البراهين القاطعة - ج ٣

محمّد جعفر الأسترآبادي

البراهين القاطعة - ج ٣

المؤلف:

محمّد جعفر الأسترآبادي


المحقق: مركز العلوم والثقافة الإسلامية
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة بوستان كتاب
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-766-6
ISBN الدورة:
964-371-509-4

الصفحات: ٤٥٦

القليب ، ومن يحزب الأحزاب ، ثمّ قال : أيّتها الشجرة ، إن كنت تؤمنين بالله واليوم الآخر ، وأنّي رسول الله فانقلعي بعروقك حتّى تقفي بين يديّ بإذن الله. والذي بعثني بالحقّ لانقلعت بعروقها وجاءت ولها دويّ شديد وقصف كقصف أجنحة الطير حتّى وقفت بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مرفوعة ، وألقت بغصنها الأعلى على رسول الله ، وبعض أغصانها على منكبين وكنت على يمينه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمّا نظر القوم إلى ذلك قالوا ـ علوّا واستكبارا ـ : فمرها فليأتك نصفها ويبقى نصفها ، فأمرها بذلك فأقبل إليه نصفها بأعجب إقبال وأشدّ دويّ ، وكادت تلتف برسول الله ، فقالوا ـ كفرا وعتوّا : ـ فمر هذا النصف فليرجع إلى نصفه ، فأمره صلى‌الله‌عليه‌وآله فرجع ، فقلت أنا : لا إله إلاّ الله إنّي أوّل مؤمن بك يا رسول الله ، وأوّل من آمن بأنّ الشجرة فعلت ما فعلت بأمر الله تصديقا بنبوّتك وإجلالا لكلمتك ، فقال القوم : بل ساحر كذّاب عجيب السحر خفيف فيه ، فهل يصدّقك في أمرك غير هذا؟ يعنونني » (١).

[٣] ومنها : خروج الماء من بين أصابعه ، وذلك كما قيل : إنّهم كانوا في سفر فشكوا أن لا ماء معهم وأنّهم بمعرض التلف وسبيل العطب ، فقال : « كلاّ إنّ معي ربّي ، عليه توكّلت » ثمّ دعا بركوة فصبّ فيها ماء ما كان ليروي رجلا ضعيفا ، وجعل يده فيها ، فنبع الماء من بين أصابعه ، فصيح في الناس فشربوا وسقوا حتّى نهلوا أو علوّا ـ وهم ألوف ـ وهو يقول : « أشهد أنّي رسول الله » (٢).

[٤] ومنها : حنين الجذع الذي كان يخطب صلوات الله عليه عنده ، وذلك كما روي أنّه كان في مسجده بالمدينة يستند إلى جذع فيخطب الناس ، فلمّا كثر الناس اتّخذوا إليه منبرا ، فلمّا صعده حنّ الجذع حنين الناقة التي فقدت ولدها ، فنزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فضمّه إليه وكان يئنّ أنين الصبيّ الذي يسكت (٣).

__________________

(١) « إعلام الورى » ١ : ٧٤ ـ ٧٥ ، وقد صحّحنا النقل على المصدر.

(٢) المصدر السابق ١ : ٧٦ ، نقله بتفاوت يسير.

(٣) المصدر السابق ١ : ٧٦.

٤١

[٥] ومنها : حديث شاة أمّ معبد ، وذلك أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله عند مهاجرته من مكّة ـ مع أبي بكر وغيره ـ مرّ على أمّ معبد فسألوا تمرا أو لحما ليشتروا ، فلم يصيبوا عندها شيئا إلاّ شاة بلا لبن خلقها الجهد ، فبعد الاستئذان للحلب دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بإناء ، فحلب فيه ، فسقاها حتّى رويت ، وسقى أصحابه حتّى رووا ، فشرب صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : « ساقي القوم آخرهم شربا » فشربوا جميعا عللا بعد نهل ، ثمّ حلب فيه ثانيا ، ثمّ ارتحلوا عنها ، الخبر (١).

[٦] ومنها : خبر سراقة بن جعشم ، وهو أنّه تبعه صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو متوجّه إلى المدينة فساخت قوائم فرسه حتّى تغيّبت بأجمعها في الأرض ، وهو بموضع جدب وقاع صفصف ، فعلم أنّ الذي أصابه أمر سماويّ ، فنادى : يا محمّد ، ادع ربّك يطلق لي فرسي ، وذمّة الله عليّ أن لا أدلّ عليك أحدا ، فدعا له فوثب جواده كأنّه أفلت من أنشوطة ، (٢) فعلم بما رأى أنّه سيكون له نبأ ، فقال : اكتب أمانا ، فكتب وانصرف (٣).

[٧] ومنها : حديث الغار ، وهو أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا أوى عند الهجرة إلى غار بقرب مكّة ، فخرج القوم يطلبه ، فأعمى الله أثره ـ وهو نصب أعينهم ـ وبعث سبحانه العنكبوت فنسجت في وجه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فسترته ، وبعث حمامتين وحشيّتين فوقعتا بفم الغار ، فمن تعجّل منهم لينظر من في الغار بقدر أربعين ذراعا رجع إلى أصحابه ، فقالوا له : ما لك لا تنظر في الغار؟ فقال : رأيت حماما بفم الغار فعلمت أن ليس فيه أحد ، وسمع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ما قال (٤).

[٨] ومنها : كلام الذئب. بيانه أنّ رجلا كان في غنمه يرعاها ، فأغفلها سويعة من نهاره. فعرض ذئب فأخذ منها شاة ، فأقبل يعدو خلفه ، فطرح الذئب الشاة ، ثمّ كلّمه

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) الأنشوطة هي العقدة التي يسهل انحلالها. انظر « المعجم الوسيط » : ٩٢٢ « ن. ش. ط ».

(٣) « الكافي » ٨ : ٢١٨ ـ ٢١٩ ، ح ٣٧٨ ؛ « إعلام الورى » ١ : ٧٧ ـ ٧٨ ، وقد صحّحنا النقل على المصدر.

(٤) « إعلام الورى » ١ : ٧٨ ـ ٧٩.

٤٢

بكلام فصيح ، فقال : تمنعني رزقا ساقه الله إليّ؟ فقال الرجل : يا عجبا الذئب يتكلّم ، فقال : أنتم أعجب وفي شأنكم للمعتبرين عبرة ، هذا محمّد يدعو إلى الحقّ ببطن مكّة وأنتم عنه لاهون ، فأبصر الرجل رشده وأقبل حتّى أسلم ، وأبقى يراجع شرفا لا تخلقه الأيّام يفتخرون به ، ويقولون : إنّا بنو مكلّم الذئب (١).

[٩] ومنها : كلام الشاة المسمومة المهداة من اليهوديّة بخيبر ، حيث دعا أصحابه إليه فوضع يده ، ثمّ قال : « ارفعوا فإنّها تخبرني بأنّها مسمومة » وقد كان صلى‌الله‌عليه‌وآله تناول منها قليلا قبل أن كلّمته ، ليعلم أنّه مخلوق وعبد (٢).

وصار ذلك سبب الشهادة مع عوده كلّ سنة.

[١٠] ومنها : إشباع الألوف من قومه يوم الأحزاب بقوت رجل أو رجلين بعد دعوة رجل من أصحابه إليها واحتفال القوم معه ، وأمره صلى‌الله‌عليه‌وآله بتغطية الإناء ، وأكل القوم كلّهم منه حتّى شبعوا كأن لم يجوعوا ، والطعام بحاله بلا نقص (٣).

[١١] ومنها : إشباع قومه في غزوة تبوك بفضلة زاد لهم وهي بضع عشرة تمرة ، حيث شكوا الجوع ، فطرحت تلك التمرة بين يديه فوضع يده عليها وقال : « كلوا بسم الله » فأكل القوم حتّى شبعوا وهي بحالها يرونها عيانا (٤).

[١٢] ومنها : أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ورد ماء لا يبلّ حلق أحد والقوم عطاش ، فشكوا ذلك إليه ، فأخذ سهما من كنانة فدفعه إلى رجل من أصحابه ، فغرزه في الركي بأمره ، فملأ من الماء إلى أعلاه فروي القوم وأخذوا منه للظعن ، وهم ثلاثون ألفا (٥).

[١٣] ومنها : تكلّم الظبية معه صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ حين وقعت في شبكة ـ وتخليتها لإرضاع

__________________

(١) المصدر السابق : ٧٩.

(٢) « كنز الفوائد » ١ : ١٧٣ ؛ « كشف الغمّة » ١ : ٢٧ ؛ « إعلام الورى » ١ : ٨٠.

(٣) « الخرائج والجرائح » ١ : ٢٧ ؛ « إعلام الورى » ١ : ٨٠.

(٤) « كنز الفوائد » ١ : ٢٧ ؛ « إعلام الورى » ١ : ٨٠.

(٥) « الخرائج والجرائح » ١ : ٢٨ ؛ « إعلام الورى » ١ : ٨١.

٤٣

ولدها ، واعتذاره صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ صاحبها غائب ، حيث قالت : إنّى أرجع ، فخلاّها وجلس حتّى رجعت الظبية وجاء صاحبها ، فشفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى خلّى سبيلها ، فاتّخذ القوم من ذلك الموضع مسجدا (١).

[١٤] ومنها : أنّ قوما شكوا إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله ملوحة مائهم فجاء معهم في جماعة من أصحابه حتّى أشرفوا على بئرهم ، فتفل فيها ، ثمّ انصرف ، ففار الماء المالح وانفجرت الماء العذب والفرات ، وبها يتفاخر أهلها (٢). وحصل عكسه لمسيلمة عند طلب منه.

[١٥] ومنها : أنّ امرأة أتت بصبيّ ذي عاهة ، فمسح يده على رأسه فاستوى شعره وبرئ داؤه (٣). وحصل عكسه لمسيلمة عند طلب مثله عنه.

[١٦] ومنها : أنّ قوما من عبد القيس أتوه بغنم لهم فسألوه أن يجعل لها علامة يذكر بها ، فغمز إصبعه في أصول آذانها فابيضّت ، وهي معروفة النسل (٤).

[١٧] ومنها : حديث المطر ، حيث كثر حتّى أشفقوا من خراب دور المدينة وانهدام بنيانها ، فدعا فتنحّ السحاب عن المدينة وأطاف حولها مستديرا مطير الشمس طالعة في المدينة يرى المؤمن والكافر (٥).

[١٨] ومنها : أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أخذ يوم بدر ملء كفّه من الحصى فرمى بها وجوه المشركين فملأ أعينهم ، وجعل المسلمون والملائكة يقتلونهم ويأسرونهم ، ويجدون كلّ رجل منهم منكبّا على وجهه لا يدري أين يتوجّه ، فعالج التراب بنزعه من عينيه (٦).

[١٩] ومنها : أمر ناقته حين افتقدت فأرجف المنافقون ، وقالوا : نبّئنا بخبر السماء وهو لا يدري أين ناقته؟ فلمّا خاف صلى‌الله‌عليه‌وآله على المؤمنين وساوس الشيطان دلّهم

__________________

(١) « الخرائج والجرائح » ١ : ٣٧ ؛ « إعلام الورى » ١ : ٨١.

(٢) « الخرائج والجرائح » ١ : ٢٨ ؛ « إعلام الورى » ١ : ٨٢.

(٣) « الخرائج والجرائح » ١ : ٢٩ ؛ « إعلام الورى » ١ : ٨٢.

(٤) « كنز الفوائد » ١ : ١٧١ ؛ « الخرائج والجرائح » ١ : ٢٩.

(٥) « الخرائج والجرائح » ١ : ٢٩ ؛ « إعلام الورى » ١ : ٨٣ ؛ « صحيح البخاري » ٢ : ٣٥.

(٦) « كنز الفوائد » ١ : ١٦٩ ؛ « إعلام الورى » ١ : ٨٣.

٤٤

عليها ، ووصف لهم حالها فأتوها فوجدوها كما وصف (١).

[٢٠] ومنها : أنّ رجلا من أصحابه أصيب بإحدى عينيه في بعض مغازيه فسالت حتّى وقعت على خدّه ، فأتاه مستغيثا به ، فأخذها بيده فردّها مكانها ، فكانت أحسن عينيه وأصحّهما وأحدّهما نظرا (٢).

[٢١] ومنها : برء أبي براء من داء الاستسقاء بشرب طين تفل صلى‌الله‌عليه‌وآله فيه مخلوطا بالماء ، وقد أخذ لبيد من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بالتعجّب والاستهزاء (٣).

[٢٢] ومنها : شكوى البعير إليه ـ عند رجوعه إلى المدينة من غزوة بني ثعلبة ـ بأنّ صاحبه عمل عليه إلى الكبر فأراد نحره ، فأخبره صلى‌الله‌عليه‌وآله جابرا ، فقال له : « فأتني به » فقال : والله ما أعرف صاحبه ، قال : « هو يدلّك » فخرج معه حتّى انتهى إلى صاحبه ، فأتى به مع البعير إليه فبيّن له ما قال البعير ، فقال صاحبه : قد كان ذلك يا رسول الله ، فاشتراه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد عدم قبول الإهداء ، فتركه يرعى في نواحي المدينة ، ومنحه من يريد الغدوة والروحة من أصحابه (٤).

[٢٣] ومنها : أنّ أبا جهل عاهد الله أن يفضخ رأسه صلى‌الله‌عليه‌وآله بحجر إذا سجد في صلاته ، فاحتمل الحجر عند قيامه في الصلاة بين الركنين الأسود واليماني ، فلمّا أدناه رجع متنقّعا لونه مرعوبا قد يبست يداه على حجره ، حتّى قذف الحجر من يده ، وقام إليه رجال من قريش ، فقالوا : ما لك يا أبا الحكم؟ قال : عرض لي دونه فحل من الإبل ما رأيت مثل هامته قصرته ولا أنيابه لفحل قطّ ، فهمّ أن يأكلني (٥).

[٢٤] ومنها : أنّ أبا جهل اشترى من رجل إبلا فبخسه أثمانها ولواه (٦) بحقّه ، فأتى

__________________

(١) « كنز الفوائد » ١ : ١٧٠ ؛ « إعلام الورى » ١ : ٨٤.

(٢) « الخرائج والجرائح » ١ : ٣٢ ؛ « إعلام الورى » ١ : ٨٤.

(٣) « إعلام الورى » ١ : ٨٤.

(٤) « إعلام الورى » ١ : ٨٥ ـ ٨٦.

(٥) المصدر السابق ١ : ٨٦ ، بتفاوت يسير.

(٦) أي مطله وجحده إيّاه.

٤٥

الرجل نادى قريشا ، مستجيرا بهم وذكّرهم حرمة البيت ، فأحالوه على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله استهزاء به ، فأتاه مستجيرا به فمضى معه ودقّ الباب على أبي جهل ، فعرفه وخرج مبهوتا فقال : أهلا بأبي القاسم ، فقال له : « أعط هذا حقّه » قال : نعم ، فأعطاه من فوره ، فقيل له في ذلك ، فقال : إنّي رأيت ما لم تروا ، رأيت والله على رأسه تنّينا فاتحا فاه ، والله لو أبيت لالتقمني (١).

[٢٥] ومنها : ستره صلى‌الله‌عليه‌وآله عن نظر أمّ جميل حين جاءت إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله [ وهي تقول : مذمّما أبينا ] (٢) بعد نزول ( تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ ) (٣) فرأت أبا بكر ولم تر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت : يا أبا بكر ، أخبرت أنّ صاحبك هجاني ، فقال : لا وربّ البيت ما هجاك ، فولّت (٤).

[٢٦] ومنها : ستره عمّن أرادوا قتله من بني مخزوم ، ومنهم أبو جهل حيث أرسلوا الوليد [ ليقتله ] (٥) فانطلق حتّى انتهى إلى المكان الذي كان يصلّي فيه ، فجعل يسمع قراءته ولا يراه ، فانصرف إليهم فأعلمهم ذلك ، فأتاه أبو جهل وغيره ، فلمّا انتهوا إلى ذلك المكان الذي سمعوا صوته ، وذهبوا إلى الصوت ، فإذا الصوت من خلفهم ، وهكذا ، وذلك قوله تعالى : ( وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا ) (٦) الآية.

[٢٧] ومنها : أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان في غزاة الطائف ومسيره ليلا على راحلته بواد بقرب الطائف يقال له : « نجيب » ذو شجر كثير من سدر وطلح ، فغشي وهو في وسن النوم سدرة في سواد الليل ، فانفجرت السدرة له بنصفين فمرّ بين نصفيها ، وبقيت السدرة

__________________

(١) « إعلام الورى » ١ : ٨٦.

(٢) الزيادة أثبتناها من « إعلام الورى » ١ : ٨٧.

(٣) المسد (١١١) : ١.

(٤) « دلائل النبوّة » للبيهقي ٢ : ١٩٥ ؛ « إعلام الورى » ١ : ٨٧.

(٥) الزيادة أثبتناها من « إعلام الورى » ١ : ٨٨.

(٦) « دلائل النبوّة » للبيهقي ٢ : ١٩٧ ؛ « إعلام الورى » ١ : ٨٨ ، والآية في سورة يس (٣٦) : ٩.

٤٦

منفرجة على ساقين ، وتسمّى سدرة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

وبالجملة : فمعجزاته أكثر من أن تحصى ، كإخباره صلى‌الله‌عليه‌وآله بالمقاتلة مع أمير المؤمنين (٢) عليه‌السلام وقتل الحسين عليه‌السلام ومصارع أهل بيته (٣) ، ونحو ذلك.

وعن بعض أنّ أعلامه تبلغ ألفا (٤) فالأولى الاقتصار على ما ذكرنا. وتلك المعجزات وإن كان كلّ واحدة منها منقولة بخبر واحد بحسب الكيفيّة في [ البعض ] (٥) والأصل في البعض ، إلاّ أنّه يحصل من جميعها القطع بصدور المعجزة من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ويقال له : المتواتر المعنوي ، كالعلم بجود حاتم ، وشجاعة رستم ، وعدل نوشيروان ، بالحكايات المنقول كلّ واحدة منها بخبر واحد.

فنقول : إنّ محمّد بن عبد الله ادّعى النبوّة وختم الرسالة ، وعمومها بالنسبة إلى الثقلين ، ونسخ ملل السابقين ، وأظهر المعجزة على طبقها. وكلّ من كان كذلك فهو نبيّ من عند الله ، وما ادّعاه حقّ ، محمّد بن عبد الله نبيّ من عند الله وما ادّعاه من ختم الرسالة وعمومها ونحوهما حقّ.

فإن قلت : إن كان في الملل المنسوخة مفسدة فوضعها قبيح ، وإلاّ فرفعها قبيح ، ولا سبيل إلى الأوّل ؛ لأنّه تعالى وضعها ويمتنع كون ما صدر منه تعالى قبيحا كما مرّ ، فتعيّن الثاني ، فتكون الملّة الثانية لموسى عليه‌السلام بالاتّفاق غير مرفوعة ، فيكون ملّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله التي تكون ناسخة لها غير ثابتة.

قلت : ذلك مدفوع بالنقض والحلّ. أمّا النقض فبالملل السابقة على ملّة موسى عليه‌السلام المنسوخة بها وغيرها ، كما قيل : إنّه ورد في التوراة أنّه كان أكل جميع ما يدبّ على

__________________

(١) « الخرائج والجرائح » ١ : ٢٦ ؛ « إعلام الورى » ١ : ٨٨.

(٢) « إعلام الورى » ١ : ٩٢.

(٣) المصدر السابق ١ : ٩٣.

(٤) المصدر السابق ١ : ٨٩.

(٥) بين المعقوفتين منّا أضفناه لاستقامة المتن.

٤٧

الأرض حلالا على آدم عليه‌السلام وحوّاء ، وحرّم أكل بعض الحيوانات على نوح عليه‌السلام ، وأنّ الختان كان جائزا لنا حراما على نوح ، وصار واجبا فوريّا على من تأخّر عنه من الأنبياء ، وأنّ الجمع بين الأختين كان حلالا في شريعة آدم ونوح عليهما‌السلام وصار حراما في شريعة موسى عليه‌السلام كما في شريعتنا.

وأمّا الحلّ فبأنّ حسن الأشياء وقبحها على قسمين : ذاتي ، وعرضي ، فقد يصير الحسن بالذات قبيحا بالعرض كالصدق الضارّ ، وبالعكس كالكذب النافع ، فبحسب المصالح يختلف الحال ، فلعلّ الملل المنسوخة كانت في زمانها فيها مصلحة اقتضت وضعها ، ولمّا انتفت تلك المصلحة في الزمان المتأخّر عنه ، بل اقتضت المصلحة خلافها ونسخت ووضعت خلافهما.

فيمكن أن تكون المنسوخة قبيحة بالذات ، حسنة بالعرض ، والناسخة بالعكس في زمان المنسوخة ، ولمّا انتفت المصلحة الموجبة لحسن المنسوخة القبيحة ، وقبح الناسخة الحسنة ، حكم بمقتضى حكم الحسن والقبح الذاتيّين بالنسبة إلى الناسخ والمنسوخ ؛ لأنّ الضرورة تتقدّر بقدرها ، كما في أكل الميتة عند الضرورة ، ويمكن أن يكون الأمر بالعكس ، فلمّا تحقّقت المصلحة الموجبة لقبح المنسوخة الحسنة ، وحسن الناسخة القبيحة ، حكم بمقتضى الحسن والقبح العرضيين المقتضي أوّلهما وجود المصلحة في الناسخ ، وثانيهما تحقّق المفسدة في المنسوخ ، فلا إشكال.

فإن قلت : إنّ اليهود أخبروا عن موسى عليه‌السلام قوله : « تمسّكوا بالسبت أبدا » فما دام السبت باقيا كانت شريعة موسى عليه‌السلام باقية.

قلت أوّلا : إنّه غير ثابت النقل منهم ، بل هو موضوع أوقع بين اليهود.

والدليل على ذلك أنّه لو كان ثابتا لوجب محاجّة اليهود مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك ، ولو وقعت المحاجّة لنقلت ، ولم تنقل.

ولو سلّمنا بثبوته بين اليهود ، نمنع صدوره عن موسى عليه‌السلام ؛ لعدم اتّصال عدد

٤٨

التواتر من أزمان اليهود إلى زمان موسى عليه‌السلام ؛ لاستئصال بخت نصّر لهم ، بحيث لم يبق منهم عدد التواتر كما قيل ، ولا أقلّ من عدم العلم.

وثانيا : إنّ مثل هذا الكلام يسمّى عرفيّة ، فالمعنى المفهوم منه عرفا : تمسّكوا بالسبت أبدا ما دامت شريعتكم باقية ، كما يقال : اكتب بالقلم أبدا ، والمعنى ما دمت كاتبا.

وأمّا الأدلّة النقليّة فهي في هذا الباب أيضا كثيرة :

منها : قوله تعالى : ( وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ) (١) الآية.

ومنها : قوله تعالى : ( ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ ) (٢) الآية.

ومنها : قوله : ( كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللهُ ) (٣) الآية.

ومنها : قوله تعالى : ( وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ ) (٤) الآية.

ومنها : قوله تعالى ـ حكاية عن عيسى عليه‌السلام ـ ( وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ) الآية (٥).

ومنها : قوله تعالى : ( وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) (٦).

ومنها : قوله تعالى : ( قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ ) (٧).

__________________

(١) آل عمران (٣) : ١٤٤.

(٢) الأحزاب (٣٣) : ٤٠.

(٣) الشورى (٤٢) : ٣.

(٤) المنافقون (٦٣) : ١.

(٥) الصفّ (٦١) : ٦.

(٦) البقرة (٢) : ٢٣.

(٧) الأعراف (٧) : ١٥٨.

٤٩

ومنها : قوله تعالى : ( ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى * وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى ) (١).

ومنها : قوله تعالى : ( نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ ) (٢) الآية.

والحاصل أوّلا : أنّ محمّد بن عبد الله بن هاشم بن عبد مناف رسول الله ونبيّه المعصوم المنزّه عمّا ذكر ، المقترن بالمعجزات التي منها المعراج الجسماني ، وشقّ القمر ، والقرآن.

يدلّ على ذلك أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ادّعى النبوّة الممكنة ، وأتى على طبقها المعجزة ـ كالقرآن الذي عجز عن معارضته الفصحاء ، كفصحاء عدنان ـ فهو حقّ. أمّا الصغرى ؛ فلتوافر القطع ، وأمّا الكبرى ؛ فللبرهان العقلي ؛ لقبح صدور المعجزة في يد الكاذب ؛ لاستلزامه فوات الغرض ، والإغراء بالجهل ، والإضلال ، مضافا إلى النقل كالآيات المذكورة : قال الله تعالى : ( وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ) (٣).

وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ) (٤).

وقال تعالى : ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ ) (٥). وقال : ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَ ) (٦).

وقال تعالى : ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً ) (٧).

__________________

(١) النجم (٥٣) : ٢ ـ ٤.

(٢) آل عمران (٣) : ٣.

(٣) آل عمران (٣) : ١٤٤.

(٤) محمّد (٤٧) : ٢.

(٥) الفتح (٤٨) : ٢٩.

(٦) الأعراف (٧) : ١٥٧.

(٧) الأحزاب (٣٣) : ٤٦.

٥٠

وقال تعالى : ( لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (١). وقال تعالى : ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٢). وقال تعالى : ( وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ) (٣). وقال تعالى : ( لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ) (٤).

وقال تعالى : ( ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى * وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى * ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى * فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى * فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى * ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى ) (٥).

وقال تعالى : ( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ) (٦).

[ حديث المعراج ]

وقد روي عن الباقر عليه‌السلام والصادق عليه‌السلام في حديث المعراج ما حاصله : « أنّ جبرئيل وميكائيل وإسرافيل جاءوا بالبراق ـ الذي هو أصغر من البغل ، وأكبر من الحمار مضطرب الأذنين ، عينه في حافره ، وخطاه مدّ بصره ، إذا انتهى إلى جبل قصرت يداه ، وطالت رجلاه ، أهدب العرف الأيمن ، له جناحان من خلفه وفخذه ، وهي دابّة من دوابّ الجنّة ، وأحسن الدوابّ لونا ، لو أذن الله تعالى لجالت الدنيا والآخرة في جرية واحدة خدّه كخدّ الإنسان ، وذنبه كذنب البقر ، وعرفه كعرف

__________________

(١) البقرة (٢) : ١٢٤.

(٢) الأحزاب (٣٣) : ٣٣.

(٣) البقرة (٢) : ٢٣.

(٤) الإسراء (١٧) : ٨٨.

(٥) النجم (٥٣) : ٢ ـ ١١.

(٦) القمر (٥٤) : ١.

٥١

الفرس ، وقوائمه كقوائم الإبل ـ إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو نائم في مكّة في دار أمّ هاني أخت عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، على قول.

فقال جبرئيل : قم يا محمّد ، فقام وخرج معه إلى الباب ، وأخذ واحد باللجام ، وواحد بالركاب وسوّى الآخر عليه ثيابه فتضعضعت فلطمها جبرئيل عليه‌السلام ثمّ قال : اسكتي يا براق ما ركبك نبيّ قبله ولن يركبك بعده مثله ، فركب عليه‌السلام إلى بيت المقدس ، وناداه في مسيره مناد عن يمينه ، فلم يجبه ولم يلتفت إليه وإلاّ لتهوّدت أمّته بعده ؛ لكون المنادي داعي اليهود ، ثمّ ناداه مناد عن يساره وهو داعي النصارى فلم يجبه ولم يلتفت إليه ، وإلاّ لتنصّرت أمّته بعده ، ثمّ استقبلته امرأة كاشفة عن ذراعيها عليها من كلّ زينة الدنيا ، فقالت : يا محمّد تنظرني حتّى أكلّمك ، فلم يلتفت إليها ، فلو كلّمها لاختارت أمّته الدنيا على الآخرة ، ثمّ سمع صوتا ، قال جبرئيل : هو صوت صخرة قذفها على شفير جهنّم واستقرّت بعد سنين.

فلمّا انتهى إلى بيت المقدس نزلت ملائكة للبشارة من ربّ العزّة وعرض عليه جبرئيل محاريب الأنبياء وآثارهم ومنازلهم ، فربط البراق بالحلقة التي كانت تربط بها فوجد إبراهيم وموسى وعيسى فيمن شاء الله من الأنبياء ، فلمّا استووا أخذ جبرئيل بيده وقدّمه صلى‌الله‌عليه‌وآله عليهم فصلّى وركب وصعد إلى سماء الدنيا ، وعليها ملك يقال له : إسماعيل وصاحب الخطفة تحته سبعون ألف ملك ، تحت كلّ ملك سبعون ألف ملك ، فقال : يا جبرئيل من هذا معك؟ فقال : محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ فتح الباب ودخل فرأى عجائبها ، فسلّم عليه واستغفر له وقال : مرحبا بالأخ الصالح ، وملائكتها يسلّمون عليه ضاحكين مستبشرين عليه ، حتّى لقيه ملك عظيم كريه المنظر ظاهر الغضب ، فدعا له ، إلاّ أنّه لم يضحك ، فقال : يا جبرئيل ، من هذا فإنّي قد فزعت منه؟

قال : كلّنا نفزع منه ، هذا خازن النار لم يضحك قطّ ، فطلب إراءة النار ، فكشف عنها غطاءها وفتح بابا منها فخرج منها لهب ساطع في السماء فهاب ، فسدّ.

ثمّ صعد إلى السماء الثانية فرأى فيها عيسى ويحيى ، ثمّ صعد إلى السماء الثالثة

٥٢

فرأى فيها يوسف ، ثمّ صعد إلى الرابعة فرأى فيها إدريس ، ثمّ صعد إلى الخامسة فرأى هارون ، ثمّ صعد إلى السادسة فرأى إبراهيم ، ثمّ صعد إلى أعلى علّيّين قرب العرش فرأى الجنّة ، فكلّمه ربّه بما كلّمه بلسان عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام قائلا : بأنّي لم أجد في قلبك أحبّ منه ، ثمّ رجع إلى مكّة فلمّا أصبح حدّث بما وقع ، فكذّبه أبو جهل والمشركون ، فأخبرهم بما أطّلع عليه من أمور الغيب فلم ينفع » (١).

اعلم أنّ ظاهر الآيات والأخبار ، بل مقتضى الضرورة أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عرج بتمام جسمه الشريف إلى مقام « قاب قوسين أو أدنى » ، ولزوم الخرق والالتئام ـ مضافا إلى منع امتناعهما فيما دون الفلك الأعظم وهو العرش ؛ لعدم تمام دليل المانع مع غير محدّد الجهات كما بيّن في محلّه ، بل مطلقا ، لعموم قدرة الله ـ غير مانع في المقام ؛ لأنّ المعراج الجسماني معجزة ، وكلّ معجزة لا بدّ من كونها خارقة للعادة ، وكونها مستندة إلى فعل الله القادر على ما يشاء ، والفعّال لما يريد ، فاستبعاد ذلك أو اعتقاد خلاف ما ذكر عن العاقل بعيد.

[ ما قاله الشيخ المعاصر في كيفيّته المعراج ]

والعجب أنّ الشيخ المعاصر قال في جواب السؤال عن معراج محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله بجسمه من غير لزوم خرق والتئام ، وعن معنى رؤية الأنبياء ، وصلاته بالملائكة ، وصلاة الربّ ، ووقوفه ، ما يخالف ظاهره ذلك حيث قال : « إنّ حقيقة المعراج هو العروج على ظاهره ولا جهل فيه ، وإنّما الجهل في معرفة جسد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي معرفة الأفاعيل الإلهيّة ، وفي معرفة الخرق والالتئام.

فنقول : اعلم أنّ الله سبحانه خلق قلوب المؤمنين من فاضل طينة جسم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته ، والفاضل إذا أطلق في الأخبار وفي عبارات العارفين

__________________

(١) « تفسير القمّي » ١ : ٣٩٥ ذيل الآية ١ من سورة الإسراء (١٧) ؛ « بحار الأنوار » ١٨ : ٣١٩ ـ ٣٣٢ ، ح ٣٤. وقد صحّحنا النقل على المصدر.

٥٣

بالأسرار يراد به الشعاع ، وهي واحد من سبعين ، ممثّلا جسم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قرص الشمس ، وقلوب شيعتهم خلقوا من الشعاع الواقع على الأرض من قرص الشمس ، فإذا عرفت هذا عرفت أنّه يصعد بجسمه ولا يكون خرق ولا التئام.

بقي شيء وهو أنّا نقول : الجسم هو كذلك ، ولكنّه ليس بصورة البشريّة التي تحسّ وهي متّحدة وحكمها حكم سائر الأجسام الجماديّة ، والصعود بها يلزم الخرق والالتئام.

ونجيب بأنّ الصورة البشريّة عند إرادة صعوده يجوز فيها احتمالان في الواقع ، هما سواء في الظاهر : الأوّل أبعد عن العقول ، والآخر أقرب.

فالأوّل : أنّ الصاعد كلّما صعد ألقى منه عند كلّ رتبة منها ، مثلا إذا أراد تجاوز كرة الهواء ألقى ما فيه من الهواء فيها ، وإذا أراد تجاوز كرة النار ألقى ما فيه منها فيها ، وإذا رجع أخذ ماله من كرة النار ، فإذا وصل الهواء أخذ ماله من الهواء.

لا يقال على هذا : إنّ هذا قول بعروج الروح خاصّة ؛ لأنّه إذا ألقي ما فيه عند كلّ رتبة لم يصل إلاّ الروح.

لأنّا نقول : إنّا لو قلنا بذلك فالمراد بها أعراض ذلك ؛ لأنّ ذوات ذلك لو ألقاها بطلت نبيّته ، ونبيّته باقية لا تنقل ، وإنّما مرادنا الجسم بالنسبة إلى عالم الكون ، وإلاّ فهو على ما هو عليه من التجسّد والتخطيط.

والثّاني : أنّ الصورة البشريّة التي هي المقدار والتخطيط تابعة للجسم في لطافته وكثافته ، فإنّ الملك مثل جبرئيل إذا رجع في صورة البشر كصورة دحية بن خليفة الكلبي يخرج بقدر دحية ، مع أنّه يملأ ما بين السماء والأرض ، ولو شاء حينئذ من في ثقب الإبرة وأصغر ؛ لأنّ الأجسام اللطيفة النورانيّة تكون بحكم الأرواح وإلاّ لا تزاحم فيها ولا تضايق ، ولهذا يبلغ المعصوم عليه‌السلام من مشرق الدنيا إلى مغربها في أقلّ من طرفة عين ولا يستغربه السامع ، وهذا هو ذلك بعينه ، فافهم.

وأمّا معرفة الأفاعيل الإلهية فلأنّه إنّما توهّم من توهّم من جهة أنّ العالم على

٥٤

وضع واحد لو اختلّ النظام ، فإذا خرق حصلت حال مروره فرجة بانحباس من الأجزاء المختلفة ، فإذا وقف وقفت أجزاء الفلك ، على أنّه لا فرجة فيه ولا يمكن تخلّل أجزائه ولا تلزمها فأين تذهب أجزاء الفرجة المفروضة؟

ومع هذا كلّه فيلزم فساد النظام ، والالتئام إنّما يكون بانبساط الأجزاء إلى الفرجة ولا يكون ذلك إلاّ مع التخلّل والرفق ولا يمكن فيه ذلك ، وأمثال ذلك. وهذا جار على حسب أفاعيل العباد.

وأمّا الأفاعيل الإلهيّة ـ على تقدير تسليم امتناع الخرق والالتئام ـ فنقول على ظاهر العبارة : إنّ المعراج معجز والمعجز يجري فيه ما لا يجري في العادة وفيما نعرفه ، فيجوز أنّ الأجزاء التي يقدر جسمه الشريف حال عروجه فنيت في بقاء جسمه ـ كما فنيت الحبال والعصا في جسم عصا موسى ـ وكان جسمه الشريف قائما مقامها في إمداد العالم السفلي من أحكام الحياة في سماء الدنيا ، والفكر في الثانية ، والخيال في الثالثة ، والوجود في الرابعة ، والوهم في الخامسة ، والعلم في السادسة ، والعقل في السابعة ، والصور في الثامنة ، والتسخير والتقدير في التاسعة ، بحيث لا تفقد قوّة منها ؛ لأنّ جسده هو علّة هذه الأسباب فهو أقوى منها قطعا ، وكلّما تعدّى شيئا رجع ما فرّ منه بحيث لا يحصل خرق ولا التئام ، ويكون في سيره في ذلك كلّه موازيا للخطوط الخارجة عن مركز العالم إلى المحيط بها في كلّ ذلك ، فيدور معها على التوالي ، ولو قلنا : إنّه يسير على خطّ مستقيم جاز وكان ما اعترضه من الأجزاء ـ التي يكون اصطفافها بالنسبة إلى خطّ سيره المستقيم صوريّا ـ يكون مستهلكا في بقائه ، وعائدا بعد تجاوزه كما مرّ على حدّ واحد.

ولمّا كان جسده الشريف علّة لوجود جميع الأجساد ، وجسمه علّة لجميع الأجسام ، كان محيطا بجميعها فلا يكون منها جزءا إلاّ هو محيط به ، فكان صلى‌الله‌عليه‌وآله في عروجه محيطا بجميع الأجسام والأرواح والنفوس والعقول ؛ لأنّ عقله علّة العقول ، وروحه علّة الأرواح ، ونفسه علّة النفوس إحاطة المنير بأشعّته ، فمرّ في عروجه

٥٥

بكلّ شيء ورأى كلّ شيء ، كلاّ في رتبته ؛ لأنّ من غلب عليه الوهم ـ مثلا ـ رآه في السماء الخامسة ، ومن غلب عليه العلم رآه في السماء السادسة ، ومن غلب عليه العقل رآه في السماء السابعة.

ومعنى صلاته بالملائكة صلاة الظهر ـ وهو إنّما عرج بالليل ـ : لأنّ عروجه على سمت بدء الوجود والشمس قائمة على قمّة الرأس في التاسع عشر من برج الحمل والسرطان طالع الدنيا ، فأوّل ما تحرّك الفلك وجب فرض الظهر وهو أوّل صلاة صلاّها.

فإن قلت : كيف تكون هذه أوّل صلاة صلاّها وهو إنّما عرج إلى السماء بعد النبوّة بسنتين؟

قلت : هذا في الزمان ، والتي صلاّها ليلة المعراج في الدهر ، وذلك قبل خلق الأجسام بألفي عام ، وليلة المعراج عرج صلّى الله عليه

وآله في السماء بجسمه ، وفي السرمد بروحه بعروج واحد ، وصلّى بالملائكة في الدهر وسبغ الوضوء من « صاد » وهو بحر تحت العرش ، وعروجه إنّما كان في الليل بجسده. وأمّا في جسمه الشريف فهو في النهار وقبل الزوال بقليل قدر ألفي عام.

واعلم أنّ هذا الجواب ما يمكن بيانه لكلّ أحد ، ومن يجوز البيان له لا يكفي له ما ذكر ، بل لا بدّ من المشافهة ؛ لأنّ الفرق بين الزمان والدهر ممّا انسدّ بابه عن فحول العلماء وإن عبّروا عنه بعبارة حسنة مأثورة عن الوصيّ ، ولكن أكثرهم لا يعلمون.

ومعنى صلاة الربّ أنّ الاسم « المربّي » له ، الذي هو روح العقل الأوّل وهو اسم « الله » البديع لقيه في أعلى مراتبه ، وهو مقام « أو أدنى » فلك الولاية المطلقة وهو يصلّي لله.

ومعنى آخر : يصل ما أمر الله به أن يوصل ، يصل الولاية بالنبوّة. ومعنى آخر : يصل الولاية بالألوهيّة ، فهو من « الصلة » أو من « الوصل » أو هما معا.

ومعنى صلاته يقول : « سبّوح قدّوس أنا ربّ الملائكة والروح ، سبقت رحمتي

٥٦

غضبي » (١). وكان محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واقعا في انقطاع سيره واتّصاله بذلك الربّ ، فكان بينهما حجاب النفس المطمئنّة حجاب من زبرجد ، وإن أريد بالربّ هذه الكلمة التي انزجر لها العمق الأكبر وهي المشيئة جاز ؛ لأنّ الاسم البديع هو كينونيّة هذه الكلمة وهو الماء الأوّل ، وهذه الكلمة هي السحاب المتراكم الثقال.

وإن أريد به المعبود بالحقّ سبحانه فمعنى « فصلّى » : يفيض الرحمة التي هي صفة الرحمن وهي التي وسعت كلّ شيء ، والتي هي صفة الرحيم وهي الرحمة المكنونة للمؤمنين ؛ ولهذا قال في الحديث ما معناه : « من لأمّتك يا محمّد ، من بعدك؟

قال : الله أعلم. قال ـ : عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام » (٢) و(٣).

أقول : لا يخفى أنّ مقتضى كلماته السابقة عروج الجوهر النوري المكنون الكامن في هذا الجسم كما هو مذهبه في المعاد كما سيأتي ، ومقتضى كلماته اللاحقة تداخل الأجسام ، الفلكيّة في جسده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكونه علّة فاعليّة للأفلاك.

وما أدري أيّ داع دعاه إلى مثل ذلك التأويل في الظواهر والخروج عن الظاهر ، بل عن اعتقاد المسلمين الموجب للخروج عن الدين؟ وما أدري أنّه بأيّ آية ، وبأيّ حديث ، وبأيّ دليل يقول ما يقول؟!! إذ قال الله تعالى : ( آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ ) (٤) مع أنّ من قال بامتناع الخرق والالتئام قال بامتناع تداخل الأجسام ، مع اعتراف بعضهم باختصاص دليل امتناع الخرق والالتئام ـ لو تمّ ـ بالفلك الأطلس ، فالقول بدخول أجزاء الأفلاك في جسم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غير تفاوت في حجمه وتداخل ، ممتنع عندهم.

فإن قلت : إنّ ذلك من باب الإعجاز.

__________________

(١) « الكافي » ١ : ٤٤٢ ـ ٤٤٣ ، باب مولد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووفاته ، ح ١٣.

(٢) المصدر السابق.

(٣) الظاهر أنّ العبارة من ص ٥٣ إلى هذا ـ بطوله ـ للشيخ المعاصر.

(٤) يونس (١٠) : ٥٩.

٥٧

قلت : الخرق والالتئام أيضا من باب الإعجاز ، فلأيّ داع تقول بأحدهما وتنكر الآخر؟!! مع أنّ الخالق الذي خلق الأفلاك من العدم ، وجعلها فتقا بعد الرتق قادر على خرقها والتئامها ، إلى غير ذلك من المفاسد.

وثانيا : (١) أنّ نبيّنا محمّد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل المرسلين وخاتم النبيّين ، وأنّه لا نبيّ بعده ، وأنّ دينه باق إلى يوم الدين ـ كما هو اتّفاق جميع أهل الملل ـ وإن وقع الخلاف في تعيين ذلك الخاتم.

ووجه ذلك أنّ ختم النبوّة ما ادّعاه النبيّ الذي ثبت نبوّته ، وكلّ ما هو كذلك فهو حقّ. وكما قال تعالى : ( ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ ) (٢).

فإن قلت : الآية تدلّ على ختمه على قراءة من قرأ خاتم النبيّين ـ بكسر التاء ـ كما عن غير عاصم ، وأمّا على قراءة فتح التاء ـ كما عن عاصم ، وهي ممّا تداول بين أهل الشرع ـ فلا ؛ لأنّ الخاتم ـ بفتح التاء ـ اسم لما يجعل في الاسم أو ما يختم به المكتوب فيكون من باب التشبيه البليغ ، ويكون وجه الشبه ما هو من خواصّ المشبّه به كالزينة فلا تكون الآية على هذا دالّة على كونه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آخر النبيّين كما هو المدّعى.

قلت أوّلا : إنّ خاتم النبيّين ـ بفتح التاء ـ مفسّر بآخر النبيّين.

وثانيا : إنّ من خواصّ المشبّه به كونه محيطا للفصّ (٣) والإصبع بقدره ، فيستفاد كونه محيطا ؛ لكونه أوّل النبيّين ميثاقا وآخرهم مبعثا ، أو محيطا لعلوم جميع النبيّين وأخلافهم كما في قوله تعالى : ( فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ ) (٤) فيكون أفضل ، فيجب كونه ناسخا

__________________

(١) مرّ الأوّل في صفحة ٥٠ « والحاصل أوّلا ».

(٢) الأحزاب (٣٣) : ٤٠.

(٣) كذا في الأصل ، ولعلّ الصحيح : « كالفصّ ».

(٤) الأنعام (٦) : ٩٠.

٥٨

لا منسوخا ؛ حذرا عن ترجيح المرجوح.

وثالثا : إنّ بعض المفسّرين جعل خاتم النبيّين ختم النبوّة. وعن الرضا عليه‌السلام أنّه قال : « قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خلق الله عزّ وجلّ مائة ألف نبيّ وأربعة وعشرين ألف نبيّ أنا أكرمهم على الله ، ولا فخر ، وخلق الله عزّ وجلّ ألف وصيّ وأربعة وعشرين ألف وصيّ فعليّ أكرمهم وأفضلهم » (١).

روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه : قال : « لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل » (٢).

مضافا إلى قوله تعالى : ( فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ ) (٣) ، وقوله تعالى : ( إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (٤) ، واقتضاء ختم النبوّة الأفضليّة كما لا يخفى.

وإلى مثل ما ذكرنا أشار المصنّف مع بيان الشارح القوشجي بقوله : ( وظهور معجزة القرآن وغيره مع اقتران دعوى عليه يدلّ على ثبوته ) يعني أنّ نبيّنا محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ادّعى النبوّة واقترن بدعواه ظهور المعجزة ، وكلّ من كان كذلك كان نبيّا ؛ لما بيّنّا آنفا.

أمّا أنّه ادّعى النبوّة ؛ فللتواتر. وأمّا أنّه أظهر المعجزة ؛ فلأنّه أتى بالقرآن وهو معجز. وأمّا أنّه أتى بالقرآن ، فللتواتر.

وأمّا أنّه معجز ؛ فلأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحدّى به ودعا إلى الإتيان بسورة من مثله مصاقع (٥) البلغاء والفصحاء من العرب العرباء ـ مع كثرتهم كثرة رمال الدهناء ، وحصى البطحاء وشهرتهم لغاية العصبيّة ، ولحميّة الجاهليّة وتهالكهم على المباهاة والمباراة ـ فعجزوا حتّى آثروا المقارعة بالسيوف على المعارضة بالحروف ، وبذلوا المهج والأرواح

__________________

(١) « الخصال » : ٦٤١ ، ح ١٨ و ١٩ ؛ « بحار الأنوار » ١١ : ٣٠ ، ح ٢١.

(٢) « بحار الأنوار » ٧٩ : ٢٤٣ باب علل الصلاة ... ذيل ح ١.

(٣) الأنعام (٦) : ٩٠.

(٤) القلم (٦٨) : ٤.

(٥) مفردها « مصقع » وهو الشخص البليغ الذي لا يرتج في كلامه.

٥٩

دون المدافعة بالأبدان والأشباح ، فلو قدروا على المعارضة لعارضوا ، ولو عارضوا لنقل إلينا ؛ لتوفّر الدواعي وعدم الصارف ، والعلم بجميع ذلك قطعي كسائر العاديّات لا يقدح فيها احتمال أنّهم تركوا المعارضة مع القدرة عليها ، أو عارضوا ولم ينقل إلينا لمانع كعدم المبالاة والاشتغال بالمهمّات.

وإلى هذا أشار بقوله : ( والتحدّي مع الامتناع وتوفّر الدواعي يدلّ على الإعجاز ) وأيضا أتى بأمور أخر خارقة للعادة بلغت كلّها حدّ التواتر وإن كانت تفاصيلها من الآحاد.

وإلى هذا أشار بقوله : ( والمنقول معناه متواترا من المعجزات يعضده.

وإعجاز القرآن قيل : لفصاحته ، وقيل : لأسلوبه وفصاحته معا ، وقيل : للصرفة ، والكلّ محتمل ).

الجمهور على أنّ إعجاز القرآن لكونه في الطبقة العليا من الفصاحة ، والدرجة القصوى من البلاغة على ما يعرفه فصحاء العرب بسليقتهم ، وعلماء الفرق بمهارتهم في فنّ البيان وإحاطتهم بأساليب الكلام.

والمراد بالفصاحة في عبارة المتن ما هو أعمّ منها ، ومن البلاغة وإطلاقها على هذا المعنى شائع.

وقال بعض المعتزلة : إعجازه لأسلوبه الغريب ونظمه العجيب المخالف لما عليه كلام العرب في خطبهم والرسائل والأشعار.

وقال القاضي الباقلاني وإمام الحرمين : إنّ وجه الإعجاز هو اجتماع الفصاحة مع الأسلوب المخالف لأساليب كلام العرب من غير استقلال لأحدهما ؛ إذ ربما يدّعى أنّ بعض الخطب والأشعار في كلام أعاظم البلغاء لا ينحطّ عن جزالة القرآن انحطاطا [ القرآن ] (١) انحطاطا بيّنا قاطعا للأوهام ، وربما تفيد نظم ركيك يضاهي نظم

__________________

(١) الزيادة أضفناها من المصدر.

٦٠