القواعد الفقهيّة - ج ٦

آية الله السيّد محمّد حسن البجنوردي

القواعد الفقهيّة - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد حسن البجنوردي


المحقق: مهدي المهريزي
الموضوع : الفقه
الناشر: نشر الهادي
المطبعة: مؤسسة الهادي
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-400-030-7

الصفحات: ٤٣١

للإيجاب ، لأنّها تبرّع محض ، فلا يتفاوت الحال فيها بين قبول الكلّ والبعض (١).

وحاصل كلامه : أنّها ليست من المعاوضات ـ كي يقال بأنّه قصد تبديل الكلّ بعوض كذا ، وأمّا تبديل مقدار منه جزءا أو كسرا مشاعا مثل نصفه أو ثلثه بمقدار من العوض فليس بمقصود أصلا ـ بل قصد تمليكه لهذا المجموع بلا عوض ، وحيث أنّ التملك قهرا وبدون قبوله ورضاه لا يمكن إلاّ بأسباب خاصّة وفي موارد مخصوصة كالإرث وغيره ، فيحتاج إلى القبول ، فأيّ مقدار منها قبل يصير ملكه ، وأيّ مقدار لم يقبل يبقى على ملك الموصي ، سواء كان ذلك المقدار الذي يقبله موجودا مستقلا غير مربوط بالآخر الذي لم يقبله ، أو كان جزءا للوصيّة أو كسرا مشاعا لها.

فلو قال : كتبي لزيد مثلا بعد وفاتي ، فقبل بعضا معيّنا منها أو كسرا مشاعا مثل النصف أو الثلث أو الربع منها ، صحّ في الكل. هذا ما ذكروه.

حتّى أنّه ذكر في جامع المقاصد في هذا المقام بعد قوله « بأنّ الوصيّة صحّ فيما قبل وبطل فيما ردّ » : ولم ينظر إلى التضرّر بالشركة لو كان الموصى به شيئا واحدا (٢) فحكمهم بالصحّة فيما قبل والبطلان فيما يردّ مطلق شامل لجميع الأفراد ، سواء كان الموصى به متعدّدا أو كان شيئا واحدا ، كان قابلا للقسمة أو لم يكن كفصّ من عقيق أو من ياقوت أو من غيرهما.

ولكن الإنصاف أنّه لو كان الموصى به مركّبا من أجزاء أو من جزئين ، بحيث يكون بعض أجزائه أو أحد جزئية لو انفصل لم يبق قيمة معتدّ للباقي منها أو منهما ، مثل ما لو أوصى بساعة فقبل الموصى له بعض أجزائها التي من أركانها وردّ الباقي في الفرض الأوّل ، أو أوصى حذاء لشخص فقبل النعل الذي للرجل الأيمن مثلا وردّ الآخر في الفرض الثاني ، فالقول بصحّتها فيما قبل وبطلانها فيما ردّ لا يخلو من تأمّل بل‌

__________________

(١) « جواهر الكلام » ج ٢٨ ، ص ٢٥٧.

(٢) « جامع المقاصد » ج ١٠ ، ص ١٤.

٢٤١

من إشكال.

فرع : لا تصحّ الوصيّة في معصية بأن يصرف المال الموصى به في الملاهي أو شرب الخمر مثلا‌ ، أو يصرفه الوصي في سائر المحرّمات مثل تأييد ظالم ومساعدته في ظلمة وكتابة كتب الضلال طبعها ونشرها ، مثل ما يسمّى الآن توراة وإنجيل ، لأنّهما حرّفا وغيرا وفيهما أشياء توجب الضلال ، وكتب البابيّة والبهائيّة ، وبعض كتب العرفاء والصوفيّة المشتملة على العقائد الفاسدة والمطالب الباطلة ، مثل ادّعاء الحلول أو الاتّحاد مع الله تعالى جلّ جلاله ، تعالى الله عمّا يدّعون ويصفون.

وخلاصة الكلام : أنّه لا تصحّ الوصيّة بفعل محرّم أو صرف ماله في أمر محرّم لوجوه :

الأوّل : الإجماع.

الثاني : أنّ تنفيذ مثل هذه الوصيّة غير مقدور ، لأنّ الممتنع شرعا مثل الممتنع عقلا ، لنهي الشارع عن العمل بمثل هذه الوصيّة.

الثالث : أنّها إعانة على الإثم ، بل هي بنفسها إثم. أمّا إنّها إعانة على الإثم لأنّ الإعانة على الإثم عبارة ، عن إيجاد مقدّمة من مقدّمات الحرام الصادر عن الغير بقصد ترتّب ذلك الحرام عليها ، ولا شكّ في أنّ هذه الوصيّة من مصاديق هذا العنوان ، إذ مقصوده منها وجود ذلك الحرام. أمّا كونها بنفسها إثما فلأنّه لا شكّ في أنّ بذل المال في الحرام حرام وإثم وإن لم يكن بمباشرته.

الرابع : قوله تعالى ( فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (١) ودلالة الآية على المراد في المقام مبنى على أن يكون‌

__________________

(١) البقرة (٢) : ١٨١.

٢٤٢

المقصود من قوله تعالى ( أَوْ إِثْماً ) الوصيّة بالمعصية ، ويكون استثناء عن حرمة التبديل والتغيير ، أي لا يجوز تبديل الوصيّة وتغييرها إلاّ إذا كانت وصيّة بالمعصية ، فتكون الآية بناء على هذا ظاهرة في عدم جواز الوصيّة بالمعصية وفي عدم صحّتها.

ويدلّ على أنّ المراد من الآية هذا المعنى ما ورد في تفسير عليّ بن إبراهيم في تفسير هذه الآية قال عليّ بن إبراهيم : قال الصادق عليه‌السلام : « إذا أوصى الرجل بوصيّة فلا يحلّ للوصي أن يغيّر وصية يوصى بها ، بل يمضيها على ما أوصى إلاّ أن يوصى بغير ما أمر الله فيعصي في الوصيّة ويظلم ، فالموصى إليه جائز له أن يردّه إلى الحقّ مثل رجل يكون له ورثة فيجعل ماله كلّه لبعض ورثته ويحرم بعضا ، فالوصي جائز له أن يردّه إلى الحقّ وهو قوله تعالى ( جَنَفاً أَوْ إِثْماً ) فالجنف الميل إلى بعض ورثتك دون بعض ، والإثم أن تأمر بعمارة بيوت النيران واتّخاذ المسكر ، فيحلّ للوصي أن لا يعمل بشي‌ء من ذلك » (١).

فرع : عقد الوصيّة جائز من طرف الموصي ، سواء كانت الوصيّة بمال أو كانت عهديّة‌ مثل أن يجعل شخصا وليّا وقيّما على صغاره ، أو يوصي بدفنه في مكان كذا وأمثال ذلك من الوصايا ، فللموصي الرجوع في وصيّته متى شاء وما دام حيّا. والدليل عليه : أنّ الموصي ما دام حيّا لا ينتقل المال إلى الموصى إليه وإن قلنا بجواز القبول في حال حياة الموصي وقد تقدّم هذه المسألة ، فالمال ماله ولم يخرج عن تحت سلطنته والناس مسلّطون على أموالهم.

وأصالة اللزوم في العقود لا تشمله ، إمّا لأنّ محلّ القبول بعد موت الموصي وقبله لا قبول فلا عقد ، وإمّا لأنّه وإن كان عقدا ويصحّ من الموصى له القبول ولكن هو خارج عن تحت تلك القاعدة بالإجماع ، أو بورود روايات تدلّ على جواز رجوع‌

__________________

(١) « تفسير القميّ » ج ١ ، ص ٦٥ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ٤٢٠ ، أبواب كتاب الوصايا ، باب ٣٧ ، ح ٤.

٢٤٣

الموصي في وصيته ما دام فيه الروح ، في صحّة كان أو مرض.

منها : رواية ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّ المدبّر من الثلث ، وأنّ للرجل أن ينقض وصيّته فيزيد فيها وينقص منها ما لم يمت » (١).

ومنها : رواية يونس عن بعض أصحابه قال : قال عليّ بن الحسين عليه‌السلام : « للرجل أن يغيّر وصيّته فيعتق من كان أمر بملكه ويملك من كان أمر بعتقه ، ويعطي من كان حرمه ، ويحرم من كان أعطاه ما لم يمت » (٢).

وفي الوسائل أنّ الصدوق روى هذه الرواية إلاّ أنّه زاد في آخره : « ما لم يكن رجع عنه » (٣).

منها : رواية عبيد بن زرارة قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « للموصي أن يرجع في وصيّة إن كان في صحّة أو مرض (٤) وروايات أخر (٥).

وبعد الفراغ عن أنّها عقد جائز من طرف الموصي وله أن يرجع فيه ما دام حيّا ، يتحقّق الرجوع بالقول وبالفعل.

فالأوّل : أمّا قول الصريح في الرجوع كقوله :

__________________

(١) « الكافي » ج ٧ ، ص ١٢ ، باب الرجل يوصي بوصيّة ثمَّ يرجع عنها ، ح ٣ ، « الفقيه » ج ٤ ، ص ١٩٩ ، باب الرجوع عن الوصيّة ، ح ٥٤٥٩ ، « تهذيب الأحكام » ج ٩ ، ص ١٩٠ ، ح ٧٦٢ ، باب الرجوع في الوصيّة ، ح ١٥ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ٣٨٥ ، أبواب أحكام الوصايا ، باب ١٨ ، ح ١.

(٢) « الكافي » ج ٧ ، ص ١٣ ، باب الرجل يوصي بوصيّة ثمَّ يرجع عنها ، ح ٤ ، « الفقيه » ج ٤ ، ص ١٩٩ ، باب الرجوع عن الوصيّة ، ح ٥٤٦٠ ، « تهذيب الأحكام » ج ٩ ، ص ١٩٠ ، ح ٧٦٣ ، باب الرجوع في الوصيّة ، ح ١٦ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ٣٨٥ ، أبواب أحكام الوصايا ، باب ١٨ ، ح ٢.

(٣) « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ٣٨٦ ، أبواب أحكام الوصايا ، باب ١٨ ، ح ٢.

(٤) « الكافي » ج ٧ ، ص ١٢ ، باب الرجل يوصى بوصيّة ثمَّ يرجع عنها ، ح ١ ، « الفقيه » ج ٤ ، ص ١٩٩ ، باب الرجوع عن الوصيّة ، ح ٥٤٥٨ ، « تهذيب الأحكام » ج ٩ ، ص ١٨٩ ، ح ٨٦٠ ، باب الرجوع في الوصيّة ، ح ١٣ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ٣٨٦ ، أبواب أحكام الوصايا ، باب ١٨ ، ح ٣.

(٥) انظر : « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ٣٨٥ ، أبواب أحكام الوصايا ، باب ١٨.

٢٤٤

رجعت في الوصيّة الفلانيّة أو نقضتها أو فسختها ، أو يقول : لا تعطوا فلانا ما أوصيت له به ، إلى غير ذلك من الألفاظ التي صريحة في نقض وصيّته وفسخها. وإمّا ما يكون له ظهور عرفي في الرجوع ولو بتوسّط القرينة مثل أن يقول للدلاّل : اجعله في معرض البيع.

والثاني : إمّا بفعل ما يخرجه عن ملكه إمّا شرعا ، كنقله بأحد النواقل الشرعيّة إلى الغير ، مثل أن يبيع العين الموصى بها أو يهبها أو يصالح عليها أو يقرضها أو يخرجها عن ملكه بأن يعتقها أو يوقفها ، ففي جميع ذلك لا يبقى محلّ ومجال لكونها وصيّة ، لأنّ الوصيّة عبارة عن كون المال الموصى به باقيا تحت سلطنته وفي ملكه إلى زمان الموت ، ثمَّ بالموت منضمّا إلى قبول الموصى له يصير ملكا له فلو نقل إلى غيره شرعا أو وقع عليه التلف بإتلاف أو تلف سماوي لا يمكن بقاؤه وصية.

وخلاصة الكلام : أنّ عقد الوصيّة جائز من طرفه ، فله الرجوع ما دام فيه الروح ، سواء كان بالقول أو بالفعل. وإذا كان بالقول لا بدّ وأن يكون له ظهور عرفي في الرجوع وإن كان بواسطة القرينة ، وذلك لحجّية الظهورات في الكشف عن المراد.

وأمّا إن كان بالفعل ، فتارة بإعدام الموضوع حقيقة وهو إمّا بإتلاف تكوينا أو بنقله بأحد النواقل شرعا إلى غيره ، وأخرى جعله في معرض البيع وإن لم يبع فعلا ولكن وضعه في السوق في دكّانه كسائر الأجناس التي في معرض البيع ، وثالثة يكتب إعلان ويعلق أنّ الدار الفلانيّة في معرض البيع وقد كان أوصى بها لشخص.

ثمَّ إنّ الرجوع تارة يكون في أصل الوصيّة ، وأخرى في بعض جهاتها وكيفيّاتها ومتعلّقاتها ، فله تبديل الموصى به كلاّ أم بعضا مثل إن كانت وصيّته أن يعطى داره لولده الأكبر مثلا ، فغيّر الموصى به وجعله بستانه أو دكّانه مثلا ، هذا في تبديل الكلّ.

وأمّا تبديل البعض بأن كانت وصيته إعطاء كتبه لولده الفلاني مطبوعا ومخطوطا ، ثمَّ يغيّر ويستثنى المخطوط ويجعل بدله ألبسته أو فراشه.

٢٤٥

وأمّا التبديل في الموصى له فهو أن يجعل أوّلا ولده الأكبر مثلا ، ثمَّ لجهة من الجهات يبدّله بولده الآخر أو شخصا أجنبيا.

وأمّا التبديل في الوصي ، مثل أن جعل زيدا وصيّة ثمَّ يبدو له ويجعله عمروا ، أو يشرك عمرا معه بعد إن كان مستقلا ومنفردا. وكلّ ذلك جائز له ، لأنّها عقد جائز من طرفه وله السلطنة على ماله.

وأمّا التبديل في وليّ أطفاله وصغاره ، مثل أن يجعل أوّلا زيدا وليّا عليهم ، ثمَّ يبدو له ويبدّل ويجعله عمروا ، أو يشركه مع زيد في الولاية.

والحاصل : أنّ الموصي إلى آخر لحظة من حياته له السلطنة التامّة على وصيّته ، من حيث ما اوصى به ، ومن أوصى له ، ومن أوصى إليه ، فله التغيير والتبديل في جميع ذلك أصلا أو زيادة أو نقيصة.

بقي شي‌ء : وهو أنّه في بعض الموارد صار محلا للشكّ في أنّه رجوع أم لا؟

أمّا حكم الشكّ لو استقرّ ولم يوجد دليل على أنّه رجوع أو ليس برجوع فاستصحاب عدم تحقّق الرجوع وبقاء الوصيّة.

وأمّا موارد الشكّ ، فمنها : لو تصرّف في الموصى به تصرّفا أخرجه عن مسمّاه ، كما لو أوصى بطعام لزيد فطحنه ، أو بدقيق فعجنه أو خبزه ، فربما يقال ببطلان الوصيّة وصدق الرجوع عليه ، لأنّه من قبيل إعدام الموضوع ولم يبق موضوع لما أوصى به.

ولكن يمكن أن يقال : إذا تعلّقت بالطعام الخارجي والدقيق كذلك ، فالموضوع لما أوصى هذا الجسم الخارجي من حيث أنّه غذاء للموصى له ولعياله ، فطحنه ربما يكون أفيد بالنسبة إلى هذه النتيجة والغرض ، فكأنّه إحسان آخر إلى الموصى له ، وتغيّر الاسم من كونه حنطة إلى كونه دقيقا وكذلك من كونه دقيقا إلى كونه عجينا أو خبزا لا يضرّ بكونه وصيّة.

نعم لو كان هناك قرينة على رجوعه بهذا الفعل عن وصيّة ، فلا بأس بالقول به ، لما‌

٢٤٦

قلنا من حجّية الظهورات والمتفاهم العرفي ولو كان بتوسّط القرائن الحاليّة أو المقاليّة. مثلا لو كان الموصي خبّازا ومرض ، فأوصى بإعطاء الحنطة الموجودة عنده لولده أو لأخيه ، فبرء وطحنه ثمَّ قبل أن يخبزه مات فجأة ، فالإنصاف أنّ فعله في هذا الفرض ظاهر في الرجوع ، كما أنّه لو قال : اطحنوه ولكن هناك قرائن على أنّه يريد بذلك الفعل مساعدة أخيه الضعيف لكي يسهل عليه الأمر ، فيدلّ هذا على بقاء الوصيّة وعدم الرجوع.

الأمر الثاني

في الموصي‌

فرع : يعتبر في الموصي البلوغ ، والعقل ، والاختيار ، والرشد ، والحرّية‌ ، لاعتبار هذه الأمور في جميع المعاملات إجماعا ، مضافا إلى أدلّة أخرى مذكورة في كتاب البيع.

أمّا البلوغ : فلأنّ الصبي غير البالغ مسلوب العبارة ، فلا اعتبار بإنشائه كسائر معاملاته ، سواء كانت من المعاوضات أو كانت من الهبات والعطايا.

نعم وردت روايات في صحّة وصيّة الصبي إذا بلغ عشرا وإن لم يحتلم ، وفي بعضها صحّة وصيّته وإن لم يدرك ومطلق من حيث مقدار السنّ ، وفي بعضها صحّة وصيّته إن بلغ سبع سنين ، ولكن أكثر الروايات الواردة في هذا الباب تقيّد صحّة وصية الغلام ببلوغه عشر سنين.

فمنها : رواية محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « إنّ الغلام إذا حضره الموت فأوصى ولم يدرك جازت وصيّته لذوي الأرحام ، ولم يجز للغرباء » (١).

__________________

(١) « الكافي » ج ٧ ، ص ٢٨ ، باب وصيّة الغلام والجارية. ، ح ٢ ، « الفقيه » ج ٤ ، ص ١٩٧ ، باب الحدّ الذي إذا بلغه الصبيّ جازت وصيته ، ح ٥٤٥٣ ، « تهذيب الأحكام » ج ٩ ، ص ١٨١ ، ح ٧٢٨ ، باب وصيّة الصبي والمحجور عليه ، ح ٣ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ٤٢٨ ، أبواب أحكام الوصايا ، باب ٤٤ ، ح ١.

٢٤٧

وهذه الرواية تدلّ على صحّة وصيّة غير البالغ مطلقا ، سواء بلغ عشرا أو لم يبلغ ، ولكن مقيّد من حيث الموصى له بأن يكون لذوي الأرحام ولا يكون للغرباء.

ومنها : رواية أبي بصير ـ يعني المرادي ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : « إذا بلغ الغلام عشر سنين وأوصى بثلث ماله في حقّ جازت وصيّته ، وإذا كان ابن سبع سنين فأوصى من ماله باليسير في حقّ جازت وصيّته » (١). وهذه الرواية قيّد صحّة وصيته بأمور : بلوغه عشرا ، وكون وصيّته في حقّ ، أي لا يكون في الباطل والمحرّمات ، وأيضا يكون وصيته بثلث ماله لا أزيد.

ومنها : رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال : « إذا بلغ الغلام عشر سنين جازت وصيّته » (٢).

ومنها : رواية زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « إذا أتى على الغلام عشر سنين فإنّه يجوز له في ماله ما أعتق أو تصدّق أو أوصى على حدّ معروف وحقّ فهو جائز » (٣).

ومنها : رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا بلغ الصبي خمسة أشبار أكلت ذبيحته ، وإذا بلغ عشر سنين جازت وصيّته » (٤).

ومنها : رواية أبي بصير وأبي أيّوب عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الغلام ابن عشر سنين‌

__________________

(١) « الكافي » ج ٧ ، ص ٢٩ ، باب وصيّة الغلام والجارية. ، ح ٤ ، « الفقيه » ج ٤ ، ص ١٩٧ ، باب الحدّ الذي إذا بلغه الصبيّ جازت وصيّته ، ح ٥٤٥٢ ، « تهذيب الأحكام » ج ٩ ، ص ١٨٢ ، ح ٧٣٢ ، باب وصيّة الصبي والمحجور عليه ، ح ٧ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ٤٢٨ ، أبواب أحكام الوصايا ، باب ٤٤ ، ح ٢.

(٢) « الكافي » ج ٧ ، ص ٢٨ ، باب وصيّته الغلام والجارية. ، ح ٣ ، « الفقيه » ج ٤ ، ص ١٩٦ ، باب الحدّ الذي إذا بلغه الصبيّ جازت وصيّته ، ح ٥٤٥٠ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ٤٢٩ ، أبواب أحكام الوصايا ، باب ٤٤ ، ح ٣.

(٣) « الكافي » ج ٧ ، ص ٢٨ ، باب وصيّته الغلام والجارية. ، ح ١ ، « الفقيه » ج ٤ ، ص ١٩٧ ، باب الحدّ الذي إذا بلغه الصبيّ جازت وصيّته ، ح ٥٤٥٢ ، « تهذيب الأحكام » ج ٩ ، ص ١٨١ ، ح ٧٢٩ ، باب وصيّة الصبي والمحجور عليه ، ح ٤ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ٤٢٩ ، أبواب أحكام الوصايا ، باب ٤٤ ، ح ٤.

(٤) « تهذيب الأحكام » ج ٩ ، ص ١٨١ ، ح ٧٢٦ ، باب وصيّة الصبي والمحجور عليه ، ح ١ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ٤٢٨ ، أبواب أحكام الوصايا ، باب ٤٤ ، ح ٥.

٢٤٨

يوصى؟ قال : « إذا أصاب موضع الوصيّة جازت » (١).

ومنها : رواية حسن بن راشد عن مولانا العسكري عليه‌السلام : « إذا بلغ الغلام ثماني سنين ، فجائز أمره في ماله وقد وجب عليه الفرائض والحدود ، وإذا تمَّ للجارية سبع سنين فكذلك » (٢).

والرواية الأخيرة ظاهرة في حصول البلوغ للذكر بثمانية وللأنثى بسبعة بالنسبة إلى جميع الأمور ، سواء كانت في المعاملات والمعاوضات أو من العبادات بل مطلق الفرائض ، أو كانت من الحدود فتجري في حقّهما.

ولا شكّ في أنّ بلوغ الذكر بثمانية والأنثى بسبعة بالنسبة إلى جميع الأحكام الشرعيّة في المعاملات والفرائض والحدود مخالف لإجماع المسلمين بل لضرورة من الدين ، فهذه الرواية شاذّة لم يعمل بها أحد فيجب أن يطرح. وكذلك ذيل رواية أبي بصير المتقدّم « وإذا كان ابن سبع سنين فأوصى من ماله باليسير في حقّ جازت وصيّته » لم يعمل به ، فهو مطروح.

وأمّا سائر الروايات الواردة في هذا الباب وان كان بعضها مطلقة ، كرواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال عليه‌السلام في ذيله : « وإذا بلغ عشر سنين جازت وصيّته » ولكن لا بدّ من تقييدها بما إذا كانت وصيّته في وجوه المعروف والبرّ ، ولعلّ هذا هو المراد من قوله عليه‌السلام : « أو أوصى على حدّ معروف وحقّ ».

وكذلك لا بدّ من تقييدها بما إذا كان عاقلا بصيرا ، ولعلّ هذا هو المراد بقوله عليه‌السلام في رواية أبي بصير وأبي أيّوب : « إذا أصاب موضع الوصيّة جازت ».

فالمتحصل من مجموع هذه الروايات بعد إرجاع مطلقاتها إلى مقيّداتها هو صحّة‌

__________________

(١) « تهذيب الأحكام » ج ٩ ، ص ١٨١ ، ح ٧٢٧ ، باب وصيّته الصبي والمحجور عليه ، ح ٢ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ٤٢٩ ، أبواب أحكام الوصايا ، باب ٤٤ ، ح ٦.

(٢) « تهذيب الأحكام » ج ٩ ، ص ١٨٣ ، باب وصيّته الصبي والمحجور عليه ، ح ١١ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ٣٢١ ، أبواب أحكام الوقوف والصدقات ، باب ١٥ ، ح ٤.

٢٤٩

وصيّة الصبي إذا بلغ عشرا في وجوه البرّ والمعروف إذا كان عاقلا وبصيرا ، وهذا المعنى بعد طرح رواية حسن بن راشد ، لإعراض الأصحاب بل المسلمين عنها ، مضافا إلى ضعف سندها ومخالفتها للأخبار الصحيحة الصريحة ، وبعد طرح رواية أبي بصير التي تقدّمت وكان مفادها جواز وصيّة ابن سبع سنين إذا كان أوصى بالمال اليسير في حقّ ، لشذوذها ومخالفتها للإجماع.

وقال في المسالك : وابن إدريس رحمه‌الله سدّ الباب واشتراط في جواز الوصيّة البلوغ كغيرها (١) ، ونسبه الشهيد في الدروس إلى التفرّد بذلك ، ثمَّ قال : ولا ريب أنّ قوله هو الأنسب ، لأنّ هذه الروايات التي دلّت على الحكم وإن كان بعضها صحيحة إلاّ أنّها مختلفة بحيث لا يمكن الجمع بينها ، فإثبات الحكم المخالف للأصل بها مشكل (٢).

ولكن الإنصاف أنّ إنكار مثل هذا الحكم الذي هو مشهور بين الأصحاب ـ بل في الغنية (٣) دعوى الإجماع عليه مع وجود هذه الروايات الكثيرة الصحيحة الصريحة ـ وعدم الاعتناء بهذه الأخبار والأقوال أشكل.

مضافا إلى ما تقدّم منّا من إمكان الجمع العرفي بسهولة.

وقال في جامع المقاصد بعد إقراره بأنّ الروايات الدالّة على جواز وصيّة الصبي إذا بلغ عشرا كثيرة : والمناسب لأصول المذهب وطريقة الاحتياط القول بعدم الجواز (٤).

ويردّه ما تقدّم ذكره ، والله العالم.

__________________

(١) « المسالك » ج ١ ، ص ٣٩٢. وهو في « السرائر » ج ٣ ، ص ٢٠٦.

(٢) « الدروس » ج ٢ ، ص ٢٩٨.

(٣) « الغنية » ضمن « الجوامع الفقهية » ص ٦٠٤.

(٤) « جوامع المقاصد » ج ١٠ ، ص ٣٤.

٢٥٠

فرع : لو جرح الموصي نفسه عمدا بما فيه هلاكها ، أي نوى قتل نفسه فأوجد السبب ، سواء كان بالجرح بآلة قتّالة أو بشرب السمّ أو غير ذلك ، لم تصحّ وصيّته إذا كانت في ماله. وأمّا إذا كانت في غير ماله كتجهيزه ودفنه في موضع كذا ، فالظاهر صحّته ، لصحيحة أبي ولاّد قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « من قتل نفسه متعمّدا فهو في نار جهنّم خالدا فيها ». قلت له : أرأيت إن كان أوصى بوصيّة ثمَّ قتل نفسه من ساعته تنفذ وصيّته؟ قال : فقال عليه‌السلام : « إن كان أوصى قبل أن يحدث حدثا في نفسه من جراحة أو قتل أجيزت وصيّته في ثلثه ، وإن كان أوصى بوصية بعد ما أحدث في نفسه من جراحة أو قتل لعلّه يموت لم تجز وصيته » (١).

فهذه الصحيحة لها دلالة واضحة على من أوجد سبب قتله متعمّدا لأجل أن يموت ، ويسمّى في عرف هذا العصر بالانتحار ، ثمَّ بعد ذلك أوصى وصيّة بشي‌ء من ماله لم تقبل وصيّته.

وأمّا لو أوصى أوّلا ثمَّ أوجد سبب قتله ، تجاز وصيّته في ثلثه. وهذه الكلمة الأخيرة ـ أي ثلث ماله ـ تدلّ أنّ محلّ النفي والإثبات هو المال لا أمور الأخر.

وأيضا استدلّ بعضهم على عدم نفوذ وصيّة من قتل نفسه في الماليّات بأنّه سفيه ، والسفيه محجور لا يجوز له أن يتصرّف في أمواله.

أمّا أنّه سفيه ، فلأنّ إتلاف المال بلا مصلحة يكشف عن السفه ، وإتلاف النفس عصيانا ـ لا فيما إذا كان راجحا كما في باب الجهاد ـ أولى بأن يكشف عنه السفه.

وأمّا أنّ السفه يوجب المنع من تصرّفات السفيه في أمواله ومحجور ممنوع ، فهذا دليله وتحقيقه في كتاب الحجر مذكور مفّصلا.

__________________

(١) « الكافي » ج ٧ ، ص ٤٥ ، باب من لا تجوز وصيته من البالغين ، ح ١ ، « الفقيه » ج ٤ ، ص ٢٠٢ ، باب وصيّة من قتل نفسه متعمّدا ، ح ٥٤٧٠ ، « تهذيب الأحكام » ج ٩ ، ص ٢٠٧ ، ح ٨٢٠ ، باب وصيّة من قتل نفسه. ، ح ١ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ٤٤١ ، أبواب أحكام الوصايا ، باب ٥٢ ، ح ١.

٢٥١

هذا هو المشهور بين الأصحاب وجوّز ابن إدريس (١) وصيّته إذا كان عقله ثابتا ، واحتجّ بأنّه عاقل رشيد فينفذ وصيّته كغيره ، وبعموم النهي عن تبديل الوصيّة.

وقال العلاّمة في المختلف : لا بأس بالذهاب إلى قول ابن إدريس حيث قال : ولو قيل بالقبول مع تيقّن رشده كان وجها وأجاب عن الاحتجاج بالرواية بحملها على عدم استقرار الحياة ، بمعنى أنّ عدم القبول في الرواية فيما إذا كانت حياته بواسطة الجرح أو شرب السمّ أو نحوهما غير مستقرّة. (٢)

وأنت خبير بأن لازمه أنّ المريض إن صارت حياته غير مستقرّة فلا تنفذ وصيّته ، ولا يمكن القول بذلك مع أنّه يمكن أن يقال : إنّ هذا الكلام غير صحيح في حدّ نفسه ، لأنّ هذا الجريح غير المستقرّ حياته عاقل بالغ رشيد ، فتكون وصيّته مشمولة للأدلّة الدالّة على وجوب تنفيذ الوصيّة التي منها قوله تعالى ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) (٣) ولم يفرق بين مستقرّ الحياة وغيره ، وتخصيص هذا العامّ يحتاج إلى دليل مفقود في المقام.

وربما يقال : إنّ غير مستقرّ الحياة في حكم الميّت ، فلا يجري في حقّه الأحكام الجارية على الأحياء ، ويقاس بعدم ورود التذكية على الحيوان غير مستقرّ الحياة.

وفيه : أنّ كون الحيّ في حكم الميّت يحتاج إلى دليل ، وفي المقام لا دليل عليه.

والحاصل : أنّ كلمات هؤلاء الأساطين ـ مع وجود رواية صحيحة صريحة في عدم جواز وصيّة من قتل نفسه إذا كان متعمّدا في إيجاد سبب موته لكي يموت ، وكان إيجاد سبب موته قبل أن يوصى ـ اجتهادات في مقابل النصّ الصحيح الصريح المعمول به عند الأصحاب والمشهور بل ادّعى بعضهم عليه الإجماع. ومثل هذا مخالف‌

__________________

(١) « السرائر » ج ٣ ، ص ١٩٧.

(٢) « مختلف الشيعة » ج ٦ ، ص ٣٢٨.

(٣) البقرة (٢) : ١٨١.

٢٥٢

لأصولنا التي يجب العمل عليها.

فرع : لا تجوز الوصيّة لغير الأب والجدّ من طرف الأب‌ بأن يجعل القيّم والوليّ على الأطفال بعد موته. أمّا الأب والجدّ من قبله فيجوز لهما ذلك ، وذلك من جهة ثبوت ولايتهما عليهم حال حياتهما بنحو يشمل جميع التصرّفات التي لها مدخليّة في إصلاح شؤونهم من الماليّات وغيرها حال حياتهما وحال مماتهما.

وإن شئت قلت : إنّ المستفاد من الأخبار المستفيضة وسائر الأدلّة أنّ لهما التصرّف في جميع شؤونهما الصالحة لهم ، سواء كانت تلك الأمور صالحة لهم في حال حياة الأب والجدّ أو في حال مماتهما.

ولا شكّ في أنّ نصب القيّم الثقة لإصلاح أمورهم وتدبير شؤونهم بعد موتهما من التصرّفات الصالحة لهم ، فلذلك يصحّ للأب والجدّ من طرف الأب الوصيّة بذلك وتكون نافذة.

فقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أنت ومالك لأبيك » (١) وأمثال ذلك من الروايات والأحاديث تدلّ على أنّ للأب والجدّ من طرف الأب الولاية والسلطنة على صغارهم وأطفالهم ، فلهما نصب القيّم الواحد أو الأكثر بالاستقلال أو بالاشتراك على صغارهما بعد موتهما ، ويجوز أيضا لهما جعل الناظر على ذلك القيّم الذي جعلاه ، كلّ ذلك لأجل الولاية التي لهما عليهم ، وهذا الحكم إجماعي لا خلاف فيه من أحد.

وأمّا الأمّ فلا تصحّ الوصيّة منها بالولاية عليهم بأن تجعل قيّما على أولادها الصغار ، لأنّه لا ولاية لها عليهم لعدم الدليل على ذلك ، إذ لا شكّ أنّ مقتضى الأصل الأوّلي عدم ولاية أحد على مال غيره وكذلك على نفس غيره ، والخروج عن هذا الأصل ليس إلاّ بالدليل ، ولا دليل على ولايتها عليهم ، بل الدليل على خلافه.

__________________

(١) « وسائل الشيعة » ج ١٧ ، ص ٢٦١ ، باب ٧٨ ، ح ٢٢٤٧٩.

٢٥٣

وأمّا الحاكم الشرعي وإن كان له الولاية على مطلق القاصرين الذين ليس لهم وليّ من الأب والجدّ من طرف الأب لأنّه وليّ من لا وليّ له من باب الحسبيّات ـ أي الأمور التي لا يرضى الشارع بتركها ـ وليس عن قبل الشارع من عيّن لتصدّيها ، فمثل هذه الأمور هو القدر المتيقّن أنّ تصدّيها وظيفة الحكّام والفقهاء ، بحيث لو لم يكن مجتهد مطلق عادل في البين تصل النوبة إلى عدول المؤمنين.

لكن كلّ ذلك من وظائفه حال حياته ، وأمّا بعد مماته يكون وظيفة سائر مصاديق هذه الطبيعة ، أي طبيعة مجتهد المطلق العادل.

فبناء على هذا ليست له الوصيّة بالولاية بأن يقول : اجعلوا فلانا قيّما على أطفال فلان بعد مماتي ، لعدم ولايته عليهم بعد مماته ، لرجوع أمرهم بعد موته إلى غيره من المجتهدين والحكّام.

وأيضا ما قلنا من أنّ للأب والجدّ من قبله الوصيّة بالولاية على صغارهما ، هذا يكون لكلّ واحد منهما مع فقد الآخر ، وإلاّ فمع وجود الآخر لا تصحّ ، لأنّه مع وجود الآخر يكون هو الوليّ منفردا أو بالاستقلال ، ولا يجوز مزاحمته من قبل أحد.

نعم الولاية المطلقة على الأموال والأنفس بحيث ينفذ حكمه على كلّ أحد هو للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأولاده الطاهرين المعصومين. وما قلنا من أنّ مقتضى الأصل عدم ولاية أحد على مال الغير أو نفسه وإن كان صحيحا ، ولكن خرج من تحت هذا الأصل بالأدلّة القطعيّة تصرّفات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين.

قال الله تعالى ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) (١) ( وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) (٢)

__________________

(١) الأحزاب (٣٣) : ٦.

(٢) الأحزاب (٣٣) : ٣٦.

٢٥٤

( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) (١) وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما في رواية أيّوب بن عطيّة : « أنا أولى بكلّ مؤمن من نفسه ».

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم غدير خم : « ألست أولى بكم من أنفسكم؟ » قالوا : بلى ، قال : « من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه » (٢).

وقال الشيخ الأعظم الأنصاري قدس‌سره بعد ما ذكر الأدلّة على أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة المعصومون لهم الولاية المطلقة على جميع الأموال والأنفس وفي جميع الأمور. والمقصود من جميع ذلك دفع ما يتوهّم من أنّ وجوب إطاعته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإطاعة الإمام عليه‌السلام مختصّ بالأوامر الشرعيّة ، وأنّه لا دليل على وجوب طاعته في أوامره العرفيّة وسلطنته على الأموال والأنفس. وبالجملة فالمستفاد من الأدلّة الأربعة بعد التتبّع والتأمّل أنّ للإمام سلطنة مطلقة على الرعيّة من قبل الله تعالى وأنّ تصرّفهم نافذ على الرعيّة ماض مطلقا (٣).

وما أفاده قدس‌سره كلام صحيح لا غبار عليه ، فبناء عليه للإمام عليه‌السلام التصرّفات في أموال الصغار وفي أنفسهم مع وجود الأب والجدّ من قبل الأب.

وفي تحقيق مسألة الولاية وأقسامها ، من التكوينيّة والتشريعيّة ، والمطلقة والمقيّدة ، والكليّة والجزئيّة محلّ آخر حققناها فيه ، والله هو العالم بحقائق الأمور.

الأمر الثالث

في الموصى به‌

وهو إمّا عين أو منفعة ، وعلى كلّ واحد من التقديرين يعتبر في الوصيّة التمليكيّة‌

__________________

(١) النور (٢٤) : ٦٣.

(٢) انظر : « الغدير » ج ١ ، ص ١٨.

(٣) « المكاسب » ص ١٥٣.

٢٥٥

أن يكون مملوكا ، إذ عرّفنا الوصيّة بأنّها تمليك عين أو مال أو منفعة بعد الوفاة ، وإذا لم يكن ملكا لا يمكن تمليكه أو يكون حقّا قابلا للانتقال كحقّ التحجير ونحوه ، لا مثل حقّ القذف ونحوه مما لا يقبل الانتقال. ولا فرق في المال بين كونه عينا أو منفعة أو دينا في ذمّة الغير ، وفي العين بين كونها موجودة فعلا أو ممّا سيوجد ويكون متوقّع الوجود ، كالوصيّة بما تحمله الدابّة والجارية ، أو تمر الشجرة في المستقبل.

فرع : لا بدّ أن تكون العين الموصى بها ذات منفعة محلّلة مقصودة‌ كي تكون مالا شرعا ، فلا تصحّ الوصيّة بالخمر إلاّ أن تكون قابلة للتحليل ، أو ينتفع بها في غير الشرب ، ولا بالخنزير ولا بآلات اللهو والقمار إلاّ إذا كان ينتفع بها إذا كسرت ، ولا بالحشرات ولا بكلب الهراش. وأمّا منافع المحرّمة أو المحلّلة غير المقصودة للعقلاء فلا اعتبار بهما ، وهي في حكم العدم.

فرع : يشترط في الوصيّة العهديّة أن يكون ما أوصى به عملا سائغا‌ ، فلا تصحّ الوصيّة بمعونة الظالمين ، وقطّاع الطريق ، وعمارة الكنائس ، ونسخ كتب الضلال وطبعها ونشرها. وخلاصة الكلام أنّ الوصيّة العهديّة لا بدّ وأن تكون بفعل غير محرّم ، وأن لا يكون صرف المال فيه عبثا وسفاهة. أمّا ما يكون محرّما ومبغوضا عند الشارع فوجهه واضح ، لأنّ الشارع لا يحثّ على أمر يغضبه ، فأدلّة الوصيّة منصرفة عنه. وأمّا ما هو عبث وسفاهة فأيضا منفور عنده.

فرع : يشترط في الوصيّة أن لا يكون الموصى به زائدا على ثلث التركة‌ ، فإن كان زائدا بطلت إلاّ إذا أجاز الوارث ، وإذا أجاز بعض الورثة ولم يجز البعض نفذت في حصّة البعض المجيز دون البعض الذي لم يجز ، وإذا أجازوا في بعض الموصى به دون‌

٢٥٦

البعض صحّ فيما أجازوا وبطلت في البعض الآخر بلا خلاف بينهم ، بل الحكم إجماعي.

والنصوص الدالّة على هذا مستفيضة أو متواترة :

منها : مكاتبة أحمد بن إسحاق إلى أبي الحسن عليه‌السلام : إنّ درّة بنت مقاتل توفّيت وتركت ضيعة أشقاصا في مواضع ، وأوصت لسيّدنا في أشقاصها بما يبلغ أكثر من الثلث ، ونحن أوصياؤها وأحببنا إنهاء ذلك إلى سيّدنا ، فإن أمرنا بإمضاء الوصيّة على وجهها أمضيناها وإن أمرنا بغير ذلك انتهينا إلى أمره في جميع ما يأمر به إن شاء الله؟ قال : فكتب عليه‌السلام بخطّه : « ليس يجب لها في تركتها إلاّ الثلث ، وإن تفضّلتم وكنتم الورثة كان جائزا لكم إن شاء الله ». (١)

ومنها : عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن رجل حضره الموت فأعتق غلامه وأوصى بوصيّته وكان أكثر من الثلث؟ قال عليه‌السلام : « يمضى عتق الغلام ويكون النقصان فيما بقي » (٢).

ومنها : ما رواه عليّ بن عقبة عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل حضره الموت فأعتق مملوكا له ليس له غيره ، فأبى الورثة أن يجيزوا ذلك كيف القضاء فيه؟ قال : « ما يعتق منه إلاّ ثلث وسائر ذلك الورثة أحقّ بذلك ولهم ما بقي » (٣).

ومنها : ما عن الحسين بن محمّد الرازي قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام : الرجل‌

__________________

(١) « الكافي » ج ٧ ، ص ١٠ ، باب ما للإنسان أن يوصى به بعد موته. ، ح ٢ ، « الفقيه » ج ٤ ، ص ١٨٧ ، باب من يجب من ردّ الوصيّة إلى المعروف. ، ح ٥٤٢٩ ، « تهذيب الأحكام » ج ٩ ، ص ١٩٢ ، ح ٧٧٢ ، باب الوصيّة بالثلث وقلّ منه وأكثر ، ح ٤ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ٣٦٤ ، أبواب أحكام الوصايا ، باب ١١ ، ح ١.

(٢) « تهذيب الأحكام » ج ٩ ، ص ١٩٤ ، ح ٧٨٠ ، باب الوصيّة بالثلث وقلّ منه وأكثر ، ح ١٢ ، « الاستبصار » ج ٤ ، ص ١٢٠ ، ح ٤٥٤ ، باب أنّه لا يجوز الوصيّة بأكثر من الثلث ، ح ٤ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ٣٦٥ ، أبواب أحكام الوصايا ، باب ١١ ، ح ٣.

(٣) « تهذيب الأحكام » ج ٩ ، ص ١٩٤ ، ح ٧٨١ ، باب الوصيّة بالثلث وقلّ منه وأكثر ، ح ١٢ ، « الاستبصار » ج ٤ ، ص ١٢٠ ، ح ٤٥٥ ، باب أنّه لا يجوز الوصيّة بأكثر من الثلث ، ح ٥ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ٣٦٥ ، أبواب أحكام الوصايا ، باب ١١ ، ح ٤.

٢٥٧

يموت فيوصي بماله كلّه في أبواب البرّ ، وبأكثر من الثلث ، هل يجوز له ذلك وكيف يصنع الوصي؟ فكتب عليه‌السلام : « تجاز وصيّته ما لم يتعدّ الثلث » (١).

ومنها : ما عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إن أعتق رجل عند موته خادما له ثمَّ أوصى بوصية أخرى ألقيت الوصيّة وأعتقت الجارية من ثلثه ، إلاّ أن يفضل من ثلثه ما يبلغ الوصيّة » (٢).

ومنها : ما رواه عبّاس بن معروف قال : كان لمحمّد بن الحسن بن أبي خالد غلام لم يكن به بأس عارف يقال له « ميمون » فحضره الموت ، فأوصى إلى أبي العبّاس الفضل بن معروف بجميع ميراثه وتركته أن أجعله دراهم وابعث بها إلى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام وترك أهلا حاملا وإخوة قد دخلوا في الإسلام وأمّا مجوسيّة قال : ففعلت ما أوصى به وجمعت الدراهم ودفعتها إلى محمّد بن الحسن. إلى أن قال : وأوصلتها إليه عليه‌السلام ، فأمره أن يعزل منها الثلث فدفعها إليه ويردّ الباقي إلى وصيّه يردّها على ورثته (٣).

والأخبار بهذا المضمون كثيرة ذكرنا شطرا منها ، وظهورها في أنّ الوصيّة لا تنفذ في أزيد من ثلث تركته إلاّ بإجازة الورثة غنيّ عن البيان.

ونسب الخلاف في هذه المسألة إلى عليّ بن بابويه (٤) قدس‌سره وأنّ الوصيّة تنفذ مطلقا وإن أوصى بجميع ماله ، أجاز الوارث أم لم يجز ، مستندا إلى ما رواه عمّار بن موسى‌

__________________

(١) « تهذيب الأحكام » ج ٩ ، ص ١٩٥ ، ح ٧٨٤ ، باب الوصيّة بالثلث وقلّ منه وأكثر ، ح ١٦ ، « الاستبصار » ج ٤ ، ص ١٢٠ ، ح ٤٥٨ ، باب أنّه لا يجوز الوصيّة بأكثر من الثلث ، ح ٨ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ٣٦٥ ، أبواب أحكام الوصايا ، باب ١١ ، ح ٥.

(٢) « تهذيب الأحكام » ج ٩ ، ص ١٩٧ ، ح ٧٨٦ ، باب الوصيّة بالثلث وقلّ منه وأكثر ، ح ١٨ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ٣٦٥ ، أبواب أحكام الوصايا ، باب ١١ ، ح ٦.

(٣) « تهذيب الأحكام » ج ٩ ، ص ١٩٨ ، ح ٧٩٠ ، باب الوصيّة بالثلث وقلّ منه وأكثر ، ح ٢٢ ، « الاستبصار » ج ٤ ، ص ١٢٥ ، ح ٤٧٣ ، باب أنّه لا يجوز الوصيّة بأكثر من الثلث ، ح ٢٣ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ٣٦٦ ، أبواب أحكام الوصايا ، باب ١١ ، ح ٧.

(٤) حكاه عن علي بن بابويه في « مختلف الشيعة » ج ٦ ، ص ٣٥٠.

٢٥٨

الساباطي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « الرجل أحقّ بماله ما دام فيه الروح إذا أوصى به كلّه فهو جائز » (١).

ولكن هذه الرواية وما يقرب منها من حيث المضمون لا تقاوم الروايات المتقدّمة التي يمكن ادّعاء التواتر فيها.

مضافا إلى عمل الأصحاب بها وإعراضهم من هذه الطائفة حتّى ادّعى بعضهم الإجماع بقسميه على ما هو ظاهر الطائفة الأولى ، أي عدم نفوذ الوصيّة في الزائد على الثلث إلاّ بإجازة الوارث.

ووجّهوا كلام عليّ بن بابويه قدس‌سره بما لا ينافي المشهور بل المجمع عليه ، فلا يكون مخالف في المسألة أصلا.

والتوجيه المذكور في الجواهر (٢) عبارة عن أنّ مراده وجوب صرف المال الموصى به بجميعه على حسب ما أوصى ، من حيث وجوب العمل بالوصيّة ، وحرمة تبديلها بنصّ الكتاب والسنّة حتّى يعلم فسادها وبطلانها ولو بالجور على الوارث وإرادة حرمانه من التركة الذي هو أحد أسباب بطلان الوصيّة.

ففي كلّ مورد احتملنا صحّة الوصيّة وإن كان لاحتمال أن يكون لموصى إليه دين عليه ، يجب على الوصي إنفاذ تلك الوصيّة وإن كانت بجميع ماله ، عملا بإطلاقات أدلّة نفوذ الوصيّة كتابا وسنّة حتّى يعلم أنّها وقعت تبرّعا فيكون مقدار الزائد على الثلث موقوفا على إجازة الوارث.

وحكى في الجواهر عن صاحب الرياض قدس‌سره أنّ هذا التوجيه وإن لم يكن ظاهرا من عبارة عليّ بن بابويه فلا أقلّ من مساواة احتماله لما فهموه من كلامه ، فنسبة‌

__________________

(١) « تهذيب الأحكام » ج ٩ ، ص ١٨٧ ، ح ٧٥٣ ، باب الرجوع في الوصيّة ، ح ٦ ، « الاستبصار » ج ٤ ، ص ١٢١ ، ح ٤٥٩ ، باب انّه لا تجوز الوصيّة بأكثر. ، ح ٩ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ٣٧٠ ، أبواب أحكام الوصايا ، باب ١١ ، ح ١٩.

(٢) « جواهر الكلام » ج ٢٨ ، ص ٢٨٢.

٢٥٩

الخلاف إليه ليس في محلّه (١).

وعلى كلّ حال ، سواء كانت هذه التوجيهات لكلام ابن بابويه قدس‌سره صحيحة أو غير صحيحة ، لا يضرّ مخالفته بالحكم المجمع عليه الذي كان مفاد الروايات المتواترة.

كما أنّ ورود بعض الروايات الأخر ـ كرواية عمّار بن موسى الساباطي المتقدّمة ، ورواية محمّد بن عبدوس قال : أوصى رجل بتركته متاع وغير ذلك لأبي محمّد عليه‌السلام ، فكتبت إليه : رجل أوصى إليّ بجميع ما خلف لك ، وخلف ابنتي أخت له فرأيك في ذلك؟ فكتب إليّ : « بع ما خلف وابعث به إليّ » فبعت وبعثت به إليه ، فكتب إليّ : « قد وصل » (٢) وبعض الروايات الأخر ـ لا تقاوم ما ذكرناه من الروايات الكثيرة المجمع عليها ، مع إعراض الأصحاب عن هذه الطائفة.

فرع : لو أجاز الوارث في حال حياة الموصي فيما زاد على الثلث هل تؤثّر تلك الإجازة‌ ، أو لا بدّ وأن تكون بعد الوفاة؟

المشهور أنّ إجازة الوارث في حال الحياة موجبة لنفوذ ما زاد على الثلث ، ولا يجوز للوارث ردّه بعد وفاة الموصي ويكون ملزما بتلك الإجازة.

والدليل عليه :

أوّلا : الأخبار الواردة في هذا الباب المعمول بها عند الأصحاب‌ المؤيّدة بعمومات وإطلاقات أدلّة نفوذ الوصيّة وعدم جواز تبديلها ، والقدر المتيقّن الخارج عن تحت تلك الإطلاقات هو في الوصيّة الزائدة على الثلث مع عدم صدور الإجازة من الوارث‌

__________________

(١) « جواهر الكلام » ج ٢٨ ، ص ٢٨٢.

(٢) « تهذيب الأحكام » ج ٩ ، ص ١٩٥ ، ح ٧٨٥ ، باب الوصيّة بالثلث وأقلّ منه وأكثر ، ح ١٧ ، « الاستبصار » ج ٤ ، ص ١٢٣ ، ح ٤٦٨ ، باب انّه لا يجوز الوصيّة بأكثر من الثلث ، ح ١٨ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ٣٦٩ ، أبواب أحكام الوصايا ، باب ١١ ، ح ١٦.

٢٦٠