الإمام الحسن السّبط عليه السلام سيرة وتاريخ

السيد سعيد كاظم العذاري

الإمام الحسن السّبط عليه السلام سيرة وتاريخ

المؤلف:

السيد سعيد كاظم العذاري


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-38-6
الصفحات: ١١١
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

البأس ، وإعطاء السائل ، وحسن الخلق ، والمكافأة بالصنائع ، وصلة الرحم ، والتذمم للجار ، ومعرفة الحقّ للصاحب ، وقري الضيف ، ورأسهنّ الحياء ». وقيل له : من أحسن الناس عيشاً ؟ قال عليه‌السلام : « من أشرك الناس في عيشه » ، وقيل : من شرّ الناس عيشاً ؟ قال عليه‌السلام : « من لا يعيش في عيشه أحد » (١) وقال عليه‌السلام : « أحسن الحسن الخلق الحسن » (٢).

٧ ـ أخلاق المؤمنين : قال عليه‌السلام : « إنّ من أخلاق المؤمنين : قوة في دين ، وكرماً في لين ، وحزماً في علم ، وعلماً في حلم ، وتوسعة في نفقة ، وقصداً في عبادة ، وتحرجاً في طمع ، وبراً في استقامة ، لا يحيف على من يبغض ، ولا يأثم فيمن يحبّ ، ولا يدّعي ما ليس له ، ولا يجحد حقاً هو عليه ، ولا يهمز ولا يلمز ، ولا يبغي ، متخشع في الصلاة ، متوسع في الزكاة ، شكور في الرخاء ، صابر عند البلاء ، قانع بالذي له ، لا يطمح به الغيظ ، ولا يجمح به الشح ، يخالط الناس ليعلم ، ويسكت ليسلم ، ويصبر أن بغي عليه ليكون الهه الذي يجزيه ينتقم له » (٣).

٨ ـ العقل : قال عليه‌السلام : « لا أدب لمن لا عقل له ، ولا مروة لمن لا همة له ، ولا حياء لمن لا دين له ، ورأس العقل معاشرة الناس بالجميل ، وبالعقل تدرك الدارين جميعاً ، ومن حرم العقل حرمهما جميعاً » (٤).

٩ ـ العلاقات الاجتماعية : قال عليه‌السلام : « أحسن جوار من جاورك تكن مسلماً ، وصاحب الناس بمثل ما تحبّ أن يصاحبوك بمثله تكن عادلاً » (٥). وقال عليه‌السلام :  « هلاك الناس في ثلاث : الكبر والحرص والحسد » (٦). وقال عليه‌السلام : « المعروف ما لم

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٢٦.

(٢) الخصال / الشيخ الصدوق ١ : ٢٩ / ١٠٢.

(٣) جامع الأخبار : ٣٣٩ / ٩٤٩ ، الفصل الثمانون.

(٤) الفصول المهمة : ١٥١.

(٥) نور الأبصار : ١٣٤.

(٦) بحار الأنوار ٧٥ : ١١١.

١٠١

يتقدّمه مطل ولا يتبعه منّ ، والاعطاء قبل السؤال من أكبر السؤدد ». وقال عليه‌السلام :  « المزاح يأكل هيبة ، وقد أكثر من الهيبة الصّامت » (١).

١٠ ـ التشيّع مسؤولية : قال له رجل : أنا من شيعتكم ، فقال عليه‌السلام : « يا عبدالله إن كنت لنا في أوامرنا وزواجرنا مطيعاً فقد صدقت ، وإن كنت بخلاف ذلك فلا تزد في ذنوبك بدعواك مرتبة شريفة لست من أهلها ، لا تقل لنا : أنا من شيعتكم ، ولكن قل : أنا من مواليكم ومحبيكم ، ومعادي أعدائكم ، وأنت في خير وإلى خير » (٢). وكان عليه‌السلام يصحح الأفكار والمفاهيم الصادرة من بعض الصحابة ليبيّن الرأي الأكثر صواباً والأكثر انسجاماً مع ثوابت الايمان والاعتقاد. قيل له عليه‌السلام : إنّ أباذر كان يقول : « الفقر أحبّ إليّ من الغنى ، والسقم أحبّ إليّ من الصحة ». فقال عليه‌السلام :  « رحم الله أباذر ، أمّا أنا فأقول : من إتكل على حسن اختيار الله لم يتمنّ أنّه في غير الحالة التي اختارها الله له » (٣).

١١ ـ الرواية عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : وفي هذا الصدد رويت عنه عليه‌السلام أحاديث في أبواب مختلفة ؛ في الفضائل ، وفي الأخلاق ، وفي الفقه ، كما هو مدوّن في كتب الحديث ودعا عليه‌السلام بنيه وبني أخيه ، فقال : « يا بنيّ وبني أخي ، إنّكم صغار قوم يوشك أن تكونوا كبار آخرين ، فتعلّموا العلم ، فمن لم يستطع منكم أن يرويه أو يحفظه فليكتبه وليضعه في بيته » (٤). ولم يتوقف عن إعداد المصلحين والمبلّغين والدعاة إلى الإسلام وإلى منهج أهل البيت عليهم‌السلام حتى في أحرج الظروف الصحية ، فقد كان يحث الآخرين على سؤاله والاستفسار منه وهو في فراش الموت وفي أيامه الأخيرة عند ما سقي السقم. عن عمير بن إسحاق قال : « دخلت أنا ورجل على الحسن بن علي نعوده ، فقال : يا فلان سلني ، قال : لا والله لا نسألك

__________________

(١) بحار الأنوار ٧٥ : ١١٣.

(٢) بحار الأنوار ٦٥ : ١٥٦.

(٣) البداية والنهاية ٨ : ٣٩.

(٤) ترجمة الإمام الحسن عليه‌السلام من القسم غير المطبوع من كتاب الطبقات الكبرى : ٦٤ / ٩٨.

١٠٢

حتى يعافيك الله ثم نسألك ، ثم دخل ثم خرج إلينا ، فقال : سلني قبل أن لا تسألني ، فقال : بل يعافيك الله ثم أسألك ، قال : لقد ألقيت طائفة من كبدي وأنّي سقيت السمّ مراراً فلم أسق مثل هذه المرة ، ثم دخلت عليه من الغد وهو يجود بنفسه » (١).

١٢ ـ الموعظة والنصيحة :

وفي هذا أحاديث كثيرة منها : دخل جنادة بن أبي أمية على الإمام الحسن عليه‌السلام في مرضه الذي تُوفي فيه ، فقال : « عظني يابن رسول الله ، قال : نعم استعد لسفرك وحصل زادك قبل حلول أجلك ، واعلم أنك تطلب الدنيا والموت يطلبك ، ولا تحمل همّ يومك الذي لم يأت على يومك الذي أنت فيه ، واعلم أنك لا تكسب من المال شيئاً فوق قوتك إلاّ كنت فيه خازنا لغيرك ، واعلم أنّ الدنيا في حلالها حساب وفي حرامها عقاب وفي الشبهات عتاب ، فانزل الدنيا بمنزلة الميتة خذ منها ما يكفيك فإن كان حلالاً كنت قد زهدت فيها ، وإن كان حراماً لم يكن في وزر فأخذت منه كما أخذت من الميتة ، وإن كان العتاب فالعتاب يسير ، واعمل لدنياك كأنّك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً ، وإذا أردت عزّاً بلا عشيرة وهيبة بلاسلطان فاخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعة الله عزّوجلّ ، وإذا نازعتك إلى صحبة الرجال حاجة فاصحب من إذا صحبته زانك وإذا خدمته صانك وإذا أردت معونة أعانك وإن قلت صدق قولك وإن صلت شدّ صولك وإن مددت يدك بفضل مدها وإن بدت منك ثلمة سدها وإن رأى منك حسنة عدها وإن سألته أعطاك وإن سكت عنه ابتداك وإن نزلت بك إحدى الملمات واساك من لا تأتيك منه البوائق ولا تختلق عليك منه الطرائق ولا يخذلك عند الحقائق وإن تنازعتما منقسماً آثرك » (٢).

١٣ ـ بيان حقيقة معاوية وخبثه : عن الأسود بن قيس العبدي قال : « لقي الحسن بن علي يوماً حبيب بن مسلمة ، فقال له : يا حبيب ربّ مسير لك في غير

__________________

(١) حلية الأولياء ٢ : ٣٨.

(٢) أعيان الشيعة / حسن الأمين ١ : ٥٧٧.

١٠٣

طاعة الله ، فقال : أمّا مسيري إلى أبيك فليس من ذلك ، قال : بلى ، ولكنك أطعت معاوية على دنيا قليلة زائلة ، فلئن كان قام بك في دنياك لقد قعد بك في دينك ، ولو كنت إذ فعلت شراً قلت خيراً كان ذاك كما قال الله تبارك وتعالى : ( خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا ) (١) ، ولكنّك كما قال جلّ ثناؤه : ( كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) (٢) ».

ومن خبث معاوية أنه قال يوماً في مجلسه : « إذا لم يكن الهاشمي سخياً لم يشبه حسبه ، وإذا لم يكن الزبيري شجاعاً لم يشبه حسبه ، وإذا لم يكن المخزومي تائهاً لم يشبه حسبه ، وإذا لم يكن الأموي حليماً لم يشبه حسبه ». فبلغ ذلك ـ الإمام ـ الحسن بن علي عليهما‌السلام فقال : « والله ما أراد الحقّ ، ولكنّه أراد أن يغري بني هاشم بالسخاء فيفنوا أموالهم ويحتاجوا إليه ، ويغري آل الزبير بالشجاعة فيفنوا بالقتل ، ويغري بني مخزوم بالتيه فيبغضهم الناس ، ويغري بني أمية بالحلم فيحبهم الناس » (٣).

غدر معاوية واغتيال الإمام الحسن عليه‌السلام :

أيقن معاوية أنّ بقاء الإمام الحسن عليه‌السلام حيّاً يشكّل تهديداً واضحاً لنظامه القائم على أساس الخداع والتضليل وتزوير الحقائق وشراء الضمائر ، لأنه عليه‌السلام الخليفة الحق والأعلم والأتقى والقمة في جميع مقوّمات الشخصية الانسانية ، وزيادة على مؤهلاته الذاتية فإنّه يتمتع بفضائل ومقامات وردت في القرآن الكريم وأحاديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي مقابل ذلك يبقى معاوية باغياً طليقاً مبتزّاً متسلطاً غاصباً للسلطة والحكومة لا يملك أي مؤهلات سوى الخداع والتضليل وشراء الضمائر كمقوّمات لبقائه في السلطة ، وهو لا يستطيع الاستمرار في التسلط وممارسة الانحرافات المخالفة للكتاب والسنة ، وتحويل الخلافة إلى ملكٍ

__________________

(١) سورة التوبة : ٩ / ١٠٢.

(٢) ترجمة الإمام الحسن عليه‌السلام / من القسم غير المطبوع من كتاب الطبقات الكبرى : ٦٧ / ١٠٦. والآية من سورة المطففين : ٨٣ / ١٤.

(٣) مختصر تاريخ دمشق ٧ : ٣٢.

١٠٤

عضوض وسلطان يتوارثه بنو أمية مادام الإمام الحسن عليه‌السلام حياً ؛ ولهذا فكّر في التخلّص من الإمام عليه‌السلام فقتله بالسمّ. قال قتادة وأبوبكر بن حفص : « سُمَّ الحسن ابن علي ، سمّته امرأته بنت الأشعث بن قيس الكندي ، وقالت طائفة كان ذلك منها بتدسيس معاوية إليها وما بذل لها في ذلك » (١). ولما مات ورد البريد بموته على معاوية ، فقال : « يا عجباً من الحسن شرب شربة من عسل بماء رومة فقضى نحبه » (٢). وفي رواية عن الإمام الحسن عليه‌السلام قال : « لقد رقي إليّ أنّه كتب إلى ملك الروم يسأله أن يوجّه إليه من السمّ القتال بشربة ، فكتب إليه ملك الروم : أنّه لا يصلح لنا في ديننا أن نعين على قتال من لا يقاتلنا. فكتب إليه : إنّ هذا ابن الرجل الذي خرج بأرض تهامة قد خرج يطلب ملك أبيه ، وأنا أريد أن أدّس إليه من يسقيه ذلك ، فاريح العباد والبلاد منه ، ووجّه إليه بهدايا وألطاف ، فوجّه إليه ملك الروم بهذه الشربة التي دسّ بها فسقيتها » (٣). وعملية السم ليست عملية حقد شخصي أو ناجمة عن خلافات عشائرية أو قبلية ، بل هي تآمر سافر على مستقبل الرسالة الإسلامية ، فهي ليست قتل لشخص فحسب ، بل هي قتل للمفاهيم والقيم التي أراد الإمام عليه‌السلام لها أن تكون الحاكمة على الدولة والمجتمع الإسلامي. وكان الإمام الحسن عليه‌السلام يقول : « قد سقيت السمّ مراراً ، فلم أسق مثل هذا » (٤). وقال الشعبي : « إنّما دسّ إليها معاوية ، فقال : سمّي الحسن وأزوّجك يزيد وأعطيك مائة ألف درهم ، فلمّا مات الحسن بعثت إلى معاوية تطلب انجاز الوعد ، فبعث إليها بالمال ، وقال : إنّي أحبّ يزيد وأرجو حياته لولا ذلك لزوجتك إيّاه » (٥). واتفق المؤرخون على أنّ الإمام عليه‌السلام اُستشهد بالسمّ ، وإنّ

__________________

(١) الاستيعاب ١ : ٣٧٤.

(٢) الاستيعاب ١ : ٣٧٥.

(٣) بحار الأنوار ٤٤ : ١٤٧ / ١٤.

(٤) الاصابة ١ : ٣٣٠.

(٥) تذكرة الخواص : ١٩٢.

١٠٥

معاوية اللعين ابن اللعين هو الذي دسّ إليه السُّمَّ فقتله (١).

وقد أوصى الإمام الحسن لأخيه الإمام الحسين عليهما‌السلام قائلاً : « هذا ما أوصى به الحسن بن علي إلى أخيه الحسين ، أوصى أنّه يشهد أنّ لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأنّه يعبده حقّ عبادته لا شريك له في الملك ، ولا ولي له من الذل ، وأنّه خلق كل شيء فقدره تقديراً ، وأنّه أولى من عُبِد ، وأحقّ من حُمِد ، من أطاعه رشد ، ومن عصاه غوى ، ومن ناب إليه اهتدى ، فإنّي أوصيك يا حسين بمن خلفت من أهلي وولدي وأهل بيتك أن تصفح عن مسيئهم ، وتقبل من محسنهم ، وتكون لهم خلفاً ووالداً ، وأن تدفنني مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فإنّي أحقّ به وببيته ، فإنّ أبوا عليك فانشدك الله وبالقرابة التي قرب الله منك والرحم الماسة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن لا يهراق من أمري محجمة دم حتى تلقى رسول الله فتخصمهم وتخبره بما كان من أمر الناس إلينا » (٢). « ثمّ وصى إليه بأهله وولده وتركاته ، وما كان وصى به إليه أمير المؤمنين عليه‌السلام حين استخلفه وأهله بمقامه ودلّ شيعته على استخلافه ، ونصب لهم علماً من بعده » (٣).

ثم طلب عليه‌السلام أخاه محمّد بن الحنفية ليعلمه بإمامة الحسين عليه‌السلام قائلاً لقنبر :  « ادع لي محمد بن عليّ ، فلمّا دخل وسلّم قال له الإمام عليه‌السلام : اجلس فإنّه ليس مثلك يغيب عن سماع كلام يحيى به الأموات ويموت به الاحياء ، كونوا اوعية العلم ومصابيح الهدى ؛ فإنّ ضوء النهار بعضه أضوء من بعض. أما علمت أنّ الله جعل ولد إبراهيم عليه‌السلام أئمة ، وفضّل بعضهم على بعض وآتى داود عليه‌السلام زبوراً وقد علمت بما استأثر به محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله. يا محمد بن عليّ إنّي أخاف عليك الحسد ، وإنّما وصف الله به الكافرين ، فقال الله عزّوجلّ : ( كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ

__________________

(١) حياة الإمام الحسن بن علي عليهما‌السلام ٢ : ٤٧٧.

(٢) الأمالي / الشيخ الطوسي : ١٥٩ ـ ١٦٠ / ١٩ ، مجلس ٦.

(٣) الإرشاد : ١٩٣.

١٠٦

لَهُمُ الْحَقُّ ) (١) ، ولم يجعل الله عز وجلّ للشيطان عليك سلطاناً. يا محمد ألا أخبرك بما سمعت من أبيك فيك ؟ سمعت أباك عليه‌السلام يقول يوم البصرة : من أحبّ أن يبرّني في الدنيا والآخرة فليبرّ محمداً ولدي ... يا محمد بن عليّ أما علمت أنّ الحسين بن علي بعد وفاة نفسي ومفارقة روحي جسمي ؛ إمام من بعدي وعند الله جلّ اسمه في الكتاب ، وراثة من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أضافها الله عزّوجلّ له في وراثة أبيه وأمّه ، فعلم الله أنكم خيرة خلقه ، فاصطفى منكم محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله واختار محمد علياً عليه‌السلام واختارني عليّ عليه‌السلام بالامامة ، واخترت أنا الحسين عليه‌السلام ». فقال له محمد : « أنت إمام وأنت وسيلتي إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ... الحسين أعلمنا علما وأثقلنا حلماً ، وأقربنا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رحماً ، كان فقيهاً قبل أن يخلق ، وقرأ الوحي قبل أن ينطق ، ولو علم الله في أحد خيراً ما اصطفى محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلما اختار الله محمداً ، واختار محمد علياً ، واختارك عليّ اماماً ، واخترت الحسين ؛ سلّمنا ورضينا » (٢).

ولما دنى أجله عليه‌السلام ، قال لأخيه الإمام الحسين عليه‌السلام : « يا أخي إنّ هذه آخر ثلاث مرار سقيت فيها السمّ ، ولم أسقه مثل مرّتي هذه ، وأنا ميت من يومي ، فإذا أنا متّ فادفني مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فما أحد أولى بقربه منّي ، إلاّ أن تمنع من ذلك فلا تسفك فيه محجمة دم ».

ولما اُستشهد عليه‌السلام أخرج الإمام الحسين عليه‌السلام نعشه يُراد به قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فركب مروان بن الحكم ، وسعيد بن العاص ، فمنعا من ذلك ، حتى كادت أن تقع فتنة ، وكانت عائشة قد ركبت في ذلك اليوم بغلة شهباء ، وقالت : بيتي لا آذن فيه لأحد ، فأتاها القاسم بن محمد بن أبي بكر ، فقال لها : يا عمّة ما غسلنا رؤوسنا من يوم الجمل الأحمر ، أتريدين أن يقال يوم البغلة الشهباء ؟ فرجعت. واجتمع مع الحسين بن علي عليهما‌السلام جماعة وخلق من الناس ، فقالوا له :

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ / ١٠٩.

(٢) الكافي ١ : ٣٠٠ / ٢ ، باب الاشارة والنصّ على الحسين بن علي عليهما‌السلام.

١٠٧

دعنا وآل مروان ، فوالله ما هم عندنا كأكلة رأسٍ ، فقال : إنّ أخي أوصاني أن لا أريق فيه محجمة دم ، فدفن عليه‌السلام في البقيع (١). وكان عدد المشيعين كبيراً جداً ، فقد روي عن ثعلبة بن مالك أنّه قال : « شهدت الحسن يوم مات ودفن في البقيع ، فرأيت البقيع ولو طرحت فيه ابرة ما وقعت إلاّ على رأس انسان » (٢). واختلف في سنة شهادته ، فقيل سنة ٤٩ ه‍ ، وقيل سنة ٥٠ ه‍ (٣). وحينما وصل الخبر إلى معاوية كبّر في جمع من أهل الشام ، وقال : « والله ما كبّرت شماتة ، ولكن استراح قلبي وصفت لي الخلافة » (٤). وبعد شهادته نقض معاوية بقية العهود والمواثيق ، وازداد البلاء فلم يبقَ أحد من اتباعه إلاّ وهو خائف على دمه ، أو طريد في الأرض (٥).

وسلام على السبط الحسن الزكي المُمتحَن

يوم وُلد ويوم استُشهد ويوم يُبعث مع الشهداء حيّاً

وسيعلم الذين ظلموا آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله حقهم أيَّ منقلبٍ ينقلبون

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٢٥.

(٢) الاصابة ١ : ٣٣٠.

(٣) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٢٥ ، والاستيعاب١ : ٣٧٣ ، والإصابة ١ : ٣٣٠.

(٤) ربيع الأبرار / الزمخشري ٤ : ٢٠٩.

(٥) شرح نهج البلاغة ١١ : ٤٦.

١٠٨

الفهرست

كلمة المركز ..............................................................................................................  ٥

المقدِّمة ...................................................................................................................  ٧

الفصل الأوّل : الإمام الحسن عليه‌السلام في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ......................................................................  ٩

التقدير والتكريم والاهتمام ................................................................................................  ٩

الحُبّ ...............................................................................................................  ١٢

المناغاة والتربية البدنية ..................................................................................................  ١٣

التربية والتعليم ........................................................................................................  ١٤

حضور الإمام الحسن عليه‌السلام بيعة الرضوان .................................................................................  ١٧

شهادة الإمام الحسن عليه‌السلام على كتاب ثقيف ...............................................................................  ١٨

موقف الإمام الحسن عليه‌السلام من أبي سفيان .................................................................................  ٢٠

فضائل الإمام الحسن عليه‌السلام وإمامته .......................................................................................  ٢٠

أولاً : من القرآن الكريم ................................................................................................  ٢٠

ثانياً : من السنّة النبوية .................................................................................................  ٢٦

الفصل الثاني : الإمام الحسن عليه‌السلام في عهد الثلاثة .............................................................................  ٣١

موقف الإمام الحسن عليه‌السلام من أبي بكر ....................................................................................  ٣٢

الإمام الحسن عليه‌السلام وفدك ..............................................................................................  ٣٣

الإجابة على الأسئلة الفقهية ............................................................................................  ٣٥

أذان بلال ............................................................................................................  ٣٦

الإمام الحسن عليه‌السلام في عهد عمر بن الخطّاب ..............................................................................  ٣٦

التفاني من أجل الإسلام ................................................................................................  ٣٨

عطاء الإمام الحسن عليه‌السلام ..............................................................................................  ٣٩

دخول الإمام الحسن عليه‌السلام في الشورى ....................................................................................  ٤٠

الإمام الحسن عليه‌السلام في عهد عثمان بن عفّان ...............................................................................  ٤١

اعتراف عثمان بمؤهّلات الإمام الحسن عليه‌السلام ...............................................................................  ٤١

تحدي الإمام الحسن عليه‌السلام عثمان في توديع أبي ذر ...........................................................................  ٤٢

موقف الإمام الحسن عليه‌السلام من حصار عثمان ..............................................................................  ٤٣

الفصل الثالث : الإمام الحسن عليه‌السلام في عهد أمير المؤمنين عليه‌السلام ..................................................................  ٤٥

الإمام الحسن عليه‌السلام في معركة الجمل .....................................................................................  ٤٥

خطاب الإمام الحسن عليه‌السلام في معركة الجمل ..............................................................................  ٤٧

الإمام الحسن عليه‌السلام في معركة صفّين .....................................................................................  ٤٨

الإمام الحسن عليه‌السلام ومقتل عمّار بن ياسر ..................................................................................  ٥٠

الحرص على سلامة الإمام الحسن عليه‌السلام ...................................................................................  ٥٠

١٠٩

الإمام الحسن عليه‌السلام والتحكيم ...........................................................................................  ٥١

وصية أمير المؤمنين للإمام الحسن عليهما‌السلام عند انصرافه من صفين ...............................................................  ٥١

آخر وصايا أمير المؤمنين عليه‌السلام ..........................................................................................  ٥٢

إمامة الإمام الحسن عليه‌السلام في كلمات ووصايا أمير المؤمنين عليه‌السلام ..............................................................  ٥٣

عهد أمير المؤمنين عليه‌السلام بالامامة لابنه الحسن عليه‌السلام ..........................................................................  ٥٦

الفصل الرابع : خصائص الإمام الحسن عليه‌السلام القيادية ..........................................................................  ٥٧

١ ـ العصمة ........................................................................................................  ٥٨

٢ ـ العلم ...........................................................................................................  ٥٨

٣ ـ الارتباط بالله تعالى ................................................................................................  ٥٩

٤ ـ الكرم ..........................................................................................................  ٦١

٥ ـ البلاغة والفصاحة ................................................................................................  ٦٣

٦ ـ الهيبة ...........................................................................................................  ٦٥

٧ ـ الشجاعة .......................................................................................................  ٦٦

٨ ـ التواضع ........................................................................................................  ٦٨

٩ ـ الحلم واستيعاب المخالفين .........................................................................................  ٦٨

١٠ ـ الرفق والمداراة ..................................................................................................  ٦٩

طائفة من الأقوال بحق الإمام الحسن عليه‌السلام ................................................................................  ٧٠

الفصل الخامس : خلافة الإمام الحسن عليه‌السلام ..................................................................................  ٧٣

المبحث الأوّل : المبايعة للإمام الحسن عليه‌السلام بالخلافة ............................................................................  ٧٣

دعوة معاوية للطاعة ...................................................................................................  ٧٥

مؤامرات معاوية ......................................................................................................  ٧٨

توالي الخيانات في جيش الإمام عليه‌السلام .....................................................................................  ٧٩

توالي الاشاعات والحرب النفسية ........................................................................................  ٧٩

مراسلة معاوية للإمام عليه‌السلام ودعوته لتسليم السلطة إليه ......................................................................  ٨٠

ظروف الصلح البعيدة والقريبة ..........................................................................................  ٨١

١ ـ ظروف الحكم الأموي ............................................................................................  ٨١

٢ ـ ظروف العهد العلوي .............................................................................................  ٨٢

٣ ـ ظروف وأوضاع جيش الإمام الحسن عليه‌السلام ..........................................................................  ٨٣

٤ ـ ظروف الإمام الحسن عليه‌السلام .......................................................................................  ٨٥

أسباب عدم اختيار موقف التضحية ......................................................................................  ٨٦

شروط الإمام عليه‌السلام ووعود معاوية .......................................................................................  ٨٨

الدور الايجابي للوعود والشروط .........................................................................................  ٨٨

الصلح ومراعاة المصلحة الإسلامية .......................................................................................  ٨٩

١١٠

١. شرعيّة الموقف والقرار ..............................................................................................  ٨٩

٢. الظروف .........................................................................................................  ٨٩

٣. المصلحة الإسلاميّة .................................................................................................  ٩٠

المبحث الثاني : نتائج الصلح وآثاره .........................................................................................  ٩٠

انكشاف حقيقة معاوية والحكم الأموي ..................................................................................  ٩٠

خصائص معاوية الارهابية ..............................................................................................  ٩٢

رقابة الإمام الحسن عليه‌السلام لممارسات معاوية الباغي ..........................................................................  ٩٢

المبحث الثالث : الإمام الحسن عليه‌السلام من الصلح حتى الشهادة .................................................................  ٩٣

عدم الاعتراف بشرعية سلطة معاوية .....................................................................................  ٩٦

رفض مصاهرة الامويين وتبيان حقيقة الصراع .............................................................................  ٩٦

فضح النظام الأموي ...................................................................................................  ٩٧

الاعداد الفكري والسلوكي للطليعة المؤمنة ................................................................................  ٩٩

١ ـ تقوى الله والخروج من الفتن .....................................................................................  ١٠٠

٢ ـ الاختلاف إلى المسجد ...........................................................................................  ١٠٠

٣ ـ التشاور .......................................................................................................  ١٠٠

٤ ـ السياسة .......................................................................................................  ١٠٠

٥ ـ ايجابيات التقية ..................................................................................................  ١٠٠

٦ ـ مكارم الاخلاق ................................................................................................  ١٠٠

٧ ـ أخلاق المؤمنين .................................................................................................  ١٠١

٨ ـ العقل .........................................................................................................  ١٠١

٩ ـ العلاقات الاجتماعية ............................................................................................  ١٠١

١٠ ـ التشيّع مسؤولية ...............................................................................................  ١٠٢

١١ ـ الرواية عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ....................................................................................  ١٠٢

١٢ ـ الموعظة والنصيحة .............................................................................................  ١٠٣

١٣ ـ بيان حقيقة معاوية وخبثه ......................................................................................  ١٠٣

غدر معاوية واغتيال الإمام الحسن عليه‌السلام ................................................................................  ١٠٤

الفهرست .............................................................................................................  ١٠٩

١١١