أطائب الكلم في بيان صلة الرّحم

الشيخ حسن بن علي بن عبد العالي الكركي العاملي

أطائب الكلم في بيان صلة الرّحم

المؤلف:

الشيخ حسن بن علي بن عبد العالي الكركي العاملي


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : الأخلاق
الناشر: مخطوطات مكتبة آية الله المرعشي العامّة
المطبعة: مطبعة مهر استوار
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

بذلك على الترعيب في صلة مطلق القرابة حتى النائية بسبب الايمان .

وروى أيضاً باسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام مثله .

وباسناده عن محمد بن فضيل الصيرفى عن الرضا عليه السلام مثله أيضاً .

وباسناده عن حنان بن سدير عن أبيه عن ابي جعفر عليه السلام قال . قال ابوذر رحمه الله : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : حافتا الصراط (١) يوم القيامة الرحم والامانة ، فاذا مر الوصول للرحم المؤدي للامانة نفذ الى الجنة ، واذا مر الخائن للامانة القطوع للرحم لم ينفعه معهما عمل ويكبونه في النار (٢) .

وباسناده عن يونس بن عمار قال : قال ابو عبد الله عليه السلام : أول ناطق من الجوارح يوم القيامة الرحم ، تقول : يا رب من وصلني في الدنيا فصل اليوم ما بينك وبينه ، ومن قطعني في الدنيا فاقطع اليوم ما بينك وبينه .

وروى ابو علي الفضل بن الحسن الطبرسي في مجمع البيان

__________________

(١) حافتا الصراط : جانباه .

(٢) الكافي ٢ / ١٢٢ ، وفي آخره بدل « ويكبونه في النار » : وتكفأ به الصراط في النار .

٢١
 &

باسناده عن النبى صلى الله عليه وآله قال : قال الله تعالى : أنا الرحمن ، خلقت الرحم وشققت لها اسماً من اسمى ، فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتته .

قال : وفي أمثال هذا الخبر كثرة .

قلت : أراد بذلك أنه بمنزلة التواتر معنى .

وباسناده عن الاصبغ بن نباتة عن امير المؤمنين عليه السلام قال : ان احدكم ليغضب فما يرضى حتى يدخل به النار ، فأيما رجل غضب على رحمه فليمسنه ، فان الرحم اذا مستها الرحم استقرت ، وانها معلقة بالعرش تنادي : اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني .

قلت : لا ينافي ذلك ما رواه الصدوق في عيون اخبار الرضا عن أبيه موسى عليهما السلام قال : أخبرني أبي عن آبائه عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : الرحم اذا مستها الرحم تحركت واضطربت .

وذلك لان استقرارها من الغضب وزوال سورته عنها انما هو تحرك الدم واضطراب العروق الناشئين من المس المثمرين للرقة .

وروى الشيخ ابو جعفر محمد بن الحسن الطوسى في التهذيب

٢٢
 &

عن السكوني ، ورواه ايضاً الصدوق في من لا يحضره الفقيه باسناده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : الصدقة بعشرة ، والقرض بثمانية عشر ، وصلة الاخوان بعشرين ، وصلة الرحم بأربعة وعشرين .

وباسناده عن عبد الله بن عجلان قال : قال لابي جعفر عليه السلام : اني ربما قسمت الشيء بين أصحابي أصلهم به فكيف أعطيهم ؟ قال : اعطهم على الهجر في الدين والفقه والعلم .

ولا خلاف في جواز الوصية للرحم ، لما فيه من الجمع بين الصدقة والصلة ، بل قد ورد النص بجواز الوصية له وان كان كافراً وهو الذي نقله الطبرسي في مجمع البيان عن كثير من العلماءِ .

ونقل عن أصحابنا أنها جائزة للوالدين والولد ، وحجتهم في جوازها للوالدين ما تقدم من الايات الدال بعضها على ذلك بالنص الصريح ، ولهذا يجب أن يخص بها مجموع ما سيأتي من الادلة الدالة على المنع من صلة كل عدو لله سبحانه بسبب استثناء هذا الفرد منه .

وقد أجمعوا على استحباب اختصاص الرحم بالصدقة الواجبة مع وجود الصفات المقتضية للاستحقاق ، لقوله عليه السلام : لا صدقة وذو رحم محتاج .

٢٣
 &

ولان الاعتناء به في نظر الشارع أتم من غيره ، ولهذا ورثه وكتب له الوصية عند حضور الموت بتوفير نصيبه في قوله « كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ » (١) ، لما فيها من زيادة الصلة .

وامر الولد الاكبر بوجوب التحمل عن أبيه ما فاته من صلاة وصيام تمكن منه ومات قبل أدائه ، واستحباب الحج عنه مع المكنة .

ونهى عن الرجوع فيما وهبه لقريبه ولو بدون التصرف والتعويض ، فكان الدفع اليه أولى ، وهو المروي عن الكاظم عليه السلام .

وكذا صدقة التطوع مستحب له ، لقوله تعالى « يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ » (٢) .

وقال عليه السلام : الصدقة على المسكين صدقة ، وهي على ذي الرحم صدقة وصلة .

__________________

(١) سورة البقرة : ١٨٠ .

(٢) سورة البلد : ١٥ .

٢٤
 &



واما المقالة

ففيها مطالب :

المطلب الاول

( في بيان معنى الرحم )

« الرحم » لغة القرابة المطلقة ، وكذا عرفاً (١) . وأورد ابو القاسم الراغب في مفرداته ان استعارته من رحم الانثى ، لكونهم خارجين من رحم واحدة ، وأصله الرحمة ، وذلك لانها مما يتراحم به ويتعاطف ، يقولون « وصلتك رحم » .

ومن أجل ما ذكرناه من اللغة والعرف ذهب علماؤنا الى تسمية القرابة المطلقة رحماً ، سواء الذكر والانثى والوارث وغير

__________________

(١) قال ابن منظور في لسان العرب ١٢ / ٢٣٢ : الرحم ( بفتح الراء وكسر الحاء ) أسباب القربة ، وأصلها الرحم التي هي منبت الولد ، وهي الرحم ( بكسر الراء وسكون الحاء ) . الجوهري : الرحم القرابة ، والرحم بالكسر مثله .

٢٥
 &

الوارث والمحرم وغير المحرم والمسلم والكافر ، من قبل الاب والام أو من قبل أحدهما ، لان الاسم يتناول الجميع على السواءِ ولم يعهد في الشرع معنى آخر وضع هذا اللفظ له ، فوجب صرفه الى المتعارف ، كما هو المعهود من عادة الشرع .

ويؤيده ما رواه علي بن ابراهيم في تفسيره عن علي عليه السلام قال : قوله تعالى « فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ » (١) نزلت في بني امية بقتلهم الحسين عليه السلام .

وذلك لانهم لصاق بعبد مناف ، بسبب أن اخاه ربى عبداً له رومياً اسمه « امية » (٢) ، والى ذلك اشار أمير المؤمنين عليه السلام لما كتب اليه معاوية « انما نحن وانتم بنو عبد مناف » : ليس المهاجر كالطليق ولا الصريح كاللصيق (٣) .

__________________

(١) سورة محمد : ٢٢ .

(٢) قال القمي في سفينة البحار ١ / ٤٦ : عن كامل البهائي ان أمية كان غلاماً رومياً لعبد شمس ، فلما ألفاه كيساً فطناً أعتقه وتبناه فقيل أمية بن عبد شمس ، وكان ذلك دأب العرب في الجاهلية ، وبمثل ذلك نسب العوام ابو الزبير الى خويلد ، فبنو أمية كافة ليسوا من قريش ، وانما لحقوا ولصقوا بهم .

(٣) قال محمد عبده معلقاً على هذه الجملة من نهج البلاغة ٣ / ١٨ : الطليق الذي أسر فأطلق بالمن عليه أو الفدية ، وابو سفيان ومعاوية كانا من الطلقاءِ يوم الفتح . والمهاجر من آمن في المخافة وهاجر تخلصاً منها . والصريح صحيح النسب في ذوي الحسب . واللصيق من ينتمي اليهم وهو أجنبي عنهم .

٢٦
 &

وبعض العامة قصر ذلك على المحارم الذين يحرم التناكح بينهم ان كانوا ذكوراً و اناثاً ، وان كانوا من قبيل يقدر احدهما ذكراً والاخر أنثى ، فان حرم التناكح بينهم فهم الرحم . محتجاً بأن تحريم الاختين انما كان لما يتضمن من قطيعة الرحم ، وكذا تحريم اصالة الجمع بين العمة والخالة وابنة الاخ والاخت مع عدم الرضا عندنا ومطلقاً عندهم .

ويرده ما تقدم .

نعم يشترط أن لا يبعد الشخص جداً بحيث لا يعد في العرف انه من القرابة ، والا لكان جميع الناس أقرباء ، لاشتراكهم في آدم عليه السلام .

وللمفيد قول بارتقاءِ القرابة الى آخر أب وأم في الاسلام ، وهو قول الشيخ في النهاية ، ونقحه العلامة في القواعد بأن المراد به من يتقرب اليه ولو بأبعد جد أو جدة ، بشرط كونهما مسلمين ، فالجد البعيد ومن كان من فروعه وان بعدت مرتبته بالنسبة اليه معدود قرابة اذا كان مسلماً .

ويضعف بأنه قد لا يساعد العرف عليه ، فان من عرض تقربه الى جد بعيد جداً لا يعد قرابة عرفاً وان كان الجد مسلماً ، للعلة المتقدمة .

٢٧
 &

وما قلناه أولا مختار المبسوط والخلاف ، واليه ذهب ابن البراج وابن ادريس واكثر المتأخرين ، وقد مر وجهه .

ووجه الثاني قوله عليه السلام « قطع الاسلام ارحام الجاهلية » وقوله تعالى لنوح عن ابنه « إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ » (١) .

ورده ابو القاسم جعفر بن سعيد في الشرايع بأنه غير مستند الى شاهد .

وتوجيهه : انتفاء النص الصريح فيه ، اذ لم يرد فيه الا هذه الرواية ، وهي مع تسليم سندها غير دالة على المراد ، لان قطع الرحم للجاهلية لا يدل على قطع القرابة مطلقا مع أصناف الكفار وكذا قطع الاهلية عن نوح .

قال ابن الجنيد . القريب من تقرب من جهة الاب أو الوالدين . قال : ولا اختار أن يتجاوز بالتفرقة ولد الاب الرابع ، لان النبي صلى الله عليه وآله لم يتجاوز ذلك في تفرقة سهم ذوي القربى من الخمس ، ولا دلالة على أن ذوي القربى حقيقة في مستحق الخمس ، وانما ذلك أمر أراده الله تعالى وفسره النبي صلى الله عليه وآله ، بدليل ما روى أنه لما نزل « قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ » (٢) قيل : يا رسول الله من قرابتك هؤلاءِ الذين وجبت

__________________

(١) سورة هود : ٤٦ .

(٢) سورة الشورى : ٢٣ .

٢٨
 &

علينا مودتهم ؟ قال : علي وفاطمة وابناهما . ذكره الزمخشري في الكشاف وغيره ، وأخبارنا ناطقة بأن باقي الائمة المعصومين من قرباه الذين وجبت علينا مودتهم .

وهذا معنى آخر للقرابة بالنسبة اليه عليه السلام سوى الاول ، وهو قاض بأن للنبي صلى الله عليه وآله في القرابة معنى خاصاً به ، للقطع بأن القرابة في حق غيره عليه السلام لا يقتصر فيها على احدى بناته وأولادها وبعلها الذي من شجرته . فالمرجع حينئذ الى العرف .

وعن أبي حنيفة وابي يوسف عدم اطلاق اسم القريب على الجد وولد الولد والوالدين والولد حي ، لان عندهم من سمى والده قريباً كان عاقاً ، لان القريب من يتقرب الى غيره بواسطة الغير ، وتقرب الوالد والولد بنفسهما لا بغيرهما ، لقوله تعالى « وَالْأَقْرَبِينَ » عطفه على الوالدين . ولا حجة فيه .

وقال فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير : لو أوصى لقرابته دخل قرابة الام في وصية العجم ولا تدخل في وصية العرب على الاظهر ، لانهم لا يعدون ذلك قرابة ، بخلاف ما لو أوصى لارحامه فانه يدخل قرابة الاب والام . والحق عدم الفرق .

٢٩
 &

المطلب الثاني

( في بيان معنى الصلة وما يتعلق بذلك )

قال الجوهرى : الوصل ضد الهجران ، والتواصل ضد التصارم . فالقطيعة تحصل بالهجران وعدم الاحسان وما شاكلهما من وجوه الصلة ، وتحصل أيضاً بنفي النسب الثابت شرعاً .

والمرجع في الصلة الى العرف ، اذ لا حقيقة لها شرعية ولا لغوية . وهو يختلف باختلاف العادات وبعد المنازل وقربها ، فربما تحققت الصلة في عرف قوم بأمر في حالة ولا تتحقق في عرف آخرين في تلك الحالة .

وربما كان بعد المنازل سبباً لسقوط الامر ببعض أنواعها ، كالزيارة فان البعد سبب في سقوط الامر بها مع العسر .

وقد روى الثقة الكليني عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أوصى الشاهد من أمتى والغائب منهم ومن في أصلاب الرجال وأرحام النساء أن يصل الرحم وان كانت منه على مسيرة سنة ، فان ذلك من الدين .

واعلم أن صلة من يطلب وصله من الارحام والقرابات ـ ويدخل

٣٠
 &

فيه قرابة الرسول صلى الله عليه وآله وقرابة المؤمنين الثابتة بسبب الايمان ـ تتأدى بالاحسان اليهم بحسب الطاقة والذب عنهم ونصرتهم والنصيحة لهم ودعوة المخالفين منهم الى الايمان وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر وحسن الخلق معهم وايصال حقهم اليهم وحفظ أموالهم عليهم وعيادة مرضاهم وحضور جنائزهم ومراعاة حقوق الرفقاء منهم في السفر والمجاورين والخدم منهم ونحو ذلك .

ولا ريب انه مع فقر بعض الارحام ـ وهم العمودان أعني الاباءِ وان علوا والاولاد وان نزلوا ـ تجب الصلة بالمال ، وتستحب لباقي الاقارب ، وتتأكد في الوارث . للعلم بأنه اذا كانت القرابة قريبة كان الامر بالصلة آكد وأقوى ، والموصول به هو قدر النفقة .

ولو كان له قريبان مضطران الى الانفاق وليس هناك ما يفضل عن أحدهما قدم واجب النفقة ، فان وجبت نفقتهما قدم الاقرب فالاقرب ، فان تساويا فالقسمة على الاقرب .

ولو كان عنده ما لو أطعمه أحدهما لعاش يوماً ولو قسمه بينهما لعاش كل منهما نصف يوم ، فالظاهر القسمة ، لعموم قوله تعالى « إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ » (١) ، ولرجاء ما يتمم به حياة

__________________

(١) سورة النحل : ٩٠ .

٣١
 &

كل منهما .

وهل القسمة على الرؤوس أو على سد الخلة ؟ احتمالان ، ويرجح الثاني أنه داخل في العدل ، اذ يجب عليه مع القدرة اشباعهما مع اختلاف قدر أكلهما ، فليكن كذلك مع العجز .

ولا تجب عليه هذه الصلة مع غنى القريب وان كان أحد العمودين . نعم تستحب الهدية اليه بنفسه أو رسوله .

قال الشهيد في قواعده : وأعظم الصلة ما كان بالنفس ، وفيه أخبار كثيرة ، ثم بدفع الضرر عنها ، ثم بجلب النفع اليها ، ثم بصلة من تحب وان لم يكن رحماً للواصل كزوجة الاب والاخ ومولاه ، وأدناها السلام بنفسه أو رسوله ، والدعاء بظهر الغيب ، والثناء في المحضر .

قلت : الذي يدل على أن أدناها مثل ذلك قوله عليه السلام « صلوا أرحامكم ولو بالسلام » ، ولو أداه بنفسه كان أفضل ، ولو انضم الى ذلك الصلة بالمال لمن لا تجب عليه نفقته كان أكمل . نعم لو كان على غير التقوى فينبغي أن يكون الدعاء له بخلوصه من الاثم أولى من زيارته وامداده بالمال .

وفي الدعاءِ بظهر الغيب أجر عظيم ، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله : من دعا لاخيه بظهر الغيب ناداه ملك من السماء :

٣٢
 &

ولك مثلاه .

المطلب الثالث

( في بيان احكام الصلة )

الصلة تنقسم بانقسام الاحكام الاقتضائية : فالواجب ما يخرج به عن القطيعة المحرمة ، والمستحب ما زاد على ذلك ، والحرام قطيعة القرابة او صلة الكافر ، ومنه مخالف الحق الشريف وان لم يكن ناصباً ، فان من هذا شأنه يجب البراءة منه وإن كان أقرب الناس وألصقهم نسباً ، لقوله تعالى « تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ » (١) .

قال الزمخشري في الكشاف : معناه ان من الممتنع المحال أن تجد قوماً مؤمنين يوادون المخالفين لله ، والغرض انه لا ينبغي أن يكون ذلك ، وحقه ان يمتنع ولا يوجد بحال ، مبالغة في النهي عنه والزجر عن ملابسته والتصلب في مجانبة أعداءِ الله ومباعدتهم . وانما حرمت صلته لانها تقتضي خلاف ما أمر الله به من ذلك .

__________________

(١) سورة المجادلة : ٢٢ .

٣٣
 &

وبمدلول هذه الاية جملة من النصوص ، وقد أشرنا فيما تقدم الى استثناءِ الوالدين للاية المتقدمة .

والمكروه صلة المستضعف ، وهو من لا يعرف الحق ولا يعاند فيه ولا يوالي أحداً بعينه ، فانه ليس بمؤمن ، والمأمور بصلته انما هو المؤمن .

ولما كانت الصلة عبادة امتنع انقسامها الى المباح ، لخلوه من الرجحان المعتبر في العبادة .

المطلب الرابع

( في بيان صلة القاطع )

القاطع لا ينقطع حقه من الصلة اجماعاً ، اذ بترك عبادة من مكلف لا تسقط تلك العبادة من مكلف آخر ضرورة ، وقد ورد في ذلك من النصوص ما لا يحصى كثرة :

فمنها ما رواه الثقة الكليني باسناده عن علي بن النعمان قال اسحاق بن عمار : بلغني عن ابي عبد الله عليه السلام أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال : يا رسول الله أهل بيتي أبوا الا تقريباً ( كذا ) على (١) وقطيعة لي وشتيمة فأرفضهم ؟ قال : فاذاً

__________________

(١) كذا في الاصل ، وفي الكافي ٢ / ١٢٠ « أبوا الا توثباً علي » .

٣٤
 &

يرفضكم الله جميعاً . قال : فكيف أصنع ؟ قال : تصل من قطعك ، وتعطي من حرمك ، وتعفو عمن ظلمك ، فانك اذا فعلت ذلك كان لك من الله عليهم ظهيراً .

وباسناده عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام مثله .

وباسناده عن السكوني عنه عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لا تقطع رحمك وان قطعك .

وروى الشيخ في التهذيب باسناده عن السكوني عنه عليه السلام قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وآله : أي الصدقة أفضل ؟ قال : على ذي الرحم الكاشح .

قال الجوهري : الكاشح الذي يضمر لك العداوة ، يقال كشح له بالعداوة وكاشحه بمعنى .

وباسناده عن محمد بن ابي عمير عن عبد الحميد عن سلمى مولاة ولد ابي عبد الله عليه السلام قال : كنت عند ابي عبد الله عليه السلام حين حضرته الوفاة ، فأغمي عليه فلما أفاق قال : أعطوا الحسن بن علي بن الحسين بن علي ـ وهو الافطس ـ سبعين ديناراً . قلت له : أفتعطى رجلا حمل عليك بالشفرة ؟ فقال : ويحك أما تقرأ القرآن ؟ قلت : بلى . قال : أما سمعت قوله تعالى « وَالَّذِينَ

٣٥
 &

يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ » (١) .

ولا يضر ضعف بعض أسانيدها ، لاعتضادها بما هو أصح اسناداً وانجبارها بعمل الاصحاب .

وكل حديث اشتمل على مقابلة المسيءِ بالاحسان والمحسن بالامتنان فهو نص في الباب ، وكذا الاية الواردة بالاعراض عن الجاهلين ، بناءاً على ما أورده القوم ـ منهم المقداد بن عبد الله السيوري ـ من أنها لما نزلت سأل رسول الله صلى الله عليه وآله جبرئيل عن معناها ، فقال : لا أدري حتى اسأل ربك . ثم رجع فقال : يا محمد ان ربك أمرك أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك .

المطلب الخامس

( في بيان أن الصلة تعطيل العمر )

قد تظافرف الاخبار بذلك ، ورواه الثقة الكليني باسناده عن محمد بن عبد الله قال : قال ابو الحسن الرضا عليه السلام : يكون الرجل يصل رحمه فيكون قد بقى من عمره ثلاث سنين فيصيرها

__________________

(١) سورة الرعد : ٢١ .

٣٦
 &

الله ثلاثين سنة ، ويفعل الله ما يشاء .

وباسناده عن اسحاق بن عمار قال : قال ابو عبد الله عليه السلام ما نعلم شيئاً يزيد في العمر الا صلة الرحم ، حتى أن الرجل يكون عمره ثلاث سنين فيكون وصولا للرحم فيزيد الله في عمره ثلاثين سنة فيجعلها ثلاثاً وثلاثين سنة ، ويكون اجله ثلاثاً وثلاثين سنة فيكون قاطعاً للرحم فينقصه الله عز وجل ويجعل أجله الى ثلاث سنين .

وباسناده عن الحسن بن علي الوشاءِ عن ابي الحسن الرضا عليه السلام مثله .

قلت : لا يصر تفاوت الزيادة في هذا الحديث والذي تقدمه على الاول ، لان الزيادة غير المنافية مقبولة ، وفي قوله عليه السلام « ما نعلم شيئاً » الخ ، مزيد ترغيب في الصلة وتأكيد لكونها سبباً لها .

وباسناده عن ابي حمزة قال : قال ابو جعفر عليه السلام : صلة الارحام تزكي الاعمال ، وتنمي الاموال ، وتدفع البلوى ، وتيسر الحساب [ وتنسىء ] (١) في الاجل .

وباسناده عن عبد الحميد عن الحكم الحناط قال : قال ابو عبد الله عليه السلام : صلة الرحم وحسن الجوار يعمران الديار

__________________

(١) الزيادة من الكافي ٢ / ١٢١ .

٣٧
 &

ويزيدان في الاعمار .

باسناده عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله عليه السلام قال : ان القوم ليكونوا فجرة ويكونون بررة ، فتنموا أموالهم و تطول أعمارهم ، فكيف اذا كانوا أبراراً بررة (١) .

وربما استشكل ذلك باعتبار أن المقدر في الازل والمكتوب في اللوح المحفوظ لا يتغير بالزيادة والنقصان ، لاستحالة خلاف معلوم الله تعالى .

وأجيب بأن المراد به الترغيب أو الثناءِ بعد الموت ، ومثله « ماتوا فعاشوا بحسن الذكر بعدهم » ، أو زيادة البركة في الاجل دون الزيادة فيه .

وهذا الاشكال وارد في كل ترغيب ووعد ووعيد ورد في الكتاب المجيد والسنة المطهرة .

ويندفع بما تقرر عندنا في علم الكلام من أن العلم تابع للمعلوم لا مؤثر فيه ، فكلما يحدث في العالم معلوم لله تعالى على ما هو عليه واقع من شرط أو سبب ، فاذا قال الصادق « ان زيداً اذا

__________________

(١) الحديث هنا مشوش جداً ، ونصه في الكافي ٢ / ١٢٤ هكذا : عن عبد الله ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ان القوم ليكونون فجرة ولا يكونون بررة ، فيصلون أرحامهم فتنمي أموالهم وتطول أعمارهم فيكف اذا كانوا أبراراً بررة .

٣٨
 &

وصل رحمه زاد الله في عمره » ففعل ذلك كان ذلك اخباراً بأن الله تعالى علم أن زيداً يفعل ما يزداد به عمره ، كما انه اذا أخبر انه اذا قال « لا اله الا الله » دخل الجنة ففعل تبين ان الله علم انه يفعل ذلك ويدخل الجنة .

ولا يشكل أيضاً بقوله تعالى « فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ » (١) ، « وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا » (٢) .

وذلك لان الاجل يصدق على الاجل الموهبي والمسببي ، فيحمل في الاية على الموهبي .

أو يقال : الاجل هو الوقت ، فأجل الموت هو الوقت الذي علم الله وقوعه فيه ، سواء كان بعد العمر الموهبي أو المسببي . وليس المراد به العمر ، اذ هو مجرد الوقت . وينبه عليه بعد دلالة الاخبار قوله تعالى : « وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ » (٣) .

المطلب السادس

( في بيان صلة الذرية الصالحة )

قد مضى في الاحاديث النبوية المروية عن ابن أبي عمير

__________________

(١) سورة الاعراف : ٣٤ .

(٢) سورة المنافقون : ١١ .

(٣) سورة فاطر : ١١ .

٣٩
 &

وابي بصير عن ابي عبد الله عليه السلام في صدر المقدمة ما هو صريح في الحض على ذلك ، ولا ريب أن في صلتهم من الثواب ما لا يحصى كثرة ، فان الله قد اكد الوصية فيهم ، خصوصاً اذا كانوا أرحاماً للواصل .

وقد روى الصدوق في من لا يحضره الفقيه عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : قوله تعالى « مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا » (١) نزلت في صلة الامام . وقال : درهم يوصل به الامام أفضل من ألف ألف درهم في غيره . وقال : من لم يقدر على صلتنا فليصل صالحي اخوانه يكتب له ثواب صلتنا ، ومن لم يقدر على زيارتنا فليزر صالحي موالينا يكتب له ثواب زيارتنا .

وأيضاً روى الثقة الكليني باسنادين أنها نزلت في صلته .

ولا يتوهم من ذلك احتياجه الى الصلة ، لما رواه الثقة الكليني عن الحسين بن محمد بن عامر قال : قال ابو عبد الله عليه السلام : من زعم أن الامام محتاج الى ما في أيدي الناس فهو كافر ، انما الناس محتاجون أن يقبل منهم الامام ، قال الله عز وجل « خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا » (٢) .

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٤٥ .

(٢) سورة التوبة : ١٠٣ .

٤٠