جامع الافكار وناقد الانظار - ج ١

محمد مهدي بن أبي ذر النراقي [ المولى مهدي النراقي ]

جامع الافكار وناقد الانظار - ج ١

المؤلف:

محمد مهدي بن أبي ذر النراقي [ المولى مهدي النراقي ]


المحقق: مجيد هاديزاده
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة انتشارات حكمت
المطبعة: نور حكمت
الطبعة: ١
ISBN: 964-5616-70-7
الصفحات: ٥١٧
الجزء ١ الجزء ٢

وإذ تقرّر ذلك فلا بدّ لنا من بيان أنّ الثابت للجواب ـ تعالى شأنه ـ من المعاني الأربعة للقدرة ما ذا؟ ، والحقّ من المذاهب المحرّرة للعقلاء في هذا المقام أيّها؟.

فنقول ـ وبالله التوفيق ـ : انّه لا ريب في ثبوت القدرة بالمعنى الأوّل للواجب ـ تعالى ـ ، كما أجمع عليه الكلّ. ويدلّ عليه ما يأتي من اثبات العلم والمشية والإرادة له ـ تعالى ـ. والقدرة بهذا المعنى صفة تؤثّر على وفق العلم والإرادة. وهي فينا من الكيفيات النفسانية وفي الواجب هي كون ذاته ـ تعالى ـ بحيث يصدر عنه الموجودات لأجل علمه بنظام الخير. فاذا اعتبر ذاته من حيث أنّ الممكنات صادرة عنه كان قدرة ، وإذا اعتبر من حيث أنّها منكشفة له كان علما. والفاعل إذا تعلّق فعله بعلم ومشية كان قادرا من غير أن يعتبر معه شيء آخر من تجدّد اعراض واختلاف دواع أو تفنن ارادات أو سنوح حالات (١) ، فانّ القدرة تتعلّق بالمشية سواء كانت المشيّة يصحّ عليها التغيير أولا. وعلى هذا فالقادر المختار من إن شاء فعل وإن لم يشاء فلم يفعل ، سواء شاء ففعل دائما أو لم يشاء فلم يفعل دائما. والشرطية غير متعلّقة الصحّة بصدق من كلّ من طرفيها ، بل قد يصحّ أن يكون أحد طرفيها أو كلاهما ممّا يكذب ، فانّ مثل الظلم والكذب ممّا لا يتعلّق مشية الله بفعله ولا يريده ، مع انّه قادر عليه. ومثل النقيضين ممّا لا يتعلق المشية بفعله ـ لامتناع اجتماع النقيضين ـ ، ولا بتركه ـ لامتناع ارتفاعهما ـ ، ففي مثله ممّا يمتنع وجوده وعدمه يصدق كذب تعلّقها بكلي طرفي الشرطية مع أنّه ـ تعالى ـ قادر على فعله وتركه ؛ وعلى هذا فالفعل الاختياري إذا صدر عنّا توقّف على مباد أربعة : / ٣٤MB / العلم ، والقدرة ـ بمعنى القوّة والتمكّن ـ ، والمشية ، والإرادة. وهذه صفات قائمة بذواتنا زائدة عليها.

وقد ينفكّ بعضها عن بعض ويستحيل صدور الأفعال الاختيارية عمّن يفقد كلّها أو بعضها ، فالفعل الاختياري هو ما يصدر عن الفاعل بتلك المبادي ؛ والقادر المختار من يصدر عنه الفعل بتلك المبادي. فلو فرضنا أنّ تلك المبادي حاصلة لواحد منّا بالقياس إلى فعل مخصوص دائما لكان صدوره عنّا دائما ، ولا يقدح ذلك في كون

__________________

(١) الاصل : خيالات.

١٦١

الفعل اختياريا ولا في كون ذلك الفاعل قادرا مختارا.

ثمّ الحكماء لمّا ذهبوا إلى أنّ صفاته ـ تعالى ـ عين ذاته قالوا : انّ مبادي الافعال الاختيارية ـ من العلم والمشيّة والإرادة ـ تكون حاصلة له ـ تعالى ـ دائما ، فيدوم عنه صدور الفعل بسبب دوام تلك المبادي. فمقدّم الشرطية الأولى عندهم واقع ، بل ضروري ذاتي ؛ ومقدّم الشرطية الثانية غير واقع ، بل ممتنع امتناعا ذاتيا ، وقالوا : ليس ذلك منافيا لقدرته ـ تعالى ـ. فالقول بتأثيره ـ تعالى ـ بالاختيار بهذا المعنى ليس مختصّا بالمليين ، بل الحكماء أيضا قائلون بذلك ، فالايجاب المقابل له ـ أي : صدور الفعل بدون العلم والإرادة والمشية ـ ممّا لم يقل به أحد.

ولا يخفى عليك انّ القدرة بهذا المعنى ـ أعني : صدور الفعل بالعلم والإرادة والمشية ـ ممّا لا ريب في اتصاف الواجب ـ تعالى ـ بها وفاقا للكلّ ، ونحن ـ : معاشر المليين ـ متفقون للفلاسفة في اثباتها له ـ تعالى ـ ، إلاّ أنّ كلامنا معهم في وجوب صدور الفعل عنه دائما ووقوع مقدّم الشرطية الأولى / ٣٤DB / دائما ، فانّه يلزم منه قدم العالم ونحن لا نقول به ؛ وسيجيء تحقيق الكلام فيه.

وأمّا القدرة بالمعنى الثاني ـ أعنى : امكان الصدور واللاصدور بالنظر إلى الذات ـ ، فلا ريب في اتصافه ـ تعالى ـ به أيضا كما اجمع عليه المليون ونسب إلى الحكماء أيضا. ويدلّ عليه : انّ الموجود بمحض ما هو موجود يمكن اتصافه بالقدرة بهذا المعنى ، ولا يمتنع عليه ذلك إلاّ أن يمنعه مانع زائد على نفس معنى الموجود ؛ وقد تقدّم ويأتي انّ واجب الوجود حقيقته صرف الوجود ومحضه لا يطمح فيه شيء غير نفس الوجود والموجود ، فاذن هذه الصفة ، أعني : القدرة بهذا المعنى ـ ممكنة له. ولا ريب أنّ كلّ ما يمكن له يجب أن يكون ثابتا له بالفعل ، لأنّه لو امكن له شيء ما ولم يكن حاصلا له بل كان بالقوّة لكانت ذاته حينئذ خالية بذاتها عن ذلك الشيء قابلة له ، فيحتاج إلى فاعل يوجد هذا الشيء فيها ؛

فان كان فاعل هذا الشيء وموجده فيها هو واجب الوجود نفسه كان الفاعل والقابل شيئا واحدا ، وهو باطل ؛ لأنّ الفاعل شأنه الافاضة والقابل شأنه

١٦٢

الاستفاضة ، وهما متقابلان ـ لأنّ الافاضة اعطاء المفيض ما هو واجده والاستفاضة قبول المستفيض ما هو فاقده ـ ، فلو كانا شيئا واحدا لكان ذلك الواحد مقابلا لنفسه وكان واحدا فاقدا لشيء واحد ؛ وفساده بيّن. نعم! يمكن أن يكون شيء واحد ذا جهتين يفيض بإحداهما ويستفيض بالأخرى ، ومثل هذا يجب أن يكون مركّبا لا يمكن أن يكون واجب الوجود ـ كما يأتي ـ.

وان كان الفاعل والموجد لهذا الشيء فيها شيئا آخر فان كان هذا الشيء الآخر واجبا لم يكن ما فرضناه واجبا واجبا ـ لافتقاره إلى الغير الّذي هو الواجب بالذات ـ ؛ وان كان ممكنا وكلّ وجود ممكن يرجع إلى الواجب فان رجع إلى واجب آخر غير ما فرضناه واجبا لزم خلاف الفرض أيضا ، وان رجع إلى الواجب الّذي فرضناه واجبا كان الواجب مع لزوم كونه محتاجا إلى الممكن ـ وهو أشنع كلّ محال! ـ فاعلا أيضا لما هو قابل له ، وان كان بتوسّط ـ لعدم الفرق في استحالة كون الشيء فاعلا وقابلا بين أن يكون ذلك بغير توسّط أو بتوسّط ـ. فكلّ صفة ممكنة للواجب ـ تعالى ـ يجب أن يكون متّصفا بها بالفعل من غير انتظار. والقدرة بهذا المعنى من الصفات الممكنة له ، فيجب اتصافه ـ تعالى ـ بها بالفعل.

وأورد عليه ايرادات ثلاثة :

الاول : انّه يلزم منه أن يكون الفاعل بالطبع فاعلا مختارا إذا لم يكن اقتضاه تامّا ، بل كان مشروطا بشرط مفارق عن طبيعته لصدق صحّة الفعل والترك عنه بالنظر إلى ذاته ، بل في نفس الأمر لامكان عدم تحقّق ذلك الشرط فيه ؛

وردّ بأنّ الشعور والإرادة معتبرتان في الفاعل المختار.

الثانى : انّه يلزم منه أن يكون الواجب ـ تعالى ـ ممكن الفاعلية / ٣٥MA / واللافاعلية ، فلا يكون تامّ الفاعلية مع أنّ فاعليته ثابتة ، وليس فيه جهة امكانية وقوّة ، ولا قدرته داخلة تحت مقولة من المقولات ، بل هو واجب الوجود من جميع الجهات وصفاته فعلية بكلّ الحيثيات ؛ وبالجملة يلزم من ثبوت القدرة بهذا المعنى له ـ تعالى ـ أن يكون له ـ تعالى ـ شوب قوّة وجهة امكانية. وقد بيّنتم أنّ كل ما

١٦٣

يمكن له ـ تعالى ـ فهو متّصف به بالفعل ، فاذا كان الصدور واللاصدور ممكنين له ـ تعالى ـ يلزم أن يكون له ـ تعالى ـ في كلّ وقت قوّة أحدهما ويكون أحدهما في كلّ وقت بالنسبة إليه ـ تعالى ـ بالقوّة ، وهو باطل ؛

والجواب : انّ المراد بانّ كلّ ما للواجب هو بالفعل : انّ كلّ صفة كمالية له ـ تعالى ـ ثابتة له ـ تعالى ـ بالفعل وليست له بالقوّة ـ بمعنى أن لا يوجد له في وقت ويحصلها في وقت آخر ـ ، ولا ريب أنّ القدرة بمعنى صحّة الصدور واللاصدور بالنظر إلى ذاته الاقدس صفة كمالية له ـ تعالى ـ ، لانّ القادر على الفعل والترك أشرف ممّن لا يقدر على أحدهما ، وهو ظاهر بيّن ؛ فيجب أن تكون تلك الصفة ثابتة له في كلّ وقت بالنظر إلى ذاته. فلو وجب بالنظر إلى ذاته الفعل أو الترك فقط يلزم أن يكون موجدا لكلّ فاقد لتلك الصفة الكمالية ، بل عاجزا ، لأنّ الفرض حينئذ عدم اقتداره على الفعل أو الترك واقتداره على كلّ واحد منهما لا ينثلم به فعلية صفاته وكمالاته ولا ينقدح به فاعليته التامّة ، لأنّ لزوم الفعل دائما بالنظر إلى الذات من غير اقتدار على الترك ليس من الصفات الكمالية ، بل هو نقص ما هو صفة كمالية ـ اعني : الاقتدار عليهما معا حاصل / ٣٥DA / له بالفعل والفاعلية التامّة أن يوجد مع الإرادة والمشية ، لا بدونهما ـ.

ثمّ بعض الأعاظم قال في تقرير الايراد المذكور : انّ الامكان المذكور ـ أي : الامكان بالنظر إلى الذات ـ إمّا وصف للفاعل بأن يكون الفاعل ممكن الفاعلية واللافاعلية ، أو وصف للمفعول بأن يكون المعلول ممكن الصدور وممكن اللاصدور بالنظر إلى ذاته ؛ وكلاهما باطل عند الحكماء ؛

أمّا الأوّل فلانتفاء الجهة الامكانية عن الواجب ـ تعالى شأنه ـ عندهم ، فانّهم قالوا : واجب الوجود بالذات واجب الوجوب من جميع الجهات ؛

وأمّا الثاني : فلأنّه لو كان كذلك لزم أن يكون كلّ فاعل مختارا وكلّ فعل مقدورا ، لأنّ افعال الفواعل الموجبة أيضا ممكنة الصدور واللاصدور ، لأنّ كلّ معلول ممكن لا ينفكّ عنه الامكان الذاتي.

١٦٤

وأجاب عنه بعض الافاضل (١) : بأنّ الامكان هاهنا إنّما هو الامكان بالقياس إلى الغير ومعناه عدم اقتضاء ذات الفاعل شيئا منهما ، لا الامكان بالمعنى المصطلح ـ أي : الامكان الخاصّ الذاتى المفسّر بعدم اقتضاء الذات شيئا من الوجود والعدم ـ. وحينئذ فيمكن اختيار كلّ من الشقين ؛

أمّا الأوّل : فلأنّه لا محذور في جعل عدم الاقتضاء وصفا للفاعل ، إذ لا يلزم منه تطرّق شوب الامكان بالمعنى المصطلح عليه أصلا ؛

وأمّا الثاني : فلانّه إذا كان وصفا للمفعول كان بمعنى كونه بحيث لا يقتضي الفاعل شيئا من طرفيه ، وظاهر انّ افعال غير المختارين ليس كذلك ، إذ الفاعل يقتضي الوجود فيها البتة والامكان الضروري للممكن انّما هو الامكان الذاتي ، وليس الكلام فيه ؛ فتأمّل!.

ثمّ قال : فان قلت : ايجاد العالم صفة له ـ تعالى ـ وهو على ما ذكرتم ليس بواجب ، بل ممكن بالنسبة إلى ذاته ـ تعالى ـ ، فقد تحقّق له ـ تعالى ـ صفة ممكنة وهو ينافي ما قالوا : « انّ واجب الوجود بالذات واجب الوجود من جميع الجهات » ؛ وحينئذ نقول في توجيه كلام المورد : انّه إن اريد بالامكان الامكان بالقياس إلى الغير فيستلزم البتّة ثبوت صفة ممكنة للواجب ـ تعالى ـ وانّه محال ؛ وإن اريد الامكان الذاتي الّذي هو صفة للمعلول ، فافعال غير المختارين أيضا كذلك ، وايراد الشق الثاني مع ظهور انّه ليس بمقصود على سبيل الاستظهار ؛

قلت : الظاهر انّ المراد بقولهم : واجب الوجود بالذات واجب الوجود من جميع الجهات : انّه ليس لواجب الوجود جهة فضيلة / ٣٥MB / بالقوّة وكمال منتظر ، بل كلّ كمال وفضيلة وشرافة ثابتة له ـ تعالى ـ بذاته بالفعل بلا شائبة أمر بالقوة اصلا ، وعلى هذا فهو ممّا لا دخل له بما ذكرت اصلا ؛ انتهى.

وأنت تعلم انّ جوابه هذا يرجع إلى ما ذكرناه.

ثمّ قال : ولو سلّم انّ مرادهم انّه ليس له صفة ممكنة فنقول : ليس المراد انّ كلّ

__________________

(١) في هامش « د » : جمال الدين محمّد الخوانساري ـ ره ـ. منه مدّ ظلّه.

١٦٥

صفة يجب أن يكون مفيض ذاته بذاته ، بل يجب أن يكون امّا مقتضى ذاته بذاته أو مع اعتبار صفة اخرى ، وحينئذ فلا ايراد ؛ إذ نحن أيضا نقول : انّ ايجاد العالم واجب له ـ تعالى ـ مع اعتبار الإرادة ، وانّما نقول انّه ليس بواجب بالنسبة إلى ذاته بذاته ، ولا ضير فيه ؛ انتهى.

وقيل في دفع الايراد المذكور (١) : انّ مرادهم من قولهم : واجب الوجود بالذات واجب الوجود من جميع الجهات : انّه لا يمكن أن يكون في ذاته جهة وحيثية امكانية بحسب الواقع ونفس الأمر ، لا أنّه بجميع الجهات والاعتبارات الفرضية العقلية الّتي بمحض تحليل العقل واعتبار المعتبر واجب ، فانّهم صرّحوا بأنّ ذاته ـ تعالى ـ من حيث هي نائب مناب بعض الصفات ومنشئا لآثاره معلول ومتأخّر عن ذاته من حيث هي نائب مناب صفة أخرى ومنشئا لآثارها.

وقال الشيخ في سابع ثامنة إلهيات الشفا : ولا نبالي بأن تكون ذاته ـ تعالى ـ مأخوذة مع اضافة ما ممكنة الوجود ، فانّها من حيث هي علّة لوجود زيد ليست واجبة الوجود ، بل من حيث ذاتها (٢) ؛

وعلى هذا فلا مانع من أن يكون الواجب من حيث أنّه موجد للعالم ومؤثّر فيه ممكنا. بمعنى أنّ هذه الصفة ـ أعني : ايجاد العالم ـ لمّا كانت صفة اضافية أحدث مع الذات ، فالذات مع اعتبارها ليست واجبة.

وهذا الجواب قريب من الجواب الأخير الّذي نقلناه من بعض الأفاضل من أنّ بعض الصفات انّما يجب من اعتبار صفة أخرى لا من مجرّد الذات ، لأنّ المراد من عدم وجوب الذات المأخوذة مع اضافة ما انّ هذه الإضافة الّتي هي صفة اضافية لا يلزم أن تكون واجبة بالنظر إلى الذات ، بل وجوبها يتوقّف على صفة أخرى.

وحاصل الجواب يرجع إلى أنّ الصفات الّتي يجب للواجب لذاته هي الصفات الذاتية الحقيقية ، دون الصفات الاضافية ؛ هذا.

__________________

(١) في هامش « م » : ميرزا ابراهيم ابن ملاّ صدرا.

(٢) راجع : الشفا / الإلهيّات ، ج ٢ ، ص ٣٦٦.

١٦٦

وقيل (١) في الجواب عن الايراد المذكور : انّ الامكان المذكور ليس وصفا للفاعل ولا هو الامكان الذاتي والوقوعي للمفعول ـ اللّذين هما حالتاه بالقياس إلى وجوده في / ٣٥DB / نفسه ـ ، بل هو صفة لصدور الفعل عن الفاعل. وليس هو نفس القدرة ، بل القدرة ما هو في الفاعل منشئا لهذا الامكان ـ كما مرّت الاشارة إليه ـ ، كما انّ الإرادة هي منشأ الترجيح عند الاشاعرة أو الوجوب عند المعتزلة ، والفواعل الموجبة ـ سواء كانت تامّة أو ناقصة ـ ليست أفاعيلها ممكنة الصدور واللاصدور عنها ، بل معلولاتها ممكنة الوجود في نفسها بالنظر إلى ذواتها أو بالنظر إلى الواقع ؛ انتهى.

وأورد عليه : بانّ الفرار عن كونه صفة للمفعول إلى كونه صفة لصدور الفعل عن الفاعل ممّا لا يجدي أصلا! ، إذ لزوم كون كلّ فاعل مختار باق بحاله لأنّ صدور الفعل عن غير المختار أيضا ممكن ، لأنّ الامكان للممكن ضروري وصدور الفعل عن غير المختار أمر ممكن لا واجب.

وأيضا : الامكان المذكور إذا جعل صفة لصدور الفعل كان صدور الفعل ممكنا ، ولا ريب في أنّه صفة للفاعل ، فهو يوجب ثبوت صفة ممكنة للفاعل ، فيبقى الاشكال بحاله.

الثالث من الايرادات : انّه لا ريب في أنّ الصدور واجب مع الإرادة ، والإرادة وغيرها من الصفات الكمالية في الواجب عين الذات ، فحيثية الذات هي بعينها حيثية الإرادة والعلم والقدرة وغيرها من الصفات الكمالية ، كما أنّ حيثية الفاعل والافاضة هي بعينها حيثية جميع صفاته الاضافية ـ كالرحمانية والرحيمية والرازقية واللطف والكرم وغيرها ـ ؛ وحينئذ فاذا وجب الصدور بالنسبة إلى الإرادة وجب بالنسبة إلي الذات أيضا ، فلا يتحقّق صحّة الفعل والترك بالنظر إلى الذات.

وللفرار عن هذا الإشكال قال بعض أهل التحقيق : انّ المراد بما نثبته للواجب من صحّة الفعل والترك انّما هي الصحّة بالنظر إلى ذات العالم لا بالنظر إلى ذات الفاعل ؛ و

__________________

(١) في هامش « د » : ميرزا ابراهيم ابن ملا صدرا.

١٦٧

قال : لا منافاة بين عدم العالم في نفسه وامتناع عدمه بالنظر إلى مشيته ـ تعالى ـ ، فعدم صدوره ممكن / ٣٦MA / في نفسه وإن كان ممتنعا بالنظر إلى المشية الّتي هي عين ذات الفاعل.

ولا يخفى انّ هذا الكلام فاسد من أصله! ، لأنّ من فسّر القدرة بصحّة الصدور واللاصدور أراد به ما هو وصف للقادر لا ما هو وصف للمقدور عليه. كيف والامكان الذاتي للمعلول لا يجعل الفاعل مختارا؟! ، وإلاّ لزم أن يكون كلّ فاعل ـ ولو كان من الفواعل الطبيعية ـ مختارا وهو باطل لأنّ عدم كلّ ممكن في نفسه ممتنع بالنظر إلى علّته الموجبة له. فالصحيح انّ المراد بصحّة الفعل والترك هو صحّتها بالنظر إلى ذات الفاعل.

والجواب عن هذا الايراد : انّ المراد من عينية الإرادة ـ كما أشير إليه ـ هو انّ الواجب ـ تعالى شأنه ـ من حيث انّه مبدأ لرجحان وجود النظام الأصلح أو لوجوب صدوره إرادة بمعنى انّ الحقيقة الواجبيّة فرد من الإرادة مخالف لسائر افرادها ، لكونها صفات زائدة قائمة بالمحال إذ نائب مناب الإرادة. والمراد على الوجهين انّ ما يصدر عن هذه الصفة الزائدة العرضية في غيره ـ تعالى ـ يصدر في الواجب عن ذاته المقدّسة ، ولا يخفى انّ ما هو المبدأ والمنشأ لايجاد العالم ـ أعني : الحقيقة الواجبية ـ ليس بمجرّد علّة لوجوب الصدور وإن كان إرادة بالمعنى المذكور حتى لا يصلح بالنظر إليه الصدور واللاصدور ، بل من حيث تعقّله وملاحظته للنظام الأصلح ، فلأصلحيّة النظام الواقعي مدخلية في وجوب الصدور وان كان مبدأ الانكشاف والتعقّل والصدور هو مجرد الذات الالهية ولا شبهة في ان النظام الاصلح امر خارج عن ذاته المقدسة لان الاصلحية من حيث هي أمر واقعي حاقّ نفس الأمر وليست إلاّ هى فعينيّة الإرادة لا تنفى صحة الصدور واللاصدور بالنظر الى ذات الفاعل.

فان قيل : الحكماء ذهبوا إلى أنّه ـ تعالى ـ يفعل ما يفعل لا لغرض يعود إليه ، لأنّه لو كان لفعله أمر زائد على ذاته أعمّ من أن يكون ذلك منفعة يجلبها أو مضرّة يدفعها

١٦٨

لكان مستكملا بفعله ناقصا في ذاته حتّى لا يمكن أن يكون الغرض من فعله نفس (١) معنى إيصال النفع إلى الغير وانّ هذا الفعل خير في نفسه ، لأنّ من يفعل لأنّ الفعل نافع وحسن فان فعل فقد صدق انّه قد أحسن وإن لم يفعل فقد صدق أنّه قد أساء ، فقد كسب لنفسه بهذا الفعل انّه محسن وهرب من أن يكون مسيئا ، فقبل هذا الفعل لم يكن محسنا. وبذلك يظهر أن ملاحظة اصلحية نظام الخير لو كان لها مدخل في الصدور لزم الاستكمال ، لأنّ من فعل الأصلح لأجل انّه اصلح فقد كسب لنفسه بهذا الفعل انّه فاعل الخير وهرب من أن يكون فاعل الشرّ. وقد ثبت انّه ـ تعالى ـ لا يتّصف بصفات زائدة ولا يستفيد بعد ذاته فائدة وانّه منزّه عن شوب القوّة والامكان مقدّس عن احتمال التغير والحدثان ، بل إنّما يفعل لأنّه في نفسه جواد وايجاد نظام الخير ـ من خلق الخلق وانفاق الرزق وبسط النعمة ، كلّ ذلك ـ جود ، فجوده الذاتي هو الّذي يبعثه على الفعل ، فهو ـ تعالى ـ انّما / ٣٦DA / يفعل لأنّه جواد محسن لا لأن يصير جوادا محسنا. كما أنّ الجواد من أفراد بني آدم ـ كمعن وحاتم ـ انّما يجود لأنّه جواد لا لأن يصير جوادا أو لا يكون بخيلا أو يكون ممدوحا ولا يكون مذموما. فكذا الواجب ـ تعالى شأنه ـ انّما يفعل لجوده الذاتي ولا يفعل لشيء من الاغراض المذكورة حتّى يلزم أن يكون مستكملا بفعله ناقصا في ذاته. وإذا كان جوده ـ الّذي هو عين ذاته المقدّسة ـ مقتضيا لايجاد العالم فيجب صدور العالم منه بالنظر إلى ذاته عندهم ، ولا يكون صحّة الفعل والترك جائزا لديهم ، لأنّ الذات لا ينفكّ عن الجود والجود لا ينفكّ عن افاضة الوجود ؛

قلنا : ما ذهب إليه الحكماء من اقتضاء جوده الذاتي لايجاد العالم لا ينافي امكان الفعل والترك بالنظر إلى ذاته ، بل يؤكّده ؛ فانّهم قالوا : انّ كلاّ من الصدور واللاصدور وان امكن بالنظر إلى ذاته / ٣٦MB / المقدّسة إلاّ أنّ الفيض لمّا كان حسنا مناسبا لذاته الفيّاضة وتركه كان قبيحا غير مناسب لها وجب صدوره منه ـ تعالى ـ ، كذلك وإن كان تركه جائزا بالنظر إلى ذاته. وقس عليه الافعال القبيحة ـ كالكذب وأمثاله ـ ، فانّها وإن كانت ممكنة له ـ تعالى ـ بالنظر إلى ذاته إلاّ أنّه ـ تعالى ـ لا يفعلها

__________________

(١) الاصل : فعله نفس بمعنى.

١٦٩

لقبحها وعدم مناسبتها لذاته الحسنة ؛ وهذا كما انّ الجواد من افراد الانسان مع اقتداره على ترك الجود لا يتركه ويفعله البتة والصدوق منهم وان اقتدر على الكذب إلاّ أنّه لا يكذّب البتة.

فان قلت : إن كان صدور الفيض ـ لكونه حسنا ومناسبا لذاته ولازما لها ـ واجب الصدور منه ـ تعالى ـ ووجوب الصدور انّما حصل لهذا التلازم الواقعى من دون مدخلية شيء آخر ، فالذات مقتضية له البتّة ولا يمكن التخلّف بالنظر إلى ذاته ؛ وإن لم يكن لازما وواجبا للذات من حيث هي بل الوجوب واللزوم إنّما حصل لملاحظة الغير ، فيجري في فعله الأغراض ويلزم الاستكمال ؛

قلت : الإيجاد من حيث هو ايجاد ليس لازما للذات من حيث هى تلك الذات ليرفع الامكان المذكور ، بل لازم لها من حيث كونه حسنا في الواقع ونفس الأمر ، والمحسن يفعل الحسن البتّة لحسنه الواقعي وكونه محسنا ، لا لأنّه لا يقدر على تركه ، بل لأنّه يختاره البتّة باختياره ومرجّح الاختيار هو حسن الفعل في نفسه وكونه محسنا ، وقدرته على فعله لأنّه لو لم يفعله لزم ترجيح المرجوح ، فمجرّد وجوده الّذي هو عين ذاته ليس موجبا للفعل بل مع ملاحظة حسنه الواقعي اللازم لهذا الفعل. فالوجوب انّما حصل بالاختيار ، والوجوب بالاختيار لا ينافي الاختيار ، ووجوب ايجاد العالم لكونه حسنا وكونه نظاما أصلح ليس فيه غرض يلزم به الاستكمال ، لأنّ الاستكمال انّما يلزم لو كان الباعث للفعل هو اكتساب صيرورته محسنا وفاعلا للنظام الأصلح ؛ وليس كذلك ، لأنّ ذاته ـ تعالى ـ عين جميع صفاته الكمالية أزلا وأبدا وليس فيها تفاوت ونقصان وتغيّر وحدثان وفي كلّ وقت يصدق عليه جميع صفات الكمال ونعوت الجلال إلاّ أنّ الكمال إيجاد كلّ شيء في الوقت الّذي يمكن أن يوجد فيه واعطاء كلّ شيء ما هو قابل له. وأمّا إذا كان الباعث هو مجرّد كون الفعل حسنا مع كون الفاعل محسنا وثبوت قدرته على طرفي الفعل والترك من دون قصد إلى كسب كونه محسنا أو صفة أخرى ، فليس فيه استكمال ولا يستلزم صيرورته ذا صفة ليست فيه ، بل الصفات الكمالية ثابتة له أزلا وأبدا ، وما يحدث انّما هو التعلّقات الاضافية و

١٧٠

صدور الفعل إنّما يجب بحدوث التعلّق. والتعلّق لا بدّ من حدوثه البتة ، لأجل كونه ـ تعالى ـ جوادا وكون الفعل جوادا واقتداره على طرفي الفعل والترك مع اشرفية اختيار الفعل ، فالقدرة على الفعل والترك أشرف من عدم القدرة على الترك. ولكن الفعل اشرف من الترك ، واختيار أشرف الطرفين واجب من دون تصوّر غرض يحصل به الاستكمال.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في هذا المقام توجيها لأنّ القول بالقدرة بالمعنى المذكور ـ أي : امكان الفعل والترك بالنظر إلى الذات ـ لا ينافي قواعد الحكمة ، والحكماء قائلون به. وهو بعد محلّ كلام! ، لأنّ الحقّ انّ اختيار ايجاد العالم لكونه حسنا ونظاما أصلح بعد فرض امكان الفعل والترك بالنظر إلى الذات لا يخلوا عن غرض زائد على الذات وهو منفي عند الفلاسفة ولا يقولون به ، فانّ الظاهر من كلام اساطينهم انّ وجود العالم تابع لعلمه وعلمه سبب لايجاده من دون كون الايجاد معلّلا بحسنه وصلاحه ، فانّ التابع لعلمه ـ تعالى ـ وإن كان نظاما أصلح لا يتصوّر أصلح منه ، أنّ ايجاده غير معلّل بالاصلحية بل هذا النظام الأصلح يتبع علمه الّذي هو عين ذاته.

وإن شئت توضيح هذا الكلام فاستمع ما أورده بعض / ٣٦DB / المحقّقين في هذا المقام مع تفصيله وتوضيحه ؛ فانه قال : الفاعل على ستّة أصناف :

الأول : الفاعل بالطبع ، وهو الّذي / ٣٧MA / يصدر عنه الفعل بلا شعور منه وإرادة ، ويكون فعله ملائما لطبعه.

والثاني : الفاعل بالقسر ، وهو الّذي يصدر عنه الفعل بلا شعور منه وإرادة ، ويكون فعله على خلاف مقتضى طبعه.

والثالث : الفاعل بالجبر ، وهو الّذي يصدر عنه الفعل بلا اختياره بعد أن يكون من شأنه اختيار ذلك الفعل وعدمه.

وهذه الثلاثة مشتركة في كونها غير مختارة في فعلها.

والرابع : الفاعل بالقصد ، وهو الّذي يصدر عنه الفعل مسبوقا بإرادته المسبوقة بعلمه المتعلّق بغرضه من ذلك الفعل ، ويكون نسبة أصل قدرته وقوّته من دون انضمام

١٧١

الداعي أو الصوارف إلى فعله وتركه على السّواء.

والخامس : الفاعل بالعناية ، وهو الّذي يكون فعله تابعا لعلمه بوجه الخير والصلاح فيه بحسب الواقع ونفس الأمر ، ويكون علمه بوجه الخير كافيا لصدوره عنه من غير قصد زائد على العلم.

والسادس : الفاعل بالرضا ، وهو الّذي يكون علمه بذاته ـ الّذي هو عين ذاته ـ سببا لوجود الاشياء ، ونفس معلومية الاشياء له نفس وجودها عنه بلا اختلاف ، واضافة عالميته بالاشياء هي بعينها اضافة فاعليته لها بلا تفاوت لا في الذات ولا فى الاعتبار بل في اللفظ والتعبير. فالفرق بين الفاعليّة بالعناية والفاعليّة بالرضا هو ان الافاضة والايجاد غير العلم في الأوّل وإن كان تابعا ولازما له ، فانّ المراد به ان تمثّل جميع الموجودات من الازل إلى الابد في علمه ـ تعالى ـ مع الاوقات المترتّبة الغير المتناهية الّتي يجب ويليق أن يقع كلّ موجود منها في كلّ واحد من تلك الاوقات في ذاته ـ تعالى ، أي : علمه بها لازم لذاته لا يتصوّر تخلّفه عنها ـ. وهذا التمثيل مقتض لافاضة ذلك النظام على ذلك الترتيب والتفصيل ، بحيث لا يجوز عدم افاضته اصلا ، والافاضة على هذا صفة متعلّقة بالموجودات من حيث كونها في الاعيان ، والتمثيل متعلّق بها من حيث كونها في العلم فهما متغايران ؛ احدهما متبوع وعلّة والآخر تابع ولازم.

ولشمول هذا التميل بالعناية الازلية يسمّيه بالارادة.

وأمّا على الثاني ـ أي : القول بالفاعلية بالرضا ـ فالإفاضة هو نفس العلم ولا تغاير بينهما بوجه ، بل انكشاف الاشياء للواجب هو بعينه ظهورها في أذهاننا ؛ فكذا انكشاف الاشياء للواجب هو بعينه وجودها في الخارج.

وهذه الثلاثة الأخيرة مشتركة في كونها فواعل بالاختيار.

وإذا علمت ذلك فاعلم! انّ بعض الدهريين والطبيعيين ـ خذلهم الله ـ ذهبوا إلى أنّ الواجب فاعل بالطبع ؛

وجمهور المتكلّمين ذهبوا إلى انّه فاعل بالقصد ؛

والشيخ الرئيس ومتابعوه ذهبوا إلى أنّ فاعليته للأشياء الخارجية بالعناية ، و

١٧٢

للصور العلمية الحاصلة لذاته بالرضا ، ـ قال الشيخ في الشفا : انّه تعالى يعلم من ذاته كيفية كون الخير في الكلّ فيتبع صورته المعقولة صورة الموجودات على النظام المعقول عنده ، لا أنّها تابعة له ـ اتباع الضوء للمضيء والاسخان للحارّ ـ ، بل هو عالم بكيفية نظام الخير في الوجود وانّه عنه وانّه عالم بأنّ هذه العالمية يفيض عنها الوجود على اشرف الترتيب الّذي تعقّله خيرا ونظاما ـ ؛

وصاحب الاشراق ذهب إلى أنّه فاعل بالمعنى الأخير ـ أي : الفاعل بالرضا ـ ؛

والحقّ كونه ـ تعالى ـ فاعلا بالعناية ، لأنّ الواجب لا يجوز اتصافه بالفاعلية بالوجوه الثلاثة الأول ؛ وانّ ذاته ـ تعالى ـ أرفع من أن يكون فاعلا بالمعنى الرابع ـ لاستلزامه التكثّر ، بل التجسّم ـ. فهو إمّا فاعل بالعناية ، أو بالرضا ؛ وعلى أيّ التقديرين فهو فاعل بالاختيار لا بالايجاب ـ كما سبق ـ. إلاّ أنّ الحقّ هو الأوّل منهما ، فانّ الأوّل ـ تعالى ـ كما حقّقناه يعلم الأشياء قبل وجودها بعلم هو عين ذاته ، فيكون علمه بالأشياء ـ الّذي هو عين ذاته ـ منشئا لوجودها ، فيكون فاعلا بالعناية (١) ؛ انتهى ما أردنا إيراده.

وإذا عرفت ذلك تعلم أنّ القول بالفاعلية بالعناية لا يلائم القول بثبوت القدرة بالمعنى المذكور ـ أي : امكان الفعل والترك بالنظر إلى الذات ـ ، لأنّ القول بالعناية يوجب علية الذات من حيث تمثّله بنظام الخير لايجاده من غير قصد زائد وغرض داع ، وفرض ثبوت مساواة الفعل والترك بالنظر إلى الذات مع ترجيح الفعل واختياره لا بدّ له من / ٣٧DA / داع زائد على الذات ليكون مرجّحا.

فان قيل : المرجح هو العلم ؛

قلنا : هو عين الذات.

فان قيل : ما هو عين الذات هو مبدأ الانكشاف والمرجّح تعلّقه بنظام الخير ؛

قلنا : فيعود القول بكون الأصلحية مرجّحة ، فيجري الغرض في فعله وهو منفي عند الحكيم ـ كما عرفت ـ.

__________________

(١) راجع : المبدأ والمعاد ـ لصدر المتألّهين ـ ص ١٣٣.

١٧٣

فان قيل : المرجّح هو مجرّد الاختيار من غير احتياج إلى مرجّح آخر ، فانّ المختار من له القوّة والتمكّن على كلا طرفي الفعل والترك ، فله أن يرجّح الفعل بهذا الاختيار ؛

قلنا : هذا باطل عند الحكيم ، لأنّ / ٣٧MB / الاختيار وإن صلح لأن يكون مرجّحا للفعل إذا تعلّق به إلاّ أنّه لا بدّ لنفس التعلّق بالفعل دون الترك من مرجّح آخر ، وبالجملة يلزم على قواعد الفلاسفة نفي القدرة بهذا المعنى عن فعل الواجب ويقولون : انّ القدرة الّتي هي صفة الكمال أن يصدر الفعل بالعلم والمشية والإرادة الّتي هي العلم بالنظام الأصلح عندهم ، وهو ثابت له ـ تعالى ـ. ووجوب الصدور مع ذلك غير قادح ، كما أنّ العلم وغيره من الصفات الكمالية لازم لذاته ، ولا يمكن عدم اتصافه بالنظر إلى ذاته.

والظاهر انّ من قال بثبوت القدرة بهذا المعنى له ـ تعالى ـ من المنتسبين بالحكمة أو نسب القول به إلى الحكماء لم يحصّل مقاصدهم ولم يصحّح أصولهم وقواعدهم!.

وبما ذكرنا يظهر فساد ما ذكره بعض الاعلام في هذا المقام حيث قال : فان قيل : إذا كان الفعل والترك صحيحا بالنظر إلى ذات الفاعل عند الحكماء فلا يجوز لهم جعل مقدّم الشرطية الأولى واجبا ومقدّم الشرطية الثانية ممتنعا ، لأنّه إن كان المراد بالصحّة الامكان الذاتى فلا شكّ في تحقّقه في المقدّمتين ـ فانّ العالم ممكن فلا ينفكّ عنه صحّة وجوده وعدمه ـ ؛ وإن أريد به سلب الامتناع الذاتي والغيري معا فلا شكّ في انتفائه ـ فانّ العالم موجود ، فيكون واجبا بالغير ، فلا يصحّ سلب الامتناع المطلق عن عدمه ـ. فلا يظهر وجه الخلاف في وجوب مقدّم الشرطية الأولى وامتناع مقدّم الشرطية الثانية ؛

قلنا : انّ عدم العالم ممكن بالنظر إلى ذاته ـ لامتناع زوال الامكان الذاتي عنه ـ ، وإلاّ يلزم الانقلاب ، لكن عدم مشيته ـ تعالى ـ ممتنع بالذات عند القائلين بالقدم. ولا منافاة بين الامكان والامتناع بالنظر إلى الغير ـ الّذي هو عدم المشية ـ ، فعدم المشية غير واقع بل ممتنع عندهم ، فعدم العالم غير واقع كعلّته ، فامتناع عدم العالم إنّما هو بهذا

١٧٤

الاعتبار لا مطلقا ، كما أنّ وجود العالم ممكن بالنظر إلى ذاته واجب بالنظر إلى مشيته. كذلك عدم العالم ممكن بالنظر إلى ذاته ، لكن بالنظر إلى عدم المشية ممتنع لأنّ عدمه مستند إلى وقوع عدم المشيّة ، ووقوعه ممتنع عندهم ، فيصحّ بهذا الاعتبار انّ عدم العالم ممتنع. وأيضا المقدّمتان هما المشية وعدم المشية لا وجود العالم وعدمه ؛ انتهى.

ووجه الفساد : انّ القدرة عبارة عن امكان الطرفين بالنظر إلى ذات العلّة لا بالنظر إلى المعلول ، فاذا وجب الفعل بالنظر إلى المشية ـ الّتي هي عين الذات ـ كان الفعل واجبا بالنظر إلى ذات الواجب وكان مقدّم الشرطية الأولى واجبا ، فلا يتأتّى القول بامكان الطرفين بالنظر إلى ذات العلّة ، فترتفع القدرة بالمعنى المذكور ؛ والامكان بالنظر إلى المعلول لا يفيد هذا.

وعندنا انّ الايجاد لأجل كونه حسنا ونفعا للغير لا يوجب غرضا يحصل به الاستكمال ، بل يجب الاعتقاد بكون فعله كذلك ـ كما ثبت من الشريعة النبويّة ـ ، فالواجب ـ تعالى شأنه ـ فياض مطلق وجواد بالحقّ ، والجود عين ذاته بمعنى أنّ ذاته منشئا له ، إلاّ انّ فعله وتركه كلاهما ممكنان بالنظر إلى ذاته. ولكنه يختار الفعل لكونه حسنا وصلاحا. وباختياره يجب الفعل ويمتنع الترك ، فانّ اختيار وجود النظام الأصلح لكونه أصلح بعد قدرته على الترك وإن اقتضى الداعى ، إلاّ انّه لا يوجب النقص والاستكمال. وكيف ينكر العاقل كون ايجاد العالم لأجل اشتماله على الحكم والمصالح الراجعة إلى النظام الأصلح؟! ، وكيف ينكر أنّ ترجيح الوجود لأجل اشتماله على تلك المصالح بعد العلم بها؟! ، فمن كحّل بصيرته بنور المعرفة ونظر إلى نظام العالم لوجد اشتماله على الحكم (١) الغريبة والمصالح العجيبة ووضع كلّ شيء في موضع يليق به واعطاء كلّ شيء كلّما يصلح لحاله على ما تكلّ ثواقب الأفهام عند ادراك قليله وتضلّ صوائب الأوهام في نيل يسيره!. وهذا ظاهر لمن تأمّل في الأفلاك والنجوم وحركاتها ، وفي الأرض وما اشتملت عليه من الحيوان والنبات والجماد ، وفي خلق الحيوانات سيّما الانسان / ٣٧DB / وما اشتمل عليه من دقائق الصنع وعجائب الحكمة ـ

__________________

(١) الاصل : الحكمة.

١٧٥

وغير ذلك مما هو مذكور في مظانّه ـ. وقد صنّف الحكماء في عجائب الخلق ودقائق الصنع وفي ضبط بعض المصالح / ٣٨MA / والحكم كتبا كثيرة.

ولا ريب انّ العاقل اللبيب إذا تعقّل هذه الحكم والمصالح يعلم قطعا انّ الجاعل الحقّ انّما أوجد هذه الأشياء ورجّح وجودها على عدمها لأجل هذه الحكم والمصالح وليس فيه غرض يرجع إلى نفسه حتّى صار باعثا للاستكمال.

وهذا الدليل كما يثبت قدرته ـ تعالى ـ بالمعنى المذكور يثبت علمه وارادته ومشيته وأكثر صفاته الكمالية ـ كما لا يخفى على أولى العقول العالية ـ.

فان قيل : قد يشاهد في العالم أشياء لا يدري لها منفعة ، بل وقد يعلم لها مضرّة ومنقصة! ؛

قلنا : مثل هذا كمثل صورة منقوشة في الجدار وكانت فاقدة لبعض أعضائها ، فانّا إذا رأيناها فلا نشكّ في علم مصوّرها وصدورها عن خبرة بها وغرض فيها ، ونقطع بأنّ ذلك لحكمة يراها ومصلحة يعلمها وإن لم نكن عالمين بها.

فان قيل : ذاته ـ تعالى ـ علّة لتعقّل النظام الأصلح والتعقّل علّة لايجاده ، ولا ريب انّ ذلك وإن اثبت علمه ـ تعالى ـ بالنظام الأصلح وما اشتمل عليه من دقائق الصنع وعجائب القدرة إلاّ انّه لا يستلزم قدرته بمعنى امكان الفعل والترك ، لانّه كما أنّ ذاته علّة للتعقّل علي سبيل الوجوب فتعقّله علّة لايجاد ما تعقّله على سبيل الوجوب أيضا من غير أن يتساوى الفعل والترك بالنسبة إلى ذاته ويستند ترجيح الفعل إلى ملاحظة الحكم والمصالح ، بل ذاته ـ تعالى ـ من حيث تعقّله لتلك الحكم والمصالح علّة مستقلّة لايجاد النظام ولا يجوز التخلّف ولا يحتاج إلى المرجّح ، فانّه لا ريب انّ تمثّل النظام الأصلح في ذاته ـ تعالى ـ انّما هو لأجل مناسبة ذاته المقدّسة له من حيث الخيرية والصلاح ، لانّ الخير المحض لا يناسب إلاّ الخير المحض ، فهو انّما يتعقّل الخير المحض وتعقّل الخير المحض ، فتعقّل الخير والأصلح وفعلهما لازم ذاته ، فالفعل غير معلّل بكونه حسنا وخيرا ؛

قلنا : لو لم يكن المتعقّل خيرا وحسنا لم تكن ذاته ـ تعالى ـ علّة مستقلّة لايجاده

١٧٦

، فكونه حسنا مرجّح لايجاده ، فذاته من حيث هي لا يمتنع عليه الفعل والترك وانّما يمتنع الترك لأجل كون الفعل خيرا وحسنا.

هذا ؛ ولو لم يثبت القدرة بهذا المعنى من الشريعة القويمة والدلالة العقلية ـ كما ذكرناه من كون فعله تعالى معلّلا بالداعي ـ لم يترتّب على نفيها قدم العام ، لأنّه يمكن القول بحدوث العالم مع القول بوجوب الايجاد بالنظر إلى الذات ، لأنّ الذات إنّما يقتضي ايجاد كلّ شيء على ما ينبغي وافاضة الوجود على المهيات في الوقت الّذي يمكنها أن يقبل فيه الوجود ، فعلى القول بوجوب ايجاد نظام الخير بالنظر إلى الذات يمكن أن يقال : انّ هذا النظام انّما يقبل الوجود مسبوقا بالعدم الدهري أو الزماني وليس قابلا للوجود بدونه ، كما انّ الحوادث غير قابلة للوجود قبل أوقاتها المعيّنة ـ ويأتي لذلك زيادة بيان وإيضاح ـ.

وأمّا القدرة بالمعنى الثالث ـ أي : امكان الفعل والترك بالنظر إلى شرائط التأثير في شيء من الأوقات ، وبالجملة امكان انفكاك ذاته تعالى عن ايجاد العالم في وقت ما امكانا وقوعيا ـ فقد عرفت انّ الايجاب المقابل له هو امتناع الترك بالنظر إلى الداعى ونحوه من الشرائط المقتضية ـ أي : استحالة انفكاك ذاته تعالى عن ايجاد العالم ـ. وعرفت أيضا انّ الفلاسفة لم يثبتوا القدرة بهذا المعنى للواجب ـ تعالى شأنه ـ لذهابهم إلى الايجاب المقابل لها ـ أعني : قدم العالم ـ ، وانّ المعتزلة قائلون بثبوتها له ـ تعالى ـ.

واشرنا إلى انّ الظاهر انّ المعتزلة ومشاركيهم ممّن يثبت القدرة بهذا المعنى لم يريدوا بها امكان الفعل والترك امكانا وقوعيا في وقت ووجوب الفعل في وقت آخر ، بل أرادوا بها وجوب الترك في وقت ووجوب الفعل في وقت آخر. ولا بأس بإطلاق القدرة وامكان الترك والفعل امكانا وقوعيا على هذا المعنى. والباعث على هذا الحمل انّه لا ريب في انّه كما يجب ايجاد العالم في الوقت الّذي اوجده لوجود الشرائط المقتضية فكذا يجب تركه قبل ذلك لعدم تلك الشرائط ، فلا فرق بين وجوب الفعل والترك في الوقتين.

١٧٧

وبالجملة النزاع هنا يرجع إلى النزاع في حدوث العالم وقدمه (١) ، فلا بدّ لنا أوّلا من / ٣٨MB / تحقيق الحقّ في هذه المسألة الّتي هي اعظم المسائل الحكمية ويبتنى عليها كثير من القواعد الاسلامية (٢) ؛ ثمّ نشير إلى تحقيق الحقّ في القدرة بهذا المعنى.

فنقول ـ وبالله التوفيق ـ.

( تحقيق )

( حول كيفيّة حدوث العالم )

إنّ المعروف من مذهب الحكماء انّ العالم حادث بالحدوث الذاتي ، والمراد به تأخّر وجود العالم عن علّته تأخّرا بالذات ـ أي : بحسب المرتبة العقلية ـ لا في الخارج ومتن الاعيان ، فلا يتحقّق بين وجود الواجب ووجود العالم انفصال في الخارج (٣).

وذهب السيد المحقّق الداماد / ٣٨DA / وجلّ من تأخّر عنه إلى أنّه حادث بالحدوث الدهري. والمراد به تأخّر وجود العالم عن الواجب تأخّرا انسلاخيا انفكاكيا (٤)! ـ أي : وجوده بعد العدم الصريح المحض البحت الّذي ليس زمانيا ولا سيالا ولا متكمّما ولا متقدّرا ـ. وعلى هذا فالعالم ينفكّ عن الواجب في الواقع ونفس الأمر ، إلاّ أنّ هذا الانفكاك ليس زمانيا. والحاصل ـ كما افاده السيّد رحمه‌الله ـ انّه مسبوقية الوجود بالعدم الصريح المحض ، لا مسبوقية بالذات ، بل مسبوقية انسلاخية انفكاكية غير زمانية ولا سيالة ولا متقدّرة ولا متكمّمة.

وجمهور المتكلّمين ذهبوا إلى أنّه حادث بالحدوث الزماني. والمراد به تأخّر وجود العالم عن العلّة تأخّرا زمانيا ، بمعنى انّ العدم الفاصل بين الواجب وبين العالم عدم زماني ممتدّ ، لأنّه ينتزع من الواجب قبل وجود العالم زمان موهوم هو وعاء هذا العدم ، فينسب هذا العدم إليه.

فتلخيص اقسام الحدوث :

__________________

(١) راجع : تلخيص المحصّل ، ص ٢٦٩.

(٢) قس : رسالة الحدوث ، ص ١٨٢.

(٣) راجع : المباحث المشرقيّة ، ج ١ ص ١٣٤ ؛ الحكمة المتعالية ، ج ٣ ، ص ٢٧١ / ٢٤٦.

(٤) راجع : القبسات ، ص ٤.

١٧٨

انّ « الذاتي » عبارة عن وجود الماهية بعد عدمها في لحاظ العقل دون الواقع ؛

و « الدهرى » عبارة عن وجودها بعد نفي صريح واقعى غير كمّى ؛

و « الزماني » عبارة عن وجودها بعد عدم واقعى كمّى.

فالفرق بين الحدوث الذاتي والحدوث الزماني ظاهر لا يحتمل الاشتباه ، والفرق بين الحدوث الدهري والحدوث الذاتي انّ الحدوث الذاتي هو تأخّر الذات بحسب المرتبة العقلية لا تأخّر انفكاكي في الوجود بحسب حاقّ الواقع البات ، والحدوث الدهري هو تأخّر وتخلّف في متن الاعيان الخارجة عن لحاظ الذهن وفي حاقّ الواقع الصريح. والفرق بينه وبين الحدوث الزماني انّ الحدوث الزمانى هو الوجود بعد العدم المتقدّر السيال الواقع في الزمان القبل قبلية زمانية متكمّمة ، وفي حدوث الدهري ليس العدم متقدّرا متكمّما ، بل إن هو إلاّ محض مسبوقية الوجود بالعدم المحض والليس الساذج.

ثمّ الوجه في تسمية هذا القسم من الحدوث « بالدهري » ، بناء على أنّ الاوعية عند الحكماء ثلاثة :

الأوّل : وعاء بحت الوجود الثابت الحقّ المتقدّس عن عروض التغير مطلقا والمتعالي عن سبق العدم على الاطلاق ، ويسمّى « بالسرمد » ؛

الثاني : وعاء الموجود بعد العدم الصريح المرتفع عن أفق التقدير واللاتقدير ـ كالعقول والافلاك ـ ، ويسمّى « بالدهر » ؛

والثالث : وعاء الأمور المتغيرة المتقدّرة السيالة المسبوقة بالعدم الزماني ـ كالحوادث ـ ، ويسمّى « بالزمان ».

وكما أنّ وعاء وجود الاشياء المتقدّرة السيالة الزمانية هو الزمان ، فكذا وعاء عدمها أيضا هو الزمان ؛ وكما انّ وعاء وجود الموجودات المسبوقة بالعدم الصريح المنزّهة عن التكمّم والتقدّر هو الدهر ، فكذا وعاء عدمها أيضا هو (١) الدهر ؛ فاحقّ الأسماء وأجدرها للحدوث بحسب سبق العدم الصريح هو الحدوث الدهري. وأمّا بحت

__________________

(١) الاصل : ـ هو.

١٧٩

الوجود الخالص المتعالي عن سبق العدم على الاطلاق فلا يتصوّر له عدم حتّى يكون وعاء ، بل الوعاء له ـ أي : السرمد ـ انّما هو وعاء وجوده.

ثمّ انّه لا يتصوّر الاختلاف في الأوعية بحسب الاوقات ، بل وعاء كلّ من الموجودات الثلاث هو وعائه المختصّ به في كلّ وقت. فوعاء الوجود الخالص المتعالي عن العدم هو « السرمد » ولو بعد تحقّق الوعائين الآخرين ـ أي : الدهر والزمان ـ ، لانّه محيط بهما ، فلا فرق في عدم انتسابه إليهما وتعاليه عنهما قبل وجودهما وبعده. وكذا وعاء الموجود بعد العدم الصريح هو « الدهر » ، ولو بعد وجود الزمان لتعاليه عن الزمان واحاطته به ، فلا يتصوّر انتسابه إليه وكونه وعاء له. وما يتخيل عندنا من انطباق وجود الواجب والعقول والافلاك على الزمان فانّما يتراءى ذلك في اذهاننا لالفها بالزمان والزمانيات ، ولا نتصوّر شيئا إلاّ بتصوّر كونه زمانيا ، ولكن البرهان دلّ على تعالي بعض الموجودات عن الزمان واحاطته به.

ثمّ الحق الحقيق بالتصديق / ٣٩MA / هو الحدوث الدهري. والحقّ انّ القول به ليس ممّا اخترعه السيد الداماد ، بل هو ممّا ذهب إليه كثير ممّن تقدّمه من الحكماء ومحقّقي (١) المتكلّمين.

ثمّ السيد ـ رحمه‌الله ـ صرّح بأنّ النزاع بين الحكماء وغيرهم انّما هو في هذا الحدوث لا في الذاتى ولا في الزماني ، لأنّ الذاتي لم ينكره أحد من الحكماء ـ وهو ظاهر ـ ، ولا المتكلّمون ، لانّ القول بالحدوث الدهري أو الزماني مستلزم للذاتي أيضا ، لأنّ تأخّر العالم عن علّته بالعدم الصريح الواقعي أو بالعدم الزماني مستلزم لتأخّره عنها بالذات ـ كما يأتي توضيحه ـ. والزماني ممّا لا يصلح أن يكون محلاّ للنزاع بين العقلاء ، فانّ القول به انّما نشاء من بعض الأشاعرة ؛ قال ـ قدّس سره ـ في القبسات : لا يجوز أن يكون الحدوث المتنازع فيه هو الحدوث الذاتي لاتفاق الحكماء / ٣٨DB / على الحدوث بذلك المعنى ، ولا الحدوث الزماني ، لأنّ من العالم المبحوث عن حدوثه نفس الزمان ومحلّه وحامل محلّه والجواهر العقلية المفارقة لعوالم الأزمان والأماكن رأسا ، فكيف

__________________

(١) الاصل : محصّلي.

١٨٠