القواعد الفقهيّة - ج ٦

آية الله السيّد محمّد حسن البجنوردي

القواعد الفقهيّة - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد حسن البجنوردي


المحقق: مهدي المهريزي
الموضوع : الفقه
الناشر: نشر الهادي
المطبعة: مؤسسة الهادي
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-400-030-7

الصفحات: ٤٣١

ومنها : رواية السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن على عليهم‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الظهر يركب إذا كان مرهونا ، وعلى الذي يركبه نفقته ، والدّر يشرب إذا كان مرهونا ، وعلى الذي يشرب نفقته » (١).

والروايتان مطلقتان تشملان صورة تساوى النفقة مع المنفعة المستوفاة وعدم تساويهما ، وأيضا مطلقتان بالنسبة إلى صورة إذن الراهن في التصرّف وعدمه.

ولكنّ الإنصاف أنّه لا يمكن الأخذ بهذين الإطلاقين ، مع إعراض جلّ الأصحاب عنهما ، ومخالفتهما للقواعد المقرّرة في باب استيفاء منافع مال الغير بدون إذنه ، أو مع إذنه ولكن لم يقصد المالك كونه مجانا.

فالأحسن حمل الروايتين على صورة تساوى النفقة مع المنفعة المستوفاة وكون المرتهن مأذونا عن قبل الراهن ، بقرينة أنّه رهنه ولم ينفق عليه ، حيث أنّ بناء العرف والعادة أنّهم إذا رهنوا حيوانا ولم ينفقوا عليه على أنّ للمرتهن التصرّف والانتفاع به عوض إنفاقه عليه.

فرع : يجوز للمرتهن استيفاء دينه ممّا في يده من الرهن‌ إن مات الراهن وخاف جحود الورثة للدين أو الرهانة ، لو اعترف بأنّ ما في يده رهن من قبل الميّت على دين في ذمّته ، وليست له بيّنة مقبولة بحيث يكون قادرا على إثبات دينه وأنّ ما في يده رهن عليه ، وذلك لحفظ ماله وعدم تضييعه. وقد تقدّم أنّ أصل تشريع الرهن لأجل هذه الجهة.

وأما الإشكال على هذا ـ بأنّ الرهن بعد موت الراهن انتقل إلى الورثة ، وليس‌

__________________

(١) « الفقيه » ج ٣ ، ص ٣٠٦ ، باب الرهن ، ح ٤٠٩٥ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ١٣٤ ، أبواب الرهن ، باب ١٢ ، ح ٢.

٤١

للمرتهن استيفاء دينه من مال غير المديون ، لأنّ المديون هو الميّت لا الورثة ـ فليس بشي‌ء لأنّ الرهن ينتقل إلى الورثة بما هو متعلّق لحقّ الغير ، فإنّ ملكيّة الوارث ليس بأشدّ من ملكيّة المورث لأنّه فرعه ، وما كان له ينتقل إلى وارثه لا ما ليس له.

فكما أنّه لو كان حيّا وكان استيفاء الدين منه متعذّرا لفلس ، أو كان متعسّرا لمطل كان للمرتهن استيفاء دينه من ذلك الرهن ولو كان بدون رضاء المالك الراهن وإذنه ، فكذلك الأمر بعد انتقاله إلى الورثة.

هذا ، مضافا إلى ادّعاء الإجمال على هذا الحكم (١) نعم لو أقرّ واعترف بأنّ ما عنده مال الميّت وهو رهن عنده على دين له في ذمّة الميّت ، فيؤخذ بإقراره وللورثة انتزاع ما في يده ، وعليه إثبات أنّه رهن على دين له في ذمّة الميّت على قواعد باب القضاء.

وقد وردت رواية أيضا في كلا الأمرين. فالأوّل أي جواز استيفاء دينه ممّا في يده إن لم تكن له بيّنة ، أي : ليس قادرا على الإثبات. والأمر الثاني أي لو اعترف وأقرّ بأنّ ما في يده للميّت يؤخذ منه ويكلّف بالبيّنة على قواعد باب القضاء.

وهي مكاتبة سليمان بن حفص المروزي ، أو عبيد بن سليمان كتب إلى أبي الحسن عليه‌السلام في رجل مات وله ورثة ، فجاء رجل فادّعى عليه مالا وأنّ عنده رهنا ، فكتب عليه‌السلام : « إن كان له على الميّت مال ولا بيّنة عليه ، فليأخذ ماله بما في يده ، وليردّ الباقي على ورثته. ومتى أقرّ بما عنده أخذ به وطولب بالبينة على دعواه وأوفى حقّه بعد اليمين ، ومتى لم يقم البيّنة والورثة ينكرون ، فله عليهم يمين علم يحلفون بالله ما يعلمون أنّ له على ميّتهم حقّا » (٢).

__________________

(١) « جواهر الكلام » ج ٢٥ ، ص ١٨٢.

(٢) « الفقيه » ج ٣ ، ص ٣١٠ ، باب الرهن ، ح ٤١١١ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ١٧٨ ، ح ٧٨٤ ، باب في الرهون ، ح ٤١ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ١٤٠ ، أبواب الرهن ، باب ٢٠ ، ح ١.

٤٢

وظاهر هذه الرواية جواز استيفاء المرتهن دينه من الرهن من غير تقييده بالعلم أو الظنّ بجحود الورثة أو خوف الجحود ، بل جعل موضوع جواز الاستيفاء فيها هو أن يكون له على الميّت مال ولم تكن له بيّنة على أنّ الميّت مديون له وهذا الذي عنده رهن على دينه.

ولكن تعليق الحكم على أن يكون له مال في ذمّة الميّت مع عدم البيّنة ، له ظهور عرفي في أن يكون ماله بواسطة عدم البيّنة في معرض الإتلاف ، وهذا هو المراد من خوف جحود الورثة ، فلا يحتاج إلى العلم بجحودهم ، بل بصرف الاحتمال العقلائي بحيث يكون موجبا لسلب الاطمئنان يجوز بيعه واستيفاء دينه منه. وعلى هذا أيضا ادّعى الإجماع في مجمع البرهان (١) وشرح الإرشاد (٢) والقول بأنّ الرواية مطلقة من ناحية الخوف لا أساس له.

فرع : لو مات المرتهن ولم يعلم بوجود الرهن في تركته ولم يعلم تلفه في يده بتفريط منه‌ ، فلا يحكم بكونه في ذمّته ، وذلك لعدم الدليل على ضمانه لأصالة برأيه ذمّته. وبصرف أنّه كان عنده لا يثبت ضمانه ، لاحتمال تلفه من دون تعدّ وتفريط من قبله ، فيكون تمام تركته لوارثه إذا لم يعلم أنّ فيها من الرهن شي‌ء.

وخلاصة الكلام : أنّ يد المرتهن حيث أنّها أمانيّة مالكيّة فلا تشمله قاعدة « وعلى اليد ما أخذت حتّى تؤديها ». وقاعدة الإتلاف لا تأتي ، للشكّ في موضوعها وأنّ المرتهن أتلفه ، فلا موجب للضمان.

نعم لو ثبت وجدانا أو تعبّدا وجوده في التركة ، يجب على الورثة ردّه إلى الراهن أو ورثته مع تميّزه أو يكون شريكا مع الورثة مع المزج أو الخلط الذي لا يمكن فصله‌

__________________

(١) « مجمع الفائدة والبرهان » ج ٩ ، ص ١٦١.

(٢) حكاه عن شرح الإرشاد في « الرياض » ج ١ ، ص ٥٥٨ ، و « جواهر الكلام » ج ٢٥ ، ص ١٨٣.

٤٣

عنها ويكون الفصل متعذّرا بل وإن كان ممكنا ولكن كان متعسرا.

ولذلك قال بعض أساتيذنا في هذا المقام : نعم لو علم أنّه قد كان موجودا في أمواله الباقية إلى بعد موته ، ولم يعلم أنّه بعد باق فيها أم لا ، كما إذا كان سابقا في صندوقه داخلا في الأموال التي كانت فيه وبقيت إلى زمان موته ، ولم يعلم أنّه قد أخرجه وأوصله إلى مالكه أو باعه واستوفى ثمنه أو تلف بغير تفريط منه أم لا ، لم يبعد أن يحكم ببقائه فيها ، فيكون بحكم معلوم البقاء.

وحاصل هذا الكلام : أنّه بواسطة جريان استصحاب البقاء في التركة الموجودة يحكم بوجوب إخراجه إلى الراهن ، وكونه شريكا مع الورثة فيما إذا لم يتميّز ولم نقل بإخراجه بالقرعة.

ولا يتوهّم أنّه دائما يكون الأمر من هذا القبيل ، لأنّه دائما بعد أخذ الرهن وقبضه من طرف المرتهن يدخل في جملة أمواله التي تكون تحت يده ، غاية الأمر تكون يده على الرهن أمانيّة ، وعلى أمواله مالكيّة. وهذا لا يوجب فرقا في المقام ، لأنّه لا شغل لنا بكون اليد من أيّ القسمين ، بل المقصود هو وجود الرهن في التركة وبقاؤه إلى ما بعد وفاته ، وهذا المعنى يثبت بالاستصحاب في جميع الموارد.

وذلك من جهة أنّ الاستصحاب في غير الصورة المفروضة يكون مثبتا ، لأنّ بقاءه في التركة في غير هذه الصورة المذكورة من لوازم بقاء العين المرهونة عقلا ، وإلاّ فبقاؤه في التركة الموجودة ليس عين بقائه ولا من لوازمه الشرعيّة ، وذلك لإمكان أن يكون باقيا ولم يتلف ، ولكن أودعه عند شخص أمين ، أو أخفاه ، أو دفنه في مكان لحفظه ، وكتب اسم ذلك الشخص أو ذلك المكان ولكن ضاع الكتاب بعد موته ، ولم يطلع الورثة على ذلك الكتاب كي لا يقال أنّه صار ضامنا لتفريطه بواسطة عدم الكتابة.

وعلى كلّ حال بصرف وصوله إلى يد المرتهن لا يمكن إثبات أنّه في التركة‌

٤٤

الموجودة باستصحاب بقائه وعدم تلفه ، وأيضا لا يمكن إثبات كونه في ذمّة المرتهن لكي يؤدّي من تركته ، لأصالة عدم تلفه أو عدم تفريطه وإن تلف.

ولا شكّ في أنّ مع وجوده وعدم تلفه ، أو عدم تفريطه وإن تلف ، لا يكون المرتهن ضامنا ، لكون يده يد أماني لا ضماني فيها ، إلاّ مع التعدّي والتفريط ، وهما منفيّان بالأصل ، فيكون جميع التركة للورثة ظاهرا حسب الأصول الجارية في المسألة ، وإن كان في الواقع بعضها للراهن ، كما هو الحال في جميع صور خطاء الأصول والأمارات ، بناء على ما هو الحقّ عندنا من عدم صحّة جعل المؤدّي في الأصول والأمارات وبطلان القول بالتصويب.

وقد ذكر في الجواهر لهذا الفرع ستة صور :

الأولى : هي العلم بوجود العين المرهونة في التركة.

وحكمها واضح ، وهو أنّه لو عرف متميّزا عن غيره من دون اشتباه مع غيره ومن دون خلط ولا مزج ، فيجب على الورثة ردّه إلى الراهن المالك له. وأمّا مع الخلط المتعسّر فصله أو المزج ، فيكون شريكا مع صاحب الآخر المخلوط أو الممزوج ، ومع الاشتباه فالقرعة أو التصالح.

الثانية : أن يعلم أنّه كان عند الميّت ولم يعلم كونه في التركة أو تلف بغير تفريط أو لا.

وحكمها أصالة براءة ذمّة الميّت ، لاحتمال تلفه بغير تفريط ، فلا ضمان. وأيضا لاحتمال كونه في التركة مع عدم تقصير الميّت في الوصية به والإشهاد عليه ، كي لا يكون ضامنا من هذه ، إذ ترك الوصيّة والإشهاد بمنزلة الإتلاف يوجب الضمان.

وأمّا التركة فحيث ليس أمارة أو أصل يثبت كونه فيها ، لاحتمال تلفه بغير تفريط فيحكم بظاهر الحال أنّ جميعها للورثة ، وأصالة عدم تلفه وبقائه مثبت بالنسبة إلى‌

٤٥

كونه في التركة ، فمقتضى عمومات الإرث كون جميع ما صدق عليه عنوان « ما تركه الميّت » لورثته.

ولا يتوهّم أنّ كون جميع المال من مصاديق « ما ترك » مشكوك ، فلا يمكن التمسّك بمثل هذا العموم ، لأنّها من الشبهة المصداقيّة لنفس العامّ.

وذلك لأنّ يد الميّت عليها أمارة الملكيّة ، فيصدق عنوان « ما ترك » على الجميع. نعم لو علمنا أنّه كان فيما ترك إلى زمان الموت ، ولكن احتملنا تلفه بغير تفريط بعد ذلك وصدق ما ترك على الجميع مشكوك ذلك العلم.

الثالثة : أن يعلم كونه عنده كذلك ، ولكن ليس في التركة قطعا.

وحكمها عدم ضمان الميّت ، لاحتمال أن يكون تلف بغير تفريط ، فالضمان مشكوك ومورد جريان البراءة. وأمّا التركة فالمفروض أنّه ليس فيها قطعا ، وأيضا من المحتمل أنّه قبل موته رده إلى صاحبه ، أو باعه واستوفى دينه منه.

الرابعة : أن يعلم تلفه في يده ، ولكن لم يعلم أنّه بتفريط أو لا.

فحكمها أيضا عدم الضمان ، لأنّ الضمان في هذه الصورة متوقّف على التفريط ، والأصل عدمه.

الخامسة : أن يعلم أنّه كان عنده إلى أن مات وأنّه لم يتلف منه ، إلاّ أنّه لم يوجد في التركة.

وحكمها مع عدم تقصير من قبل الميّت بترك الوصية والإشهاد براءة ذمّة الميّت وكون جميع التركة للورثة. نعم لو ادّعى الراهن على الورثة أو على غيرهم كونه في يدهم أو أنّهم أتلفوا ، فيرجع المسألة إلى باب القضاء ، ويجرى فيها أحكام القضاء من كون المدّعى عليه البيّنة ، والمنكر عليه اليمين.

السادسة : مثل الصورة الخامسة عينا إلاّ أنّه يحتمل التلف بعد الموت.

٤٦

وحكمها مثل الصورة السابقة عينا إلاّ أن يدّعى الراهن تقصير الميّت في الوصيّة أو في ترك الإشهاد ، فيرجع المسألة إلى القضاء ، ويجرى فيها موازينها. أو يدّعى إتلاف الورثة أو غيرهم ، فأيضا يرجع إلى باب القضاء ، ويجرى فيها موازينها.

هذا كلّه فيما إذا علم بأصل الرهن وأنّ لهذا الدين كان رهنا (١).

وأمّا إذا شكّ في أنّه هل كان لهذا الدين رهن أم لا ، فلا شكّ في أماريّة اليد وأنّ جميع المال للميّت وانتقل منه إلى الورثة ، والأصل عدم تحقّق رهن في البين.

فرع : لو صار مفلسا وحجر عليه ، أو مات وما يملكه في الأولى لا يفي بديونه‌ كما هو المفروض ، وفي الصورة الثانية تركته لا تفي بديونه ـ وقد لا يكون له مال أو تركة غير ما رهن عند بعض الديان ـ فهل المرتهن مقدّم على سائر الديّان في استيفاء دينه من العين المرهونة عنده؟ فإن فضل شي‌ء فالفاضل لسائر الغرماء ، أو كلّهم شركاء فيها تتوزّع بينهم بنسبة حصص ديونهم ، أو يفصّل بين أن يكون الراهن حيّا وقد حجر عليه لفلس أو غيره فالأوّل ، وبين أن يكون ميّتا فالثاني؟

أقول : أمّا فيما إذا كان الراهن حيّا ، فالظاهر عدم الخلاف في أنّ المرتهن أحقّ من سائر الغرماء باستيفاء دينه منها ومقدّم عليهم ، مضافا إلى أنّ هذا هو علّة تشريع الرهن ، لقولهم عليهم‌السلام في أكثر أخبار الباب : « لا بأس به استوثق من مالك » (٢) ومعلوم أنّ الاستيثاق لا يحصل إلاّ بتقديمه على سائر الغرماء ، بل لفظ « الرهن » يفيد هذا المعنى.

وأمّا فيما إذا كان ميّتا ، فالمشهور قائلون أيضا بتقديم المرتهن على سائر الغرماء ، ولكن هناك روايتان ظاهرتان في عدم تقديم المرتهن على سائر الغرماء ، بل كلّهم شركاء في العين المرهونة بنسبة ديونهم :

__________________

(١) « جواهر الكلام » ج ٢٥ ، ص ١٧١ ـ ١٧٢.

(٢) « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ١٢١ ، أبواب الرهن ، باب ١ ، ح ١ ، ٤ ، ٦ و ٩.

٤٧

إحديها : رواية عبد الله بن الحكم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أفلس وعليه دين لقوم ، وعند بعضهم رهون وليس عند بعضهم ، فمات ولا يحيط ماله بما عليه من الدين ، قال عليه‌السلام : « يقسّم جميع ما خلف من الرهون وغيرها على أرباب الدين بالحصص » (١).

الثانية : رواية سليمان بن حفص المروزي قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام في رجل مات وعليه دين ولم يخلف شيئا إلاّ رهنا في يد بعضهم ، فلا يبلغ ثمنه أكثر من مال المرتهن ، أيأخذ بماله أو هو وسائر الديّان فيه شركاء؟ فكتب عليه‌السلام : « جميع الديّان في ذلك سواء ، يتوزّعونه بينهم بالحصص » (٢).

ولا شكّ في ظهور هاتين الروايتين في عدم أحقّية المرتهن في استيفاء دينه من العين المرهونة وتقديمه على سائر الغرماء ، ولكنّهما حيث أعرض المشهور عن العمل بهما ـ مع أنّهما مخالفان لحقيقة الرهن والغرض منه وعلّة تشريعه ، للأخبار الكثيرة الواردة في أنّ تشريعه لاستيثاق الدائن من مال (٣). هذا ، مضافا إلى ضعف سند مكاتبة سليمان بن حفص المروزي ـ فلا مجال للعمل بهما والأخذ بمضمونهما ، فلا بدّ إمّا من حملهما على ما لا ينافي تقديم المرتهن على سائر الغرماء وإن كان الراهن ميّتا ، أو طرحهما.

نعم لو أعوز الرهن ولم يكن وافيا وقصر عن الدين وزاد الدين ، فيكون المرتهن شريكا مع سائر الغرماء بالنسبة إلى الزائد.

__________________

(١) « الفقيه » ج ٣ ، ص ٣٠٧ ، باب الرهن ، ح ٤١٠٠ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ١٧٧ ، ح ٧٨٣ ، باب في الرهون ، ح ٤٠ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ١٣٩ ، أبواب الرهن ، باب ١٩ ، ح ١.

(٢) « الفقيه » ج ٣ ، ص ٣١٠ ، باب الرهن ، ح ٤١١١ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ١٧٨ ، ح ٧٨٤ ، باب في الرهن ، ح ٤١ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ١٣٩ ، أبواب الرهن ، باب ١٩ ، ح ٢.

(٣) « الوسائل » ج ١٣ ، ص ١٢١ ، كتاب الرهن ، باب ١ ، باب جواز الارتهان على الحق الثابت.

٤٨

فرع : لو أذن المرتهن بيع العين المرهونة فباعها المالك‌ ، فهل يكون عوضه رهنا وإن لم يشترط ذلك ، أم لا؟

أقول : لا إشكال في أنّ حقّ الرهانة متعلّق بنفس العين المرهونة ومتقوّم به ، ولذلك لو تلف لا يبقى محلّ لذلك الحقّ ، فلو باع وصار ملكا لشخص فإن كان مع ذلك متعلّقا لحقّ المرتهن ، فلم ينتقل إلى المشتري ملكا طلقا ، وهو خلاف الفرض ، لأنّ المفروض أنّه بعد إذن المرتهن يرتفع المانع من صحة البيع ، وينتقل الرهن إلى المشتري ملكا تامّا لا علاقة للمرتهن به أصلا.

وأمّا كون عوضه متعلّقا لحقّ المرتهن فيحتاج إلى سبب جديد ، لأنّ الحقّ الأوّل انعدم بانضمام متعلّقه عقلا ، ولا يعقل بقاؤه بدون المتعلّق ، والعوض موضوع آخر ، فكونه متعلّقا لحقّ الرهانة حقّ جديد ، ويحتاج إلى جعل وسبب جديد.

ولذلك لو أذن وشرط في ضمن عقد لازم كون عوضه رهنا ، يكون رهنا بسبب الشرط ، ولا مجال لجريان استصحاب بقاء الحقّ بالنسبة إلى عوض الرهن بعد بيع نفسه ، لأنّ الحقّ كان متعلّقا بعين الرهن ، وبنقله إلى الغير انعدم ذلك الحقّ ، وحدوث الحقّ بالنسبة إلى عوضه فردا آخر من الحقّ مسبوق بالعدم فيستصحب عدمه ، على فرض تسليم الشكّ في حدوثه.

وأمّا استصحاب الجامع بين الفردين ، فهو من القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلّي الذي لا نقول بصحّته ، والمسألة محرزة في الأصول ، وقد نقّحناه في كتابنا « منتهى الأصول » (١).

نعم ربما يكون الشرط شرطا ضمنيّا حسب متفاهم العرف من الكلام ، أو يكون الإذن في البيع مبنيّا عليه حسب ما بينهما من القرائن المحتفّة بالكلام.

وعلى كلّ حال سقوط حقّه بوقوع البيع لا بالإذن فيه ، لأنّه لم يسقط حقّه ، وإنّما‌

__________________

(١) « منتهى الأصول » ج ٢ ، ص ٤٤٨.

٤٩

نقول بسقوطه من جهة انعدام متعلّقه وعدم معقوليّة بقائه ، ولا ينعدم إلاّ بنفس البيع خارجا لا بالإذن فيه.

وممّا ذكرنا ظهر أنّ للمرتهن الرجوع عن إذنه قبل البيع ، لأنّه قبله حقّه باق لم يسقط ، فله أن يرجع عن إذنه إذ الإذن ليس من العقود اللازمة كي يجب الوفاء به والبقاء عنده. نعم لو قيل بسقوط حقّه بصرف الإذن فيصير أجنبيا عن الرهن ، ويصير كما لم يكن رهن من أوّل الأمر ، فلا وجه يبقى للرجوع.

ثمَّ إنّ ما ذكرنا فيما لو كان إذن المرتهن قبل حلول الأجل ، وأمّا لو كان بعد حلول الأجل فحيث أنّ المرتهن كان له أن يستوفي دينه من ثمنه بأن يبيعه هو بنفسه ، أو يوكل غيره في بيعه ، أو يبيعه المالك بإذنه ، فإذنه بالبيع لا ينافي حقّ الاستيفاء من ثمنه ، فبإذنه لا يسقط مثل هذا الحقّ. وهذا ليس من حقّ الرهانة كي يقال بعدم معقوليّة بقائه بعد البيع ، بل من آثار حقّ الرهانة الذي كان له قبل البيع ، وهذا واضح جدّا.

فرع : لو أذن الراهن للمرتهن في بيع الرهن‌ ، فتارة يكون بيعه قبل حلول الأجل ، وأخرى بعده.

أمّا الأوّل : فليس للمرتهن التصرّف في الثمن بدون إذن الراهن ، لدخوله بعد البيع في ملك الراهن بمقتضى المعاوضة ، والمفروض أنّه قبل حلول الأجل فلا يستحقّ فعلا على الراهن شيئا من قبل دينه ، فيكون حال ثمن الراهن حال سائر أحوال الراهن ، ليس للمرتهن إليها سبيل.

وأما بقاؤه رهنا عند المرتهن مثل معوّضه ، فقد تقدّم في الفرع السابق أنّه يحتاج إلى جعل وإرهان جديد ، لعدم معقوليّة بقاء الحقّ المتعلّق بمعوّضة بعد نقله ملكا طلقا إلى المشتري ، والمفروض أنّه ليس هناك سببا وجعلا جديدا في البين.

نعم لو اشترط شرطا جديدا على الراهن ـ بأن يكون العوض بعد البيع رهنا‌

٥٠

عنده وقلنا بلزوم الوفاء بالشرط مطلقا أو كان الشرط على الراهن في ضمن عقد لازم ، فيجب على الراهن جعله رهنا مثل معوّضة ، أو كان بنحو شرط النتيجة بأن يكون العوض رهنا ، وبنينا على تأثير الشرط في حصول مثل هذه النتيجة ـ يكون رهنا بمحض هذا الشرط ، ولا يحتاج إلى جعل جديد من قبل الراهن.

وأمّا الثاني : أي إذا كان البيع بعد حلول الأجل ولم يكن شرط في البين ، فإن كان الراهن ممتنعا عن أداء دينه بمال آخر أو بهذا الثمن ، فللمرتهن بيعه واستيفاء دينه من هذا الثمن ، فإن زاد عن دينه يسلم الفاضل إلى الراهن المالك ، وإن نقص يطالبه بالنقيصة.

ولكن هذا مع فقد الحاكم أو عدم اقتداره وان كان لعدم بسط يده ، وأمّا إن كان وكان مبسوط اليد فيجب الرجوع إلى الحاكم لإلزامه بالبيع والإذن فيه للمرتهن أو لغيره ، لقوله عليه‌السلام : « مجاري الأمور بيد العلماء » ولأدلّة أخرى تدلّ على أنّ الحاكم هو ولي الممتنع ، ولأنّ من عدم مراجعة الحاكم وبيعه بنفسه ـ من دون إذن المالك أو الحاكم الذي له الولاية على الجهات العامّة ـ ربما يلزم منه الهرج والمرج.

وأمّا إذا لم يكن الراهن ممتنعا عن أداء دينه وأراد إعطاء ذلك من مال آخر ، فليس للمرتهن إلزامه باستيفاء دينه من خصوص ثمن الرهن ، وهو واضح.

فرع : لو شرط المرتهن على الراهن في عقد الرهن أن يكون الرهن مبيعا‌ بالدين الذي وقع عليه الرهن إن لم يؤدّ الدين إلى وقت كذا ، فهل هذا الشرط صحيح ويؤثّر في صيرورته مبيعا وملكا للمرتهن عوض دينه الذي يطلب من الراهن ، أو فاسد لا أثر له؟ وعلى الأخير وكون هذا الشرط فاسدا هل يوجب فساد عقد الرهن الذي وقع هذا الشرط في ضمنه أم لا؟ أقوال :

أمّا الأوّل ـ أي كون هذا الشرط فاسدا ـ فالظاهر أنّه إجماعيّ. وقال في الجواهر‌

٥١

لم يصحّ قولا واحدا (١).

وجه الفساد والبطلان هو كون الرهن علّق على عدم أداء الدين في وقت كذا ، والتعليق موجب لبطلان البيع إجماعا ، فيكون هذا الشرط فاسدا لا اثر له شرعا.

مضافا إلى أنّ هذا من قبيل شرط النتيجة ، أي كون الرهن مبيعا ، ولم يثبت أنّ هذا الشرط يكون من أسباب وقوع الرهن مبيعا ، بل الظاهر أنّ للبيع أسبابا خاصّة لا يصحّ إلاّ بها ، فوقوعه بالشرط ولو لم يكن معلّقا لا يخلو من الإشكال.

وأمّا الثاني ـ أي فساد عقد الرهن ـ وجهه أنّه لو قلنا بأنّ فساد الشرط موجب لفساد العقد الذي وقع هذا الشرط في ضمنه ـ وبعبارة أخرى إنّ الشرط الفاسد مفسد للعقد الذي وقع في ضمنه ـ فواضح ، لأنّ المفروض أنّ هذا الشرط ، أي صيرورة الرهن مبيعا فاسد ، فالرهن الذي وقع هذا الشرط في ضمنه فاسد.

وأمّا لو لم نقل بأنّ فساد الشرط يسري إلى العقد ، والشرط الفاسد ليس بمفسد كما هو المختار عندنا ، فيكون فساد الرهن لكونه موقّتا ، أي يكون انتهاء زمانه تعذر الأداء أو عدمه. وإن لم يكن متعذّرا بل كان ميسورا ولكن الراهن يماطل في الأداء والتوقيت في الرهن بغير الأداء مبطل إجماعا ، ولأنّ التوقيت بغير الأداء والوفاء مناف للاستيثاق الذي هو علّة تشريع الرهن ، وذلك لأنّه لو خرج الرهن عن ملك الراهن حال تعذّر الأداء أو حال عدمه وإن لم يكن متعذّرا أو متعسّرا عليه ، فلا يمكن استيفاء الدين به ويخرج عن كونه رهنا.

ولكن الإنصاف أنّه لو لم يكن الشرط الفاسد مفسدا للعقد ـ كما هو الصحيح عندنا ـ ولم يكن إجماع في المسألة لكان هذا التعليل لا يخلو عن المناقشة ، لأنّ الرهن مع مثل هذا الشرط يكون موجبا للاستيثاق قطعا ، لأنّ الراهن إمّا يؤدّي أو يكون هذا الرهن ملكا للمرتهن عوض دينه ، وعلى كلا التقديرين يكون ماله محفوظا إمّا‌

__________________

(١) « جواهر الكلام » ج ٢٥ ، ص ٢٢٦.

٥٢

بالأداء وإمّا بعوضه وهو نفس الرهن.

ثمَّ إنّه لو تلف مثل هذا الرهن في يد المرتهن ، فإن كان التلف قبل صيرورته بيعا فاسدا فلا ضمان ، لأنّ « ما لا يضمن بصحيحة لا يضمن بفاسده ». ومعلوم أنّ الرهن إذا تلف في يد المرتهن في العقد الصحيح لا ضمان له لأنّه أمانة مالكيّة ، ففي الفاسد كذلك.

وأمّا لو تلف بعد تعذّر الأداء وصيرورته بيعا فاسدا ، فيكون المرتهن ضامنا ، لقاعدة « كلّ ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده » ومعلوم أنّ البيع يضمن بصحيحه بضمان المسمّى فيضمن بفاسده.

والدليل على صحّة هاتين القاعدتين وتماميّتهما ذكرنا في بعض مجلّدات هذا الكتاب. وأمّا تطبيقهما على هذا المورد ففي غاية الوضوح ، ولا يحتاج إلى أزيد ممّا بيّنّا.

فرع : منافع العين المرهونة وكلّ ما يحصل منها من الفوائد تكون لمالك الرهن‌ ، سواء كانت تلك المنافع والفوائد متّصلة أو منفصلة ، وسواء كانت بالاكتساب أو بغيره. وما كانت بالاكتساب كحيازة العبد المرهون ، أو غزل الجارية المرهونة مثلا ، وهذا واضح ، لأنّ كون منافع الملك للمالك ينبغي أن يعدّ من الضروريّات ، وليس محلاّ للإشكال والخلاف.

وإنّما الكلام وقع في أمر آخر ، وهو أنّ المنافع التي للعين المرهونة مطلقا من أيّ قسم كانت ـ أي متّصلة كانت أو منفصلة كانت ، موجودة حال وقوع عقد الرهن عليها أو تجدّدت وحصلت بعد الرهن ، شرط المرتهن أو لم يشترط ـ كلّها داخلة في الرهن ، أو لا يدخل كلّها مطلقا إلاّ إذا اشترط أو يفصّل بينهما والتفصيل أيضا أقسام؟

أقول : لا ينبغي أن يشكّ في دخول المنافع المتّصلة التي ليس لها وجود مستقلّ في قبال ذوات المنفعة ، بل تعدّ من أوصافها وأعراضها في الرهن. والعمدة في دليل ذلك هو شمول اللفظ لها ، فإذا قال الراهن : رهنتك هذا الغنم على الدين الفلاني. فسمنه أو‌

٥٣

كمّيته الموجودة فعلا ، أو ما يتجدّد بعد العقد من وزنه وطوله وعرضه كلّها مشمولة لهذه اللفظة ، ويدلّ عليها بالدلالة التضّمنيّة فوقع العقد عليها.

وأمّا ما عدا ذلك فلا بدّ أن ينظر أنّ اللفظ يدلّ عليها في متفاهم العرف بحيث وقع إنشاء الرهن بتوسيط تلك اللفظة عليهما فداخل ، وإلاّ فخارج. وهذا هو الضابط الكلّي الذي يجب رعايته ولا يجوز التعدّي عنه إلاّ لأحد أمرين : إمّا الإجماع على دخول شي‌ء في الرهن وإن لم يكن مشمولا للفظ أو على خروج شي‌ء يكون مشمولا له ، وإمّا الاشتراط من الطرفين الراهن والمرتهن بدخوله أو خروجه.

وممّا ذكرنا تعرف أنّ ما ذكره في الشرائع من دخول الحمل المتجدّد بعد الارتهان في رهن الأمّ (١) ليس كما ينبغي ، إلاّ أن يشترط أو يكون إجماع عليه ، وكذلك الثمر في النخل والشجر.

فلو رهن بستانا ، العين المرهونة هي الأرض مع ما فيها من النخيل والأشجار ، وأمّا أثمار تلك النخيل والأشجار فهي خارجة عن الرهن ، وكلّ ذلك لأجل خروجها عن مفهوم اللفظ عرفا ، فلم يقع إنشاء الرهن عليها ، فلا بدّ من دخولها في الرهن إمّا الاشتراط أو الإجماع.

وكذلك اللبن في الضرع خارج عن رهن الشاة أو البقرة مثلا ، لخروجه عن مفهوم الشاة عرفا ، مضافا إلى أنّ كون الحليب رهنا ـ خصوصا فيما إذا كان أجل الدين طويلا ـ لا يخلو عن إشكال.

نعم مثل الصوف والوبر والشعر المتّصلة بالحيوان المرهون والأوراق والأغصان حتّى اليابسة منها والسعف في النخيل ، الظاهر دخولها فيه ، لأنّها تعدّ عرفا من أجزاء العين المرهونة.

فإذا أنشأ الراهن المالك رهانة حيوان أو رهانة نخل أو شجر فالإنشاء يقع على‌

__________________

(١) « شرائع الإسلام » ج ٢ ، ص ٨٣.

٥٤

مجموع ذلك الحيوان أو ذلك الشجر ، فجميع أجزاء ذلك الحيوان أو ذلك الشجر يدخل تحت إنشاء الرهن.

وأمّا الشي‌ء الخارج عن المرهون فلا يقع تحت الإنشاء ولا يكون رهنا ، إلاّ بالاشتراط أو الإجماع كما تقدّم ، فما يكتسب العبد المرهون بالحيازة أو بغيرها حيث يكون خارجا عن مسمّى العبد فلا يقع تحت إنشاء الرهن.

وقوله عليه‌السلام في رواية إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه سأله عن رجل ارتهن دارا لها غلّة لمن الغلّة؟ قال : « لصاحب الدار » (١) أجنبي عن المقام ، وروايات أخر بهذا المضمون أيضا (٢) ولكن كلّها في مقام رفع توهّم أنّ المرتهن يستحقّ منافع العين المرهونة ، فلا ربط لها بالمقام وهو دخولها في الرهن أو عدم دخولها فيه.

قال في الشرائع : من أنّه لو حملت الشجرة أو الدابّة أو المملوكة بعد الارتهان كان الحمل رهنا كالأصل على الأظهر (٣) لا أظهريّة فيه ، وإن كان هو الأشهر بين المتقدّمين. وأمّا رأس الجدار ومغرس الأشجار إن أريد بالأوّل موضع الجدار من الأرض الذي بنى الجدار عليه ، وأريد بالثاني موضع غرس الشجر من الأرض ، فالظاهر خروجها عن رهن الجدار والشجر.

وخلاصة الكلام موارد الشكّ كثيرة ، ولا بدّ من مراعاة ذلك الضابط الذي ذكرنا ، فإذا بقي الشكّ ولم يحصل اليقين بانطباق ذلك الضابط في مورد فمقتضى الأصل عدم دخوله في الرهن ، لأنّ الناس مسلّطون على أموالهم.

__________________

(١) « الكافي » ج ٥ ، ص ٢٣٥ ، باب الرهن ، ح ١٢ ، « الفقيه » ج ٣ ، ص ٣١٢ ، باب الرهن ، ح ٤١١٧ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ١٧٣ ، ح ٧٦٧ ، باب في الرهون ، ح ٢٤ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ١٣٢ ، أبواب الرهن ، باب ١٠ ، ح ٣.

(٢) « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ١٣١ ، أبواب الرهن ، باب ١٠.

(٣) « شرائع الإسلام » ج ٢ ، ص ٨٣.

٥٥

فرع : لو رهن لقطة ممّا يلقط كالخيار والباذنجان وما يشبههما من المخضّرات‌ والفواكه التي لها لقطات وقد يمتزج بعضها ببعض ، فإن كان حلول الدين والحقّ قبل تجدّد اللقطة التالية فلا إشكال في صحته ، لاجتماع شرائط الصحّة ، لأنّها عين خارجيّة متموّلة يمكن بيعها عند حلول الدين واستيفاء الحقّ منها إن لم يؤدّ الراهن الدين من جهة تعذّره أو تعسّره أو من جهة مماطلته ، فالمقتضي للصحّة موجود والمانع مفقود.

وأمّا إن كان بعد تجدّد التالية فربما يختلط الأولى التي صارت رهنا بالثانية ، فإن كانتا متميّزتين فأيضا لا إشكال في صحّته ، لعين ما ذكرنا من وجود المقتضي وفقد المانع في الصورة السابقة.

وأمّا إن لم تكونا متميّزتين بحيث صار الاختلاط سببا للاشتباه بين كونها من اللقطة التي جعلت رهنا أو من التي لم تجعل ، فربما يتوهّم بل قيل بالبطلان. ونسب إلى الشيخ قدس‌سره (١) لتعذّر الاستيفاء لعدم جواز بيعه عند حلول الأجل لكونه مجهولا. ولكن الأصحّ الصحّة وفاقا لجمع من أساطين الفقه كالعلاّمة (٢) والشهيدين (٣) وجامع المقاصد (٤) وغيرهم (٥) وذلك لأنّ استيفاء الحقّ ليس طريقه منحصرا بالبيع ، بل يمكن بالصلح ولو قهرا بعد القسمة تعيّنه أي ما هو المرهون ، فيجوز بيعه لارتفاع الجهل حكما ، بل يمكن من أوّل الأمر أن يصالح المرتهن مع شريكه صاحب اللقطة التالية بمال ، وهذا المقدار من الجهل لا يضرّ بصحّة الصلح.

هذا ، مضافا إلى أنّ اعتبار وجود هذه الشرائط واجتماعها يكون في حال إيقاع الرهن بمعنى حال إنشاء عقد الرهن يجب أن تكون العين المرهونة معيّنة معلومة قابلة‌

__________________

(١) حكاه عن الشيخ في « المسالك » ج ١ ، ص ٢٣٤. وهو في « المبسوط » ج ٢ ، ص ٢٤٢.

(٢) « قواعد الأحكام » ج ١ ، ص ١٦٥.

(٣) الشهيد الأوّل في « الدروس » ج ٣ ، ص ٣٩٦ ، والشهيد الثاني في « المسالك » ج ١ ، ص ٢٣٤.

(٤) « جامع المقاصد » ج ٥ ، ص ١٣٤.

(٥) « إيضاح الفوائد » ج ٢ ، ص ٣٨.

٥٦

لأن تباع.

وأمّا الجهل العارض المتجدّد لا يضرّ بصحّة الرهن ، مثلا لو رهن عينا معلومة متموّلة على دين ثمَّ اختلطت تلك العين أو امتزجت بمال آخر متجانس أو غير متجانس بحيث لا يمكن تميّزهما وانفصالهما ، لا يكون ذلك موجبا لبطلان الرهن ، بل يجري على الرهن حكم الشركة ، فيقتسمان المرتهن أو الراهن أو كليهما مع صاحب المال الآخر ، ويتصالحان في اختصاص كلّ واحد من الشريكين بأحد القسمين ، فيبيع المرتهن بإذن الراهن حصّته عن المال المختلط أو الممتزج ، ويستوفي حقّه منه ، ولا يبقى إشكال في البين.

فرع : إذا كان الرهن من مستثنيات الدين كدار سكناه ودابّة ركوبه جاز بيعه‌ واستيفاء دينه منه ، وأدلّة الاستثناء ناظرة إلى عدم جواز أخذها بعنوان أنّه مطلوب ومديون ، وأمّا إذا هو أخرجه من تحت يده وسلطانه بعنوان أن يكون وثيقة عند الدائن فلا تشمل مثل هذا المقام.

وبعبارة أخرى : استثناء المستثنيات في الدين لأجل الإرفاق على المديون وعدم التضييق عليه ، وقال الله تعالى ( وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ ) وأمّا إذا هو بنفسه ضيق على نفسه وباع داره السكنى وظلّ رأسه لأجل أداء دينه فلا مانع منه ، بل ربما يعدّ من كرائم الأخلاق وعلوّ الهمّة وكمال الورع.

وما رواه إبراهيم بن هاشم ـ أنّ محمد بن أبي عمير كان رجلا بزازا فذهب ماله وافتقر ، وكان له على رجل عشرة آلاف درهم ، فباع دارا له كان يسكنها بعشرة آلاف درهم وحمل المال إلى بابه فخرج إليه محمد بن أبي عمير فقال : ما هذا؟ فقال : هذا مالك الذي لك علىّ. قال : ورثته؟ قال : لا ، قال : وهب لك؟ قال : لا ، فقال : هو من ثمن ضيعة بعتها؟ فقال : لا ، فقال : ما هو؟ فقال : بعت داري التي أسكنها لأقضي ديني. فقال‌

٥٧

محمد بن أبي عمير حدثني ذريح المحاربي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا يخرج الرجل من مسقط رأسه بالدين » ارفعها فلا حاجة لي فيها ، والله وإنّي لمحتاج في وقتي هذا إلى درهم واحد (١) ـ لا يدلّ على أنّ المديون لو باع داره السكنى لوفاء دينه لا يجوز ، أو يكون بيعه باطلا.

وإنّما ظاهر كلام الصادق عليه‌السلام أنّه لا يلزم المديون ببيع داره لأجل وفاء دينه ، لأنّه نهى عن إخراجه بالدين ، ولا تعرّض في الرواية لما إذا باع المديون داره السكنى من عند نفسه عن غير إلزام الدائن إيّاه ، وأمّا عدم قبول ابن أبي عمير ثمن الدار فهو من علوّ نفسه ، وشدّة ورعه وتقواه ، ومواساته مع إخوانه المؤمنين.

فرع : لو وفى بيع بعض الرهن بالدين فلا يجوز بيع الزائد‌ ، بل يقتصر على بيع المقدار الذي يفي بالدين ، وذلك من جهة أنّ الغرض من الرهن هو استيفاء المرتهن دينه منه ، فإذا حصل هذا الغرض ببيع البعض فتصرّف المرتهن في البعض الآخر وإجبار المالك على بيعه وسلب سلطنته على ماله منه يكون بلا وجه وبلا دليل ، فيقدر المالك على منعه من ذلك.

نعم لو لم يمكن التبعيض ، كما إذا كان درّة لا يرغب أحد في شراء بعضها ، أو يكون ضررا على المالك ، فيباع الكلّ ويعطى الفاضل للمالك.

فرع : لا تبطل الرهانة بموت الراهن ولا بموت المرتهن‌ ، بل ينتقل الرهن إلى ورثة الراهن ولكن مشغولا بحقّ المرتهن ، وذلك من جهة أنّ ما تركه الميّت ينتقل إلى‌

__________________

(١) « الفقيه » ج ٣ ، ص ١٩٠ ، باب الدين والقرض ، ح ٣٧١٥ ، « علل الشرائع » ص ٥٢٩ ، ح ١ ، « تهذيب الأحكام » ج ٦ ، ص ١٩٨ ، ح ٤٤١ ، باب في الديون وأحكامها ، ح ٦٦ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ٩٥ ، أبواب الدين باب ١١ ، ح ٥.

٥٨

ورثته ، فإن كان ما تركه ملكا طلقا ليس متعلّقا لحقّ أحد كذلك ينتقل إلى الورثة طلقا ، وإن كان متعلّقا لحقّ الغير أيضا كذلك ينتقل ، وكذلك ينتقل ما تركه المرتهن من حقّ أو مال إلى ورثته.

وفي المقام ما تركه الميّت هو حقّ الرهانة ، فنسبة ورثة الراهن إلى الرهن نسبة نفس الراهن أي المالكيّة ، ونسبة ورثة المرتهن أيضا كذلك نسبة نفس المرتهن ، أي يكون لهم حقّ الرهانة.

نعم يمكن هاهنا أن لا يشاء منهم الراهن على كون الرهن بيدهم ، فله أخذه من يدهم وإعطائه لأمين إن اتّفق الورثة عليه ، وإلاّ يرجع الأمر إلى الحاكم ويكون الأمر بيده ، فيسلّمه إلى من يرتضيه ويكون من صلاح الطرفين. وإن فقد الحاكم تصل النوبة إلى عدول المؤمنين.

فرع : إذا ظهر للمرتهن أمارات الموت ، يجب عليه الوصيّة بالرهن‌ وتعيين الراهن والعين المرهونة والإشهاد كسائر الودائع ، لأنّ الرهن أمانة مالكيّة عند المرتهن ، فيجب عليه حفظها وإن أفرط يضمن ، كما هو الحال في سائر الأمانات.

وواضح أنّ ترك الوصيّة بل الإشهاد وعدم تعيين الراهن والمرهون كثيرا ما يوجب تلف الرهن وضياعه وعدم الوصول الى مالكه وهو الراهن ، فمن مقدّمات حفظه وعدم ضياعه في الفرض الإشهاد وتعيين الرهن والراهن ، فلو ترك المذكورات يكون مفرطا وضامنا.

فرع : لو استدان من شخص دينارا برهن‌ ، وأيضا استدان من ذلك الشخص دينارا آخر بلا رهن ، فأعطى لذلك الشخص دينارا واحدا ، فقال الدافع الراهن : إنّ الدفع كان لأجل ذي الرهن. وقال القابض : كان وفاء للآخر الفاقد الرهن.

٥٩

فتارة : يدّعي الدافع تعيين نيّة أحدهما المعيّن عن ذي الرهن أو فاقده ، فلا شكّ في قبول قوله ، لأنّه أبصر بما نوى. ولا يعلم نيّته إلاّ من قبله ، وقد حقّقنا في أبواب الدعاوي أنّ دعوى المدّعي الذي لا يعلم دعواه إلاّ من قبله يسمع ، ولا يكلّف بالبيّنة بل يوجّه إليه اليمين.

وأخرى : يدّعي بأنّي نويت وفاء ديني فقط ، من دون النظر إلى خصوص كلّ واحدة من الخصوصيّتين ، أي كون الدينار ذي الرهن أو فاقده ، فهاهنا وجوه واحتمالات :

الأوّل : التوزيع بمعنى أنّ الدينار يوزّع على الدينارين ، فيكون أداء نصف كلّ واحد منهما ، فلو أعطى نصف دينار بقصد ذي الرهن يفتكّ الرهن ، لأنّه بإعطائه النصف بقصد ذي الرهن أدّى ذي الرهن تماما.

وقد اختار هذا الوجه في جامع المقاصد (١) ، ووجّهه بأنّ عدم برء الذمّة من شي‌ء منهما محال ، لأنّه قبض هذا المقدار من دينه قبضا صحيحا قطعا ، وتعيين أحدهما ترجيح بلا مرجّح ، فلا بدّ وأن نقول بالتوزيع.

والثاني : بقاء التخيير الذي كان له من الأوّل ، لأنّه لم يعيّن فله أن يصرفه الآن بعد الأداء إلى ما شاء منهما بنيّة جديدة.

والثالث : القرعة لتعيين أنّ الأداء كان لأيّ واحد منهما. والقول بالقرعة مضافا إلى أنّ جريانها موقوف في كلّ مورد على عمل الأصحاب بها في ذلك المورد ، من المحتمل القريب أن يكون مورد جريانها فيما إذا كان له واقع غير معلوم وصار مشتبها ، فلا يشمل مثل المقام الذي في عالم الثبوت مجهول أنّه أداء لأيّ واحد من الدينارين ، هل لذي الرهن أو لفاقده ، وقد حقّقنا هذا المطلب في قاعدة القرعة (٢).

__________________

(١) « جامع المقاصد » ج ٥ ، ص ١٥٧.

(٢) « القواعد الفقهية » ج ، ص.

٦٠