الإمام الحسن السّبط عليه السلام سيرة وتاريخ

السيد سعيد كاظم العذاري

الإمام الحسن السّبط عليه السلام سيرة وتاريخ

المؤلف:

السيد سعيد كاظم العذاري


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-38-6
الصفحات: ١١١
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

جميع مراحل حركته تجاه الأحداث والشخصيّات والوجودات القائمة ، فكانت المصلحة الإسلامية العليا هي الحاكمة على قراراته ومواقفه ، فقد اقتدى بأبيه عليه‌السلام في الصبر الجميل ، وفي مراعاة المصلحة العليا ، فكان لا يتردّد في اتّخاذ أيّ قرار ما دام يصبّ في المصلحة الإسلامية العليا ، وإن كان فيه حيف وظلم له خاصّة.

الإمام الحسن عليه‌السلام في عهد عثمان بن عفّان

اعتراف عثمان بمؤهّلات الإمام الحسن عليه‌السلام :

اعترف عثمان في زمان سلطته بعلم الإمام الحسن عليه‌السلام وحكمته ، فقد ورد عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : « إنّ رجلاً مرّ بعثمان بن عفّان وهو قاعد على باب المسجد فسأله فأمر له بخمسة دراهم ، فقال له الرجل ارشدني ، فقال له عثمان : دونك الفتية الذين ترى وأومأ بيده إلى ناحية من المسجد فيها الحسن والحسين وعبدالله بن جعفر عليهم‌السلام. فمضى الرجل نحوهم حتى سلّم عليهم وسألهم ، فقال له الحسن : يا هذا إنّ المسألة لا تحلّ إلاّ في إحدى ثلاث : دم مفجّع ، أو دين مقرّح ، أو فقر مدقّع ، ففي أيّها تسأل ؟ فقال : في وجه من هذه الثلاث ، فأمر له الحسن عليه‌السلام بخمسين دينارا ، وأمر له الحسين عليه‌السلام بتسعة وأربعين ديناراً ، وأمر له عبدالله ابن جعفر بثمانية وأربعين ديناراً. فانصرف الرجل فمرّ بعثمان ، فقال له : ما صنعت ؟ فقال : مررت بك فسألتك فأمرت لي بما أمرت ، ولم تسألني فيما أسأل ، وإنّ صاحب الوفرة لما سألته قال لي : يا هذا فيما تسأل ، فإنّ المسألة لا تحلّ إلاّ في إحدى ثلاث فأخبرته بالوجه الذي أسأله من الثلاثة ، فأعطاني خمسين ديناراً وأعطاني الثاني تسعة وأربعين ديناراً وأعطاني الثالث ثمانية وأربعين ديناراً ، فقال عثمان : ومن لك بمثل هؤلاء الفتية أولئك فطموا العلم فطماً وحازوا الخير والحكمة » (١).

__________________

(١) بحار الأنوار ٤٣ : ٣٣٢ / ٤ ، تاريخ الإمام الزكي الحسن المجتبى باب مكارم أخلاقه.

٤١

تحدّي الإمام الحسن عليه‌السلام عثمانَ في توديع أبي ذر :

كان أبو ذر الغفاري رضي‌الله‌عنه من جملة الصحابة الذين نقموا على عثمان بن عفان موبقاته الكثيرة التي حصلت في زمان سلطته ، ولهذا نفاه عثمانُ إلى الشام (١). ولمّا وصل إلى الشام عارض سياسة معاوية ، وكان يقول : « والله لقد حدثت أعمال ما أعرفها ، والله ما هي في كتاب الله ولا سنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والله إنّي لأرى حقّاً يطفأ وباطلاً يحيا ، وصادقاً مكذَّباً ، وأثرةً بغير تقى ، وصالحا مستأثراً عليه » (٢). وكتب معاوية إلى عثمان : « إنّك قد أفسدت الشام على نفسك بأبي ذر ». فكتب إليه : « أن احمله على قتب بغير وطاء » ، فقدم به إلى المدينة وقد ذهب لحم فخذيه ، ولم يقم في المدينة إلاّ أيّاماً حتى أرسل إليه عثمان : « والله لتخرجنّ منها » ، قال أبو ذر :  « أتخرجني من حرم رسول الله ؟ » ، قال : « نعم ، وأنفك راغم ». فنفاه إلى الربذة ولم يستجب إلى طلبه في نفيه إلى مكة أو البصرة أو الكوفة وقال له : « إلى الربذة التي خرجت منها حتى تموت بها » (٣). ولمّا أُخرج أبو ذر إلى الربذة أمر عثمان فنودي في الناس إلاّ يكلّم أحد أبا ذر ولا يشيّعه ، فتحاماه الناس سوى أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام وعقيل أخيه والحسنين عليهما‌السلام وعمّار ، فخرجوا يشيّعونه ، فجعل الحسن عليه‌السلام يكلّم أبا ذر ، فقال له مروان ( الخبيث ) : إيها يا حسن ! ألا تعلم أنّ عثمانَ قد نهى عن كلام هذا الرجل ! فإن كنت لا تعلم فاعلم ذلك (٤) ولكن الإمام الحسن عليه‌السلام لم يعر لمروان الخبيث اهتماماً.

وفي وداعه قال له الإمام علي عليه‌السلام : « يا أبا ذر إنّك غضبت لله فارج من غضبت له ، إنّ القوم خافوك على دنياهم وخفتهم على دينك ، فاترك في أيديهم ما

__________________

(١) شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد ٨ : ٢٥٦.

(٢) شرح نهج البلاغة ٨ : ٢٥٦.

(٣) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٧٢.

(٤) شرح نهج البلاغة ٨ : ٢٥٣.

٤٢

خافوك عليه ؛ واهرب منهم بما خفتهم عليه ، فما أحوجهم إلى ما منعتهم ، وما أغناك عمّا منعوك ». وتكلّم عقيل ثمّ تكلّم الحسن عليه‌السلام ، فقال : « يا عمّاه ؛ لولا أنّه لا ينبغي للمودّع أن يسكت ، وللمشيّع أن ينصرف ، لقصر الكلام وإن طال الأسف ؛ وقد أتى القوم إليك ما ترى ؛ فضع عنك الدنيا بتذكّر فراغها ، وشدّة ما اشتدّ منها برجاء ما بعدها ، واصبر حتى تلقى نبيّك صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو عنك راضٍ » (١).

وفي هذا الحديث الموجز عبّر الإمام الحسن عليه‌السلام عن عدّة مفاهيم وقيم عقائدية واجتماعية وسياسية ، فقد أكّد على التوجّه إلى الآخرة وتذكّرها ، وحديثه دعوى للمعارضين الذين يجدون السبل قد انقطعت بهم فلا مجال للاستمرار بالمعارضة مع الإجراءات القاسية التي تبعد الإنسان عن ساحة المواجهة ؛ فهو دعوة إلى استشعار ضيق الدنيا والتعالي على شدائدها التي لا تتّسع لشيء من أماني النفوس التوّاقة للإصلاح والتغيير. وفي حديثه عليه‌السلام حثٌّ على الصبر وتحمّل الأذى والعذاب ، والغربة والاغتراب والوحدة في سبيل الله ، ولاستشعار التسديد الإلهي للصابرين وتأييده لهم ؛ فلا يدعهم لوحدهم ولا يتركهم لطاقتهم المحدودة إنّما يمدّهم حين تنقطع بهم السبل ، ويجدّد عزيمتهم حين تتوالى عليهم المحن والشدائد. وحديثه عليه‌السلام دعوة إلى المفاضلة الكاملة الشاملة والتميّز الدقيق لمنهجين مختلفين ؛ منهج الحقّ ومنهج الباطل ، وهو إشارة إلى بطلان سياسة الحكومة برئيسها وأجهزتها التنفيذية وابتعادها عن منهج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو تعبير عن رفض للواقع القائم وللحكومة القائمة التي لا تحضى برضا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأنّها مخالفة لمنهجه وسيرته في الحياة الإنسانية.

موقف الإمام الحسن عليه‌السلام من حصار عثمان :

انتهت سياسة عثمان بن عفان إلى خلق جو من المعارضة السياسية

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ٨ : ٢٥٢ ـ ٢٥٣.

٤٣

لسلطته ، قادها عدد جم من الصحابة المهاجرين والأنصار ، وقد حاول الإمام علي عليه‌السلام تهدئة الأمور ما استطاع إلى ذلك سبيلاً فاتخذ عليه‌السلام موقف الوساطة بين عثمان ومعارضيه لكي لا تتأزّم الأوضاع وتنتهي إلى قتله ولكن حصل العكس حيث كان عثمان أُلعوبة بيد مروان كلما أبرم اتفاقاً مع الإمام علي عليه‌السلام بشأن إرجاع الأمور إلى مجاريها نقضه مروان ، حتى انتهى الأمر إلى محاصرة الصحابة لعثمان من كل جانب بعد نقض ما تعهد به ، وحين علم الإمام علي عليه‌السلام بذلك خرج ومعه الحسن والحسين عليهما‌السلام ففرّقوا المعارضين ثمّ دخلوا على عثمان فأعفاهم من الدفاع عنه فخرج الإمام عليه‌السلام وهو يقول : « اللهمّ إنّك تعلم أنّا قد بذلنا المجهود » (١). وفي رواية أرسل الإمام عليه‌السلام الحسن والحسين عليهما‌السلام للدفاع عنه ، فمنعوا المعارضين من الدخول إلى منزله ، وقد أصابت الحسن عليه‌السلام عدّة جراحات في الدفاع عن عثمان (٢). وفي رواية : دعا علي بابنه الحسن ، فقال : « انطلق يا بني إلى عثمان فقل له : يقول لك أبي : أفتحبّ أن أنصرك » فأقبل الحسن إلى عثمان برسالة أبيه ، فقال عثمان : « لا ما أريد ذلك.. ». فسكت الحسن عليه‌السلام وانصرف إلى أبيه فأخبره بذلك (٣). وفي رواية : والتفت عثمان إلى الحسن بن علي ، وهو جالس عنده ، فقال :  « سألتك بالله يا ابن الأخ إلاّ ما خرجت فإنّي أعلم ما في قلب أبيك من الشفقة عليك » ، فخرج الحسن بن علي عليهما‌السلام (٤). وروي أنّه بلغ عليّاً أنّ عثمان يراد قتله ، فقال : « إنّا أردنا مروان ، فأمّا قتل عثمان فلا » ، ثمّ قال للحسن والحسين : « إذهبا بسيفكما حتى تقوما على باب عثمان ، ولا تدعا أحداً يصل إليه ». وبعد حوارات ومساجلات صاخبة بين أتباع عثمان والمعارضين رميت السهام من كلّ جانب ،

__________________

(١) تاريخ الخميس / الدياربكري ٢ : ٢٦٣.

(٢) البداية والنهاية ٧ : ١٨١.

(٣) الفتوح / ابن أعثم ١ : ٤٢١.

(٤) الفتوح ١ : ٤٢٣.

٤٤

وكان الحسن بن علي حاضرا فأصابه سهم ، فخضّبه بالدم. جدير بالذكر ان روايات دفاع الإمام علي عليه‌السلام عن عثمان في تلك الأزمة وانفاذه الحسن والحسين عليهما‌السلام إلى دار عثمان لنصرته لا تعني أبداً الدفاع عن مواقف عثمان وسياساته التي ألّبت الناس عليه من كل حدب وصوب ، بل تعني المنع من انتهاك حريمه وتعمّد قتله ، ومنع حرمه ونسائه من الطعام والشراب ، ولم ينفذهما ليمنعا من مطالبته بالخلع ، وكيف وهو عليه‌السلام مصرّح بأنّه يستحقّ بأحداثه الخلع (١).

الفصل الثالث

الإمام الحسن عليه‌السلام في عهد أمير المؤمنين عليه‌السلام

بعد مقتل عثمان بن عفان بايع طلحة والزبير والمهاجرون والأنصار الإمام عليّاً عليه‌السلام ، فقد قال له طلحة والزبير : « نبايعك يا أمير المؤمنين على أنّ علينا بيعة المهاجرين » ، ثمّ قام أبو الهيثم بن التيّهان وعقبة بن عمرو وأبو أيوب ، فقالوا :  « نبايعك على أنّ علينا بيعة الأنصار وسائر قريش » (٢). وفي بداية عهده وقبل تثبيت أركان الخلافة بدأت المؤامرات تحاك على هذه الدولة المباركة فكانت معركة الجمل ثمّ صفّين ثمّ النهروان.

الإمام الحسن عليه‌السلام في معركة الجمل :

كان الزبير لا يشكّ في ولاية العراق ، وطلحة في اليمن ، فلمّا استبان لهما أنّ علياً غير مولّيهما شيئاً أظهرا الشكاة ، ثمّ أتيا إلى الإمام عليه‌السلام فقالا :  « يا أمير المؤمنين ائذن لنا في العمرة ، فإن تقم إلى انقضائها رجعنا إليك وإن تسر

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ٣ : ٨.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٧٨.

٤٥

نتبعك ». فنظر إليهما علي عليه‌السلام ، وقال : « نعم ، والله ما العمرة تريدان ، وإنّما تريدان أن تمضيا إلى شأنكما » (١) ، وفي رواية أخرى قال لهما أو لبعض أصحابه : « والله ما أرادا العمرة ولكنّهما أرادا الغدرة » ، فلحقا عائشة فحرّضاها على الخروج ، فسارت إلى البصرة ومعها طلحة والزبير في خلق عظيم ، وقدم القوم البصرة ، فقالوا لعثمان بن حنيف عامل علي عليه‌السلام : « لم نأتِ لحرب وإنّما جئنا لصلح » فكتبوا كتابا بينهم وبينه أنّهم لا يحدثون حدثاً إلى قدوم علي عليه‌السلام ، وأنّ كلّ فريق منهم آمن من صاحبه ثمّ افترقوا ، فوضع عثمان السلاح ، فنتفوا لحيته وشاربه وأشفار عينيه وحاجبيه ، وانتهبوا بيت المال وأخذوا ما فيه ، فلمّا أتى عليّاً عليه‌السلام الخبر سار إلى البصرة ، فخرج من المدينة ، ثمّ صار إلى ذي قار ، ووجّه الحسن عليه‌السلام وعمّار بن ياسر إلى الكوفة (٢). ووصل الإمام الحسن عليه‌السلام إلى الكوفة فالتأم حوله الناس زمراً ، وأعلن الإمام الحسن عليه‌السلام عزل أبي موس الأشعري عن منصبه ، وقال له : يا أبا موسى لم تثبط عنّا الناس ، وأقبل يحدّثه برفق ولين قائلاً : « يا أبا موسى ، والله ما أردنا إلاّ الإصلاح ، وليس مثل أمير المؤمنين يخاف على شيء » ، فبهت أبو موسى وضاقت به مكابرته فقال للإمام عليه‌السلام : « صدقت بأبي أنت وأمي ... ولكن المستشار مؤتمن ». ولكنّ أبا موسى بقي مصرّاً على ما هو عليه من تثبيط عزائم الناس وخذلانهم من الخروج مع الإمام عليه‌السلام ، وجعل كلّما سمعه من الحسن عليه‌السلام ومن الخطباء دبر أذنيه حتى أعيى الإمام حسن حلمه فاندفع يصيح به في ثورة وعنف قائلاً له : « اعتزل عملنا أيّها الرجل ، وتنحّ عن منبرنا لا أمّ لك » (٣). وروي أنّ عمار بن ياسر خطب ثمّ نزل ، فصعد الحسن عليه‌السلام على المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه وذكر جدّه فصلى عليه ، وذكر فضل أبيه وسابقته وقرابته من

__________________

(١) الإمامة والسياسة ١ : ٥١ ـ ٥٢.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٨١.

(٣) حياة الإمام الحسن بن علي عليهما‌السلام / باقر شريف القرشي ١ : ٤٣٦ ـ ٤٣٧.

٤٦

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنّه أولى بالأمر من غيره. ثمّ قال : « معاشر الناس إنّ طلحة والزبير بايعا عليّاً طائعين غير مكرهين ، ثمّ نفرا ونكثا بيعتهما له ، فطوبى لمن خفّ في مجاهدة من جاهده ، فإنّ الجهاد معه كالجهاد مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله » (١).

وفي رواية أخرى قال : « أيّها الناس أجيبوا دعوة أميركم وسيروا إلى إخوانكم فإنّه سيوجد لهذا الأمر من ينفر إليه ، ووالله لأن يليه أولوا النهى أمثل في العاجل والآجل وخير في العاقبة ، فأجيبوا دعوتنا وأعينونا على ما ابتلينا به وابتليتم ، وإنّ أمير المؤمنين يقول : ... والله إنّ طلحة والزبير لأوّل من بايعني وأوّل من غدر ، فهل استأثرت بمال أو بدلت حكماً ؟ فانفروا فمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر » ، فسامح الناس وأجابوا ورضوا (٢) فقال للناس : « أيّها الناس إنّي غاد ، فمن شاء منكم أن يخرج معي على الظهر ، ومن شاء فليخرج في الماء ». واستجابت الجماهير لدعوة الإمام ، وعجّت الكوفة بالنفار ونزحت منها آلاف كثيرة ، فريق منها ركب السفن ، وفريق آخر ركب المطي ، وقد بدا عليهم الرضا والقبول وقد ساروا وهم تحت قيادة الإمام الحسن عليه‌السلام (٣). وفي رواية خرج معهم ثمانية آلاف على كلّ صعب وذلول (٤).

خطاب الإمام الحسن عليه‌السلام في معركة الجمل :

فشلت جميع المحاولات لتهدئة الأوضاع وإعادة المتمرّدين إلى الطاعة ، فقد كان عبدالله بن الزبير من أشدّ المحرّضين على إثارة الفتنة وإراقة الدماء ، وقد أفسد جميع الوسائل التي صنعها الإمام عليه‌السلام لتحقيق السلم ، وقد خطب في جموع البصريين ودعاهم إلى الحرب تحت ذريعة الطلب بدم عثمان. فبلغ خطابه أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال للإمام الحسن عليه‌السلام : قم يا بنيّ فاخطب ، فقام خطيباً فحمد الله

__________________

(١) الجمل / الشيخ المفيد : ١٤٢.

(٢) الكامل في التاريخ ٣ : ٢٣١ ـ ٢٣٢.

(٣) حياة الإمام الحسن بن علي عليهما‌السلام ١ : ٤٣٨ ـ ٤٣٩.

(٤) ترجمة الإمام الحسن عليه‌السلام من القسم غير المطبوع من كتاب الطبقات الكبرى : ٥٧.

٤٧

وأثنى عليه وقال : « أيّها الناس قد بلغتنا مقالة ابن الزبير ، وقد كان والله يتجنّى على عثمان الذنوب ، وقد ضيّق عليه البلاد حتى قتل ، وإنّ طلحة راكز رايته على بيت ماله وهو حيّ ، وأمّا قوله إنّ عليّاً ابتزّ الناس أمرهم فإنّ أعظم حجّة لأبيه زعم أنه بايعه بيده ولم يبايعه بقلبه فقد أقرّ بالبيعة وادّعى الوليجة فليأتي على ما ادّعاه ببرهان ، وأنّى له ذلك ، وأمّا تعجّبه من تورد أهل الكوفة على أهل البصرة فما أعجبه من أهل حق توردوا على أهل باطل ، ولعمري والله ليعلمنّ أهل البصرة وميعاد بيننا وبينهم اليوم نحاكمهم إلى الله تعالى فيقضي الله الحقّ وهو خير الفاصلين » (١). وحينما اشتدّ القتال وكثر القتلى من الطرفين ، دعا الإمام علي عليه‌السلام محمد ابن الحنفية فأعطاه رمحه ، وقال له : « اقصد بهذا الرمح قصد الجمل » فذهب فمنعه بنو ضبّة ، فلمّا رجع إلى والده ، انتزع الحسن رمحه من يده ، وقصد الجمل وطعنه برمحه ، ورجع إلى والده وعلى رمحه أثر الدم (٢). وبعد مقتل الجمل الذي عليه عائشة انهزم الناس (٣). فقد كان دور الإمام الحسن عليه‌السلام هو دور المدافع باللسان والسنان معاً ، فقد ردّ على خطاب ابن الزبير ، وحسم المعركة بقتل الجمل.

الإمام الحسن عليه‌السلام في معركة صفّين :

قبل بدء المعركة أدرك معاوية الدور الكبير للإمام الحسن عليه‌السلام لأهليّته للإمامة والخلافة في حال غياب الإمام علي عليه‌السلام ، فأراد أن يمنّيه بالخلافة لعلّه يتراجع عن المعركة أو يخلق الاضطراب في جيش الإمام فبعث عبيدالله بن عمر إلى الحسن عليه‌السلام فقال : « إنّ لي إليك حاجة فالقني » ، فلقيه الحسن فقال له عبيدالله :  « إنّ أباك قد وتر قريشا أوّلاً وآخراً ، وقد شنئوه فهل لك أن تخلفه ونولّيك هذا الأمر ؟ ». قال : « كلاّ والله لا يكون ذلك ، لكأني أنظر إليك مقتولاً في يومك أو

__________________

(١) الجمل / الشيخ المفيد : ١٧٥.

(٢) مناقب آل أبي طالب ٤ : ٢٥.

(٣) الإمامة والسياسة ١ : ٧٧.

٤٨

غدك » (١). وبالفعل تحقّقت نبوءة الإمام الحسن عليه‌السلام وقُتل عبيدالله بن عمر في صفين. وذهب مع من ذهب إلى الجحيم.

ومن خطب الإمام الحسن عليه‌السلام في صفين ، قوله : « الحمد لله لا إله غيره ، وحده لا شريك له ، وأثني عليه بما هو أهله ، إنّ مما عظم الله عليكم من حقّه ، وأسبغ عليكم من نعمه ما لا يحصى ذكره ، ولا يؤدّىٰ شكره ، ولا يبلغه صفة ولا قول ، ونحن إنّما غضبنا لله ولكم ، فإنّه منَّ علينا بما هو أهله أن نشكر فيه آلاءه وبلاءه ونعماءه قولاً يصعد إلى الله فيه الرضا ، وتنتشر فيه عارفة الصدق ، يصدق الله فيه قولنا ، ونستوجب فيه المزيد من ربّنا ، قولاً يزيد ولا يبيد ، فإنّه لم يجتمع قوم على امر واحد إلاّ اشتدّ أمرهم واستحكمت عقدتهم ، فاحتشدوا في قتال عدوّكم : معاوية وجنوده ، فإنّه قد حضر ، ولا تخاذلوا ؛ فإنّ الخذلان يقطع نياط القلوب ، وإنّ الإقدام على الأسنّة نجدة وعصمة ؛ لأنّه لم يمتنع قوم قط إلاّ رفع الله عنهم العلّة ، وكفاهم جوائح الذلّة ، وهداهم إلى معالم الملّة » (٢). ثمّ عبّأ الإمام علي عليه‌السلام جيشه فجعل على ميمنته الحسن والحسين وعبدالله بن جعفر ومسلم بن عقيل (٣). وفي رواية أنّه عليه‌السلام جعل على القلب الحسن عليه‌السلام (٤). وأقبل رجل من أهل الشام يقال له : الزبرقان بن الحكم ، وكان سيّد أهل الشام فطلب البراز ، فخرج إليه الحسن بن علي بن أبي طالب ، فقال له الزبرقان : من أنت ؟ قال الحسن بن علي ، فقال له : انصرف يا بنيّ فوالله لقد نظرت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مقبلاً من ناحية « قبا » يسير على ناقة له وأنّك يومئذ لقدّامه ، فما كنت لألقى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بدمك. فانصرف الزبرقان وهو يقول : إنّي أخاف الله في ابن فاطمة ، وإنّ ذا الكلاع حدّثني أنّه سمع

__________________

(١) وقعة صفين / نصر بن مزاحم : ٢٩٧.

(٢) وقعة صفين : ١١٣ ـ ١١٤.

(٣) مناقب آل أبي طالب ٣ : ١٩٧.

(٤) الإمامة والسياسة ١ : ١٠٤.

٤٩

جهما يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « إنّ حسناً وحسيناً سيّدا شباب أهل الجنّة » (١). وقد كذب الزبرقان في علة انصرافه لأنه لوكان صادقاً لمال إلى الحسن عليه‌السلام ، لا أن يرجع إلى الوغد الباغي معاوية ، الأمر الذي يشير إلى جبنه وخوفه من سيف شبل أمير المؤمنين عليهما‌السلام.

الإمام الحسن عليه‌السلام ومقتل عمّار بن ياسر :

حينما استشهد عمار بن ياسر وقف الإمام الحسن عليه‌السلام واجما مستعبراً عند مصرعه ، وأخذ السبط يتلو على المسلمين ما سمعه من جدّه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في فضله والإشادة بعظيم مكانته في الإسلام ، فقال عليه‌السلام : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لأصحابه :  « ابنوا لي عريشاً كعريش موسى ، وجعل يتناول اللبن من قومه ، وهو يقول : اللهمّ لا خير إلاّ خير الآخرة ، فاغفر للأنصار والمهاجرة. وجعل يتناول اللبن من عمار وهو يقول : « ويحك يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية ». وقال عليه‌السلام : « إنّ جدّي قال : إن الجنّة لتشتاق إلى ثلاثة عليّ وعمّار وسلمان » (٢). والإمام الحسن عليه‌السلام يذكر هذين الحديثين أراد تبيان حقيقة المعركة القائمة بين جيش الإمام علي عليه‌السلام وجيش معاوية ، فقد وجّه أنظار ومسامع الجيشين إلى معرفة الحقّ من الباطل ، فقد أثبت أحقيّة الإمام علي عليه‌السلام ؛ لأنّ أهل الشام كانوا قد سمعوا من عمرو بن العاص يقول :  « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعمّار بن ياسر : تقتلك الفئة الباغية » (٣). فقد ذكرهم الإمام الحسن عليه‌السلام بالحديث الشريف وألقى الحجّة عليهم ، ولكن لا حياة لمن تنادي.

الحرص على سلامة الإمام الحسن عليه‌السلام :

في بعض أيّام صفّين رأى الإمام علي عليه‌السلام ابنه الحسن عليه‌السلام يتسرّع إلى الحرب ، فقال : « املكوا عنّي هذا الغلام لا يهدّني ؛ فإنّي أنفس بهذين ـ يعني

__________________

(١) المعيار والموازنة / الإسكافي : ١٥٠ ـ ١٥١.

(٢) حياة الإمام الحسن بن علي عليهما‌السلام ٢ : ٥٠٦.

(٣) الكامل في التاريخ ٣ : ٣١١.

٥٠

الحسن والحسين عليهما‌السلام ـ على الموت لئلاّ ينقطع بهما نسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله » (١). ويدلّ هذا القول على أنّ الإمام الحسن عليه‌السلام كان يتسابق إلى قتال أهل البغي والعدوان.

الإمام الحسن عليه‌السلام والتحكيم :

لما انصرف الناس إلى الكوفة وعلموا بنتائج التحكيم الذي انتهت إليه معركة صفين بين الحكمين عبد الله بن قيس المعروف بأبي موسى الأشعري ، وعمرو بن العاص. خاضوا في أمر الحكمين فقال بعض الناس : ما يمنع أمير المؤمنين عليه‌السلام من أن يأمر بعض أهل بيته فيتكلم ؟ فقال للحسن : قم يا حسن فقل في هذين الرجلين عبدالله بن قيس وعمرو بن العاص ، فقام الحسن عليه‌السلام فقال : « أيّها الناس ، إنّكم قد أكثرتم في أمر عبدالله بن قيس ، وعمرو بن العاص فإنّما بعثا ليحكما بكتاب الله فحكما بالهوى على الكتاب ، ومن كان هكذا لم يسم حكماً ولكنه محكوم عليه ، وقد أخطأ عبدالله بن قيس في أن أوصى إلى عبد الله ابن عمر فأخطأ في ذلك ... وإنّما الحكومة فرض من الله وقد حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سعدا في بني قريظة فحكم فيهم بحكم الله لا شك فيه ، فنفذ رسول الله حكمه ، ولو خالف ذلك لم يجزه » (٢). فقد بيّن الإمام الحسن عليه‌السلام حقيقة التحكيم ، إذ ليس كل حكم يُعمل به ، وإنّما يُعمل بالحكم المطابق للثوابت الشرعية ، لأنّ الحكمين يقتربان من هذه الثوابت تارة ويبتعدان أخرى ، فإذا حكما بحكم الله فحكمهما مشروع وإلاّ فلا يؤخذ به ، وأراد في خطبته أن يبيّن بأنّ الثوابت الشرعية حاكمة على الأشخاص والشخصيات مهما كان موقعهم الديني والسياسي.

وصية أمير المؤمنين للإمام الحسن عليهما‌السلام عند انصرافه من صفين :

كتب أمير المؤمنين عليه‌السلام وصية للإمام الحسن عليه‌السلام في منطقة حاضرين عند انصرافه من صفين ، وفيما يلي نختار بعض نصوصها :

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ١١ : ٢٥.

(٢) مناقب آل أبي طالب ٣ : ٢٢٣.

٥١

 « أحيي قلبك بالموعظة وأمته بالزهادة وقوِّه باليقين ، ونوّره بالحكمة.

وأعرض عليه أخبار الماضين ، وذكّره بما أصاب من كان قبلك من الأولين ، وسر في ديارهم وآثارهم ، فانظر فيما فعلوا وعمّا انتقلوا ، وأين حلّوا ونزلوا. وأمر بالمعروف تكن من أهله ، وأنكر المنكر بيدك ولسانك ، وباين من فعله بجهدك. وجاهد في الله حقّ جهاده ، ولا تأخذك في الله لومة لائم. واخلص في المسألة لربّك ، فإنّ بيده العطاء والحرمان. واعلم أنّه لا خير في علمٍ لا ينفع ، ولا ينتفع بعلمٍ لا يحقّ تعلّمه. يا بني اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك ، فاحبب لغيرك ما تحب لنفسك ، واكره له ما تكره لها ، ولا تظلم كما لا تحبُّ أن تظلم. قارن أهل الخير تكن منهم ، وباين أهل الشر تبن عنهم. والعقل حفظ التجارب ، وخير ما جرَّبت ما وعظك. إذا تغيّر السلطان تغيّر الزمان. سل عن الرفيق قبل الطريق ، وعن الجار قبل الدّار. واكرم عشيرتك؛ فانهم جناحك الذي به تطير ، وأصلك الذي إليه تصير ، ويدك الّتي بها تصول » (١).

آخر وصايا أمير المؤمنين للحسنين عليهما‌السلام :

أخذ أمير المؤمنين عليه‌السلام يوصي ولديه الحسن والحسين عليهما‌السلام ويرسم لهما وللمسلمين المنهج السليم في العلاقة مع الله ومع المجتمع ، وكانت هذه آخر الوصايا ، فقد صدرت منه في أيام جرحه وقبل شهادته ، ومما جاء فيها :  « أوصيكما بتقوى الله ، وألا تبغيا الدّنيا وإنّ بغتكما ، ولا تأسفا على شيء منها زوي عنكما ، وقولا بالحقّ ، واعملا للأجر. وكونا للظالم خصماً ، وللمظلوم عوناً. أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي ، بتقوى الله ، ونظم أمركم ، وصلاح ذات بينكم ، فإنّي سمعت جدّكما صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : صلاح ذات البين أفضل من عامّة الصّلاة والصّيام. الله الله في الأيتام ، فلا تغبّوا (٢) أفواههم ، ولا يضيعوا بحضرتكم. والله الله في جيرانكم ، فإنّهم وصيّة نبيّكم ، مازال يوصي بهم حتّى ظننّا أنّه سيورّثهم. والله الله

__________________

(١) نهج البلاغة : ٣٩١ ـ ٤٠٥ / ٣١.

(٢) لا تغبّوا : أي تقطعوا الطعام عنهم.

٥٢

في القرآن ، لايسبقكم بالعمل به غيركم. والله الله في الصّلاة ، فانّها عمود دينكم. والله الله في بيت ربكم ، لاتخلوه ما بقيتم ، فإنّه إن ترك لم تناظروا (١). والله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم في سبيل الله. وعليكم بالتواصل والتّباذل ، وإيّاكم والتّدابر والتقاطع. لاتتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولّى عليكم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم. يا بني عبد المطلب ، لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضاً تقولون : قتل أمير المؤمنين ، ألا لا تقتلنّ بي إلاّ قاتلي ، انظروا إذا أنا متُّ من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة ، ولا تمثلوا بالرجل ، فإنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : إيّاكم والمثلة ولو بالكلب العقور » (٢). وأوصى الإمام الحسن عليه‌السلام بأركان الدين وحسن الخلق وحسن العلاقة مع الآخرين :  « أوصيك ، أي بني بتقوى الله ، وإقام الصلاة لوقتها ، وإيتاء الزكاة عند محلّها ، وحسن الوضوء ، فإنّه لاصلاة إلاّ بطهور ، وأوصيك بغفر الذنب ، وكظم الغيظ ، وصلة الرحم ، والحلم عن الجاهل ، والتفقه في الدين ، والتشبث في الأمر ، والتعاهد للقرآن ، وحسن الجوار ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، واجتناب الفواحش » (٣).

إمامة الإمام الحسن عليه‌السلام في كلمات ووصايا أمير المؤمنين عليه‌السلام :

حينما عادت الخلافة إلى أهلها ورجعت إلى مستقرِّها في عهد أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وأصبح عليه‌السلام على رأس السلطة في الدولة الإسلامية ؛ توسعت القاعدة الشعبية لأهل البيت عليهم‌السلام ، وانتشرت أحاديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في إمامتهم ، وكان أمير المؤمنين يؤكّد هذه الحقيقة ويوجّه الانظار إلى خط الإمامة الحقّة ، ويوليها أهمية استثنائية ، وذلك في التأكيد على إمامة العترة الطاهرة ، وتوجيه أنظار المسلمين إليها ، ليوالوها ويسترشدون بنهجها ويقتدوا بها في

__________________

(١) لم تناظروا : أي لم ينظر إليكم بالكرامة ، لا من الله ، ولا من الناس ؛ لاهمالكم فرض دينكم.

(٢) نهج البلاغة : ٤٢١ ـ ٤٢٢ / ٤٧.

(٣) الكامل في التاريخ ٣ : ١٧٠.

٥٣

أقوالها وممارساتها ومواقفها العملية ، وممّا قاله في ذلك : « فأين تذهبون ؟ وأنّى تؤفكون والاعلام قائمة ، والآيات واضحة ، والمنار منصوبة ، فأين يتاه بكم ! وكيف تعمهون وبينكم عترة نبيّكم ! وهم أزمّة الحقّ ، وأعلام الدين ، وألسنة الصدق ، فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن ، وَرِدوهم ورود الهيم العطاش » (١). وقال عليه‌السلام :  « انظروا أهل بيت نبيّكم فالزموا سمتهم واتّبعوا أثرهم ، فلن يخرجوكم من هدىً ، ولن يعيدوكم في ردىً ، فإن لبدوا فألبدوا ، وإن نهضوا فانهضوا ، ولا تسبقوهم فتضلّوا ، ولا تتأخروا عنهم فتهلكوا ، لقد رأيت أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فما أرى أحداً يشبههم منكم ... » (٢). وقال عليه‌السلام : « الحمد لله الناشر في الخلق فضله ، والباسط فيهم بالجود يده ، نحمده في جميع أموره ، ونستعينه على رعاية حقوقه ، ونشهد أن لا إله غيره ، وأنَّ محمّداً عبده ورسوله ، أرسله بأمره صادعاً وبذكره ناطقاً ، فأدّى أميناً ومضى رشيداً ، وخلّف فينا راية الحقّ من تقدّمها مرق ، ومن تخلّق عنها زهق ، ومن لزمها لحق ... ألا إنّ مثل آل محمّد ، صلّى الله عليه وآله ، كمثل نجوم السّماء ؛ إذا خوىٰ نجم طلع نجم ، فكأنّكم قد تكاملت من الله فيكم الصّنايع ، وأراكم ما كنتم تأملون » (٣). وقال عليه‌السلام : « لا يقاس بآل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله من هذه الأمّة أحد ، ولا يسوّى بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً ؛ هم أساس الدين ، وعماد اليقين ، إليهم يفيء الغالي وبهم يلحق التالي ، ولهم خصائص حقّ الولاية ، وفيهم الوصيّة والوراثة » (٤).

وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام يوجّه الأنظار إلى إمامة ولده الحسن عليه‌السلام ومقامه السامي وخصائصه وكفاءته العلمية والسياسية والادارية والاجتماعية ، فقد كان يسأله عن المسائل المختلفة أمام مرأى ومسمع الملأ من أصحابه ، فيجيب

__________________

(١) نهج البلاغة : ١١٩ / ٨٧.

(٢) نهج البلاغة : ١٤٣ / ٩٧.

(٣) نهج البلاغة : ١٤٦ / ١٠٠.

(٤) شرح نهج البلاغة ١ : ١٣٨ ـ ١٣٩.

٥٤

عليها بأجوبة شافية ، وقد تركزت اسئلته على مسائل هامة في جميع مجالات الحياة تتعلق بعلاقة الإنسان مع نفسه ومع المجتمع ، لتكون أجوبته نبراساً للمؤمنين باعتبارها صادرة من شخصية متكاملة معصومة مكلفة بامامة وقيادة الأمّة. وقد كثرت الروايات حول هذا الموضوع نكتفي بواحدة منها ، فقد روي « أنّه سأل أمير المؤمنين عليه‌السلام ابنه الحسن عليه‌السلام فقال : يا بنيّ ما العقل ؟ قال : حفظ قلبك ما استودعته.

قال : فما الحزم ؟ قال : أن تنتظر فرصتك وتعاجل ما امكنك.

قال : فما المجد ؟ قال : حمل المغارم وايتاء المكارم.

قال : فما السماحة ؟ قال : إجابة السائل وبذل النائل.

قال : فما الشح ؟ قال : إن ترى القليل سرفا وما أنفقت تلفا.

قال : فما الرقّة ؟ قال : طلب اليسير ومنع الحقير.

قال : فما الكلفة ؟ قال : التمسك بمن لا يواتيك والنظر فيما لايفييك.

قال : فما الجهل ؟ قال : سرعة الوثوب على الفرصة قبل الاستمكان منها ، والامتناع عن الجواب ، ونعم العون الصمت في مواطن كثيرة وإن كنت فصيحاً » (١). وكان أمير المؤمنين يحيل الأسئلة الموجهة إليه إلى الإمام الحسن أو الحسين عليهما‌السلام لتوجيه الانظار إلى مؤهلاتهما وقدراتهما ، فقد روي أنّ معاوية بعث رجلاً متنكراً يسأل أمير المؤمنين عليه‌السلام عن مسائل سأله عنها ملك الروم ، فلما دخل الكوفة وخاطب أمير المؤمنين عليه‌السلام أنكره فقرره فاعترف له بالحال ، فقال عليه‌السلام : « يا أخا أهل الشام هذان ابنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهذا ابني ، فاسأل أيّهم أحببت » ، فقال الشامي : أسأل هذا يعني الحسن عليه‌السلام (٢). وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام يكلّف الإمام الحسن عليه‌السلام بالمهام والمسؤوليات الصعبة ، ويبعثه لحلّ الأزمات ، ويشركه في المواقف الحرجة ليبين للمسلمين موقعه الريادي في المجتمع الانساني ومؤهلاته القيادية ، فقد بعثه

__________________

(١) الدر النظيم/ يوسف بن حاتم الشامي : ٥٠٥.

(٢) تحف العقول / ابن شعبة : ١٦٠.

٥٥

إلى أهل الكوفة لعزل أبي موسى الأشعري ، وأمره بالردّ على خطاب عبدالله بن الزبير في معركة الجمل ، وأمره بنقض حكم أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص في قضية التحكيم لمخالفتهما القرآن الكريم.

عهد أمير المؤمنين عليه‌السلام بالإمامة لابنه الإمام الحسن عليه‌السلام :

في اليومين الأخيرين من حياة أمير المؤمنين عليه‌السلام أكّد على إمامة الحسن عليه‌السلام في وصاياه الأخيرة ، فعن الإمام الباقر عليه‌السلام قال : « جمع أمير المؤمنين بنيه وهم اثنا عشر ذكراً فقال لهم : إنّ الله أحبّ أن يجعل فيّ سنة من يعقوب إذ جمع بنيه وهم اثنا عشر ذكراً ، فقال لهم : إنّي أوصي إلى يوسف فاسمعوا له وأطيعوا ، وأنا أوصي إلى الحسن والحسين فاسمعوا لهما وأطيعوهما » (١). فقد ربط أمير المؤمنين عليه‌السلام هذه الوصية بوصية يعقوب عليه‌السلام فهي وصية إلهية ، فبأمر من الله تعالى أوصى يعقوب إلى يوسف ، وهي ليست وصية مال أو رعاية أيتام أو تسديد ديون ؛ بل هي وصية رسالية قائمة على أساس الاستمرار في أداء الدور والتكليف الإلهي للموصى ، وهو القيام بهداية الناس وتنظيم شؤونهم وربطهم بالمنهج الإلهي في الحياة ، إضافة إلى إدارة الدولة. حدّث الأصبغ بن نباتة قال : « دعا أمير المؤمنين عليه‌السلام الحسن والحسين عليهما‌السلام لمّا ضربه الكافر اللعين ابن ملجم لعنه الله ، فقال لهما : إنّي مقبوض في ليلتي هذه ولاحق برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاسمعا قولي وعياه ؛ أنت يا حسن وصيّي والقائم بالأمر بعدي ، وأنت يا حسين شريكه في الوصية فأنصت ما نطق ، وكن لأمره تابعاً ما بقي ، فإذا خرج من الدنيا فأنت الناطق بعده والقائم بالأمر » (٢).

وفي حديث زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : « إنّ محمّد بن الحنفية قال لعليّ بن الحسين عليهما‌السلام : قد علمت أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دفع الوصية والإمامة إلى أمير

__________________

(١) اثبات الهداة / الحر العاملي ٢ : ٥٥٠ / ٢٦ ، الباب ١٢ ، الفصل ١٠.

(٢) الدر النظيم : ٣٧٧.

٥٦

المؤمنين عليه‌السلام ، ثم إلى الحسن ، ثم إلى الحسين » (١). فالوصية هنا عهد الهي قام به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حينما أوصى بالإمامة إلى أمير المؤمنين ، والظاهر أنّ هذه الوصية كانت مكتوبة وهذا يظهر من كلام الأصبغ بن نباتة حين قال : « وكتب له بالوصية عهدا منشوراً نقله جمهور العلماء » (٢). ووصية أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى الإمام الحسن عليه‌السلام كانت بأمر الله عزّوجلّ ، ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : عن الإمام محمد الباقر عليه‌السلام قال :  « أوصى أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى الحسن وأشهد على وصيته الحسين عليه‌السلام ومحمّداً وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته ، ثم دفع إليه الكتاب والسلاح ، ثم قال لابنه الحسن : يا بنيّ أمرني رسول الله أن أوصي إليك وأدفع إليك كتبي وسلاحي كما أوصى إليّ رسول الله ودفع إلي كتبه وسلاحه وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعه الى أخيك الحسين.. » (٣).

الفصل الرابع

من خصائص الإمام الحسن عليه‌السلام القيادية

القائد أو الإمام أو الخليفة الذي يخلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ينبغي أن يكون متصفاً بأمثل الصفات وأفضلها. ويفهم من آراء العلماء والباحثين في علم السياسة والاجتماع أنّهم يقدّمون الأفضل. قال ( ج. كورتوا ) : « على الرئيس أن يكون أكثر يقظة من الآخرين ، وأكثر ذكاءً ، وأكثر دقة ، وأسرع في اتخاذ القرار ، وأشجع في الأخطار ، وأكثر صراحة ، وأكثر ثباتاً في العمل ، وأكثر دماثة وغنىً بالعواطف النبيلة » (٤). ويرى الدكتور عبد العزيز القوصي أن يكون القائد شديد

__________________

(١) إثبات الهداة ٢ : ٥٤٤.

(٢) إثبات الهداة ٢ : ٥٥٣.

(٣) الكافي ١ : ٢٩٨ / ٥ ، باب الاشارة والنص على الحسن بن علي عليهما‌السلام.

(٤) لمحات في فن القيادة / ج. كورتوا : ٢٣.

٥٧

الايمان بالهدف والخطة ، وأن يكون شخصية متميزة على غيرها ؛ في الفعل والخُلق ، والقدرة البارزة على التأثير ، وأن يتميز بذكاء نادر ، وبصيرة نافذة ، وخلق عالٍ ، ويتميز بقوة الارادة ، وتمثيل آمال الجماعة وطموحاتهم ، وأن يتميز بالتضحية الكاملة (١). والأفضلية في حال تسلسلها تصل إلى أعلى المراتب ، وهو ما يسمى بالعصمة ، والإمام الحسن عليه‌السلام باعتباره الإمام والقائد المنصوص عليه فهو يتمتع بخصائص وصفات تؤهله للموقع الريادي في حركة المسلمين ، فقد كان عاقلاً حليما محبّاً للخير فصيحا من أحسن الناس منطقا وبديهة.

وفيما يأتي أهم صفات الإمام الحسن عليه‌السلام وخصائصه القيادية :

١ ـ العصمة : وقد تقدم ما يدل عليها من كتاب الله العزيز ومن أحاديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته ، ولا حاجة إلى إعادة ذلك كله.

٢ ـ العلم : أخذ الإمام الحسن عليه‌السلام العلم عن جدّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ كما تقدّم ـ حيث كان ملازماً له في أغلب جلساته ولقاءاته وحركاته ، وكان يستمع للوحي وهو يلقى في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويستمع إلى أحاديث جدِّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأخذ العلم عن أبيه أمير المؤمنين عليه‌السلام الذي لازمه أكثر من أربعين عاماً ، وأبوه عليه‌السلام كان أعلم الناس بشهادة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث قال : « أنا مدينة العلم وعليّ بابها ، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها » (٢). وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أعلم الناس بالسنة والقضاء بعدي علي بن أبي طالب » (٣).

وقال عثمان بن عفّان في علم الحسنين عليهما‌السلام : « اولئك فطموا العلم فطماً وحازوا الخير والحكمة ». قال الشيخ الصدوق : « معنى قوله : فطموا العلم فطماً أيّ قطعوه عن غيرهم قطعاً وجمعوه لأنفسهم جمعاً » (٤). وقال محمد بن طلحة

__________________

(١) علم النفس أسسه وتطبيقاته التربوية / عبد العزيز القوصي : ٣٩٦ و ٣٩٨.

(٢) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٢٧ ، وكفاية الطالب : ٢٢١.

(٣) بحار الأنوار ٤٠ : ١٥٠.

(٤) بحار الأنوار ٤٣ : ٣٣٣.

٥٨

الشافعي : « كان الله عزّ وجل قد رزقه ـ يعني الإمام الحسن عليه‌السلام ـ الفطرة الثاقبة في إيضاح مراشد ما يعانيه ومنحه الفطرة الصائبة لاصلاح قواعد الدين ومبانيه وخصّه بالجبلة التي درت لها أخلاق مادتها بصور العلم ومعانيه » (١). وقال الحافظ إسماعيل بن كثير : « أحد علماء الصحابة وحلمائهم وذوي آرائهم » (٢). وكتب إليه الحسن البصري : « أما بعد فانكم معشر بني هاشم الفلك الجارية واللجج الغامرة والأعلام الشاهرة ، أو كسفينة نوح عليه‌السلام التي نزلها المؤمنون ونجا فيها المسلمون » (٣). وقد تتلمذ على يديه مجموعة كبيرة من الفقهاء والعلماء ورواة الحديث. وروى عن الإمام الحسن المئات من الصحابة والتابعين وأشرفهم : أخوه الإمام الحسين ، وابن أخيه الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليهما‌السلام ، وجابر بن عبدالله ، وعبدالله بن عباس ، وعائشة ، وابنه الحسن بن الحسن ، والمسيب بن نجبة ، وسويد بن غفلة ، والعلاء بن عبد الرحمن ، والشعبي ، وهبيرة بن بريم ، والأصبغ بن نباتة ، وجابر بن خالد ، وعيسىٰ بن مأمون ، وعمير ابن سعيد النخعي ، وإسحاق بن يسار ، وعبد الرحمن بن أبي عوف ، وسفيان بن الليل ، وعمرو بن قيس ، ومعاوية بن حديج ، وإسحاق بن بشار ، ومحمد بن سيرين ، وعكرمة ، وجبير بن نفير وغيرهم (٤).

٣ ـ الارتباط باللّه تعالى : كان الإمام الحسن عليه‌السلام دائم الارتباط بالله تعالى ، ودائم التوجه إليه ، وكان مرتبطاً به في عقله ومشاعره وإرادته ، وصار هذا الارتباط حقيقة ايجابية متحركة استقرت في أغوار النفس والضمير وتحولت إلى واقع في صورة أعمال وممارسات وحركات دائمة صادرة عن وعي ومتجهة إلى

__________________

(١) مطالب السؤول / محمد بن طلحة الشافعي ٢ : ٦.

(٢) البداية والنهاية ٨ : ١٦.

(٣) تحف العقول : ١٦٦.

(٤) يُنظر : رجال الشيخ الطوسي : ٩٣ ومابعدها ، أصحاب الإمام الحسن السبط عليه‌السلام.

تاريخ مدينة دمشق ١٣ : ١٦٣ ، وأسد الغابة ١ : ٤٨٨ ، والإصابة ٢ : ١١.

٥٩

غاية ، فهي ليست مظاهر وطقوس مجردة بل هي حركة وفاعلية تعبر عن اخلاص لله وتجرد له تدفع إلى العمل الصالح الذي هو انعكاس لهذا الارتباط الدائم.

عن المفضل بن عمر قال : « قال الصادق عليه‌السلام : حدّثني أبي عن أبيه عليه‌السلام أنّ الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما‌السلام كان أعبد الناس في زمانه وأزهدهم وأفضلهم ، وكان إذا حجّ حجّ ماشياً وربما مشى حافياً ، وكان إذا ذكر الموت بكى ، وإذا ذكر القبر بكى ، وإذا ذكر البعث والنشور بكى ، وإذا ذكر الممر على الصراط بكى ، وإذا ذكر العرض على الله تعالى ذكره شهق شهقة يغشى عليه منها ، وكان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربّه عزّ وجل ، وكان إذا ذكر الجنة والنار اضطرب اضطراب السليم ويسأل الله الجنة ويعوذ به من النار ، وكان عليه‌السلام لا يقرأ من كتاب الله عزّ وجل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) إلاّ قال : لبّيك اللهمّ لبّيك ، ولم ير في شيء من أحواله إلاّ ذاكر الله سبحانه » (١). وروي أنّه : حج خمس عشرة حجّة ماشياً ، وخرج لله من ماله مرتين ، وقاسم الله ماله ثلاث مرّات (٢).

وعن الإمام محمد الباقر عليه‌السلام : « أنّ الحسن عليه‌السلام قال : إنّي لأستحي من ربّي أن ألقاه ولم أمشي إلى بيته ، فمشى عشرين مرّة من المدينة على رجليه » (٣). وكان إذا بلغ المسجد رفع رأسه وقال : « ضيفك ببابك ، يا محسن قد أتاك المسيء فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك يا كريم » (٤). وكان إذا فرغ من الفجر لم يتكلم حتى تطلع الشمس وإن زحزح (٥). وكان يقرأ كل ليلة سورة الكهف في لوح مكتوب يدور معه حيث دار من بيوت أزواجه قبل أن ينام وهو في الفراش (٦). وكان إذا فرغ من الوضوء تغيّر لونه ، فقيل له في ذلك ، فقال : « حقّ على من أراد

__________________

(١) أمالي الصدوق : ١٥٠ / ٨ ، مجلس ٣٣.

(٢) المنتظم / ابن الجوزي ٥ : ١٦٤ ـ ١٦٥.

(٣) بحار الأنوار ٤٣ : ٣٣٩.

(٤ و ٥) بحار الأنوار ٤٣ : ٣٣٩.

(٦) البداية والنهاية ٨ : ٤٢.

٦٠