البراهين القاطعة - ج ٢

محمّد جعفر الأسترآبادي

البراهين القاطعة - ج ٢

المؤلف:

محمّد جعفر الأسترآبادي


المحقق: مركز العلوم والثقافة الإسلامية
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة بوستان كتاب
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-766-6
ISBN الدورة:
964-371-509-4

الصفحات: ٥٦٨

أوّلا بلا كيف ، ويكون آخرا بلا أين ، وكلّ شيء هالك إلاّ وجهه ، له الخلق والأمر ، تبارك الله ربّ العالمين » (١).

ومنها : ما روي فيه أيضا عن عليّ بن حمزة ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : سمعت هشام بن الحكم يروي عنكم : أنّ الله تعالى جسم صمديّ نوريّ ، معرفته ضرورة يمنّ بها على من يشاء من خلقه ، فقال عليه‌السلام : « سبحان من لا يعلم أحد كيف هو إلاّ هو ، ليس كمثله شيء ، وهو السميع البصير ، لا يحدّ ، ولا يحسّ ولا يجسّ ، ولا يدركه الحواسّ ، ولا يحيط به شيء ، ولا جسم ولا صورة ، ولا تخطيط ولا تحديد » (٢).

ومنها : ما قد روي عن مولانا الصادق عليه‌السلام أنّه قال : « من زعم أنّ لله وجها كالوجوه فقد أشرك ؛ ومن زعم أن لله جوارح كجوارح المخلوقين فهو كافر بالله ، فلا تقبلوا شهادته ولا تأكلوا ذبيحته ، تعالى الله عمّا يصفه المشبّهون بصفة المخلوقين ، فوجه الله أنبياؤه وأولياؤه ، وقوله : ( خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ ) (٣) القدرة كقوله : ( وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ ) (٤) فمن زعم أنّ الله في شيء ، أو على شيء ، أو يحول من شيء إلى شيء ، أو يخلو منه شيء ، أو يشغل به شيء ، فقد وصفه بصفة المخلوقين ، والله خالق كلّ شيء ، لا يقاس بالقياس ، ولا يشبه بالناس ، لا يخلو منه مكان ، قريب في بعده ، بعيد في قربه ، ذلك الله ربّنا لا إله غيره ، فمن أراد الله وأحبّه بهذه الصفة ، فهو من الموحّدين ، ومن أحبّه بغير هذه الصفة ، فالله منه بريء ، ونحن منه

__________________

(١) « الكافي » ١ : ٨٨ ـ ٨٩ باب الكون والمكان ، ح ٣.

(٢) « الكافي » ١ : ١٠٤ باب النهي عن الجسم والصورة ، ح ١ ؛ « التوحيد » : ٩٨ باب أنّه عزّ وجلّ ليس بجسم ولا بصورة ، ح ٤.

(٣) ص (٣٨) : ٧٥ ، وهو قوله تعالى : ( قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ ).

(٤) الأنفال (٨) : ٢٦.

٣٤١

برآء » (١) إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة على التوحيد ونفي الشريك. والله العالم.

تذنيبان :

[ التذنيب ] الأوّل : أنّه ورد في بعض الأخبار المعتبرة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « إذا ظهرت البدع في أمّتي ، فعلى العالم أن يظهر علمه ، وإلاّ فعليه لعنة الله » (٢).

وفي الآخر : « فليظهر العالم علمه ، فمن لم يفعل فعليه لعنة الله » (٣).

وروي أيضا أنّ « من علم علما وكتمه ، ألجمه الله تعالى يوم القيامة بلجام من النار » (٤) فأقول : قد ظهر ممّا ذكرنا أنّ الحقّ تعدّد الوجود ، بمعنى أنّ الوجود على أقسام : منها : الوجود المطلق. ومنها : الوجود المقيّد الممكن. ومنها : الوجود الحقّ الواجبيّ.

وبعبارة أخرى : الوجود وجود عامّ ، ووجود خاصّ واجبيّ ، ووجود خاصّ ممكنيّ ، بالبرهان العقليّ والنقليّ والوجدان والعيان ، بمعنى أنّ الوجود الواجبيّ منشأ للوجود العلميّ الممكنيّ وهو منشأ للوجود العينيّ الممكنيّ الذي هو من آثار الوجود الواجبيّ سواء كان على وجه الإبداع غير المسبوق بالمادّة والمدّة ، كالسماوات ، أو الصنع المسبوق بالمدّة دون المادّة ، كالعناصر ، أو التكوين المسبوق بهما ، كالمواليد المركّبات أو نحو ذلك ، كما يستفاد من النقل ، خلافا لما ذهب إليه جماعة من الصوفيّة (٥) الذين يسمّون أنفسهم بالعرفاء.

__________________

(١) « كفاية الأثر » : ٢٥٥ ـ ٢٥٧.

(٢) « المحاسن » ١ : ٣٦١ باب إظهار الحقّ ، ح ٧٧٦ ؛ « الكافي » ١ : ٥٤ باب البدع والمقاييس ، ح ٢ ؛ « غوالي اللآلئ » ٤ : ٧٠ ، ح ٣٩.

(٣) « المحاسن » ١ : ٣٦١ باب إظهار الحقّ ، ح ٧٧٦ ؛ « الكافي » ١ : ٥٤ باب البدع والمقاييس ، ح ٢ ؛ « غوالي اللآلئ » ٤ : ٧٠ ، ح ٣٩.

(٤) « الأمالي » للطوسيّ : ٣٧٧ ، المجلس ١٣ ، ح ٨٠٨ ؛ « غوالي اللآلئ » ٤ : ٧١ ، ح ٤٠.

(٥) « شرح فصوص الحكم » للقيصريّ ١ : ١٣ ـ ٢٩ ؛ « مصباح الأنس » : ٤٦ ـ ٤٧ ؛ « تمهيد القواعد » : ٢٥ ـ ٣٤ ؛ « الأسفار الأربعة » ١ : ٤٨ ـ ٤٩.

٣٤٢

بيان ذلك : أنّ التحقيق أنّ الصوفيّة على سبع فرق بعدد أبواب جهنّم ؛ فإنّها أيضا سبعة أبواب لكلّ باب منهم جزء مقسوم ، ومن زاد على هذه السبعة فهو من جعل قسم القسم قسما ، وعدّد الشعب من الأقسام ؛ لما لا يخفى.

الفرقة الأولى : من قال بوحدة الوجود والموجود ، بمعنى أنّ جميع ما في الكون هو الوجود الواجبيّ والموجود هو الواجب ، والتكثّر بحسب الشئونات أو الخيالات والتوهّمات كما عن الجامي انّه قال :

كلّ ما في الكون وهم أو خيال

أو عكوس في مرايا أو ظلال (١)

وعن بايزيد البسطاميّ أنّه قال : « ليس في جبّتي إلاّ الله » (٢).

وعن بعض أنّه قال :

در مسجد ودر ميكده هرجا كه مى بينم توئى

غير از تو در كون ومكان ، ديّار كو ديّار كو

وعن صاحب المثنوي أنّه قال :

هر لحظه به شكلى بت عيّار بر آمد

دل برد ونهان شد

هر دم بلباس دگر آن يار بر آمد

گه پير وجوان شد

نى نى كه همان بود كه مى آمد ومى رفت

در صورت ومعنى

تا عاقبت آن شكل عرب وار بر آمد

داراى جهان شد (٣)

__________________

(١) « نقد الفصوص في شرح نقش الفصوص » : ١٨١.

(٢) تقدّم في ص ٢٩١.

(٣) لم نهتد إلى قائله.

٣٤٣

إلى آخر الكلام.

وفي المثنوي :

چون كه بى رنگى أسير رنگ شد

موسيى با موسيى در جنگ شد (١)

ونحو ذلك من الكلمات الظاهرة في وحدة الوجود والموجود ، وكون الممكن من الأمور الاعتباريّة الوهميّة والخياليّة ، ويعبّر عن هذا المذهب بالموج والدريا.

ولا يخفى أنّه موجب لإنكار النبوّة والإمامة والدين والمعاد والثواب والعقاب ؛ لعدم تعقّل تكليف الله نفسه وتعذيبها ونحو ذلك ممّا يتعلّق بالدين ، فهو إنكار للدين ، ومعتقده من أخبث الكافرين.

الفرقة الثانية : من قال بوحدة الوجود وتعدّد الموجود ، ويمثّلون بالفارسيّة بقولهم : « نم ويم » ويقولون :

چه (٢) ممكن گرد إمكان برفشاند

بجز واجب ، ديگر (٣) چيزى نماند (٤)

ويقولون : إنّ أحوال الممكن من تنزّلات وجود الواجب.

ويقولون :

ما ز بالائيم وبالا مى رويم.

ونحو ذلك من الكلمات الدالّة على أنّ صدور المعلول عن العلّة عبارة عن تنزّل العلّة إلى مرتبة وجود المعلول ، وتطوّرها بطور المعلول ، وأنّ الوجود بشرط عدم الماهيّة حقيقة الواجب ، وبشرط التعيّن بالماهيّة حقيقة الممكن.

وهم أيضا كالسابقين من الكافرين ؛ لما لا يخفى على أحد من المؤمنين المتفطّنين.

__________________

(١) « مثنوىّ معنوىّ » : ١٢٦ ، الدفتر الأوّل ، البيت ٢٥٢٥.

(٢) في المصدر : « چو ».

(٣) في المصدر : « دگر ».

(٤) « گلشن راز » ضمن « مجموعة آثار الشيخ محمود الشبستريّ » : ٨٦.

٣٤٤

الفرقة الثالثة : الاتّحاديّة ، وهم من قال بالاتّحاد ، بمعنى أنّ العارف بعد الترقّي بالرياضة وتكميل النفس بها يتّحد مع الواجب ، ويصيران كالشيء الواحد. ويقولون :

گفت بوديم بهم شام وسحر

بهم آميخته چون شير وشكر

وهذا المذهب يستلزم إنكار الضرورة والتجسّم بالجسم كالأجسام ، وهذا كفر بلا كلام.

الفرقة الرابعة : الواصليّة ، وهم من قال بالوصل بالله كالباب والجدران بالترقّي والتكميل كما لا يخفى.

وصاحب هذا المذهب كالسابقين من الكافرين ؛ لما لا يخفى.

الفرقة الخامسة : الحلوليّة ، وهم من قال بحلول الواجب في الممكن العارف بعد التكميل.

وهم كالسابقين من الكافرين ؛ لإنكار ضروري الدين.

الفرقة السادسة : المباحيّة ، وهم من قال بإباحة جميع الأشياء حتّى اللواط والزنا بإطلاق النفس فيما تهويه ليصير الهمّ واحدا.

وهم أيضا منكرون لضروريّ الدين ، فهم أيضا من الكافرين.

الفرقة السابعة : الملامتيّة ، وهم من يقول بجواز تصوير الحلال بصورة الحرام كشرب الخلّ بصورة الخمر ؛ لبلود الناس ، ولئلاّ يحصل العجب والكبر.

وهم أيضا مثل السابقين من جهلة الكافرين ؛ لما لا يخفى. وغيرهم راجعون إليهم.

نعم ، بعضهم كالقائلين بوحدة الوجود من باب الظلّ وذي الظلّ ، أو الشجر والثمر ـ بمعنى أنّ الوجود بمعنى منشأ الأثر من غير أن يكون أثرا واحد ، وهو وجود الواجب ، وما عداه أثر ذلك الوجود ـ من الفاسقين ؛ لعدم إلقائهم عن موضع التهمة الواجب على وجه الإصرار ، وهو فسق بلا إنكار.

ويدلّ على فساد تلك الاعتقادات ـ مضافا إلى ما أشرنا إليه من نحو الضرورة ـ

٣٤٥

بعض الأخبار المعتبرة الدالّة على براءة الأئمّة عليهم‌السلام ممّن قال بها من الصوفيّة كما أفاد بعض الأجلّة (١).

فعن المقدّس الأردبيليّ أنّه أفاد أنّه روي بسند صحيح عن أحمد بن أبي نصر البزنطيّ وإسماعيل بن بزيع ، عن مولانا الرضا عليه‌السلام أنّه قال : « من ذكر عنده الصوفيّة ولم ينكرهم بلسانه وقلبه فليس منّا ، ومن أنكرهم فكأنّما جاهد الكفّار بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله » (٢).

وفي الآخر : أنّه قال رجل من أصحابنا للصادق جعفر بن محمّد عليه‌السلام : وقد ظهر في هذا الزمان قوم يقال لهم : الصوفيّة فما تقول فيهم؟ فقال عليه‌السلام : « إنّهم أعداؤنا ، فمن مال إليهم فهو منهم ويحشر معهم ، وسيكون أقوام يدّعون حبّنا ، ويميلون إليهم ، ويتشبّهون بهم ، ويلقّبون أنفسهم بلقبهم ، ويؤوّلون أقوالهم ، ألا فمن مال إليهم فليس منّا ، وإنّا منهم برآء ، ومن أنكرهم وردّ عليهم ، كان كمن جاهد بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣).

وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « يا أبا ذرّ! يكون في آخر الزمان قوم يلبسون الصوف في صيفهم وشتائهم ، يرون أنّ لهم الفضل بذلك على غيرهم ، أولئك يلعنهم الله وملائكة السماوات والأرض » (٤).

وعن الإمام الحسن العسكريّ عليه‌السلام أنّه خاطب أبا هاشم الجعفريّ ، وقال عليه‌السلام : « يا أبا هاشم ، سيأتي زمان على الناس وجوههم ضاحكة مستبشرة ، وقلوبهم مظلمة منكدرة ، السّنّة فيهم بدعة ، والبدعة فيهم سنّة ، المؤمن بينهم محقّر ، والفاسق بينهم موقّر ، أمراؤهم جاهلون جائرون ، وعلماؤهم في أبواب الظلمة سائرون ، أغنياؤهم

__________________

(١) « حديقة الشيعة » : ٥٦٢ ـ ٥٦٤.

(٢) نفس المصدر.

(٣) نفس المصدر.

(٤) « مكارم الأخلاق » ٢ : ٣٨١ ، الفصل الخامس في وصية الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لأبي ذرّ رضي‌الله‌عنه ، ح ٢٦٦١ ، وعنه في « بحار الأنوار » ٧٤ : ٩١ ، ح ٣.

٣٤٦

يسرقون زاد الفقراء ، أصاغرهم يتقدّمون على الكبراء ، كلّ جاهل عندهم خبير ، وكلّ عيّل عندهم فقير ، لا يميّزون بين المخلص والمرتاب ، ولا يعرفون الظانّ من الذابّ (١) ، علماؤهم شرار خلق الله على وجه الأرض ، ألا إنّهم يميلون إلى الفلسفة والتصوّف ، وأيم الله أنّهم من أهل العدوان والتحرّف ، يبالغون في حبّ مخالفينا ، ويضلّون شيعتنا وموالينا ، فإن نالوا منصبا لم يشبعوا من الرشاء ، وإن خذلوا عبدوا الله على الرياء ، ألا إنّهم قطّاع طريق المؤمنين ، والدعاة إلى نحلة الملحدين ، فمن أدركهم فليحذر ، وليصن نفسه وإيمانه ».

ثمّ قال عليه‌السلام : « يا أبا هاشم! هذا ما حدّثني أبي عن آبائه عليهم‌السلام عن جعفر بن محمّد عليه‌السلام وهو من أسرارنا ، فاكتمه إلاّ عن أهله » (٢).

وعن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب أنّه قال : كنت مع الهادي عليّ بن محمّد عليهما‌السلام في مسجد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأتاه جماعة من أصحابه عليه‌السلام منهم أبو هاشم الجعفريّ ، وكان رجلا بليغا ، وكان له منزلة عظيمة عنده عليه‌السلام ، ثمّ دخل المسجد جماعة من الصوفيّة ، وجلسوا في جانبه مستديرا ، وأخذوا بالتهليل ، فقال عليه‌السلام : « لا تلتفتوا إلى هؤلاء الخدّاعين ؛ فإنّهم خلفاء الشياطين ، ومخرّبو قواعد الدين ، يتزهّدون لإراحة الأجسام ، ويتهجّدون لصيد الأنعام ، يتجوّعون عمرا حتّى يدبّحوا (٣) للإيكاف (٤) حمرا ، لا يهلّلون إلاّ لغرور الناس ، ولا يقلّلون الغذاء إلا لملء العساس (٥) ، واختلاس قلب الدفناس (٦) ، يكلّمون الناس بإملائهم في الحبّ ،

__________________

(١) في هامش « ز » : « الظاهر الصحيح : الضأن من الذئب ».

(٢) « حديقة الشيعة » : ٥٦٢.

(٣) يدبّحوا ـ بالدال المهملة ، والباء الموحّدة ، والحاء المهملة ـ من دبّح تدبيحا بمعنى قتب ظهره وطأطأ رأسه ، كما عن القاموس منه راجع مادّة ( د. ب. ح ) وفيه : « بسط » بدل « قتب ».

(٤) والإيكاف مصدر آكف الحمار أي شدّ عليه الإكاف وهو بالفارسيّة پالان خر. منه رحمه‌الله.

(٥) والعساس ـ بكسر المهملة ـ ككتاب : الأقداح. منه رحمه‌الله. وهو جمع العسّ بمعنى القدح.

(٦) والدفناس : البخيل ، والأحمق الدنيء. منه رحمه‌الله.

٣٤٧

ويطرحونهم باذليلائهم (١) في الجبّ ، أورادهم الرقص والتصدية ، وأذكارهم الترنّم والتغنية ، فلا يتبعهم إلاّ السفهاء ، ولا يعتقدهم إلاّ الحمقاء ، فمن ذهب إلى زيارة أحد منهم حيّا أو ميّتا فكأنّما ذهب إلى زيارة الشيطان وعبدة الأوثان ، ومن أعان أحدا منهم فكأنّما أعان يزيد ومعاوية وأبا سفيان ».

قال رجل من أصحابه عليه‌السلام : وإن كان معترفا بحقوقكم؟ قال : فنظر إليه شبه المغضب ، وقال عليه‌السلام : « صحّ كلامك ، من اعترف بحقوقنا لم يذهب في عقوقنا ، أما تدري أنّهم أخسّ الطوائف الصوفيّة ، والصوفيّة كلّهم مخالفونا ، وطريقتهم مغايرة لطريقتنا ، وإن هم إلاّ نصارى أو مجوس هذه الأمّة ، أولئك الذين يجهدون في إطفاء نور الله ، والله متمّ نوره ولو كره الكافرون » (٢).

وعن الرضا عليه‌السلام أنّه قال : « لا يقول بالتصوّف أحد إلاّ لخدعة ، أو ضلالة ، أو حماقة ؛ وأمّا من سمّى نفسه صوفيّا للتقيّة ، فلا إثم عليه » (٣).

وزيد في الآخر « وعلامته أن يكتفي بالتسمية ، ولا يقول بشيء من عقائدهم الباطلة » (٤).

إلى غير ذلك من الأدلّة الدالّة على فساد تلك العقائد وضلالة أهلها ممّن أشرنا إليهم أو غيرهم ممّن ذكر في حديقة الشيعة (٥).

لا يقال : إنّ المريض الظاهري كما أنّه يحتاج في علاج مرضه إلى الطبيب الظاهر الذي يضع يده الظاهرة على نبضه الظاهر حتّى يعيّن مرضه الظاهر ، ويعالجه بالعلاج الظاهر ، كذلك المريض الباطنيّ يحتاج إلى الطبيب الباطنيّ الذي يضع يده الباطنة

__________________

(١) والاذليلاء : الانطلاق في استخفاء. منه رحمه‌الله. وهو مصدر اذلولى من ذلي.

(٢) حديقة الشيعة : ٦٠٢ نقلا عن ابن حمزة والسيّد مرتضى.

(٣) « حديقة الشيعة » : ٦٠٥.

(٤) نفس المصدر.

(٥) نفس المصدر : ٥٦٢ ـ ٦٠٦.

٣٤٨

على نبضه الباطنيّ حتّى يعيّن مرضه الباطنيّ ، ويعالجه بالعلاج الباطنيّ وهو العارف الإلهيّ ، فأهل العرفان محبوبون غير مبغوضين.

لأنّا نقول : إنّ الله قد بعث الحكيم الإلهي ، المظهر للأوامر والنواهي ، المتمّم لمكارم الأخلاق ، الطبيب لأهل الآفاق ، الرسول على الإطلاق ، فمن أراد السلوك إلى الحقّ ، يتبعه وأوصياءه وأمناءه ، ولكم في رسول الله أسوة حسنة وهم أطبّاء إلهيّون ، وحكماء ربّانيّون إيمانيّون ، وأمّا الذين في قلوبهم زيغ فيتّبعون ما تشابه ، ومرجعهم أهل الضلال والحكماء اليونانيّون. ونعم ما قال :

آنچه مى گويند أصحاب ضلال

تار او وهمست وپود آن خيال

كما لا يخفى ذلك على أهل الإنصاف والعدل.

ويظهر ممّا ذكرنا أيضا ما ذكر في « الأسفار » حيث قال :

« اعلم أنّ مذهب الصوفيّة أنّ ذاته تعالى من حيث وجوده وهويّته مع قطع النظر عن الصفات والتعيّنات والمفهومات ـ حتّى مفهوم الذات والوجود والهويّة ـ مرتبة جمع الجمع ، وباعتبارها مرتبة الجمع ومقام الفرق ؛ إذ في هذه المرتبة تتميّز الصفة عن الذات وتتميّز الصفات بعضها عن بعض ، فيتميّز العلم عن القدرة وهي عن الإرادة ، فتتكثّر الصفات وبتكثّرها تتكثّر الأسماء وتتكثّر مظاهرها ، وإذا نزلت الحقائق من هذا العالم إلى مرتبة الصور النفسانيّة صارت إلى مقام فرق الفرق ، والحقائق المتأصّلة ـ كالإنسان وغيره من الأنواع ـ لكلّ منها أنحاء من الكون ، ودرجات ومقامات في الوجود ، ونشئات في الكمال ، كلّ ما هو أرفع وأشرف كان الوجود فيه أقدم ، ووحدته أقوى وإحاطته بما سواه أكثر ، وجمعيّته أشدّ ، ونوريّته أظهر ، وآثاره أوفر ، حتّى يبلغ إلى مقام يزول عنه النقائص كلّها حتّى الإمكان ، ففي هذا المقام وقع التصالح بين المتفاسدات ، والتعانق بين المتضادّات ، والتأحّد بين الكثرات ، فكانت موجودة بوجود واحد ، معلومة بعلم واحد ، كما عبّر عن هذا المقام لسان الرسول الختمي عليه‌السلام : لي مع الله وقت

٣٤٩

لا يسعني فيه ملك مقرّب ، ولا نبيّ مرسل (١). إنّما قال : وقت ، ولم يقل : مقام ؛ للفرق بين مرتبة الرسالة ومرتبة الولاية ؛ لأنّ دعوى الرسالة لا تلائم دعوى المقام هناك ، وإنّما تلائم دعوى الوقتيّة » (٢).

[ التذنيب ] الثاني : أنّه قد روى في « الكافي » في كتاب التوحيد في باب حدوث العالم وإثبات المحدث عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله ٧ أنّه ٧ قال للزنديق : « ما اسمك؟ » فقال : اسمي عبد الملك. قال : « فما كنيتك؟ » فقال : كنيتي أبو عبد الله.

فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : « فمن هذا الملك الذي أنت عبده؟ أمن ملوك الأرض ، أم من ملوك السماء؟ وأخبرني عن ابنك عبد إله السماء ، أم عبد إله الأرض؟ قل ما شئت تخصم ».

إلى أن قال عليه‌السلام : « أتعلم أنّ للأرض تحتا وفوقا؟ » قال : نعم قال عليه‌السلام : « فدخلت تحتها؟ » قال : لا. قال : « فما يدريك ما تحتها؟ » قال : لا أدري إلاّ أنّي أظنّ أن ليس تحتها شيء ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « فالظنّ عجز لما لا يستيقن » (٣).

ثمّ قال : « أفصعدت السماء؟ » قال : لا. قال : « فتدري ما فيها؟ » قال : لا.

قال عليه‌السلام : « عجبا لك لم تبلغ المشرق ، ولم تبلغ المغرب ، ولم تنزل الأرض ، ولم تصعد السماء ، ولم تجز هناك فتعرف ما خلفهنّ وأنت جاحد بما فيهنّ وهل يجحد العاقل ما لا يعرف؟ ».

__________________

(١) « بحار الأنوار » ١٨ : ٣٦ ، ذيل ح ٦٦ ؛ « كشف الحقائق » : ١٦٦ ؛ « شرح منازل السائرين » لعبد الرزّاق الكاشانيّ : ٣٢٠ ؛ « لطائف الإعلام في إشارات أهل الإلهام » : ١٥٦ ؛ « شرح فصوص الحكم » للقيصريّ ١ : ١٣٥ ؛ « الأسفار الأربعة » ٦ : ٣٦٨ ، ٨ : ٣٤٩ و ٩ : ٨٥.

(٢) « الأسفار الأربعة » ٦ : ٢٨٤ ـ ٢٨٥.

(٣) في « الكافي » : « لما لا تستيقن » وفي « التوحيد » : « ما لم تستيقن ».

٣٥٠

قال الزنديق : ما كلّمني بهذا أحد غيرك ، فقال عليه‌السلام : « فأنت من ذلك في شكّ ، فلعلّه هو ، ولعلّه ليس هو » فقال الزنديق : ولعلّ ذلك ، فقال عليه‌السلام : « أيّها الرجل ليس لمن لا يعلم حجّة على من يعلم ولا حجّة للجاهل ، يا أخا أهل مصر! تفهّم عنّي ؛ فإنّا لا نشكّ في الله أبدا ، أما ترى الشمس والقمر والليل والنهار يلجان فلا يشتبهان ويرجعان ، قد اضطرّا ليس لهما مكان إلاّ مكانهما ، فإن كانا يقدران على أن يذهبا ، فلم يرجعان؟ فإن كانا غير مضطرّين ، فلم لا يصير الليل نهارا والنهار ليلا؟ اضطرّا ـ والله ـ يا أخا أهل مصر! إلى دوامهما ، والذي اضطرّهما أحكم منهما وأكبر » فقال الزنديق : صدقت.

ثمّ قال عليه‌السلام : « يا أخا أهل مصر إنّ الذي تذهبون إليه وتظنّون أنّه الدهر ، إن كان الدهر يذهب بهم لم لا يردّهم؟ وإن كان يردّهم لم لا يذهب بهم؟ القوم مضطرّون يا أخا أهل مصر! لم السماء مرفوعة ، والأرض موضوعة؟ لم لا تسقط السماء على الأرض؟ ولم لا تنحدر الأرض فوق أطباقها ولا يتماسكان ولا يتماسك من عليها؟ » قال الزنديق : أمسكهما الله ربّهما وسيّدهما. قال : فآمن الزنديق على يدي أبي عبد الله (١).

وأيضا فيه في رواية أخرى ، قال الصادق عليه‌السلام لابن أبي العوجاء ، فقال عليه‌السلام : « فإن يكن الأمر على ما يقول هؤلاء ـ وهو على ما يقولون ، يعني أهل الطواف ـ فقد سلموا وعطبتم ، وإن يكن الأمر على ما تقولون ـ وليس كما تقولون ـ فقد استويتم وهم ».

قال ابن أبي العوجاء : فقلت له : يرحمك الله وأيّ شيء تقول؟ وأيّ شيء يقولون؟ ما قولي وقولهم إلاّ واحد.

فقال عليه‌السلام : « وكيف يكون قولك وقولهم واحدا وهم يقولون : إنّ لهم معادا وثوابا

__________________

(١) « الكافي » ١ : ٧٢ ـ ٧٤ باب حدوث العالم ... ح ١ ؛ « التوحيد » : ٢٩٣ ـ ٢٩٥ باب إثبات حدوث العالم ، ح ٤.

٣٥١

وعقابا ، ويدينون بأنّ في السماء إلها ، وأنّها عمران ، وأنتم تزعمون أنّ السماء خراب ليس فيها أحد؟ » قال : فاغتنمتها منه ، فقلت له : ما منعه ـ إن كان الأمر كما يقولون ـ أن يظهر لخلقه ، ويدعوهم إلى عبادته حتّى لا يختلف منهم اثنان؟ ولم احتجب عنهم وأرسل إليهم الرسل؟ ولو باشرهم بنفسه ، لكان أقرب إلى الإيمان به.

قال : فقال لي : « ويلك ، وكيف احتجب عنك من أراك قدرته في نفسك : نشوءك ولم تكن ، وكبرك بعد صغرك ، وقوّتك بعد ضعفك ، وضعفك بعد قوّتك ، وسقمك بعد صحّتك ، وصحّتك بعد سقمك ، ورضاك بعد غضبك ، وغضبك بعد رضاك ، وحزنك بعد فرحك ، وفرحك بعد حزنك ، وحبّك بعد بغضك ، وبغضك بعد حبّك ، وعزمك بعد أناتك ، وأناتك بعد عزمك ، وشهوتك بعد كراهتك ، وكراهتك بعد شهوتك ، ورهبتك بعد رغبتك ، ورغبتك بعد رهبتك ، ورجاءك بعد يأسك ، ويأسك بعد رجائك ، وخاطرك بما لم يكن في وهمك ، وغروب ما أنت معتقده عن ذهنك » ما زال يعدّد عليّ قدرته ـ التي هي في نفسي ، التي لا أدفعها ـ حتّى ظننت أنّه سيظهر فيما بيني وبينه (١).

وأيضا عنه عليه‌السلام في جواب سؤال عبد الله الديصانيّ عن هشام بن الحكم من أنّ الله يقدر أن يدخل الدنيا كلّها البيضة لا يكبر البيضة ولا تصغر الدنيا بعد سؤال هشام عنه عليه‌السلام أنّه عليه‌السلام قال : « يا هشام! كم حواسّك؟ » قال : خمس. قال عليه‌السلام : « أيّها أصغر؟ » قال : الناظر.

قال : « وكم قدر الناظر؟ » قال : مثل العدسة أو أقلّ منه ، فقال عليه‌السلام له : « يا هشام! فانظر أمامك وفوقك ، وأخبرني بما ترى ».

فقال : أرى سماء وأرضا ودورا وقصورا وبراري وجبالا وأنهارا ، فقال له أبو عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : « إنّ الذي يقدر أن يدخل الذي تراه العدسة ، أو أقلّ منها

__________________

(١) « الكافي » ١ : ٧٥ ـ ٧٦ باب حدوث العالم ... ح ٢ ؛ « التوحيد » : ١٢٦ ـ ١٢٧ باب القدرة ، ح ٤.

٣٥٢

قادر على أن يدخل الدنيا كلّها البيضة لا يصغر الدنيا ولا يكبر البيضة » فأكبّ هشام عليه ، وقبّل يديه ورأسه ورجليه ، وقال : حسبي ، فانصرف إلى منزله. وساق الحديث إلى أن قال الديصانيّ : يا جعفر بن محمّد! دلّني على معبودي ولا تسألني عن اسمي ، فقال له عليه‌السلام : « اجلس » وإذا غلام له صغير في كفّه بيضة يلعب بها ، فقال له عليه‌السلام : « ناولني يا غلام البيضة » فناوله إيّاها ، فقال عليه‌السلام : « يا ديصانيّ! هذا حصن مكنون ، له جلد غليظ ، وتحت الجلد الغليظ جلد رقيق ، وتحت الجلد الرقيق ذهبة مائعة وفضّة ذائبة ، فلا الذهبة المائعة تختلط بالفضّة الذائبة ، ولا الفضّة الذائبة تختلط بالذهبة المائعة ، فهي على حالها لم يخرج منه خارج مصلح ، فيخبر عن صلاحها ، ولا دخل فيها مفسد ، فيخبر عن فسادها ، ولا يدرى أللذكر خلقت أم للأنثى تنفلق عن مثل ألوان الطواويس أترى لها مدبّرا؟ » وقال : فأطرق مليّا ، فقال : أشهد أن لا إله إلاّ الله (١). إلى آخره.

وأيضا عن أبي سعيد الزهريّ ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال عليه‌السلام : « كفى لأولي الألباب بخلق الربّ المسخّر ، وملك الربّ القاهر ، وجلال الربّ الظاهر ، ونور الربّ الباهر ، وبرهان الربّ الصادق ، وما أنطق به ألسن العباد ، وما أرسل به الرسل ، وما أنزل على العباد دليلا على الربّ عزّ وجلّ » (٢).

وفي باب إطلاق القول بأنّه شيء عن أبي نجران ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن التوحيد ، فقلت : أتوهّم شيئا؟ فقال : « نعم ، غير معقول ولا محدود ، فما وقع وهمك عليه من شيء فهو خلافه ، لا يشبهه شيء ، ولا تدركه الأوهام ، كيف تدركه الأوهام وهو خلاف ما يعقل وخلاف ما يتصوّر في الأوهام؟! إنّما يتوهّم شيء غير معقول ولا محدود » (٣).

__________________

(١) « الكافي » ١ : ٧٩ ـ ٨٠ باب حدوث العالم ... ح ٤ ؛ « التوحيد » : ١٢٢ ـ ١٢٤ باب القدرة ، ح ١.

(٢) « الكافي » ١ : ٨٢ باب حدوث العالم ... ح ٦.

(٣) « الكافي » ١ : ٨٢ باب إطلاق القول بأنّه شيء ، ح ١ ؛ « التوحيد » : ١٠٦ باب أنّه تبارك وتعالى شيء ، ح ٦.

٣٥٣

[ و ] عن الحسين بن سعيد ، قال : سئل أبو جعفر الثاني عليه‌السلام : يجوز أن يقال لله : إنّه شيء؟ قال : « نعم ، يخرجه من الحدّين : حدّ التعطيل ، وحدّ التشبيه » (١).

وأيضا عن أبي المغراء رفعه عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : قال : « إنّ الله خلو من خلقه ، وخلقه خلو منه ، وكلّ ما وقع عليه اسم شيء ، فهو مخلوق ما خلا الله » (٢).

وفي باب أنّه لا يعرف إلاّ به عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : اعرفوا الله بالله ، والرسول بالرسالة ، وأولي الأمر بالأمر بالمعروف والعدل والإحسان » (٣).

ومعنى قوله عليه‌السلام : « اعرفوا الله بالله » يعني أنّ الله خلق الأشخاص والأنوار والجواهر والأعيان ، فالأعيان : الأبدان ، والجواهر : الأرواح ، وهو جلّ وعزّ لا يشبه جسما ولا روحا ، وليس لأحد في خلق الروح الحسّاس الدرّاك أمر ولا سبب ، هو المتفرّد بخلق الأرواح والأجسام ، فإذا نفى عنه الشبهين : شبه الأبدان ، وشبه الأرواح ، فقد عرف الله بالله ، وإذا شبّهه بالروح أو البدن أو النور ، فلم يعرف الله بالله (٤).

[ و ] عن عليّ بن عقبة بن قيس بن سمعان بن أبي ربيحة مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : سئل أمير المؤمنين عليه‌السلام : بم عرفت ربّك؟ قال : « بما عرّفني نفسه ».

قيل : وكيف عرّفك نفسه؟

قال : « لا يشبهه صورة ، ولا يحسّ بالحواسّ ، ولا يقاس بالناس ، قريب في بعده ، بعيد في قربه ، فوق كلّ شيء ، ولا يقال : شيء فوقه ، أمام كلّ شيء ، ولا يقال : له أمام ، داخل في الأشياء لا كشيء داخل في شيء ، وخارج من الأشياء لا كشيء خارج

__________________

(١) « الكافي » ١ : ٨٢ ، ح ٢ ؛ « التوحيد » : ١٠٧ ، ح ٧.

(٢) « الكافي » ١ : ٨٢ ، ح ٣ ؛ « التوحيد » : ١٠٦ ، ح ٥.

(٣) « الكافي » ١ : ٨٥ باب أنّه لا يعرف إلاّ به ، ح ١ ؛ « التوحيد » ، ٢٨٦ باب أنّه عزّ وجلّ لا يعرف إلاّ به ، ح ٣.

(٤) من قوله : « معنى قوله ... » إلى هنا كلام الكلينيّ رحمه‌الله.

٣٥٤

من شيء ، سبحان من هو هكذا ولا هكذا غيره ، ولكلّ شيء مبتدأ » (١).

وأيضا عن إبراهيم بن عمر ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « إنّ أمر الله كلّه عجيب إلاّ أنّه قد احتجّ عليكم بما عرّفكم من نفسه » (٢).

وفي باب المعبود : عن غير واحد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « من عبد الله بالتوهّم ، فقد كفر ؛ ومن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ؛ ومن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك ؛ ومن عبد المعنى بإيقاع الأسماء عليه بصفاته التي وصف بها نفسه فعقد عليه قلبه ونطق به لسانه في سرّه وعلانيته ، فأولئك أصحاب أمير المؤمنين حقّا » (٣). وفي حديث آخر « هم المؤمنون حقّا » (٤).

وأيضا : عن هشام بن الحكم أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن أسماء الله واشتقاقها : الله ممّا هو مشتقّ؟ قال : فقال لي : « يا هشام الله مشتقّ من أله ، والإله يقتضي مألوها ، والاسم غير المسمّى ، فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئا ؛ ومن عبد الاسم والمعنى فقد كفر وعبد اثنين ؛ ومن عبد المعنى دون الاسم ، فذاك التوحيد ؛ أفهمت يا هشام!؟ ».

قال : فقلت : زدني.

فقال : « إنّ لله تسعة وتسعين اسما ، فلو كان الاسم هو المسمّى ، لكان لكلّ اسم منها إلها ، ولكنّ الله معنى يدلّ عليه بهذه الأسماء وكلّها غيره ، يا هشام! الخبز اسم للمأكول ، والماء اسم للمشروب ، والثوب اسم للملبوس ، والنار اسم للمحرق ، أفهمت يا هشام! فهما تدفع به وتناظر به أعداءنا والملحدين مع الله جلّ وعزّ غيره؟ ».

قلت : نعم قال : فقال : « نفعك الله به وثبّتك يا هشام! » فقال هشام : فو الله ما قهرني

__________________

(١) « الكافي » ١ : ٨٥ ـ ٨٦ باب أنّه لا يعرف إلاّ به ، ح ٢.

(٢) نفس المصدر : ٨٦ باب أدنى المعرفة ، ح ٣.

(٣) نفس المصدر : ٨٧ باب المعبود ، ح ١.

(٤) نفس المصدر.

٣٥٥

أحد في التوحيد حتّى قمت مقامي هذا (١) :

وفي باب الكون والمكان : عن أبي بصير ، قال : جاء رجل إلى أبي جعفر عليه‌السلام ، فقال له : أخبرني عن ربّك متى كان؟ فقال : « ويلك ؛ إنّما يقال لشيء لم يكن : متى كان ، إنّ ربّي ـ تبارك وتعالى ـ كان ولم يزل حيّا بلا كيف ، ولم يكن له « كان » ولا كان لكونه « كون » كيف؟ (٢) ولا كان له أين ، ولا كان في شيء ، ولا كان على شيء ، ولا ابتدع لمكانه مكانا ، ولا قوي بعد ما كوّن الأشياء ، ولا كان ضعيفا قبل أن يكوّن شيئا ، ولا كان مستوحشا قبل أن يبتدع شيئا ، ولا يشبه شيئا مذكورا ، ولا كان خلوا من الملك قبل إنشائه ، ولا يكون منه خلوا بعد ذهابه ، لم يزل حيّا بلا حياة ، وملكا قادرا قبل أن ينشئ شيئا ، وملكا جبّارا بعد إنشائه للكون ، فليس لكونه كيف ، ولا له أين ، ولا له حدّ ، ولا يعرف بشيء يشبهه ، ولا يهرم لطول البقاء ، ولا يصعق لشيء ، بل لخوفه تصعق الأشياء كلّها ، كان حيّا بلا حياة حادثة ، ولا كون موصوف ، ولا حدّ محدود ، ولا أين موقوف عليه ، ولا مكان جاور شيئا ، بل حيّ يعرف ، وملك لم يزل له القدرة والملك ، أنشأ ما شاء حين شاء بمشيئته ، لا يحدّ ، ولا يبعّض ، ولا يفنى ، كان أوّلا بلا كيف ، ويكون آخرا بلا أين ، وكلّ شيء هالك إلاّ وجهه ، له الخلق والأمر تبارك الله ربّ العالمين » (٣).

وعن الرضا عليه‌السلام أنّه عليه‌السلام قال ـ بعد سؤال رجل من ما وراء نهر بلخ : أخبرني عن ربّك متى كان؟ وكيف كان؟ وعلى أيّ شيء كان اعتماده؟ ـ : « إنّ الله تبارك وتعالى أيّن الأين بلا أين ، وكيّف الكيف بلا كيف ، وكان اعتماده على قدرته » (٤).

__________________

(١) « الكافي » ١ : ١١٤ باب معاني الأسماء ، ح ٢ ؛ « التوحيد » : ٢٢٠ ـ ٢٢١ باب أسماء الله تعالى ، ح ١٣.

(٢) في « التوحيد » : « ولا كان لكونه كيف ».

(٣) « الكافي » ١ : ٨٨ ـ ٨٩ باب الكون والمكان ، ح ٣ ؛ « التوحيد » : ١٧٣ ـ ١٧٤ باب نفي المكان والزمان والسكون ... ح ٢.

(٤) « الكافي » ١ : ٨٨ باب الكون والمكان ، ح ٢.

٣٥٦

[ و ] عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « جاء حبر من الأحبار إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال : متى كان ربّك؟ فقال : ثكلتك أمّك ، متى لم يكن حتّى يقال : متى كان ، كان ربّي قبل القبل بلا قبل ، وبعد البعد بلا بعد ، ولا غاية ولا منتهى لغايته ، انقطعت الغايات عنده ، فهو منتهى كلّ غاية » (١).

وفي باب النسبة عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إنّ اليهود سألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالوا : انسب لنا ربّك ، فلبث ثلاثا لا يجيبهم ، ثمّ نزلت ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) » (٢).

[ و ] عن عاصم بن حميد ، قال : قال : سئل عليّ بن الحسين عليه‌السلام عن التوحيد ، فقال : « إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ علم أنّه يكون في آخر الزمان أقوام متعمّقون ، فأنزل الله تعالى ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) والآيات من سورة الحديد ـ إلى أن قال ـ فمن رام وراء ذلك ، فقد هلك » (٣).

وفي باب النهي عن الكلام في الكيفيّة : عن أبي بصير ، قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : « تكلّموا في خلق الله ، ولا تتكلّموا في الله ؛ فإنّ الكلام في الله لا يزداد صاحبه إلاّ تحيّرا » (٤).

وفي رواية أخرى : عن حريز : « تكلّموا في كلّ شيء ، ولا تتكلّموا في ذات الله » (٥).

[ و ] عن أبي عبيدة الحذّاء ، قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : « يا زياد! إيّاك والخصومات ؛ فإنّها تورث الشكّ ، وتحبط العمل ، وتردي صاحبها ، وعسى أن يتكلّم بالشيء

__________________

(١) « الكافي » ١ : ٨٩ ـ ٩٠ باب الكون والمكان.

(٢) نفس المصدر : ٩١ باب النسبة ، ح ١.

(٣) « الكافي » ١ : ٩١ باب النسبة ، ح ٣ ؛ « التوحيد » : ٢٨٣ ـ ٢٨٤ باب أدنى ما يجزي من معرفة التوحيد ، ح ٢.

(٤) « الكافي » ١ : ٩٢ باب النسبة ، ح ١ ؛ « التوحيد » : ٤٥٤ باب النهي عن الكلام والجدال ... ح ١.

(٥) « الكافي » ١ : ٩٢ باب النهي عن الكلام ، ح ١.

٣٥٧

فلا يغفر له ؛ إنّه كان فيما مضى قوم تركوا علم ما وكّلوا به ، فطلبوا علم ما كفوه حتّى انتهى كلامهم إلى الله ، فتحيّروا حتّى أن كان الرجل ليدعى من بين يديه ، فيجيب من خلفه ، ويدعى من خلفه ، فيجيب من بين يديه » (١).

وفي رواية أخرى : « حتّى تا هوا في الأرض » (٢).

[ و ] محمّد بن أبي عبد الله رفعه ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « يا بن آدم لو أكل قلبك طائر لم يشبعه ، وبصرك لو وضع عليه خرق إبرة لغطّاه ، تريد أن تعرف بهما ملكوت السماوات والأرض ، إن كنت صادقا فهذه الشمس خلق من خلق الله ، فإن قدرت أن تملأ عينيك منها فهو كما تقول » (٣).

وفي باب إبطال الرؤية : عن صفوان بن يحيى ، قال : سألني أبو قرّة المحدّث أن أدخله على أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، فاستأذنته في ذلك ، فأذن لي ، فدخل عليه ، فسأله عن الحلال والحرام والأحكام حتّى بلغ سؤاله إلى التوحيد ، فقال أبو قرّة : إنّا روّينا أنّ الله قسم الرؤية والكلام بين نبيّين ، فقسم الكلام لموسى ، ولمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله الرؤية ، فقال أبو الحسن عليه‌السلام : « فمن المبلّغ عن الله إلى الثقلين من الجنّ والإنس؟ لا تدركه الأبصار ، ولا يحيطون به علما ، وليس كمثله شيء ، أليس محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : بلى؟ قال : كيف يجيء رجل إلى الخلق جميعا ، فيخبرهم أنّه جاء من عند الله ، وأنّه يدعوهم إلى الله بأمر الله ، فيقول : ( لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ ) (٤) و ( لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً ) (٥) و ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) (٦) ثمّ يقول : أنا رأيته بعيني وأحطت به علما وهو على صورة البشر؟!

__________________

(١) نفس المصدر ، ح ٤.

(٢) نفس المصدر.

(٣) نفس المصدر : ٩٣ ، ح ٨.

(٤) الأنعام (٦) : ١٠٣.

(٥) طه (٢٠) : ١١٠.

(٦) الشورى (٤٢) : ١١.

٣٥٨

أما تستحيون؟ ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا [ إلاّ ] (١) أن يكون يأتي من عند الله بشيء ، ثمّ يأتي بخلافه من وجه آخر ».

قال أبو قرّة : فإنّه يقول : ( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى ) (٢) فقال أبو الحسن عليه‌السلام : « إنّ بعد هذه الآية ما يدلّ على ما رأى ؛ حيث قال : ( ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى ) (٣) يقول : ما كذب فؤاد محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ما رأت عيناه ، ثمّ أخبر بما رأى ، فقال : ( لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى ) (٤) فآيات الله غير الله وقد قال الله : ( وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً ) فإذا رأته الأبصار فقد أحاط به العلم ووقعت المعرفة » فقال أبو قرّة : فتكذّب بالروايات؟ فقال أبو الحسن عليه‌السلام : « إذا كانت الروايات مخالفة للقرآن كذّبتها. وما أجمع المسلمون عليه أنّه لا يحاط به علما ، ولا تدركه الأبصار ، وليس كمثله شيء » (٥).

[ و ] عن محمّد بن عبيد ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه‌السلام أسأله عن الرؤية وما ترويه العامّة والخاصّة ، وسألته أن يشرح لي ذلك ، فكتب بخطّه : « اتّفق الجميع ـ لا تمانع بينهم ـ أنّ المعرفة من جهة الرؤية ضرورة ، فإذا جاز أن يرى الله بالعين وقعت المعرفة ضرورة ، ثمّ لم تخل تلك المعرفة من أن تكون إيمانا أو ليست بإيمان.

فإن كانت تلك المعرفة من جهة الرؤية إيمانا ، فالمعرفة التي في دار الدنيا من جهة الاكتساب ليست بإيمان ؛ لأنّها جنده ، فلا يكون في الدنيا مؤمن ؛ لأنّهم لم يروا الله عزّ ذكره.

وإن لم تكن تلك المعرفة التي من جهة الرؤية إيمانا ، لم تخل هذه المعرفة التي من جهة الاكتساب أن تزول أو لا تزول في المعاد ، فهذا دليل على أنّ الله ـ عزّ ذكره ـ

__________________

(١) ليست في المصدر.

(٢) النجم (٥٣) : ١٣.

(٣) النجم (٥٣) : ١١.

(٤) النجم (٥٣) : ١٨.

(٥) « الكافي » ١ : ٩٥ ـ ٩٦ باب في إبطال الرؤية ، ح ٢.

٣٥٩

لا يرى بالعين ؛ إذ العين تؤدّي إلى ما وصفناه » (١).

[ و ] عن هشام بن الحكم ، قال : « الأشياء لا تدرك إلاّ بأمرين : بالحواسّ ، والقلب. والحواسّ إدراكها على ثلاثة معان : إدراك بالمداخلة ، وإدراك بالمماسّة ، وإدراك بلا مداخلة ولا مماسّة.

فأمّا الإدراك الذي بالمداخلة ، فالأصوات والمشامّ والطعوم.

وأمّا الإدراك بالمماسّة ، فمعرفة الأشكال من التثليث والتربيع ، ومعرفة الليّن والخشن والحرّ والبرد.

وأمّا الإدراك بلا مماسّة ولا مداخلة ، فالبصر ؛ فإنّه يدرك الأشياء بلا مماسّة ولا مداخلة في حيّز غيره ، ولا في حيّزه.

وإدراك البصر ، له سبيل وسبب ، فسبيله الهواء ، وسببه الضياء ، فإذا كان السبيل متّصلا بينه وبين المرئيّ والسبب قائم ، أدرك ما يلاقي من الأكوان والأشخاص ، فإذا حمل البصر على ما لا سبيل له فيه ، رجع راجعا ، فحكى ما وراءه كالناظر في المرآة لا ينفذ بصره في المرآة ، فإذا لم يكن له سبيل ، رجع راجعا يحكي ما وراءه ، وكذلك الناظر في الماء الصافي يرجع راجعا ، فيحكي ما وراءه ؛ إذ لا سبيل له في إنفاذ بصره.

فأمّا القلب ، فإنّما سلطانه على الهواء ، فهو يدرك جميع ما في الهواء ويتوهّمه ، فإذا حمل القلب على ما ليس في الهواء موجودا ، رجع راجعا ، فحكى ما هو في الهواء ، فلا ينبغي للعاقل أن يحمل قلبه على ما ليس موجودا في الهواء من أمر التوحيد جلّ الله وعزّ ؛ فإنّه إن فعل ذلك ، لم يتوهّم إلاّ ما في الهواء موجود كما قلنا في أمر البصر تعالى الله أن يشبهه خلقه (٢).

__________________

(١) « الكافي » ١ : ٩٦ ـ ٩٧ باب في إبطال الرؤية ، ح ٣ ؛ « التوحيد » : ١٠٩ ـ ١١٠ باب ما جاء في الرؤية ، ح ٨.

(٢) « الكافي » ١ : ٩٩ ـ ١٠٠ باب إبطال الرؤية ، ح ١٢.

٣٦٠