توحيد المفضّل

المفضل بن عمر الجعفي

توحيد المفضّل

المؤلف:

المفضل بن عمر الجعفي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتبة الداوري
الطبعة: ٣
الصفحات: ١٩٢

بين العرب (١) .. وهذا الآخر النضر بن الحارث وهو ابن خالة النبي سافر إلى البلاد الفارسية كأبيه ، واجتمع مع الأفاضل والعلماء بمكة وغيرها ، وعاشر الأحبار والكهنة ، واشتغل وحصل من العلوم القديمة أشياء جليلة القدر ، واطلع على علوم الفلسفة واجزاء الحكمة ، وتعلم من أبيه أيضا ما كان يعلمه من الطب وغيره (٢)

وحتى بعد الإسلام بوقت غير طويل ظل العرب متصلين بالثقافة اليونانية .. فقد كان الحكيم الأمير خالد بن يزيد بن معاوية الأموي المتوفى عام ٨٥ ه‍ من أعلم قريش بفنون العلم ، وله كلام في صنعة (٣) الكيمياء والطب .. وقد ترجمت له جمهرة كبيرة من الكتب الفلسفية والطبية والكيماوية .. وخالد هذا أول من عنى بعلوم الفلسفة عناية تامة ، وكان قد أمر باحضار جماعة من فلاسفة اليونانيين ممن كان ينزل مصر ويتفصح بالعربية ، وقد اخذ هؤلاء بدورهم من نقل الكتب في اللسان اليوناني

__________________

(١) اخبار الحكماء لابن القفطي ص ١١١ ـ ١١٢ ط السعادة ، وطبقات الاطباء لابن أبي اصيبعة ج ١ ص ١١٠ ، ومجلة المرشد ص ٦ من المجلد الثاني ، والاعلام للزركلي ج ١ ، وشعراء النصرانية للويس شيخو.

(٢) زهر الآداب للحصري ج ١ ص ٢٧ ط التجارية وطبقات الأطباء

(٣) غلب استعمال هذه الكلمة لما يطلق عليه الآن ( علم الكيمياء ) وقد أكثر من استعمالها العرب الأوائل. والمراد بها اليوم هي الكيمياء القديمة.

٢١

والقبطي إلى العربى (١).

ويحكى ان ماسرجويه البصري (٢) كان عالما في الطب ، وكان في أيامه كتابه في الطب هو كناش (٣) من أفضل الكنانيش ، الفها اهرون ابن أعين (٤) في اللغة السريانية ، فنقلها ماسرجويه إلى العربية ، وهى تحتوي على ثلاثين مقالة ، وزاد عليها ماسرجويه مقالتين (٥).

__________________

(١) تجد ترجمة خالد وما كان من امر الترجمة والنقل في أيّامه في اخبار الحكماء ص ٢٨٩ ، وفهرست ابن النديم ص ٣٣٨ و٤٩٧ ، ومعجم الأدباء لياقوت ج ٤ ص ١٦٥ ، وشرح لامية العرب للصفدي ج ١ ص ١٢ ، ووفيات الأعيان ج ١ ص ١٦٨ ، وخطط الشام لمحمّد كرد علي ج ٤ ص ٢١ ، وتاريخ آداب اللغة العربية لجرجي زيدان ج ١ ص ٢٢٨ ، وعصر المأمون لرفاعي ج ١ ص ٤٧ وضحى الإسلام لاحمد امين ج ١ ص ٢٧٠.

(٢) هو من معاصر الخليفة الاموي مروان بن الحكم ، وقد يكتب اسمه ما سرجيس.

(٣) الكناش : بضم فتشديد ـ مجموعة كالدفتر تدرج فيها الشوارد والفوائد. والوارد في اللغة تأنيث هذا الاسم.

(٤) قال ابن النديم في الفهرست ص ٤٣١ ط مصر : اهرون القص في صدر الدولة ـ اي الدولة الاموية ـ وعمل. كتابه بالسرياني ، ونقله ما سرجيس إلخ

(٥) طبقات الاطباء ج ١ ص ١٠٩ .. قال ابن النديم في الفهرست ـ

٢٢

ولما تولى الخلافة عمر بن عبد العزيز ، وجد هذه الكناش في خزائن الكتب بالشام ، فحرضه ذلك على اخراجها إلى المسلمين للانتفاع بها ، فاستخار الله في ذلك أربعين يوما ثم اخرجها إلى الناس ، وبثها في أيديهم (١).

وممن عرف بالفلسفة أيام الامويين يحيى النحوي .. وكان أسقفا في الكنائس بمصر ، ويعتقد مذهب النصارى اليعاقبة (٢) ثم رجع عما يعتقده النصارى في التثليث (٣) وعاش إلى ان فتحت مصر على يد عمرو بن العاص فدخل إليه وأكرمه ، ورأى له موضعا ... وعرف عنه انه فسر كتب أرسطو (٤).

ومنهم اصطفن الحراني الراهب .. كان بالموصل في عمر (٥) يقال

__________________

ـ ص ٤١٣ : ماسرجيس من الاطباء. وكان ناقلا من السرياني إلى العربي وله من الكتب : كتاب قوى الاطعمة ومنافعها ومضارها ، كتاب قوى العقاقير ومنافعها ومضارها.

(١) فجر الإسلام ج ١ ص ١٩٢ ، وتاريخ التمدن الإسلامي لزيدان ج ٣ ص ١٣٥ ط الهلال نقلا عن تاريخ الحكماء المخطوط.

(٢) انظر عن اليعاقبة الفصل لابن حزم ج ١ ص ٤٩ ط الأولى.

(٣) التثليث هو القول بان الله ثالث ثلاثة هم : الأب ، والابن والروح القدس.

(٤) فهرست ابن النديم ص ٣٥٦.

(٥) عمر : بضم فسكون ـ البيعة او الكنيسة.

٢٣

له ميخاييل ، وقد نقل لخالد بن يزيد كتاب الصنعة ، ذكره ابن بختيشوع في كتابه ، وقال عنه انه كان طبيبا (١).

ومنهم يعقوب الرهاوي السرياني ، وقد ترجم كثيرا من كتب الالهيات اليونانية (٢).

ومنهم أبو العلاء سالم كاتب هشام بن عبد الملك. وقد نقل من رسائل أرسطو الى الاسكندر (٣).

وأول كتاب ترجم من اليونانية إلى العربية ـ بقطع النظر عن كتب الكيمياء ـ هو على المحتمل كتاب عرض مفتاح النجوم المنسوب إلى هرمس الحكيم (٤) وقد فرغ من ترجمته في ذي القعدة سنة ١٢٥ ه‍ (٥).

__________________

(١) اخبار الحكماء ص ٤٢ ، والفهرست ص ٥٠٥ ، وعصر المأمون ج ١ ص ٤٩ ، وطبقات الاطباء.

(٢) فجر الإسلام ج ١ ص ١٥٦ ، وعلم الفلك لكرلونلينو ص ٢٧٩ ط روما.

(٣) الوزراء والكتاب للجهشياري ص ٣٩ ـ ٤٠ ط الأولى ، وفهرست ابن النديم ص ١٧١.

(٤) وجدت نسخة من هذا الكتاب في جملة من نيف والف وستمائة مجلد عربية خطّ يد ، اقتنتها في شهر نوفمبر عام ١٩٠٩ م الامبرسيانيه في ميلانو من مدن ايطاليا.

(٥) علم الفلك لكرلونلينو ص ١٤٢ ـ ١٤٣.

٢٤

وهكذا تبين لنا ان الثقافة اليونانية انتشرت في العصر الاموي في كثير من الحواضر العربية ، كالشام والاسكندرية والعراق ، وامتزج العلماء السريانيون بالولاة الحاكمين من الامويين ، فكان لذلك اثر كبير في تزاوج عقول المسلمين ، وتفتحها على آفاق ـ تكاد تكون بعيدة ـ من المعرفة والعلم .. ومن يرجع إلى فهرست ابن النديم ، وإلى الكتب التاريخية الأخرى ، ويتصفح ما فيها من أسماء المؤلفات المترجمة من السريانية واليونانية ، يجد ان لرجال الدولة الاموية قسطا وفيرا في امتداد العقل العربى ، واتصاله بالعقول المثقفة الأخرى.

وما كان تمضي على سقوط الدولة الاموية في الشام ثمانون سنة ، إلا وكان بين يدي العرب مترجمات من كثير مما كتب ارسطو ، وتعليقات الذين اشتهروا من رجال « الافلاطونية الجديدة » وقسم من كتب أفلاطون ، والجزء الأكبر من كتب جالينوس ، وأجزاء أخر نقلت عن كتب الاطباء ، وطائفة غيرها من كتب اليونانيين وكتب الهند وفارس (١).

ويقسم المؤرخون أدوار الترجمة في العهد العباسي إلى ثلاثة أقسام ، يهمنا هنا ذكر اولها ، وهو يبتدأ من خلافة المنصور ، وينتهى بعهد هارون الرشيد أي من عام ١٣٦ ه‍ إلى عام ١٩٣ ه‍.

وفي هذا الدور ترجم كتاب كليلة ودمنة (٢) من الفارسية ،

__________________

(١) تاريخ الفكر العربي لإسماعيل مظهر ص ٢٧ ـ ٢٨.

(٢) ترجمه ابن المقفع ، انظر الكلام عن الكتاب ـ ضحى الإسلام لأحمد أمين ج ١ ص ٢١٦ ـ ٢٢٢ ط الثانية.

٢٥

والسند هند (١) من الهندية ، وترجمت باقة من كتب ارسطو في المنطق ، وترجم أيضا كتاب المجسطي في الفلك (٢).

وكان المنصور الدوانيقي اول من اهتم من خلفاء العباسيين بالنقل والترجمة ، وكان جل اهتمامه بالنجوم والطب. وقد رغب نقلة العلم في ذلك

__________________

(١) في الكلام عن صيغة هذه اللفظة واصلها راجع كتاب علم الفلك للسنيور كرلونلينو ص ١٥٠ ـ ١٥١ وقد نقل الأب انستاس الكرملي في مقال له نشر في مجلة المعلم الجديد جزء ٣ سنة ٤ هامش ص ٢٥٧ جميع ما حققه السنيور نلينو ، ولم يعزوه إلى مصدره ، وهذا عمل يخالف ما تقتضيه الأمانة التأريخية ، ويدعو إليه الضمير العلمي.

(٢) ضحى الإسلام ج ١ ص ٢٦٤ ـ وكتاب المجسطي لبطليموس هو الذي عرفنا بتطبيق البراهين على بيان الحركات السماوية ، ووضح كيفية الارصاد ، إلى غير هذا من البحوث التي جعلت الكتاب أشرف وأحسن ما صنف في علم الفلك حتّى ذلك الزمن .. والظاهر ان كتاب المجسطي قد ترجم إلى العربية في الزمن الأول ثلاث مرّات ، فالاولى ترجمة ثابت بن قرة ، والثانية ترجمة قسطا بن لوقا البعلبكي ، والثالثة ترجمة حنين بن إسحاق العبادي .. ثم ترجم بعد ذلك عدة مرّات ، حتى وقع في الترجمات شيء كثير من الاختلاف واللبس ، فانبرى الى تنقيح الكتاب العلامة الخواجة نصير الدين الطوسيّ وطبع كتابه بعنوان ـ تحرير المجسطي ـ ثمّ جاء العالم الفاضل عبد العلي بن محمّد بن الحسين فشرح التحرير وشرحه مخطوط محفوظ في خزانة معالي السيّد صادق كمونة.

٢٦

بالبذل الكثير ، وجعل لبعضهم رواتب وجواريا ، وبالغ في إكرام النقلة ومحاسنتهم ، وأكثرهم كان من السريان النساطرة ، لانهم اقدر من غيرهم على الترجمة من اليونانية. وأكثرهم اطلاعا على كتب الفلسفة والعلم اليونانى اشهرهم آل بختيشوع سلالة جورجيس بن بختيشوع السريانى النسطورى طبيب المنصور ، ومنهم من نقل من الفارسية إلى العربية ، كابن المقفع وآل نوبخت (١) ، وترجم ابن المقفع كتب ارسطو المنطقية الثلاثة التي في صورة المنطق (٢) .. وقبل انتهاء القرن الثاني نقل من اليونانية كتاب الاسرار لمؤلف مجهول الاسم (٣).

وتطرق الى ما في العصر العباسي الأول من العلوم المؤرخ المسعودي (٤) فانه قال : ـ ان ذلك العصر كان خصيبا في الترجمة والانتاج الادبى ، فنقل فيه عدة مقالات عن ارسطو ، وكتاب المجسطي لبطليموس في الفلك ، وكتاب اقليدس في الهندسة ، ومواد اخرى عن اليونانية ـ.

وبعد فان الدكتور مصطفى جواد يرد نفسه بنفسه ، وذلك في كتاب ـ تاريخ العرب ـ الذي اشترك في تأليفه هو وجماعة من إخوانه الفضلاء فجاء في الكتاب المذكور ص ٢٦ ط العاني في الكلام عن سيرة العرب قبل الإسلام ـ .. وكان للعرب ثقافة تمثل نتيجة ما افادوه من

__________________

(١) تأريخ آداب اللغة العربية ج ٢ ص ٣٢.

(٢) طبقات الأمم لصاعد الاندلسى ص ٧٧ ط السعادة.

(٣) علم الفلك لكرلونلينو ص ٢١٩.

(٤) في كتابه مروج الذهب ج ٨ ص ١٩١ ـ ١٩٢ ط ليبزج.

٢٧

الأمم ، فكانوا يعرفون اخبار الأمم ، كما كانوا يعرفون شيئا من السير والتاريخ والقصص والاساطير. وكان منهم من يعرف اللغات الأجنبية الآرامية والفارسية والرومية ، وعددهم قليل .. ـ ثم يتطرق الدكتور ناعته في ص ١٦٢ ـ ١٦٣ الى حديث الترجمة في العصر الأموى ، انقل من الكتب الطبيعية والكيماوية.

وهكذا يظهر لما واضحا جليا ان حركة الترجمة والنقل كانت تسبق عهد الإمام الصادق ، بل ان العرب كانوا على علم تام بالثقافة اليونانية في زمانه والامام عاصر تلك النهضة العلمية في عصر المنصور ، وكان له في دفتها نصيب كبير ، حتى قال عنه السيد امير علي (١) : ـ .. ولا يفوتنا ان نشير الى ان الذي تزعم تلك الحركة هو حفيد علي بن أبي طالب المسمى بالامام جعفر والملقب بالصادق ، وهو رجل رحب افق التفكير بعيد اغوار العقل ملم ، كل الالمام بعلوم عصره ، ويعتبر في الواقع أنه أول من اسس المدارس المشهورة في الإسلام ـ.

يضاف الى ذلك انه ورد في اخبار الإمام الصادق ما يدل على اطلاعه الوافر على جملة من اللغات الأجنبية (٢) فلا نستبعد معرفته باللغة اليونانية ، والعقل لا يمنع ذلك على مثل الصادق وما له من المنزلة الثقافية

__________________

(١) في كتابه ـ مختصر تاريخ العرب والتمدن الإسلامي ـ ص ١٧٩ لجنة التأليف والترجمة والنشر بمصر.

(٢) انظر في ذلك ما رواه عمّار الساباطي عن معرفة الصادق القبطية ، وما رواه أبان بن تغلب عن الإمام الصادق باللسان الفارسيّ ـ

٢٨

الكبيرة ، وعن طريق معرفته باللغة اليونانية اتصل بآدابها وعلومها ، واثبت عددا من أسماء اليونانيين وكلماتهم في كتاب « توحيد المفضل » ولا يفوتنا أن نشير إلى ان للشيعة الإمامية رأيا خاصا في أئمتهم ، ويذهبون في علمهم مذهبا لا يخضع لما يقرره الدكتور مصطفى جواد ، من لزوم انتشار العلم بين الناس ، حتى يتسنى للامام أن يحصله على يد أساتذة علماء ، ثم يمليه على تلاميذه وطلابه (١) ... والامام يجب أن يكون ـ على رأي الإمامية ـ عالما بكل شيء ، واعلم الناس في علم وفي لسان وفي لغة (٢) وان الامام مرجع العالم في كل شيء ، ويجوز ان يسألوه عن كل شيء ، فيجب أن يكون عنده علم كل شيء (٣).

٧ ـ كتاب توحيد المفضل :

كان الباعث للإمام الصادق على وضع كتاب التوحيد : ان المفضل كان جالسا ذات يوم في روضة القبر النبوي فإذا هو بجماعة من الزنادقة

__________________

ـ والنبطي والحبشي والصقلبي ( البحار مج ١١ ص ٩٥ ـ ٩٦. وبصائر الدرجات ج ٧ الباب ١١ ).

(١) راجع مقال السيّد محمّد حسين الصافي المنشور في مجلة الغريّ العدد ٢ ـ ٣ السنة ١١.

(٢) كتاب الصادق للشيخ محمّد حسين المظفر ج ١ ص ٢١٢.

(٣) الشيعة والإمامة للمظفر ص ٢٠ ط الغري.

٢٩

فيهم عبد الكريم بن أبي العوجاء (١) فيدور الحديث بينهم في قضايا الحادية عنيفة ، تثور لها ثائرة الايمان في قلب المفضل ، ويتوجه ـ بعد نقاش حاد جرى بينه وبين ابن أبي العوجاء ـ الى دار الإمام الصادق ليخبره بجلية الأمر. فما عتم الصادق ان أملى عليه كتاب التوحيد الذي ينتظم من أربعة مجالس في أربعة أيام ، من الغدوة إلى الزوال.

وهذا الذي بين ايدينا من كتاب التوحيد له تتمة او جزء ثان ، لأن الامام وعد المفضل ان يملي عليه حديثا آخر عن علم ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله بينهما إلخ. وقد رأينا هذا الجزء الثاني من التوحيد مطبوعا بتمامه في « تباشير الحكمة » ـ فارسي طبع بايران سنة ١٣١٩ ه‍ ـ تأليف السيد ميرزا أبى القاسم الذهبي الشيرازي المتوفى سنة ١٢٨٦ ه‍. ولم يمكنا الوقت الضيق من درس هذا الجزء والوقوف على ابحاثه بشكل دقيق ولم يغفل العلماء والفضلاء عن مراجعة كتاب التوحيد ، والارتشاف من منهل علم الامام ، وقد تطرق إلى ذكره جماعة من اولئك العلماء والفضلاء نذكر منهم :

١ ـ أبو العباس أحمد بن علي النجاشي المتوفى عام ٤٥٠ ه‍ في رجاله ص ٢٩٦ ط بمبي.

__________________

(١) انظر احواله وآراءه في كتاب الاحتجاج للطبرسيّ ص ١٨٠ و١٨١ ط ايران وتاريخ الطبريّ ج ٣ ص ٣٧٥ وما بعدها ط ليدن وفهرست ابن النديم ص ٣٣٨ ، والفرق بين الفرق للبغدادي ص ٢٥٥ ط محمّد بدر ، ودائرة المعارف الإسلامية مج ١ ص ٨١ ، وأمالي المرتضى ج ١.

٣٠

٢ ـ رضي الدين علي بن طاوس المتوفى عام ٦٦٤ ه‍ في كتابه الأمان من اخطار الاسفار والازمان ص ٧٨ ط الحيدرية في النجف وفي كتابه الآخر كشف الحجة ص ٩ ط الحيدرية في النجف.

٣ ـ محمد تقي المجلسي المتوفى عام ١٠٧٠ ه‍ في كتاب شرح المشيخة ـ مخطوط ـ وقد شرحه باللغة الفارسية.

٤ ـ محمد باقر المجلسي المتوفى عام ١١١٠ ه‍ في كتابه بحار الأنوار ج ٢ ص ١٧ ـ ١٨.

وطبع كتاب التوحيد نحو سبع مرات ، منها طبعة مصر على الحجر وطبعة النفاسة باستنبول والجوائب المصرية وطهران والهند والآداب ببغداد ، والحيدرية بالنجف ، وكانت مظنته في الطبعة الأخيرة كتاب ( بحار الأنوار ) وقوبلت بنسخة خطية من كتاب التوحيد هي ملك الصديق الأستاذ الخطيب السيد عبد الامير الاعرجي كتبت في ١٤ جمادى الأولى عام ١٢٦٨ ه‍.

٨ ـ مقارنة بين توحيد المفضل وأسلوب الجاحظ :

ما كان الوهم ليختلج في ذهن الدكتور مصطفى جواد عن توحيد المفضل ، لو لا ان محمد راغب الطباخ قد طبع التوحيد منسوبا إلى الجاحظ بالمطبعة العلمية بحلب في ٢٩ شعبان سنة ١٣٤٦ ه‍ ـ ١٩٢٨ م تحت عنوان ( الدلائل والاعتبار على الخلق والتدبير ) .. وما ان رأى الدكتور هذه

٣١

النسخة حتى راح يعتقد ان كتاب التوحيد من تأليف الجاحظ حقا وحقيقة مع انه سبق ان ذكرنا انه طبع في مختلف مطابع العالم الإسلامي وفي شتى أنحائه منذ نيف ومائة وخمسين عاما ، ولو لم يكن مشهورا ومعروفا عند اهل النظر والعلم في الهند ومصر وتركيا وايران والعراق لما قاموا بطبعه وصححوا لسبته إلى الإمام الصادق عليه‌السلام.

ونحن إذا أجلنا الطرف بين صفحات كتاب التوحيد ، واستقرينا جميع ما فيه من بحوث ومسائل ، وقارناها بكتابات الجاحظ ، وتمعنا في كل ذلك تمعنا بسيطا ، لرأينا البون شاسعا بينهما ، والفرق كبيرا ظاهرا لكل ذي بصيرة .. وللتثبت من ذلك والاستدلال عليه نحيل القارئ الى ما كتبه الجاحظ في صدد الكلام عن مشفر الفيل وخرطومه (١) وما كتبه الإمام الصادق في الموضوع نفسه (٢) وقارن أيضا بين ما قاله الجاحظ عن النحل (٣) وما خاطب به الصادق المفضل في البحث ذاته (٤) ، وقارن مرة ثالثة بين ما ذكره الجاحظ في وصف العنكبوت (٥) وما وصف به الصادق طبائع هذا الحيوان العجيب (٦).

__________________

(١) كتاب الحيوان للجاحظ ج ٧ ص ٣٨ ط السعادة بمصر.

(٢) راجع توحيد المفضل ص ٤١.

(٣) كتاب الحيوان ج ٥ ص ١١٦.

(٤) توحيد المفضل ص ٥٢ ـ ٥٣.

(٥) كتاب الحيوان ج ٥ ص ١٢٤.

(٦) توحيد المفضل ص ٤٧.

٣٢

ان هذه المقارنة تعطينا نظرة اجمالية عما بين أسلوب الجاحظ والصادق من التنافر والبعد ، فان الجاحظ في مثل هذه الموضوعات يبدو حريصا على تجميل الكلام وتنميق الأسلوب ، وطالما نراه يستعمل الحذلقة والتظرف في المناقشة مع شيء غير قليل من التماجن والدعابة والسخرية.

أما الإمام الصادق فانه مسترسل في كلامه كل الترسل ، سمح في عبارته كل السماحة.

ثم ان في كتاب التوحيد تناسق في البحوث ، ووحدة موضوعية منعدمة في مؤلفات الجاحظ ، لان الجاحظ يتبع طريقة الاستطراد ويبتعد كثيرا عن صلب الموضوع.

ولو كان كتاب التوحيد للجاحظ حقا ، لأودع فيه شيئا من آرائه الخاصة في الاعتزال ، او آراء بعض أئمة المعتزلة ، وما لهم من عقائد في باب الحكمة والتدبير في الخلق ، كما هو شأنه في بحوثه الكلامية ... وبعكس ذلك نرى روح التشيع متجلية ظاهرة في كتاب التوحيد ، وان سهولة عبارته اقرب ما تكون ميلا إلى أسلوب الإمام الصادق والأفكار التي كان يمليها على المآت من تلاميذه وأصحابه.

والجاحظ كان يتناول الأفكار بروح يبدو انه خال من حرارة الايمان ، وانه يأتي الفن بقصد العبث والتلاعب ، واظهار المقدرة البيانية ، وهي روح تقصيه عن مكان الكاتب ذي الرسالة السامية ، والذي يقول ويعنى ما يقول ، ثم يؤمن بما يقول ، لذلك لا يحس قارئ الجاحظ إلا بالنشوة تخامره ، وباللذة تساوره ، وبالاعجاب بقدرة هذا

٣٣

الفنان ، ان اخرج من الحق باطلا ، ومن الباطل حقا. لكنه مع هذا يعجز ان يحمل القارئ على الايمان بما يرى ، والتصديق لما يقول (١) والجاحظ إذا اخضع مختلف المواضيع لاسلوبه ، لم يخضع بينها الفلسفة بحدودها ومصطلحاتها وتعاريفها وانما تناولها تناول أديب يتفلسف (٢)

وكتاب التوحيد وان لم يكن موضوعه فلسفيا ، فهو من النتائج الفلسفية البعيدة الاغوار التي لا ينتهى إليها إلا من أوتي حظا عظيما من الفهم والدراية بشئون هذا الخلق ، وأحوال هذا العالم ، مما هو داخل في حظيرة علم المعقول .. والجاحظ ليس اهلا لخوض مثل موضوع كتاب التوحيد والوقوف عند أمثاله موقف العاجم لعوده ، الغائص في اغواره الكاشف عن مبهماته ، العارف باصوله وفروعه.

٩ ـ مقارنة أخرى بين توحيد المفضل وأخبار الصادق :

ولقد جاء في أخبار الإمام الصادق ـ المروية في الموسوعات الكبيرة والمثبتة في أمهات الكتب ـ الكثير مما يشابه المسائل العلمية التي تضمنها توحيد المفضل ، ويقارب ما احتوى عليه من موضوعات في الطبيعة .. من ذلك ما أثبته المجلسي (٣) في حديث رواه سالم الضرير في ان نصرانيا سأل الصادق عن تفصيل الجسم ، وجواب الامام له جوابا لا يعدو المراد

__________________

(١ ، ٢) أبو حيان التوحيدى لعبد الرزاق محي الدين ص ٣٥٠ ط السعادة.

(٣) راجع بحار الأنوار مج ١١ ص ١٢٨.

٣٤

منه ما حدث به المفضل في موضوع أعضاء البدن وفوائد كل منها (١) ومثل ذلك ما سأل به أبو حنيفة الإمام الصادق عن الشمس والقمر وحديث هشام الخفاف ، وتوجيه الصادق إليه بعض الأسئلة في حركات النجوم ، وعجزه عن الجواب ، ثم تفصيله هو الجواب عما سأل به (٢) وهذا كله مشابه كل الشبه لما تكلم به الصادق مع المفضل في المجلس الثالث (٣) بل لا يعدو أن تكون المضامين متفقة اتفاقا يدل دلالة قوية على ان البحثين قد صدرا من فيض علم رجل واحد.

أما كتاب الاحتجاج للطبرسي ١٨٠ ـ ٢٠٦ ط النجف فتجد فيه كثيرا من أحاديث الإمام الصادق ، واحتجاجاته الجمة مع كثير من زنادقة عصره ، وأنت تستطيع ان ترى شدة المشابهة بين تلك الاحتجاجات وبين أكثر المواضيع التي طرقها الامام في كتاب التوحيد.

١٠ ـ الاسماعيلية وكتاب التوحيد :

كان الاسماعيليون في المرحلة الأولى من دعوتهم الثورية العقائدية قد تبنوا مكافحة الالحاد ، والقيام بصد الموجة الطاغية التي اجتاحت الفكر الإسلامي من جماعة الشكاكين والملحدين الذين كانوا يذهبون إلى انكار القوة الخالقة وبعث الرسل ، وأمثال ذلك من الأمور التي تتصل بالغيبيات والالهيات.

__________________

(١) توحيد المفضل ص ١١ ط الحيدريّة.

(٢) انظر البحار مج ١١ ص ١٢٧ وص ١٣٠.

(٣) توحيد المفضل ص ٥٥ وص ٥٦.

٣٥

وقد ابتدأت هذه الحركة من جانب الاسماعيليين منذ ان وضعت الرسائل الرمزية بالاسم الموهوم جابر بن حيان في أوائل القرن الرابع للهجرة ، وامتدت إلى عهد داعي دعاتهم الأول ذي العقل الموسوعي ( الانسكلوبيدي ) مؤيد الدين الشيرازي (١) ومجالسه المؤيدية المعروفة صورة واضحة تمثل لنا الحرب العوان التي شنها الاسماعيليون على الإلحاد والملحدين والتشكيك والشكاكين.

والذي يظهر لدينا ان الاسماعيليين قد ظفروا بكتاب التوحيد ، فوجدوا فيه ضالتهم المنشودة واملهم المرجو ، فكتبوا منه عدة مئات من النسخ ، وبثوه بين جماعاتهم وعمموه على انصارهم ، للدرس عليه والأخذ منه

ويظهر لدينا مرة اخرى بان واحدا من اولئك الدعاة الاسماعيليين المثقفين قد قرأ كتاب التوحيد ، وسحره كثيرا ، حتى لقد بدا له ان يغشيه ثوبا اسماعيليا خاصا ، فكتب له مقدمة قصيرة حشاها ببعض المصطلحات الاسماعيلية وأضاف له الآراء العامة التي

يعتقدها أصحاب هذه الفرقة .. فعل ذلك من اجل الدعوة إلى مذهبه ، واشاعته في أكثر عدد ممكن من الناس.

__________________

(١) المؤيد في الدين هبة الله بن أبي عمران الشيرازي الاسماعيلي ، داعي الدعاة في عصر الخليفة المستنصر بالله الفاطمي ، ولد في شيراز وتنقل في أكثر المناطق الإسلامية ، حتى سكن مصر وتوفي بها عام ٤٧٠ ه‍ اما مجالسه التي أشرنا إليها فقد عثر الدكتور حسين الهمداني على ثمانية مجلدات منها وهي تشتمل على ٨٠٠ مجلس وكل مجلس عبارة عن محاضرة كان يلقيها مؤيد الدين في دار العلم بالقاهرة.

٣٦

ونحن نستطيع ان نتعرف على هذه الزيادات التي اضافها الاسماعيليون على أصل كتاب التوحيد ، كالذي جاء في مقدمة المجلس الرابع من كلمات مثل هذه ( صاحب السر المستور (١) والغيب المحظور ).

بل ان الشك ليساورنا في المجلس الرابع كله ... فالذي نخاله ان هذا المجلس كله من وضع الاسماعيليين ، فهو لا ينسجم مع مجالس الكتاب الأولى من جهة ، وما فيه من آراء لم تعرف عن الإمام الصادق من جهة أخرى ، مع ملاحظة ان موضوعات هذا المجلس متأثرة بفلسفة فيثاغورس العددية التي كان ينهل من نميرها الاسماعيليون ، بينما الشيعة الاثنى عشرية يواكبون المشائين والرواقيين والاشراقيين.

أما المقدمة التي أضافها أحد الاسماعيليين فتجد فيها مثل هذه الكلمات ( امام عصرنا المقيم دعوة الحق بالمطلقين الدعاة ) وكذلك هذه الكلمات :

( أيد الله داعي هذا الوقت بالمواد اللطيفة والبركات ) ومثل هذه المقدمة وتلك الكلمات تبدو لنا دخيلة على كتاب التوحيد ، ولا صلة لها بصلب البحث الذي تدور حوله موضوعات الكتاب.

ولما رجعنا إلى النسخة الخطية من كتاب التوحيد التي يقتنيها الأخ الأستاذ الاعرجي ، وجدناها خالية من المقدمة الاسماعيلية ، وكذلك لم نجدها في كتاب بحار الأنوار ، فاقتضى التنبيه على ذلك.

النجف الأشرف

١٠ / ٧ / ١٩٥٠

كاظم المظفر

__________________

(١) يقول مؤيد الدين الشيرازي عن نفسه كما في ديوانه المخطوط :

رضيت التستر لي مذهبا

وما أبتغي عنه من معدل

٣٧

بسم الله الرحمن الرحيم

قلنا فيما سبق ان هذه المقدمة ليست لها أية صلة بالكتاب ، وانما وضعها أحد الاسماعيليين في عصر متأخر عن الإمام الصادق عليه‌السلام.

الحمد الله الذي اوجد الموجودات ، وجعل فيها دلائل ربوبيته واضحات شاهدات ، وصلى الله تعالى على محمد رسوله إلى كافة الناس بالبينات الجالية القلوب الى الإقرار بالباري ، وللجاحدين رادعات صادات ، وعلى الأئمة من ذريته سادة الخلق ولهم إلى ذي الحق هداة ، وعلى امام عصرنا المقيم دعوة الحق بالمطلقين الدعاة ، وايد الله داعي هذا الوقت بالمواد اللطيفة والبركات.

( أما بعد ) : فهذا كتاب يشتمل على حكمة الباري جل وعلا في خلق العالم ومواليده ، الذي يسكن إليه المؤمنون. ويتحير فيه الملحدون لما فيه من صواب القول وسديده ، الذي ذكره الصادق عليه‌السلام للمفضل وهو مقطوع اول ورقة منه والموجود ما يليه هذا وهو نصه وشرحه :

٣٨

كتاب توحيد المفضل

بسم الله الرحمن الرحيم

( كلام ابن أبي العوجاء مع صاحبه )

روى محمد بن سنان (١) قال حدثني المفضل بن عمر (٢) قال كنت ذات يوم بعد العصر جالسا في الروضة بين القبر والمنبر وأنا مفكر فيما خص الله تعالى به سيدنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله ، من الشرف

__________________

(١) هو أبو جعفر الزاهري. ذكر الكشّيّ في شأنه ما يدلّ على مدح عظيم وعلى قدح ايضا ، وذكر انه روي عنه جماعة من العدو والثقاة من أهل العلم والإنصاف ، وجميع الروايات المجرحة له واهية ساقطة ، فقد أشار الكثير إلى قوته والذب عنه ، وتفنيد ما قيل فيه من الضعف. وان اجتماع الأعيان على الرواية عنه ادل شيء على كمال قوته عده الشيخ المفيد من خاصّة الإمام الكاظم وثقاته وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته كما عده الشيخ في الغيبة من الوكلاء المرضيين الذين لم يغيروا ولم يبدلوا ، بل مضوا على منهاج الأئمّة ، وفي الخلاصة كان مكفوف البصر اعمى توفى عام ٢٢٠ ه‍.

(٢) مضت ترجمة المفضل بصورة مفصلة في المقدّمة.

٣٩

والفضائل وما منحه وأعطاه وشرفه وحباه مما لا يعرفه الجمهور من الأمة وما جهلوه من فضله وعظيم منزلته وخطير مرتبته فإني لكذلك إذ أقبل ابن أبي العوجاء فجلس بحيث أسمع كلامه فلما استقر به المجلس إذ رجل من أصحابه قد جاء فجلس إليه فتكلم ابن أبي العوجاء (١) فقال لقد بلغ صاحب هذا القبر العز بكماله وحاز الشرف بجميع خصاله ونال الحظوة في كل أحواله فقال له صاحبه إنه كان فيلسوفا ادعى المرتبة العظمى والمنزلة الكبرى وأتى على ذلك بمعجزات بهرت العقول وضلت فيها الأحلام وغاصت الألباب على طلب علمها

__________________

(١) هو عبد الكريم بن أبي العوجاء ربيب حماد بن سلمة على ما يقول ابن الجوزي ومن تلامذة الحسن البصري ، وذكر البغداديّ انه كان ما نويا يؤمن بالتناسخ ويميل إلى مذهب الرافضة (!) ويقول بالقدر ، ويتخذ من شرح سيرة مانى وسيلة للدعوة ، وتشكيك الناس في عقائدهم ، ويتحدث في التعديل والتجوير على ما يذكر البيرونى. ومن هنا يتبين ان ابن أبي العوجاء هذا كان زنديقا مشهورا بذلك وله مواقف حاسمة مع الإمام الصّادق ، أفحمه الامام في كل مرة منها ، سجنه والي الكوفة محمّد بن سليمان ثمّ قتله في أيّام المنصور عام ١٥٥ ه‍ ، وقيل عام ١٦٠ ه‍ في أيّام المهدى تجد ذكره في تاريخ الطبريّ ج ٣ ص ٣٧٥ ط ليدن ، وفهرست ابن النديم ص ٣٣٨ ، والفرق بين الفرق ص ٢٥٥ ط محمّد بدر ، ودائرة المعارف الإسلامية مج ١ ص ٨١ ، واحتجاج الطبرسيّ ص ١٨٢ و١٨٣ ط النجف ، وما للهند من مقولة ص ١٢٣.

٤٠