الإمام الحسن السّبط عليه السلام سيرة وتاريخ

السيد سعيد كاظم العذاري

الإمام الحسن السّبط عليه السلام سيرة وتاريخ

المؤلف:

السيد سعيد كاظم العذاري


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-38-6
الصفحات: ١١١
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

الإسلامية ، أراد الله تعالى لهم أن يكونوا أعلام الهدى وقدوة المتّقين ومأوى أفئدة المسلمين ، وروّاد الحركة الإصلاحية والتغييرية في المسيرة الإنسانية ؛ ولهذا أبدى القرآن الكريم عناية فائقة بذكر دورهم وفضائلهم وسموّ مكانتهم ، وفيما يلي نستعرّض جملة من آيات القرآن الكريم التي تطرّقت إلى ذلك لكونها شاملة للإمام الحسن عليه‌السلام كواحد من أهل البيت عليهم‌السلام.

١ ـ آية التطهير : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (١) : تظافرت التفاسير والروايات إلى أنّ المقصود بأهل البيت عليهم‌السلام هم أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهم : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام. فقد روي عن أمّ سلمة وبطرق عديدة أنّها قالت : « لمّا نزلت هذه الآية دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليّا وفاطمة وحسناً وحسيناً فجلّل عليهم كساءً خيبرياً ، فقال : اللهمّ هؤلاء أهل بيتي أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً. قالت أمّ سلمة : ألست منهم ؟ فقال : أنت إلى خير » (٢). وهذه الآية الكريمة تدلّ على عصمة أهل البيت عليهم‌السلام ومنهم الحسن عليه‌السلام كما ورد في تفسيرها عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث قال : « أنا وأهل بيتي مطهّرون من الذنوب » (٣). وقال الإمام الحسن عليه‌السلام في بعض خطبه : « وأنا من أهل البيت الذي كان جبرائيل ينزل إلينا ، ويصعد من عندنا ، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً » (٤). وآية التطهير تؤكّد العناية والرعاية الإلهيّة الخاصّة والاستثنائية وذلك بإبعادهم عن الزلل والخطأ والإنحراف وهكذا أصبح أهل البيت عليهم‌السلام الميزان الثابت الذي توزن به الأفكار والعواطف والممارسات ، وتقوّم من خلاله الإشخاص والكيانات

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٣٣.

(٢) جامع البيان / الطبرسي ٢٢ : ٦ ، الدرّ المنثور / السيوطي ٦ : ٦٠٣.

(٣) البداية والنهاية ٢ : ٢٥٧ ، دلائل النبوّة / البيهقي ١ : ١٧٠.

(٤) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٧٢.

٢١

والأحداث والمواقف ، فهم المرجع العلمي والسياسي والاجتماعي للناس جميعاً.

٢ ـ آية المودّة : ( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) (١) : أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه من طريق ابن جبير عن ابن عباس ، قال : « لمّا نزلت هذه الآية ... قالوا : يا رسول الله من قرابتك الذين وجبت مودّتهم ؟ قال : علي وفاطمة وولدها » (٢). وفي رواية أخرى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قالوا : « يا رسول الله من هؤلاء الذين نودّهم ؟ قال : علي وفاطمة وأبناؤهما ». وعلّق القرطبي على ذلك قائلاً : « وكفى قبحاً بقول من يقول : إنّ التقرّب إلى الله بطاعته ومودّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته منسوخ ، وقال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : من مات على حبّ آل محمد مات شهيداً ، ومن مات على حبّ آل محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة ، ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيس اليوم من رحمة الله ، ومن مات على بغض آل محمد لم يرَ رائحة الجنّة ، ومن مات على بغض آل بيتي فلا نصيب له في شفاعتي » (٣). وهذا يوجِّه العقول والقلوب نحو أهل البيت عليهم‌السلام ويشدّها لهم ، ويؤكّد على أنّ أجر الرسالة هو محبّتهم الحقيقية ، وهي دعوة للارتباط بهم فكرياً وعاطفياً وسلوكياً.

٣ ـ آية الصلاة : ( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) (٤) : أخرج النسائي وغيره عن أبي هريرة ، أنّهم سألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : كيف نصلّي عليك ؟ قال : « قولوا اللهمّ صلّ على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وآل محمد كما صلّيت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنّك حميد مجيد ، والسلام كما قد علمتم » (٥). والصلاة بتلك الكيفية

__________________

(١) سورة الشورى : ٤٢ / ٢٣.

(٢) روح المعاني / الآلوسي ١٣ : ٣٢ ، الدرّ المنثور ٥ : ٧٨.

(٣) الجامع لأحكام القرآن / القرطبي ١٦ : ٢٣.

(٤) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٥٦.

(٥) روح المعاني ١١ : ٢٥٣.

٢٢

جعلت أهل البيت عليهم‌السلام مناراً وقدوة للأمّة ، فمنهم يتلقّى المسلمون مفاهيم العقيدة وقيم السلوك وموازين التقييم ، وهذا التلقّي هو مصداقٌ واقعي للصلاة عليهم ؛ لأنّ الصلاة واجبة كما ورد في آراء الكثير من العلماء ، حتى قال الشافعي : « من لم يصلِّ عليكم لاصلاة له » (١). وقال الديلمي : « الدعاء محجوب حتى يُصَلَّىٰ على محمد وأهل بيته » (٢).

٤ ـ آية آل ياسين : ( سَلامٌ عَلَىٰ إِلْ يَاسِينَ ) (٣) : ورد في الكثير من التفاسير : إنّ المراد من ( ياسين ) النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤). وورد عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « إنّ الله سمّاني في القرآن بسبعة أسماء : محمّد وأحمد وطه ويس والمزمّل والمدثّر وعبدالله » (٥). وتظافرت التفاسير على انّ المقصود من ( آل ياسين ) هم ( آل محمد عليهم‌السلام ). وعن الإمام علي عليه‌السلام قال : « يس محمد ، ونحن آل يس » (٦). وهنالك قولان في قراءة آل ( يس ) مفصولة : الأوّل : إنّه آل هذا النبي المذكور وهو يدخل فيهم. والثاني : إنّهم آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله (٧). وهذا السلام الصادر من الله تعالى إلى آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هو توجيه للبشرية نحو دورهم الريادي في حركة التاريخ ، وهو توجيه نحو مفاهيمهم وقيمهم وسيرتهم الممتدّة في كلّ زمان ومكان ، وهو توجيه للارتباط بهم فكرياً وعاطفياً وسلوكياً.

٥ ـ سورة الإنسان وآية الإطعام : ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا ) (٨) : عن ابن عباس رضي‌الله‌عنه : « أنّ الحسن والحسين مرضا فعادهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في ناس معه ،

__________________

(١) الصواعق المحرقة : ٢٢٨.

(٢) الصواعق المحرقة : ٢٢٧.

(٣) سورة الصّافات : ٣٧ / ١٣٠.

(٤) تفسير سفيان الثوري : ٢٤٨ ، تفسير القرآن العظيم / ابن كثير ٤ : ٢٠ ، زاد المسير / ابن القيّم ٦ : ٣٢٣ ، البرهان في تفسير القرآن / البحراني ٦ : ٣٨٠.

(٥) تفسير النسفي ٢ : ٣٩٣ ، وتفسير الماوردي ٥ : ٥.

(٦) البرهان في تفسير القرآن ٦ : ٤٤٨.

(٧) زاد المسير / ابن القيّم ٦ : ٣٢٠ ، ونحوه في : تفسير الماوردي ٥ : ٦٤.

(٨) سورة الإنسان : ٧٦ / ٨ ـ ٩.

٢٣

فقالوا : يا أبا الحسن ، لو نذرت على ولدك ، فنذر عليّ وفاطمة وفضّة ـ جارية لهما ـ أن برءا ممّا بهما : أن يصوموا ثلاثة أيّام ، فشفيا وما معهم شيء ، فاستقرض عليّ من شمعون الخيبري اليهودي ثلاث أصوع من شعير ، فطحنت فاطمة صاعاً واختبزت خمسة أقراص على عددهم ، فوضعوا بين أيديهم ليفطروا ، فوقف عليهم سائل ، فقال : السلام عليكم أهل بيت محمد ، مسكين من مساكين المسلمين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنّة ، فآثروه وباتوا لم يذوقوا إلاّ الماء ، وأصبحوا صياماً ؛ فلمّا أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فآثروه ، ووقف عليهم أسير في الثالثة ، ففعلوا مثل ذلك ؛ فلمّا أصبحوا أخذ علي عليه‌السلام بيد الحسن والحسين وأقبلوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمّا أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع ، قال : ما أشدّ ما يسوءني ما أرى بكم ، وقام فانطلق معهم ، فرأى فاطمة في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها وغارت عيناها ، فساءه ذلك ، فنزل جبرائيل وقال : خذها يا محمد هنّأك الله في أهل بيتك فأقرأه السورة » (١).

٦ ـ آية المباهلة : ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (٢) : والثابت في نزول هذه الآية ، هو أنّ نصارى نجران ، لمّا دعاهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المباهلة قالوا : حتى نرجع وننظر ، فلمّا تخالوا قالوا : للعاقب وكان ذا رأيهم : « يا عبدالمسيح ما ترى ؟ فقال : والله لقد عرفتم يا معشر النصارى أنّ محمدا نبيّ مرسل ، وقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم ، والله ما باهل قوم نبيّاً قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ، ولئن فعلتم لتهلكنّ فإن أبيتم إلاّ إلف دينكم والإقامة على ما أنتم عليه ، فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى

__________________

(١) الكشّاف / الزمخشري ٦ : ٢٧٨ ـ ٢٧٩ ، التفسير الكبير / الفخر الرازي ٣٠ : ٢٤٤ ، روح البيان / البرسوي ١٠ : ٢٦٩.

(٢) سورة آل عمران : ٣ / ٦١.

٢٤

بلادكم ، فأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد غدا محتضناً الحسين آخذاً بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعليّ خلفهما وهو يقول : إذا أنا دعوت فأمّنوا. فقال أسقف نجران : يا معشر النصارى ، إنّي لأرى وجوهاً لو شاء الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها ، فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة. فقالوا : يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك وأن نقرّك على دينك ونثبت على ديننا » (١) ... وفيه دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء عليهم‌السلام ، وبرهان واضح على نبوّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله. وهذه الآية دالّة على أنّ الحسن والحسين عليهما‌السلام كانا ابني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٧ ـ آية أهل الذكر : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (٢) : يقول الحارث : « سألت عليّاً عن هذه الآية ، فقال : والله إنّا لنحن أهل الذكر ، نحن أهل الذكر ، نحن أهل العلم ، ونحن معدن التأويل والتنزيل » (٣).

٨ ـ آية الراسخون في العلم : ( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) (٤) : قال الإمام علي عليه‌السلام : « أين الذين زعموا أنّهم الراسخون في العلم دوننا كذباً وبغياً علينا أن رفعنا الله ووضعهم ، وأعطانا وحرمهم ، وأدخلنا وأخرجهم ، بنا يستعطى الهدى ويستجلى العمى » (٥). إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الأخرى التي لا مجال في تفصيلها ، غير أن ما تقدم منها يبيّن لنا دور الإمام الحسن عليه‌السلام ومقامه السامي في إمامة وقيادة الإنسانية ، فهو الطاهر المطهّر المعصوم كما ورد في آية التطهير ، وهو من الذين أمر الله تعالى بحبّهم وطاعتهم وموالاتهم كما في آية

__________________

(١) الكشّاف ١ : ٥٦٥ ، ٥٦٦ ، التفسير الكبير ٨ : ٨٥ و ٨٦.

(٢) سورة النحل : ١٦ / ٤٣.

(٣) شواهد التنزيل / الحاكم الحسكاني ١ : ٤٣٢.

(٤) سورة آل عمران : ٣ / ٧.

(٥) نهج البلاغة / ترتيب د. صبحي الصالح : ٢٠٠ ، الخطبة : ١٤٤.

٢٥

المودّة ، ومن المشمولين بالصلاة عليهم وتعظيمهم وتبجيلهم ، وهو من أهل الذكر ، والراسخين في العلم.

وإذا انضمّ هذا إلى ما تقدم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بحق الحسن عليه‌السلام علم أنه الإمام القدوة الذي ينبغي الاقتداء بأقواله وأفعاله لأنّه العارف بأسس وقواعد المنهج الإسلامي بجميع أبعاده ومجالاته ، والمعصوم الذي لا يميل مع الهوى ولا يتأثّر بالمؤثّرات الضيّقة كالمودّة والشنآن والعصبية ؛ فهو على ضوء ذلك يمثل المرجعية الحقّة التي يُرجع إليها في حال اختلاف المعايير واضطراب الموازين في أجواء التشكيك والبلبلة والاضطراب الفكري الذي أثارته بوجه الإمام الحسن عليه‌السلام الشجرة الملعونة بقيادة زعيم البغاة ابن آكلة الأكباد كما سنرىٰ.

ثانياً ـ من السنّة النبوية :

جاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من أجل إيصال المجتمع الإنساني إلى قمّة التكامل والسموّ والارتقاء ؛ بتقرير المنهج الإلهي في واقع الحياة ، وجعله الحاكم على تصوّرات الناس ومشاعرهم ومواقفهم ، وقد عاش مع المجتمع يدعوه إلى عبادة الله تعالى وإلى إصلاح وتغيير العقول والقلوب والإرادات ، ويدعوه إلى الارتباط بالقدوة والأسوة الصالحة ، ولذا نجده يوازن بين الدعوة إلى الدين كمفاهيم وقيم وبين الدعوة لمن يمثّل هذا الدين في حركة الواقع ، ويأتي تبيانه لفضائل أهل البيت عليهم‌السلام ضمن هذا التوازن. وفي هذا المقام فإنّ تبيان فضائل الإمام الحسن عليه‌السلام لم يكن نابعاً عن الرغبة العاطفية المحضة نتيجة القرابة القريبة ، بل هو دعوة للاستمرار في حركة الرسالة وامتدادها في الإمام الحسن عليه‌السلام الذي جسّدها ويجسّدها في سكناته وحركاته وأقواله وأفعاله. فالإمام الحسن عليه‌السلام هو سيّد شباب أهل الجنّة ، كما ورد في حديث أبي سعيد الخدري قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة » (١). وقال أيضاً : « من

__________________

(١) سنن الترمذي : حديث ٣٧٩٣ ، باب مناقب الإمام الحسن عليه‌السلام.

٢٦

سرّه أن ينظر إلى سيّد شباب أهل الجنّة ، فلينظر إلى الحسن بن علي » (١). وهذا التفضيل العظيم للحسنين عليهما‌السلام لم يكن على أساس القربى النسبية ، بل هو تفضيل رسالي ، فهما أفضل من الغير بدرجة قربهم من المفاهيم والقيم الإلهيّة التي جسّدوها ويجسّدونها في أفكارهم وعواطفهم وممارساتهم.

وعن عبدالله بن عمر قال : « سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : إنّ الحسن والحسين هما ريحانتاي من الدنيا » (٢). وفي الحديث : « خير رجالكم علي بن أبي طالب ، وخير شبابكم الحسن والحسين ، وخير نسائكم فاطمة بنت محمد » (٣). وفيه أيضاً : « نحن ولد عبدالمطّلب سادة أهل الجنّة : أنا وحمزة وعلي وجعفر والحسن والحسين والمهدي » (٤). وفيه حديث آخر : « الحسن والحسين سيفا العرش وليسا بمعلّقين » (٥). وعن عمر بن الخطاب أنّه قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ فاطمة وعليّاً والحسن والحسين في حظيرة القدس في قبّة بيضاء سقفها عرش الرحمن » (٦). وعن أبي هريرة قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يحشر الأنبياء يوم القيامة على الدّواب ليوافوا من يومهم المحشر ، ويبعث صالح على ناقته ، وأبعث أنا على البراق ، ويبعث ابناي الحسن والحسين على ناقتين من نوق الجنّة » (٧). وعن زينب بنت أبي رافع ، عن فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّها أتت بالحسن والحسين إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في شكواه الذي توفي فيه ، فقالت : « يا رسول الله هذان ابناك فورثهما شيئاً ، فقال : أمّا الحسن فله هيبتي وسؤددي ، وأما حسين فله جرأتي

__________________

(١) تاريخ مدينة دمشق / ابن عساكر ١٣ : ٢٠٩.

(٢) سنن الترمذي : حديث ٣٧٩٥.

(٣) تاريخ مدينة دمشق ١٤ : ١٦٧.

(٤) كنز العمال / المتّقي الهندي ١٢ : ٩٧ / ٣٤١٦٢.

(٥) كنز العمال ١٢ : ١١٤ / ٣٤٢٦٢.

(٦) تاريخ مدينة دمشق ١٣ : ٢٢٩.

(٧) المعجم الكبير ٣ : ٤٣ / ٢٦٢٩.

٢٧

وجودي » (١). وعن جابر قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الله عزّ وجل جعل ذريّة كلّ نبي في صلبه ، وإنّ الله تعالى جعل ذريّتي في صلب علي بن أبي طالب » (٢).

وعن عمر بن الخطّاب ، قال : « سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : كلّ بني أنثى فإنّ عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة فإنّي أنا عصبتهم وأنا أبوهم » (٣). وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله :  « الحسن والحسين سبطان من الأسباط » (٤). وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « حسن سبط من الأسباط » (٥).

والأحاديث الشريفة المتقّدمة والتي تبيّن فضائل الإمام الحسن عليه‌السلام يراد منها : تنبيه المسلمين وتوجيههم للارتباط بأرقى نماذج الشخصية الإنسانية لكي يقتدوا بها ويستسلمون استسلاماً واعياً متعقّلاً لمفاهيمها وقيمها ، ولكي يميّزوا بين الحقّ والباطل في معترك الأهواء والصراع والمنافسة بين التيّارات المتصارعة الآنية والمستقبلية ، فجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أهل البيت عليهم‌السلام المقياس والميزان الذي تقاس وتوزن به المواقف والشخصيّات والتيّارات ، فمحاربتهم محاربة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومسالمتهم مسالمة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كما ورد عن أبي هريرة ، قال : « نظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى عليّ وابنيه وفاطمة ، فقال : أنا حرب لمن حاربكم ، سلم لمن سالمـكم » (٦). ونحوه عن زيد بن أرقـم (٧). وفي هذا الحديث الشريف ألقى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الحجّة على أعداء أهل البيت عليهم‌السلام وبيّن سلامة مواقفهم في خضمّ الأحداث الواقعة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كحرب الجمل وصفّين والنهروان ، وتمرّد معاوية الباغي الخبيث على دولة الإمام الحسن عليه‌السلام ، وقتل يزيد ( لعنه الله )

__________________

(١) المعجم الكبير ٢٢ : ٤٢٣ / ١٠٤١.

(٢) المعجم الكبير ٣ : ٤٤ / ٢٦٣٠.

(٣) المعجم الكبير ٣ : ٤٤ / ٢٦٣١.

(٤) كنز العمّال ١٢ : ١١٩ / ٣٤٢٨٣.

(٥) أسد الغابة / ابن الأثير ١ : ٤٩٠.

(٦) سير أعلام النبلاء ٣ : ٢٥٨.

(٧) المعجم الكبير ٣ : ٤٠ / ٢٦٢٠.

٢٨

للإمام الحسين عليه‌السلام.

الإمامة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تعيّن بالنصّ ولا تترك لاختيار الأمّة ؛ فهي عهد من الله عزّوجلّ للمصطفين من عباده ، وقد أكّد أهل البيت عليهم‌السلام تلك الحقيقة ، فالأمر ليس متروكاً للأمة ولا حتى لأهل البيت عليهم‌السلام أنفسهم ، فهم لا يستخلفون أو ينصّون على من بعدهم إلاّ بعهد معهود من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبأمر الله تعالى.

عن أبي بصير ، قال : « كنت عند أبي عبدالله عليه‌السلام فذكروا الأوصياء وذكرت إسماعيل فقال : لا والله يا أبا محمد ما ذاك إلينا وما هو إلاّ إلى الله عزّ وجلّ ينزل واحداً بعد واحد » (١). وقال عليه‌السلام : « أترون الموصي منّا يوصي إلى من يريد ؟ لا والله ولكن عهد من الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لرجل فرجل حتى ينتهي الأمر إلى صاحبه » (٢).

وعلّة النصّ هي أنّ الإمامة منصب عظيم وخطير ؛ لأنّ الإمام هو حجّة الله على خلقه ، وهو المقتدى به في أقواله وأفعاله ؛ ولذا فإنّ الإمّة لا تستطيع أن تشخّص إمامها ، وهذا ما تؤكّده المسيرة الإسلامية وسير الأحداث ؛ فلابدّ وأن يكون الاختيار إلهياً للحفاظ على سلامة المفاهيم والقيم الإسلامية ، وحماية الإسلام من تحريف الضّالين وتأويل الجاهلين ، والنصّ سنة من سنن الله تعالى في تعيين الأئمّة والأوصياء من لدن آدم إلى خاتم الأنبياء والمرسلين. وقد نصّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على إمامة الحسن عليه‌السلام في أقواله باعتباره أحد الأئمّة الإثني عشر ، فقد وردت روايات عديدة تنصّ على عدد الأئمّة نختار بعضها.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم إثنا عشر خليفة كلّهم من قريش » (٣). وقال : « بعدي إثنا عشر خليفة » ، ثمّ أخفى صوته وقال :

__________________

(١) الكافي ١ : ٢٧٧ / ١ ، كتاب الحجّة ، باب : إنّ الإمامة عهد من الله.

(٢) الكافي ١ : ٢٧٨ / ٢ ، كتاب الحجّة ، باب : إنّ الإمامة عهد من الله.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ١٨٣ / ١٨٢١ ، كتاب الإمارة ، باب : الخلافة في قريش.

٢٩

 « كلّهم من بني هاشم » (١). وقال : « أهل بيتي عترتي من لحمي ودمي ، هم الأئمّة بعدي عدد نقباء بني إسرائيل » (٢). وقال : « يا علي أنا وأنت وابناك الحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين أركان الدين ودعائم الإسلام ، من تبعنا نجا ، ومن تخلّف عنّا فإلى النار » (٣). وقال للإمام الحسين عليه‌السلام : « أنت إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمّة تسعة تاسعهم قائمهم » (٤). وقال في بيان أوصيائه من بعده : « أوّلهم أخي ووزيري ووارثي وخليفتي في أمّتي ، ووليّ كلّ مؤمن بعدي ... ثمّ ابني الحسن ثمّ ابني الحسين ، ثمّ تسعة من ولد الحسين ؛ واحد بعد واحد حتى يردوا عليّ الحوض ، هم شهداء الله في أرضه ، وحجّته على خلقه ، وخزّان علمه ، ومعادن حكمته ؛ من أطاعهم أطاع الله ، ومن عصاهم عصى الله » (٥). وقال بشأن الحسن والحسين عليهما‌السلام :  « هذان ابناي إمامان قاما أو قعدا » (٦). وقال في أهل بيته عليهم‌السلام : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدى ؛ أحدهما أعظم من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يتفرّقا حتى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما » (٧). وقال أيضاً : « إنّما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق ، وإنّما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطّة في بني إسرائيل من دخله غُفِر له » (٨). وقال : « النجوم أمان لأهل الأرض

__________________

(١) ينابيع المودّة / القندوزي الحنفي ١ : ٣٠٨.

(٢) كفاية الأثر في النصّ على الأئمّة الاثني عشر / الخزاز : ٨٩.

(٣) الأمالي / المفيد : ٢١٧ / ٤ ، مجلس ٢٥.

(٤) جامع الأخبار / السبزواري : ٦٢ / ٨.

(٥) فرائد السمطين ، / الجويني ١ : ٣١٨ / ٢٠٥.

(٦) إعلام الورى بأعلام الهدى / الطبرسي : ٢١٤.

(٧) سنن الترمذي : حديث ٣٨١٣ ، مناقب أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(٨) مجمع الزوائد / الهيثمي ٩ : ١٦٨ ، ونحوه في الصواعق المحرقة / الهيتمي : ٢٣٤ ، ويُنظر : المستدرك على الصحيحين / الحاكم النيسابوري ٣ : ١٥١.

٣٠

من الغرق وأهل بيتي أمان لأمّتي من الاختلاف ، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس » (١).

وما تقدّم يدلّ دلالة واضحة على إمامة الحسن عليه‌السلام فهو إمام مفترض الطاعة منصّب من الله تعالى ومن رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو المقتدى به في أقواله وأفعاله ؛ وعلى ضوء ذلك فهو المقياس الذي تقاس به أفكار ومواقف الآخرين ، فمن وافقه نجا ، ومن خالفه خسر وهوى ؛ ولهذا فلا يعذر من خالفه ومن قاتله كمعاوية ، فهو ليس مجتهداً فأخطأ ، كما يزعم أنصار الشجرة الملعونة (٢) بل هو من البغاة العتاة المردة مع سبق الإصرار ؛ لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد ألقى الحجّة على المسلمين بالنصّ على إمامة سبطه الحسن عليه‌السلام وعلى عصمته وصحّة أفكاره ومواقفه ، فلا تجوز مخالفته فضلاً عن التمرّد على خلافته بالعصيان العسكري.

الفصل الثاني

الإمام الحسن عليه‌السلام في عهد الثلاثة

بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وفي ظرف انشغال الإمام علي عليه‌السلام وبني هاشم بمراسيم دفنه صلى‌الله‌عليه‌وآله حدث صراع واضح المعالم بين بعض المهاجرين ـ وعلى رأسهم أبي بكر وعمر ـ والأنصار ، تخلّلته جميع عوامل الصراع من منافسة ذاتية وحسد وروح قبلية واستخدام المناورة للوصول إلى السلطة ، وقد تم لقريش ما بيّتته وأزيح أمير المؤمنين عليه‌السلام عن منصبه وتولىٰ السلطة أبو بكر لا عن نص أو مشورة.

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٤٩.

(٢) الصواعق المحرقة : ٣٢٨.

٣١

موقف الإمام الحسن عليه‌السلام من أبي بكر :

أخرج الدارقطني : « أنّ الحسن جاء لأبي بكر وهو على منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : إنزل عن مجلس أبي ، فقال صدقت والله إنّه لمجلس أبيك ، ثمّ أخذه وأجلسه في حجره وبكى. فقال علي رضي‌الله‌عنه : أما والله ما كان عن رأيي. فقال : صدقت والله ما اتّهمك ... ووقع للحسن نحو ذلك مع عمر وهو على المنبر ، فقال له : منبر أبيك والله لا منبر أبي. فقال عليّ : والله ما أمرت بذلك. فقال عمر : والله ما اتّهمناك » (١).

وهكذا اعترض الإمام الحسن عليه‌السلام على تنصيب أبي بكر بعبارة موجزة  « انزل عن مجلس أبي » ، فقد أثبت بهذه العبارة حقّ أمير المؤمنين عليه‌السلام بالخلافة ، ولم يكن هذا القول بحثٍّ أو تحريك من قبل أبيه عليهما‌السلام ولم يكن نابعاً عن عواطف ساذجة من ابن لأبيه ، وإنّما كان موقفاً لا نظير له في بيان عمق وعي الإمام الحسن السبط بما جرى من وقائع وأحداث بعد وفاة جده المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن هنا اُعلن بهذا الموقف ـ وعلى مرأى جمع من الصحابة ـ عن حق زعيم أهل البيت عليهم‌السلام المغتصب في خلافة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله كما أكّدته أحاديث شتىٰ ، ولو لم يكن من بينها إلاّ حديث الغدير لكفىٰ ، ذلك الحديث الذي حضر الإمام الحسن عليه‌السلام زمانه ومكانه في حجة الوداع. وسمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه » (٢). وكان من المهنّئين له بالولاية أبو بكر وعمر ، ففي رواية قال له عمر : « هنيئاً يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كلّ مؤمن ومؤمنة » (٣). وفي رواية قال له : « بخٍ بخٍ لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كلّ مسلم » (٤). وفي رواية أنّ أبا بكر وعمر قالا له :

__________________

(١) الصواعق المحرقة : ٢٦٩ ، وتاريخ الخلفاء / السيوطي : ٦١.

(٢) مسند أحمد ٥ : ٣٥٥.

(٣) مسند أحمد ٥ : ٣٥٥.

(٤) أسد الغابة ٣ : ٦٠٦ ، البداية والنهاية ٧ : ٣٥٠.

٣٢

 « أمسيت يا ابن أبي طالب مولى كلّ مؤمن ومؤمنة » (١).

ومن جهة أخرى فأنّ الإمام الحسن عليه‌السلام علم كيف تمت البيعة لأبي بكر ، وكيف تغيّب جميع الصحابة عن السقيفة وخصوصاً الزعماء الكبار منهم وعلى رأسهم أقرباء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم تكن شورى بل كانت مغالبة وصراع وتهديد بالقتل ، وإنّ الاحتجاج بالقرابة لا يجدي نفعا وعلي عليه‌السلام هو أقرب الناس إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. وقد اعترف أبو بكر بفقدان الشورى بالقول : « إنّ بيعتي كانت فلتة وقى الله شرّها » (٢). وقال عمر بعد حين : « لا يغرّن امرؤ أن يقول : إنّ بيعة أبي بكر كان فلتة فتمّت ، وإنّها قد كانت كذلك إلاّ أنّ الله قد وقى شرّها » (٣).

فلا غرو إذن فيما لو وقف السبط بوجه رأس السلطة قائلاً : « إنزل عن مجلس أبي » ، وبمعنى آخر إنزل أو تنحّى عن منصب الخلافة والإمرة ومنصب القيادة والإفتاء والتوجيه والإرشاد ، لأنّه من مختصّات أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وبهذه العبارة الموجزة بيّن الإمام الحسن عليه‌السلام نظرية النصّ والتعيين لا نظرية الاختيار ، وبيّن أفضلية أبيه عليه‌السلام وأحقيّته بالخلافة من أبي بكر ، وبهذا سلب شرعية السلطة الحاكمة والممارسات الصادرة عنها.

الإمام الحسن عليه‌السلام وفدك :

عن أبي سعيد الخدري ، قال : « لمّا نزلت : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ ) (٤) ، أعطى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة فدكاً » (٥). وفدك هي أرض عائدة لفاطمة الزهراء عليها‌السلام إمّا بالنحلة أو بالميراث ، إلاّ أنّ الحاكم وهو أبو بكر قد صادر هذه الأرض وانتزعها

__________________

(١) الصواعق المحرقة : ٦٧.

(٢) شرح نهج البلاغة ٦ : ٢١.

(٣) مسند أحمد بن حنبل ١ : ٩٠.

(٤) سورة الإسراء : ١٧/٢٦.

(٥) شواهد التنزيل ١ : ٣٣٩ ، مجمع الزوائد ٧ : ٤٩.

٣٣

من ملكية فاطمة عليها‌السلام ، وقد طلبتها فاطمة عليها‌السلام بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، « تارة بالميراث وتارة بالنحلة فدفعت عنها » (١). وحينما أصرّت فاطمة عليها‌السلام على استرجاع حقّها طالبها أبو بكر بالبيّنة ، فشهد لها الإمام علي عليه‌السلام وأمّ أيمن ، وشهد لها أيضاً « الحسن والحسين » (٢). ومطالبة فاطمة عليها‌السلام بفدك لم يكن طمعا في أرض أو مال وهي الصدّيقة الزاهدة ؛ بل هو تعبير عن المطالبة بحقٍّ مغتصب وهو الخلافة ؛ حيث أنّ فدك بقيت على طول التاريخ تمثّل الحقّ المغتصب ، وهذا مانلاحظه في جواب الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام لهارون العباسي حينما قال له : « يا أبا الحسن حد فدك حتى أردّها عليك » ، وكان الإمام عليه‌السلام يأبى ذلك ، فلمّا ألحّ عليه ، قال : « لا آخذها إلاّ بحدودها ، قال : وما حدودها ، قال : إن حدّدتها لم تردّها ، قال : بحقّ جدّك إلاّ فعلت ، قال : أمّا الحدّ الأوّل فعدن ، والحدّ الثاني سمرقند ، والحدّ الثالث أفريقية ، والرابع سيف البحر ممّا يلي الخزر وأرمينية. قال هارون : فلم يبقَ لنا شيء ، فتحول في مجلسي. قال الإمام الكاظم عليه‌السلام : قد أعلمتك أنّي إن حدّدتها لم تردها » (٣). ففدك ليست أرضاً فحسب بل هي خلافة وحكومة أُزيح عنها أمير المؤمنين عليه‌السلام ؛ ولهذا أصرّت فاطمة عليها‌السلام على المطالبة بهذا الحقّ وأشهدت الشهود على ذلك ومنهم ولدها الحسن عليه‌السلام وكان عمره دون الثامنة ، فهي لم تُشهد طفلاً أو صبياً بل انساناً متكاملاً مؤهّلاً للشهادة على هذا الأمر الخطير ، الذي بقي ولا يزال رمزا لصراع جوهري بين مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام ومدرسة غيرهم ، وإعطاء الحسن عليه‌السلام هذا الدور البارز في قضية كبيرة ومسألة خطيرة لم يكن عفوياً أو ارتجالياً أو طلباً للحصول على شيء من أمور الدنيا يحشد فيه الإنسان كلّما يحتاجه من شهود ؛ بل هو أمر هام غير منفصل عن

__________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ١٤٤ / ١٧٥٩ ، وتاريخ الطبري ٣ : ٢٠٨.

(٢) السيرة الحلبية / دحلان ٣ : ٣٦٢.

(٣) ربيع الأبرار / الزمخشري ١ : ٣١٦.

٣٤

الموازين والمقاييس الإسلامية التي يتبنّاها أهل البيت عليهم‌السلام وعلى رأسهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي أعطى للحسن عليه‌السلام دورا متميّزاً في حياة المسلمين. وقد شهد الحسن عليه‌السلام بعائدية فدك للزهراء عليها‌السلام ، ولم يكن بهذه الشهادة قد انطلق من منطلقات عاطفية بحتة ، بل انطلق من منطلقات رسالية ؛ فهو في الحقيقة قد شهد بما رأى أو سمع من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه أعطى فدك لفاطمة عليها‌السلام ؛ لأنّه كان ملازماً له في أغلب مجالسه أو تنقّلاته ، وهو عليه‌السلام لا يشهد بالباطل أو لا يشهد بما لم يره أو يسمع به. وشهادته لفاطمة عليها‌السلام لها مداليل كبيرة وكثيرة ، لعل أظهرها أن أهل البيت عليهم‌السلام ـ صغيرهم وكبيرهم ـ ليسوا كبقية الناس ، وإنما هم معدن الرسالة ، ولا يُقاس بهم أحد. كما تعبّر تلك الشهادة عن إيمانه عليه‌السلام بخطأ الحاكم ، وبمخالفته لسنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وللثوابت الشرعية في تثبيت حقّ فاطمة عليها‌السلام بالنحلة تارة وبالإرث تارة أخرى.

الإجابة على الأسئلة الفقهية :

عن عبادة بن الصامت ، قال : « سأل أعرابي أبا بكر فقال : إنّي أصبت بيض نعام فشويته وأكلته وأنا محرم فما يجب علي ؟ فقال له : يا أعرابي أشكلت عليّ في قضيّتك ؛ فدلّه على عمر ، ودلّه عمر على عبدالرحمن ، فلمّا عجزوا قالوا : عليك بالأصلع ، فقال أمير المؤمنين : سل أيّ الغلامين شئت ، فقال الحسن عليه‌السلام : يا أعرابي ألك إبل ؟ قال : نعم ، قال : فاعمد إلى عدد ما أكلت من البيض نوقاً فاضربهنّ بالفحول ، فما فصل منها فاهده إلى بيت الله العتيق الذي حججت إليه. فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إنّ من النوق السلوب ومنها ما يزلق. فقال الحسن عليه‌السلام : إنّ يكن من النوق السلوب ما يزلق فإنّ من البيض ما يمرق » (١). لقد أراد الإمام علي عليه‌السلام بهذا إثبات معرفة ابنه الحسن عليه‌السلام بالأحكام الشرعية التي عجزت عنها السلطة الحاكمة باسم الدين.

__________________

(١) المناقب / ابن شهرآشوب ٤ : ١٣ ، ١٤.

٣٥

أذان بلال :

روي أنّ بلالاً رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في منامه وهو يقول : « ما هذه الجفوة يا بلال ؟ ما آن لك أن تزورنا ؟ فانتبه حزيناً ، فركب إلى المدينة فأتى قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وجعل يبكي عنده ويتمرّغ عليه ، فأقبل الحسن والحسين ، فجعل يقبّلهما ويضمّهما ، فقالا له : نشتهي أن تؤذّن في السحر ، فعلا سطح المسجد ، فلمّا قال : الله أكبر ، الله أكبر ارتجّت المدينة ، فلمّا قال : أشهد أن لا إله إلاّ الله زادت رجّتها ، فلمّا قال : أشهد أنّ محمداً رسول الله خرج النساء من خدورهنّ ، فما رئي يوم أكثر باكيا وباكية من ذلك اليوم » (١). إنّ هذا الطلب يعبّر عن دقّة النظر بربط الماضي بالحاضر والمستقبل ليعيش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مع المسلمين في سكناتهم وحركاتهم ولكي تبقى سيرته شاخصة أمام المسلمين بعد ابتعادهم عنها بإقصاء أهل البيت عليهم‌السلام عن مناصبهم ، ولكي تعيد الأمّة الذكريات النبوية إلى واقعها ، وتتوجّه إلى منهج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في الحياة لتتلقى منه مفاهيم العقيدة وقيم الإسلام وموازينه وشرائعه وقوانينه وآدابه وتقاليده ؛ لتتحرّك على ضوئها في حركتها نحو الاستقامة والكمال.

الإمام الحسن عليه‌السلام في عهد عمر بن الخطّاب :

حينما قربت وفاة أبي بكر أوصى بالخلافة إلى عمر ونصّ عليه ، وأصبح هذا التنصيص اللاشرعي قاعدة من قواعد تولّي الخليفة عند العامة (٢). وقد تم هذا رغم مخالفة الصحابة لذلك ؛ حيث دخل عليه المهاجرون والأنصار ، فقالوا له :  « تراك استخلفت علينا عمر ، وقد عرفته وعلمت بوائقه فينا وأنت بين أظهرنا ، فكيف إذا وليت عنّا وأنت لاق الله عزّوجلّ فسائلك ، فما أنت قائل » (٣). وقد توقّع الإمام علي عليه‌السلام هذه المسألة في جوابه لعمر حينما طالبه بالبيعة لأبي بكر

__________________

(١) أسد الغابة ١ : ٢٤٤.

(٢) الأحكام السلطانية / الماوردي : ٢٥.

(٣) الإمامة والسياسة ١ : ١٩.

٣٦

حيث قال : « احلب حلباً لك شطره ، واشدد له اليوم أمره يردده عليك غداً » (١). فالمسألة مسألة صفقة سياسية ، فاختيار أبي بكر لعمر لم يكن على أساس موضوعي يعتمد على المؤهّلات والخصائص الذاتية ، فلم يكن عمر أفضل الموجودين من حيث العلم والعدالة والكفاءة والشجاعة وباقي خصائص الخليفة ، ولم يتمّ تنصيبه على أساس شورى بين الصحابة ، وإضافة إلى ذلك لم يراع وصايا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حول علي عليه‌السلام سواء كان استخلافه بالتصريح أو التلميح ، فلا زال علي عليه‌السلام هو المؤهّل الوحيد لمنصب الخلافة ، وبهذا يكون غيره غير مؤهّل للخلافة.

وقد علم الإمام الحسن عليه‌السلام هذه الحقيقة فقال لعمر بن الخطاب : « انزل عن منبر أبي. فقال عمر : منبر أبيك والله لا منبر أبي » (٢). فالحسن عليه‌السلام قد واجه عمر بمرّ الحق ، وقال له بأن هذا المنبر الذي تجلس عليه ، تأمر وتنهى ليس لك كما لم يكن لأبي بكر من قبلك ، وإنما هو لنا أهل البيت وهذا زعيمهم وأولهم وهو أبي صلوات الله عليه. والمنبر في كلام الحسن السبط كناية عن الخلافة والسلطة والحكومة وإرث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله التي هي من مختصات أهل البيت عليهم‌السلام بالجعل والتخصيص من لدن الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإن من سبقهم إليها إنما سبقهم بتلك الطرق التي أقلّ ما يمكن أن يقال عنها أنها كانت ملتوية إلى حدٍ بعيد. وليس غريباً أن لا يعترض على عمر غير الإمام الحسن عليه‌السلام ، وهو دون الخامسة عشر ؛ لإدراكه خطورة إزاحة الإمام علي عليه‌السلام عن منصبه ، فبهذه الإزاحة تسلل الأمويون إلى مناصب خطيرة في الدولة الإسلامية ، وأصبح معاوية الحاكم المطلق لولاية الشام وأعطيت له صلاحيّات مطلقة ، حتىٰ أنّ عمر قال له : « لا آمرك ولا أنهاك » (٣). وبعد عمر انتقلت السلطة إلى عثمان بلعبة ( الشورى

__________________

(١) الإمامة والسياسة ١ : ١١.

(٢) الصواعق المحرقة : ٢٦٩ ، تاريخ الخلفاء : ٦١.

(٣) الاستيعاب / ابن عبد البر ٣ : ٣٩٧.

٣٧

العمرية ) فأقرّ بني أمية ومنهم معاوية وجمع له الشام كلّها ، فكان أميراً عشرين سنة (١). وبهذا الاستخلاف أقام معاوية جيشاً قوياً استطاع من خلاله التمرّد على خلافة الإمام علي عليه‌السلام ، ومن بعده خلافة الإمام الحسن عليه‌السلام ، واستولى على الخلافة بالترغيب والترهيب والتآمر فحولها إلى ملك يتوارثه الأبناء عن الآباء وعلى أثرها عاش أهل البيت عليهم‌السلام قتلاً وتشريداً ، وحرّف الحكّام السيرة النبوية وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله ، وأفسدوا أوضاع وأحوال وأخلاق وعقائد المسلمين. وهكذا فإنّ اعتراض الإمام الحسن عليه‌السلام على عمر لم يكن اعتراضاً ساذجاً بل كان اعتراضاً رسالياً ينظر إلى المستقبل نظرة ثاقبة ، تعبر عن حرصه عليه‌السلام على مستقبل الرسالة ومستقبل الأمّة الإسلامية بل مستقبل الإنسانية جمعاء.

التفاني من أجل الإسلام :

إنّ إزاحة أهل البيت عليهم‌السلام عن مناصبهم في قيادة وإدارة الحكومة ؛ لم يكن عائقاً لهم في تقييم أعمال السلطة ونشاطاتها وتوجيهها نحو الاستقامة على منهج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وثوابت القرآن الكريم ؛ لأنّهم ينطلقون من المصلحة الإسلامية العليا متعالين على المصالح الأخرى وإن كانت على مستوى عظيم وهو الخلافة والإدارة السياسية المباشرة ؛ لأنّ بقاء الإسلام وبقاء الكيان الإسلامي أهمّ الأمور بنظر أهل البيت عليهم‌السلام ، وقد وقف الإمام علي عليه‌السلام مرشداً وموجهاً للحكّام المتعاقبين كلما استطاع إلى ذلك سبيلاً خصوصا في القضايا التي يعجزون عن توجيهها أو إدارتها أو انجازها ، واعترف عمر بن الخطاب بهذه الحقيقة قائلاً :  « لولا عليّ لهلك عمر » (٢). فقد أسهم الإمام عليه‌السلام في حلّ المسائل القضائية والسياسية المستعصية ، وكان عليه‌السلام يشرك الإمام الحسن عليه‌السلام في هذا الحلّ لتبيان

__________________

(١) تاريخ الخلفاء : ١٥٦.

(٢) ينابيع المودّة ١ : ٨١ ، فرائد السمطين ١ : ٣٣٧ ، شرح نهج البلاغة ١٢ : ١٧٩.

٣٨

دوره الريادي في الأمّة ، فقد ورد في رواية عن الإمام الرضا عليه‌السلام : « أنّه أتي عمر برجل وجد على رأسه قتيل وفي يده سكّين مملوء دماً ، فقال الرجل : لا والله ما قتلته ولا أعرفه ، وإنّما دخلت بهذه السكين أطلب شاة لي عدمت من بين يديّ فوجدت هذا القتيل ، فأمر عمر بقتله ، فقال الرجل القاتل : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، قد قتلت رجلاً وهذا رجل آخر يقتل بسببي ؟ فشهد على نفسه بالقتل ، فأدركهم أمير المؤمنين وقال : لا يجب عليه القود إن كان قتل نفسا فقد أحيا نفساً ، ومن أحيا نفساً فلا يجب عليه قود. فقال عمر : سمعت رسول الله يقول : أقضاكم عليّ وأعطى ديته من بيت المال ».

وفي الكافي والتهذيب عن أبي جعفر عليهما‌السلام : أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام سأل فتوى ذلك من ولده الحسن عليه‌السلام ، فقال : « يطلق كلاهما والدية من بيت المال. قال : ولِم ؟ قال لقوله : ( وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ) » (١).

وهذه الرواية تبيّن لنا دور الإمام علي عليه‌السلام وولده الحسن عليه‌السلام في حلّ المسائل المستعصية حيث كان عليه‌السلام يتدخّل مباشرة أو ابتداءً في ذلك باعتباره مسؤولاً عن إدراة شؤون المسلمين وعلاج قضاياهم المستعصية.

عطاء الإمام الحسن عليه‌السلام :

لما دوّن عمر الدواوين وفرض العطاء ألحق الحسن والحسين بفريضة أبيهما عليهم‌السلام مع أهل بدر لقرابتهما من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ففرض لكلّ واحد منهما خمسة آلاف درهم (٢). وإذا تتبّعنا كتب التاريخ أو كتب الفقه لا نجد رواية تامّة السند حول استلام أهل البيت عليهم‌السلام لهذا العطاء القائم على أساس الفوارق الطبقية وإن كانت على أساس السبق في الإسلام والجهاد. وأخذ أهل البيت عليهم‌السلام

__________________

(١) المناقب / ابن شهرآشوب ٤ : ١٤ ، والآية من سورة المائدة : ٥/٣٢.

(٢) ترجمة الإمام الحسن عليه‌السلام من القسم غير المطبوع من كتاب الطبقات الكبرى / ابن سعد : ٦١ / ٨٩.

٣٩

العطاء له مبرّراته الشرعية. لأنه جزء يسير رُدّ إليهم من أموالهم المغتصبة ، ولكن بصورة العطاء ، وقد يكون أخذ العطاء وسيلة لتوزيعه على مستحقّيه من الفقراء والمحتاجين ، بعد أن أصبحت طريقة التوزيع أمراً واقعاً لا يمكن اصلاحه أو تغييره. وفي جميع الأحوال فلا إشكال في استلام العطاء من قبل الإمام الحسن عليه‌السلام.

دخول الإمام الحسن عليه‌السلام في الشورى العمرية :

حينما طُعِن عمر في خاصرته واستيقن من هلاكه ابتكر لعبة الشورى في تعيين الخليفة من بعده ، حيث جعل الأمر شورى بين ستة نفر من الصحابة وأمر بقتل من لم يرضَ منهم بعد اتفاق أكثرهم على شخص معين (١) في قصة مضحكة يطول بيانها وكشف ما فيها من تدبير لوصول عثمان الأموي إلى السلطة. وكان قد أمر باحضار الإمام الحسن عليه‌السلام قائلاً : « وأحضروا معكم الحسن بن عليّ وعبدالله بن عباس ، فإنّ لهما قرابة ، وأرجو لكم البركة في حضورهما ، وليس لهما من أمركم شيء » (٢). وكان موقف الإمام عليه‌السلام هو المشاركة في الشورى ، ومتابعة أحداثها ، كموقف الإمام علي عليه‌السلام وهو الدخول في الشورى ، حيث وجدا عليهما‌السلام أنّ الخلاف في مثل هذه الظروف لا يجدي نفعاً لأنّهم قرّروا إزاحة الإمام علي عليه‌السلام مرّة ثالثة عن موقعه ومنصبه الريادي في إدارة الحكم ، كما يفهم هذا من الامتيازات العمرية التي منحتها عبقريته لعبدالرحمن بن عوف ، وقد أدركا عليهما‌السلام ان رفضهما الدخول في الشورى قد يصل إلى درجة قتلهما تحت عنوان إثارة الفتنة وما شابه ذلك ، والمهم من ذلك كله هو أن إشراك عمر للإمام الحسن عليه‌السلام في الشورى اعتراف منه بمقامه ودوره في الحياة الإسلامية ، وقد انعكس موقف الإمام علي عليه‌السلام من مكيدة الشورىٰ ونتائجها على موقف الإمام الحسن عليه‌السلام في

__________________

(١) تاريخ الطبري ٤ : ٢٢٧ ـ ٢٣٩.

(٢) الإمامة والسياسة ١ : ٢٤.

٤٠