البراهين القاطعة - ج ٣

محمّد جعفر الأسترآبادي

البراهين القاطعة - ج ٣

المؤلف:

محمّد جعفر الأسترآبادي


المحقق: مركز العلوم والثقافة الإسلامية
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة بوستان كتاب
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-766-6
ISBN الدورة:
964-371-509-4

الصفحات: ٤٥٦

خطئه وحمله المكلّف على الخطإ والمفسدة الممكنة في إهمالها ممكنة في إعمالها حينئذ مع زيادة مفسدة.

[٤٤] ومنها : أنّ الغاية من خلق الإنسان حصول الكمال في القوّة العلميّة والعمليّة وأقوى المراتب في القوّة العلميّة هو العقل المستفاد ، وفي العمليّة الامتناع عن القبيح وفعل الأفضل وتكميل النفس ، وذلك لا يحصل إلاّ بالمعصوم.

[٤٥] ومنها : أنّه لو لم يكن الإمام معصوما أمكن أن يكون مقرّبا إلى المعصية ومبعّدا عن الطاعة ، فيكون نصبه مفسدة حين وجوب نصبه.

[٤٦] ومنها : أنّ الإمام مظهر للأحكام وحافظ لها ، فيجب أن يكون معصوما.

[٤٧] ومنها : أنّ الإمام لإتمام التكليف ، فيجب أن يكون معصوما.

[٤٨] ومنها : أنّ الإمام واسطة بين الله وبين الأمّة بعد النبيّ ، فيجب أن يكون أكمل من الكلّ فيما هو واسطة فيه ، فيجب أن يكون معصوما.

[٤٩] ومنها : أنّ الإمام مقتدى الكلّ ، فيجب عليهم الاقتداء به ومتابعته في أقواله وأفعاله جميعها ، فلا بدّ أن يكون أعقل وأكمل من الكلّ ، فيجب أن يكون معصوما.

[٥٠] ومنها : أنّ تقديم المفضول على الفاضل قبيح ، فيجب أن يكون الإمام في الكمال الأقصى ، فهو معصوم.

[٥١] ومنها : قوله تعالى : ( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) (١) ؛ فإنّ الهداية لمن كان بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله تحتاج إلى العلم بجميع ما جاء به النبيّ في كلّ واقعة ، فإنّ الظنّ لا يغني من الحقّ شيئا ، وأن يكون عاملا بها ، وأن يكون مصيبا فيها ؛ ليكون المكلّف جازما مطمئنّا في اتّباعه وإطاعته.

[٥٢] ومنها : أنّ الإمام حجّة على كلّ مكلّف في كلّ حكم ، فلا يصدر منه ذنب ؛ لاستحالة جعل المذنب حجّة.

__________________

(١) الرعد (١٣) : ٧.

٣٦١

إلى غير ذلك من الأدلّة التي في بعضها المناقشة.

فصل [٤] : في إثبات إمامة مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام بطريق المعجزة

وفيه أوّلا : بيان معجزة ذكرت في الاحتجاج. وفيه عن أبي محمّد العسكري عليه‌السلام عن زين العابدين عليه‌السلام أنّه قال : « كان أمير المؤمنين عليه‌السلام قاعدا ذات يوم فأقبل عليه رجل من اليونانيّين المدّعين للفلسفة والطبّ قال له : يا أبا الحسن ، بلغني خبر صاحبك محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنّ به جنونا فجئت لأعالجه ، فلحقته قد مضى لحال سبيله وفاتني ما أردت من ذلك ، وقد قيل لي : إنّك ابن عمّه وصهره ، وأرى بك صفارا قد علاك ، وساقين دقيقين وما أراهما تقلاّنك ، فأمّا الصفار فعندي دواؤه. وأمّا الساقان الدقيقان فلا حيلة لي لتغليظهما ، والوجه أن ترفق بنفسك في المشي تقلّله ولا تكثّره ، وفيما تحمله على ظهرك وتحضنه بصدرك أن تقلّلهما ولا تكثّرهما ، فإنّ ساقيك دقيقان لا يؤمن عند حمل ثقيل انقصافهما. فأمّا الصفار فدواؤه عندي وهو هذا ، وأخرج دواء وقال : هذا لا يؤذيك ولا يخيبك ، ولكنّه يلزمك حمية من اللحم أربعين صباحا ، ثمّ يزيل صفارك.

فقال له عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : قد ذكرت نفع هذا الدواء لصفاري ، وهل تعرف شيئا يزيد فيه ويضرّه؟ فقال الرجل : بلى حبّة من هذا ، وأشار إلى دواء معه وقال : إن تناوله الإنسان وبه صفار أماته من ساعته ، وإن كان لا صفار به صار به صفار حتّى يموت في يومه.

فقال له عليّ عليه‌السلام : فأرني هذا الضارّ ، فأعطاه إيّاه ، فقال له : كم قدر هذا؟ فقال : قدر مثقالين سمّ ناقع قدر حبّة منه تقتل رجلا فتناوله عليّ عليه‌السلام فقمحه وعرق عرقا خفيفا وجعل الرجل يرتعد ويقول في نفسه : الآن أوخذ بابن أبي طالب عليه‌السلام ، ويقال : لي : قتلته ، ولا يقبل منّي قولي : إنّه هو الجاني على نفسه فتبسّم عليّ عليه‌السلام وقال : يا عبد الله ، أصحّ ما كنت بدنا الآن لا يضرّني ما زعمت أنّه سمّ ، ثمّ قال : فغمّض عينيك ، فغمّض ،

٣٦٢

ثمّ قال : افتح ، ففتح عينيه ، ونظر إلى وجه عليّ عليه‌السلام وقال : أين الصفار الذي زعمت أنّه بي ، فقال : والله لكأنّك لست من رأيت قبل كنت مصفارا فأنت الآن مورّد.

فقال عليّ عليه‌السلام : فزال عنّي الصفار لسمّك الذي تزعم أنّه قاتلي ، وأمّا ساقاي هاتان ـ ومدّ رجليه وكشف عن ساقيه ـ فإنّك إن زعمت أنّي أحتاج إلى أن أرفق بيدي في حمل ما أحمل ما عليه لئلاّ ينقصف الساقان وإنّي أريك أنّ طبّ الله عزّ وجلّ خلاف طبّك ، وضرب بيده إلى أسطوانة خشب عظيمة على رأسها سطح مجلسه الذي هو فيه وفوقه حجرتان إحداهما فوق الأخرى وحرّكها فاحتملها فارتفع السطح والحيطان وفوقهما الغرفتان ، فغشي على اليونانيّ.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام صبّوا عليه. فصبّوا عليه ماء ، فأفاق وهو يقول : والله ما رأيت كاليوم ، فقال له عليّ : هذا قوّة الساقين الدقيقين واحتمالهما أفي طبّك هذا يا يونانيّ؟ فقال اليونانيّ : أمثلك كان محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ فقال عليّ عليه‌السلام : وهل علمي إلاّ من علمه وعقلي إلاّ من عقله وقوّتي إلاّ من قوّته ، ولقد أتاه ثقفي كان أطبّ العرب فقال : إن كان بك جنون داويتك ، فقال له محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتحبّ أن أقرئك آية تعلم بها غناي عن طبّك وحاجتك إلى طبّي؟ قال : نعم ، قال : أي آية تريد؟ قال : تدعو ذلك العذق وأشار إلى نخلة سحوق فدعاها فانقلع أصلها من الأرض وهي تخدّ الأرض خدّا حتّى وقفت بين يديه فقال له : أكفاك؟ قال : لا ، قال : فتريد ما ذا؟ قال : تأمرها أن ترجع إلى حيث جاءت منه ، وتستقرّ في مكانها الذي انقلعت منه فأمرها فرجعت واستقرّت في مقرّها.

قال اليونانيّ لأمير المؤمنين عليه‌السلام : هذا الذي تذكره لمحمّد غائب عنّي وأنا أقتصر منك على أقلّ من ذلك أنا أتباعد عنك فادعني وأنا أختار الاجابة ، فإن جئت إليك فهي آية.

قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : هذا إنّما يكون آية لك وحدك ؛ لأنّك تعلم في نفسك أنّك لم ترده وأنّي أزلت اختيارك من غير أن باشرت منّي شيئا أو ممّن أمرته أن يباشرك أو ممّن

٣٦٣

قصد إلى اختيارك وإن لم آمره إلاّ ما يكون من قدرة الله القاهر ، وأنت يا يونانيّ ، يمكنك أن تدّعي ويمكن غيرك أن يقول : إنّي واطأتك على ذلك فاقترح إن كنت مقترحا وهو آية لجميع العالمين ، قال له اليونانيّ : إن جعلت الاقتراح إليّ فأنا أقترح أن تفصل أجزاء تلك النخلة وتفرّقها وتباعد ما بينها ثمّ تجمعها وتعيدها كما كانت.

فقال عليّ عليه‌السلام : هذه آية وأنت رسولي إليها ـ يعني إلى النخلة ـ فقل لها : إنّ وصيّ محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأمر أجزاءك أن تتفرّق وتتباعد ، فذهب وقال لها ذلك فتفاصلت وتهافتت وتناثرت وتصاغرت أجزاؤها حتّى لم ير لها عين ولا أثر ، حتّى كأن لم تكن هناك نخلة قطّ.

فارتعدت فرائص اليونانيّ وقال : يا وصيّ محمّد ، قد أعطيتني اقتراحي الأوّل فأعطني الآخر. فأمرها أن تجتمع وتعود كما كانت ، فقال عليه‌السلام : أنت رسولي إليها فعد فقل لها : يا أجزاء النخلة إنّ وصيّ محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأمرك أن تجتمعي كما كنت وأن تعودي ، فنادى اليونانيّ فقال ذلك ، فارتفعت في الهواء كهيئة الهباء المنثور ، ثمّ جعلت تجتمع جزء جزء منها حتّى تصوّر لها القضبان والأوراق وأصول السعف وشماريخ الأعذاق ، ثمّ تألّفت وتجمّعت واستطالت وعرضت واستقرّ أصلها في مستقرّها وتمكّن عليها ساقها وتركّب على الساق قضبانها وعلى القضبان أوراقها وفي أمكنتها أعذاقها ، وكانت في الابتداء شماريخها متجرّدة لبعدها من أوان الرطب والبسر والخلال ، فقال اليونانيّ : وأخرى أحبّها أن تخرج شماريخها خلالها وتقلبها من خضرة إلى صفرة وحمرة وترطيب وبلوغ إناه لتأكل وتطعمني ومن حضرك منها.

فقال عليّ عليه‌السلام : وأنت رسولي إليها بذلك فمرها به ، فقال لها اليونانيّ ما أمره أمير المؤمنين عليه‌السلام فأخلت وأبسرت وأبصرت واصفرّت واحمرّت وترطّبت وثقلت أعذاقها برطبها ، فقال اليونانيّ : وأخرى أحبّها تقرب من يدي أعذاقها أو تطول يدي لتنالها وأحبّ شيء إليّ أن تنزل إلي إحداهما وتطول يدي إلى الأخرى التي هي أختها ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : مدّ اليد التي تريد أن تناولها وقل : يا مقرّب البعيد

٣٦٤

قرّب يدي منها واقبض الأخرى التي تريد أن تنزل العذق إليها وقل : يا مسهّل العسير سهّل لي تناول ما يبعد عنّي منها ، ففعل ذلك وقاله فطالت يمناه فوصلت إلى العذق وانحطّت الأعذاق الأخر فسقطت على الأرض وقد طالت عراجينها.

ثمّ قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إنّك إن أكلت منها ولم تؤمن بمن أظهر لك عجائبها عجّل الله عزّ وجلّ إليك من العقوبة التي يبتليك بها ما يعتبر به عقلاء خلقه وجهّالهم فقال اليونانيّ : إنّي إن كفرت بعد ما رأيت فقد بالغت في العناد وتناهيت في التعرّض للهلاك ، أشهد أنّك من خاصّة الله ، صادق في جميع أقاويلك عن الله فأمرني بما تشاء أطعك.

قال عليّ عليه‌السلام : آمرك أن تقرّ لله في الوحدانيّة ، وتشهد له بالجود والحكمة ، وتنزّهه عن العبث والفساد وعن ظلم الإماء والعباد ، وتشهد أنّ محمّدا الذي أنا وصيّه سيّد الأنام وأفضل رتبة في دار السّلام ، وتشهد أنّ عليّا الذي أراك ما أراك وأولاك من النعم ما أولاك خير خلق الله بعد محمّد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأحقّ خلق الله بمقام محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعده والقيام بشرائعه وأحكامه ، وتشهد أنّ أولياءه أولياء الله وأعداءه أعداء الله ... » إلى آخر الحديث (١).

وفيه أيضا عن سعيد بن جبير قال : استقبل أمير المؤمنين دهقان من دهاقين الفرس ، فقال له بعد التهنئة : يا أمير المؤمنين ، تناحست النجوم الطالعات وتناحست السعود بالنحوس ، وإذا كان مثل ذلك اليوم وجب على الحكيم الاختفاء ، ويومك هذا يوم صعب وقد اتّصل فيه كوكبان وانقدحت من برجك النيران ، وليس الحرب لك بمكان ، فقال أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام : « ويحك يا دهقان ، المنبّئ بالآثار المحذّر من الأقدار ما قصّة صاحب الميزان وقصّة صاحب السرطان؟ وكم المطالع من الأسد والساعات من المحرّكات؟ وكم بين السراري والذراري؟ » قال : سأنظر وأومى بيده

__________________

(١) « الاحتجاج » ١ : ٥٤٧ ـ ٥٥٤.

٣٦٥

إلى كمّه مكّة وأخرج منه اصطرلابا ينظر فيه.

فتبسّم عليّ عليه‌السلام فقال : « أتدري ما حدث البارحة؟ وقع بيت بالصين وانفرج برج ماجين وسقط سور سرنديب ، وانهزم بطريق الروم بأرمينية ، وفقد ديّان اليهود بابلة ، وهاج النمل بوادي النمل ، وهلك ملك إفريقيّة أكنت عالما؟ » قال : لا ، يا أمير المؤمنين ، فقال عليه‌السلام : « البارحة سعد سبعون ألف عالم ، وولد في كلّ عالم سبعون ألفا ، والليلة يموت مثلهم ، وهذا منهم » وأومى بيده عليه‌السلام إلى سعد بن مسعدة الحارثي لعنه الله ، وكان جاسوسا للخوارج في عسكر أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فظنّ الملعون أنّه يقول : خذوه فأخذ بنفسه فمات ، فخرّ الدهقان ساجدا ، فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : « ألم أروك من عين التوفيق؟ » فقال : بلى يا أمير المؤمنين ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « وأنا وصاحبي لا شرقيّون ولا غربيّون ، نحن ناشئة القطب وأعلام الفلك ، أمّا قولك : انقدحت من برجك النيران فكان الواجب أن تحكم به لي لا عليّ ، وأمّا نوره وضياؤه فعندي ، وأمّا حريقه ولهبه فذهب عنّي وهذه مسألة عميقة احسبها إن كنت حاسبا » (١).

وثانيا (٢) : في بيان نبذ من معجزات مولانا وسيّدنا أبي الحسن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام على وفق ما انتخبت من كتاب « بحار الأنوار » وهي كثيرة :

[١] منها : ما روي عن سلمان قال : كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات يوم جالسا بالأبطح وعنده جماعة من أصحابه وهو مقبل علينا بالحديث إذ نظرنا إلى زوبعة قد ارتفعت فأثارت الغبار ، وما زالت تدنو والغبار يعلو إلى أن وقفت بحذاء النبيّ ، ثمّ برز منها شخص كان فيها ، ثمّ قال : يا رسول الله ، إنّي وافد قومي وقد استجرنا بك فأجرنا ، وابعث معي من قبلك من يشرف على قومنا فإنّ بعضهم قد بغى علينا ليحكم بيننا وبينهم بحكم الله وكتابه ، وخذ عليّ العهود والمواثيق المؤكّدة أن أردّه إليك في غداة

__________________

(١) المصدر السابق ١ : ٥٥٨ ، ح ١٣٥.

(٢) مرّ الأوّل في ص ٣٦٢.

٣٦٦

غد سالما إلاّ أن تحدث عليّ حادثة من عند الله.

فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من أنت ومن قومك؟ » قال : أنا عطرفة بن شمراخ أحد بني نجاح ، أنا وجماعة من أهلي كنّا نسترق السمع فلمّا منعنا من ذلك ، ولمّا بعثك الله نبيّا آمنّا بك على ما علمته وقد صدّقناك ، وقد خالفنا بعض القوم ، وأقاموا على ما كانوا عليه ، فوقع بيننا وبينهم الخلاف وهم أكثر منّا عددا وقوّة ، وقد غلبوا على الماء والمراعي وأضرّوا بنا فابعث معي من يحكم بيننا بالحقّ ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اكشف لنا عن وجهك حتّى نراك على هيئتك التي أنت عليها » ، قال : فكشف لنا عن صورته فنظرنا فإذا شخص عليه شعر كثير وإذا رأسه طويل ، عيناه في طول رأسه ، صغير الحدقتين ، وله أسنان كأنّها أسنان السباع ، ثمّ إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذ عليه العهد والميثاق على أن يردّ عليه من غد من يبعث به معه.

فلمّا فرغ من ذلك التفت إلى أبي بكر فقال : « سر مع أخينا عطرفة وانظر إلى ما هم عليه واحكم بينهم بالحقّ ». فقال وأين هم؟ قال : « هم تحت الأرض ».

فقال أبو بكر : وكيف أطيق النزول تحت الأرض؟ وكيف أحكم بينهم ولا أحسن كلامهم؟ ثمّ التفت إلى عمر بن الخطّاب فقال له مثل قوله لأبي بكر فأجاب مثل جواب أبي بكر ، ثمّ أقبل إلى عثمان وقال له مثل قولهما فأجاب بجوابهما.

ثمّ استدعى بعليّ عليه‌السلام وقال له : « يا عليّ ، سر مع أخينا عطرفة وتشرف على قومه وتنظر إلى ما هم عليه وتحكم بينهم بالحقّ » ، فقام أمير المؤمنين عليه‌السلام مع عطرفة وقد تقلّد سيفه قال سلمان : فتبعتهما إلى أن صار إلى الوادي فلمّا توسّطاه نظر إليّ أمير المؤمنين عليه‌السلام وقال : « قد شكر الله سعيك يا با عبد الله فارجع » ، فوقفت أنظر إليهما فانشقّت الأرض ودخلا فيها ورجعت وتداخلني من الحسرة ما الله أعلم به ، كلّ ذلك إشفاقا على أمير المؤمنين عليه‌السلام فأصبح النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بالناس الغداة ، وجاء وجلس على الصفا وحفّ به أصحابه ، وتأخّر أمير المؤمنين عليه‌السلام وارتفع النهار ، وأكثر الناس الكلام إلى أن زالت الشمس وقالوا : إنّ الجنّي قد احتال على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد أراحنا

٣٦٧

الله من أبي تراب ، وذهب عنّا افتخاره بابن عمّه علينا ، وأكثروا الكلام إلى أن صلّى صلى‌الله‌عليه‌وآله الصلاة الأولى وعاد إلى مكانه وجلس على الصفا ، وما زال يحدّث أصحابه إلى أن وجبت صلاة العصر ، وأكثر القوم الكلام وأظهروا الكفر في أمير المؤمنين عليه‌السلام وظهرت شماتة المنافقين بأمير المؤمنين عليه‌السلام وكادت الشمس تغرب ، وتيقّن القوم أنّه قد هلك ، وإذا قد انشقّ الصفا وطلع أمير المؤمنين عليه‌السلام منه وسيفه يقطر دما ومعه عطرفة.

فقام إليه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وقبّل بين عينيه وجبينه وقال له : « ما الذي حبسك عنّي إلى هذا الوقت؟ ».

فقال عليه‌السلام : « صرت إلى جنّ كثير قد بغوا على عطرفة وقومه فدعوتهم إلى ثلاث خصال فأبوا عليّ ، وذلك إنّي دعوتهم إلى الإيمان بالله والإقرار بنبوّتك ورسالتك فأبوا ، فدعوتهم إلى أداء الجزية فأبوا ، فسألتهم أن يصالحوا عطرفة وقومه ، فيكون بعض المرعى لعطرفة وقومه وكذلك الماء فأبوا ذلك كلّه ، فوضعت سيفي فيهم ، وقتلت منهم ثمانين ألفا فلمّا نظروا إلى ما حلّ بهم طلبوا الأمان والصلح ، ثمّ آمنوا وزال منهم الخلاف بينهم وما زلت معهم إلى الساعة » ، فقال عطرفة : جزاك الله وأمير المؤمنين منّا خيرا. (١)

[٢] ومنها : ما روي عن سماعة بن مهران قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فأرعدت السماء وأبرقت ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « أما إنّه ما كان من هذا الرعد ومن هذا البرق فإنّه من أمر صاحبكم » ، قلت : من صاحبنا؟ قال : « أمير المؤمنين عليه‌السلام » (٢).

وروى بعض الإماميّة في كتاب « منهج التحقيق إلى سواء الطريق » عن سلمان الفارسيّ قال : كنت أنا والحسن والحسين ومحمّد بن الحنفيّة ومحمّد بن أبي بكر

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٣٩ : ١٦٨ ـ ١٧٠.

(٢) المصدر السابق ٢٧ : ٣٣.

٣٦٨

وعمّار بن ياسر والمقداد بن الأسود الكندي رضي الله عنهم ، فقال له ابنه الحسن عليه‌السلام : « يا أمير المؤمنين ، إنّ سليمان بن داود عليه‌السلام سأل ربّه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه ذلك ، فهل ملكت ممّا ملك سليمان بن داود شيئا؟ ».

فقال عليه‌السلام : « والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة إنّ سليمان بن داود سأل الله عزّ وجلّ الملك فأعطاه ، وإنّ أباك ملك ما لم يملكه بعد جدّك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أحد قبله ولا يملكه أحد بعده » فقال الحسن عليه‌السلام : « نريد أن ترينا ممّا فضّلك الله عزّ وجلّ من الكرامة » ، فقال عليه‌السلام : « أفعل إن شاء الله » فقام أمير المؤمنين وتوضّأ ، وصلّى ركعتين ودعا الله عزّ وجلّ بدعوات لم نفهمها ، ثمّ أومأ بيده إلى جهة المغرب فما كان بأسرع من أن جاءت سحابة ، فوقفت على الدار وإلى جانبها سحابة أخرى ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « أيّتها السحابة اهبطي بإذن الله عزّ وجلّ » ، فهبطت وهي تقول : أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّدا رسول الله ، وأنّك خليفته ووصيّه ، من شكّ فيك فقد هلك ، ومن تمسّك بك سلك سبيل النجاة ، قال : ثمّ انبسطت السحابة إلى الأرض حتّى كأنّها بساط موضوع ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « اجلسوا على الغمامة » ، فجلسنا وأخذنا مواضعنا فأشار إلى السحابة الأخرى فهبطت وهي تقول كمقالة الأولى ، وجلس أمير المؤمنين عليه‌السلام عليها مفردة ثمّ تكلّم بكلام ، وأشار إليهما بالمسير إلى المغرب وإذا بالريح قد دخلت تحت السحابتين فرفعتهما رفعا رفيقا ، فتأمّلت نحو أمير المؤمنين عليه‌السلام فإذا به على كرسيّ والنور يسطع من وجهه يكاد يخطف الأبصار ، فقال الحسن : « يا أمير المؤمنين ، إنّ سليمان بن داود كان مطاعا بخاتمه وأمير المؤمنين عليه‌السلام بما ذا يطاع؟ » فقال عليه‌السلام : « أنا عين الله في أرضه ، أنا لسان الله الناطق في خلقه ، أنا نور الله الذي لا يطفأ وحجّته على عباده ».

ثمّ قال : « أتحبّون أن أريكم خاتم سليمان بن داود؟ » قلنا : نعم ، فأدخل يده إلى جيبه فأخرج خاتما من ذهب ، فصّه من ياقوتة حمراء عليه مكتوب : محمّد وعليّ ، قال سلمان : فتعجّبنا من ذلك ، فقال : « من أيّ شيء تعجبون؟ وما العجب من مثلي أنا

٣٦٩

أريكم اليوم ما لم تروه أبدا » ، فقال الحسن : « أريد أن تريني يأجوج ومأجوج والسدّ الذي بيننا وبينهم » ، فسارت الريح تحت السحابة فسمعنا لها دويّا كدويّ الرعد وعلت في الهواء وأمير المؤمنين عليه‌السلام يقدمنا حتّى انتهينا إلى جبل شامخ في العلوّ وإذا شجرة جافّة قد تساقطت أوراقها وجفّت أغصانها ، فقال الحسن : « ما بال هذه الشجرة قد يبست؟ » فقال عليه‌السلام : « سلها فإنّها تجيبك » ، فقال الحسن عليه‌السلام : « أيّتها الشجرة ما بالك قد حدث بك ما نراه من الجفاف؟ » فلم تجبه ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « بحقّي عليك إلاّ ما أجبتيه ».

قال الراوي : والله لقد سمعتها وهي تقول : لبّيك لبّيك يا وصيّ رسول الله وخليفته ، ثمّ قالت : يا أبا محمّد ، إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام كان يجيئني في كلّ ليلة وقت السحر ، ويصلّي عندي ركعتين ويكثر من التسبيح ، فإذا فرغ من دعائه جاءته غمامة بيضاء ينفح منها ريح المسك وعليها كرسيّ فيجلس فيسير به ، وكنت أعيش ببركته فانقطع عنّي منذ أربعين يوما ، فهذا سبب ما تراه منّي.

فقام أمير المؤمنين عليه‌السلام وصلّى ركعتين ومسح بكفّه فاخضرّت وعادت إلى حالها ، وأمر الريح فسارت بنا ، وإذا نحن بملك يده في المغرب والأخرى بالمشرق ، فلمّا نظر الملك إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون ، وأشهد أنّك وصيّه وخليفته حقّا وصدقا.

فقلنا : يا أمير المؤمنين ، من هذا الذي يده في المغرب والأخرى في المشرق؟

فقال عليه‌السلام : « هذا الملك الذي وكّله الله عزّ وجلّ بظلمة الليل والنهار لا يزول إلى يوم القيامة ، وإنّ الله عزّ وجلّ جعل أمر الدنيا إليّ وإنّ أعمال الخلق تعرض في كلّ يوم عليّ ثمّ ترفع إلى الله ».

ثمّ سرنا حتّى وقفنا على سدّ يأجوج ومأجوج فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام للريح : « اهبطي بنا ممّا يلي هذا الجبل » ، وأشار بيده إلى جبل شامخ في العلوّ وهو جبل

٣٧٠

الخضر عليه‌السلام فنظرنا إلى السدّ ، وإذا ارتفاعه مدّ البصر وهو أسود كقطعة ليل دامس يخرج من أرجائه الدخان ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « يا أبا محمّد ، أنا صاحب هذا الأمر على هؤلاء العبيد ».

قال سلمان : فرأيت أصنافا ثلاثة طول أحدهم مائة وعشرون ذراعا ، والثاني طول كلّ واحد سبعون ذراعا ، والثالث يفرش أحد أذنيه تحته والآخر يلتحف به.

ثمّ إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام أمر الريح فسارت بنا إلى جبل قاف فانتهينا إليه ، وإذا هو من زمرّدة خضراء وعليها ملك على صورة النسر ، فلمّا نظر إلى أمير المؤمنين قال الملك : السّلام عليك يا وصيّ رسول الله وخليفته أتأذن لي في الكلام؟ فردّ عليه‌السلام فقال : « إن شئت تكلّم وإن شئت أخبرتك بما تسألني عنه » ، فقال الملك : بل تقول أنت يا أمير المؤمنين ، قال : « تريد أن آذن لك أن تزور الخضر عليه‌السلام؟ » قال : نعم ، فقال عليه‌السلام : « قد أذنت لك » ، فأسرع الملك بعد أن قال : بسم الله الرحمن الرحيم.

ثمّ تمشّينا على الجبل هنيئة فإذا بالملك قد عاد إلى مكانه بعد زيارة الخضر عليه‌السلام فقال سلمان : يا أمير المؤمنين ، رأيت الملك ما زار الخضر إلاّ حين أخذ إذنك؟

فقال عليه‌السلام : « والذي رفع السماء بغير عمد لو أنّ أحدهم رام أن يزول من مكانه بقدر نفس واحد ، لما زال حتّى آذن له ، وكذلك يصير حال ولدي الحسن وبعده الحسين وتسعة من ولد الحسين تاسعهم قائمهم ».

فقلنا : ما اسم الملك الموكّل بقاف؟ فقال عليه‌السلام : « ترجائيل » فقلنا : يا أمير المؤمنين ، كيف تأتي كلّ ليلة إلى هذا الموضع وتعود؟ فقال : « كما أتيت بكم ، والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة إنّي لأملك من ملكوت السماوات والأرض ما لو علمتم ببعضه لما احتمله جنانكم إنّ اسم الله الأعظم على اثنين وسبعين حرفا ، وكان عند آصف بن برخيا حرف واحد فتكلّم به ، فخسف الله عزّ وجلّ الأرض ما بينه وبين عرش بلقيس حتّى تناول السرير ، ثمّ عادت الأرض كما كانت أسرع من طرف النظر ، وعندنا نحن والله اثنان وسبعون حرفا وحرف واحد عند الله عزّ وجلّ استأثر به في علم

٣٧١

الغيب ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم ، عرفنا من عرفنا وأنكرنا من أنكرنا ».

ثمّ قام عليه‌السلام وقمنا فإذا نحن بشابّ في الجبل يصلّي بين القبرين فقلنا : يا أمير المؤمنين ، من هذا الشابّ؟ فقال عليه‌السلام : « صالح النبيّ » ، فقال عليه‌السلام : « وهذان القبران لأمّه وأبيه وأنّه يعبد الله بينهما » ، فلمّا نظر إليه صالح لم يتمالك نفسه حتّى بكى وأومأ بيده إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ثمّ أعادها إلى صدره وهو يبكي ، فوقف أمير المؤمنين عليه‌السلام عنده حتّى فرغ من صلاته ، فقلنا له : ما بكاؤك؟ قال صالح : إنّ أمير المؤمنين كان يمرّ بي عند كلّ غداة فيجلس فتزداد عبادتي بنظري إليه فقطع ذلك عشرة أيّام فأقلقني ذلك فتعجّبنا من ذلك.

فقال عليه‌السلام : « تريدون أن أريكم سليمان بن داود؟ » قلنا : نعم ، فقام ونحن معه حتّى دخل بستانا ما رأينا أحسن منه وفيه من جميع الفواكه والأعناب ، والأنهار تجري ، والأطيار يتجاوبن على الأشجار فحين رأته الأطيار أتت ترفرف حوله حتّى توسّطنا البستان وإذا سرير عليه شابّ ملقى على ظهره واضع يده على صدره ، فأخرج أمير المؤمنين عليه‌السلام الخاتم من جيبه ، وجعله في إصبع سليمان بن داود فنهض قائما وقال : السّلام عليك يا أمير المؤمنين ووصيّ رسول ربّ العالمين ، أنت والله الصدّيق الأكبر والفاروق الأعظم ، قد أفلح من تمسّك بك ، وقد خاب وخسر من تخلّف عنك ، وإنّي سألت الله عزّ وجلّ بكم أهل البيت فأعطيت ذلك الملك.

قال سلمان : فلمّا سمعنا كلام سليمان بن داود لم أتمالك نفسي حتّى وقعت على أقدام أمير المؤمنين عليه‌السلام أقبّلها ، وحمدت الله تعالى عزّ وجلّ على جزيل عطائه بهدايته إلى ولاية أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ، وفعل أصحابي كما فعلت ثمّ سألت أمير المؤمنين : ما وراء قاف؟ قال عليه‌السلام : « وراءه ما لا يصل إليكم علمه. فقلنا : تعلم ذلك يا أمير المؤمنين ، فقال عليه‌السلام « علمي بما وراءه كعلمي بحال هذه الدنيا وما فيها ، إنّي الحفيظ الشهيد عليها بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكذلك الأوصياء من ولدي بعدي ».

٣٧٢

ثمّ قال عليه‌السلام : « إنّي لأعرف بطرق السماوات من طرق الأرض ، نحن الاسم المخزون المكنون ، نحن أسماء الله الحسنى التي إذا سئل الله عزّ وجلّ بها أجاب ، نحن أسماء المكتوبة على العرش ، ولأجلنا خلق الله عزّ وجلّ السماء والأرض والعرش والكرسيّ والجنّة والنار ، ومنّا تعلّمت الملائكة التسبيح والتقديس والتوحيد والتهليل والتكبير ، ونحن الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه ».

ثمّ قال عليه‌السلام : « أتريدون أن أريكم عجبا؟ » ، قلنا : نعم قال : « غضّوا أعينكم » ، ففعلنا ، ثمّ قال : « افتحوها » ، ففتحناها فإذا نحن بمدينة ما رأينا أكبر منها : الأسواق فيها قائمة ، وفيها أناس ما رأينا أعظم من خلقهم على طول النخل ، قلنا : يا أمير المؤمنين ، من هؤلاء؟ قال : « بقيّة قوم عاد كفّار لا يؤمنون بالله عزّ وجلّ أحببت أن أريكم إيّاهم وهذه المدينة وأهلها أريد أن أهلكهم وهم لا يشعرون ».

قلنا : يا أمير المؤمنين ، تهلكهم بغير حجّة؟ قال : « لا ، بل بحجّة عليهم » ، فدنا منهم وتراءى لهم فهمّوا أن يقتلوه ونحن نراهم وهم يرونا ، ثمّ تباعد عنهم ودنا منّا ومسح بيده على صدورنا وأبداننا وتكلّم بكلمات لم نفهمها وعاد إليهم ثانية حتّى صار بإزائهم وصعق فيهم صعقة ، قال سلمان : لقد ظنّنا أنّ الأرض قد انقلبت والسماء قد سقطت وأنّ الصواعق من فيه قد خرجت فلم يبق منهم في تلك الساعة أحد ، قلنا : يا أمير المؤمنين ، ما صنع الله بهم؟ قال : « هلكوا فصاروا كلّهم إلى النار » ، قلنا : هذا معجز ما رأينا ولا سمعنا بمثله ، فقال عليه‌السلام : « أتريدون أن أريكم أعجب من ذلك؟ » فقلنا : لا نطيق بأسرنا على احتمال شيء آخر فعلى من لا يتولاّك ويؤمن بفضلك وعظيم قدرك على الله عزّ وجلّ لعنة الله ولعنة اللاعنين والملائكة والخلق أجمعين إلى يوم الدين.

ثمّ سألنا الرجوع إلى أوطاننا فقال : « أفعل ذلك إن شاء الله » ، فأشار إلى السحابتين فدنتا منّا فقال عليه‌السلام : « خذوا مواضعكم » ، فجلسنا على سحابة وجلس عليه‌السلام على الأخرى ، وأمر الريح فحملتنا حتّى صرنا في الجوّ ورأينا الأرض كالدرهم ، ثمّ حطتنا في دار أمير المؤمنين عليه‌السلام في أقلّ من طرف النظر ، وكان وصولنا إلى المدينة

٣٧٣

وقت الظهر والمؤذّن يؤذّن وكان خروجنا منها وقت علت الشمس ، فقلنا : بالله العجب كنّا في جبل قاف مسيرة خمس سنين ، وعدنا في خمس ساعات من النهار.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « لو أنّني أردت أن أجوب الدنيا بأسرها والسماوات السبع وأرجع في أقلّ من الطرف ، لفعلت بما عندي من اسم الله الأعظم » ، فقلنا : يا أمير المؤمنين ، والله أنت الآية العظمى والمعجزة الباهرة بعد أخيك وابن عمّك (١).

[٣] ومنها : ما روي أنّ أسود أدخل على عليّ عليه‌السلام فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّي سرقت فطهّرني ، فقال : « لعلّك سرقت من غير حرز » ونحّى رأسه عنه ، فقال : يا أمير المؤمنين ، سرقت من حرز ، فلمّا أقرّ ثلاث مرّات قطعه أمير المؤمنين ، فذهب وجعل يقول في الطريق : قطعني أمير المؤمنين وإمام المتّقين وقائد الغرّ المحجّلين ويعسوب الدين وسيّد الوصيّين ، وجعل يمدحه ، فسمع ذلك منه الحسن والحسين وقد استقبلاه فدخلا على أمير المؤمنين وقالا : « رأينا أسودا يمدحك في الطريق ».

فبعث أمير المؤمنين من أعاده إلى حضرته ، فقال له عليّ عليه‌السلام : « قطعتك وأنت تمدحني؟ » فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّك طهّرتني وإنّ حبّك من قلبي قد خالط لحمي وعظمي ، فلو قطعتني إربا إربا لما ذهب حبّك من قلبي ، فدعا له أمير المؤمنين ، ووضع المقطوع إلى موضعه ، فصحّ وصلح كما كان (٢).

[٤] ومنها : ما روي أنّ قصّابا كان يبيع اللحم من جارية إنسان ، وكان يحيف عليها ، فبكت وخرجت ، فرأت عليّا فشكته إليه ، فمشى معها نحوه ، ودعاه إلى الإنصاف في حقّها ويعظه ويقول : « ينبغي أن يكون الضعيف عندك بمنزلة القويّ ، فلا تظلم الجارية » ولم يكن القصّاب يعرف عليّا فرفع يده وقال : اخرج أيّها الرجل ، فانصرف عليه‌السلام ولم يتكلّم بشيء فقيل للقصّاب : هذا عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام فقطع يده

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٢٧ : ٣٢ ـ ٤٠.

(٢) « الخرائج والجرائح » ٢ : ٥٦١ ـ ٥٦٢ ، ح ١٩ ؛ « بحار الأنوار » ٧٦ : ١٨٨ ، ح ٢٤.

٣٧٤

وأخذها وخرج إلى أمير المؤمنين معتذرا فدعا عليه‌السلام فصلحت يده (١).

[٥] ومنها : ما روي أنّ خارجيّا اختصم مع آخر إلى عليّ عليه‌السلام فحكم بينهما ، وقال الخارجي : لا عدلت في القضيّة ، فقال عليه‌السلام : « اخسأ يا عدوّ الله » ، فاستحال كلبا وطارت ثيابه في الهواء ، فجعل يبصبص وقد دمعت عيناه فرقّ له عليّ عليه‌السلام فدعا فأعاده الله إلى حال الإنسانيّة ، وتراجعت ثيابه من الهواء إليه. الحديث (٢).

[٦] ومنها : ما روي أنّ قوما من النصارى كانوا دخلوا على النبيّ وقالوا : نخرج ونجيء بأهلينا وقومنا فإن أخرجت لنا مائة ناقة من الحجر سوداء من كلّ واحدة فصيل آمنّا ، فضمن ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وانصرفوا إلى بلادهم.

فلمّا كان بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رجعوا فدخلوا المدينة ، فسألوا عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقيل لهم : توفّي عليه‌السلام ، فقالوا : نجد في كتابنا أنّه لا يخرج من الدنيا نبيّ إلاّ ويكون له وصيّ فمن كان وصيّ نبيّكم محمّد؟ فدلّوا على أبي بكر فدخلوا عليه فقالوا : لنا دين على محمّد ، قال : وما هو؟ قالوا : مائة ناقة مع كلّ ناقة فصيل ، وكلّها سود ، فقال : ما ترك رسول الله تركة تفي بذلك ، فقال بعضهم لبعض بلسانهم : ما كان أمر محمّد إلاّ باطلا ، وكان سلمان حاضرا وكان يعرف لغتهم ، فقال لهم : أنا أدلّكم على وصيّ محمّد ، فإذا بعليّ قد دخل المسجد فنهضوا إليه وجثوا بين يديه فقالوا : لنا على نبيّكم دين مائة ناقة دينا بصفات مخصوصة ، قال عليّ عليه‌السلام : « وتسلمون حينئذ؟ » قالوا : نعم ، فواعدهم إلى الغد.

ثمّ خرج إلى الجبّانة والمنافقون يزعمون أنّه يفتضح ، فلمّا وصل إليهم صلّى ركعتين ودعا خفيّا ، ثمّ ضرب بقضيب رسول الله على الحجر فسمع منه أنين كما يكون للنوق عند مخاضها ، فبينما كذلك إذا انشقّ الحجر وخرج منه رأس ناقة وقد تعلّق

__________________

(١) « الخرائج والجرائح » ٢ : ٧٥٩ ؛ « بحار الأنوار » ٤١ : ٢٠٣ ، ح ١٨.

(٢) « الخرائج والجرائح » ٢ : ٥٦٨ ، ح ٢٤ ؛ « بحار الأنوار » ٤١ : ٢٠٣ ، ح ١٧.

٣٧٥

منه رأس الزمام فقال عليه‌السلام لابنه الحسن : « خذه » فخرج منه مائة ناقة مع كلّ واحدة فصيل كلّها سود الألوان ، فأسلم النصارى كلّهم ، ثمّ قالوا : كانت ناقة صالح النبيّ واحدة وكان بسببها هلاك قوم كثير فادع يا أمير المؤمنين ، حتّى تدخل النوق وفصالها إلى الحجر ؛ لئلاّ يكون شيء منها سبب هلاك أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله فدخلت كما خرجت (١).

[٧] ومنها : ما روي أنّه كان يطلب قوما من الخوارج ، فلمّا بلغ الموضع المعروف اليوم بساباط أتاه رجل من شيعته وقال : يا أمير المؤمنين ، أنا من شيعتك وكان لي أخ وكنت شفيقا عليه فبعثه عمر في جنود سعد بن أبي وقّاص إلى قتال أهل المدائن فقتل هناك أريد أن تحييه لي ، قال : « فأرني قبره ومقتله » فأراه إيّاه فمدّ الرمح وهو راكب بغلته الشهباء فوكز القبر بأسفل الرمح فخرج رجل أسمر طويل يتكلّم بالعجميّة ، فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : « لم تتكلّم بالعجميّة وأنت رجل من العرب؟ » قال : أنا أبغضك وأوالي أعداءك فانقلب لساني في النار ، فقال : يا أمير المؤمنين ، ردّه من حيث جاء فلا حاجة لنا فيه ، فقال له أمير المؤمنين : « ارجع » فرجع إلى القبر وانطبق عليه (٢).

[٨] ومنها : ما روي أنّ ابن أبي جعدة قال : حضرت مجلس أنس بن مالك بالبصرة وهو يحدّث ، فقام إليه رجل من القوم فقال : يا صاحب رسول الله ما هذه الشيمة التي أراها بك فأنا حدّثني أبي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « البرص والجذام لا يبلي الله به مؤمنا » ، قال : فعند ذلك أطرق أنس بن مالك إلى الأرض وعيناه تذرفان بالدموع ثمّ رفع رأسه وقال : دعوة العبد الصالح عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام نفذت فيّ.

قال : فعند ذلك قام الناس حوله وقصدوه وقالوا : يا أنس ، حدّثنا ما كان سبب دعوة عليّ؟ فقال لهم : انتهوا عن هذا ، فقالوا : لا بدّ من أن تخبرنا بذلك ، فقال : اقعدوا

__________________

(١) « الخرائج والجرائح » ١ : ٢١٣ ، ح ٥٦ ؛ « بحار الأنوار » ٤١ : ١٩٨ ، ح ١٠.

(٢) « بحار الأنوار » ٤١ : ٢١٦ ، ح ٢٩.

٣٧٦

مواضعكم واسمعوا منّي حديثا كان هو السبب لدعوة عليّ عليه‌السلام اعلموا أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان قد أهدي له بساط شعر من قرية كذا وكذا من قرى المشرق يقال لها : عندف ، فأرسلني رسول الله إلى أبي بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف الزهري ، فأتيته بهم وعنده ابن عمّه عليّ بن أبي طالب فقال لي : « يا أنس ، ابسط البساط وأجلسهم عليه » ، ثمّ قال : « يا أنس ، اجلس حتّى تخبرني بما يكون منهم » ، ثمّ قال : « قل يا عليّ : يا ريح احملينا » فإذا نحن في الهواء ، فقال : « سيروا على بركة الله » ، قال : فسرنا ما شاء الله ، ثمّ قال : « يا ريح ضعينا » ، فوضعتنا ، فقال : « أتدرون أين أنتم؟ » قلنا : الله ورسوله وعليّ أعلم ، فقال : « هؤلاء أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا ، قوموا يا أصحاب رسول الله حتّى تسلّموا عليهم ».

فعند ذلك قام أبو بكر وعمر ، فقالا : السّلام عليكم يا أصحاب الكهف والرقيم ، قال : فلم يجبهما أحد ، قال : فقمت أنا وعبد الرحمن بن عوف وقلنا : السّلام عليكم يا أصحاب الكهف والرقيم أنا خادم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم يجبنا أحد ، فعند ذلك قام الإمام عليه‌السلام وقال : « السّلام عليكم يا أصحاب الكهف والرقيم الذين كانوا من آيات الله عجبا » فقالوا : وعليك سلام الله يا وصيّ رسول الله ورحمة الله وبركاته.

فقال : « يا أصحاب الكهف ، ألا رددتم على أصحاب رسول الله » قالوا : نعم يا خليفة رسول الله إنّا فتية آمنوا بربّهم وزادهم الله هدى وليس معنا إذن بردّ السّلام إلاّ بإذن نبيّ أو وصيّ نبيّ ، وأنت وصيّ خاتم النبيّين والمرسلين ، وأنت خاتم الأوصياء ، ثمّ قال : « أسمعتم يا أصحاب رسول الله؟ » قالوا : نعم يا أمير المؤمنين ، قال : « فاقعدوا في مواضعكم » فقعدنا في مجالسنا.

ثمّ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يا ريح احملينا » فسرنا ما شاء الله إلى أن غربت الشمس ، ثمّ قال : « يا ريح ضعينا » فإذا نحن على أرض كأنّها الزعفران ليس فيها حسيس ولا أنيس ، نباتها الشيح وليس فيها ماء فقلنا : يا أمير المؤمنين ، دنت الصلاة وليس معنا ماء نتوضّأ به ، فقام وجاء إلى موضع من تلك الأرض فرفسه برجله فنبعت عين ماء ،

٣٧٧

فقال : « دونكم وما طلبتم ولو لا طلبتكم لجاءنا جبرئيل بماء من الجنّة » قال : فتوضّأنا وصلّينا إلى أن انتصف الليل ، ثمّ قال : « يا ريح احملينا » فإذا نحن برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد صلّى من الغداة ركعة واحدة ، فقضيناها وكان قد سبقنا بها رسول الله فالتفت إلينا فقال : « يا أنس ، تحدّثني أم أحدّثك » فقلت : بل من فيك أحلى يا رسول الله ، قال : فابتدأ بالحديث من أوّله إلى آخره كأنّه كان معنا ، ثمّ قال : « يا أنس ، تشهد لابن عمّي بها إذا استشهدك؟ » فقلت : نعم ، يا رسول الله. فلمّا وليّ أبو بكر الخلافة أتى عليّ عليه‌السلام وكنت حاضرا عند أبي بكر والناس حوله وقال لي : « يا أنس ألست تشهد لي بفضيلة البساط ويوم عين الماء ويوم الجبّ » ، وقلت له : يا عليّ ، نسيت من كبري ، فعندها قال لي : « يا أنس إن كنت كتمته مداهنة بعد وصيّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فرماك الله ببياض في وجهك ولظى في جوفك وعمى في عينيك » ، فما قمت من مقامي حتّى برصت وعميت ، والآن لا أقدر على صيام في شهر رمضان ولا غيره من الأيّام ؛ لأنّ البرد لا يبقى في جوفي ، ولم يزل أنس على تلك الحالة حتّى مات بالبصرة (١).

[٩] ومنها : ما روي عن عمّار الساباطي قال : قدم أمير المؤمنين عليه‌السلام المدائن فنزل بإيوان كسرى ، وكان معه دلف بن مجير ، فلمّا صلّى قام فقال لدلف : « قم معي » وكان معه جماعة من أهل ساباط ، فما زال يطوف منازل كسرى ويقول لدلف : كان لكسرى في هذا المكان كذا وكذا ، ويقول دلف : هو والله كذلك ، فما زال كذلك حتّى طاف المواضع بجميع من كان عنده ودلف يقول : يا سيّدي ومولاي ، كأنّك وضعت هذه الأشياء في هذه المساكن ، ثمّ نظر عليه‌السلام إلى جمجمة فقال لبعض أصحابه : « خذ هذه الجمجمة » ثمّ جاء عليه‌السلام إلى الإيوان وجلس فيه ودعا بطشت فيه ماء ، فقال للرجل : « دع هذه الجمجمة في الطشت ». ثمّ قال عليه‌السلام : « أقسمت عليك يا جمجمة

__________________

(١) المصدر السابق ٤١ : ٢١٧ ـ ٢٢٠ ، ح ٣١.

٣٧٨

لتخبريني من أنا؟ ومن أنت؟ » فقال الجمجمة بلسان فصيح : أمّا أنت فأمير المؤمنين وسيّد الوصيّين وإمام المتّقين ، وأمّا أنا فعبد الله وابن أمة الله كسرى أنوشيروان. فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : « كيف حالك؟ ».

فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّي كنت ملكا عادلا شفيقا على الرعايا رحيما لا أرضى بظلم ، ولكن كنت على دين المجوس وقد ولد محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله في زمان ملكي فسقط من شرفات قصري ثلاث وعشرون شرفة ليلة ولد ، فهممت أن أؤمن به من كثرة ما سمعت من الزيادة من أنواع شرفه وفضله ومرتبته وعزّه في السماوات والأرض ومن شرف أهل بيته ، ولكنّي تغافلت عن ذلك وتشاغلت منه في الملك ، فيا لها من نعمة ومنزلة ذهبت منّي حيث لم أؤمن ، فأنا محروم من الجنّة بعدم إيماني به ، ولكنّي مع هذا الكفر خلّصني الله تعالى من عذاب النار ببركة عدلي وإنصافي بين الرعيّة ، وأنا في النار والنار محرّمة عليّ ، فوا حسرتاه لو آمنت لكنت معك يا سيّد أهل بيت محمّد ويا أمير أمّته.

قال : فبكى الناس وانصرف القوم الذين كانوا من أهل ساباط إلى أهلهم وأخبروهم بما كان وبما جرى ، فاضطربوا واختلفوا في معنى أمير المؤمنين فقال المخلصون منهم : إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام عبد الله ووليّه ووصيّ رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله . وقال بعضهم : بل هو النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله . وقال بعضهم : بل هو الربّ. الحديث (١).

[١٠] ومنها : ما روي عن معاوية بن عمر قال : دخل أبو بكر على أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال له : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يحدّث إلينا في أمرك شيئا بعد أيّام الولاية في الغدير ، وأنا أشهد أنّك مولاي مقرّ بذلك ، وقد سلّمت عليك على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بإمرة المؤمنين ، وأخبرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّك وصيّه ووارثه وخليفته في أهله ونسائه ...

ولم يخبرنا أنّك خليفته في أمّته من بعده ، ولا جرم لي فيما بيني وبينك ولا ذنب لنا

__________________

(١) المصدر السابق ٤١ : ٢١٣ ـ ٢١٤ ، نقلا عن « الفضائل » لابن شاذان : ٧١ ـ ٧٢.

٣٧٩

فيما بيننا وبين الله تعالى. فقال له عليّ عليه‌السلام : « إن أريتك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى يخبرك بأنّي أولى بالأمر الذي أنت فيه منك ، وأنّك إن لم تعزل نفسك عنه فقد خالفت الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ » فقال : إن أريتنيه حتّى يخبرني ببعض هذا اكتفيت به ، فقال عليه‌السلام : « فتلقّاني إذا صلّيت المغرب حتّى أريكه ».

قال : فرجع إليه بعد المغرب فأخذ بيده فأخرجه إلى مسجد قبا ، فإذا هو برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جالس في القبلة ، فقال : « يا فلان ، وثبت على مولاك عليّ عليه‌السلام وجلست مجلسه ومجلس النبوّة لا يستحقّه غيره ؛ لأنّه وصيي وخليفتي فنبذت أمري وخالفت ما قلته لك وتعرّضت بسخط الله وسخطي ، فانزع هذا السربال الذي تسربلته بغير حقّ ولا أنت من أهله وإلاّ فموعدك النار ».

قال : فخرج مذعورا ليسلّم الأمر إليه وانطلق أمير المؤمنين عليه‌السلام فحدّث سلمان بما كان جرى ، فقال له سلمان : ليبدينّ هذا الحديث لصاحبه وليخبرنّه بالخبر ، فضحك أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : « أما إنّه سيخبره وليمنعه إن همّ بأن يفعل » ، ثمّ قال : « لا والله لا يذكران ذلك أبدا حتّى يموتا » ، قال : فلقي صاحبه فحدّثه بالحديث كلّه فقال له : ما أضعف رأيك وأخور قلبك ، أما تعلم أنّ ذلك من بعض سحر ابن أبي كبشة ، أنسيت سحر بني هاشم؟ فأقم على ما أنت عليه (١).

[١١] ومنها : ما روي عن الباقر عليه‌السلام : « مرض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فدخل عليّ عليه‌السلام المسجد فإذا جماعة من الأنصار ، فقال لهم : « أيسرّكم أن تدخلوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ » قالوا : نعم ، فاستأذن لهم ودخلوا ، فجاء عليّ عليه‌السلام فجلس عند رأس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخرج يده من اللحاف لدفع الحمّى وبيّن صدر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فإذا الحمّى تنقضه نفضا شديدا فقال عليّ عليه‌السلام : أمّ ملدم اخرجي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وانتهرها ، فجلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وليس به بأس فقال : يا بن أبي طالب لقد أعطيت من

__________________

(١) المصدر السابق ٤١ : ٢٢٨ ـ ٢٢٩ نقلا عن « الاختصاص » : ٢٧٢ ـ ٢٧٣.

٣٨٠