تنبيهات حول المبدأ والمعاد

الميرزا حسنعلي مرواريد

تنبيهات حول المبدأ والمعاد

المؤلف:

الميرزا حسنعلي مرواريد


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: العتبة الرضويّة المقدّسة
المطبعة: مؤسسة الطبع والنشر في الآستانة الرضويّة المقدّسة
الطبعة: ٢
ISBN: 964-444-083-8
الصفحات: ٢٧٣

الْغابِرِينَ ) (١)

وقيل : جاء بمعنى الخلق أيضا ، ومثّل له بقوله تعالى : ( وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها ) (٢).

فتأمّل.

فنقول : لا إشكال في تعلّق القضاء والقدر بجميع معانيها بغير الأفعال الاختيارية ، إنّما الإشكال في تعلّقها بتلك الأفعال ، فمن أراد أنّ الله حكم عليها وألزم بها مولويا ، بأن أمر ببعضها ونهى عن بعضها فهو معنى صحيح دلّ عليه الكتاب والسنة والعقل. وكذا إن أراد أنّه بيّن تلك الأحكام وبيّن مقاديرها ومراتبها بحسب الفرض والنفل ، وبحسب الحسن والقبح ، وكذا لو أراد أنّه أعلم وكتب وبيّن أنهم سيفعلونها.

وكذا لا بأس بتعلّق التقدير والقضاء التكوينيّ بأسبابها ومقدماتها وبالدواعي إلى وجودها أو عدمها ، وبالقدرة على فعلها وتركها ، فإنّه وإن كانت المقدمات والمقتضيات والدواعي مخلوقة لله تعالى ، وكانت القدرة المفاضة منه تعالى على العبد بقدر ـ كما عن الاحتجاج بعد ذكر الخبر المتقدم : وروي أن الرجل قال : فما القضاء والقدر الذي ذكرته يا أمير المؤمنين؟ فقال : الأمر بالطاعة والنهي عن المعصية ، والتمكين من فعل الحسنة وترك المعصية ، والمعونة على القربة إليه ، والخذلان لمن عصاه ، والوعد والوعيد ، والترغيب والترهيب ، كل ذلك قضاء الله في أفعالنا ، وقدره لأعمالنا ، أمّا غير ذلك فلا تظنّه فإنّ الظن له محبط للأعمال. فقال : فرّجت عني يا أمير المؤمنين فرّج الله عنك (٣) ـ إلاّ أن تلك القدرة المفاضة عليه تجعل العمل المقدور له فعله ومنتهيا إليه ، لا إلى معطي القدرة الذي أعطاها إيّاه ليصرفها في طاعته ، وأعملها العبد بسوء اختياره في معصيته.

والإنسان وإن كان لا يعمل عملا إلاّ بالداعي ، ولكن القدرة المفاضة عليه بعد وجود الداعي توجب نسبة العمل على نحو الحقيقة إليه لا إلى الداعي.

ويظهر ذلك كمال الظهور إذا كان الداعي إلى الطرفين كليهما موجودا ، وكان اختيار

__________________

(١) النمل ٥٧.

(٢) فصلت ١٠.

(٣) البحار ٥ : ٩٦.

١٦١

أحدهما أي ترجيح أحد الداعيين على الآخر بيد الفاعل ، فإنّ مقتضى قدرة القادر أن لا يحتاج في سلطنته على ترجيح أحد طرفي المقدور ، أي وجوده وعدمه ـ متساويين كانا من جهة الداعي أم لا ـ إلى مرجّح آخر سوى مشيئه التي هي فعل له ، وإلاّ لزم الخلف ، أي أن لا يكون قادرا ، والالتزام به مخالف للوجدان وضرورة الأديان.

تنبيه

قال العلاّمة الحلّيّ ـ قدس‌سره ـ ما حاصله : إنّ أبا الحسن الأشعري وأتباعه لمّا لزمهم القول بالجبر إنكار ما علم بالضرورة ثبوته ، وهو الفرق بين الحركات الاختيارية والحركات الجمادية وما شابه ذلك ذهب إلى إثبات الكسب للعبد ، فقال : الله تعالى موجد الفعل ، والعبد يكتسب ، واضطرب كلامهم في معنى الكسب ، فعن بعضهم أنّ للعبد اختيار الفعل أو عدمه ، والله يخلق الفعل عند اختيار العبد إيّاه. وعن بعضهم أنّ أصل الفعل من الله ، ووصف كونه طاعة أو معصية من العبد. وبعبارة أخرى : إنّ الله يخلق الفعل من غير أن يكون للعبد فيه أثر النسبة ، لكن العبد يؤثر في وصف كون الفعل طاعة أو معصية. وعن بعضهم أنّ هذا الكسب غير معقول ولا معلوم مع أنّه صادر من العبد.

وأجاب عن الأول بأنّ الاختيار فعل من الأفعال ، فإذا جاز صدوره عن العبد فليجز صدور أصل الفعل منه ، وأيّ حاجة إلى هذا التمحّل تصحيحا للقول بأنّ الظلم والجور والقبائح بأسرها من الله تعالى؟!

وعن الثاني بأنّ الطاعة والمعصية المستندتين بإقرار القائل إلى العبد هل هو نفس الفعل أو أمر زائد عليه؟ فإن كان نفس الفعل فهو صادر من الله ـ على قوله ـ لا من العبد ، وإن كان أمرا زائدا عليه فهو من العبد ، فإذا جاز صدوره من العبد فليجز صدور أصل الفعل منه كما قلنا في الجواب عن الأول.

على أنّ كون الفعل طاعة عبارة عن كونه موافقا لأمر الشارع ، وهو شيء يرجع إلى الفعل ، إن كان مطابقا لأمر الشارع كان طاعة ، وإلا فلا ، وحينئذ لا يكون الفعل مستندا إلى العبد ، لا في ذات الفعل على قولكم ، ولا في وصف كونه طاعة ، لأن المطابقة ليست من

١٦٢

فعل العبد.

وعن الثالث بأنّ ما لا يعقل لا دليل عليه (١). والحمد لله.

وأمّا المشيئة والإرادة فحقيقتهما ـ كما في التقدير والقضاء ـ على ما يظهر من بعض الروايات ويصدقه الوجدان أنّها هي الأفعال الصادرة عن الفاعل القادر الملتفت ، المتقدمة على ما يصدر منه في الخارج ، إمّا تقدّما رتبيّا فقط ، كما في الأفعال الصادرة عنه متعاقبة ، مثل الكلمات المحسوسة المضبوطة المقدّرة ، الصادرة عن الخطيب العالم البليغ الماهر في التكلم ، فإنّ كلّ كلمة صدرت منه وإن كانت مسبوقة بمشيئة المتكلم وإرادته وتقديره وقضائه ، لأنّه لو لم يشأها ولم يردها لم تصدر منه ، ولو لم يقدّرها لم تتقدر بقدر معين ، ولو لم تكن بقضاء وعزم وجزم منه لم تتحقق ولم تمض في الخارج ، إلاّ أنّها لسرعة نفوذها ووقوعها تتداخل ، بل تكون جميعها فانية في الفعل الخارجي الصادر منه ، ولذا لا يتميز ولا يتأخر إحداها عن الاخرى ، بل لا يتأخر متعلقها وهو الفعل الخارجي أيضا عنها زمانا ، بحيث لا يرى في الخارج إلاّ المتكلم والكلام الصادر منه.

وإمّا تقدّما زمانيا أيضا ، بحيث يظهر ويتميز إحداها عن الأخرى ، وعن الفعل الصادر منه ، وذلك فيما إذا تعلقت المشيئة والإرادة بالفعل المتأخر زمانا. مثلا في الذهاب من مكان إلى مكان آخر نتصور أوّلا ونهتمّ بأصل هذا الذهاب ، ويعبّر عن هذا بالذكر الأوّل ، وبالمشيئة. فإذا ثبتنا على هذه الفكرة وهذا الذّكر يعبّر عنها بالإرادة. ثم نقدّر الذهاب بأنّه في أيّ زمان ، ومن أيّ طريق ، وبأيّ وسيلة ، ويعبّر عنه بالتقدير. ثم نعزم على العمل ، ويعبّر عن هذا العزم بالقضاء. فإذا تمّت تلك الامور نشرع في العمل ، ويعبّر عن هذا الشروع بالإمضاء أي الإجراء في الخارج.

والظاهر من الروايات ثبوت هذه الامور لله تعالى وصدورها عنه على الترتيب المذكور ، ولكن لا بنحو ثبوتها وصدورها منّا ، بل هو كتابة وثبت إجمالي ثم تفصيلي في لوح ووعاء مخصوص لا نعرف حقيقته ولا كيفية كتابته ، إلاّ أنّ مقتضى الدليل العقلي والنقلي أنه كسائر أفعاله لا يوجب تغييرا في ذاته تعالى شأنه.

__________________

(١) نهج الحقّ للعلاّمة الحلّيّ : ١٢٥.

١٦٣

فعن التوحيد بسنده عن المعلّى بن محمّد ، قال : سئل العالم عليه‌السلام : كيف علم الله؟ قال : علم وشاء ، وأراد وقدّر ، وقضى وأمضى ، فأمضى ما قضى ، وقضى ما قدّر ، وقدّر ما أراد ، فبعلمه كانت المشيئة ، وبمشيئته كانت الإرادة ، وبإرادته كان التقدير ، وبتقديره كان القضاء ، وبقضائه كان الإمضاء. فالعلم متقدم على المشيئة ، والمشيئة ثانية ، والإرادة ثالثة ، والتقدير واقع على القضاء بالإمضاء. فلله تبارك وتعالى البداء فيما علم متى شاء ، وفيما أراد لتقدير الأشياء. فإذا وقع القضاء بالإمضاء فلا بداء ... إلى آخر الخبر بتفصيله ، أورده العلاّمة المجلسيّ قدس‌سره في البحار في باب القضاء والقدر (١).

ولعلّ المراد بالإمضاء هو إيجاده في الخارج ، فعليه ما لم يتحقق الشيء في الخارج يجري فيه البداء ، كما ورد في الرواية : الدعاء يردّ القضاء وقد أبرم إبراما (٢).

وفي المحاسن بسنده عن يونس عن الرضا عليه‌السلام قال : قلت : لا يكون إلا ما شاء الله وأراد وقضى؟ فقال : لا يكون إلا ما شاء الله وأراد وقدّر وقضى ، قال : قلت : فما معنى شاء؟ قال : ابتداء الفعل ، قلت : فما معنى أراد؟ قال : الثبوت عليه ، قلت : فما معنى قدّر؟ قال : تقدير الشيء من طوله وعرضه ، قلت : فما معنى قضى؟ قال : إذا قضى أمضاه ، فذلك الذي لا مردّ له (٣).

قال المجلسيّ رحمه‌الله : ابتداء الفعل ، أي أوّل الكتابة في اللوح ، أو أوّل ما يحصل من جانب الفاعل ويصدر عنه مما يؤدّي إلى وجود المعلول.

أقول : لعلّ المراد بقوله إذا قضى أمضاه : القضاء المقارن للإمضاء ، أي الإيجاد. أو المراد مسبوقية الإمضاء بالقضاء.

وفي المحاسن بسنده عن محمّد بن إسحاق ، قال : قال أبو الحسن عليه‌السلام ليونس مولى علي بن يقطين : يا يونس! لا تتكلّم بالقدر ، قال : إنّي لا أتكلّم بالقدر ، ولكن أقول لا يكون إلاّ ما أراد الله وشاء وقضى وقدّر ، فقال : ليس هكذا أقول ولكن أقول : لا يكون إلاّ

__________________

(١) البحار ٥ : ١٠٢.

(٢) البحار ٦٢ : ٢٢٨.

(٣) المحاسن ٢٤٤ ، وعنه البحار ٥ : ١٢٢ ، وعبارة صدر الحديث متفاوتة فيهما ، والمتن موافق للمحاسن.

١٦٤

ما شاء الله وأراد ، وقدّر ، وقضى ، ثم قال : أتدري ما المشيئة؟ فقال : لا ، فقال : همّه بالشيء ، أو تدري ما أراد؟ قال : لا ، قال : إتمامه على المشيئة ، فقال : أو تدري ما قدّر؟ قال : لا ، قال : هو الهندسة من الطول والعرض والبقاء. ثم قال : إنّ الله إذا شاء شيئا أراده ، وإذا أراده قدّره ، وإذا قدّره قضاه ، وإذا قضاه أمضاه ... إلى آخر الخبر (١).

وعن تفسير علي بن إبراهيم ، بسنده عن يونس ، عن الرضا صلوات الله عليه ما يقرب منه ، وفيه : إنّ المشيئة الذكر الأوّل ، والإرادة العزيمة على ما شاء ، والتقدير وضع الحدود من الآجال والأرزاق والبقاء والفناء ، والقضاء إقامة العين (٢).

وعن الدرّة الباهرة : قال الرضا صلوات الله عليه : المشيئة الاهتمام بالشيء ، والإرادة إتمام ذلك الشيء (٣).

وفي المحاسن بسنده عن هشام بن سالم ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إن الله إذا أراد شيئا قدّره ، فإذا قدّره قضاه ، فإذا قضاه أمضاه (٤).

وفيه أيضا مسندا عن حريز بن عبد الله ، وعبد الله بن مسكان ، قالا : قال أبو جعفر عليه‌السلام : لا يكون شيء في الأرض ولا في السماء إلاّ بهذه الخصال السبع : بمشيئة ، وإرادة ، وقدر ، وقضاء ، وإذن ، وكتاب ، وأجل ، فمن زعم أنّه يقدر على نقص واحدة منهن فقد كفر (٥).

تنبيه

إنّ تعلق مشيئة الله تعالى وإرادته وتقديره وقضائه بعملنا ليس بتعلقها بذات العمل الصادر منّا بقدرتنا ، لأنّه بعد فرض كون العمل بمشيئة العبد الصادرة عن قدرته التي أعطاها الله إيّاه تكون هي العلة المستقلة له ، فيلزم من تعلق مشيئة الله أيضا به توارد

__________________

(١) المحاسن ٢٤٤ ، وعنه البحار ٥ : ١٢٢.

(٢) البحار ٥ : ١١٦.

(٣) البحار ٥ : ١٢٦.

(٤) المحاسن ٢٤٤ ، وعنه البحار ٥ : ١٢١.

(٥) المحاسن ٢٤٤ ، وعنه البحار ٥ : ١٢١.

١٦٥

العلتين المستقلتين على معلول واحد ، فلو كان لله تعالى أيضا مشيئة في فعله ذلك ـ كما يظهر من بعض الآيات والروايات المتقدمة وغير ها ـ فلا محالة يكون متعلقها مقدمات ذلك الفعل وأسبابه والدواعي إليه ، وحدود القدرة المفاضة إليه ، والمعونة والخذلان فيه.

ويكون المراد من تلك الروايات نفي التفويض لا إثبات الجبر ، كما يشهد عليه ـ مضافا إلى ما مرّ ـ أنّها نزلت وصدرت عن الله تعالى شأنه ، وعن رسوله وخلفائه الذين من ضروريات دينهم نفي الجبر ، فكيف يحتمل العاقل المنصف أنّهم أرادوا بها إثباته. مضافا إلى ما ورد منهم في تفسير ها وبيان المراد منها.

هذا بعض الكلام في نفي الجبر في أفعال العباد.

وأمّا التفويض فهو أيضا مما دلّت الأدلّة العقلية والنقلية على نفيه في أفعالنا ، ولعلّ الدليل النقلي بل العقلي ـ بعد معرفة الإنسان نفسه ـ عليه أكثر ، والمؤمن إلى التذكّر به والتوجّه إليه ـ دفعا للوقوع في الشرك ولتوهّم الاستقلال وغير هما من المفاسد ـ أحوج.

ومما يدلّ عليه عقلا : أنّ حقيقة الإنسان كسائر الموجودات شيء قائم بالغير ، أي لا قوام له إلاّ بالله تعالى ، فهو في كل آن محتاج في شيئيته وبقائه إليه تعالى ، وهو بعد الوجود والتكوّن فاقد بذاته لجميع الكمالات من الحياة والشعور والفهم والعقل والقدرة وغير ها ، ومحتاج ـ في وجدانه لها وفي بقائها له في كل آن أيضا ـ إليه تعالى شأنه.

مضافا إلى أن تمكّنه من الأفعال الخارجية إنّما هو بالآلات البدنية وبالأسباب ، وهي كلها في وجودها وتهيّئها للإنسان محتاجة إليه تعالى ، وأيضا للإنسان دواع كثيرة ، وكل واحدة منها يجرّ الإنسان إلى العمل بمقتضاه ، فمع هذه الفاقة والحاجة في جميع شئونه إليه تعالى كيف يجوز له الاعتقاد بالتفويض في أفعاله؟!

ويدلّ عليه ـ مضافا إلى الآيات والروايات المتقدم بعضها الدالة على تعلق الامور مطلقا على مشيئة الله ـ آيات اخر يظهر منها ذلك.

( وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ ) (١).

( وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ

__________________

(١) هود ٣٤.

١٦٦

قُلُوبُهُمْ ) (١).

( فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ ) (٢).

( وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ ) (٣).

( يُرِيدُ اللهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ ) (٤).

( وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ ) (٥).

( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) (٦).

وعدّة روايات مصرّحة بنفي الجبر ونفي التفويض كليهما ، وفي عدّة منها أن لا جبر ولا تفويض بل أمر بين الأمرين ، أو منزلة بين المنزلتين.

والجمع بينهما بتخصيص نفي الجبر بالأفعال الاختيارية ، ونفي التفويض بغيرها ، وكذا بتخصيص نفي الجبر في الأفعال بالجبر التكويني ونفي التفويض بالتشريعي باطل.

وممّا يشهد عليه أن هذين المعنيين ليس في إدراكهما وتحمّلهما إشكال وغموض يناسبه ما عن الأئمّة صلوات الله عليهم في توصيف تلك المسألة من أنّها لا يعلمها إلاّ العالم أو من علّمه ، كما في رواية الكافي بسنده عن صالح بن سهل عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٧). أو أنّها بحر عميق ، كما في رواية التوحيد بسنده عن عبد الملك بن عنترة الشيباني عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (٨). أو قوله : لو أجبتك فيه لكفرت ، كما في رواية ابن سنان عن مهزم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٩). أو ما عن فقه الرضا : أروي عن العالم عليه‌السلام أنّه قال : منزلة بين منزلتين في المعاصي وسائر الأشياء ، فالله جلّ وعزّ الفاعل لها

__________________

(١) المائدة ٤١.

(٢) الأنعام ١٢٥.

(٣) البقرة ٢٥٣.

(٤) آل عمران ١٧٦.

(٥) يونس ١٠٠.

(٦) القصص ٥٦.

(٧) الكافي ١ : ١٥٩.

(٨) التوحيد : ٣٦٥.

(٩) البحار ٥ : ٥٣ ، عن التوحيد

١٦٧

والقاضي والمقدّر والمدبّر (١) ، ونحو ذلك.

وإنّما الإشكال والغموض في إدراك المعنى الظاهر من الرواية ، وهو كون متعلق نفي الجبر والتفويض كليهما هو خصوص الأفعال الاختيارية ، لا كون متعلق أحدهما شيئا ، ومتعلق الآخر شيئا آخر. ولعلّ وجه الاكتفاء في بعض الروايات بالتشريعي ضعف السائل عن إدراك المطلب ، أو كونه مناسبا لفهم العموم ، كما في رسالة أبي الحسن الثالث عليه‌السلام (٢) ، فإنّ الذي يناسبه فهم الجميع هو نفي التفويض من جهة التشريع.

نفي الجبر والتفويض ، وإثبات الأمر بين الأمرين

هنا روايات عن الائمة المعصومين عليهم‌السلام يظهر منها المراد من الأمر بين الأمرين (٣).

وحاصل ما يظهر من أكثر أخبار الباب ويوافقه العقل السليم ويجده الإنسان من نفسه : نفي الجبر في الأفعال ، بمعنى نفي كونها من فعل الله تعالى أجراها بيد العبد ، وحصولها بقدرة الله من غير مدخلية لقدرة العبد وإرادته ، ونفي التفويض أيضا فيها ، بمعنى نفي القول بأن الله خلق العباد وأقدرهم على أعمالهم ، وفوّض إليهم اختيارها على وفق مشيئتهم من غير أن يكون لله تعالى فيها صنع ، وأن الواقع الحقّ أمر بين الأمرين ، وهو أنّ لهدايته تعالى ولتوفيقاته ـ ومنها الدواعي ـ مدخلا في أفعالهم وطاعاتهم من غير أن تصل إلى حدّ الإلجاء وسلب القدرة عليها ، كما أنّ للخذلان وترك النصرة وإيكالها إلى أنفسهم مدخلا في فعل المعاصي وترك الطاعات ، من غير أن تصل إلى حدّ الإلجاء وسلب القدرة عليها ، ومن دون أن تصحّ نسبتها إلى الله تعالى.

وذلك أنّ الإنسان يجد بعقله أنّ المولى إذا أمر عبده بشيء يقدر عليه ، وأعلمه بذلك ، ووعده على فعله شيئا من الثواب ، وأوعده على تركه شيئا من العقاب ، واكتفى في تكليفه إيّاه بهذا المقدار من التكليف ، والوعد والوعيد ، لم يكن ملوما عقلا وعقلاء لو

__________________

(١) البحار ٥ : ٥٤.

(٢) البحار ٥ : ٦٨.

(٣) راجع التوحيد : ٣٦١ ، البحار ٥ : ١٦ ، ١٧ ، ٤٠.

١٦٨

عاقبه على تركه ، ولا ينسبه العقل إلى الظلم ، ولا يقول : إنّه أجبره على ترك الفعل ، كما أنّه لو زاد في ألطافه ومننه بتواتر بعث من يحثّه على الطاعة ويرغّبه فيها ويحذّره من تركها ، فأطاع بقدرته واختياره ، لا يقول العاقل : إنّه أجبره على الفعل ، كما أنّه لا يرى بأسا لو فعل تلك الألطاف إلى بعض عبيده وتركها بالنسبة إلى آخرين لعلّل لا يصل إليها علمنا.

وبالجملة : القول بهذا الأمر الثالث لا يوجب نسبة الظلم إلى الله تعالى ، بأن يقال : أجبرهم على المعاصي وعذبهم عليها ، كما قال به المجبّرة ، ولا استقلال العباد واستغناءهم في حركاتهم وسكناتهم عن الله ونسبة الوهن إليه تعالى وعزله عن ملكه كما قال به المفوّضة.

وبه يصحّ التكليف وبعث الرسل والوعد والوعيد والثواب والعقاب والشكر على الإيمان والطاعة لله ، والاستعانة به وطلب التوفيق منه ، والخوف من الخذلان ومن العقاب ، وغير ذلك مما ورد في القرآن المجيد وفي كلام المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين ، وبدونه يلزم الظلم والعبث ولغويّة جميع ما ذكرنا.

ومنه يظهر أنّ نفي التفويض من أجل أن مبادي الفعل ومقدماته الخارجية والداخلية وغيرها من العلل التكوينية حتى القدرة كلها من الله تعالى ، والعبد قبل العمل ومع العمل حدوثا وبقاء من أوله إلى آخره محتاج إليه تعالى ، والقدرة على كل عمل إنّما تفاض على العبد قبل ذلك بالقبلية الرتبية.

ونفي الجبر من أجل أنّ القدرة واردة على جميع تلك المبادي والعلل والدواعي وحاكمة عليها ، وأنّه بإفاضتها تصير نسبة العبد إلى الفعل والترك من جهة السلطنة عليهما على السواء ، ويكون المرجّح والعلّة لكلّ واحد من الفعل والترك المتساوية نسبتهما إلى الفاعل هو مشيئته ، والمشيئة منتهية إلى نفس الفاعل القادر ، فهو المخصّص والمرجّح لأحد المتساويين على الآخر من جهة السلطنة ، ولا يحتاج في ترجيح أحدهما على الآخر وفي تمامية العلة له إلى غيره ، وإلى غير مشيئته ، والمشيئة فعله الصادر منه بعد تمام المقدمات ، وبعد تمام الدواعي ، فهو الفاعل للفعل لا خالق المقدمات ، وموجد الدواعي ومفيض القدرة ، وبه تتم الحجة.

١٦٩

تنبيه

توضيح آخر للأمر بين الأمرين ، ولمعنى المشيئة والإرادة والتقدير والقضاء في الأفعال الاختيارية ، وإن كان لا يخلو من تكرار لما مر.

فأقول : المشيئة المعبر عنها بـ « خواست » أو « خواستن » المتعلقة بفعل شيء أو تركه ، وكذا الإرادة تطلق على معنيين :

أحدهما : ما يعبّر عنه بالفارسية : « خواستن از غير أنجام دادن كارى را ، يا انجام ندادن وترك آن را » ومنه الحكم المولوي بفعل شيء أو تركه ، سواء كان بصيغة الأمر أو النهي أو بغير هما من الألفاظ الدالّة على البعث أو الزجر. وظاهر أنّه لا يخلوا هذا الحكم الصادر عن الحاكم العالم الملتفت من التقدير في ذات الحكم من جهة الإيجاب والندب ، وفي متعلقه وموضوعه من الأجزاء والشروط ، ولا يخلو أيضا من العزيمة عليه المعبّر عنها بالقضاء ، فإنّه إن لم يعزم عليه لم يقض به.

ثانيهما : همّ الفاعل وعزمه على فعل شيء أو تركه ، الفاني فيما يصدر عنه الفعل أو الترك في زمان صدورهما ، فإنّ الإنسان يجد من نفسه أن كل فعل أو ترك اختياري يتحقق منه مسبوق بهذا الهمّ المعبّر عنه بالمشيئة ، ويجد أيضا كونها ملازمة للتقدير والعزيمة ، ويجد أيضا أنّ سبقها وتقدّمها على العمل لشدة نفوذها وسرعتها رتبيّ لا زمانيّ. ويصحّ التعبير عنها بالمشيئة والتقدير والقضاء التكويني ، وتسمية القسم الأول بالتشريعي.

ثم إنّه قد يهتمّ الإنسان تكوينا بفعل شيء أو تركه بعد حين وزمان ، وهذا أيضا لا يخلو من التقدير والعزم عليه قبل بلوغ ذلك الزمان. وربما يعلم همّه ذلك غيره ويعلم زمانه وأجله وعزمه ، وربما يكتبه في لوح ونحوه ، ويترتب غالبا على مشيئته وتقديره وقضائه الشروع في إيجاد مقدمات ذلك الفعل أو الترك.

وقد مرّ أنّ مقتضى المدارك القطعيّة أنّ لله تعالى قبل إيجاد المخلوقات المشيئة والإرادة والتقدير والقضاء بالنسبة إليها ، وأنّه كتبها في كتاب وأثبتها في أوعية لا نعرف حقيقتها ولا كيفية الإثبات فيها. نعم الثابت عقلا ونقلا أنّه تعالى لا يتغير بصدور تلك

١٧٠

الأفعال منه.

ثم إنّه لا إشكال فيما لا يكون متعلق مشيئته تعالى الأفعال الصادرة عن غيره بقدرته التي أعطاها إيّاه ، إنّما الإشكال فيما لو كانت المشيئة وأخواتها مرتبطة بأفعال الغير ، وأنّه ما معنى هذه فيها.

فنقول : قد أشرنا إلى أنّ متعلق مشيئة الله تعالى التكوينية في مورد الفرض ـ وهو الفعل أو الترك الصادر عن العبد بقدرته واختياره ـ لا يمكن أن يكون نفس هذا الفعل أو الترك بعينه ، وإلاّ لزم الخلف. وإنّما الممكن تعلقها بمقدماته وأسبابه والدواعي التي لا توجب جبر العبد ، ولذا لا بأس بأن يقال إنّ الله شاء أن يشاء العبد ذلك الفعل أو الترك بقدرته ومشيئته ، كما عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في الاستغفار عند المنام : وشئته إذ شئت أن أشاءه ، وأردته إذ أردت أن أريده (١) ، فإنّ مرجعه إلى مشيئته تعالى أن يكون العبد متصفا بأنّه الذي يشاء ما شاء بقدرته ، كما صرح به بقوله عليه‌السلام : لم تدخلني فيه جبرا ولم تحملني عليه قهرا. وواضح أنّ الالتزام بالمشيئة بهذا لمعنى لا يستلزم الجبر.

نعم حيث إنّ الفعل الصادر من العبد يكون متعلقا لأمره تعالى ونهيه المولويّين ويصير لذلك متّصفا بوصف الطاعة أو المعصية ، ويكون أيضا موضوعا لحكمه بالثواب والعقاب عليه ، وكل منها أي الأمر والنهي والثواب والعقاب بقدر معين ، فالمشيئة والإرادة والقدر والقضاء منه تعالى يكون بأحد هذه المعاني ، لا التكويني أو غيره الذي يوجب الجبر وسلب القدرة عن العبد ، كما تدلّ عليه رواية يزيد بن عمير (٢) بن معاوية : قال : دخلت على علي بن موسى الرضا عليه‌السلام بمرو ، فقلت له : يا ابن رسول الله ، روي لنا عن الصادق جعفر بن محمد عليه‌السلام أنّه قال : لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين ، فما معناه؟ فقال : من زعم أن الله يفعل أفعالنا ثم يعذبنا عليها فقد قال بالجبر ، ومن زعم أن الله عزّ وجلّ فوّض أمر الخلق والرزق إلى حججه عليهم‌السلام فقد قال بالتفويض. فالقائل

__________________

(١) رواه العلامة النوري ـ رحمه‌الله ـ في الصحيفة العلوية : ٦٩ ، ودار السلام ٣ : ١٣٥ عن مفاتيح النجاة للمحقق السبزواريّ.

(٢) كما في البحار ، وفي العيون : زيد بن عمير.

١٧١

بالجبر كافر ، والقائل بالتفويض مشرك. فقلت له : يا ابن رسول الله ، فما أمر بين أمرين؟ فقال : وجود السبيل إلى إتيان ما أمروا به وترك ما نهوا عنه. فقلت له : فهل لله عزّ وجلّ مشيئة وإرادة في ذلك؟ فقال : أمّا الطاعات فإرادة الله ومشيئته فيها الأمر بها ، والرضا لها ، والمعاونة عليها. وإرادته ومشيئته في المعاصي النهي عنها والسخط لها ، والخذلان عليها. قلت : فلله عزّ وجلّ فيها القضاء؟ قال : نعم ، ما من فعل يفعله العباد من خير وشر إلاّ ولله فيه قضاء. قلت : فما معنى هذا القضاء؟ قال : الحكم عليهم بما يستحقونه على أفعالهم من الثواب والعقاب في الدنيا والآخرة (١).

وما في البحار عن الكراجكيّ في كنز الفوائد ، قال الصادق عليه‌السلام لزرارة بن أعين : يا زرارة! أعطيك جملة في القضاء والقدر؟ قال : نعم جعلت فداك ، قال : إذا كان يوم القيامة وجمع الله الخلائق سألهم عما عهد إليهم ، ولم يسألهم عمّا قضى عليهم (٢).

وفيه أيضا عن الاحتجاج عن علي بن محمد العسكري عليهما‌السلام في رسالته إلى أهل الأهواز في نفي الجبر والتفويض أنّه قال : روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه سأله رجل بعد انصرافه من الشام : يا أمير المؤمنين! أخبرنا عن خروجنا إلى الشام أبقضاء وقدر؟ فقال له أمير المؤمنين : نعم يا شيخ ... إلى أن قال : فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لعلّك أردت قضاء لازما وقدرا حتما ، لو كان ذلك كذلك لبطل الثواب والعقاب ، وسقط الوعد والوعيد ، والأمر من الله والنهي ... إلى آخر الخبر (٣) ، الذي ذكرناه في الأدلّة النقليّة على نفي الجبر (٤).

وفيه أيضا عن الاحتجاج : وروي أنّ الرجل قال : فما القضاء والقدر الذي ذكرته يا أمير المؤمنين؟ قال : الأمر بالطاعة ، والنهي عن المعصية ، والتمكين من فعل الحسنة وترك المعصية ، والمعونة على القربة إليه ، والخذلان لمن عصاه ، والوعد والوعيد ، والترغيب والترهيب. كل ذلك قضاء الله في أفعالنا ، وقدره لأعمالنا ، أمّا غير ذلك

__________________

(١) البحار ٥ : ١١ ، عن العيون.

(٢) البحار ٥ : ٦٠.

(٣) البحار ٥ : ٩٥.

(٤) راجع ص ١٥٢.

١٧٢

فلا تظنّه ، فإنّ الظنّ له محبط للأعمال. فقال الرجل : فرّجت عني يا أمير المؤمنين فرّج الله عنك (١).

ومنها يظهر معنى ما في البحار عن التوحيد في خبر الفتح بن يزيد ، عن أبي الحسن عليه‌السلام : إنّ لله إرادتين ومشيئتين : إرادة حتم ، وإرادة عزم ، ينهى وهو يشاء ، ويأمر وهو لا يشاء. أو ما رأيت أنّ الله نهى آدم وزوجته أن يأكلا من الشجرة وهو شاء ذلك؟! ولو لم يشأ لم يأكلا ، ولو أكلا لغلبت مشيئتهما مشيئة الله ، وأمر إبراهيم بذبح ابنه وشاء أن لا يذبحه ، ولو لم يشأ أن لا يذبحه لغلبت مشيئة إبراهيم مشيئة الله عزّ وجلّ (٢).

ويظهر أيضا أنّ الإذن في قوله عليه‌السلام في رواية الاحتجاج عن علي بن محمد العسكري (٣) عن موسى بن جعفر عليهم‌السلام : ولا يكونوا آخذين ولا تاركين إلاّ بإذنه (٤) ، بمعنى التخلية بينهم وبين العمل وعدم منعهم عنه تكوينا لا الترخيص فيه ولا الجبر فيه أيضا.

وما في البحار عن معاني الأخبار بسنده عن أبي بصير قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : شاء وأراد ولم يحبّ ولم يرض. قلت : كيف؟ قال : شاء أن لا يكون شيء إلاّ بعلمه ، وأراد مثل ذلك ، ولم يحبّ أن يقال له : ثالث ثلاثة ، ولم يرض لعباده الكفر (٥).

الظاهر أنّ المراد منه أيضا إمكان الجمع بين مشيئته وجود شيء وبين عدم الحبّ له وعدم الرضا به ، فإنّ القول بأنّه ثالث ثلاثة وكذا الكفر به تعالى الصادران عن المخلوق بسوء اختياره مما لا يحبّه الله ولا يرضى به ، ومع ذلك صحّ القول بأنّهما بمشيئة الله ، حيث إنّه لو لم يشأ هما من أحد ـ لكونهما مما يمتحن به العبد ـ لمنع من وقوعهما ، فالمشيئة هنا أيضا بمعنى التخلية بين العبد وبين ما يفعله بسوء اختياره الذي يعلمه الله ،

__________________

(١) البحار ٥ : ٩٦.

(٢) البحار ٥ : ١٠١.

(٣) كما في البحار ، لكن في الاحتجاج : عن الحسن بن علي بن محمّد العسكريّ.

(٤) الاحتجاج ٢ : ١٥٨ ، البحار ٥ : ٢٦.

(٥) البحار ٥ : ٨٩ ، عن معاني الأخبار ١٧٠. ورواه الكلينيّ في الكافي ١ : ١٥١ بسنده عن الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

١٧٣

من دون أن يرخّصه فيه أو يجبره عليه.

تنبيه

في معنيين آخرين للتفويض لا ارتباط لهما بأفعال العباد تكوينا :

أحدهما تفويض أمر الخلق والرزق بيد الأئمّة صلوات الله عليهم ، وهو أيضا منفي بحسب الأدلّة المعتبرة.

ثانيهما : تفويض أمر الدين إليهم ، وهو في الجملة مثبت لهم بحسب الروايات ، لكنّ له حدودا نبيّنها إن شاء الله تعالى.

أمّا الأوّل فممّا يدلّ عليه ما في البحار عن العيون بسنده عن يزيد بن عمير بن معاوية الشامي ، قال : دخلت على علي بن موسى الرضا عليه‌السلام بمرو فقلت له : يا ابن رسول الله ، روي لنا عن الصادق جعفر بن محمد عليهما‌السلام أنّه قال : لا جبر ولا تفويض بل أمر بين امرين ، فما معناه؟ فقال : من زعم أنّ الله يفعل أفعالنا ثم يعذّبنا عليها فقد قال بالجبر ، ومن زعم أن الله عزّ وجلّ فوّض أمر الخلق والرزق إلى حججه فقد قال بالتفويض ، والقائل بالجبر كافر ، والقائل بالتفويض مشرك ... إلى آخر الخبر (١).

وفيه عن العيون أيضا عن ياسر الخادم ، قال : قلت للرضا عليه‌السلام : ما تقول في التفويض؟ فقال : إنّ الله تبارك وتعالى فوّض إلى نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر دينه فقال : ( ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (٢). فأمّا الخلق والرزق فلا. ثم قال عليه‌السلام إنّ الله عزّ وجلّ خالق كل شيء وهو يقول : ( اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) (٣).

وفيه عن الاحتجاج عن علي بن أحمد الدلال القمي ، قال : اختلف جماعة من الشيعة في أنّ الله عزّ وجلّ فوّض إلى الائمة عليهم‌السلام أن يخلقوا ويرزقوا ، فقال قوم : هذا

__________________

(١) تقدم في ص : ١٧١.

(٢) الحشر ٧.

(٣) الروم ٤٠ ، والحديث في البحار ٢٥ : ٣٢٨.

١٧٤

محال لا يجوز على الله عزّ وجلّ ، لأنّ الأجسام لا يقدر على خلقها غير الله عزّ وجلّ. وقال آخرون بل الله عزّ وجلّ أقدر الأئمّة على ذلك وفوّض إليهم فخلقوا ورزقوا. وتنازعوا في ذلك تنازعا شديدا. فقال قائل : ما بالكم لا ترجعون إلى أبي جعفر محمد بن عثمان فتسألونه عن ذلك ليوضح لكم الحقّ فيه ، فإنه الطريق إلى صاحب الأمر ، فرضيت الجماعة بأبي جعفر وسلّمت وأجابت إلى قوله ، فكتبوا المسألة وأنفذوها إليه ، فخرج إليهم من جهته توقيع نسخته : إن الله تعالى هو الذي خلق الأجسام وقسّم الأرزاق ، لأنّه ليس بجسم ولا حالّ في جسم ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. فأمّا الأئمة عليهم‌السلام فإنّهم يسألون الله تعالى فيخلق ، ويسألونه فيرزق ، إيجابا لمسألتهم ، وإعظاما لحقّهم (١).

وفيه عن الصدوق في الاعتقادات : وروي عن زرارة أنّه قال : قلت للصادق عليه‌السلام : إنّ رجلا من ولد عبد الله بن سبأ يقول بالتفويض ، فقال : وما التفويض؟ قلت : إن الله تبارك وتعالى خلق محمّدا وعليّا صلوات الله عليهما ففوّض إليهما فخلقا ورزقا ، وأماتا وأحييا ، فقال عليه‌السلام : كذب عدوّ الله ، إذا انصرفت إليه فاتل عليه هذه الآية التي في سورة الرعد : ( أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ ) (٢) ، فانصرفت إلى الرجل ، فأخبرته ، فكأنّي ألقمته حجرا ، أو قال : فكأنّما خرس (٣).

نعم ، مقتضى الروايات الصادرة عنهم صلوات الله عليهم أنّ الله تعالى أقدرهم على ما يريدون وسخّر لهم كلّ شيء. منها ما عن تفسير القميّ في سورة القمر أنّ جبرئيل قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا محمّد! إنّ الله يقرئك السلام ويقول لك : إنّي قد أمرت كل شيء بطاعتك (٤).

وعن البصائر بسنده عن جابر عن الباقر صلوات الله عليه ـ في حديث ـ : إنّ الله

__________________

(١) البحار ٢٥ : ٣٢٩.

(٢) الرعد ١٦.

(٣) البحار ٢٥ : ٣٤٣.

(٤) تفسير القمي ٢ : ٣٤١ ، البحار ١٧ : ٣٥٢.

١٧٥

أقدرنا على ما نريد ، ولو شئنا أن نسوق الأرض بأزمّتها لسقناها (١).

وعن المناقب عن زرارة عن الصادق عن آبائه عن الحسين صلوات الله عليهم ـ في حديث ـ : والله ما خلق الله شيئا إلاّ وقد أمره بالطاعة لنا (٢).

وعن مدينة المعاجز عن الصادق صلوات الله عليه في رواية مفصلة : سبحان الذي سخّر للإمام كل شيء ، وجعل له مقاليد السماوات والأرض لينوب عن الله في خلقه (٣).

وعن الصحيفة السجادية : الحمد لله الذي اختار لنا محاسن الخلق ـ إلى أن قال ـ : وجعل لنا الفضيلة بالملكة على جميع الخلق ، فكلّ خليقته منقادة لنا بقدرته ، وصائرة إلى طاعتنا بعزّته (٤).

ويؤيّد ذلك ما ظهر منهم بالنقل المتواتر إجمالا من المعجزات ، كما في المناقب ومدينة المعاجز وإثبات الهداة وغيرها ، بعد إمكان إفاضة القدرة على الخلق والرزق عموما عليهم صلوات الله عليهم ، بل على من دونهم في المنزلة عند الله تبارك وتعالى ، كما يظهر من رواية المحاسن بسنده عن العلاء عن خالد الصيقل عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : إنّ الله فوّض الأمر إلى ملك من الملائكة فخلق سبع سماوات وسبع أرضين ، فلما رأى أنّ الأشياء قد انقادت له قال : من مثلي؟! فأرسل الله إليه نويرة من النار ، قلت : وما النويرة؟ قال : نار مثل الأنملة فاستقبلها بجميع ما خلق فتخيّل (٥) لذلك حتى وصلت إلى نفسه لمّا أن دخله العجب (٦).

أقول : المراد من التفويض في الرواية هو الإقدار لا التفويض المنفي في قوله : لا جبر ولا تفويض ، فتدبر.

وكما أفاض علينا القدرة على امور يسيرة من دون تفويض في أفعالنا الاختيارية ،

__________________

(١) بصائر الدرجات ٣٧٦ ، البحار ٤٦ : ٢٣٩.

(٢) البحار ٤٤ : ١٨٣.

(٣) مدينة المعاجز : ٤١٢ ، المعجز الثاني عشر ومائتان من معاجز الإمام الصادق عليه‌السلام.

(٤) الدعاء الأول.

(٥) كما في الوسائل ، وفي المحاسن : فتخبّل ، وفي البحار : فتحلّت.

(٦) المحاسن ١٢٣ ، الوسائل ١ : ١٠٢ ـ الباب ٢٣ من أبواب مقدمة العبادات ، الحديث ١١ ، البحار ٧٢ : ٣١٧.

١٧٦

والفرق في تفاوت مراتب وجدان القدرة.

هذا ، ولكن ثبوت القدرة عليهم‌السلام على الخلق والرزق لا يلازم تفويض أمرهما إليهم عليهم‌السلام ، وإعمالهم القدرة فيها ، كما هو واضح. وبالجملة : لا منافاة بين الأدلة الدالة على قدرة الأئمة عليهم‌السلام بإقدار الله تعالى على الخلق والرزق وبين ما دلّ على أن الخلق والرزق لله تعالى وحده ، كما يظهر بالتأمل.

وأما التفويض إليهم صلوات الله عليهم في أمر الدين فيدلّ عليه غير واحد من الروايات ، أورد عدة منها المجلسيّ ـ قدس‌سره ـ في المجلد السابع من البحار (١). وإنّما الإشكال في موضوعه وحدوده.

فنقول ـ بعد وضوح بطلان القول به على نحو العموم بأن يحلّلوا ما شاءوا ويحرّموا ما شاءوا مطلقا من غير وحي وإلهام من الله تعالى ، أو يغيّروا ما أوحى الله إليهم بآرائهم ، كما يظهر لمن تتبّع أحوال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وما وصل إلينا منه ومن أوصيائه ، وأنه كان ينتظر الوحي ، بل لا يقول به عاقل ـ : إنّ الذي يظهر من مجموع الروايات المباركات أنّ الأحكام الصادرة منهم لبيان وظائف الناس على قسمين :

القسم الأوّل : أحكام فرضها الله تعالى ، وكان شأن النبي والأئمة عليهم‌السلام إبلاغها ، إمّا بنحو كلي أو بصورة الحكم الجزئي الذي يشمله الحكم الكلي الصادر من الله تعالى. ويعبّر عن تلك الأحكام بالفريضة أو بفرض الله ، وهذا يعمّ الواجبات والمحرمات ، بل وغير هما ، فإنّ كل حكم شرعه الله تعالى وعيّنه ـ تكليفيا كان أو وضعيا ـ فهو فريضة منه تعالى وإن كان الشائع استعمالها في الواجبات.

القسم الثاني : أحكام فوّض أمرها إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجعل له الولاية عليها ، وهذا على ثلاثة أقسام كلها من شئون الولاية التشريعية التي جعلها الله للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ بلا إشكال ـ وللأئمّة عليهم‌السلام أيضا طبق ظاهر بعض الروايات ، كما سيأتي ، وهذه الأقسام هي :

الأول : تشريع الحكم الدائم. وموضوعه ما لم يشرّع الله فيه حكما ، فإنّه الذي فوّض أمره إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعبّر عنه تارة بالسنّة ، واخرى بفرض النبي ، وهذا ثابت

__________________

(١) البحار ٢٥ : ٣٢٨ ـ ٣٤٦.

١٧٧

للنبي ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

الثاني : تشريع الحكم الموقت لمصالح وقتية. وهذا ثابت للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما في نهيه صلى‌الله‌عليه‌وآله عن أكل لحوم الحمر الأهلية في بعض الغزوات (١). وظاهر بعض الروايات ثبوته للأئمة عليهم‌السلام أيضا ، كما روي في جعل علي عليه‌السلام الزكاة على الخيل العتاق (٢).

وإيجاب الإمام الجواد عليه‌السلام الخمس على عدة من أصحابه في بعض أموالهم الزكوية (٣) ، على إشكال في أنّ هذا قسم مستقل أو مندرج في القسم الآتي ، ولعلّه الأقرب.

الثالث : الأوامر والنواهي أو ما يؤدي مؤداهما الصادرة منهم من غير تصريح بالوجوب أو التحريم على نحو العموم أو الخصوص. وهذا من شئون ولايتهم تشريعا على كيفية التبليغ ، وإعمال اللحن ، والمعاريض ، والتورية من غير كذب ، وإبراز الحكم الغير الإلزامي بصورة الإلزام تربية أو تقية. وهذا ثابت للنبي والائمة عليهم‌السلام بلا إشكال.

أما الدليل على التفويض إجمالا فكثير ، منها ما عن البصائر بسنده عن محمّد بن الحسن الميثميّ ، عن أبيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : إنّ الله أدّب رسوله حتى قوّمه على ما أراد ثم فوّض إليه فقال : ( ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (٤) ، فما فوّض الله إلى رسول فقد فوّضه إلينا (٥).

وعنه بسنده عن زرارة ، قال : سمعت أبا جعفر وأبا عبد الله عليهما‌السلام يقولان : إنّ الله فوّض إلى نبيّه أمر خلقه لينظر كيف طاعتهم ، ثم تلا هذه الآية :

( ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (٦).

وعنه عن نوادر محمّد بن سنان قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : لا والله ما فوّض الله إلى أحد من خلقه إلاّ إلى الرسول وإلى الأئمة عليهم‌السلام فقال : ( إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِ

__________________

(١) الوسائل ٢٤ : ١١٧ ، الباب ٤ من أبواب الأطعمة المحرّمة.

(٢) الوسائل ٩ : ٧٧ ، الباب ١٦ من أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحبّ.

(٣) الوسائل ٩ : ٥٠١ ، الباب ٨ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ٥.

(٤) الحشر ٧.

(٥) البحار ٢٥ : ٣٣٢.

(٦) البحار ٢٥ : ٣٣٢.

١٧٨

لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ ) (١) ، وهي جارية في الأوصياء (٢).

والروايات بهذا المضمون كثيرة يأتي بعضها إن شاء الله تعالى ، ولكن لم يتعرض في شيء منها ما الذي يشاءون إلاّ في بعضها ، نذكره إن شاء الله تعالى.

والدليل على ثبوت القسم الأوّل من القسم الثاني : منه ما ورد من أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله حرّم كل مسكر ، كصحيحة الفضيل عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث ، قال : حرّم الله الخمر بعينها ، وحرّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المسكر من كل شراب ، فأجاز الله له ذلك (٣).

وروايته الأخرى عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن النبيذ ، فقال : حرّم الله الخمر بعينها ، وحرّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من الأشربة كل مسكر (٤).

ويدل عليه أيضا رواية أبي الربيع الشامي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٥).

ومنه ما ورد من أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله حرّم كلّ ذي ناب من السباع ، ومخلب من الطير (٦).

ومنه ما ورد في إرث الجدّ من أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أطعمه السدس استحبابا إذا كان الوارث الأب دون الولد ، وأورثه السدس وجوبا وجعله كأحد الإخوة وجعل الجدّة كأحد الأخوات إذا لم يكن وارث من الطبقة الأولى (٧).

ومنه ما ورد في دية العين ودية النفس ودية الأنف ، كما في صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : وضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دية العين ودية النفس ودية الأنف ، وحرّم النبيذ وكل مسكر ، فقال له رجل : فوضع هذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من غير أن يكون جاء فيه شيء؟ قال : نعم ليعلم من يطيع الرسول ومن يعصيه (٨).

__________________

(١) النساء ١٠٥.

(٢) البحار ٢٥ : ٣٣٤.

(٣) الوسائل ٢٥ : ٣٢٥ ، ٣٢٦ ، الباب ١٥ من أبواب الأشربة المحرّمة ، الحديث ٢ ، ٦ ، ٤.

(٤) الوسائل ٢٥ : ٣٢٥ ، ٣٢٦ ، الباب ١٥ من أبواب الأشربة المحرّمة ، الحديث ٢ ، ٦ ، ٤.

(٥) الوسائل ٢٥ : ٣٢٥ ، ٣٢٦ ، الباب ١٥ من أبواب الأشربة المحرّمة ، الحديث ٢ ، ٦ ، ٤.

(٦) الوسائل ٢٤ : ١١٣ ، الباب ٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة.

(٧) الوسائل ٢٦ : ١٣٦ ، الباب ٢٠ من أبواب ميراث الأبوين.

(٨) البحار ٢٥ : ٣٣٢ ، عن بصائر الدرجات.

١٧٩

ومنه ما ورد في النوافل اليومية ، وصوم شعبان ، وصوم ثلاثة أيّام في كل شهر (١).

ومنه ما ورد من أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله حرّم المدينة (٢).

ومنه إشهاد شهيدين في النكاح استحبابا (٣).

ومنه غسل الميت (٤).

ومنه ما ورد في الحجّ من أنّ الطواف فريضة ، والرمي سنّة (٥).

ومنه ما ورد في الصلاة من أنّ بعض أجزائها وشرائطها فريضة ، وبعضها سنّة.

كصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة : الطهور ، والوقت ، والقبلة ، والركوع ، والسجود. ثم قال عليه‌السلام : القراءة سنّة ، والتكبير سنّة ، ولا تنقض السنّة الفريضة (٦).

ومنه ما ورد من أنّ الله فرض على العباد عشر ركعات ، وفيهنّ القراءة ، وليس فيهنّ وهم ، فزاد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سبعا وفيهنّ الوهم وليس فيهنّ قراءة (٧).

وموضوع سنة الرسول ما ليس فيه حكم من الله تعالى ، أو ورد ولكن لا على سبيل الإلزام والإيجاب. وذلك مثل القصر في السفر ، فإنّ ظاهر الآية المباركة : ( فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ ) (٨) الرخصة لا الإيجاب ، ولكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عزم عليه وجعله بمنزلة الهدية ، فأوجبه ، وجعل ردّه بمنزلة ردّ الهدية ، كما ربما يظهر من رواية السكونيّ ، ومرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وكذا من رواية زرارة و

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٤٥ ، الباب ١٣ من أبواب أعداد الفرائض ، الحديث ٢ ، الوسائل ١٠ : ٤٨٧ ، الباب ٢٨ من أبواب الصوم المندوب ، الحديث ٥.

(٢) البحار ١٧ : ١٨ ، عن الاختصاص والبصائر.

(٣) الوسائل ٢١ : ٦٥ ، الباب ٣١ من أبواب المتعة.

(٤) الوسائل ٣ : ٣٧٥ ، الباب ١٨ من أبواب التيمّم.

(٥) الوسائل ١١ : ٢٣٣ ، الباب ٢ من أبواب أقسام الحجّ ، الحديث ٢٩ ، الوسائل ١٣ : ٤٨٥ ، الباب ٨ من أبواب السعي ، الحديث ١.

(٦) الوسائل ٥ : ٤٧٠ ، الباب ١ من أبواب أفعال الصلاة ، الحديث ١٤.

(٧) الوسائل ٨ : ١٨٧ ، الباب ١ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

(٨) النساء : ١٠١.

١٨٠