البراهين القاطعة - ج ٣

محمّد جعفر الأسترآبادي

البراهين القاطعة - ج ٣

المؤلف:

محمّد جعفر الأسترآبادي


المحقق: مركز العلوم والثقافة الإسلامية
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة بوستان كتاب
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-766-6
ISBN الدورة:
964-371-509-4

الصفحات: ٤٥٦

يبعث في الأرض رسولا ، له وزير يعلم ما يقول الناقوس (١).

[٤] ومنها : ما روي عن الرضا عليه‌السلام أنّ يهوديّا جاء إلى أبي بكر في ولايته وقال له : إنّ أباه قد مات وخلّف كنوزا ولم يذكر أين هي؟ فإن أظهرتها كان لك ثلث وللمسلمين ثلث آخر ولي الثلث ، وأدخل في دينك ، فقال أبو بكر : لا يعلم الغيب إلاّ الله ، فجاء إلى عمر فقال له ما قال أبو بكر ، ثمّ دلّه على عليّ فجاء فسأله فقال له : « رح إلى بلد اليمن واسأل عن وادي برهوت بحضرموت ، فإذا حضرت الوادي فاجلس هناك إلى غروب الشمس فسيأتيك غراب أسود فاهتف باسم أبيك وقل له : يا فلان ، أنا رسول وصيّ رسول الله إليك كلّمني ، فإنّه يكلّمك فاسأله عن الكنوز فإنّه يدلّك أماكنها ».

ففعل كما قال فدلّه أبوه ، ثمّ قال : اتّبع دين محمّد تسلم ، فانصرف الغراب ورجع اليهودي فوجد كنزا من ذهب وكنزا من فضّة فأوقر بعيرا وجاء به إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام وهو يقول : أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّدا رسول الله ، وأنّك وصيّ رسول الله وأخوه وأمير المؤمنين حقّا كما سمّيت ، وهذه الهديّة فاصرفها حيث شئت (٢).

[٥] ومنها : ما رواه ابن عبّاس أنّ جماعة من أهل الكوفة من أكابر الشيعة سألوا عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أن يريهم من عجائب أسرار الله فقال لهم : « إنّكم لن تقدروا أن تروا واحدة وتكفروا » ، فقال : لا شكّ أنّك صاحب الأسرار ، فاختار منهم سبعين رجلا وخرج بهم إلى ظاهر الكوفة ثمّ صلّى ركعتين وتكلّم بكلمات وقال : « انظروا » ، فنظروا فإذا أشجار وأثمار حتّى تبيّن لهم أنّه الجنّة والنار ، فقال أحسنهم قولا : هذا سحر بيّن ورجعوا كفّارا إلاّ رجلين.

فقال لأحدهما : « أسمعت ما قال أصحابك؟ وما هو والله بسحر وما أنا بساحر ،

__________________

(١) « مشارق أنوار اليقين » : ٨٠ ـ ٨١ ؛ « معاني الأخبار » : ٢٣١.

(٢) « مشارق أنوار اليقين » : ٨١ ـ ٨٢.

٤٢١

ولكن علم الله ورسوله فإذا رددتم عليّ فقد رددتم على الله » ، ثمّ رجع إلى المسجد يستغفر لهم ، فلمّا دعا تحوّلت حصيّات المسجد درّا وياقوتا ، فرجع أحد الرجلين كافرا وثبت الآخر (١).

[٦] ومنها : أنّه خطب بالبصرة فقال : « سلوني قبل أن تفقدوني ، سلوا من عنده علم المنايا والبلايا والأنساب في الأصلاب وفصل الخطاب » ، وأنّه قال عليه‌السلام : « سلوني عمّا دون العرش » ، فقام إليه رجل في عنقه كتاب فقال رافعا صوته : أيّها المدّعي ما لا يعلم ، والمتقلّد ما لا يفهم إنّي أسألك فأجب ، فوثب إليه أصحاب عليّ عليه‌السلام ليقتلوه ، فقال عليه‌السلام : « دعوه ؛ فإنّ حجج الله لا تقوم بالبطش ولا بالباطل حتّى يظهر براهين الله » ، ثمّ التفت إلى الرجل وقال : « قل بكلّ لسانك فإنّي مجيب إن شاء الله تعالى » ، فقال الرجل : كم بين المشرق والمغرب؟ فقال : « مسافة الهواء » ، قال : وما مسافة الهواء؟ قال : « دوران الفلك » ، قال : فما دوران الفلك؟ قال : « مسيرة يوم الشمس » ، قال الرجل : صدقت ، قال : فمتى يوم القيامة؟ قال : « عند حضور المنيّة وبلوغ الأجل » ، قال صدقت. قال : فكم عمر الدنيا؟ قال : « يقال سبعة آلاف ، ثمّ لا تحديد » ، قال : صدقت. فأين مكّة من بكّة؟ فقال : « مكّة أكناف الحرم وبكّة مكان البيت » ، قال : لم سمّيت مكّة؟ قال : « لأنّ الله مكّ الأرض تحتها أي دحاها » ، قال : فلم سمّيت بكّة؟ قال : « لأنّها بكّت عيون الجبّارين والمذنبين » قال : صدقت. قال : وأين كان الله قبل خلق عرشه؟ فقال عليه‌السلام : « سبحان الله من لا يدرك كنه صفاته حملة عرشه على قرب مراتبهم ، ويحك لا يقال : لم ، ولا : كيف ، ولا : أين ، ولا : متى ، ولا : حيث » ، فقال الرجل : صدقت ، فكم مقدار ما لبث العرش على الماء قبل خلق الأرض والسماء؟ فقال عليه‌السلام : « لو صبّ في الأرض خردل حتّى سدّ الهواء ، وملأ ما بين الأرض والسماء ، ثمّ أذن لك على ضعفك أن تنقله حبّة حبّة من المشرق إلى

__________________

(١) « مشارق أنوار اليقين » : ٨٢ ؛ « مدينة المعاجز » ٢ : ٤٧.

٤٢٢

المغرب ، ثمّ مدّ لك في العمر حتّى نقلته وأحصيته ، لكان ذلك أيسر من إحصاء ما لبث العرش على الماء قبل خلق الأرض والسماء » ، فقال : أشهد أن لا إله إلاّ الله (١).

[٧] ومنها : أنّه لمّا ولد في البيت الحرام وكعبة الملك العلاّم خرّ ساجدا ، ثمّ رفع رأسه الشريف فأذّن وأقام ، وشهد لله بالوحدانيّة ولمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله بالرسالة ولنفسه بالخلافة والولاية ، ثمّ أشار إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : « أقرأ يا رسول الله؟ » فقال : « نعم » ، فابتدأ بصحف آدم فقرأها حتّى لو حضر ثبت لأقرّ أنه أعلم بها منه ، ثمّ تلا صحف نوح وصحف إبراهيم والتوراة والإنجيل ، ثمّ تلا : ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ) (٢) ، فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « نعم ، قد أفلحوا إذ أنت إمامهم » ، ثمّ خاطبه بما خاطب به الأنبياء والأوصياء ثمّ سكت ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « عد إلى طفوليّتك » فأمسك (٣).

[٨] ومنها : أن راهب اليمامة الأثرم كان بشّر أبا طالب بقدوم عليّ عليه‌السلام ويقول : سيولد لك ولد يكون سيّد أهل زمانه وهو الناموس الأكبر ، ويكون لنبيّ زمانه عضدا وناصرا ، وصهرا ووزيرا له ، وإنّي لا أدرك أيّامه ، فإذا رأيته فاقرأه منّي السّلام ، ويوشك أن أراه ، فلمّا ولد أمير المؤمنين عليه‌السلام مرّ أبو طالب إليه ليعلمه فوجده قد مات ، فرجع فقصّ عليّ عليه‌السلام لأبيه القصّة فقال له عليه‌السلام صدقت يا وليّ الله (٤).

[٩] ومنها : أنّه حين تجهيز أصحابه لقتال معاوية [ فقال ] لرجل أساء الأدب : « اخسأ » ، فصار كلبا فبهت من حوله ، وجعل الرجل يتضرّع إليه عليه‌السلام فنظر إليه وحرّك شفتيه فإذا هو بشر سويّ ، فقام إليه بعض أصحابه وقال : مالك وتجهيز الناس إلى قتال معاوية ولك مثل هذه القدرة؟

فقال : « والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لو شئت أن أضرب برجلي هذه القصيرة

__________________

(١) « مشارق أنوار اليقين » : ٨٣ ـ ٨٤.

(٢) المؤمنون (٢٣) : ١.

(٣) « مشارق أنوار اليقين » : ٧٥.

(٤) المصدر السابق : ٧٥ ـ ٧٦ ، وقد صحّحنا النقل على المصدر.

٤٢٣

في هذه الفلوات حتّى أضرب صدر معاوية فأقلبه من سريره لفعلت ولكن ( عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) (١) » (٢).

[١٠] ومنها : أنّه قال في كربلاء عند التوجّه إلى صفّين : « صبرا يا أبا عبد الله ، بشاطئ الفرات » ، ثمّ بكى وقال : « هذا مناخ القوم ومحطّ رحالهم » (٣).

[١١] ومنها : قوله عليه‌السلام بصفّين وقد سمع الغوغاء يقولون : قتل معاوية ، فقال : « ما قتل ولا يقتل حتّى تجتمع عليه الأمّة » (٤).

[١٢] ومنها : أنّه كان على منبر الكوفة يخطب وحوله الناس فجاء ثعبان فقال عليه‌السلام : « وسّعوا له » ، فأقبل حتّى رقى المنبر والناس ينظرون إليه ، ثمّ قبّل أقدام أمير المؤمنين عليه‌السلام وجعل يتمرّغ عليها ونفخ ثلاث نفخات ، ثمّ نزل وانساب ولم يقطع أمير المؤمنين عليه‌السلام خطبته ، فسألوه عن ذلك فقال : « هذا رجل من الجنّ ذكر أنّ ولده قتله رجل من الأنصار اسمه جابر بن سميع وقد استوهب دم ولده ».

فقام رجل وقال : أنا قتلت الحيّة في المكان الفلاني ، وأنا منذ قتلتها لا أقدر أن استقرّ في مكان ، فهربت إلى الجامع وأنا منذ سبع ليال هاهنا فقال عليه‌السلام : « خذ جملك واعقره في مكان قتلت الحيّة وامض لا بأس عليك » (٥).

[١٣] ومنها : ما روي عن الأصبغ بن نباتة عن زيد الشحّام : أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام جاءه نفر من المنافقين قالوا : أنت الذي تقول : إنّ الجرّي مسخ حرام؟ فقال : « نعم » ، فقالوا : أرنا برهانه فجاء بهم إلى الفرات ثمّ نادى : « هنامش بن هنامش » ، فأجابه الجرّي : لبّيك فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « من أنت؟ » فقال : ممّن عرضت ولايتك عليه فأبى فمسخ ، وأنّ فيمن معك من يمسخ كما مسخنا ويصير كما صرنا.

__________________

(١) الأنبياء (٢١) : ٢٦ ـ ٢٧.

(٢) « مشارق أنوار اليقين » : ٧٦.

(٣) « مدينة المعاجز » ٢ : ٤٠.

(٤) « مدينة المعاجز » ٢ : ٤٠.

(٥) « مشارق أنوار اليقين » : ٧٦ ـ ٧٧.

٤٢٤

فقال عليه‌السلام : « بيّن قصّتك ليسمع من حضر فيعلم ».

فقال : نعم كنّا أربعة وعشرين قبيلة من بني إسرائيل ، وكنّا قد تمرّدنا وعصينا ، وعرضت علينا ولايتك فأبينا ، وفارقنا البلاد واستعملنا الفساد ، فجاءنا آت أنت أعرف به منّا فصرخ فينا صرخة فجمعنا واحدا وكنّا متفرّقين في البراري ، ثمّ صاح صيحة أخرى وقال : كونوا مسوخا بقدرة الله فمسخنا أجناسا مختلفة ، ثمّ قال : أيّها القفار كوني أنهارا تسكنك هذه المسوخ واتّصلي ببحار الأرض حتّى لا يبقى ماء إلاّ وفيه من هذه المسوخ فصرنا كما ترى (١).

[١٤] ومنها : ما روى عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إنّ عليّا لمّا قدم من صفّين وقف على شاطئ الفرات وأخرج قضيبا أخضر وضرب به الفرات والناس ينظرون إليه ، فانفجرت اثنتا عشر عينا كلّ فرق كالطود العظيم ، ثمّ تكلّم بكلام ولم يفهموه ، فأقبلت الحيتان رافعة رءوسها بالتهليل والتكبير فقالت : السّلام عليك يا حجّة الله في أرضه ، وعين الله الناظرة في عباده خذلوك كما خذل هارون بن عمران قومه ، فقال لأصحابه : « سمعتم؟ » فقالوا : نعم ، فقال : « هذه آية لي وحجّة عليكم » (٢).

[١٥] ومنها : ما يستفاد ممّا حكي أنّ رجلا حضر مجلس أبي بكر فادّعى أنّه لا يخاف الله ولا يرجو الجنّة ولا يخشى النار ولا يركع ولا يسجد ، ويأكل الميتة والدم ويشهد بما لم ير ويحبّ الفتنة ويكره الحقّ ويصدّق اليهود والنصارى ، وأنّ عنده ما ليس عند الله وله ما ليس لله ، وأنا أحمد النبيّ وأنا عليّ وأنا ربّكم ، فقال له عمر : ازددت كفرا على كفرك ، فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : « هوّن عليك يا عمر ، فإن هذا رجل من أولياء الله لا يرجو الجنّة ولكن يرجو الله ، ولا يخاف النار ولكن يخاف ربّه ، ولا يخاف الله من ظلم ولكن يخاف عدله ؛ لأنّه حكم عدل ، ولا يركع

__________________

(١) المصدر السابق : ٧٧.

(٢) « بحار الأنوار » ٣٣ : ٤٧ نقلا عن « الخرائج والجرائح » ١ : ٢٣٢.

٤٢٥

ولا يسجد في صلاة الجنازة ، ويأكل الجراد والسمك ، ويحبّ الأهل والولد ، ويشهد بالجنّة والنار ولم يرهما ، ويكره الموت وهو الحقّ ، ويصدّق اليهود والنصارى في تكذيب بعضهم بعضا ، وعنده ظلم على نفسه وليس عند الله ، وله ولد وليس لله.

وقوله : إنّي أحمد النبيّ معناه أن أحمده على تبليغه الرسالة من ربّه. وقوله : أنا عليّ يعني عليّ في قلبي. وقوله : أنا ربّكم أي لي كمّ أرفعها وأضعها » ، فانزعج عمر ، فقام فقبّل رأس أمير المؤمنين عليه‌السلام وقال : لا بقيت بعدك يا أبا الحسن (١).

[١٦] ومنها : أنّ رجلا من الخوارج مرّ بأمير المؤمنين عليه‌السلام ومعه حوتان من الجرّي قد غطّاهما بثوبه فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : « بكم اشتريت أبويك من بني إسرائيل؟ » فقال : ما أكثر ادّعاءك للغيب ، فقال عليه‌السلام : « أخرجهما » ، فأخرجهما ، فقال عليه‌السلام : « من أنتما؟ » فقالت إحداهما : أنا أبوه ، وقالت الأخرى : أنا أمّه (٢).

إلى غير ذلك من المعجزات والكرامات والكمالات الدالّة على أنّ عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام أحقّ بالخلافة ممّن عارضه وتقمّصها كما قال عليه‌السلام في الخطبة الشقشقيّة : « أما والله لقد تقمّصها ابن أبي قحافة ، وإنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرحى ؛ ينحدر عنّي السيل ، ولا يرقى إليّ الطير ، فسدلت دونها ثوبا ، وطويت عنها كشحا ، وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذّاء أو أصبر على طخية عمياء ، يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصغير ، ويكدح فيها مؤمن حتّى يلقى ربّه ، فرأيت أنّ الصبر على هاتا أحجى ، فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجى » (٣) إلى آخرها.

وقد روي أنّ موسى وهارون لمّا دخلا [ على ] فرعون أوجسا منه خيفة ، فإذا فارس يقدمهما ولباسه من ذهب وفي يده سيف من ذهب ، وكان فرعون يحبّ الذهب ، فقال لفرعون : أجب هذين الرجلين ، وإلاّ قتلتك ، فانزعج فرعون لذلك

__________________

(١) « مشارق أنوار اليقين » : ٧٨.

(٢) المصدر السابق : ٧٩.

(٣) « نهج البلاغة » : ٢٦ ، الخطبة ٣ ، المعروفة بالشقشقية.

٤٢٦

وقال : ائتنا غدا ، فلمّا خرجا دعا البوّابين وعاقبهم وقال : كيف دخل عليّ هذا الفارس بغير إذن؟ فحلفوا بعزّة فرعون أنّه ما دخل إلاّ هذان الرجلان فإنّه ذكر أنّ الفارس كان عليّا عليه‌السلام فإنّه كلمة الله العليا والآية الكبرى ، وإليه الإشارة في قوله تعالى : ( وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا ) (١) كما عن ابن عباس (٢).

وخامسا : الإشارة إلى بعض الحكايات الواقعة بعد وفاته عليه‌السلام كحكاية حكاها بعض الثقات من أهل عصرنا بواسطة مثله أو مثليه ، وهي أنّ أهل النجف عصوا والي بغداد فهيّأ الوالي عسكرا إليهم وعيّن لهم رئيسا وأميرا ، وعدا الأمير يوم الورود فرسه ووقع حين العدو على الأرض ، فقال بعض عشيرته : هذا من باطن عليّ ، فقال الأمير : أين عليّ عليّ عليّ الناقة ، فقال : أنا أمتحن ذلك بوضع ذنب الكلب على جنبي ، فوضعه عليه فمنع العسكر عن النهب والإيذاء ، فدخلوا النجف فذهب الأمير إلى إيوان الحرم فارتفع إلى السطح فوقع على الأرض فهلك ، فانهزم العسكر خائفين على وقوع مثل ذلك عليهم على وجه هلك جمع منهم من التصادم فجمعنا.

وكحكاية مرّة بن قيس المشهورة التي جعل لها علامة لموضع إصبعيه عليه‌السلام في صندوق قبره عليه‌السلام إلى غير ذلك من الحكايات والمعجزات والكرامات الكاشفة عن كونه أحقّ أهل زمانه بالخلافة بلا فصل.

فصل : في الموعظة الحسنة عملا بقوله تعالى : ( ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ) (٣).

فنقول : لا كلام بين أهل الخلاف والوفاق من أهل التحقيق في أنّ عليّا عليه‌السلام على

__________________

(١) القصص (٢٨) : ٣٥.

(٢) « مشارق أنوار اليقين » : ٨١.

(٣) النحل (١٦) : ١٢٥.

٤٢٧

الحقّ وأنّ صراط عليّ حقّ فمن تمسّك به نجا ؛ فقد ورد « أنّ من أحبّ حجرا حشره الله يوم القيامة معه » (١) ، وأمّا غيره ممّن تقدّم عليه وفصل بينه وبين النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقد اختلف فيه ، فأهل السنّة أنّ طريقهم أيضا حقّ والشيعة على أنّه باطل موجب للهلاك والتعذيب بالنار ، وأنّ من تمسّك بهم فهو من أهل النار ، فأيّ الفريقين أحقّ بالأمن إن كنتم تعلمون؟ فالعاقل ـ على تقدير الحيرة ـ يختار طريقا هو قطعي النجاة كما في السالك الظاهر بالنسبة إلى المسالك الظاهرة ؛ لقوله عليه‌السلام : « دع ما يريبك إلى ما لا يريبك » (٢) ، وقد روي مثل ذلك في إرشاد بعض المعصومين لبعض الزنادقة المنكر لأصل الشريعة بل الصانع الحكيم ، فأسلم بعد التأمّل والملاحظة بأنّ هذا النحو قطعي السلامة.

المطلب الثاني في بيان إمامة سائر الأئمّة الاثني عشر

على عدد نقباء بني إسرائيل صلوات الله عليهم أجمعين بعد الخليفة بلا فصل عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

أعني الحسن والحسين عليهما‌السلام ، وعليّ بن الحسين ، ومحمّد بن عليّ ، وجعفر بن محمّد ، وموسى بن جعفر ، وعليّ بن موسى ، ومحمّد بن عليّ ، وعليّ بن محمّد ، والحسن بن عليّ ، ومحمّد بن الحسن قائمهم الباقي الغائب الذي سيظهر بإذن الله ويملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ، عجّل الله فرجه وجعلنا من أنصاره وأتباعه والمستشهدين بين يديه.

والدليل على ذلك أنّه يجب في الإمام العصمة والأفضليّة علما وعملا ، وورود نصّ من الله ورسوله وإمام معصوم أو صدور معجزة وكان جميع ذلك موجودا في

__________________

(١) « كفاية الأثر » : ١٥١ ؛ « عيون أخبار الرضا » ١ : ٣٠٠ ، ح ٥٨.

(٢) « عوالي اللآلى » ١ : ٣٩٤ ، ح ٤٠ ؛ « النهاية في غريب الحديث » ٢ : ٢٨٦ ؛ « بحار الأنوار » ٢ : ٦٠.

٤٢٨

الحسن عليه‌السلام بعد عليّ بن أبي طالب وهكذا في الحسين عليه‌السلام على الترتيب المذكور.

وأمّا العصمة فبالعقل والنقل :

أمّا العقل فلأنّ خلوّ العصر عن المعصوم محال ، وإلاّ يلزم عدم حصول اللطف الواجب على الله دفعا للعبث في الأفعال ، من جهة عدم حصول التقريب إلى الطاعات والتبعيد عن المعاصي عن غير المعصوم على وجه الكمال بالنسبة إلى عامّة المكلّفين والعقلاء كما لا يخفى.

ويلزم أيضا التسلسل : إذ المحوج إلى الإمام جواز الخطإ على الأمّة في العلم والعمل ، فلو جاز الخطأ على الإمام وجب له إمام آخر ويتسلسل.

مضافا إلى أنّ حفظ الشريعة لا يتمّ مع جواز الخطإ ، وأنّه يفوت الغرض من نصب غير المعصوم عليه‌السلام لإقدامه على المعصية الموجبة للإنكار والمنافي لوجوب طاعته وللاعتقاد بمقالته من جهة احتمال الخطإ ، مع أنّ صدور المعصية منه أقبح من العوامّ ولكن مع القدرة عليها ، وإلاّ لما استحقّ على الاجتناب عن المعاصي الثواب والمدح ، ولكان كالملك بل أدون في عدم المجاهدة النفسانيّة الموجبة لأفضليّته ، ولمّا كانت العصمة من الأمور الخفيّة التي لا يعلمها إلاّ عالم الأسرار يجب التنصيص أو الإتيان بالمعجزة ، وليس ذلك بعد عليّ عليه‌السلام إلاّ للحسن عليه‌السلام وبعده للحسين عليه‌السلام وهكذا على الترتيب المذكور بالاتّفاق ولا أقلّ من عدم ثبوته لغيرهم ، ومنع المانعين الغاصبين لا ينافيه ؛ إذ لكلّ نبيّ عدوّ فضلا عن وصيّه.

وأمّا النقل فلآية التطهير (١) ونحوها.

وهكذا الأعلميّة ونحوها من صفات الفضيلة.

وأمّا ورود النصّ على ما ذكر ؛ فلأنّه ثبت بالتواتر أو التظافر والتسامع أنّ كلّ سابق معصوم صادق مفترض الطاعة نصّ على من بعده.

__________________

(١) الأحزاب (٣٣) : ٣٣.

٤٢٩

مضافا إلى ما روي عن عبد الله بن عبّاس أنّه قال : قدم يهوديّ إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقال له : نعثل ، يا محمّد! إنّي أسألك عن أشياء تلجلج في صدري فإن أجبتني عنها أسلمت على يدك. قال : « سل » فسأل عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله فأجاب إلى أن قال : فأخبرني عن وصيّك من هو فما من نبيّ إلاّ وله وصيّ ، وإنّ نبيّنا موسى بن عمران أوصى إلى يوشع بن نون؟ فقال : « نعم ، إنّ وصيّي والخليفة من بعدي عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وبعده سبطاي : الحسن والحسين عليهما‌السلام يتلوه تسعة من صلب الحسين عليه‌السلام أئمّة أبرار ».

قال : يا محمّد ، فسمّهم لي ، قال : « فإذا مضى عليّ فابنه محمّد ، فإذا مضى محمّد فابنه جعفر ، فإذا مضى جعفر فابنه موسى ، فإذا مضى موسى فابنه عليّ ، فإذا مضى عليّ فابنه محمّد ، فإذا مضى محمّد فابنه عليّ ، فإذا مضى عليّ فابنه الحسن ، وبعده الحجّة بن الحسن بن عليّ ، فهؤلاء اثنا عشر إماما على عدد نقباء بني إسرائيل ».

قال : فأين مكانهم في الجنّة؟ قال : « معي في درجتي ».

قال : أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأشهد أنّهم الأوصياء بعدك ، ولقد وجدت هذا في الكتب المتقدّمة ، وفيما عهده إلينا موسى بن عمران أنّه إذا كان آخر الزمان يخرج نبيّ يقال له : أحمد خاتم الأنبياء لا نبيّ بعده ، يخرج من صلبه أئمّة أبرار عدد الأسباط (١).

وعنه : قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ اطّلع على الأرض اطّلاعة واختارني منها ، فجعلني نبيّا ، ثمّ اطّلع الثانية فاختار منها عليّا عليه‌السلام فجعله إماما ، ثمّ أمرني أن أتّخذه أخا ووصيّا وخليفة ووزيرا ، فعليّ منّي وأنا من عليّ عليه‌السلام وهو زوج ابنتي وأبو سبطيّ ـ الحسن والحسين عليهما‌السلام ـ ألا وإنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ جعلني وإيّاهم حججا على عباده ، وجعل من صلب الحسين عليه‌السلام أئمّة يقومون

__________________

(١) « كفاية الأثر » : ١١ ـ ١٢.

٤٣٠

بأمري ويحفظون وصيّتي ، التاسع منهم قائم أهل بيتي ، ومهديّ أمّتي ، وأشبه الناس في شمائله وأقواله وأفعاله ، يظهر بعد غيبة طويلة وحيرة مضلّة فيعلن أمر الله ، ويظهر دين الله ، ويؤيّد بنصر الله وبنصر ملائكته ، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما » (١).

وعن عبد الله بن مسعود قال : سمعت رسول الله يقول : « الأئمّة بعدي اثنا عشر تسعة من صلب الحسين عليه‌السلام التاسع مهديّهم » (٢).

وعن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « الأئمّة بعدي اثنا عشر ، تسعة من صلب الحسين ، التاسع قائمهم ، فطوبى لمن أحبّهم والويل لمن أبغضهم » (٣).

وعنه : صلّى بنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الصلاة الأولى ثمّ أقبل بوجهه الكريم علينا ، فقال : « يا معاشر أصحابي! إنّ مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح وباب حطّة في بني إسرائيل ، فتمسّكوا بأهل بيتي بعدي والأئمّة الراشدين من ذرّيّتي فإنّكم لن تضلّوا أبدا » ، فقيل : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كم الأئمّة بعدك؟ قال : « اثنا عشر من أهل بيتي » ، أو قال : « من عترتي » (٤).

ومثله حديث آخر عن أبي ذرّ (٥).

وروي عن سلمان الفارسي أنّه قال : خطبنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : « معاشر الناس! إنّي راحل عن قريب ومنطلق إلى المغيب ، أوصيكم في عترتي خيرا ، وإيّاكم والبدع ؛ فإنّ كلّ بدعة ضلالة ، والضلالة وأهلها في النار. معاشر الناس! من افتقد الشمس فليتمسّك بالقمر ، ومن افتقد القمر فليتمسّك بالفرقدين ، فإذا فقدتم الفرقدين

__________________

(١) المصدر السابق : ١٠ ـ ١١.

(٢) المصدر السابق : ٢٣.

(٣) المصدر السابق : ٣٠ ـ ٣١.

(٤) المصدر السابق : ٣٣ ـ ٣٤.

(٥) المصدر السابق : ٣٨ ـ ٣٩.

٤٣١

فتمسّكوا بالنجوم الزاهرة بعدي ، أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم » (١).

قال : فما نزل عن منبره [ حتّى ] (٢) دخل بيت عائشة فدخلت إليه وقلت : بأبي أنت وأمّي يا رسول الله! سمعتك تقول : « إذا فقدتم الشمس فتمسّكوا بالقمر ، وإذا فقدتم القمر فتمسّكوا بالفرقدين ، وإذا فقدتم الفرقدين فتمسّكوا بالنجوم » فما الشمس؟

وما القمر؟ وما الفرقدان؟ وما النجوم الزاهرة؟ [ قال : ] « فهم الأئمّة التسعة من صلب الحسين والتاسع مهديّهم » ، ثمّ قال عليه‌السلام : « هم الأوصياء والخلفاء بعدي الأئمّة الأبرار عدد أسباط يعقوب وحواري عيسى ».

فقلت فسمّهم يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : « أوّلهم وسيّدهم عليّ بن أبي طالب ، وسبطاي ، وبعدهما عليّ زين العابدين ، وبعده محمّد بن عليّ باقر علم النبيّين ، ثمّ ابنه الصادق جعفر بن محمّد ، وابنه الكاظم سمي موسى بن عمران ، والذي يقتل بأرض الغربة وعليّ ابنه ، ثمّ ابنه محمّد ، والصادقان : عليّ والحسن ، والحجّة القائم المنتظر في غيبته ؛ فإنّهم عترتي ، علمهم علمي ، وحكمهم حكمي ، من آذاني فيهم فلا أناله الله شفاعتي » (٣).

وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : « يا حسين! يخرج من صلبك تسعة من الأئمّة ، منهم مهديّ هذه الأمّة فإذا استشهد أبوك فالحسن بعده ، فإذا سمّ الحسن فأنت ، فإذا استشهدت فعليّ ابنك ، فإذا مضى عليّ فابنه محمّد ، فإذا مضى محمّد فجعفر ابنه ، فإذا مضى فموسى ابنه ، فإذا مضى موسى فعليّ ابنه ، فإذا مضى عليّ فمحمّد ابنه ، فإذا مضى محمّد فعليّ ابنه ، فإذا مضى عليّ فالحسن ابنه ، ثمّ الحجّة بعد الحسن يملأ الله به الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما » (٤).

__________________

(١) المصدر السابق : ٤٠ ـ ٤١.

(٢) الزيادة أثبتناها من المصدر.

(٣) المصدر السابق : ٤١ ـ ٤٢.

(٤) المصدر السابق : ٦١ ـ ٦٢.

٤٣٢

وعن أبي أمامة أسعد بن زرارة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لمّا عرج بي إلى السماء رأيت مكتوبا على ساق العرش بالنور : لا إله إلاّ الله ، محمّد رسول الله ، أيّدته بعليّ ونصرته به ، ثمّ بعده الحسن والحسين ، ورأيت عليّا عليّا عليّا ورأيت محمّدا مرّتين ، وجعفرا وموسى والحسن والحجّة اثني عشر اسما مكتوبا بالنور ، فقلت : أسامي من هؤلاء الذين قد قرنتهم بي؟ فنوديت : يا محمّد! هم الأئمّة بعدك ، والأخيار من ذرّيّتك » (١).

وروي عن عائشة أنّها قالت : كانت لنا مشربة وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أراد لقاء جبرئيل عليه‌السلام لقيه فيها ، فلقيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مرّة وأمرني لا يصعد إليه أحد ، فدخل الحسين بن عليّ عليه‌السلام ولم يعلم حتّى غشيهما ، فقال جبرئيل : من هذا؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ابني » ، فأخذه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فأجلسه على فخذه ، فقال جبرئيل عليه‌السلام : أما إنّه سيقتل ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أمّتي تقتله؟ » قال : نعم وإن شئت أخبرتك بالأرض التي يقتل فيها ، وأشار جبرئيل إلى الطفّ بالعراق وأخذ منه تربة حمراء فأراه إيّاها ، فقال : هذه من تربة مصرعه ، فبكى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال جبرئيل عليه‌السلام : لا تبك فسوف ينتقم الله منهم بقائمكم أهل البيت.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « حبيبي جبرئيل! ومن قائمنا أهل البيت؟ » قال : التاسع من ولد الحسين عليه‌السلام كذا أخبرني ربّي عزّ وجلّ أنّه سيخلق من صلب الحسين ولدا وسمّاه عنده عليّا خاضع لله خاشع ، ثمّ يخرج من صلبه ابنه وسمّاه عنده محمّدا ، ثمّ يخرج من صلبه ابنه وسمّاه جعفرا ، ثمّ يخرج من صلبه ابنه وسمّاه عنده موسى واثق بالله ، ويخرج من صلبه ابنه وسمّاه عنده عليّا ، ويخرج من صلبه ابنه وسمّاه عنده محمّدا ، ويخرج من صلبه ابنه وسمّاه عليّا ، ويخرج من صلبه ابنه وسمّاه عنده الحسن مؤمن بالله مرشد إلى الله ، ويخرج من صلبه كلمة الحقّ ولسان الصدق ومظهر الحقّ حجّة الله على بريّته ، له غيبة طويلة ، يظهر الله بالإسلام وأهله ، ويخسف به الكفر وأهله (٢).

__________________

(١) المصدر السابق : ١٠٥ ـ ١٠٦.

(٢) المصدر السابق : ١٨٧ ـ ١٨٩.

٤٣٣

إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة على إمامة الأئمّة الاثني عشر وكون الثاني عشر منهم حيّا قائما غائبا منتظرا يظهر بعد ظهور أحكام الله ، يا ليتنا كنّا معه فنفوز فوزا عظيما.

مضافا إلى الإجماع القاطع الكاشف عن قول النور الساطع من المعصوم السابق بالنسبة إلى الحقّ.

وكذا العقل الحاكم بامتناع خلوّ الزمان عن المعصوم عليه‌السلام ؛ لما مرّ.

فإن قلت : لا فرق بين العدم والوجود ـ مع الغيبة وعدم التصرّف في الأمور ـ في انتفاء اللطف الواجب على الله.

قلت أوّلا : نمنع عدم التفرقة ، لتأثيره حين الوجود والغيبة في بقاء نظام المعاش والمعاد كما يدلّ عليه بعض التوقيعات إلى شيخنا المفيد (١) ، فيكون كالشمس تحت السحاب.

وثانيا : أنّ وجوب اللطف مقيّد بعدم وجود المانع ، ووجود الأعادي وإفسادهم مانع من غير أن يكون سببا لتعذيبنا فيما لا يكون المخالفة فيه باختيارنا.

وثالثا : أنّ تعذيب المخالفين بدون إيجاد الحجّة قبيح ، فيجب إيجاده ؛ لئلاّ يكون للناس على الله حجّة.

ورابعا : أنّ في غيبته لطفا للشيعة من جهة مجاهدتهم النفسانيّة ورياضتهم الجسمانيّة وانتظارهم لظهوره وملازمته والاجتناب عن القبائح ؛ لاعتقاد وجوده وإمكان ظهوره وتمكّنه من إقامة الحدود.

وأمّا استبعاد طول عمره ـ وهو راجع إلى إنكار قدرة الله وعروج عيسى وبقائه وبقاء خضر وإلياس ـ فهو مدفوع بالنقض كما ذكرنا ، والحلّ بما أشرنا.

وظهر ممّا بيّنّا بطلان مذهب غير الإماميّة ـ القائلين بالأئمّة الاثني عشر من عليّ عليه‌السلام إلى محمّد بن الحسن ـ من فرق الشيعة القائلين بخلافة عليّ بن

__________________

(١) « الاحتجاج » ٢ : ٥٩٦ ـ ٦٠٣.

٤٣٤

أبي طالب عليه‌السلام بلا فصل أيضا من دون الانتهاء إلى الإمام الثاني عشر محمّد بن الحسن عجّل الله فرجه :

كالكيسانيّة وهم القائلون بخلافة محمّد بن الحنفيّة ، ولعلّ وجه التسمية أنّ محمّدا كان في حجر عليّ وهو طفل ، فقال : « يا كيّس » أو أنّ المختار الملقّب بـ « كيسان » لمّا رأى أنّ عليّ بن الحسين عليه‌السلام لا يأذنه في الانتقام من قتلة أبيه ودعا الناس إلى محمّد ليأذنه فنسبوا إليه.

والزيديّة وهم القائلون بخلافة زيد بن الإمام زين العابدين عليه‌السلام.

والناووسيّة وهم القائلون بالإمامة إلى الصادق عليه‌السلام الواقفون عليه القائلون بأنّه سيرجع إلى الدنيا ويملأها عدلا كما ملئت جورا ، وهم منسوبون إلى عبد الله بن ناووس من أهل البصرة.

والفطحيّة وهم القائلون بإمامة عبد الله بن جعفر عليه‌السلام وسمّوا بذلك ؛ لكون عبد الله أفطح الرأس أو الرجلين ، أو لكون رئيسهم عبد الله بن أفطح.

والإسماعيليّة وهم القائلون بإمامة إسماعيل بن جعفر عليه‌السلام.

والواقفيّة وهم القائلون بالإمامة إلى موسى الكاظم عليه‌السلام وواقفون عليه بإضلال وكيلين له بالكوفة ، طمعا لزكاة أتوها له عليه‌السلام قائلين : إنّه لا يموت ، إنّه القائم فاعتمد عليه طائفة وانتشر قولهما حتّى كان عند موتهما أوصيا بدفع المال إلى ورثة موسى عليه‌السلام وذلك لثبوت موت كلّ من ذلك ، وامتناع خلوّ الزمان عن المعصوم عليه‌السلام وعدم كون بعض من ذكر معصوما مع ورود الأخبار المتكاثرة المتظافرة على خلافها.

وظهر أيضا أنّ محاربي عليّ وغاصبي حقّه كفّار كما يدلّ عليه قوله : « يا علي ، حربك حربي وسلمك سلمي » (١) ؛ لأنّ دفع الإمامة في الحقيقة راجع إلى دفع النبوّة ، فلعن الله بني أميّة قاطبة وبرّأنا الله منهم إلى موالينا الأئمّة الاثني عشر.

__________________

(١) « الأمالي » للطوسي : ٣٦٤ ، المجلس ١٣ ، الرقم ٧٦٣ / ١٤ ؛ « بشارة المصطفى » : ١٨٠ ؛ « بحار الأنوار » ٤٠ : ٤٣.

٤٣٥

والحاصل : أنّ الإمام بعد عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه‌السلام ابنه الحسن عليه‌السلام ، ثمّ الحسين عليه‌السلام ، ثمّ عليّ بن الحسين عليه‌السلام ، ثمّ محمّد بن عليّ الباقر عليه‌السلام ، ثمّ جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام ، ثمّ موسى بن جعفر الكاظم عليه‌السلام ، ثمّ عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام ، ثمّ محمّد بن عليّ التقيّ عليه‌السلام ، ثمّ عليّ بن محمّد النقيّ عليه‌السلام ، ثمّ الحسن بن عليّ العسكريّ عليه‌السلام ، ثمّ محمّد بن الحسن صاحب الزمان ردّا على طوائف من الشيعة : كالكيسانيّة ، والزيديّة ، والناووسيّة ، والفطحيّة ، والإسماعيليّة ، والواقفيّة.

والدليل على ذلك أوّلا : أنّ ذلك لطف واجب ، وخلاف ذلك ترك اللطف الواجب.

مضافا إلى ترجيح المرجوح بالنسبة إلى بعض العقائد من جهة القول بترجيح ابن الحنفيّة وزيد وعبد الله وإسماعيل ؛ وذلك لعصمة الأئمّة عليهم‌السلام المذكورين ، وأعلميّتهم.

مضافا إلى النصّ فيهم يتمّ الهداية والحجّة ويحصل الغرض دون غيرهم.

وثانيا : النقل فعن الرضا عليه‌السلام : « إنّ الله لم يقبض نبيّه حتّى أكمل له الدين ، وأنزل عليه القرآن تبيان كلّ شيء ، بيّن فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام وجميع ما يحتاج إليه الناس كملا فقال عزّ وجلّ : ( ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ) (١) ، وأنزل في حجّة الوداع ـ وهي آخر عمره صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) (٢) ، وأمر الأمّة من تمام الدين ولم يمض حتّى بيّن عليه‌السلام لأمّته معالم دينهم وأوضح لهم سبيلهم وتركهم على قصد سبيل الحقّ ، وأقام لهم عليّا علما وإماما ، وما ترك شيئا تحتاج إليه الأمّة إلاّ بيّنه ، فمن زعم أنّ الله عزّ وجلّ لم يكمل دينه فقد ردّ كتاب الله فهو كافر ـ إلى أن قال بعد ذكر قدر الإمامة وكونها بعد النبوّة ـ فقلّدها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليّا بأمر الله على اسم ما فرض الله فصارت في ذرّيّته الأصفياء الذين آتاهم العلم والإيمان ـ إلى أن قال : ـ إنّ الإمامة خلافة الله

__________________

(١) الأنعام (٦) : ٣٨.

(٢) المائدة (٥) : ٣.

٤٣٦

وخلافة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ومقام أمير المؤمنين عليه‌السلام وميراث الحسن والحسين عليهما‌السلام ـ إلى أن قال : ـ الإمام عالم لا يجهل وداع لا ينكل ، معدن القدس والطهارة والنسك والزهادة والعلم والعبادة ، مخصوص بدعوة الرسول ونسل المطهّرة البتول لا مغمز فيه من نسب ولا يدانيه ذو حسب ». الحديث (١).

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : « إنّ الله عزّ وجلّ أوضح بأئمّة الهدى من أهل بيت نبيّنا عن دينه ـ إلى أن قال : ـ فلم يزل الله ـ تبارك وتعالى ـ يختارهم لخلقه من ولد الحسين عليه‌السلام من عقب كلّ إمام » الحديث (٢).

ونحو ذلك ممّا يدلّ على أنّ الإمامة مخصوصة بمن علم من جهته الاتّصاف بالقدس.

مضافا إلى ما روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال في وصيّة لابنه الحسن : « يا بنيّ ، أمرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن أوصي إليك ، وأن أدفع إليك كتبي وسلاحي كما أوصى إليّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ودفع إليّ كتبه وسلاحه ، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين عليه‌السلام » ، ثمّ أقبل على ابنه الحسين عليه‌السلام فقال له : « وأمرك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن تدفعها إلى ابنك هذا ، ثمّ أخذ بيد عليّ بن الحسين عليه‌السلام ، ثمّ قال لعليّ بن الحسين : وأمرك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن تدفعها إلى ابنك محمّد بن عليّ وأقرئه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله السّلام » (٣).

وعن جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سئل عن القائم فضرب بيده على أبي عبد الله عليه‌السلام فقال : « والله هذا قائم آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ».

قال عيينة : فلمّا قبض أبو جعفر عليه‌السلام دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فأخبرته بذلك فقال : « صدق أبو جعفر » ، ثمّ قال : « لعلّكم ترون أن ليس كلّ إمام هو القائم بعد الإمام

__________________

(١) « معاني الأخبار » : ٩٦ ـ ١٠١ ، ح ٢ ؛ « الأمالي » للصدوق : ٥٣٦ ـ ٥٤٠ ، المجلس ٩٧ ، ح ١ ؛ « كمال الدين وتمام النعمة » : ٦٧٥ ـ ٦٨١ ، ح ٣١.

(٢) « الكافي » ١ : ٢٠٣ ـ ٢٠٥ ، باب نوادر جامع في فضل الإمام وصفاته ، ح ٢.

(٣) المصدر السابق ١ : ٢٩٧ ـ ٢٩٨ ، باب الإشارة والنصّ على الحسن بن عليّ ، ح ١.

٤٣٧

الذي كان قبله » (١).

وعن أبي عبد الله أنّه دعا أبا الحسن عليه‌السلام يوما فقال لنا : « عليكم بهذا والله صاحبكم بعدي » (٢).

وعن أبي الحسن عليه‌السلام أنّه قال : « إنّ ابني عليّا أكبر ولدي وأبرّهم عندي وأحبّهم إليّ وهو ينظر معي في الجفر ، ولم ينظر فيه إلاّ نبيّ أو وصيّ نبيّ » (٣).

وعن محمد بن إسحاق بن عمّار أنّه قال : قلت لأبي الحسن الأوّل : ألا تدلّني إلى من آخذ عنه ديني؟ فقال : « هذا ابني عليّ » (٤) ، وعن معمر بن خلاّد ، قال : سمعت الرضا عليه‌السلام وذكر شيئا ، فقال : « ما حاجتكم إلى ذلك هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي وصيّرته مكاني ـ وقال ـ : إنّا أهل البيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا القذّة بالقذّة » (٥).

وعن الخيراني ، عن أبيه أنّه قال : كنت واقفا عند أبي الحسن بخراسان ، فقال قائل له يا سيّدي! إن كان كون فإلى من؟ قال : « إلى أبي جعفر عليه‌السلام ابني » ، فكأنّ القائل استصغر سنّ أبي جعفر عليه‌السلام فقال أبو الحسن عليه‌السلام : « إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ بعث عيسى بن مريم رسولا نبيّا صاحب شريعة مبتدؤه في أصغر من السنّ الذي فيه أبو جعفر عليه‌السلام » (٦).

وعن إسماعيل بن مهران أنّه قال : لمّا خرج أبو جعفر بن محمّد عليه‌السلام من المدينة إلى بغداد في الدفعة الأولى من خروجه ، فقلت له : جعلت فداك إنّي أخاف عليك في هذا الوجه فإلى من الأمر بعدك ، فكرّ بوجهه إليّ ضاحكا وقال : « ليس الغيبة حيث ظننت في هذه السنة » ، فلمّا أخرج به الثانية إلى المعتصم جزت إليه ، فقلت : جعلت فداك أنت خارج فإلى من هذا الأمر من بعدك؟ فبكى حتّى اخضلّت لحيته من الدموع ، ثمّ

__________________

(١) المصدر السابق ١ : ٣٠٧ ، باب الإشارة والنصّ على أبي عبد الله جعفر بن محمّد ، ح ٧.

(٢) المصدر السابق : ٣١٠ ، باب الإشارة والنصّ على أبي الحسن موسى ، ح ١٢.

(٣) المصدر السابق : ٣١١ ، باب الإشارة والنصّ على أبي الحسن الرضا ، ح ٢.

(٤) المصدر السابق : ٣١٢ ، باب الإشارة والنصّ على أبي الحسن الرضا ، ح ٤.

(٥) المصدر السابق : ٣٢٠ ، باب الإشارة والنصّ على أبي جعفر الثاني ، ح ٢.

(٦) المصدر السابق ١ : ٣٢٢ ، باب الإشارة والنصّ على أبي جعفر الثاني ، ح ١٣.

٤٣٨

التفت إليّ فقال : « عند هذه يخاف عليّ ، الأمر من بعدي إلى ابني عليّ عليه‌السلام » (١).

وعن عليّ بن عمر النوفل قال : كنت مع أبي الحسن عليه‌السلام في صحن داره ، فمرّ بنا محمّد ابنه عليه‌السلام فقلت له : جعلت فداك هذا صاحبنا بعدك؟ فقال : « لا ، صاحبكم بعدي الحسن » (٢).

وعن عمرو الأهوازي قال : أراني أبو محمّد ابنه قال : « هذا صاحبكم بعدي » (٣).

إلى غير ذلك من الأخبار المتكاثرة.

وإلى مثل ما ذكرنا أشار المصنّف مع شرح الشارح القوشجي بقوله : « ( والنقل المتواتر دلّ على الأحد عشر ولوجوب العصمة وانتفائها من غيرهم ووجوب الكمالات فيهم ).

ذهب الإماميّة إلى أنّ الإمام الحقّ بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله هو عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، ثمّ الحسن والحسين ، ثمّ ابنه زين العابدين عليه‌السلام ، ثمّ ابنه محمّد القائم المنتظر المهدي ، وتدّعون أنه ثبت بالتواتر نصّ كلّ من السابقين على من بعده ، ويروون عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال للحسين عليه‌السلام : ابني هذا إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمّة تسعة تاسعهم قائمهم (٤).

وعن مسروق أنّه قال : بينا نحن عند عبد الله بن مسعود إذ يقول لنا شابّ : هل عهد إليكم نبيّكم كم يكون من بعده خليفة؟ قال : إنّك لحدث السنّ وإنّ هذا شيء ما سألني عنه أحد ، نعم عهد إلينا نبيّنا ـ عليه الصلاة والسّلام ـ أن يكون بعده اثنا عشر خليفة عدد نقباء بني إسرائيل (٥).

__________________

(١) المصدر السابق ١ : ٣٢٣ ، باب الإشارة والنصّ على أبي الحسن الثالث ، ح ١.

(٢) المصدر السابق : ٣٢٥ ، باب الإشارة والنصّ على أبي محمّد ، ح ٢.

(٣) المصدر السابق : ٣٢٨ ، باب الإشارة والنصّ إلى صاحب الدار ، ح ٣.

(٤) « بحار الأنوار » ٣٦ : ٣٧٢.

(٥) « عيون أخبار الرضا » ١ : ٤٨ ـ ٤٩ باب ٦ ، ح ١٠ ؛ « كمال الدين وتمام النعمة » ١ : ٢٧٠ ـ ٢٧١ ، ح ١٦ ؛ « الأمالي » للصدوق : ٢٥٤ ، المجلس ٥١ ، ح ٤ ؛ « الخصال » ٢ : ٤٦٦ ـ ٤٦٧ ، ح ٦.

٤٣٩

ويتشبّثون تارة بأنّه يجب أن يكون في الإمام العصمة وغير هؤلاء ليسوا معصومين إجماعا فتعيّنت العصمة لهم ، وإلاّ لزم خلوّ الزمان عن المعصوم عليه‌السلام وقد بيّنّا استحالته.

وأخرى بأنّ الكمالات النفسانيّة والبدنيّة بأجمعها موجودة في كلّ واحد منهم فهو أفضل أهل زمانه فتعيّنت الإمامة ؛ لأنّه يقبح عقلا رئاسة المفضول على الفاضل.

ولا يخفى على المتأمّل ما فيه بعد الاطّلاع على ما سبق. ( ومحاربو عليّ كفرة ) لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « حربك حربي يا عليّ » (١) ، ولا شكّ أنّ محارب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كافر ( ومخالفوه فسقة ) ؛ لأنّ حقّيّة إمامته واضحة فمتابعته واجبة ، فمن خالفه يكون مخالفا لسبيل المؤمنين ( وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً ) (٢).

والحقّ أنّ محارب عليّ عليه‌السلام يكون مخطئا ظاهرا فيكون من الفئة الباغية إن كانت محاربته عن شبهة ، وكذا محارب كلّ واحد من الخلفاء الراشدين.

وأمّا مخالفته فلا تخلو : إمّا أن تكون عن اجتهاد أو لا ، فإن كان الأوّل فالظاهر أنّ خطأه لا ينتهي إلى التفسيق ؛ لأنّه مجتهد ، والمخطئ في الاجتهاد لا يكون فاسقا.

وإن كان الثاني فلا شكّ في فسقه ، وكذا مخالفة سائر الخلفاء الراشدين » (٣).

أقول : لا يخفى أنّه يكفي في ردّ المخالفين ما ورد في صحيح البخاري في مناقب فاطمة عليها‌السلام ما مضمونه أنّه قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في حقّها : « إنّ فاطمة عليها‌السلام بضعة منّي فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله فقد كفر » (٤).

وحكى (٥) بعد عدّة أوراق أنّها خرجت من الدنيا وهي ساخطة على أبي بكر أو

__________________

(١) تقدّم في ص ٤٣٥.

(٢) النساء (٤) : ١١٥.

(٣) « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : ٣٨٠.

(٤) « صحيح البخاري » ٣ : ١٣٦١ باب مناقب قرابة رسول الله ... الرقم ٣٥١٠.

(٥) أي الشارح القوشجي.

٤٤٠