التكافل الإجتماعي في مدرسة أهل البيت عليهم السلام

عباس ذهبيات

التكافل الإجتماعي في مدرسة أهل البيت عليهم السلام

المؤلف:

عباس ذهبيات


الموضوع : علم‌النفس والتربية والاجتماع
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-8629-05-6
الصفحات: ١١٤

Description: F:Book-LibraryENDQUEUETakafol-Ejtemaeiimagesimage001.gif

١
٢

Description: F:Book-LibraryENDQUEUETakafol-Ejtemaeiimagesimage002.gif

٣

٤

كلمة المركز

اللهمّ لك الحمد والثناء والعظمة والكبرياء ، وصلى الله على نبّينا محمد أشرف المرسلين والأنبياء ، وآله آل ياسين المطهّرين الأوفياء. أمّا بعد..

هناك جملة من المبادىء الإنسانيّة الرفيعة المشتركة بين أهل الأديان وغيرهم ، مدعاة لفخر المتمسك بها سواء كان أمّة أو شعباً أو فرداً ، ويأتي في طليعتها مبدأ التكافل الاجتماعي الذي يعني تحسّس الإنسان آلام أخيه الإنسان معنوية كانت أو مادّية.

وما موقف الإسلام العظيم تجاه هذا المبدأ الشريف إلاّ موقف المقنّن له ، والمشجّع عليه ، والمحذّر من تركه أو التهاون بشأنه.. وهكذا ضمن بقاءه من خلال التأكيد عليه في تشريعاته القانونية ، حتى جعل له نظاماً خاصّاً وهو ما يعرف بنظام الحقوق الشرعية بشقّيها الواجبة والمستحبّة التي خصّ بها الفئات المحرومة من الناس ولم يفرّق في ذلك بين حرّ أو عبد ، مسلم أو غير مسلم ، رجل أو امرأة.

ومن روعة الإسلام في هذا المبدأ أنّه هذَّب نفوس المسلمين تجاهه ، رافعاً شعاره ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) ، موصيا كلّ مسلم بقوله : « أحبب لغيرك ما تحبّ لنفسك واكره له ما تكره لها » ؛ كلّ هذا بهدف أن تكون العلاقات الاجتماعية علاقات متينة مرتبطة برباط وثيق محكم ، يتفرّغ معها القائم بمساعدة الآخرين عن كلّ إحساس أو شعور بالفضل عليهم ، تماماً كمن يقوم بأداء واجبه المطلوب ، بحيث يكون العطاء نابعاً عن نفس صافية وروح إيمانية عالية لدرجة لا يكون في ظلالها معبّراً عن الفضل والإحسان بقدر ما يعبّر عن أداء الواجب ، وبهذا يضمن صدوره عن تصرّف مسؤول وواع ، وبطريقة عفوية لا أثر فيها لتكلّف أو منّة أو إلزام.

وممّا يقرّب من روعة الصورة التي أرادها الإسلام أن تكون في هذا المبدأ أنّه عدّ الفقير شريكا للغني في أمواله بمقدار ماله من حصّة شرعية فيها ؛ لكي لا يكون الدفع المستحقّ إليه خارجاً عن دائرة الاستحقاق بأي نحو كان. ما دام عنوان الدفع هو الشركة بين إثنين.

وفي هذا يقول إمامنا الصادق عليه‌السلام : « إنّ الله أشرك بين الأغنياء والفقراء في الأموال فليس لهم أن يصرفوا إلى غير شركائهم ». كما نجد في مدرسة أهل البيت : بياناً شافياً لعظمة الدور الاجتماعي في مسألة التكافل فيما يمثّله من قيمة عالية في ميزان الشرع الحنيف بحيث يكون بالمستوى الذي يفوق فيه بعض الممارسات العبادية العظيمة عند الله عزّوجل كالحج !! ممّا يشير هذا إلى عظمة وخطورة الدور الاجتماعي في باب التكافل ، ويوحي بامتداداته الواسعة التي يُتقرّب بها إلى الله عزّوجل كعبادة مثالية عظيمة ، تتميّز بدرجاتها الرفيعة على

٥

كثير من العبادات المهمّة ، وفي هذا يقول إمامنا باقر العلوم عليه‌السلام : « لأن أعول أهل بيت من المسلمين أسدّ جوعتهم وأكسو عورتهم ، وأكفّ وجوههم عن الناس ، أحبّ إليّ من أنّ أحجّ حجّة وحجّة وحجّة ، ومثلها ومثلها حتى بلغ عشرا ، ومثلها حتى بلغ السبعين ». وفي هذا ما يدلّ بوضوح على أنّ أقصر الطرق إلى الله تعالى هي خدمة عباده.

ومن جهة أخرى نرى في سنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته : تجسيداً رائعاً لهذا المبدأ وترغيباً واضحاً للمسلم في أن يعيش العطاء في طاقاته ؛ ليكون وجوده ـ في مجتمعه ـ فاعلاً ومفيداً ، بعيداً عن حسابات الربح والخسارة المادّية في هذه الحياة ؛ لأنّه في واقع الحال سيتّجر مع الله عزّوجل ؛ فيلقى حينئذ ما قدّمه من خير أمامه ، وما أكسب من تجارة رأس مالها الأعمال الزاكية ، ومثل ربحها ( كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ) ، ونتيجتها القرب من الله عزّ وجل ؟!

وهكذا أراد الإسلام العظيم أن يتّخذ المسلمون ـ أفراداً وجماعات ـ منهجاً جديداً تجاه مسألة التكافل ، يسوده الشعور بأداء الواجب ، لكي تتحرّك علاقاتهم في المجتمع الإسلامي في إطار يفتح فيه مجتمعهم نافذة واسعة للمحرومين من أبنائه ليطلّوا من خلالها على الحياة ويسهموا في بنائها ؛ وعنئذ سينطلق الكلّ في خدمة القوّة الإجتماعية التي تحمي للمجتمع الإسلامي حياته وتساعده على نموّه وازدهاره ، وإلاّ فستطيح الروح الأنانية الجشعة بالتوازن الاجتماعي بين شرائح المجتمع حتى ينتهي الأمر إلى ضعفه وتدهوره لفقده عنصر التماسك المطلوب.

وكتاب ( التكافل الاجتماعي في مدرسة أهل البيت : ) عزيزي القارئ ، قد عالج موضوعه من جهات شتّى ، مبيّنا أُسس التكافل ، ومن يحتاج إليه ، ومتطلّباته ، وسبل تأمينها وطرق تحصيلها بأسلوب علمي ، وعبارة رشيقة واضحة ، كاشفاً بهذا عمّا في تلك المدرسة المقدّسة المباركة من كنوز التكافل.. آملين أن يحقّق تجاه هذا المبدأ الشريف الوعي الإسلامي المطلوب ، ويدفع بممارسته خطوات واسعة إلى الأمام ؛ لما في ذلك من خير عاجل وآجل.

والله الهادي إلى سواء السبيل

مركز الرسالة

٦



المُقدَّمةُ

تعتمد الرعاية الاجتماعية في الإسلام على مبدأ التكافل الذي يبيّن من تقع عليه مسؤولية رعاية المحتاج ومن هنا صارت كفالة المحتاج على أفراد أسرته مسؤولية مقررة سواء أكان طفلاً أو أرملة أو مطلقة أو عاجزاً عن الكسب ، فإذا عجزت الأسرة عن هذه الكفالة ، انتقلت المسؤولية إلى المجتمع ، كما يُشير إلى ذلك قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالمَحْرُومِ ) (١) ، فهذا الخطاب يوضح بأجلى المعاني مسؤولية القادرين وهم الأغنياء تجاه السائل والمحروم ، إذ لهما في أموالهم حقّ معلوم ، وبتعبير معاصر أنه نظام يعتمد على التشريع والتنفيذ في تحديد هذا الحق المعلوم.

والملاحظ أن التكافل الاجتماعي في الإسلام يرتكز على شقين أساسيين :

أولهما : قائم على التراحم ، وهو غالبا ما يتصل برعاية الأسرة لذوي قرباها ، حيث اعتمد الإسلام في ذلك على الصّلة الطبيعية التي تدفع أفراد الأسرة إلى رعاية شئون الأبناء والاقارب وخصوصا اليتامى والأرامل منهم ، وهي رعاية أدبية في المقام الأول ، ويمتد تأثيرها إلى المجتمع كله.

________________

(١) سورة المعارج : ٧٠ / ٢٤ و ٢٥.

٧

وثانيهما : وهو التكافل المادي ، وقد أهتم به الإسلام عن طريق تحديد مسؤولية المجتمع نحو المعوزين والمحتاجين ، فأوجب لهم حقاً معلوماً سوف نتطرق لمقداره وطبيعته.

وقد دعا القرآن الكريم إلى هذا التعاون المادي وحثّ عليه ، واستنهض الهمم من أجله ، وأطلق عليه جملة من العناوين المحببة فيه. مثل عناوين « إحسان ، زكاة ، صدقة ، حق ، إنفاق في سبيل الله » ثم طلبه بصفته ركناً من أركان الدين وبصفته فضيلة إنسانية ، وأوجبه للفقير على الغني في أصناف المال كله : نقده ، وزرعه ، وماشيته. ولعلّ أوضح شاهد علىٰ ذلك ما شرعه الإسلام في آخر شهر رمضان من كل عام باسم « زكاة الفطرة ».

وفي بحثنا عن التكافل الاجتماعي وفق رؤية مدرسة أهل البيت : اتبعنا « المنهج النقلي » وقسمنا البحث إلى مقدمة وثلاثة فصول ، يتطرق الفصل الأول : إلى أُسس التكافل الاجتماعي. ويعدد الفصل الثاني : من يحتاج إلى التكافل. أما الفصل الثالث : فيتحدث عن الحاجات الأساسية للتكافل ، وسُبل تأمينها ، ومن الله نستمد العون والتوفيق.

*  *  *

٨



الفصل الأول :

أسس التكافل الاجتماعي في مدرسة أهل البيت :

لم تنبت فكرة التكافل بلا جذور ، ولم تنطلق من فراغ ، وإنّما سبقتها ومهدت لها وأسهمت في فاعليتها وديمومتها مجموعة من الأسس والمبادئ العامة ، كانت بمثابة البنىٰ التحتية التي عملت على بلورة فكرة التكافل وإرساء قواعدها ، وفي طليعة هذه الأسس والمبادئ :

أولاً : مبدأ الأخوّة الإيمانية

عمل الإسلام على بناء وتدعيم علاقات طيبة بين الناس تقوم على أساس الأخوّة والألفة ، وإذا كان علم الاجتماع معنياً أولاً وقبل كل شيء بالظواهر الاجتماعية ، فإن ظاهرة الأخوّة التي أوجدها الإسلام بين أفراده تستحق الدراسة والتأمل ، فقد كان العرب ـ في الجاهلية ـ على شفا حفرة من نار الخلاف والاختلاف والتمزق والتقاتل ، ولكنهم بعد أن ارتضعوا من لبان ثقافة الإسلام أصبحوا أمة متحدة ، مرهوبة الجانب تمتلك أسباب التمدّن والرّقي.

٩

فقد أحدثت مبادئ الإسلام وخاصة مبدأ الأخوة إنعطافاً اجتماعياً حاداً في أنماط تفكير وسلوك الغالبية الغالبة من المسلمين ، حيث كان الإنسان الجاهلي قبل الإسلام منكفئاً على ذاته ، ومتقوقعاً داخل أسوار نفسه ، فغدا بفضل الإسلام إنساناً إجتماعياً يشعر بمعاناة إخوته ، ويمدّ يده العون لهم ، ويشاركهم في مكاره الدهر.

وهذه النقلة الحضارية يشير إليها القرآن بصورة جلّية ، في قوله عز من قائل : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ) (١).

وكان للسُنة النبوية الأثر البالغ في تدعيم وترسيخ مبدأ التكافل من خلال تأكيدها على مبدأ الأخوة وما يستلزمه من التزامات إجتماعية كقضاء حوائج الإخوان وإعانتهم ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من سعىٰ في حاجة أخيه المؤمنين ، فكأنّما عبد الله تسعة آلاف سنة ، صائماً نهاره ، قائماً ليلة » (٢).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من قضى لأخيه المؤمن حاجةً ، كان كمن عبد الله دهره » (٣).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من مشى في عون أخيه ومنفعته ، فله ثواب المجاهدين

________________

(١) سورة آل عمران : ٣ / ١٠٣.

(٢) من لا يحضره الفقيه / الشيخ الصّدوق ٢ : ١٩٠ ، الناشر : جماعة المدرسين ، قم ـ ط ٢ ١٤٠٤ ه‍.

(٣) الأمالي / الشيخ الطوسي : ٤٨١ / المجلس السابع عشر.

١٠

في سبيل الله » (١).

فهنا نجد أن قضاء حوائج الأخوان وخاصة تلك التي لابد منها لاستمرار العيش الكريم يرفعها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى درجة العبادة العملية التي تستلزم الثواب الأخروي الجزيل.

وكان الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله يحثّ على صون كرامة الأخ المؤمن وعدم إراقة ماء وجهه بعدم تكليفه الطلب عند حاجته ، لذلك يدعو إلى المبادرة بقضاء حوائجه بمجرّد الشعور بحاجته إلى المساعدة ، وهذه توصية حضارية في غاية الأهمية ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا يكلّف المؤمن أخاه الطلب إليه إذا علم حاجته » (٢).

ونسجت مدرسة أهل البيت : على هذا المنوال بأقوال عديدة تعكس حالة التضامن والتكافل التي ترغب في إشاعتها بين أفراد المجتمع ، فعن الإمام علي عليه‌السلام قال : « خير الاخوان من لا يحوج إخوانه إلى سواه » (٣).

وقال أيضاً : « خير اخوانك من واساك » (٤).

ورسم لنا أمير المؤمنين عليه‌السلام مقياساً للتفاضل الاجتماعي يقوم على المنفعة

________________

(١) ثواب الأعمال / الشيخ الصدوق : ٢٨٨ ، منشورات الرضي ـ قم ، ط ٢ ـ ١٣٦٨ ه‍.

(٢) الخصال / الشيخ الصدوق : ٦١٤ ، نشر جماعة المدرسين في الحوزة العلمية ، قم.

(٣) غرر الحكم / الآمدي ١ : ٣٥٠ / ح ٣ ، الفصل (٢٩) ، مؤسسة الأعلمي ، ط ١.

(٤) عيون الحكم والمواعظ / علي بن محمد الليثي الواسطي : ٢٣٨ ، دار الحديث ، ط ١ ـ ١٣٧٦ ش.

١١

المتبادلة ، عندما قال : « خير الناس من نفع الناس » (١).

في حين أن حفيده الإمام الصادق عليه‌السلام يرسم لنا معادلة إلهية ، هي : « إنّ الله في عون المؤمن ما كان المؤمن في عون أخيه » (٢).

وعنه عليه‌السلام : أن « من قضى لأخيه المؤمن حاجة ، قضى الله عزّوجل له يوم القيامة مئة ألف حاجة » (٣).

ويقول أيضاً : « من كان في حاجة أخيه المؤمن المسلم كان الله في حاجته ، ما كان في حاجة أخيه » (٤) وقال عليه‌السلام : « قضاء حاجة المؤمن أفضل من ألف حجّة متقبّلة بمناسكها ، وعتق ألف رقبة لوجه الله ، وحملان ألف فرس في سبيل الله بسرجها ولجامها » (٥).

نتيجة لكل ذلك ما انفك إمامنا الصادق عليه‌السلام يوصي بمبدأ الأخوة في مختلف الأحوال والظروف ، عن محمد بن مسلم ، قال : أتاني رجل من أهل الجبل ، فدخلت معه على أبي عبدالله عليه‌السلام ، فقال له عند الوداع : أوصني. فقال : « أوصيك بتقوى الله وبرّ أخيك المسلم ، وأحب له ما تحبّ لنفسك ، واكره له ما تكره لنفسك ، وإن سألك فاعطه... فوازره وأكرمه ولاطفه ، فإنّه منك وأنت منه » (٦).

________________

(١) عيون الحكم والمواعظ : ٢٣٩.

(٢) ثواب الأعمال : ١٣٥.

(٣) أصول الكافي ٢ : ١٩٣ / ١ باب قضاء حاجة المؤمن من كتاب الإيمان والكفر.

(٤) الأمالي / الشيخ الطوسي : ٩٧ / ١٤٧ المجلس الرابع.

(٥) مشكاة الأنوار / الطبرسي : ١٤٨ ، المطبعة الحيدرية بالنجف ، ط ٢.

(٦) الأمالي / الشيخ الطوسي : ٩٧ / المجلس الرابع.

١٢

ويظهر على ضوء ما تقدم من أحاديث أهل البيت : أن التكافل من أروع أنواع عبادة الله ، بل ويضاهي العبادات الأخرىٰ ، ويفوقها ثواباً ، قال الإمام الباقر عليه‌السلام : « لأن أعول أهل بيت من المسلمين... أسدّ جوعتهم وأكسو عورتهم ، فأكفّ وجوههم عن الناس ، أحبّ إليّ من أن أحجّ حجّة وحجّة [ وحجّة ] ، ومثلها ومثلها حتى بلغ عشراً ، حتى بلغ عشرة ، ومثلها ومثلها حتى بلغ السبعين » (١).

وهناك إشارات عن أئمة أهل البيت : على أن قبول الأعمال العبادية متوقف على قضاء حوائج الإخوان المؤمنين ، وفي هذا الصدد يقول الإمام الصادق عليه‌السلام : « من مشى في حاجة أخيه المؤمن يطلب بذلك ما عند الله حتى تقضى له ، كتب الله عزّ وجل له بذلك أجر حجّة وعمرة مبرورتين ، وصوم شهرين من أشهر الحرم واعتكافهما في المسجد الحرام ، ومن مشى فيها بنيّة ولم تقضى كتب الله له بذلك من حجّة مبرورة » (٢).

وعنه عليه‌السلام : « إنّ العبد ليمشي في حاجة أخيه المؤمن فيوكّل الله عزّ وجل به ملكين : واحدا عن يمينه وآخر عن شماله ، يستغفران له ربّه ويدعوان بقضاء حاجته » (٣).

ترغيب وترهيب

ومن أجل أن يتأصّل مبدأ التكافل في وجدان وواقع الناس اتّبع

________________

(١) الكافي ٢ : ١٩٥ / ١١ باب قضاء حاجة المؤمن من كتاب الإيمان والكفر.

(٢) الكافي ٢ : ١٩٥ / ١٠ من الباب المتقدم.

(٣) الكافي ٢ : ١٩٧ / ٦ باب السعي في حاجة المؤمن من كتاب الإيمان والكفر.

١٣

الإسلام منهج « الترغيب والترهيب » لأجل دفع الأفراد نحو الاتحاد والتعاون والتكافل. فمن جهة الترغيب نجد أحاديث أهل البيت : تُسهب في إيراد الشواهد على الثواب الجزيل الذي ينتظر كلّ من قضى حوائج إخوانه وتبشّره بالأمن يوم الحساب ، فعن الإمام الصادق عليه‌السلام : « من سعى في حاجة أخيه المسلم طلب وجه الله ، كتب الله له ألف ألف حسنة » (١).

وعن الإمام الصادق عليه‌السلام : « من قضى لأخيه المؤمن حاجةً ، قضى الله عزّ وجل له يوم القيامة مائة ألف حاجة من ذلك أوّلها الجنة » (٢).

وعن الإمام الكاظم عليه‌السلام : « إنّ لله عبادا في الأرض يسعون في حوائج الناس ، هم الآمنون يوم القيامة » (٣).

ونجد في الرّوايات معطيات إيجابية يجد ثمراتها الإنسان المؤمن في الدنيا قبل الآخرة كزيادة الرزق ، فعن أمير المؤمنين عليه‌السلام : « مواساة الأخ في الله تزيد في الرزق » (٤).

وفي مقابل ذلك نجد التحذير الكثير لكل من يقصر في حق إخوانه ، ولهذا التحذير والإنذار آثار عملية تتمثّل في المحافظة على الجدار الاجتماعي من أي تصدّع ، وفي الحدّ من التحولات الاجتماعية التي تخل بقواعد العيش

________________

(١) أصول الكافي ٢ : ١٩٧ / ٦ من الباب المتقدم.

(٢) أصول الكافي ٢ : ١٩٣ / ١ باب قضاء حاجة المؤمن من كتاب الإيمان والكفر.

(٣) أصول الكافي ١ : ١٩٧ / ٢ باب السعي في حاجة المؤمن من كتاب الإيمان والكفر.

(٤) مشكاة الأنوار / الطبرسي : ٢٣٠.

١٤

المشترك ، وكشاهد على النمط الأخير ـ أي التحذير ـ يقول الإمام الصادق عليه‌السلام : « من صار إلى أخيه المؤمن في حاجته فحجبه ، لم يزل في لعنة الله إلى أن حضرته الوفاة » (١).

وعن الإمام الصادق عليه‌السلام : « أيّما رجل مسلم أتاه رجل مسلم في حاجة ، وهو يقدر على قضائها فمنعه إيّاها ، عيّره الله يوم القيامة تعييراً شديد ، وقال له : أتاك أخوك في حاجة قد جعلت قضاؤها في يدك فمنعته إيّاها زهداً منك في ثوابها ، وعزّتي لا أنظر إليك اليوم في حاجةٍ معذّباً كنت أو مغفوراً لك » (٢).

وعن الإمام الكاظم عليه‌السلام : « من قصد إليه رجل من إخوانه مستجيراً به في بعض أحواله ، فلم يجره بعد أن يقدر عليه ، فقد قطع ولاية الله عزّ وجل » (٣).

وهنا نجد أيضاً في الروايات معطيات سلبية لمن أخل بمبدأ الأخوة وما يتطلبه من تكافل وتعاون ، فعن الإمام الباقر عليه‌السلام : « من بخل بمعونة أخيه المسلم والقيام له في حاجته ، ابتلي بمعونة من يأثم عليه ولا يؤجر » (٤).

وعن الإمام الصادق عليه‌السلام : « أيّما رجل من شيعتنا أتاه رجل من

________________

(١) الاختصاص / منسوب إلى الشيخ المفيد : ٣١ ، طبع جماعة المدرسين في الحوزة العلمية.

(٢) الأمالي / الشيخ الطوسي : ٩٩ / المجلس الرابع.

(٣) أصول الكافي ٢ : ٣٦٦ / ٤ باب من استعان به أخوه فلم يعنه من كتاب الإيمان والكفر.

(٤) أصول الكافي ٢ : ٣٦٦ / ١ من الباب المتقدم.

١٥

إخواننا فاستعان به في حاجة فلم يعنه وهو يقدر ، ابتلاه الله عزّوجل بأن يقضي حوائج عدوّ من أعدائنا يعذّبه الله عليه يوم القيامة » (١).

وعنه عليه‌السلام : « ما من مؤمن يخذل أخاه وهو يقدر على نصرته إلاّ خذله الله في الدنيا والآخرة » (٢).

وفي الوقت الذي تحث تعاليم آل البيت : على التكافل المادي ، نجد أنهم يركزون كذلك على التكافل الأدبي مع الفقراء والمساكين ، ومن الشواهد على ذلك ، قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من استذلّ مؤمناً أو مؤمنة أو حقّره لفقره وقلّة ذات يده ، شهره الله تعالى يوم القيامة ثمّ يفضحه » (٣) ، وفي هذا الخصوص يقول الإمام الصادق عليه‌السلام : « من حقّر مؤمنا لقلّة ماله حقّره الله ، فلم يزل عند الله محقورا حتى يتوب ممّا صنع » (٤).

ويقول أيضاً : « من حقّر مؤمناً مسكيناً ، لم يزل الله له حاقراً ماقتاً حتى يرجع عن محقّرته إيّاه » (٥). وهكذا نجد أن الإسلام يُضفي على توجهاته الاجتماعية صبغة دينية تأخذ شكل الوعد والبشارة أو الوعيد والإنذار.

الأمر الآخر هنا أن آل البيت : يضفون على هذه التوجهات

________________

(١) ثواب الأعمال : ٢٤٩.

(٢) المحاسن / البرقي ١ : ٩٩ ، دار الكتب الإسلامية.

(٣) مشكاة الأنوار / علي الطبرسي : ٢٢٨.

(٤) المصدر السابق : ١٢٠.

(٥) المصدر السابق : ٥٥٥.

١٦

والارشادات والمناشدات صبغة حقوقية لتكون ألزم ، بدليل انه سأل المعلى بن خنيس الإمام الصادق عليه‌السلام : ما حق المؤمن على المؤمن ؟ قال : « سبع حقوق ، ما منها حقّ إلاّ واجب عليه ، إن خالفه خرج عن ولاية الله ، وترك طاعته... والحقّ الثاني أن تمشي في حاجته ، والحقّ الثالث أن تصله بنفسك ومالك... والحقّ الخامس أن لا تشبع ويجوع ، وتلبس ويعرى ، ولا تروى ويظمأ » (١).

مثالية عالية

عمل أهل البيت : على صياغة عقد اجتماعي ضمني يرتكز على قاعدة اجتماعية عريضة تقوم على مبدأ الأخوّة ، فبدون ترسيخ هذا المبدأ وإشاعته يغدو البناء الاجتماعي واهناً كالبناء على كثيب من الرَّمل.

من أجل ذلك عمل أهل البيت : بدأب على تهيئة الأجواء لترسيخ مبدأ الأخاء لكونه يسهم بصورة ضمنية في مبدأ التكافل ، ونتجة لذلك أشاعوا بين شيعتهم هذا المبدأ بحيث أصبح المائز أو العلامة التي تُميز شيعتهم عن غيرهم ، فهو ـ إذن ـ أحد مقاييس الاختبار التي تميز أخيار الشيعة عن الآخرين ، وفي هذا الخصوص يقول أمير المؤمنين عليه‌السلام : « اختبروا شيعتي بخصلتين : المحافظة على أوقات الصلاة ، والمواساة لإخوانهم بالمال ، فإن لم تكونا فاعزب ثمّ اعزب » (٢).

________________

(١) الأمالي / الشيخ الطوسي : ٩٨ المجلس الرابع.

(٢) تصنيف نهج البلاغة / لبيب بيضون : ٢٩٧ ، الطبعة الثانية.

١٧

ونفس المقياس يستخدمه الإمام الصادق عليه‌السلام وينصح شيعته بالتزامه ، قال : « اختبروا اخوانكم بخصلتين فإن كانتا فيهم وإلاّ فاعزب ثمّ اعزب ، محافظة على الصلوات في مواقيتها ، والبرّ بالإخوان في العسر واليسر » (١).

أراد أئمتنا : ـ بذلك ـ من شيعتهم أن يرتقوا إلى مستوى إيماني رفيع يقرن العبادة والمحافظة عليها بالمعاملة الحسنة من أجل بناء محيط اجتماعي سليم.

وبذلك يظهر بأن الإيمان الكامل لا يتحقق على نحو مثالي إلا بالتكافل ، وكلما تكاتف الفرد المسلم مع إخوانه وتعاون معهم ، كلما ارتقى إلى مدارج إيمانية عالية.

لقد سبق أئمتنا : علماء الاجتماع في الدعوة إلى تقوية الأواصر الاجتماعية لدى الناس ، وقد ثبت أن ذلك يؤدي إلى ارتقاء الإنسان ، لذلك حثوا شيعتهم على تحقيق أعلىٰ درجة من الاندماج والتعاون ، عن محمد بن عجلان ، قال : كنتُ عند أبي عبدالله عليه‌السلام ، فدخل رجل فسلّم ، فسأله عليه‌السلام : « كيف من خلّفت من اخوانك ؟ قال : فأحسن الثناء وزكى وأطرى ، فقال له : كيف عيادة أغنيائهم على فقرائهم ؟ فقال : قليلة ، قال عليه‌السلام : وكيف مشاهدة أغنيائهم لفقرائهم ؟ قال : قليلة ، قال : فكيف صلة أغنيائهم لفقرائهم في ذات أيديهم ؟ فقال : إنّك لتذكر أخلاقا قلّما هي فيمن عندنا ، قال عليه‌السلام : فكيف

________________

(١) أصول الكافي ٢ : ٦٧٢ / ٧ باب النوادر من كتاب العشرة.

١٨

تزعم هؤلاء أنّهم شيعة ؟! » (١).

وعن سعيد بن الحسن ، قال أبو جعفر عليه‌السلام : « أيجيء أحدكم إلى أخيه فيدخل يده في كيسه فيأخذ حاجته فلا يدفعه ؟ فقلت : ما أعرف ذلك فينا ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : فلا شيء إذن ، قلت : فالهلاك إذن ! قال : إنّ القوم لم يعطوا أحلامهم بعد » (٢).

وبتعبير آخر أنه يقول له بانكم لن ترتقوا إلى المستوى الاجتماعي المطلوب الذي تغيب فيه الأنا (الذات) وتسود فيه الرّوح الجماعية التعاونية ، إلا بإزالة الحواجز السميكة التي تحول دون ذلك كالأنانية والأثرة. بطبيعة الحال أراد الإمام عليه‌السلام أن يرشدهم إلى الوصول إلى سقف تعاملي أعلى يتناسب مع طموحات أهل العصمة ( سلام الله عليهم ) ، وإلا فان الوصول إلى مستوى الأئمة في درجة التكافل دونه خرط القتاد.

لقد ترجم أهل البيت : أقوالهم إلى سلوك سويّ ، أصبح قدوة حسنة لمن أراد الاقتداء بهم ، فعلى سبيل المثال لا الحصر ، كان الإمام السجاد عليه‌السلام ، حريصاً على التكافل مع الآخرين وإن كانوا من أعدائه ، قال الواقدي : كان هشام بن إسماعيل يؤذي علي بن الحسين في إمارته ، فلما عزل أمر به الوليد أن يوقف للناس ، فقال : ما أخاف إلا من علي بن الحسين وقد وقف عند دار مروان وكان علي قد تقدم إلىٰ خاصته ألاّ يعرض له أحد منكم بكلمة ، فلما

________________

(١) أصول الكافي ٢ : ١٧٣ / ١٠ ، باب حق المؤمن على أخيه وأداء حقه من كتاب الإيمان والكفر.

(٢) أصول الكافي ٢ : ١٧٣ / ١٣ ، من الباب المتقدم.

١٩

مر ناداه هشام : الله أعلم حيث يجعل رسالته.

وزاد ابن فياض في الرواية في كتابه : « أن زين العابدين أنفذ إليه وقال : أنظر إلى ما أعجزك من مال تؤخذ به ، فعندنا ما يسعك ، فطب نفساً منّا ومن كل من يطيعنا. فنادى هشام : الله أعلم حيث يجعل رسالته » (١).

إن الأئمة : يتحركون بدائرة واسعة من المبادئ ، يريدون منّا أن نقتدي بهم حسب المكنة والاستطاعة ، وإلا فمن منا يُسرع إلى قضاء حوائج عدوّه ؟!

ثانياً : قيم التراحم

وهذه القيم تسهم إسهاماً كبيراً في دفع الناس نحو التكافل بعيداً عن حسابات الربح والخسارة ، وهي قيم تسير في خط متوازٍ مع مبدأ الإخوة وباقي المبادئ والقيم الأخرى التي توقظ في نفوس الناس العاطفة نحو بعضهم البعض ، وتحقيق أعلى درجة من المشاركة والتعاون فيما بينهم.

وفي هذا السياق يقول أمير المؤمنين عليه‌السلام : « من لم يرحم الناس منعه الله رحمته » (٢). وعنه عليه‌السلام أنّ « رحمة الضعفاء تستنزل الرَّحمة » (٣). وفي قول ثالث : « عجبت لمن يرجو رحمة من فوقه ، كيف لا يرحم من دونه » (٤).

________________

(١) مناقب آل أبي طالب ٣ : ٣٠١.

(٢) عيون الحكم المواعظ ، الليثي الواسطي : ٤٢٨.

(٣) عيون الحكم والمواعظ : ٢٧٠.

(٤) عيون الحكم والمواعظ : ٣٣٠.

٢٠