القواعد الفقهيّة - ج ٦

آية الله السيّد محمّد حسن البجنوردي

القواعد الفقهيّة - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد حسن البجنوردي


المحقق: مهدي المهريزي
الموضوع : الفقه
الناشر: نشر الهادي
المطبعة: مؤسسة الهادي
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-400-030-7

الصفحات: ٤٣١

قطعا ، والسرّ فيه واضح لا يحتاج إلى البيان والإيضاح.

فرع : لا إشكال في صحّة رهن الأعيان المملوكة‌ التي يصحّ بيعها ويمكن قبضها ، سواء كانت مشاعة أو منفردة.

أمّا لو رهن دينا فهل ينعقد ، أم لا؟

فيه خلاف ، والمشهور قائلون بعدم الصحّة ، بل ادّعى عليه الإجماع في السرائر (١) ، والغنية (٢).

وعمدة ما ذكروا في وجه عدم صحة جعل الدين رهنا بعد الإجماع انصراف أدلّة اعتبار القبض في صحة الرهن أو لزومه عن مثل التديّن قبل قبضه ، فقوله عليه‌السلام : « لا رهن إلاّ مقبوضا » وكذلك قوله تعالى ( فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ ) لا يشمل رهن الدين قبل قبضه.

وأمّا بناء على عدم اعتبار القبض لا في الصحّة ولا في اللزوم ، فالعمدة فيه أنّ الرهن بعد ما كان الغرض من تشريعه الاستيثاق من ماله ودينه ـ كما هو وارد في أدلّة تشريعه من الروايات المتعدّدة أنّه عليه‌السلام يقول : « لا بأس به استوثق من مالك » (٣) ـ فلا بدّ وأن يكون فيما يمكن قبضه قبضا حسّيا ، وإن لم يكن القبض فعلا شرطا في صحّته أو لزومه ، ولذلك ترى أنّ القائلين بعدم اعتبار القبض لا في صحّته ولا في لزومه يقولون مع ذلك باشتراط كونه عينا ، وهم كثيرون.

وإذا كان الأمر كذلك وانصرف عقد الرهن إلى ما يمكن قبضه قبضا حسّيا ـ إذ لا شكّ في أنّ الغرض من الرهن الذي هو الاستيثاق من دين المرتهن يحصل من العين‌

__________________

(١) « السرائر » ج ٢ ، ص ٤١٧.

(٢) « الغنية » ضمن « الجوامع الفقهيّة » ص ٥٩٢.

(٣) « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ١٢١ ، أبواب كتاب الرهن ، باب ١ ، ح ١ و ٤ و ٩.

٢١

لا من الدين إلاّ قليلا ـ فدليل ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) لا يشمل غير مورد ما يمكن قبضه قبضا حسّيا.

ثمَّ إنّهم ذكروا هاهنا وجوها للزوم كون المرهون عينا خارجيّا ، كلّها غير خال عن الخلل ولذلك تركنا ذكرها.

فرع : لا يجوز رهن ما لا يملك كالخمر والخنزير‌ لعدم حصول الغرض عن الرهن به ، إذ الغرض من الرهن استيفاء المرتهن دينه من العين المرهونة عند عدم إمكان الوصول إلى الراهن ، وهذا لا يمكن فيما لا يملك. وكذلك فيما لا يملكه الراهن بدون اجازة مالكه ، لعين ما ذكرنا من عدم استيفاء دينه منه بدون إجازة مالكه. وكذا لا يجوز رهن الحرّ لعين الدليل ، أي لعدم جواز بيعه. وكذا لا يجوز رهن الوقف لعدم جواز بيعه. وكذا لا يجوز رهن الأراضي الخراجيّة لعدم جواز بيعها.

نعم لو كانت فيها آثار من الأبنية والأشجار ، وقلنا بجواز بيعها تبعا للآثار ، فلا مانع من الإرهان بها أو جعل نفس الآثار الموجودة فيها رهنا دون الأراضي المشغولة بها ، فلا مانع.

وخلاصة الكلام : أنّ الغرض من تشريع الرهن هو أنّه لو امتنع الاستيفاء من الراهن لفلس أو لغيره يستوفي المرتهن دينه من العين المرهونة ، فلا بدّ وأن يكون قابلا للبيع كي يستوفي منه ، فكلّ ما لا يصحّ بيعه لأحد الأسباب المذكورة أو لغيرها فلا يصحّ رهنه.

فرع : ولو رهن ما هو المشاع بينه وبين غيره في عقد واحد‌ نفذ في حصّته ، ويقف في حصّة الغير على إجازته ، ويكون حال ما لو رهن مال لمنفرد مع مال آخر لآخر في عقد واحد.

__________________

(١) المائدة (٥) : ١.

٢٢

والإشكال عليه ـ بأنّ العقد واحد ، فلا يمكن أن يكون بالنسبة إلى بعض العين المرهونة أو بالنسبة إلى إحدى العينين صحيحا ، وبالنسبة إلى البعض الآخر أو العين الأخرى باطلا أو موقوفا على إجازة المالك ـ ليس إلاّ الإشكال المعروف في تبعّض الصفقة في البيع ، والجواب في كلا المقامين واحد ، وهو انحلال العقد بالنسبة إلى كلّ من المبيع والمرهون.

فرع : الظاهر عدم جواز رهن المصحف أو العبد المسلم عند الكافر‌. لقوله تعالى ( لَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (١) في رهن العبد.

وأمّا المصحف فإنّه وإن لم يرد فيه نصّ في المقام ولا في باب البيع إلاّ أنّ الأصحاب تمسّكوا لعدم جواز بيعه من الكافر وكذلك رهنه بالأولويّة القطعيّة.

والإنصاف أنّه كذلك ، لأنّ تسلّط الكافر على القرآن أعظم وهنا للإسلام من تسلّطه على العبد المسلم ، بل يمكن أن يقال بعدم جواز بيع كتب الأحاديث المرويّة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو عن أحد الأئمّة المعصومين ، وكتب الأدعية والزيارات ككتاب الصحيفة السجادية وأمثالها.

وأمّا ما ذكره بعض أعاظم الفقهاء والأساطين كالشيخ (٢) ، والمحقّق (٣) ، والعلاّمة (٤) ، والشهيدين (٥) من أنّه يصحّ رهن ما ذكر ، ويوضع على يد مسلم فرارا من تسلّط الكافر عليه ، لأنّ استيفاء الكافر دينه ببيع المسلم أي المالك أو من يأمره المالك بذلك ، ومثل هذا لا يعدّ من تسلّط الكافر على المذكورات ، وليس سبيلا منه عليها.

__________________

(١) النساء (٤) : ١٤١.

(٢) « المبسوط » ج ٢ ، ص ٢٣٢.

(٣) « شرائع الإسلام » ج ٢ ، ص ٧٧.

(٤) « قواعد الأحكام » ج ١ ، ص ١٥٨.

(٥) الشهيد الأوّل في « الدروس » ج ٣ ، ص ٣٩٠ ، والشهيد الثاني في « المسالك » ج ١ ، ص ٢٢٧.

٢٣

فيه : أنّه لا شبهة في أنّ الرهن يوجب ثبوت حقّ للمرتهن على المرهون المسمّى بحقّ الرهانة ، وهو الذي يكون سببا لمنع المالك عن التصرّفات في العين المرهونة. ويمكن أن يقال ثبوت مثل هذا الحقّ للكافر على العبد المسلم سبيل عليه ، كما أنّ ثبوته على المصحف يكون أيضا كذلك ، سواء كانت العين المرهونة في يد مسلم ، أو كانت في يد نفس الكافر.

فرع : لو رهن ما يسرع إليه الفساد ـ أي قبل حلول الدين‌ ـ فتارة يمكن منع تطرّق الفساد إليه ، وأخرى لا يمكن. أمّا في الصورة الأولى فالرهن صحيح ، غاية الأمر يجب على الراهن إصلاحه والمنع عن تطرّق الفساد إليه ، وذلك لأنّ مئونة حفظ ماله عليه. وأمّا في الصورة الثانية فإن اشترط على الراهن جواز بيعه عند ما أحسّ بأنّه لو بقي يتطرّق إليه الفساد ويستوفي دينه عن الثمن ، أو يجعل ثمنه رهنا عنده ، فلا مانع أيضا لحصول الاستيثاق بذلك ، كما أنّه لو شرط الراهن عدم بيعه فباطل.

وأمّا لو لم يكن شرط في البين من الطرفين ، لا من المرتهن على البيع ، ولا من الراهن على عدم البيع ، فالظاهر هي الصحة وذلك لإمكان أن يقال بأن يجبره الحاكم على البيع إن لم يكن هو نفسه مقدّما على البيع ، جمعا بين الحقين ، أي حقّ الراهن والمرتهن.

ولا فرق فيما ذكرنا بين أن يكون الحال معلوما قبل الرهن ، أو طرأ بعد الرهن ما يقتضي فساد العين المرهونة ، لأنّه على جميع التقادير يجب بيع الراهن وجعل ثمنه رهنا ، جمعا وحفظا للحقّين ، سواء كان سبب طروّ الفساد قبل حلول أجل الدين معلوما ، أو حصل السبب بعد الرهن.

نعم في صورة شرط عدم البيع في الصورة الأولى ـ أي فيما إذا كان سبب إسراع الفساد معلوما من أوّل الأمر ـ فالأظهر هو البطلان ، لأنّ ذلك الشرط خلاف ما هو‌

٢٤

المقصود والغرض من الرهن ، وهو استيثاق المرتهن من ماله ، فيكون الرهن باطلا من أوّل الأمر.

وأمّا في الصورة الثانية ـ أي فيما حصل سبب إسراع الفساد إلى العين المرهونة بعد الرهن ـ فلم يكن الشرط خلاف مقتضى عقد الرهن ووقع صحيحا ، والاستيثاق بقاء يحصل بإجبار الراهن على البيع وجعل بدله رهنا.

كلّ ذلك فيما إذا كان الإسراع إلى الفساد معلوما ، إمّا وجدانا أو ثبت بأمارة شرعيّة وظنّ معتبر. وأمّا الظنّ غير المعتبر فهو في حكم الشكّ ، بل هو هو إلاّ أن يكون بمرتبة ينافي الاستيثاق ، فللمرتهن رفع أمره إلى الحاكم وإجباره على البيع وجعل ثمنه رهنا ، أو المرتهن يأخذه ويبدله برهن آخر.

نعم لو شرط عدم البيع في هذه الصورة الثانية حتّى على تقدير الفساد فأيضا يكون الرهن باطلا ، لأنّ هذا الشرط خلاف مقتضى عقد الرهن يقينا ، فالشرط فاسد قطعا. وأمّا فساد العقد مبنى على كون الشرط الفاسد مفسدا للعقد أم لا. ولا بدّ من القول بفساد العقد في مثل هذا المقام ، لأنّ هذا الشرط مناف مع ما هو مضمون العقد ، فمرجع هذا الشرط إلى عدم قصد مضمون العقد.

فرع : يجوز أن لا يكون الرهن ملكا للراهن‌ ، بل له أن يرهن مال الغير بإجازة مالكه ، فيبيعه المرتهن بعد حلول أجل الدين إن لم يؤدّه الراهن المديون عصيانا أو لعدم تمكّنه من الأداء.

ثمَّ إنّه هل لمالكه الرجوع عن إذنه بعد وقوع الرهن بإذنه قبل حلول الأجل ، أو بعده ، أم لا؟ وجهان ، بل قولان (١).

__________________

(١) انظر : « جواهر الكلام » ج ٢٥ ، ص ١٢٥ ـ ١٢٦.

٢٥

وجه الأوّل : هو أنّ المالك مسلّط على ماله ، وليس ما يوجب قصر سلطنته وعدم تمكّن رجوعه كما في موارد العارية ، له أن يستردّ ماله متى شاء ، وليس ملزما ببقائه وإبقائه بملزم شرعي أو عقلي.

ووجه الثاني : هو أنّ الإذن في الشي‌ء إذن في لوازمه ، فإذنه في كونه رهنا ملازم عرفا مع التزامه بكونه عند المرتهن وثيقة لدينه الى حلول الأجل ، فإذا لم يؤدّ المديون دينه ـ عصيانا أو لعدم تمكّنه وتعذّر الأداء لفلس أو لغيره ـ فله أن يبيع الرهن ويستوفي دينه منه ، فمثل هذا الالتزام من لوازم الإذن في رهن ماله عرفا. ولا بدّ في حصول الغرض من الرهن من القول بلزوم هذا الالتزام وعدم جواز الرجوع عنه ، وإلاّ يكون الإذن وجعله رهنا لغوا وبلا فائدة ، وبناء العرف والعقلاء على لزوم هذا الالتزام الضمني.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب الوجه الثاني.

ولكن أنت خبير بأنّ هذه كلّها وجوه استحسانيّة لا يمكن رفع اليد بها عن سلطنة المالك ، وإجباره على عدم التصرّف في ماله ببيع أو هبة أو ردّه إلى ما كان من محلّ استعمالاته في حوائجه. نعم لو لم يرجع عن إذنه إلى أن باعه المرتهن لاستيفاء دينه ، فله الرجوع إلى الراهن المديون مخيّرا بين أخذ قيمته التي باعه المرتهن بتلك القيمة ، وبين أخذ قيمته الواقعيّة.

فلو كان الثمن الذي به باع الرهن أقلّ من قيمته الواقعيّة ، فله الرجوع إلى الراهن بقيمته الواقعيّة ، كما أنّه لو كان الثمن أزيد من قيمته الواقعيّة له أخذ الثمن ، والوجه في جميع الصور معلوم.

فرع : لو رهن عصيرا فصار خمرا عند المرتهن فلا شكّ في زوال ملكيّة الراهن ، لأنّ الشارع أسقط ماليّة الخمر وملكيّته ولكن حقّ الاختصاص باق ، فله تخليله‌

٢٦

ومنع غيره عنه ، فإن كان لهذا الحقّ اعتبار عند العقلاء بحيث يمكن أن يكون وثيقة لدين المرتهن فلا يبطل الرهن ويبقى وثيقة عنده ، وأمّا إذا لم يكن قابلا للاستيثاق به فبقاؤه هنا لا معنى له ويكون لغوا ، فهل للمرتهن مطالبة عوضه كي يكون رهنا عنده أم لا؟

الظاهر أنّه ليس له مطالبة ذلك ، لأنّ الذي وقع عليه الرهن صار تالفا أو بمنزلة التالف ، ولم يشترط المرتهن أن يعوّضه شيئا آخر يكون رهنا عند تلف الأوّل بدلا له ، فليس في البين شي‌ء آخر يلزم الراهن بذلك.

نعم لو انقلب إلى الخلّ بعد ما صار خمرا فهل يبقى على كونه رهنا ، أو يعود رهنا بعد ما خرج ، أو كونه رهنا يحتاج إلى عقد جديد لبطلان العقد الأوّل لعدم بقاء موضوعه وهو ملكيّة العين المرهونة والزائل لا يعود؟ وجهان.

وجه بقائه رهنا هو أن الملكيّة وإن زالت لإسقاط الشارع ماليّة الخمر ، ولكن حقّ الأولويّة باق ، ولذا لو أخذه بدون رضاء المالك يكون غصبا ، فإن رجع إلى كونه مالا يرجع إلى كونه ملكا لمن زال ملكيّته ، فكذلك بالنسبة إلى كونه رهنا أنّها تعود إلى حالتها الأولى ، وكونها رهنا بعد زوال تلك الحالة بواسطة إسقاط الشارع ماليّتها.

وبعبارة أخرى نقول : فكما أنّ الأولويّة باعتبار الملك باقية وإن خرجت عن الملك ، فيعود إلى كونها ملكا له بعد عودها إلى الملكيّة بواسطة صيرورتها مالا ، فكذلك باقية باعتبار كونها وثيقة ورهنا وإن خرجت عن كونها وثيقة ورهنا بواسطة سقوطها عن الملكيّة ، فتعود بعودها إلى الملكيّة.

وفيه : أنّ هذا قياس مع الفارق ، والفرق هو أنّ الملكيّة ، لا تزول بجميع مراتبها ، بل تبقى مرتبة ضعيفة منها تسمّى بالأولويّة ، ولذلك لو أخذه غيره منه بدون إذنه أو رضائه يكون غصبا ، ولذلك لو عاد ماليّته يصير ما كان مملوكا له بالمرتبة الضعيفة ملكا تامّا قابلا لجميع التصرّفات الجائزة تكوينا وتشريعا ، بخلاف الوثاقة والرهانة‌

٢٧

فإنّها تزول بجميع مراتبها ولا يبقى منها شي‌ء ، فلا بدّ لرجوعها من سبب جديد.

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ التوثّق أيضا لا يزول بجميع مراتبه ، بل تبقى مرتبة ضعيفة منه وهي إمكان تحصيل ماله ودينه منها ولو بتخليلها ، وهذا عند العرف والعقلاء مرتبة من الاستيثاق من ماله ، فإذا رجع إلى كونه ملكا يرجع إلى كونه رهنا ووثيقة تامّة. هذا وجه بقائه.

وأمّا وجه عدم بقائه هو زوال الملكيّة ، فقهرا يزول كونها رهنا ووثيقة. وممّا ذكرنا يظهر لك ما هو الحقّ في المقام ، وهو بقاء مرتبة من الاستيثاق بعد أن صار العصير المرهون خمرا ، بل المعروف هو أنّ كلّ عصير أرادوا أن يجعلوه خلاّ صار أوّلا خمرا ثمَّ يصير خلاّ ، فلو قلنا إنّ الرهانة تزول بصيرورة العصير خمرا ولا تعود بصيرورته خلاّ ، يلزم منه عدم صحة جعل العصير ـ الذي بناؤهم على جعله خلاّ ـ رهنا من أوّل الأمر ، لكونه لغوا لأنّه تزول ولا تعود ، وهو ممّا لا يمكن الالتزام به.

فرع : لو رهن على دينه مالا ، ثمَّ استدان من ذلك المرتهن دينا آخر‌ ، جاز جعل ذلك الرهن رهنا على الدين الثاني أيضا ، فيكون رهنا على الاثنين. ولا فرق في ذلك بين أن يكون الدين الثاني مساويا مع الدين الأوّل في القدر والجنس ، أو مخالفا معه في الاثنين ، أو في أحدهما.

وذلك من جهة أنّه كان له من أوّل الأمر أن يجعله رهنا على دينين في ذمّته لشخص ، فكذلك لا مانع من جعله رهنا عليهما بالتقديم والتأخير بأن يجعله على أحدهما ثمَّ يجعله على الآخر فيما بعد. ولا فرق أيضا بين أن يكون الدينان كلاهما موجودين في زمان الرهن الأوّل ، أو وجد الثاني بعد الرهن الأوّل كما هو المفروض والمذكور في المقام ، وجميع ذلك لعدم التنافي بين كونه رهنا أوّلا ، وبين جعله رهنا ثانيا على الدين الثاني.

٢٨

إن قلت : إذا امتنع الراهن من أداء دينه الأوّل مثلا ، أو أفلس ، فحيث يجوز بيع الرهن لاستيفاء حقه فلو لم يزد قيمة الرهن على الدين الأوّل فلا يبقى محلّ للاستيثاق من الدين الثاني.

قلنا : أوّلا أنّه ينقض عليه بأنّه لو تلف الرهن قبل حلول الأجل أيضا لا يبقى محلّ للاستيثاق ، ولا شكّ في صحّة الرهن وإن تلف فيما بعد ، ولا يشترط في صحّة بقاء العين المرهونة إلى زمان حلول الأجل وإمكان استيفاء الدين ببيعها.

وثانيا : بأنّه يجوز جعلها رهنا على الاثنين من أوّل الأمر بعقد واحد يقينا وبلا خلاف ، مع أنّه لا فرق في ورود هذا الإشكال بينهما ، لأنّه فيما إذا كان الرهن لدينين بعقد واحد إذا حلّ أجل أحد الدينين قبل الآخر ولم يؤدّ الراهن لفلس أو غيره ، فللمرتهن بيعه واستيفاء دينه منه ، فلا يبقى موضوع للاستيثاق من دينه الآخر.

وثالثا : حيث أنّ المفروض أنّ الدين الأوّل والثاني من شخص واحد ، فإذا كانت العين المرهونة قيمتها وافية بكلا الدينين فيستوفي الاثنين ، وإن كانت أقلّ فيكون حاله حال الرهن الذي يكون قيمته أقلّ من الدين ، ولا إشكال في صحّته إجماعا ، لأنّه يستوثق بذلك الرهن شطرا من ماله.

فرع : الرهن لازم من طرف الراهن وجائز من طرف المرتهن‌ ، وادّعى في التذكرة الإجماع على ذلك (١) وقال في الجواهر : بلا خلاف أجده فيه (٢).

والدليل على ذلك ـ مضافا إلى الإجماع ـ أصالة اللزوم في جميع العقود العهديّة التي منها الرهن. وحيث التزم الراهن يكون ماله رهنا عند الدائن ووثيقة لماله ، فالتزامه بذلك يكون برعاية حفظ مال الدائن فيكون له حقّا على المديون ، فيجب‌

__________________

(١) « تذكرة الفقهاء » ج ٢ ، ص ١٢.

(٢) « جواهر الكلام » ج ٢٥ ، ص ٢٢١.

٢٩

على المديون الوفاء بهذا الإلزام والوقوف عند ما التزم به ، فليس له التصرّف في العين المرهونة إلاّ بإذن المرتهن ولا إتلافها ولا نقلها بالنواقل الشرعيّة المنافية لحقّ المرتهن ، كلّ ذلك لأجل أنّ للمرتهن حقّ الاستيثاق من ماله بعد وقوع هذا العقد. وهذا معنى اللزوم من طرف الراهن.

وأمّا الجواز من طرف المرتهن من جهة أنّ لكلّ ذي حقّ إسقاط حقّه فللمرتهن أن يسقط حقّه ـ أي حقّ استيفاء دينه من الرهن ـ وله أن يبرئه فيسقط ما في ذمّته من الدين ، فلا يبقى محلّ وموضوع للرهن.

والحاصل : أنّ الراهن حيث التزم للمرتهن بإعطاء الوثيقة لدينه ، فأخذه من المرتهن أو التصرّفات المنافية لكونه وثيقة ـ من إتلافه أو نقله إلى الغير ـ لا يجوز بدون إذن المرتهن ، وإذنه في بعض الأحيان في مثل تلك التصرّفات المذكورة يكون كاشفا عن إسقاط حقّه ، أو إبرائه.

ثمَّ إنّه لو أبرأه عن بعض الدين الذي وقع الرهن عليه ، فهل يبطل الرهن بتمامه ، أو يبقى بتمامه ، أو يقسط بالنسبة إلى المقدار الباقي من الدين فيبقى ، والمقدار الساقط بالإبراء فيسقط؟ وجوه ، بل أقوال.

وكذلك تأتي هذه الاحتمالات أو الوجوه فيما لو أدّى بعض الورثة نصيبه من دين مورّثه ، فعلى التقسيط يلزم القول بفكّ نصيبه من العين المرهونة ، وعلى القول بعدم التقسيط وبقائه رهنا على الباقي من الدين لا ينفكّ شي‌ء من الرهن.

وأمّا احتمال فكّ الرهن بتمامه بأداء بعض الدين أو إبراء البعض ، فبعيد إلى الغاية ، لأنّ الغاية من الرهن هو الاستيثاق من جميع ماله ، لا من بعض دينه.

أقول : الظاهر هو التقسيط فيبطل الرهن بالنسبة إلى المقدار الذي أدّى من الدين ، أو أبرأه الدائن من ذلك المقدار ، وذلك من جهة أنّ ظاهر عقد الرهانة أنّ كلّ جزء من أجزاء هذه العين المرهونة مقابل لما يماثله من أجزاء الدين المشاعة ، فنصفه مقابل‌

٣٠

الثلث وهكذا ، بمعنى أنّ المرتهن له أن يستوفي تمام دينه من تمام هذه العين المرهونة ، ونصفه من نصفه وهكذا ، فإذا استوفى نصفه أو ابرأ المديون عن نصف دينه ، فقهرا يبطل الرهن بالنسبة إلى ذلك المقدار ، لأنّ المفروض أنّه لم يبق لذلك المقدار موضوع كي يستوفي المرتهن حقّه من الرهن فينفكّ من العين المرهونة ما هو مقابل ذلك المقدار.

وأمّا احتمال كون مجموع الرهن مقابلا لكلّ جزء من أجزاء الدين ، بأن يكون كلّ جزء من أجزاء الرهن متعلّقا للدين ، فهذا احتمال غير مفهوم.

لأنّه إن أريد منه تعلّق تمام الدين بكلّ جزء من أجزاء العين المرهونة فهذا غير معقول ، لعدم إمكان استيفاء تمام الدين من كلّ جزء من أجزاء الرهن. وإن أريد منه أنّ تمام الدين تعلّق بالرهن بنحو الانبساط فهذا يرجع إلى ما قلنا من أنّ كلّ جزء مشاع من الدين مقابل لمثله من الأجزاء المشاعة للعين المرهونة ، وهذا هو عين التقسيط. وما ذكرنا فيما إذا كان كلّ واحد من الراهن والمرتهن واحدا.

وأمّا فيما إذا تعدّدا ، فتارة يكون الراهن متعدّدا دون المرتهن ، وأخرى بالعكس ، وتارة كلاهما متعدّدان. والأوّل قد يكون التعدّد من أوّل الأمر ، وتارة يحصل بعد وقوع عقد الرهن وتماميّته.

أمّا الأوّل : أي فيما إذا كان الراهن متعدّدا من أوّل الأمر ، كما إذا كان شريكان رهنا مالا لهما في دين عليهما ، فالظاهر أنّ إطلاق الراهن ينصرف إلى كون نصيب كلّ واحد منهما رهنا لدين نفسه ، فلو كان ذلك المال الذي رهناه بينهما بالسوية مثلا ، أي لكلّ واحد منهما نصفه ، فلو أدّى أحدهما ما عليه من الدين يفتكّ نصف ذلك الرهن. ولا ينافي ذلك كون الرهن مشاعا بينهما ، لأنّ الذي يفتكّ أيضا نصفه المشاع الذي كان يملكه وجعله رهنا على دينه ، فإذا أدّى دينه يخرج عن كونه رهنا قهرا.

وأمّا إذا حصل التعدّد بعد وقوع الرهن ، كما إذا رهن المورّث ماله على دينه ثمَّ مات وانتقل الرهن إلى ورثته ، فالمال يبقى رهنا ما لم يؤدّ الورثة دين الميّت ، فيصير‌

٣١

الراهن متعدّدا حسب تعدّد الورثة.

فلو أدّى بعض الورثة نصيبه من الدين فهل يفتكّ نصيبه من المال ، أم لا؟

يمكن أن يقال بعدم فكّ شي‌ء من الرهن في هذا الفرض ، وذلك لأنّ المورّث جعل مجموع المال رهنا لمجموع الدين ، فما دام شي‌ء من الدين باقيا ولو كان جزء يسيرا لا يفتكّ شي‌ء من الرهن ، لتعلّق حقّ الدائن بمجموع العين المرهونة ، وله أن يستوفي جميع دينه من هذه العين ، فما لم يؤدّ الدين تماما وكان باقيا شيئا منه ـ وإن كان مقدارا قليلا ـ لا يسقط حقّه المتعلّق بالمجموع.

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ حقّ الدائن وإن تعلّق بالمجموع ولكن بمعنى أنّ كلّ جزء من الرهن بإزاء ما يساويه من الدين ، فيكون كلّ جزء من الرهن مقابل مثله من الدين من الكسور ، فنصف الرهن مقابل نصف الدين وهكذا ، كما تقدّم في بيان تقسيط الدين على الرهن أو بالعكس.

وأمّا لو كان المرتهن متعدّدا دون الراهن ، كما إذا رهن عند شخص فمات المرتهن وانتقل الدين إلى ورثته ، فلكلّ واحد من الورثة حقّ استيفاء حصّته من الدين من مجموع الرهن كما كان لمورّثهم ، فما دام لم يؤدّ الراهن حقّ جميع الورثة لا يفتكّ شي‌ء من الرهن ، إلاّ على القول بالتقسيط من أوّل الأمر ، أي بالنسبة إلى نفس المورّث.

فبناء على القول بالتقسيط لو أدّى حقّ بعض الورثة يفتكّ من الرهن بتلك النسبة. هذا إذا كان التعدّد حاصلا بعد وقوع الرهن كما في المثل المذكور.

وأمّا إذا كان تعدّد المرتهن من الأوّل ، كما إذا استدان من اثنين فجعل مالا رهنا على كلا الدينين ، فلا شبهة في تعلّق حقّ كلّ واحد من الدائنين ـ أي المرتهنين ـ بذلك المال بنسبة دينه إلى مجموع الدينين ، فإن كان الدينان متساويين في المقدار من جنس واحد أو القيمة وإن كان من جنسين ، فلكلّ واحد من المرتهنين حقّ استيفاء دينه من نصف الرهن. وإن كانا مختلفين بحسب القيمة فيستحقّ كلّ واحد منهما من الرهن‌

٣٢

بنسبة قيمة ماله إلى مجموع القيمتين ، فلو كان دين أحدهما عشرة مثلا والآخر عشرين ، فصاحب العشرة يستحقّ ثلث الرهن. وهكذا في جميع صور الاختلاف ، والوجه واضح.

فرع : الرهن أمانة مالكيّة عند المرتهن‌ ، فيد المرتهن عليه يد أمانة لا يد ضمان ، فلو تلف الرهن في يد المرتهن وبدون تعدّ ولا تفريط لا يضمن ، لأنّ سبب الضمان في المفروض هي يد غير المأذونة. وفي المقام ليس كذلك إذ هو أمانة مالكيّة ، أي يكون عند المرتهن بإذن المالك ، فيكون من قبيل العين المستأجرة التي سلمها المالك إلى المستأجر لاستيفاء المنفعة منها ، والمفروض أنّه ليس تعدّ ولا تفريط في البين كي يقال بخروج اليد عن كونها أمانة وصيرورتها عادية.

فلا تكون يد المرتهن على الرهن مشمولة لقاعدة « وعلى اليد ما أخذت حتّى تؤديها » ، لأنّ المراد باليد في تلك القاعدة هي اليد غير المأذونة ، أو إذا كانت مأذونة ولكن صدر من ذي اليد تعدّ أو تفريط ، والمفروض في المقام أنّ اليد مأذونة وليس تعدّ ولا تفريط في البين ، وليس من موجبات الضمان ما هاهنا سبب وموجب آخر من إتلاف ، أو تعدّ ، أو تفريط ، أو عقد ، أو غير ذلك.

وقد حكى الإجماع من جماعة على عدم ضمان المرتهن فيما إذا تلف الرهن عنده.

قال في الجواهر ـ في شرح عبارة الشرائع « [ الرهن ] أمانة في يده لا يضمنه لو تلف منه بغير تفريط » ـ ، بلا خلاف أجده فيه بيننا (١).

ولكن أنت خبير بأنّ عدم الخلاف ـ وإن تحقّق وحصل ـ لا يكون من الإجماع المصطلح الأصولي الذي أثبتنا حجيّته مع وجود هذه المدارك ، أي كون عدم ضمانه مفاد القاعدة الأوّليّة ، وهو عدم وجود سبب للضمان في البين ، ووجود أخبار صحيحة‌

__________________

(١) « جواهر الكلام » ج ٢٥ ، ص ١٧٤.

٣٣

صريحة دالّة على عدم الضمان. وبعض الأخبار التي تدلّ على الضمان ليست قابلة لأن تعارض الطائفة الأولى ، لخروجها مخرج التقيّة لموافقتها للعامّة.

الطائفة الأولى ، أي الأخبار الدالّة على عدم ضمان المرتهن لو تلف الرهن عنده بدون تعدّ ولا تفريط :

منها : ما رواه جميل بن درّاج ، عن الصادق عليه‌السلام قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام في رجل رهن عند رجل رهنا فضاع الرهن ، قال : « هو من مال الراهن ، ويرجع المرتهن عليه بماله » (١).

ومنها : ما رواه أبان بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال في الرهن : « إذا ضاع من عند المرتهن من غير أن يستهلكه رجع بحقه على الراهن فأخذه وان استهلكه ترادّا الفضل بينهما » (٢).

وروى هذه الرواية بطرق آخر ، كما هو مذكور في الوسائل (٣).

ومنها : ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يرهن عند الرجل الرهن فيصيبه توى أو ضياع قال : « يرجع بماله عليه » (٤).

ومنها : ما رواه إسحاق بن عمّار ، عن أبي إبراهيم عليه‌السلام قال : قلت : الرجل يرتهن العبد فيصيبه عور ، أو ينقص من جسده شي‌ء على من يكون نقصان ذلك؟ قال : « على مولاه ». قلت : إنّ الناس يقولون : إن رهنت العبد فمرض أو انفقأت عينه فأصابه‌

__________________

(١) « الفقيه » ج ٣ ، ص ٣٠٥ ، باب الرهن ، ح ٤٠٩٤ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ١٢٥ ، أبواب كتاب الرهن ، باب ٥ ، ح ١.

(٢) « الفقيه » ج ٣ ، ص ٣٠٨ ، باب الرهن ، ح ٤١٠٢ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ١٧٢ ، ح ٧٦٥ ، باب في الرهون ، ح ٢٢ ، « الاستبصار » ج ٣ ، ص ١٢٠ ، ح ٤٢٧ ، باب الرهن يهلك عند المرتهن ، ح ٧ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ١٢٥ ، أبواب كتاب الرهن ، باب ٥ ، ح ٢.

(٣) « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ١٢٥ ، أبواب كتاب الرهن ، باب ٥. ذيل ح ٢.

(٤) « الفقيه » ج ٣ ، ص ٣١٠ ، باب الرهن ، ح ٤١١٠ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ١٢٦ ، أبواب كتاب الرهن ، باب ٥ ، ح ٣.

٣٤

نقصان من جسده ينقص من مال الرجل بقدر ما ينقص من العبد ، قال : « أرأيت لو أنّ العبد قتل قتيلا على من يكون جنايته؟ » قال : جنايته في عنقه (١).

ومنها : ما رواه الحلبي أيضا ، في الرجل يرهن عند الرجل رهنا فيصيبه شي‌ء أو ضاع قال : « يرجع بماله عليه » (٢).

ومنها : ما رواه إسحاق بن عمّار أيضا ، قال : قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام الرجل يرهن الغلام أو الدار فتصيبه الآفة ، على من يكون؟ قال : « على مولاه ـ ثمَّ قال : ـ أرأيت لو قتل قتيلا على من يكون؟ » قلت : هو في عنق العبد قال : « ألا ترى فلم يذهب مال هذا ـ ثمَّ قال : ـ أرأيت لو كان ثمنه مائة دينار فزاد وبلغ مأتي دينار لمن كان يكون؟ » قلت : لمولاه قال : « كذلك يكون عليه ما يكون له » (٣).

وأخبار آخر ذكرها في الوسائل (٤) تدلّ أو تؤيّد ما ذكرنا ، من عدم ضمان المرتهن لو تلف الرهن عنده من دون تعدّ منه ولا تفريط ومن غير أن يستهلكه.

الطائفة الثانية : ما ادّعى أنّ ظاهرها ضمان المرتهن وان لم يكن تعدّ أو تفريط :

فمنها : ما رواه أبي حمزة ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول على عليه‌السلام « يترادّان الفضل » فقال عليه‌السلام « كان على عليه‌السلام يقول ذلك » قلت : كيف يترادّان؟ فقال : « إن كان الرهن أفضل ممّا رهن به ثمَّ عطب ردّ المرتهن الفضل على صاحبه ، وإن كان لا يسوى‌

__________________

(١) « الفقيه » ج ٣ ، ص ٣٠٦ ، باب الرهن ، ح ٤٠٩٦ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ١٢٦ ، أبواب كتاب الرهن ، باب ٥ ، ح ٤.

(٢) « الكافي » ج ٥ ، ص ٢٣٥ ، باب الرهن ، ج ١١ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ١٧٠ ، ح ٧٥٧ ، باب في الرهون ، ح ١٤ ، « الاستبصار » ج ٣ ، ص ١١٨ ، ح ٤٢١ ، باب الرهن يهلك عند المرتهن ، ح ١ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ١٢٦ ، أبواب كتاب الرهن ، باب ٥ ، ح ٥.

(٣) « الكافي » ج ٥ ، ص ٢٣٤ ، باب الرهن ، ح ١٠ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ١٧٢ ، ح ٧٦٤ ، باب في الرهون ، ح ٢١ ، « الاستبصار » ج ٣ ، ص ١٢١ ، ح ٤٣٠ ، باب في الرهن يهلك عند المرتهن ، ح ١٠ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ١٢٦ ، أبواب كتاب الرهن ، باب ٥ ، ح ٦.

(٤) « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ١٢٥ ، أبواب كتاب الرهن ، باب ٥.

٣٥

ردّ الراهن ما نقص من حقّ المرتهن قال : وكذلك كان قول على عليه‌السلام في الحيوان وغير ذلك » (١).

ومنها : ما رواه ابن بكير قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام في الرهن؟ فقال : « إن كان أكثر من مال المرتهن فهلك أن يؤدّى الفضل إلى صاحب الرهن ، وإن كان أقلّ من ماله فهلك الرهن أدّى إليه صاحبه فضل ماله ، وإن كان الرهن سواء فليس عليه شي‌ء » (٢).

ومنها : ما رواه محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في الرهن إذا كان أكثر من مال المرتهن فهلك ، أن يؤدّى الفضل إلى صاحب الرهن. وإن كان الرهن أقل من ماله فهلك الرهن ، أدّى إلى صاحبه فضل ماله. وإن كان الرهن يسوى ما رهنه ، فليس عليه شي‌ء (٣).

ومنها : ما رواه عبد الله بن حكم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل رهن عند رجل رهنا على ألف درهم والرهن يساوي ألفين وضاع ، قال : « يرجع عليه بفضل ما رهنه ، وإن كان أنقص ممّا رهنه عليه رجع على الراهن بالفضل ، وإن كان الرهن يسوى ما رهنه عليه فالرهن بما فيه » (٤).

ولا شكّ في أنّ لهذه الطائفة ظهور إطلاقي في ضمان المرتهن وإن لم يكن من طرفه استهلاك أو تعدّ أو تفريط ، ولكن يقيّد هذا الإطلاق بالطائفة الأولى بحمل الثانية على‌

__________________

(١) « الكافي » ج ٥ ، ص ٢٣٤ ، باب الرهن ، ح ٧ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ١٧١ ، ح ٧٦١ ، باب في الرهون ، ح ١٨ ، « الاستبصار » ج ٣ ، ص ١١٩ ، ح ٤٢٦ ، باب في الرهن يهلك عند المرتهن ، ح ٦ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ١٢٩ ، أبواب كتاب الرهن ، باب ٧ ، ح ١.

(٢) « الكافي » ج ٥ ، ص ٢٣٤ ، باب الرهن ، ح ٦ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ١٧١ ، ح ٧٦٠ ، باب في الرهون ، ح ١٧ ، « الاستبصار » ج ٣ ، ص ١١٩ ، ح ٤٢٥ ، باب في الرهن يهلك عند المرتهن ، ح ٥ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ١٢٩ ، أبواب كتاب الرهن ، باب ٧ ، ح ٣.

(٣) « الفقيه » ج ٣ ، ص ٣١٢ ، باب الرهن ، ح ٤١١٥ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ١٢٩ ، أبواب كتاب الرهن ، باب ٧ ، ح ٤.

(٤) « الفقيه » ج ٣ ، ص ٣٠٨ ، باب الرهن ، ح ٤١٠١ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ١٣٠ ، أبواب كتاب الرهن ، باب ٧ ، ح ٥.

٣٦

مورد التفريط ، كما حملها الصدوق (١) والشيخ (٢) وغيرهما على ذلك ، فلا تعارض في البين. وهذا جمع عرفي يرفع التعارض.

مضافا إلى إعراض الأصحاب جميعا عن هذه الطائفة الثانية فتسقط عن الحجيّة كما هو المقرّر في الأصول ، وأنّ إعراض الأصحاب كاسر كما أنّ عملهم برواية جابر لضعف سندها.

مضافا إلى أنّها موافقة للعامّة وهذا أيضا موجب لسقوط حجّيتها ، مع وجود المعارض المخالف فلا ينبغي أن يشكّ في هذا الحكم ، أى عدم ضمان المرتهن لو تلف الرهن عنده من غير تعدّ ولا تفريط.

فرع : يجوز للمرتهن اشتراء الرهن من الراهن بما رهن عليه ، أو بغيره‌ بلا إشكال. ولا كلام سواء كان البائع هو نفس الراهن أو من يقوم مقامه ، كما إذا كان وكيله أو وليّه.

نعم ربما يقال بعدم جواز ابتياعه من نفسه لو كان هو الوكيل عن قبل المالك الراهن ، وذلك لأحد وجهين :

الأوّل : اتّحاد البائع والمشتري. وهو واضح البطلان ، لأنّهما مختلفان باعتبار الأصالة والوكالة.

الثاني : انصراف الوكالة إلى البيع من غيره لا من نفسه. وهذا دعوى بلا برهان ، فإنّ الإطلاق يشمله كما يشمل غيره ، وعدم خصوصيّته فيه تكون مانعة من شمول الإطلاق له ، خصوصا فيما إذا كان الفرض من توكيل الراهن إيّاه بيعه بثمنه من أيّ مشتر كان ، كما هو المراد غالبا في أمثال هذه الموارد.

__________________

(١) « الفقيه » ج ٣ ، ص ٣٠٨ ، باب الرهن ، ح ٤١٠١.

(٢) « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ١٧١ ، ذيل ح ٧٦١ ، « الاستبصار » ج ٣ ، ص ١١٩.

٣٧

فإذا أعطى متاعه للدلاّل لأن يبيعه ليس نظره إلى أن يبيعه من شخص خاصّ بل من أيّ مشتر كان ، بل المراد أخذ ثمنه ، ولذلك لو اشتراه الدلاّل لنفسه بقيمته الواقعيّة من دون غبن ولا خسارة يكون البيع صحيحا ، ولا وجه للإشكال فيه.

ودعوى الانصراف إلى البيع من غيره لا أساس لها. نعم لو صرّح بذلك وقيّد الوكالة بأن يكون وكيلا في بيعه من غير نفسه فله ذلك ، وحينئذ لا يجوز بيعه من نفسه. وهذه مسألة لا اختصاص لها بباب الرهن ووكالة المرتهن من قبل الراهن ، بل تأتي في مطلق الوكلاء في مطلق المعاملات ، في البيوع والإجارات وغيرهما ، بل تأتي في كونه وكيلا في إيصال الحقوق إلى مستحقّيها ، كالزكوات ، والأخماس ، والصدقات الواجبة غير الزكاة ، وردّ المظالم ، والصدقات المستحبّة وغير ذلك.

فرع : لو تصرّف المرتهن في الرهن بدون إذن الراهن‌ خرجت يده عن كونها يد أمانة وصارت يد ضمان ، وذلك من جهة صيرورتها يد تعدّ وغير مأذونه ، فتكون مشمولة لعموم « وعلى اليد ما أخذت حتّى تؤديها » (١).

فلو كان تصرّفه فيه باستيفاء منفعة منه ، كركوب الدابّة أو سكنى الدار مثلا ، فعليه أجرة المثل ، ولو كان بأكل الثمرة وكلّ نماء منفصل فيكون ضامنا لتلك المنفعة المنفصلة.

وذلك النماء المنفصل ـ كثمرة الشجرة وطيب الماشية وصوف الأغنام وأمثال ذلك ـ فإن كان مثليّا فضمانه بالمثل ، وإن كان قيميّا فبالقيمة على قواعد باب الغصب.

وأمّا بالنسبة إلى نفس العين المرهونة فتكون مضمونة عنده ، فلو بقيت سالمة عنده بدون أيّ نقص فيها فيردّها ، وإن تلفت أو تلف شي‌ء من صفاتها أو بعضها‌

__________________

(١) « عوالي اللئالي » ج ١ ، ص ٢٢٤ ، ح ١٠٦ ، « مستدرك الوسائل » ج ١٧ ، ص ٨٨ ، أبواب كتاب الغصب ، باب ١ ، ح ٤ ، « سنن ابن ماجه » ج ٢ ، ص ٨٠٢ ، باب العارية ، ح ٢٤٠٠ ، « تفسير أبو الفتوح الرازي » ج ٥ ، ص ٤٠٧.

٣٨

يكون ضامنا للتالف على قواعد باب الغصب ، من كونه ضامنا لمثله في المثليّات ، ولقيمته في القيميّات من قيمة يوم التلف ، أو وقت التعدّي ، أو وقت المطالبة ، أو وقت الأداء على اختلاف الأقوال في ضمان المغصوب القيمي ، فكلّ على مبناه.

وخلاصة الكلام : أنّ العين المرهونة بعد ما كانت أمانة في يد المرتهن إذا كانت في يده بإذن الراهن ، لو تصرّف المرتهن فيها بدون إذن الراهن تخرج عن كونها أمانة ويجرى عليها أحكام الغصب.

وما ذكرنا كان مقتضى القواعد الأوّلية في باب الغصب والأمانات ، وقد وردت أيضا مطابقا لما ذكرنا من كون منافع العين المرهونة للمالك الراهن روايات :

منها : ما رواه عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في كلّ رهن له غلّته أنّ غلّته تحسب لصاحب الأرض مما عليه » (١).

ومنها : ما رواه محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : « إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : في الأرض البور يرتهنها الرجل ليس فيها ثمرة فزرعها وأنفق عليها ماله أنّه يحتسب له نفقته وعمله خالصا ، ثمَّ ينظر نصيب الأرض فيحسبه من ماله الذي ارتهن به الأرض حتّى يستوفي ماله ، فإذا استوفى ماله فليدفع الأرض إلى صاحبها » (٢).

وروايات أخر ذكرها صاحب الوسائل في الباب العاشر من أبواب أحكام الرهن (٣).

فرع : لا يجوز للمرتهن التصرّف في الرهن بدون إذن الراهن‌ كما تقدّم في الفرع‌

__________________

(١) « الكافي » ج ٥ ، ص ٢٣٥ ، باب الرهن ، ح ١٣ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ١٦٩ ، ح ٧٥٠ ، باب في الرهون ، ح ٧ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ١٣٢ ، أبواب الرهن ، باب ١٠ ، ح ١.

(٢) « الكافي » ج ٥ ، ص ٢٣٥ ، باب الرهن ، ح ١٤ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ١٦٩ ، ح ٧٥١ ، باب في الرهون ، ح ٨ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ١٣٢ ، أبواب الرهن ، باب ١٠ ، ح ٢.

(٣) « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ١٣١ ، أبواب الرهن ، باب ١٠.

٣٩

السابق ، ولكن قد يقال بأنّه لو كان للرهن مئونة فأنفق المرتهن عليه ، مثل أن كان الرهن دابّة مثلا فعلفها فله أن يركبها ، أو كان شاة فله أن يشرب حليبها ، أو بستانا ونخيلا فسقاها فله أن يأكل من ثمرها.

وبعبارة أخرى : له أن ينتفع بالرهن عوض النفقة التي يبذلها له.

والكلام في هذا المقام تارة باعتبار القواعد الأوليّة فيما إذا كان مال الغير تحت يده بإذن صاحبه أو لحقّ له في ذلك ، وأخرى باعتبار النصوص الواردة في هذه المسألة.

فنقول : أمّا بالاعتبار الأوّل : فلا شكّ في أنّ نفقة المال على صاحبه ، وتسمّى بنفقة الملك ، فإن تصدّى غيره إمّا بإذن منه ، أو لوجوبه عليه من جهة لزوم حفظ حيوان المحترم فيما لم يكن هناك من ينفق عليه ولم يقصد كونه مجانا ، فيكون ما أنفق في ذمة المالك. فحينئذ لو استوفى منفعة ذلك المال الذي جعل رهنا ، سواء كانت من النماءات المنفصلة أو المتّصلة أو لم يكن شي‌ء منهما بل كان صرف انتفاع له مالية عند العقلاء والشرع ، فإن كانت تلك المنفعة مساوية مع ما بذله يتهاتران قهرا ، وعند العدم يردّ الزائد على الراهن فيما إذا كانت المنفعة زائدة ، ويأخذ منه إن كانت النفقة أزيد ، وهذا أمر مسلّم.

وأمّا بالاعتبار الثاني : أي النصوص الواردة في المقام ، فظاهرها جواز الانتفاع بالرهن لو أنفق عليه ، سواء كان الإنفاق مساويا مع الانتفاع بحسب القيمة ، أو كانا متفاضلين.

فمنها : رواية أبي ولاّد قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يأخذ الدابّة والبعير رهنا بماله له أن يركبه؟ قال : فقال عليه‌السلام : « إن كان يعلفه فله أن يركبه ، وإن كان الذي رهنه عنده يعلفه فليس له أن يركبه » (١).

__________________

(١) « الكافي » ج ٥ ، ص ٢٣٦ ، باب الرهن ، ح ١٦ ، « الفقيه » ج ٣ ، ص ٣٠٧ ، باب الرهن ، ح ٤٠٩٨ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ١٧٦ ، ح ٧٧٨ ، باب في الرهون ، ح ٣٥ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ١٣٤ ، أبواب الرهن ، باب ١٢ ، ح ١.

٤٠