البراهين القاطعة - ج ٣

محمّد جعفر الأسترآبادي

البراهين القاطعة - ج ٣

المؤلف:

محمّد جعفر الأسترآبادي


المحقق: مركز العلوم والثقافة الإسلامية
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة بوستان كتاب
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-766-6
ISBN الدورة:
964-371-509-4

الصفحات: ٤٥٦

وأجيب بأنّه لو كان في مثل الأمر الخطير المتعلّق بمصالح الدين والدنيا لعامّة الخلق مثل هذه النصوص الجليّة لتواتر واشتهر فيما بين الصحابة ولم يتوقّعوا في العمل بموقعه ولم يتردّدوا حين اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة لتعيين الإمام تردّدهم حيث قال الأنصار : منّا أمير ومنكم أمير ، ومالت طائفة إلى أبي بكر وطائفة إلى العبّاس وأخرى إلى عليّ ولم يترك عليّ عليه‌السلام محاجّة الأصحاب ومخاصمتهم وادّعاء الأمر له والتمسّك بالنصّ عليه بل قام بأمره وطلب حقّه كما قام به حين أفضت النوبة إليه ، وقاتل حتّى أفنى الخلق الكثير مع أنّ الخطب إذ ذاك أشدّ وفي أوّل الأمر أسهل وعهدهم بالنبيّ أقرب وهمّتهم في تنفيذ الأحكام أرغب ، وكيف يزعم من له أدنى مسكة أنّ أصحاب رسول الله مع أنّهم بذلوا مهجهم وقتلوا أقاربهم وعشائرهم في نصرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإقامة شريعته وانقياد أمره واتّباع طريقته أنّهم خالفوه قبل أن يدفنوه مع وجود هذه النصوص القطعيّة الظاهرة الدالّة على المراد ، بل هاهنا أمارات وروايات ربّما تفيد باجتماعهما القطع بعدم مثل تلك النصوص ، وهي أنّها لم تثبت عمّن يوثق به من الحديث مع شدّة حبّهم لأمير المؤمنين ونقلهم الأحاديث الكثيرة في مناقبه وكمالاته في أمر الدنيا والدين ، ولم ينقل عنه في خطبه ورسائله ومفاخراته ومخاصماته وعند تأخّره عن البيعة إشارة إلى تلك النصوص ، وجعل عمر الخلافة شورى بين ستّة ودخل عليّ في الشورى وقال العبّاس لعليّ عليه‌السلام : امدد يدك أبايعك حتّى يقول الناس : هذا عمّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بايع ابن عمّه فلا يختلف فيك اثنان ، فقال أبو بكر : وددت أنّي سألت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عن هذا الأمر فيمن هو وكنّا لا ننازعه ، وحاجّ عليّ معاوية ببيعة الناس لا بنصّ من النبيّ.

ولقوله تعالى : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) (١) وإنّما جمعت الأوصاف فى عليّ ).

__________________

(١) المائدة (٥) : ٥٥.

٣٢١

بيان ذلك أنّها نزلت باتّفاق المفسّرين في عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام حين أعطى السائل خاتمه وهو راكع في صلاته ، وكلمة « إنّما » للحصر بشهادة النقل والاستعمال ، و « الوليّ » كما جاء بمعنى الناصر فقد جاء بمعنى المتصرّف والأولى والأحقّ بذلك ، كما يقال : أخو المرأة وليّها والسلطان وليّ من لا وليّ له وفلان وليّ الدم. وهذا هو المراد هاهنا ؛ لأنّ الولاية بمعنى النصرة يعمّ جميع المؤمنين لقوله تعالى : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ) (١) ، فلا يصحّ حصرها بالمؤمنين الموصوفين بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة حال الركوع والتصرّف من المؤمنين في أمر الإمامة بكونه هو الإمام ، فتعيّن عليّ لذلك ؛ إذ لم توجد الصفات في غيره.

وأجيب بمنع كون الوليّ بمعنى المتصرّف في أمر الدين والدنيا والأحقّ بذلك على ما هو خاصّة الإمام بل الناصر والمولى والمجيب على ما يناسب ما قبل الآية وهو مثل قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ) (٢) ، وولاية اليهود والنصارى المنهيّ عن اتّخاذها ليست عليل التصرّف والإمامة بل النصرة والمحبّة وما بعدها وهو قوله : ( وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ ) (٣) ؛ فانّ التولّي هاهنا بمعنى المحبّة والنصرة دون الإمامة ، فيجب أن يحمل ما بينهما أيضا على النصرة ليلائم أجزاء الكلام.

على أنّ الحصر إنّما يكون نفيا لما وقع فيه تردّد ونزاع ، ولا خفاء في أنّ ذلك عند نزول الآية لم يكن في إمامة الأئمّة الثلاثة.

وأيضا ظاهر الآية ثبوت الدلالة بالفعل في الحال ولا شبهة في أنّ إمامة عليّ عليه‌السلام إنّما كانت بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والقول بأنّه كانت له ولاية التصرّف في أمر المسلمين في

__________________

(١) التوبة (٩) : ٧١.

(٢) المائدة (٥) : ٥١.

(٣) المائدة (٥) : ٥٦.

٣٢٢

حياة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أيضا مكابرة. وصرف الآية إلى ما يكون في المآل دون الحال لا يستقيم في حقّ الله سبحانه ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وأيضا و ( الَّذِينَ آمَنُوا ) صيغة جمع فلا يصرف إلى الواحد إلاّ بدليل. وقول المفسّرين : إنّ الآية نزلت في حقّ عليّ عليه‌السلام لا يقتضي اختصاصها به واقتصارها عليه.

ودعوى انحصار الأوصاف فيه مبنيّة على جعل ( وَهُمْ راكِعُونَ ) حالا من ضمير ( يُؤْتُونَ ) وليس بلازم ، بل يحتمل العطف بمعنى أنّهم يركعون في صلاتهم لا كصلاة اليهود خالية عن الركوع أو بمعنى أنّهم خاضعون.

( ولحديث الغدير المتواتر )

بيانه : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قد جمع الناس يوم غدير خمّ ـ موضع بين مكّة والمدينة بالجحفة ـ وذلك بعد رجوعه عن حجّة الوداع وجمع الرحال وصعد عليها وقال مخاطبا : يا معاشر المسلمين ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا : بلى ، قال : « فمن كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله » (١). وهذا الحديث أورده عليّ يوم الشورى عند ما حاول ذكر فضائله ولفظ « المولى » قد يراد به المعتق ، والمعتق ، والحليف ، والجار ، وابن العمّ ، والناصر ، والأولى بالتصرّف قال الله تعالى : ( وَمَأْواكُمُ النَّارُ ) (٢) هي تولاّكم هي أولى بكم ، ذكره أبو عبيدة.

وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أيّما امرأة نكحت بغير إذن مولاها » (٣) ـ أي الأولى بها في التصرّف والمالك لتدبير أمرها ـ ومثله في الشعر كثير.

وبالجملة ، استعمال المولى بمعنى المتولّي والمالك للأمر والأولى بالتصرّف شائع

__________________

(١) « الطرائف » ١ : ١٤٤ ـ ١٥٣ ، ح ٢١٨ ـ ٢٣٩ ؛ « نهج الحقّ وكشف الصدق » : ١٩٢ ؛ « مناقب آل أبي طالب » ٣ : ٢٩ و ٣٦ ـ ٣٧ و ٤٥ ؛ « المناقب » لابن المغازلي : ٦٧ ـ ٧٨ ، ح ٢٤ و ٣٩.

(٢) العنكبوت (٢٩) : ٢٥ ؛ الجاثية (٤٥) : ٣٤ ؛ الحديد (٥٧) : ١٥.

(٣) « مسند أحمد » ٩ : ٣٣٥ ، الرقم ٢٤٤٢٦ ؛ « مجمع الزوائد » ٤ : ٥٢٥ ، الرقم ٧٥١٣ ؛ « النهاية في غريب الحديث » ٥ : ٢٢٩ ؛ « سنن الدارمي » ٢ : ١٣٧ ؛ « فتح الباري » ٩ : ٢٣٩ باب ٤١ ... ح ٥١٣٥.

٣٢٣

في كلام العرب منقول عن أئمّة اللغة. والمراد أنّه اسم لهذا المعنى لا صفة بمنزلة الأولى لتعرض بأنّه ليس من صفة اسم التفضيل وأنّه لا يستعمل استعماله ، وينبغي أن يكون المراد به في الحديث هو هذا المعنى ليوافق صدر الحديث أعني قوله : « ألست أولى بكم من أنفسكم » ، ولأنّه لا وجه للخمسة الأوّل وهو ظاهر ولا للسادس ؛ لظهوره وعدم احتياجه إلى بيان وجمع الناس لأجله سيّما وقد قال الله تعالى : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ) (١) ، ولا خفاء في أنّ الأولويّة بالناس والتولّي والمالكيّة لتدبير أمرهم والتصرّف فيهم بمنزلة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله هو معنى الإمامة.

وأجيب بأنّه غير متواتر بل هو خبر واحد في مقابل الإجماع ، كيف؟ وقد قدح في صحّته كثير من أهل الحديث ولم يفعله المحقّقون منهم كالبخاري ومسلم والواقدي وأكثر من رواه لم ترو المقدّمة التي جعل دليلا على المراد بالوليّ الأوّل بالتصرّف وبعد صحّة الرواية فمؤخّر الخبر أعني قوله : « اللهمّ وال من والاه » يشعر بأنّ المراد بالمولى هو الناصر والمجيب بل مجرّد احتمال ذلك كاف في دفع الاستدلال.

وما ذكر من أنّ ذلك معلوم ظاهر من قوله تعالى : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ) ، لا يدفع الاحتمالات ؛ لجواز أن يكون الغرض التنصيص على موالاته ونصرته ؛ ليكون أبعد من التخصيص الذي تحتمله أكثر العمومات ، وليكون أوفى بإفادة الشرف وحيث قرن أكثر موالاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ولو سلّم أنّ المراد بالمولى هو الأولى فأين الدليل؟ على أنّ المراد هو الأولى بالتصرّف والتدبير ، بل يجوز أن يراد الأولى في الاختصاص به والقرب منه كما قال الله تعالى : ( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ ) (٢) وهنا النبيّ وكما يقول التلامذة : نحن أولى بأستاذنا ، والأتباع : نحن

__________________

(١) التوبة (٩) : ٧١.

(٢) آل عمران (٣) : ٦٨.

٣٢٤

أولى بسلطاننا ، ولا يريدون الأولويّة في التدبير والتصرّف ، وحينئذ لا يدلّ الحديث على إمامته.

ولو سلّم معاينة الدلالة على استحقاق الإمامة وثبوتها في المال ، لكن من أين يلزم نفي إمامة الأئمّة الثلاثة قبله؟.

( ولحديث المنزلة المتواتر ) (١)

بيانه : أنّ « المنزلة » اسم جنس أضيف فعمّ ، كما إذا عرّف باللام بدليل صحّة الاستثناء ، وإذا استثنى منها مرتبة النبوّة بقيت عامّة في باقي المنازل التي من جملتها كونها خليفة له ، ومتولّيا في تدبير الأمر ، ومتصرّفا في مصالح العامّة ، ورئيسا مفترض الطاعة لو عاش بعده ؛ إذ لا يليق لمرتبة النبوّة زوال هذه المرتبة الرفيعة الثابتة في حياة موسى عليه‌السلام بوفاته ، وإذ قد صرّح بنفي النبوّة لم يكن ذلك إلاّ بطريق الإمامة.

وأجيب بأنّه غير متواتر بل خبر واحد في مقابلة الإجماع ، وبمنع عموم المنازل ، بل غاية الاسم المفرد المضاف إلى العلم الإطلاق ، وربّما يدّعى كونه معهودا معيّنا كغلام زيد. وليس الاستثناء المذكور إخراجا لبعض أفراد المنزلة بمنزلة قولك : إلاّ النبوّة ، بل منقطع بمعنى لكن ، فلا يدلّ على العموم ، كيف ومن منازله الأخوّة ولم يثبت لعليّ ، اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّها بمنزلة المستثنى لظهور انتفائها.

ولو سلم العموم فليس من منازل هارون الخلافة والتصرّف بطريق النيابة على ما هو مقتضى الإمامة ؛ لأنّه شريك له في النبوّة. قوله : « اخلفني » ليس استخلافا بل مبالغة وتأكيدا في القيام بأمر القوم.

ولو سلّم فلا نسلّم دلالته على بقائها بعد الموت ، وليس بقاؤها بموت المستخلف عزلا ولا نقصا بل ربّما يكون عودا إلى حالة أكمل وهي الاستقلال بالنبوّة والتبليغ

__________________

(١) « الطرائف » ١ : ٥١ ـ ٥٤ ؛ « مناقب آل أبي طالب » ٢ : ٣٣٦ ؛ « المناقب » لابن المغازلي : ٧٩ ، ح ٤٠ ؛ « المناقب » للخوارزمي : ٥٥ ؛ « صحيح البخاري » ٣ : ١٣٥٩ باب ٩ ، الرقم ٣٥٠٣ ؛ « صحيح مسلم » ٤ : ١٨٧٠ ـ ١٨٧١ ، الرقم ٢٤٠٤ باب من فضائل عليّ بن أبي طالب ، ح ٣٠ ـ ٣٢.

٣٢٥

من الله ، فتصرّف هارون ونفاذ أمره لو بقي بعد موسى إنّما يكون لنبوّته وقد انتفت النبوّة في حقّ عليّ فينتفي ما يبتني عليها ويتسبّب عنها ، وبعد اللّتيا واللّتي لا دلالة على نفي إمامة الثلاثة قبل عليّ عليه‌السلام.

( ولاستخلافه على المدينة في غزوة تبوك ) (١) وعدم عزله إلى زمان وفاته ( فتعمّ ) الأزمان والأمور ( للإجماع ) على عدم الفصل ، بل الحاجة إلى الخليفة بعد الوفاة أشدّ منه حال البعثة.

وأجيب بأنّه على تقدير صحّته لا يدلّ على بقاء خلافته بعد وفاته دلالة قطعيّة مع وقوع الإجماع على خلافته.

( ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت أخي ووصيّي وخليفتي من بعدي وقاضي ديني ) (٢) ـ بكسر الدال ـ.

وأجيب : بأنّه خبر واحد في مقابلة الإجماع ، ولو صحّ لما خفي على الصحابة والتابعين والمهرة المتعيّن من المحدّثين سيّما على أولاده الطاهرين ، ولو سلّم فغايته إثبات خلافته لا نفي خلافة الآخرين.

( ولأنّه أفضل ) من غيره من الأئمّة ، لما سيأتي ( وإمامة المفضول قبيحة عقلا ).

وأجيب بمنع المقدّمات.

( ولظهور المعجزة ) نفس الكرامة ( على يده كقلع باب خيبر ) (٣) وعجز من إعادته تسعون رجلا من الأقوياء ، ( ومخاطبة الثعبان ) على منبر الكوفة فسئل عنه ، فقال : « إنّه من حكّام الجنّ أشكل عليه مسألة أجبته عنها » (٤).

__________________

(١) انظر التعليقة (١) من الصفحة السابقة.

(٢) « الطرائف » ١ : ١٣٣ ، الرقم ٢١١ ؛ « المناقب » لابن المغازلي : ٢٣٠ ـ ٢٣١ ، ح ٣٠٩ ؛ « عيون أخبار الرضا » ٢ : ٦ باب ٣٠ ، ح ١٣.

(٣) « إعلام الورى » ١ : ٢٠٧ ـ ٢٠٨ ؛ « إرشاد القلوب » : ٢٤٥ ـ ٢٤٦ ؛ « بحار الأنوار » ٤١ : ٢٧٩ ـ ٢٨٣.

(٤) « الكافي » ١ : ٣٩٦ باب أنّ الجنّ يأتيهم ... ح ٦ ؛ « كتاب الفضائل » : ٧١ ؛ « بشارة المصطفى » : ١٦٤ ؛ « الإرشاد » للمفيد ١ : ٣٤٨ ـ ٣٤٩ ؛ « إعلام الورى » ١ : ٣٥١ ـ ٣٥٢.

٣٢٦

( ودفع الصخرة عن القليب ) ، روي أنّه لمّا توجّه إلى صفّين مع أصحابه أصابهم عطش عظيم فأمرهم أن يحفروا بقرب دير ، فوجدوا صخرة عظيمة عجزوا عن نقلها ، فنزل فأقلعها ودحا بها مسافة عظيمة ، فظهر قليب فيه ماء فشربوا عنها ثمّ أعادها ولمّا رأى ذلك صاحب الدير أسلم (١) ، ( ومحاربة الجنّ ) روي أنّ جماعة من الجنّ أرادوا وقوع الضرر ما ليس حين سيره إلى بني المصطلق فحارب عليّ عليه‌السلام معهم وقتل منهم جماعة كثيرة (٢).

( وردّ الشمس (٣) وغير ذلك ) من الوقائع التي نقلت عنه.

( وادّعى الإمامة فيكون صادقا ) يعني أنّه عليه‌السلام ادّعى الإمامة وظهرت على وفق دعواه أمور خارقة للعادة فيكون صادقا في دعواه.

وأجيب : بأنّا لا نسلّم أنّه ادّعى الإمامة قبل أبي بكر. ولو سلّم فلا نسلّم ظهور تلك الأمور في مقام التحدّي.

ثمّ أراد أن يثبت إمامة عليّ عليه‌السلام بأن يبيّن عدم صلوح غيره للإمامة حتّى يثبت إمامته ضرورة ، فذكر أوّلا دلائل عامّة تظهر لهم بأسرهم ، ثمّ ذكر مطاعن واحد واحد.

أمّا الدلائل العامّة

فمنها ما أشار إليه بقوله : ( ولسبق كفر غيره فلا يصلح للإمامة غيره فتعيّن هو ) ؛ وذلك لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله حين بعث لم يكن عليّ بالغا سنّ التكليف ، فلم يكن كافرا بخلاف من عداه من الأئمّة فإنّهم كانوا بالغين فكانوا كافرين ، والكافر ظالم ؛ لقوله

__________________

(١) « إعلام الورى » ١ : ٣٤٦ ـ ٣٤٨ ؛ « الإرشاد » للمفيد ١ : ٣٣٤ ـ ٣٣٧.

(٢) « إعلام الورى » ١ : ٣٥٢ ـ ٣٥٤ ؛ « الإرشاد » للمفيد ١ : ٣٣٩ ـ ٣٤١ ؛ « مناقب آل أبي طالب » ٢ : ١٠٣.

(٣) « الطرائف » ١ : ٨٤ ، الرقم ١١٧ ـ ١١٨ ؛ « الإرشاد » للمفيد ١ : ٣٤٥ ؛ « إعلام الورى » ١ : ٣٥٠ ـ ٣٥١ ؛ « نهج الحقّ وكشف الصدق » : ٢٤٦ ؛ « المناقب » لابن المغازلي : ١٢٦ ـ ١٢٧ ، ح ١٤٠ ـ ١٤١ ؛ « ينابيع المودّة » : ١٦٢ ـ ١٦٤ ، الباب ٤٧ في ردّ الشمس بعد غروبها.

٣٢٧

تعالى : ( وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) (١) والظالم لا يصلح للإمامة ؛ لقوله تعالى : ( لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (٢) في جواب إبراهيم حين طلب الإمامة.

وأجيب : بأنّ غاية الأمر ثبوت التنافي بين الظلم والإمامة لا محذور إذا لم يجتمعا.

ومنها : ما أشار بقوله : ( ولقوله تعالى : ( وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) (٣) ) مضمون الآية الكريمة هو الأمر بمتابعة المعصومين ؛ لأنّ الصادقين هم المعصومون ، وغير عليّ عليه‌السلام من الصحابة ليس بمعصوم بالاتّفاق ، فالمأمور بمتابعته إنّما هو عليّ.

وأجيب بمنع المقدّمات.

ومنها : ما أشار بقوله : ( وقوله تعالى : ( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (٤) أمر بالطاعة المعصومين ؛ لأنّ أولي الأمر لا يكونون إلاّ معصومين ؛ لأنّ تفويض أمور المسلمين إلى غير المعصومين قبيح عقلا ، وغير عليّ عليه‌السلام غير معصوم بالاتّفاق فالأمر بإطاعته لا غير.

وأجيب بمنع المقدّمات.

( ولأنّ الجماعة غير عليّ غير صالح للإمامة لظلمهم بتقدّم كفرهم ) هذا تكرار لما سبق آنفا فكأنّه من طغيان القلم.

وأمّا مطاعن أبي بكر

[١] فمنها : أنّه ( خالف أبو بكر كتاب الله تعالى في منع إرث رسول الله بخبر رواه ) وهو « نحن معاشر الأنبياء لا نورث فما تركناه صدقة » (٥) وتخصيص

__________________

(١) البقرة (٢) : ٢٥٤.

(٢) البقرة (٢) : ١٢٤.

(٣) التوبة (٩) : ١١٩.

(٤) النساء (٤) : ٥٩.

(٥) « صحيح مسلم » ٣ : ١٣٨٠ كتاب الجهاد ، ح ٥٢ ؛ « صحيح البخاري » ٣ : ١١٢٦ أبواب الخمس ، ح ٢٩٢٦ ؛ « إثبات الهداة » ٤ : ٣٨٤ ـ ٣٨٥ ، الرقم ٢٩٢ ـ ٢٩٣.

٣٢٨

الكتاب إنّما يجوز بالخبر المتواتر دون الآحاد.

وأجيب : بأنّ خبر الواحد وإن كان ظنّيّ المتن فقد يكون قطعيّ الدلالة فيخصّص به عامّ الكتاب ؛ لكونه ظنّيّ الدلالة وإن كان قطعيّ المتن ؛ جمعا بين الدليلين.

وتحقيق ذلك في أصول الفقه. على أنّ الخبر المسموع من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إن لم يكن فوق المتواتر في كونه بمنزلته فيجوز للسامع المجتهد أن يخصّص به عامّ الكتاب.

[٢] ومنها : أنّه ( منع فاطمة عليها‌السلام من فدك ) وهي قرية بخيبر ( مع ادّعاء النحلة لها وشهد بذلك عليّ وأمّ أيمن ) فلم يصدّقهم ( وصدق الأزواج ) أي أزواج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ( في ادّعاء الحجرة لهنّ ) من غير شاهد ، ومثل هذا الجور والميل لا يليق بالإمام ( ولهذا ردّها عمر بن عبد العزيز ) أي فدك إلى أولاد فاطمة.

( وأوصت فاطمة أن لا يصلّي عليها أبو بكر فدفنت ليلا ) (١).

فإنّ هذين الأمرين ـ أي ردّ عمر بن عبد العزيز فدك إلى أولاد فاطمة عليها‌السلام ووصيّتها من حضر أن لا يصلّي عليها أبو بكر ـ يدلاّن على أنّه ظلم فاطمة.

وأجيب : بأنّه لو سلّم صحّة ما ذكره فليس على الحاكم أن يحكم بشهادة رجل وامرأة وإن فرض عصمة المدّعي والشاهد ، وله الحكم لا علمه يقينا وإن لم يشهد به شاهد.

[٣] ومنها : ما أشار إليه بقوله : ( ولقوله : أقيلوني فلست بخيركم وعليّ فيكم ) (٢).

بيان ذلك أنّه إذا كان صادقا في هذا الكلام لم يصلح للإمامة ، وإن كان كاذبا لم يصلح أيضا لاشتراط العصمة في الإمامة.

[٤] ومنها : ما أشار إليه بقوله : ( ولقوله : إنّ له شيطانا يعتريه ) (٣). يعني أنّه قال : إنّ

__________________

(١) راجع « الاحتجاج » ١ : ٢٣٤ ـ ٢٤٢ ؛ « طرائف الحكم » : ٢٤٧ ـ ٢٧٥ ؛ « تفسير القمّي » ٢ : ١٥٥ ـ ١٥٩ ؛ « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد ١٦ : ٢٠٩ ؛ « مسند أحمد » ١ : ٢٥ ، ح ٢٥ ؛ « إثبات الهداة » ٤ : ٣٨٣ ، الرقم ١٥٨.

(٢) « مناقب آل أبي طالب » ٤ : ٣٨٠ ؛ « عيون أخبار الرضا » ٢ : ٢٣١ باب ٥٧ ؛ « الفضائل » : ١٣١ ؛ « الاحتجاج » ١ : ١٩٩ ؛ « مجمع الزوائد » ٥ : ٣٣٤ ، الرقم ٨٩٢٩ ؛ « الصواعق المحرقة » : ١١ ؛ « الإمامة والسياسة » : ١٤.

(٣) « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد ١٧ : ١٥٨ ؛ « تاريخ الطبري » ٣ : ٢٢٤ ؛ « مناقب آل أبي طالب » ٤ : ٣٨٠ ؛ « كنز العمّال » ٥ : ٦٣١ ، الرقم ١٤١١٢.

٣٢٩

لي شيطانا يعتريني ، فإن أصبت أعينوني ، وإن عصيته جنّبوني ، وبيانه كما في المتقدّم من أنّه إن كان صادقا لم يصلح للإمامة ، وإن كان كاذبا لم يصلح أيضا ، لانتفاء العصمة.

وأجيب بأنّه على تقدير صحّته قصد به التواضع وهضم النفس ، وقد ورد في الحديث « أنّ كلّ مولود له شيطان » (١). وقوله : « عصيته » شرطيّة لا يقتضي صدقها وقوع الطرفين.

[٥] ومنها : ما أشار بقوله ( ولقول عمر : كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله المسلمين شرّها ، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه ) (٢) ، يعني أنّها لو كانت فجأة عن خطإ لا عن تدبير وتأمّل.

وأجيب بأنّ المعنى أنّها كانت فجأة وبغتة وقى الله شرّ الخلاف الذي كاد يظهر عندها ، فمن عاد إلى مثل تلك المخالفة الموجبة لتبديل الكلمة ، فكيف يتصوّر منه القدح في إمامة أبي بكر ، مع ما علم من مبالغته في تعظيمه وانعقاد البيعة له ومن صيرورته خليفة باستخلافه؟

[٦] ومنها : أنّه ( شكّ عند موته في استحقاقه للخلافة ) (٣) ؛ حيث قال : وددت أنّي سألت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عن هذا الأمر فيمن هو؟ وكنّا لا ننازع أهله.

وأجيب بمنع صحّة الخبر ، وعلى تقدير صحّته أراد به المبالغة في طلب الحقّ ونفي الاحتمال البعيد.

[٧] ومنها : أنّه ( خالف الرسول في الاستخلاف عندهم ) (٤) والرسول مع أنّه أعرف

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٦٧ : ٤٠ ـ ٤١ ، وفيه : « ما منكم من أحد إلاّ وله شيطان ».

(٢) « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد ٢ : ٢٣ و ٢٦ ؛ « الاحتجاج » ٢ : ٣١٩ ؛ « عيون أخبار الرضا » ٢ : ٢٣١ باب ٥٧ ، ح ١ ؛ « إثبات الهداة » ٤ : ٣٠١ ، الرقم ١٠١.

(٣) « نهج الحقّ وكشف الصدق » : ٢٦٥ ؛ « مروج الذهب » ٢ : ٣٠٨ ـ ٣٠٩ ؛ « تأريخ اليعقوبي » ٢ : ٢٤ ـ ٢٥ ؛ « إثبات الهداة » ٤ : ٣٠١ ، الرقم ١٠٢.

(٤) حيث نصّ على عمر بالخلافة من بعده ، فخالف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ على زعمهم ـ لأنّه كان يزعم أنّه لم يستخلف النبيّ أحدا من بعده ، وهو قد استخلف عمر من بعده وترك الشورى!

٣٣٠

بالمصالح والمفاسد وأوفر شفقة على الأمّة لم يستخلف أحدا.

وأجيب بأنّه لا نسلّم أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله عزل عمر بل نقصد لم يستخلف أحدا بل استخلف إجماعا ، أمّا عند الأشاعرة فأبا بكر ، وأمّا عند الشيعة فعليّا.

[٨] ومنها : أنّه خالف الرسول ( في تولية من عزله ) ؛ فإنّه ولى عمر جميع أمور المسلمين مع أنّ النبيّ عزله مقدّما ولاّه أمر الصدقات.

وأجيب بأنّا لا نسلّم أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله عزل عمر بل أنقض توليته بانقضاء شغله ، كما إذا ولّيت أحدا عملا فأتمّه فلم يبق عاملا ، فإنّه ليس من العزل في شيء.

وأيضا لا نسلّم أنّ مجرّد فعل ما لم يفعله التي مخالفة له وترك لاتّباعه وإنّما المخالفة أو الفعل ما نهى عنه أو ترك ما أمن.

[٩] منها : أنّه خالف الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ( في التخلّف عن جيش أسامة مع علمهم بقصد البعد ) (١) ؛ والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله [ أمر ] أبا بكر وعمر وعثمان في أن ينفّذوا جيش أسامة ، فإنّه قال في مرضه الذي قضى فيه نحبه : « نفّذوا جيش أسامة » وكان الثلاثة في جيشه وفي جملة من يجب عليه النفوذ معه ولم يفعلوا ذلك ، مع أنّهم عرفوا قصد النبيّ ؛ لأنّ غرضه من التنفيذ في المدينة بعد الثلاثة عنها بحيث لا يتواثبوا على الإمامة بعد موت النبيّ ؛ ولهذا جعل الثلاثة في الجيش ولم يجعل عليّا.

وأجيب بمنع صحّة ذلك.

( وولى أسامة عليهم فهو أفضل وعليّ لم يولّ عليه أحد فهو أفضل من أسامة ) يعني في تولية أسامة عليهم دليل على تفضيله عليهم ، فهو ولا شكّ لأحد في أنّ عليّا عليه‌السلام أفضل من أسامة فعليّ أفضل منهم ، فهو المتعيّن للإمامة.

وأجيب بأنّ تولية أسامة عليهم لو ثبت فلعلّه لغرض غير الأفضليّة مثل كونه

__________________

(١) « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد ١ : ١٥٩ ـ ١٦٠ ؛ « الملل والنحل » ١ : ٢٣ ؛ « السيرة الحلبيّة » ٣ : ٢٢٧ ؛ « إثبات الهداة » ٤ : ٣٠٢ ، الرقم ١٠٥ ؛ « الشافي » ٤ : ١٢٤ وما بعدها.

٣٣١

أعلم بقيادة الجيش.

[١٠] ومنها : أنّ أبا بكر ( لم يتولّ عملا في زمانه ) وبعثه النبيّ إلى مكّة ( وأعطاه سورة براءة ) ليقرأ على الناس ( فنزل جبرئيل وأمر بردّه وأخذ السورة منه وأن لا يقرأها إلاّ هو أو واحد من أهله فبعث بها عليّا ) (١) ، وأمره أن يأخذ منه السورة ويقرأها على أهل مكّة.

وأجيب بأنّه لا نسلّم أنّه لم يتولّ عملا في حياة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فإنّه أمّره على الحجيج في سنة تسع من الهجرة ، واستخلفه في الصلاة في مرضه وصلّى عليّ خلفه.

وأيضا لا نسلّم أنّه عزله عن قراءة سورة براءة ، بل المرويّ أنّه ولاّه الحجيج وأردفه بعليّ عليه‌السلام بقراءة سورة براءة وقال : « لا يؤدّي عنّي إلاّ رجل منّي » (٢) ؛ وذلك لأنّ عادة العرب أنّهم إذا أخذوا المواثيق والعهود كان لا يفعل ذلك إلاّ صاحب العهد أو رجل من بني أعمامه ، فجرى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على سابق عهدهم.

[١١] ومنها : أنّه ( لم يكن عارفا بالأحكام حتّى قطع يسار سارق وأحرق بالنار ) فجاءة السلمي ، وقد نهى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عن ذلك وقال : « لا يعذّب بالنار إلاّ ربّ النار » ( ولم يعرف الكلالة ) فإنّه سئل عنها فلم يقل فيها ، ثمّ قال : أقول في الكلالة بذاتي ، فإن أصبت فمن الله ، وإن أخطأت فمن الشيطان.

( ولا ميراث الجدّة ) (٣) سألته جدّة عن ميراثها قال : لا أجد لك شيئا في كتاب الله ولا سنّة نبيّه فأخبره المغيرة ومحمّد بن مسلمة أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أعطاها السدس.

( واضطرب في كثير من أحكام ) ، وكان يستفتي من الصحابة ، وهذا دليل واضح

__________________

(١) راجع « مسند أحمد » ٩ : ١٩ ، الرقم ٢٣٠٥٤ ؛ « الطرائف » ١ : ٥٥ ـ ٥٩ ؛ « الشافي » ٤ : ١٥٢ ؛ « تفسير البرهان » ٢ : ١٠٠ ؛ « مجمع البيان » ٥ : ٨ ـ ٩ ؛ « الكشّاف » ٢ : ٢٣٤ ؛ « تفسير الصافي » ٢ : ٣١٩ ـ ٣٢٠ ؛ « إثبات الهداة » ٤ : ٢٧٧ ، الرقم ٤٢.

(٢) راجع « مسند أحمد » ٩ : ١٩ ، الرقم ٢٣٠٥٤ ؛ « الطرائف » ١ : ٥٥ ـ ٥٩ ؛ « الشافي » ٤ : ١٥٢ ؛ « تفسير البرهان » ٢ : ١٠٠ ؛ « مجمع البيان » ٥ : ٨ ـ ٩ ؛ « الكشّاف » ٢ : ٢٣٤ ؛ « تفسير الصافي » ٢ : ٣١٩ ـ ٣٢٠ ؛ « إثبات الهداة » ٤ : ٢٧٧ ، الرقم ٤٢.

(٣) « إثبات الهداة » ٤ : ٣٠٢ ، الرقم ١٠٦ ؛ « منهاج السنّة النبويّة » لابن تيمية ٣ : ١٩٤ وما بعدها ؛ « الشافي » ٤ : ١٥٧ وما بعدها ؛ « بحار الأنوار » ٣٠ : ٥٠٦ وما بعدها.

٣٣٢

على قصور علمه فلم يصلح للإمامة.

وأجيب عنه بأنّه إن أريد به أنّه ما كان جميع أحكام الشريعة حاضرة عنده على سبيل التفصيل ، فهو مسلّم ، ولكن ليس هذا من خواصّ أبي بكر ، بل جميع الصحابة مشاركون في هذا المعنى ، ولا يقدح في استحقاق الإمامة. وإن أريد به أنّه لم يكن من أهل الاجتهاد في المسائل الشرعيّة والقدرة على معرفتها باستنباطها من مداركها فهو ممنوع.

وقطع يسار السارق لعلّه من غلط الجلاّد ، وأضيف إليه ؛ لأنّ أصل القطع كان بأمره ، ويحتمل أنّه كان كذلك في المرّة الثانية على ما هو رأي أكثر الفقهاء.

وإحراق فجاءة السلمي بالنار من غلطه في اجتهاده فكم مثله في المجتهدين.

وأمّا مسألة الكلالة والجدّة فليس بدعا من المجتهدين ويبحثون عن المدارك في الأحكام ، ويسألون من أحاط بها علما ؛ لهذا رجع عليّ في بيع أمّهات الأولاد إلى قول عمر ، وذلك لا يدلّ على عدم علمه بأحكام الشريعة.

[١٢] ومنها : أنّه ( لم يحدّ خالدا ولا اقتصّ منه ) حيث قتل مالك بن نويرة وهو مسلم ؛ طمعا في التزوّج بامرأته لجمالها ؛ ولذلك تزوّج بها من ليلته وصاحبها ، فأشار إليه عمر بقتله قصاصا ، فقال : لا أغمد سيفا شهره الله على الكفّار ، فأنكر عمر عليه ذلك ، وقال لخالد : لئن ولّيت الأمر لأقيدنّك به (١).

وأجيب عنه بأنّا لا نسلّم أنّه وجب على خالد الحدّ والقصاص فإنّه قد قيل : إنّ خالدا إنّما قتل مالكا ؛ لأنّه تحقّق منه الردّة وتزوّج امرأته في دار الحرب ؛ لأنّه من المسائل المجتهد فيها بين أهل العلم.

وقيل : إنّ خالدا لم يقتل مالكا ، بل قتله بعض أصحابه ؛ لظنّه أنّه ارتدّ وكانت

__________________

(١) « الكامل في التأريخ » ٢ : ٣٥٧ ـ ٣٥٩ ؛ « تأريخ الطبري » ٣ : ٢٧٨ ـ ٢٨٠ ؛ « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد ١ : ١٧٩ ؛ « الشافي » ٤ : ١٦١ ـ ١٦٢.

٣٣٣

زوجته مطلّقة منه وقد انقضت عدّتها ، وإنكار عمر عليه لا يدلّ على قدحه في إمامة أبي بكر ، ولا على قصده إلى القدح فيها ، بل إنّما أنكر كما ينكر بعض المجتهدين.

[١٣] ومنها : أنّه ( دفن في بيت رسول الله وقد نهى الله دخوله في حياته ) (١) بغير إذن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وأجيب عنه بأنّ الحجرة كانت ملكا لعائشة ، وقد دفن فيها بإذنها. والمنع من دخول المؤمنين بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بغير إذنه حال حياته لا يقتضي عدم دفن أبي بكر في بيته إذا كان ملكا لغيره.

[١٤] ومنها : أنّه ( بعث إلى بيت أمير المؤمنين لمّا امتنع من البيعة فأضرم فيه النار وفيه فاطمة وجماعة من بني هاشم ) (٢).

وأجيب عنه بأنّه تأخّر عليّ عليه‌السلام عن بيعة أبي بكر لم يكن عن شقاق ومخالفة ، وإنّما كان لعذر وطروّ أمر ؛ ولهذا اقتدى به وأخذ من إعطائه ، وكان منقادا له في جميع أوامره ونواهيه معتقدا صلاحيّته للإمامة وصحّة بيعته وقال : « خير هذه الأمّة بعد نبيّنا أبو بكر وعمر » (٣).

[١٥] ومنها : أنّه ( ردّ عليه الحسنان لمّا بويع ). روي أنّه : لمّا صعد أبو بكر المنبر بعد البيعة ليخطب الناس جاء الحسن والحسين عليهما‌السلام وقال : « هذا مقام جدّنا ولست أهلا له » (٤).

وأجيب بمنع صحّة الرواية.

[١٦] ومنها : أنّه ( كشف بيت فاطمة عليها‌السلام ) وقال : ليتني تركت بيت فاطمة

__________________

(١) وهو قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ ... ). الأحزاب (٣٣) : ٥٣.

(٢) « تأريخ الطبري » ٣ : ٢٠٢ ؛ « العقد الفريد » ٥ : ١٣ ؛ « الإمامة والسياسة » ١ : ١٢ ؛ « تأريخ اليعقوبي » ٢ : ١١ ؛ « إثبات الهداة » ٢ : ٢٨١ ؛ « الطرائف » ١ : ٢٣٨.

(٣) راجع صفحة ٢٩١ ـ ٢٩٢ ، المتقدّمة.

(٤) ذكره العلاّمة في « كشف المراد » : ٣٧٧ ، وأورده الطبرسي بألفاظ أخرى في « الاحتجاج » ٢ : ٧٧ ـ ١٦١.

٣٣٤

ولم أكشفه (١). وهذا يدلّ على خطإ في ذلك.

وأجيب بأنه لم يثبت.

وأمّا مطاعن عمر

[١] فمنها : أنّه ( أمر عمر برجم امرأة حاملة وأخرى مجنونة فنهاه عليّ عليه‌السلام ) وقال في الأوّل : « إن كان لك عليها سبيل فلا سبيل على حملها » ، وقال في الثاني : « القلم مرفوع عن المجنون » ، فقال : لو لا عليّ لهلك عمر (٢).

وأجيب عنه بأنّه لم يعلم الحمل والجنون. وقوله : « لو لا عليّ لهلك عمر » باعتبار عدم مبالغته في البحث عن حالهما ، يعني لو لم ينبّه عليّ على تلك الحالة ورجمها لكان يناله من الأسف على ترك المبالغة في البحث عن حالهما ما هو أفرع من حالة الهلاك.

[٢] ومنها : أنّه ( تشكّك في موت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ) حتّى قبض فقال : والله ما مات محمّد ، ولا يترك هذا القول حتّى يقطع أيدي رجال وأرجلهم ولم يسكن إلى موت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ( حتّى تلا عليه أبو بكر ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ) (٣) فقال : كأنّي لم أسمع هذه الآية ) (٤).

وأجيب بأنّ قصّته في حال موت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لا تدلّ على جهله بالقرآن ؛ فإنّ تلك الحالة كانت حالة تشويش البال ، واضطراب الحال ، والذهول عن الجليّات ، والغفلة عن الواضحات حتّى أنّه قيل : إنّ بعض الصحابة في تلك الحالة طرأ عليه الجنون ، وبعضهم صار أعمى ، وبعضهم صار أخرس ، وبعضهم هام على وجهه ، وبعضهم صار

__________________

(١) « الإمامة والسياسة » : ١٨ ؛ « إثبات الهداة » ٤ : ٣٥٧ ، الرقم ٢٠٨ ؛ « الخصال » ١ : ١٧١ ـ ١٧٢ باب الثلاثة ، ح ٢٢٨.

(٢) « فتح الباري » ١٢ : ١٤٥ باب ٢٢ ، الرقم ٦٨١٦ ؛ « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد ١٢ : ٢٠٢ ـ ٢٠٣ ؛ « الشافي » ٤ : ١٧٩.

(٣) الزمر (٣٩) : ٣٠.

(٤) « إثبات الهداة » ٤ : ٣٢٤ ـ ٣٢٥ ، الرقم ١٤١ ؛ « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد ١٢ : ١٩٥.

٣٣٥

مقعدا لا يقدر على القيام. وفي قوله : « كأنّي لم أسمع » دلالة على أنّه سمعها وعلمها ولكن ذهل عنها. ويحتمل أنّه فهم من قوله تعالى : ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ) (١) ، وقوله ( لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ) (٢) أنّه يبقى على تمام هذه الأمور ظهورها غاية الظهور.

[٣] ومنها : أنّه ( قال : كلّ الناس أفقه من عمر حتّى المخدّرات في الحجال لمّا امتنع من المغالاة في الصداق ) روي أنّه قال يوما في خطبته : من غالى في صداق ابنته جعلته في بيت المال ، فقالت له امرأة : كيف تمنعنا ما أحلّه الله تعالى في كتابه بقوله : ( وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً ) (٣)؟ فقال هذا القول (٤).

وأجيب بأنّه لم ينه نهي تحريم ، بل إنّما نهاه على معنى أنه وإن كان جائزا شرعا فتركه أولى ؛ نظرا إلى أمر المعاش. وقوله : كلّ الناس أفقه من عمر فعلى طريق التواضع وكسر النفس.

[٤] ومنها : أنّه ( أعطى أزواج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وأفرض ومنع فاطمة وأهل البيت من خمسهم ) (٥).

[٥] ومنها : أنّه ( قضى في الحدّ بمائة قضيّة ) (٦).

[٦] ومنها : أنّه ( فضّل في القسمة ) والعطاء المهاجرين على الأنصار والأنصار على غيرهم ، والعرب على العجم ولم يكن ذلك في زمن النبيّ (٧) صلى‌الله‌عليه‌وآله .

__________________

(١) التوبة (٩) : ٣٣.

(٢) النور (٢٤) : ٥٥.

(٣) النساء (٤) : ٢٠.

(٤) « منهاج السنّة النبويّة » ٣ : ٢٣٢ ؛ « تفسير الدرّ المنثور » ٢ : ٤٦٦.

(٥) « إثبات الهداة » ٤ : ٣٦٤ ، الرقم ٢٣٠ ؛ « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد ١٢ : ٢١٠.

(٦) « الشافي » ٤ : ١٩٣ ؛ « فتح الباري » ١٢ : ٢٣ باب ٩ ؛ « كنز العمّال » ١١ : ٥٨ ، الرقم ٣٠٦١٢ ؛ « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد ١٢ : ٢٤٦ ـ ٢٤٧.

(٧) « الشافي » ٤ : ١٨٥ ـ ١٨٦ ؛ « منار الهدى » : ٤٤١.

٣٣٦

[٧] ومنها : أنّه ( منع متعتين ) ؛ فإنّه صعد على المنبر وقال : يا أيّها الناس ، ثلاث كنّ على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنا أنهى عنهنّ وأحرّمهنّ وأعاقب عليهنّ ، وهي متعة النساء ، ومتعة الحجّ ، وحيّ على خير العمل. (١)

وأجيب عن الوجوه الأربعة بأنّ ذلك ليس ممّا يوجب قدحا فيه ، فإنّ مخالفة المجتهدين لغيره في المسائل الاجتهاديّة ليس ببدع.

[٨] ومنها : أنّه ( حكم في الشورى بضدّ الصواب ) (٢) ؛ فإنّه خالف النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث لم يفوّض تعيين الإمام إلى اختيار الناس ، وخالف أبا بكر ؛ حيث لم ينصّ على إمامة واحد معيّن واختار الشورى وجعل الإمامة في ستّة نفر.

وأجيب بأنّ ذلك ليس من المخالفة في شيء كما مرّ من أنّ تنصيص أبي بكر على واحد معيّن ليس مخالفة للنبيّ.

[٩] ومنها : أنّه ( خرق كتاب فاطمة عليها‌السلام ) (٣) على ما روي من أنّ فاطمة عليها‌السلام لمّا طالت المنازعة بينها وبين أبي بكر ردّ أبو بكر عليها فدك ، وكتب لها بذلك كتابا فخرجت والكتاب في يدها ، فلقيها عمر فسألها عن شأنها فقصّت له قصّتها ، فأخذ منها الكتاب فخرقه ، ودخل على أبي بكر وعابه على ذلك ، واتّفقا على منعها عن فدك.

وأجيب عنه بمنع صحّة هذا الخبر ، كيف؟ ولم يردّه أحد من الثقات.

وأمّا مطاعن عثمان

[١] فمنها : أنّه ( ولى عثمان من ظهر فسقه حتّى أحدثوا في أمر المسلمين ما أحدثوا ) ؛ فإنّه ولى الوليد بن عتبة وظهر منه شرب الخمر ، وصلّى بالناس وهو

__________________

(١) « التفسير الكبير » ٤ : ٤٣ ـ ٤٤ ؛ « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : ٣٧٤ ؛ « مسند أحمد » ٥ : ٧٢ ، الرقم ١٤٤٨٦.

(٢) « الشافي » ٤ : ١٩٩ وما بعدها ؛ « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد ٢ : ٢٥٦.

(٣) « إثبات الهداة » ٤ : ٣٦٥ ، الرقم ٢٣١ ؛ « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد ١٦ : ٢٧٤.

٣٣٧

سكران ، واستعمل سعيد بن العاص على الكوفة وظهر منه ما أخرجه أهل الكوفة عنها ، وولى عبد الله بن أبي شريح مصرا فأساء التدبير فشكاه أهله وتظلّموا منه ، وولى معاوية الشام فظهرت منه الفتن العظيمة (١).

وأجيب عنه بأنّه إنّما ولى من ولاّه لظنّه أنّه أهل الولاية ، ولا اطّلاع له على السرائر ، وإنّما عليه الأخذ بالظاهر والعزل عند تحقق الفسق ومعاوية كان على الشام في زمن عمر أيضا وإنّما ظهر منه الفتن في زمان عليّ عليه‌السلام.

[٢] ومنها : أنّه ( آثر أهله وأقاربه بالأموال ) العظيمة من بيت المال (٢) وفرّقها عليهم مبذّرا في التفريق حتّى نقل أنه دفع إلى أربعة نفر منهم أربعمائة ألف دينار.

وأجيب بأنّها لم تكن من بيت المال بل من خاصّة نفسه ، وتموّله وثروته مشهور ، وإيثار أقاربه بأموال خاصّة مستحسن شرعا وعرفا.

[٣] ومنها : أنّه ( حمى الحمى لنفسه عن المؤمنين ) (٣) وذلك خلاف الشرع ؛ لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله جعل الناس في الماء والكلإ شرعا.

وأجيب بأنّ أخذ الحمى لم يكن لنفسه بل لنعم الصدقة والجزية والضوالّ ، وكان ذلك في زمن الشيخين أيضا إلاّ أنّه زاد في عهد عثمان لازدياد شوكة الإسلام.

[٤] ومنها : أنّه ( أوقع أشياء منكرة في حقّ الصحابة ، فضرب ابن مسعود حتّى مات ، وأحرق مصحفه ، وضرب عمّارا حتّى أصابه فتق ، وضرب أبا ذرّ ونفاه إلى الربذة ) (٤).

__________________

(١) انظر « الإصابة في تمييز الصحابة » ٦ : ٣٢٣ ، الرقم ٩١٤٨ ؛ « الاستيعاب » ٤ : ١٥٥٤ ، الرقم ٢٧٢١ ؛ « الأعلام » للزركلي ٨ : ١٢٢ ؛ « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد ٣ : ١١ ـ ١٢ ؛ « الإمامة والسياسة » : ٣٢ ؛ « الشافي » ٤ : ٢٢٥.

(٢) « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد ١ : ١٩٩.

(٣) المصدر السابق ٣ : ٣٩.

(٤) المصدر السابق ١ : ١٩٩.

٣٣٨

وأجيب بأنّ ضرب ابن مسعود إن صحّ فقد قيل : إنّه لمّا أراد عثمان أن يجمع الناس على مصحف واحد ويرفع الاختلاف بينهم في كتاب الله تعالى طلب مصحفه منه فأبى ذلك مع ما كان فيه من الزيادة والنقصان ، ولم يرض أن يجعل موافقا لما اتّفق عليه أجلّ الصحابة ، فأدّبه عثمان لينقاد ، ولا نسلّم أنّه مات من ذلك.

وضرب عمّار كان لما روي أنّه دخل عليه وأساء الأدب عليه وأغلظ له في القول بما لا يجوز الاجتراء بمثله على الأئمّة ، وللإمام التأديب لمن أساء الأدب عليه وإن أفضى ذلك إلى هلاكه ، ولا إثم عليه ؛ لأنّه وقع عن ضرورة فعل ما هو جائز له. كيف؟ وإنّ ما ذكره لازم على الشيعة حيث قيل : إنّ عليّا عليه‌السلام قتل أكثر الصحابة في حربه ، فإذا جاز القتل لمفسدة جاز التأديب بالطريق الأولى.

وضرب أبا ذرّ ؛ لأنّه قد بلغه أنّه كان في الشام إذا صلّى الجمعة وأخذ الناس في مناقب الشيخين يقول لهم : أرأيتم ما أحدث الناس بعدهما؟ شيّدوا البنيان ، ولبسوا الناعم ، وركبوا الخيل ، وأكلوا الطيّبات. وكاد يفسد بأقواله الأمور ويشوّش الأحوال ، فاستدعاه من الشام فكان إذا رأى عثمان قال : ( يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ) (١) فضربه عثمان بالسوط على ذلك تأديبا له. وللإمام ذلك بالنسبة إلى كلّ من أساء الأدب عليه وإن أفضى ذلك التأديب إلى هلاكه ، ثمّ قال : إمّا أن تكفّ وإمّا أن تخرج إلى حيث شئت ، فخرج إلى الربذة غير منفيّ ومات بها.

[٥] ومنها : أنّه ( أسقط القود عن ابن عمر ) (٢) ومنها أنّه أسقط ( الحدّ عن الوليد مع وجوبهما عليهما ). أمّا وجوب القود على عبد الله بن عمر ؛ لأنّه قتل الهرمزان ملك الهوازن ، وقد أسلم بعد ما أسر في فتح أهواز.

__________________

(١) التوبة (٩) : ٣٥.

(٢) « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد ٣ : ٥٩ ؛ « طبقات ابن سعد » ٥ : ١٦ ؛ « الشافي » ٤ : ٢٣٠ ؛ « أسد الغابة » ٣ : ٣٤٢ ـ ٣٤٣.

٣٣٩

وأمّا وجوب الحدّ على الوليد بن عتبة ؛ فلأنّه شرب الخمر (١).

وأجيب عن الأوّل بأنّه اجتهد ورأى أنّه لا يلزمه حكم هذا القتل ؛ لأنّه وقع قبل عقد الإمامة. وعن الثاني بأنّه أخّر الحدّ ليكون على ثقة من شربه الخمر. وقبل أن يتيقّن قضى نحبه وآل الأمر إلى عليّ عليه‌السلام.

[٦] ومنها : أنّه ( خذلته الصحابة حتّى قتل ، وقال أمير المؤمنين عليّ : « قتله الله » ولم يدفن إلى ثلاث ) (٢) ، يعني أنّ الصحابة خذلوه وكان يمكنهم الدفع عنه ، فلو لا علمهم باستحقاقه لذلك لما ساغ لهم تأخير نصرته سيّما الخذلان.

وقول عليّ عليه‌السلام يشعر بأنّ قتله كان بحقّ. وعدم دفنهم إلى ثلاثة أيّام دليل على شدّة غيظهم عليه ، وما ذلك إلاّ لسلوكه طريقة غير مرضيّة.

وأجيب عنه بأنّ حديث خذلان الصحابة ، وتركهم دفنه من غير عذر لو صحّ لكان قدحا فيهم لا فيه ، ونحن لا نظنّ بالمهاجرين والأنصار عموما ولعليّ عليه‌السلام خصوصا أن يرضوا لقتل مظلوم في دارهم وترك دفن ميّت في جوارهم ، سيّما من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما وعاكفا طول النهار وذاكرا وصائما شرّفه رسول الله بابنتيه وبشّره بالجنّة وأثنى عليه ، وكيف يخذلونه وقد كان من زمرتهم وطول العمر في نصرتهم ، وعلموا سابقته في الإسلام وخاتمته إلى دار السّلام ، لكنّه لم يأذن لهم في المحاربة ولم يرض بما حاولوا من المدافعة تجانبا عن إراقة الدماء ورضى بسابق القضاء ، ومع ذلك لم يدع الحسن والحسين عليهما‌السلام في الدفع عنه مقدورا.

[٧] ومنها : أنه لم يحضر المشاهد الثلاثة ، وإليه أشار بقوله : ( وعابوا عثمان غيبته عن بدر وأحد والبيعة ) (٣) ، أي بيعة الرضوان ، وذلك نقص بيّن في حقّه.

__________________

(١) « الشافي » ٤ : ٢٥٣ ؛ « كشف المراد » : ٣٨٠ ـ ٣٨١.

(٢) « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد ٣ : ٦٢ ـ ٦٣.

(٣) « إثبات الهداة » ٤ : ٣٦٧ ، الرقم ٣٦٧ ؛ « كشف المراد » : ٣٨١.

٣٤٠