان الموجود بالقياس إليه ـ تعالى ـ على هذا السبيل فالزمان الموهوم بالقياس إليه أجدر. بل التحقيق انّ الحادث بالزمان / ٤٣DB / أيضا لا يجوز أن يصل عدمه السابق بينه وبين الواجب ـ تعالى شأنه ـ وصل كينونة المعلول. لا أن يتوهّم الواجب ـ تعالى ـ عند رأس الزمان ويجعل ذا وضع واشارة ، لأنّ انفصال الزمان الّذي هو من الاعراض الجسمانية بين المجرّد المتعالي عن جميع الجسمانيات من الجواهر والاعراض والامكنة والازمان وبين غيره غير معقول ، فانّ القول به توجب جعله ـ تعالى ـ ذا وضع واشارة ، وهو بديهي البطلان.

٢٠٣

وبذلك يظهر انّه لا معية بين الواجب وبين العالم بوجه أصلا ؛ أمّا بحسب الذات والوجود والشرف فلأنّه ـ تعالى ـ علّة العالم ، فهو أقدم على كلّ ما سواه بمحض ذاته ووجوده والاشرف لغيره إلاّ منه ؛ وأمّا بالمكان والزمان فلأنّه خارج عنهما محيط بهما ، فلا يوصف بهما بمعية وغيرها ، إذ الاتصاف بهما بمعية وغيرها يتوقّف على توهّم كونه فيهما ، وقد علم بطلانه.

وأورد عليه : بأنّ القول بالامتداد المذكور ليس إلاّ ليصحّح تحقّق العدم قبل الوجود ، وقد صحّ ذلك ، ومرادهم من تخلّف العالم عن الحقّ ـ سبحانه ـ ليس إلاّ ذلك لا انّه كان الواجب في وقت لم يكن العالم فيه حتّى يقال : انّ الواجب بريء عن الكون في الوقت ، فلا يصحّ ذلك. على انّه يمكن القول بمقارنة وجوده ـ تعالى ـ للوقت ، فحينئذ يتصحّح التخلّف بهذا المعنى أيضا. وبالجملة : انّا لا نقول انّه لا يجب أن يكون زمان يصحّ أن يقال : كان الواجب فيه ولم يكن العالم حتّى يرد ما ذكرت ، بل الغرض انّه يتحقّق انفصال بين الواجب والعالم وتصحّ فيه قولنا : كان الواجب بالمعنى الّذي تصح الآن ولا يكون العالم فيه. على أنّ الظاهر أنّه كما يقال في الأجسام انّه زماني بمعنى أنّ وجوده مقارن لوجود الزمان يصحّ ذلك في شأن الواجب ـ تعالى ـ أيضا ، اذ يصدق انّ وجوده مقارن لوجود الزمان نفسه ؛ فلا يصحّ أن يقال : انّه زماني بمعنى أنّ وجوده ينطبق على الزمان مثل الحركة ، ولا يصحّ ذلك في الجسم أيضا ؛ انتهى.

وفيه : انّ تحقّق العدم أيّ حاجة له إلى هذا الامتداد؟ ، بل هو مناف لحقيقته ـ كما مرّ ـ ، والعدم بنفسه يصلح للفصل والتخلّف والانفصال (١) ـ كما يأتي ـ. فإذا كان نسبة الواجب إلى جميع اجزائه على السواء ولم يفتقر إليه في تصحيح التخلّف والانفصال كان القول بوجوده باطلا.

فان قيل : إذا اتصف العدم في نفس الأمر بانّه سابق على الوجود سبقا غير ذاتي فيكون محتاجا إلى وعاء وطرف يكون فيه ، ويتصف لا محالة بالتقدّر والتكمّم وغيرهما ، وكونه سابقا عليه بدون ذلك لا يقدر على تعقّله ؛

__________________

(١) الاصل : ـ الانفصال.

٢٠٤

قلنا : هذا مجرّد استبعاد منشأه عدم تعقّل غير الزمانيات والف الذهن بها ، وهل التقدّم يلزم أن يكون منحصرا بالتقدم بالزمان؟!. وأمّا انّ تقدّم العدم الواقعي على الوجود من أيّ قسم من التقدّم فيأتي الكلام فيه.

ثمّ ما ذكره المورد أخيرا من مقارنة وجود الواجب للزمان كمقارنة وجود الاجسام فهو إجراء الصفات المادّي المحدث على المجرّد القديم وجهل بالله الكريم! ، وكيف يقارن صرف الوجود المجرّد عن المادّيات وغواشيها والمتعالي عن الجسمانيات وما يقربها والمحيط بالأجسام وما يلحقها من اعراضها من الزمان والمكان بالزمان!؟ ، وهل يشكّ عاقل بأنّ الأزمنة بآزالها وآبادها بالنسبة إلى حرم كبريائه كان واحد والأمكنة بعلوها وسفلها بالنظر إلى ساحة قدسه كنقطة واحدة؟!.

على أنّ المتكلّم الّذي يريد حفظ قوانين الشريعة الطاهرة كيف يتكلّم بمثل هذا الكلام؟!. مع أنّ ما ورد في الشرع / ٤٥MB / من الأخبار الدالّة على تقدّس ذاته ـ تعالى ـ عن الاتيان إلى الزمان ـ بأيّ طريق كان ـ أكثر من أن يحصى ؛

روى شيخنا الاقدم محمد بن يعقوب الكليني ـ رحمه‌الله ـ في الكافى عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ انّه قال : من زعم انّ الله من شيء أو في شيء أو على شيء فقد كفر (١)! ؛

وروى الصدوق في توحيده عن أبي ابراهيم ـ عليه‌السلام ـ انّه قال : انّ الله ـ تعالى ـ لا يوصف بمكان ولا يجري عليه زمان (٢) ؛

وعنه ـ عليه‌السلام ـ انّ الله ـ تبارك وتعالى ـ لا يوصف بزمان ولا مكان ولا حركة ولا انتقال ولا سكون ، بل هو خالق الزمان والمكان والحركة والسكون ، تعالى عمّا يقول الظالمون علوّا كبيرا (٣) ؛

وعنه ـ عليه‌السلام ـ : انّ الله ـ تبارك وتعالى ـ كان لم يزل بلا زمان وهو الآن كما كان (٤).

__________________

(١) راجع : الكافي / الأصول ، ج ١ ، ص ١٢٨.

(٢) راجع : التوحيد ، ص ١٨٤.

(٣) راجع : نفس المصدر ، ص ١٨٤.

(٤) راجع : نفس المصدر ، ص ١٧٩.

٢٠٥

وأمثال هذه الأخبار بلغت حدّ التواتر. ومن تأمّل في كلام مولانا أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ في نهج البلاغة يعلم انّ من وصف الله ـ تعالى ـ بالزمان ونسبه إليه لم يكن من العارفين بالله وصفات كماله ونعوت جلاله (١).

ومنها : انّ الزمان والمكان متشابهان متساويان في الاحكام ، فكما انّ وراء الامتداد المكاني ـ أعني : فوق الفلك الاقصى المحدّد لجهات العالم ـ عدم صرف لا خلأ ولا ملأ ولا امتداد لا لا لا امتداد ولا نهاية ولا لا نهاية وإذا بلغ انسان إلى السطح المحدّب منه لم يمكنه أن يمدّ يده ويبسطها ـ لا لمصادم ومانع مقداري ، بل لعدم الفضاء و/ ٤٤DA / البعد وانتفاء المكان والجهة ـ فكذلك وراء الامتداد الزماني عدم صريح لا تمادّ ولا لا تمادّ ولا استمرار ولا لا استمرار ولا زيادة ولا نقصان ولا نهاية ولا لا نهاية.

وأورد عليه : بانّه تمثيل لا يناسب المباحث الحكمية ، وهو قول على سبيل التوسّع. والمقصود انّه لا شيء ورائه بدون توهّم فوقية أصلا.

وغير خفي انّه ليس مجرّد التمثيل ، بل العقل السليم يحكم بتساويهما وعدم الفرق بينهما ، فانّهم قالوا : انّ فوق محدّد الجهات لا خلأ ولا ملأ مع انّ الفوقية متحدّدة به.

فكما انّ العقل هناك يعلم من تناهي البعد المكاني انّ ورائه عدم صرف ونفي محض وينتزع من ذلك ويحكم بمعونة الوهم انّ لهذا العدم المحض فوقية ما على المكان والمكانيات كفوقية بعض اجزاء المكان على بعض مع انّه لامكان هنا ، كذلك هاهنا يعلم من تناهي الزمان والزمانيات في جانب البداية انّ ورائها عدم صرف ونفي محض ويحكم بانّ لهذا العدم المحض قبلية ما هو على وجود العالم والزمان شبيهة بقبلية اجزاء الزمان بعضها على بعض ؛ ولذا قيل : الحدوث الزماني المتنازع فيه بين الفلاسفة والمليين هو هذا الحدوث لا تقدّم العدم المحض على وجود العالم والزمان ، فالمليون يثبتونه والفلاسفة ينكرونه. واطلاق الحدوث الزماني عليه لكون سبق العدم على الزمان والعالم ـ كسبق اجزاء الزمان بعضها على بعض ـ. ولا يلزم من ذلك وجود

__________________

(١) اشارة إلى ما وقع في بعض خطبه ـ عليه وعلى اولاده وآبائه آلاف التحيّة والثناء ـ ، كقوله : لا يقال كان بعد أن لم يكن فتجري عليه الصفات المحدثات .... راجع : نهج البلاغة ، الخطبة ١٨٦ ، ص ٢٧٤.

٢٠٦

زمان قبل الزمان ، بل مجرّد ذلك الزمان الموجود مع ملاحظة تناهيه كاف لانتزاع الوهم وحكم العقل بهذه القبلية. وليس هذا اثبات الزمان الموهوم كما ليس هناك اثبات المكان الموهوم.

فان قيل : لمّا كان الواجب قبل الزمان موجودا فيجب أن ينتزع منه شيء ممتدّ بامتداد بقائه وليس فوق المكان شيء موجود حتّى ينتزع منه المكان الموهوم ، فثبت الفرق ؛

قلت : الواجب ـ تعالى شأنه ـ كما هو متعال عن المكان فهو متعال عن الزمان أيضا. فكما انّ وجوده في الخارج لا يوجب انتزاع مكان موهوم منه ، فكذلك لا يوجب انتزاع زمان موهوم عنه ، والفرق تحكّم. وكيف يمكن أن ينتزع مثل هذا الشيء الغير المتناهي الممتدّ المتفصّي المتصرّم المتجدّد منه ـ تعالى ـ ، مع أنّ التناهي واللاتناهي والتفصي والامتداد ـ وما شأنه ذلك من الصفات ـ من خواصّ المقادير والكميات ولوازمها ، فيكون هذا الزمان مقدارا ، والمقدار كيف يكون محلّه ذات الواجب ـ تعالى ـ مع تجرّدها ووحدتها الحقّة؟! ، فانّ محلّ المقدار لا بدّ أن يكون جسما أو جسمانيا. فاذا استحال أن يكون محلّه ذات الواجب فيلزم أن يقوم بمحلّ آخر ، فان كان هذا المحل عرضا فلا بدّ من الانتهاء إلى محلّ جوهري قائم بذاته دفعا للدور والتسلسل ، فيلزم وجود ممكن قديم.

فان قيل : / ٤٦MA / لا ريب في أنّ ذاته ـ تعالى ـ من حيث هو لا يمكن أن يكون منشئا لانتزاع هذا الأمر الممتدّ ، بل انّما يتوهّم هذا الامتداد من توهّم بقائه ـ تعالى ـ ، فبقائه ـ تعالى ـ مقتض لهذا الامتداد بمعنى أنّ هذا الامتداد منتزع من ذات الله ـ تعالى ـ باعتبار بقائه وأزليته ؛

قلنا : إن اريد بالبقاء دوام وجوده ـ تعالى ـ وسرمديته فهذا لا يوجب الامتداد ، لأنّ الامتداد انّما هو لازم لدوام وجود المتغيرات ودوام الذات الثابتة الّتي لم يسبقها عدم لا يوجب ثبوت الامتداد لها ـ لأنّ وعائها السرمد لا الزمان ـ ؛ وإن اريد به ما هو نفس هذا الامتداد فنقول : البقاء في الواجب ليس بهذا المعنى ، بل لا يجوز ان يثبت له

٢٠٧

البقاء بهذا المعنى ؛ وإن اريد به شيء ممتدّ آخر غير هذا الزمان الممتدّ وتوهّم هذا الزمان إنّما هو لتوهّمه ففيه : انّ تصوّر شيء ممتدّ آخر هو البقاء يوجب الدور ، لأنّ توهّم هذا الزمان يتوقّف على البقاء ، مع أنّ البقاء بهذا المعنى لا يتصوّر بدون الزمان الممتدّ.

فان قيل : إذا لم يتحقّق الزمان الموهوم ولا يكون هو سابقا على العالم لكان السابق عليه هو مجرد العدم المحض ، وسبق العدم على الزمان ـ على ما قلتم ـ لا يرجع إلاّ إلى كون الزمان متناهيا من غير أن يكون سبق عدم حقيقة ، بل بمحض التوهّم ؛ وهذا ليس إلاّ القول بالقدم بالحقيقة. لأنّه إذا لم يكن انفصال بين ذات الواجب ـ تعالى ـ وبين العالم ولا يمكن أن يقال اصلا انّه كان الواجب ولم يكن العالم فيكون العالم قديما البتة ، ولو اطلق عليه الحادث فلا يكون إلاّ بمجرّد الاصطلاح على اطلاق القديم والحادث على ما كان زمانه متناهيا وغير متناه ، وهو لا يفيد. وبالجملة انّه لا بدّ على طريقة الملّة من القول بوجود آله العالم بدون العالم بأن يكون بينهما انفصال. وعلى ما ذكرتم لا يكون كذلك ، بل يكون وجود العالم متّصلا بوجوده ـ تعالى ـ من غير انفكاك ولا انفصال بينهما. ولو جوّز هذا فلم لا يجوز كونه غير متناه أيضا؟!. إذ لا يلزم فيه من الف وإلا عدم الانفصال ، وهو قد لزم في صورة التناهي أيضا ؛

قلنا : قد / ٤٤DB / تقدّم انّ لزوم القدم في صورة تقدّم العدم المحض على العالم ممنوع ، وانّ تحقّق تناهي العالم من جانب البداية مستلزم لارتفاع القدم ، ويأتي انّ مجرّد تقدّم العدم يحصل به الانفصال والتخلّف.

ومنها : انّ القائلين بالزمان الموهوم معترفون بانّه شيء ممتدّ واقعي نفس أمري وقديم أزلي وعاء لعدم العالم ، وغير خفي انّ هذا مخالف لما ثبت من الشريعة المقدسة ومناف لما انعقد عليه اجماع أهل الملّة ، لانّه اثبات موجود قديم في نفس الأمر سوى الواجب ، واجماع المليين وعموم « كان الله ولم يكن معه شيء » ومثله من الأخبار يدفعانه.

فان قيل : مرادهم بالعالم المحكوم عليه بالحدوث ما سوى ذلك الامتداد النفس

٢٠٨

الأمري من الموجودات الخارجية ، والامتداد المذكور لا وجود له في الخارج وإن كان له وجود في نفس الأمر ؛

قلنا : لا ريب في أنّ هذا الامتداد النفس الامري غير الله ـ تعالى ـ ، فهو من أجزاء العالم ، والاجماع منعقد على حدوث العالم بجميع اجزائه ، والتخصيص تحكّم.

وبذلك يندفع ما ذكره بعض الأفاضل من انّه لا شكّ انّ غرض المتكلّمين اثبات الحدوث الزماني ولا استبعاد فيه ، إذ مرادهم بالعالم ما سوى ذلك الامتداد الموهوم ، فانّ المراد به ما سوى الواجب ـ تعالى ـ من الموجودات والامتداد المذكور لا وجود له ؛ انتهى.

وذلك لأنّه إن اراد ان لا وجود له اصلا لا في الخارج ولا في نفس الأمر فهو مناف لما صرّح به المتكلّمون ، بل هذا القائل أيضا حيث صرّح بأنّه موجود واقعي نفس أمري لا تفاوت بينه وبين هذا الزمان إلاّ بالليل والنهار. مع أنّه على هذا مجرّد اسم من دون ثبوت للمسمّى ، فيرجع إلى الزمان التقديري الفرضي الّذي أشرنا إليه. ونحن أيضا نقول به ، ولكن كيف يكون مثله أمرا ممتدّا منقضيا ذو اجزاء كثيرة وعاء لعدم العالم ؛

وإن اراد انّه لا وجود له في الخارج ولكنّه موجود في نفس الأمر ، فيرد عليه ما تقدّم من أنّه ليس واجبا بالذات ، فيكون من اجزاء العالم. ولمّا لم يكن قائما بذاته فلا بدّ له من محلّ ، ولا يجوز أن يكون محلّه هو الواجب ـ تعالى ـ ، لما مرّ ـ ، ولا شيء آخر ثابت ، لأنّ / ٤٦MB / الأمر الثابت لا يكون محلاّ للمتجدّد المتغير ، فلا بدّ أن يكون له محل مثل الحركة ، فيلزم قدم الجسم.

والحاصل : انّ الممتنع هو ما يصدق عليه ذلك الامتداد صدقا نفس أمري لا مفهومه ، فان كان له في نفس الأمر مصداق فهو جزء من العالم ، فينفيه الاجماع والاخبار ، وإلاّ فهو محض اسم ليس إلاّ كشريك الباري وأنياب الاغوال.

وكذا يندفع بما ذكرنا وما ذكره بعض أصحابنا القميّين من أنّ العالم حادث بمعنى انّه حدث بعد تقضي امتداد غير متناه في جانب الأزل منتزع من ذات الله ـ تعالى ـ

٢٠٩

باعتبار بقائه وازليته ، وتقدّم العدم على العالم تقدّم بالزمان ، ولكن مرادنا بالزمان ليس مقدار حركة الأطلس بل مرادنا به امتداد انتزعه العقل من ذات الله ـ تعالى ـ بملاحظة ازليته وبقائه. والزمان بهذا المعنى ليس من جملة العالم ، لأنّه ليس من الموجودات الخارجية ، بل منشأ انتزاعه موجود في الخارج ، فليس تقدّم العدم زمانا على العالم محالا ؛ انتهى.

ووجه الاندفاع وإن ظهر ممّا مرّ لكنّا نزيده إيضاحا بما ذكره استاذنا المحقّق المازندراني في رسالته الّتي الّفها في هذه المسألة تيمّنا بكلامه. قال (١) ـ طاب ثراه ـ بعد نقل الكلام المذكور : كيف لا يكون الزمان الموهوم من جملة العالم مع كونه امرا ممتدّا منقضيا غير متناه ، مع أنّ الاجماع والحديث المشهور من أمير المؤمنين وقول الباقر والرضا ـ عليه‌السلام ـ دلائل لحدوث العالم بمعنى ما سوى الواجب. ولا اختصاص بها بالموجودات الخارجية ، فكم من موجود في الخارج وهو موجود في نفس الأمر ، فهذا الامتداد لمّا كان امرا واقعيا نفس أمريّ كلّه أزيد من جزئه إلى غير ذلك من أمارات الوجود كان منافيا لما مرّ ، وقد مرّ أنّه لا يمكن أن ينتزع من ذات الله ـ تعالى ـ بملاحظة استمراره وثباته أمر موصوف بالتجدّد والتغير ، فتقدم العدم زمانا على العالم محال بالعقل والنقل. فظهر انّ دليله على عدم كونه من العالم ليس بشيء إذ عدم كونه من الموجودات العينية لا يدلّ على عدم كونه منه ، فانّ المراد به كلّ ما سوى الواجب من الموجودات العينية والنفس الأمرية ـ أعني : ما لا يكون وجودها وتحقّقها متعلّقا بفرض فارض واعتبار معتبر ـ ؛ وهي أعمّ من الخارج مطلقا ومن الذهن من وجه لامكان اعتبار الكواذب فيه دون نفس الأمر ، ومثل هذا يسمّى ذهنيا فرضيا. ولا شكّ انّ الزمان الموهوم ـ على ما قرّروه ـ ليس من هذا القبيل ، كيف وهم قد حكموا بكونه امرا نفس امري وعاء لعدم العالم ممتدّا متجدّدا متقضيا ذا اجزاء مخصّصة لحدوث الحادث / ٤٥DA / في حدّ منها دون آخر قبله ؛ انتهى كلامه رفع مقامه.

__________________

(١) هذه الرسالة ألّفها في « ابطال الزمان الموهوم » مع انكاره استدلال السيد الداماد عليه ، راجع : روضات الجنّات ، ج ١ ، ص ١١٨.

٢١٠

فظهر ممّا تلوناه عليك انّ القول بالزمان الموهوم يؤدّي إلى ثبوت قديم سوى الله ، وهو خلاف اجماع المليين نعم! الأشاعرة لا يبالون بالتزام مثله ، فانّهم قالوا بقدماء سبعة هي العلم والقدرة والإرادة والحياة والكلام والسمع والبصر ـ لأنّ هذه الصفات عندهم قديمة زائدة على الذات ـ ، فلو كانوا قائلين بالزمان الموهوم ـ كما نسب إليهم ـ لكان القدماء عندهم ثمانية.

ثمّ انّ البقاء والوجود والموصوف به أيضا زائدان عندهم ، فتلك عشرة كاملة! ، قال أستاذنا ـ رحمه‌الله ـ : العجب انّ الاشاعرة كفّروا الحكماء بقولهم بالايجاب والقدم وهم قائلون بهما جميعا ، لأنّهم قالوا بزيادة الصفات وازليتها وعندهم انّ الازلي لا يكون اثرا للمختار ، فلزمهم القول باستناد تلك الصفات إلى الذات على وجه الايجاب ، فهم كما يقولون بقدم هذه الصفات يقولون بالايجاب. مع أنّ الحكماء لا يقولون بالايجاب ، اذ مجرّد القول بالقديم لا يستلزم استناد ذلك القديم إلى الموجب ، فانّ أثر المختار أيضا يمكن أن يكون قديما بأن تكون له إرادة مستمرة متعلّقة بمقدور أزلي مستمرّ ويكون بعدم القدرة والإرادة عليه تقدّما ذاتيا لا زمانيا ؛ انتهى.

ومنها ـ على ما قيل ـ : انّ حدود ذلك الامتداد متشابهة ـ إذ لا اختلاف في العدم ولا مخصّص من استعداد أو حركة أو غير ذلك ـ فلم اختصّ العالم بهذا الحدّ ولم يكن حدوثه في حدّ آخر قبله؟.

وأورد عليه بعض الأفاضل : بأنّ هذا مجرّد دعوى بلا دليل ، إذ لعلّه كان اختلاف في اجزائه ، لأنّه ليس عدما محضا لا يجري ذلك فيه ، بل أمر نفس أمري وقع العدم فيه ؛ انتهى.

ولا يخفى ما فيه من التعسّف ، لأنّ الغرض انّه منتزع من ذات الواجب ـ تعالى ـ بملاحظة بقائه وازليته ، والشيء المنتزع من الوحدة الصرفة والبساطة المحضة بأي سبب تتأتّى فيه الاختلاف؟!. أليس اختلاف المعلول مستندا إلى اختلاف في العلة؟ ، فبعد قيام الدلالة القطعية على وجوب تشابه الأجزاء فالمنع مكابرة. نعم! يمكن الجواب / ٤٧MA / عن الايراد بأنّ قبول العالم للوجود انّما كان متوقّفا على انقضاء هذا القدر و

٢١١

انتهائه إلى هذا الحدّ.

ومنها : انّ منشأ ثبوت هذا الامتداد انّما هو تحقّق موجود ما ايّ موجود كان ، لأنّهم قالوا : انّ الباعث لتحقّقه إنّما هو وجود الواجب بملاحظة بقائه ، فما دام الواجب موجودا ينتزع منه هذا الامتداد سواء كان قبل ايجاد العالم أو بعده ، ولا فرق إلاّ بأنّه إذا وجد العالم ينطبق هذا الامتداد على الحركة والزمان ، ولذا قال بعضهم : انّ هذا الامتداد العقلي بمنزلة المذروع وحركة الاطلس بمنزلة خشبة الذراع. فبهذه الحركة يتميّز أبعاض هذا الامتداد فتصير قطعة منها نهارا وأخرى ليلا واخرى أسبوعا وأخرى شهرا وأخرى سنة. وإذا انتزع هذا الامتداد من الواجب بملاحظة بقائه مع وحدته وتجرّده وتعاليه عن الزمان لانتزع بطريق أولى عن كلّ موجود ـ مجرّدا كان او ماديا ، حيوانا أو نباتا أو جمادا أو غير ذلك ـ بعدد كلّ فرد من افراد كلّ نوع بحسب بقائه ، إن متناهيا فمتناهيا وإن غير متناه فغير متناه. فيتحقّق في العالم امتدادات واقعية نفس أمرية غير متناهية عددا وإن انطبق بعضها على بعض إلاّ أنّ التغاير بينهما متحقّق ، كما بين الزمان الموهوم والزمان الّذي هو مقدار الحركة الدورية.

فان قيل : بعد تحقّق الحركة الدورية والزمان الّذي هو مقدارها كلّ موجود يوجد فامتداده هو جزء من هذا الزمان ، ولانتزع منه زمان موهوم على حدة ؛

قلنا : الباعث لحصول الامتداد ان كان وجود الشيء بملاحظة بقائه فيلزم أن ينتزع من كلّ موجود له بقاء امتداد خاصّ على حدة وإن انطبق على الزمان الّذي هو مقدار الحركة الدورية ـ ولو كان وجود الحركة الدورية ومقدارها منافيا لهذا الانتزاع ـ لوجب أن لا ينتزع الزمان الموهوم من الواجب بعد وجود الحركة الدورية ومقدارها ، وهو خلاف ما صرحوا به.

فان قيل : المسلّم اللازم هو انتزاع امتداد واحد هو أوّل الامتدادات ، وهو الّذي ينتزع من الواجب ـ أعني : الزمان الموهوم ـ ، وساير الامتدادات اجزاء له ؛

قلنا : باعث تحقّق الزمان الموهوم ـ على ما قلتم ـ هو وجود الواجب بملاحظة بقائه ، والشيء المنتزع من الواجب كيف ينتزع من كلّ واحد من الموجودات المتخالفة

٢١٢

المتباينة؟! ، مع انّ الباعث المستقلّ في كلّ واحد منها متحقّق بطريق أولى. وان ادّعى انّ الامتدادات المنتزعة من سائر الموجودات منطبقة على الامتداد الأوّل فهو ممنوع ، إلاّ انّه لا ينافي التعدّد ، فحصول الامتدادات الواقعية النفس الأمرية الغير المتناهية عددا لازم ، والبديهة قاضية ببطلانه ، فانّا نعلم قطعا انّ الامتداد الحاصل لوجود زيد هو الزمان الّذي هو مقدار الحركة الدورية الّتي وقع وجوده فيه ، وليس هنا امتداد آخر.

فالامتداد الواقعي النفس الأمري يجب أن يحصل من موجود متغيّر متحرّك بالحركة الدورية ، ولولاه لم يتحقّق في الواقع امتداد ولم يوجد / ٤٥DB / زمان. والظاهر أنّ المتكلّمين لمّا التزموا تحقّق الزمان الموهوم المنتزع من الواجب فهم لا يبالون بالتزام انتزاع مثله من كلّ فرد من افراد الموجودات وان بلغ عدده إلى غير النهاية ؛ ولهم أن يقولوا : إذا سلّم وجوده ولم يكن فيه مفسدة فأيّ مانع من تعدّده وتكثّره وإن بلغ عدده أضعاف افراد الموجودات. على أنّها متداخلة بعضها مع بعض ومنطبقة بعضها على بعض ، فهذا الوجه الأخير لا ينهض حجّة مستقلّة للمطلوب ، فالعمدة هي الحجج المتقدّمة.

ثمّ لا يخفى انّه وإن ظهر بما تقدّم من الحجج بطلان الزمان غاية الظهور ، إلاّ أنّا نذكر تأكيدا واستظهارا برهانا مشتملا على الاحتمالات المتصوّرة لذلك الزمان وابطالها كما أورده بعض الافاضل ؛ وهو : انّ هذا الزمان لا يخلوا إمّا أن يكون موجودا ، أو موهوما ؛ فان كان موجودا كان ممكنا من الممكنات ، فيلزم أن يكون داخلا فيما سوى الله ، فيكون / ٤٧MB / وجوده أيضا مسبوقا بالعدم بحكم الاجماع والحديث النبوي ، والحال انّه قد ذكرنا انّ الزمان إذا كان ظرفا للعدم الأزلي يجب أن يكون قديما لا حادثا ، فيلزم التناقض!.

وأيضا إذا كان الزمان موجودا قابلا للمساواة واللامساواة فيلزم أن يكون كمّا ، والكم عرض ، فلا بدّ له من محلّ ، ومحله لا يكون إلاّ ماديا ، فيلزم قدم ذلك المادي وهو خلاف الاجماع والحديث النبوى ؛

وإن كان موهوما فلا يخلو : إمّا أن يكون موهوما صرفا اختراعيا ـ كانياب

٢١٣

الأغوال ـ وحينئذ لا يكون عدم العالم قبل وجوده في ظرف يكون هو الزمان ، بل يكون عدمه عدما لا بزمان ولا مكان ، ولا نعني بالعدم الصريح الخالص إلاّ هذا ؛ ولو كان موهوما له منشأ الانتزاع فننقل الكلام إليه ، فهو إمّا واجب أو ممكن ؛ لا جائز أن يكون واجب الوجود ، فبقي أن يكون ممكنا ، فذلك المنتزع منه يكون مادّيا البتّة.

فلا يخلوا : إمّا أن يكون قديما ، أو حادثا فان كان قديما لزم خلاف الاجماع والحديث النبوي ، وإن كان حادثا فلا يجوز أن يكون عدمه مسبوقا بهذا الزمان ، لأنّه متأخّر عنه ، فلا بدّ من زمان آخر وهكذا فيلزم التسلسل ، فبقي أن يكون مسبوقا بعدم لا يكون ذلك العدم في زمان ولا مكان.

فان قيل : قوله ـ تعالى ـ : ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ* ) (١) ، وقوله ـ تعالى ـ : ( فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ ) (٢) يدلّ على تحقّق الزمان الموهوم ، لأنّه لو لا الامتداد المنقضي المتجدّد لم يكن لستة أيّام أو يومين في الآيتين معنى ؛

قلنا : المراد بهذه الأيّام الأوقات الفرضية التقديرية ، ولو لم يكن الحمل عليها صحيحا لم يكن الحمل على الزمان الموهوم أيضا صحيحا ، إذ المتعارف والمتبادر من اليوم ـ كما صرّح به أهل اللغة والتفسير ـ هو زمان طلوع الشمس إلى غروبها ، ولم يكن حينئذ طلوع وغروب. ويؤيّده تصريحهم ـ كما مرّ ـ بأنّ ابعاض هذا الامتداد انّما يتميّز ويصير قطعة قطعة ليلا ونهارا بحركة الفلك الأطلس ولم يكن حينئذ فلك ولا حركة ، فالمراد مجرّد الفرض والتقدير. على أنّ المحقّقين يفرّقون بين اليوم والنهار ويقولون : انّ اليوم عبارة عن دورة واحدة من حركة الفلك الأقصى وهو ليس بسماء ، بل السماء في الحقيقة منحصرة في افلاك الكواكب السبعة السيّارة ، ووجود الليل والنهار بحركة فلك الشمس ، فيجوز أن يكون أصل جرم الفلك الأطلس خلق أوّلا طبقة واحدة ثمّ أدير ستّة دورات وفي مدّتها خلق ما فيها من السموات والأرض بأن جعل السماء بعد كونها طبقة سبع طبقات أو ازيد والأرض مثلهنّ ، وحينئذ لا حاجة في

__________________

(١) كريمتان ٥٤ ، الأعراف / ٣ ، يونس.

(٢) كريمة ١٢ ، فصّلت.

٢١٤

تصوير معنى الآيتين إلى الزمان الموهوم ، فضلا من أن تكونا دليلتين عليه.

وإذ ثبت بطلان الزمان الموهوم ـ وقد ثبت أيضا فساد القول بمجرّد الحدوث الذاتي ـ فثبت من ذلك حقّية الحدوث الدهري ـ أي : مسبوقية وجودية العالم على العدم الصريح الواقعي الّذي لو وجد فيه زمان لكان غير متناه ـ. وهذا الحدوث مستلزم للحدوث الذاتي أيضا ، لأنّ تأخّر العالم عن الله بالعدم الصريح الواقعي مستلزم للتأخّر الذاتي الّذي هو عبارة عن محض الفاقة المرادف للحدوث الذاتى ، فالحدوث الدهري مستلزم للحدوث الذاتي بخلاف العكس ، كما انّ الحدوث الزماني مستلزم للحدوث الدهري بخلاف العكس.

ثمّ اعلم! انّ تقدّم الواجب والعدم على القول بالحدوث الزماني هو تقدّم بالزمان ، بمعنى أنّهما متقدّمان زمانا على العالم ، وعلى القول بالحدوث الذاتي تقدّم بالذات. ويسمّى بالتقدّم العقلي ، لأنّه اعتبار يخترعه العقل من تلقاء نفسه ، وليس تقدّما بحسب الخارج والواقع. وعلى القول بالحدوث الدهري هو تقدّم دهري بمعنى انّ الواجب وعدم العالم متقدّمان عليه بحسب الدهر ـ الّذي هو الواقع ونفس الأمر ـ ، لأنّ الفصل بينهما هو الواقع ونفس الأمر لا الزمان ، فيكون تقدّما زمانيا ، ولا مجرّد اعتبار العقل ليكون محض التقدّم العقلي. وتوضيحه : انّه إذا كان وجود العالم متناهيا في جانب البداية كان للعدم تقدّم عليه سوى التقدّم الذاتي الّذي اثبته / ٤٦DA / الحكماء ، لعدم تقدّم الممكن على وجوده المعبّر بالحدوث / ٤٨MA / الذاتي. وهذا التقدّم شبيه بالتقدّم الزماني الّذي للحوادث الزمانية ولأجزاء الزمان بعضها على بعض عندهم في عدم اجتماع السابق والمسبوق. والفرق انّ لتقدم الزمانيات ملاكا في الخارج متجدّدا متصرّما مستمرّا يعرض ذلك التقدّم في الخيال أوّلا وبالذات لأجزائه المتجدّدة المتصرّمة المستمرّة وبتوسّطها يعرض للحوادث الزمانية ، ولهذا يفرض لهذا التقدّم خواصّ التقدّر والتكمّم. بخلاف تقدّم العدم على وجود العالم ، فانّه ليس له ذلك الملاك ، ولا يمكن تعيينه وتقديره ولا يكون فيه قرب وبعد وزيادة ونقصان إلاّ بمحض التوهّم وإن كان عدميا واقعيا نفس أمري كالعدم الّذي فوق محدّد الجهات.

٢١٥

فان قلت : إذا كان شيء متقدّما على آخر فلا محالة يكون بالقياس إلى ثالث ـ ويقال لهذا الثالث : « ملاك التقدّم » ـ ، واتّفق العقلاء على أنّ اقسام التقدّم باعتبار الملاك لا يزيد على خمسة أنواع :

الأوّل : التقدّم المكاني ، كالجالس في الصدر على من في صفّ النعال. وملاكه صدر المكان ؛

والثاني : التقدّم الزماني ، وملاكه صدر الزمان. وهو فيما بين اجزاء الزمان بالذات وفيما بين الحوادث الزمانية بالتبع ، فهو تقدّم واحد يتقدّم به اجزاء الزمان بالذات والزمانيات بالعرض. كالتقدّم بحسب الامكنة ، فان التقدّم لأجزاء المكان بالذات وللمتمكّنين بالعرض ، ومثله حركة جالس السفينة. والمتكلّمون جعلوا هذا القسم قسمين وسمّوا التقدّم بين اجزاء الزمان تقدّما بالذات ، والتقدّم بين الموجودات الزمانية تقدّما بالزمان ، وهو تكلّف بلا فائدة! ؛

والثالث : التقدّم بالشرف ، وهو الّذي يكون بين الأشياء باعتبار صفاتها شريفة كانت أو خسيسة ، وسمّوه بالشرف تغليبا. وملاكه تلك الصفة ؛

والرابع : التقدّم بالطبع ، وهو الّذي للعلّة الناقصة على معلولها ، وملاكه الوجود ؛

والخامس : التقدّم بالعلّية وبالذات ، وهو تقدّم العلّة التامّة على معلولها. وملاكه الوجوب ، لأنّ بوجوبها يجب عنها المعلول من غير تخلّف ، بخلاف الناقصة ، فانّ لوجوبها فقط لا يجب عنها المعلول ما لم يجتمع جميع ما يحتاج إليه فتصير تامّة. وقد يقال للأخيرين جميعا : بالذات وبالطبع أيضا بإطلاق أعمّ. فهذه أقسام التقدّم الّتي ذكرها العقلاء ولم يزيدوا عليها شيئا ، والتقدّم الدهري ليس شيئا منها ، فلا يكون صحيحا! ؛

قلت : عدم ذكر الشيء لا يدلّ على البطلان ، وكم ترك الأوّل للآخر!.

فان قلت : التقدّم بالذات ليس تقدّما بمجرّد العقل ، بل هو أمر حقّ ثابت في نفس الأمر وفي محض الوجود والذات ، ولو فرض عدم العقول والأذهان فانّ حركة اليد بنفس ذاتها وصرف وجودها أصل لحركة المفتاح مفيضة لها وهي في حاقّ

٢١٦

حقيقتها ومحض إنّيتها متفرّعة عليها فائضة منها من غير توقّف ذلك على ملاحظة تعقّل ، فهذا التقدّم ثابت في نفس الأمر ، فيلزم أن يكون فاعل العالم بجميع اجزائه هو ـ سبحانه وتعالى ـ ، ويلزم منه تقدّمه على كلّ جزء من اجزائه تقدّما ذاتيا. فيمكن أن يقال ردّا على القائلين بالحدوث الدهري بأنّ وجوده ـ تعالى ـ عين ذاته وذاته لا يمكن أن يكون موجودا في الذهن ، وانّما هو موجود في العين بالاتفاق ـ لأنّ القوّة المدركة لا يدرك ذاته ـ ، فيكون العالم في مرتبة ذاته الّذي هو عين خارجي معدوما صرفا ، فيلزم كون وجوده بتمام اجزائه مسبوقا بالعدم الخارجي. ولا معنى للحادث الدهري إلاّ ما يكون وجوده مسبوقا بهذا العدم ، وتسميته بالعقلي أيضا لأنّ المدرك الشاهد عليه هو العقل دون الحواسّ بخلاف ساير الأقسام. وحينئذ نقول : التقدّم الدهري الّذي أنتم تثبتونه لا يريدون منه غير ذلك ، فهو بعينه التقدّم الذاتي! ؛

قلنا : التقدّم الذاتي وإن كان تقدّما حقّا ثابتا بنفسه ـ لما ذكر ـ إلاّ أنّ العدم المتقدّم ليس إلاّ العدم الّذي يلزم لماهية / ٤٨MB / الممكن من دون تحقّقه في الواقع ونفس الأمر ، ولو فرض اطلاق التحقّق الواقعي على مثله فهو غير صالح لأن يكون فصلا بين الواجب والعالم وأن يكون بحيث لو فرض وقوع الزمان فيه كان غير متناه ، لأنّ العدم الذاتي عدم مجامع للعلّة والمعلول وليس عدما غير مجامع لهما ، بخلاف التقدّم الدهري ، فانّ المراد به أن يتقدّم العلّة على المعلول مع فصل العدم الغير المجامع لهما ، فيكون فاصلة واقعية بين الواجب والعالم. فحقيقة الحدوث الذاتي للعالم أن يكون العالم مبدعا من غير زمان ، ولا عدم حينئذ إلاّ العدم الّذي يلزم لماهية العالم وهو عدم مجامع يستحيل أن يفصل بينه وبين الواجب فصل بينونة ؛ وحقيقة الحدوث الدهري له أن يتقدّمه عدم غير مجامع بذاته يتحقّق به الفصل بينهما فصل بينونة ؛ وحقيقة الحدوث الزماني له أن يتقدّمه عدم زماني ويسبق كلّ زمان زمان.

فان قلت : لا معنى لأن يفصل العدم بين الواجب وبين العالم فصل بينونة ، لأنّ الفاصل بين شيئين يجب أن يكون شيئا حتّى يصلح لأن يقع به الفصل ، والتخلف والعدم محض السلب ليس له / ٤٦DB / ماهية وذات وهوية يصلح أن يتقدّم ويتأخّر و

٢١٧

يجيء ويذهب ، فالقول بتقدّمه وتأخّره من باب قياس محض اللاّشيء على الشيء ؛

قلنا : جواز تقدّم العدم على الوجود من البديهيات العقلية لا يمكن انكاره ، كيف وهو مشاهد؟!. على أنّ الحكماء مصرّحون بتقدّم العدم الذاتي للعالم عليه ، فما يقولون في جواز تقدّم هذا العدم نحن نقول في جواز تقدّم العدم الواقعي.

قيل : العدم الذاتي لعدم ايجابه الفصل بين الواجب والعالم لا يلزم أن يكون ممّا ينقضي ويتصرّم ويجيء ويذهب وإن وصف بالتقدّم في لحاظ العقل أو مرتبة من الواقع ، بخلاف العدم الدهري ، فانّه لايجابه الفصل بين الواجب والعالم لا بدّ من التزام تقضّيه وتصرّمه ومجيئه وذهابه. وحينئذ نقول : هذا العدم الواقعي الفاصل بين المبدأ وبين العالم إن لم يعتمد على زمان وظرف يتقضّى بتقضّيه فكيف يمكن أن يتقضّى بمحض نفسه ويصير منشئا للانفكاك وفاصلا بين الواجب والعالم؟! ، وأنّى يتأتّى له ذلك مع انّه من خواصّ الذوات المحصّلة الّتي يمكنها الذهاب والمجيء؟!. وإن اعتمد على ظرف فان كان الظرف ثبوتيا فكيف يكون الفاصل هو محض العدم؟! ، بل يرجع إلى القول بالزمان الموهوم ، وإن كان عدما فيرجع الاشكال الأوّل ـ أعني : لزوم كون العدم الصرف فاصلا بين الشيئين ومنشئا للانفكاك بينهما ـ وهو لزوم مضيّ محض العدم بنفسه من غير اعتماد على طرف موجود. وليس لهم أن يقولوا : انّ هذا العدم لا يمضي بنفسه بل بالجزء الأوّل من الزمان ، فانّه إذا وجد العالم وتحقّق الجزء الأوّل من الزمان إن كان بعده بعدا يجامعه بحيث لم يتحقّق به فصل بين الواجب والزمان لكان الزمان قديما ولزم الحدوث الذاتي ، وإن كان بعده بعدا لم يجامعه فقد صدق مضيّ العدم بنفسه لا بالزمان.

وتلخيص هذا الايراد : انّ هذا العدم الواقعي إن اتّصف بالسابقية وحصل به الفصل بين الواجب والعالم لكان له وعاء البتة ، فيكون قولا بالزمان الموهوم ؛ وإن لم يتّصف بالسابقية ولم يحصل به الفصل لزم الحدوث الذاتي.

قال بعض المثبتين للزمان الموهوم الموردين على الحدوث الدهري : إذا اتّصف العدم في نفس الأمر بأنّه سابق على الوجود سبقا غير ذاتي ـ كما يظهر من بعض كلمات

٢١٨

السيد الدّاماد قدس‌سره ـ فيكون البتة محتاجا إلى وعاء وظرف يكون فيه ويتصف هو لا محالة بالتقدّر والتكمّم وغيره ، وكونه سابقا عليه بدون ذلك ممّا لا نقدر على تعقّله ، فلعلّه يحتاج إلى لطف قريحة لم يكن لنا! ، وإن لم يقولوا بسابقية العدم بحسب الحقيقة ـ كما يشير إليه بعض كلمات السيد رحمه‌الله حيث ذكر انّ في السبق الذاتي والزماني ليس الوجود مسبوقا بالعدم المقابل له ، إذ سلب الوجود في مرتبة نفس الماهية من / ٤٩MA / حيث هي لا يقابل الوجود الحاصل في حاقّ الواقع من تلقاء العلّة الفاعلة بل يجامعه ، وكذا العدم السابق على الوجود سبقا زمانيا لا يقابل ذلك الوجود لاختلاف الزمان ، بل يقابله العدم في ذلك الوقت الّذي كان فيه الوجود ، بخلاف الحدوث الدهري ، اذ ليس في الدهر توهّم الامتداد والانقسام اصلا ـ فلا يكون حدّ العدم الصريح السابق في الدهر متميّزا في التوهّم عن حدّ الوجود الحادث من بعد ، بل انّه يبطل عقد السلب الدهري ويقع في حيزه عقد الايجاب الثابت الدهري ، فلا يفهم حينئذ معنى للحدوث والمسبوقية بالعدم اصلا ، بل ليس القدم إلاّ هذا. وبالجملة ما افاده السيّد ممّا لا يصل إليه فهمي ولا يحيط به وهمي!.

والجواب : انّ الفصل بين الحوادث الزمانية انّما هو بالزمان ، ولا يتعقّل الانفصال والانفكاك بينهما دونه. وأمّا الفصل بين الثابت والحادث ـ كالواجب والعالم ـ انّما هو بالدهر الّذي هو نسبة بينهما ووعاء للزمان ولكلّ ما يوجد مبدعا في غير زمان. قال ارسطاطاليس في أثولوجيا : اصول العالم واركانه ـ كالافلاك والعناصر ـ ليست موجودة في الزمان ، بل في الدهر ، وصرّح أساطين الحكمة بأنّ كون الثابت مع مثله سرمد ومع المتغيّر دهر وكون المتغيّر مع مثله زمان ، والدهر وعاء للزمان والزمان كمعلول للدهر ، والدهر كمعلول للسرمد ، إذ لو لا دوام نسبة المعلولات إلى عللها ـ كنسبة الحوادث الزمانية إلى عللها والاجسام الأولية إلى العقول مثلا والعقول إلى الواجب والزمان إلى مبدئه ـ لم يوجد معلول عن علّته ، فيجب لذلك أن يتحقّق النسبة دائما بين الموجودات بعضها إلى بعض من المتغيّر بالذات إلى ما فوقه حتّى ينتهى إلى الثابت بالذات ، فيظهر ممّا ذكروه انّ هذا الدهر وعاء للمبدعات من غير زمان ، ولعدمها

٢١٩

السابق عليها. وحقيقة هذا الوعاء عبارة عن حاقّ الواقع ومتن نفس الأمر ، وكونه فاصلا بين الواجب وبين العالم كناية عن كون الواجب ثابتا في الخارج والواقع في حدّ ذاته / ٤٧DA / مع كون العالم معدوما بحيث لو كان زمان في هذا الواقع الّذي كان الواجب فيه موجودا والعالم معدوما لكان غير متناه وان لم يكن في هذا الواقع وفي العدم المتحقّق فيه امتداد وتصرّم وتجدّد. وحاصله انه كان الواجب موجودا في متن الدهر وحاقّ الواقع ولم يكن معه عالم في متن الدهر وإن لم يكن زمان وامتداد ، إلاّ أنّه يمكن فرض الزمان وتقديره ـ كما تقدّم ـ ، فالزمان التقديري المفروض في الواقع الّذي تحقّق فيه الواجب ولم يتحقّق فيه العالم غير متناه. ولو فرض وقوع الزمان الخارجي في هذا الزمان التقديري وانطباقه عليه لكان غير متناه ، فحقيقة الحادث الدهري أن يسبقه العدم في متن الدهر وحاقّ الواقع ، والقديم الدهري أن لا يسبقه عدم في متن الدهر ، بل يكون ازلي الحصول في حاقّ الواقع وليس في الواقع امتداد زماني وفصل كمّي إلاّ بمجرّد الفرض والتقدير ، إلاّ أنّ الانفكاك الدهري والفصل الواقعي متحقّق.

والمتوغّلون في الزمان لا يعرفون من الانفكاك والفصل إلاّ ما هو زماني ، ولكن المسافرين من صقع عالم الزمان إلى ما فوقه يعرفون بصفاء عقولهم وتجرّد نفوسهم هذا الانفكاك والفصل ، ويعلمون انّه مع عدم توهّم تجدّد وتجزّ هناك يتحقّق به انفكاك الواجب والعالم في الوجود وعدم المعية بينهما في الوجود الواقعي والتحقّق النفس الامري. ولا يلزم من الانفكاك في الوجود والتحقّق ثبوت الامتداد والتجزي ، لأنّ امثالهما من خواصّ الزمانيات وليس وجود الواجب زمانيا ، فلا معنى لاتصال العالم وانفكاكه عنه في الحقيقة ونفس الأمر. ومرادنا من الانفكاك والفصل ـ كما أشير إليه ـ ارتفاع المعية بين الواجب والعالم في التحقّق الواقعي والثبات النفس الأمري بحيث يصحّ أن يقال : كان الواجب على المعنى الّذي يصحّ الآن ولا يكون العالم فيه.

وبهذا يندفع عنّا ما أورده بعض الناهجين منهج الحكماء في اثبات الحدوث الذاتي : انّه لا ريب انّ الّذي يفصل بين المبدأ الاوّل ـ تعالى ـ وبين العالم ـ سواء كان فاصلا متقدّرا أو غير متقدر ـ يجعل المتفاصلين متباينين في الوضع ، فلو كان الزمان أو

٢٢٠