القواعد الفقهيّة - ج ٦

آية الله السيّد محمّد حسن البجنوردي

القواعد الفقهيّة - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد حسن البجنوردي


المحقق: مهدي المهريزي
الموضوع : الفقه
الناشر: نشر الهادي
المطبعة: مؤسسة الهادي
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-400-030-7

الصفحات: ٤٣١

المبيع ، سواء كان من المثليّات أو كان من القيميّات ، فالإنصاف ثبوت الشفعة مطلقا فيما اجتمع شرائطها ، سواء كان الثمن من المثليّات أو القيميّات.

فرع : ومن الواضح أنّ مورد حقّ الشفعة هو الأخذ به من المشتري بعد وقوع البيع وصحّته وانتقال حصّة البائع إلى المشتري‌ ، فالشفيع يتلقّى المال من المشتري ، ولذلك ينتقل الثمن من الشفيع إلى المشتري لا إلى البائع.

وإن شئت قلت : إنّ البيع الأوّل ثمَّ وصار المال المشاع ملكا للمشتري ، ومنه ينتقل بجعل إلهي إلى الشفيع ، ولكن لا مجّانا بل بإزاء مثل الثمن الذي أعطاه للبائع ، أو قيمته إن كان الثمن الذي أعطاه قيميّا ، فيكون دركه على المشتري ، لأنّ النقل والانتقال وقع بين المشتري والبائع ، وليس الأخذ بالشفعة من قبيل فسخ العقد الواقع بين البائع والمشتري كي يرجع المال المشاع إلى صاحبه الأوّل الذي كان شريكا مع البائع ، فيكون إعمال حقّ الشفعة بمنزلة وقوع بيع جديد بين الشفيع والبائع الذي كان شريكا معه قبل البيع الأوّل.

نعم الأخذ بالشفعة ليس بيعا جديدا بين الشفيع والمشتري ، ولذلك قلنا إنّه بمنزلة بيع جديد في حصول النقل والانتقال بينهما ، ولذلك لا يترتّب عليه أحكام البيع الجديد ، فلو تلف قبل قبض الشفيع وبعد الأخذ بالشفعة كانهدام الدار بسيل جارف أو موت الحيوان بآفة سماويّة أو غير ذلك ، فليس تلفه من مال المشتري من باب قاعدة « كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه » فلا يضمن المشتري شيئا منه.

أمّا عدم جريان القاعدة في حقّ المشتري فلأنّه ليس بائعا على الفرض. وأمّا ضمان اليد فلا يأتي ، لأنّ يده ليست يد ضمان بل أمانة ، إلاّ أن يطالبه الشفيع وهو لا يعطيه فتكون يده يد ضمان أو يكون بإتلافه وتفريطه ، فتخرج بذلك عن كونها أمانيّة فيضمن.

٢٠١

نعم لو بقيت عند المشتري بتفريطه منه ، كان ضامنا لنقصها بقواعد باب الضمان وقاعدة الإتلاف ، لأنّ المال بعد الأخذ بالشفعة يكون ملكا للشفيع ، والمشتري أورد عليه النقص فيكون ضامنا لذلك النقص ، فللشفيع الأرش. ولو كان بيعا وكان البائع هو المشتري لكان تلفا قبل القبض وكان مجرى قاعدة التلف قبل القبض ، وكان الشفيع مستحقّا لتمام الثمن على تقدير انفساخ البيع أو بعضه إن كان الانفساخ في مقدار التلف ، وعلى كلا التقديرين لم يكن أرش في البين.

وأمّا لو ظهر أنّ المال مستحقّ للغير فيرجع الشفيع إلى المشتري بأخذ الثمن منه ، لأنّه أخذ ما لا يستحقّ. فلو ظهر بعد الأخذ بالشفعة أنّ المالك الذي كان شريكا للشفيع وهب هذا المال لشخص بالهبة اللازمة ، ثمَّ باعها من شخص آخر عمدا أو جهلا والشفيع أخذ بالشفعة وأعطى الثمن لهذا المشتري ثمَّ ظهر أنّ البيع باطل والمال للموهوب له ، فمن الواضح المعلوم أنّ الشفيع يرجع إلى المشتري ويستردّ ما أعطاه.

فمعنى درك المال على المشتري ، أي كلّ نقص أو تلف بتفريط حصل في المال يكون ضمانه على المشتري لا على البائع. وإن شئت قلت : إنّ معنى درك هذا الشي‌ء على فلان ، أي تدارك ما نقص منه عليه ، وعليه أن يغرم.

فرع : لو تلف بعض المبيع قبل أخذ الشفيع بالشفعة فهل يسقط حقّ الشفيع بالمرّة‌ ، أم له الأخذ بالباقي بتمام الثمن أو ببعضه بنسبة الباقي إلى تمام المبيع فلو كان الباقي نصف المبيع مثلا فبنصف الثمن وهكذا؟ وجوه وأقوال.

والأقوى هو الأخير بحسب القواعد ، لتعلّق الحقّ بالمال المشاع المبيع بتمام الثمن ، فكلّ جزء من المبيع بإزاء جزء ما يقابله من الثمن ، فكما أنّ في باب تبعّض الصفقة ينحلّ العقد إلى عقود متعدّدة باعتبار كلّ جزء من المبيع بما يقابله من الثمن ، فيقال بصحّة المعاملة بالنسبة إلى المقدار الذي يملكه من المبيع أو المقدار الذي قابل للملكيّة‌

٢٠٢

والبطلان فيما عداه ، فكذلك هاهنا يقال للشفيع الأخذ بالمقدار الباقي من المبيع بما يقابله من الثمن.

فلا وجه لأن يقال له الأخذ بتمام الثمن ، لأنّ تمام الثمن كان عوض تمام المال المبيع ، لا عوض بعضه. ولا شكّ في أنّ الأخذ بالشفعة وإن لم يكن بيعا عرفا وشرعا ولكن هو بمنزلة البيع ومن المعاوضات ، والمعاوضة فيه تقع بين تمام المال وتمام الثمن وهي متضمّنة لوقوع كلّ جزء من المبيع بإزاء جزء من الثمن إن لم يكن بين الأجزاء امتياز ، وإلاّ يقسّط الثمن على الأجزاء بنسبة قيمة كلّ جزء إلى قيمة المجموع ، لا بنسبة مقداره إلى المقدار المجموع.

فلو بقي الحقّ بعد تلف بعض المبيع كما هو المفروض مع أنّه من المعاوضات ، فلا مناص إلاّ أن يقال بأنّ له حقّ الأخذ بالباقي بما يقابله من الثمن لا بتمام الثمن ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون تلف بعض المبيع بفعل المشتري أو بآفة سماويّة.

نعم لو كان التلف بفعل المشتري وكان بعد المطالبة التي هي الأخذ ، فيجب على الشفيع إعطاء جميع الثمن لأنّه بنفس الأخذ صار ملكا للشفيع بإزاء تمام الثمن ، ويستحقّ الشفيع على المشتري بدل التالف من مثله أو قيمته على قواعد باب الضمان ، ولكن هذه الصورة خارجة عن الفروض ومحلّ الكلام.

وأمّا القول بسقوط الحقّ بالمرّة ، فغاية ما يمكن أن يقال في وجهه أنّ الحقّ تعلّق بمجموع المبيع الشخصي ، والمفروض أنّه لم يبق لتلف بعضه.

ولكن أنت خبير بأنّ هذا الكلام ظاهري ، إذ الحقّ وإن تعلّق بمجموع هذا المال الشخصي ولكن كلّ جزء منه صار متعلّقا لهذا الحقّ في ضمن صيرورة تمامه متعلّقا له ، فإذا تلف بعض أجزائه يبقى الباقي تحت تعلّقه ، لعدم الدليل على سقوطه في سائر الأجزاء.

وهذا الأمر الاعتباري الذي نسمّيه بالحقّ نظير الأعراض الخارجيّة ، فإنّه إذا‌

٢٠٣

كان هناك ثوب أبيض فتلفت قطعة منه ، فبانعدام تلك القطعة قهرا ينعدم البياض الذي كان حالاّ فيها لعدم بقاء معروضه ، وأمّا بياض سائر القطعات الباقية فلا وجه لانعدامه لعدم فناء موضوعه ، ومع الشكّ في سقوط هذا الحقّ عن الباقي كان الحكم هو البقاء بمقتضى الاستصحاب. وقد فصّلنا صحّة جريان هذا الاستصحاب في نظائر المقام في كتابنا « منتهى الأصول » (١).

ولكن ذهب المشهور إلى تخييره بين أخذ الباقي بتمام الثمن أو تركه فيما إذا كان التلف بآفة سماويّة ، أو كان قبل المطالبة بالشفعة وإن كان بفعل المشتري ، بل ادّعى في الغنية الإجماع على ذلك. (٢) وما ذكرنا كان ما تقتضيه القواعد.

ولكن عقد في الوسائل (٣) بابا لتلف بعض المبيع قبل أن يأخذ بالشفعة ، ولم يذكر فيه إلاّ ما رواه عليّ بن محبوب عن رجل قال : كتبت إلى الفقيه عليه‌السلام في رجل اشترى من رجل نصف دار مشاع غير مقسوم ، وكان شريكه الذي له النصف الآخر غائبا ، فلمّا قبضها وتحوّل عنها تهدّمت الدار وجاء سيل جارف فهدمها وذهب بها ، فجاء شريكه الغائب فطلب الشفعة من هذا فأعطاه الشفعة على أن يعطيه ماله كملا الذي نقد في ثمنها ، فقال له : ضع عنّي قيمة البناء فإنّ البناء قد تهدّم وذهب به السيل ، ما الذي يجب في ذلك؟ فوقّع عليه‌السلام : « ليس له إلاّ الشراء والبيع الأوّل إن شاء الله » (٤).

وظاهر هذه الرواية سقوط حقّ الشفعة في مورد تلف بعض المبيع بآفة سماويّة لقوله عليه‌السلام « ليس له إلاّ الشراء » أي ليس للشفيع إلاّ الشراء كسائر الأجانب ، لا الأخذ بالشفعة ، والبيع هو الأوّل أي بيع المالك للنصف المشاع لذلك المشتري الأجنبي ، أي‌

__________________

(١) « منتهى الأصول » ج ٢ ، ص ٤٥٢.

(٢) « الغنية » ضمن « الجوامع الفقهية » ص ٥٩١.

(٣) « وسائل الشيعة » ج ١٧ ، ص ٣٢٣ ، أبواب الشفعة ، باب ٩.

(٤) « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ١٩٢ ، ح ٨٥٠ ، باب في الشركة والمضاربة ، ح ٣٦ ، « وسائل الشيعة » ج ١٧ ، ص ٣٢٣ ، أبواب الشفعة ، باب ٩ ، ح ١.

٢٠٤

يجب ترتيب آثار البيع على ذلك البيع الأوّل ، ومعنى هذا سقوط حقّ الشفيع وعدم جواز أخذه بالشفعة.

فرع : لو باع الشفيع الذي له الأخذ بالشفعة سهمه بعد البيع‌ ، أي بعد تحقّق موضوع هذا الحقّ إذ موضوعه بيع أحد الشريكين سهمه المشاع في مال لشخص ثالث أجنبي من هذا المال بثمن ، فشريك البائع أحقّ بالمبيع بنفس ذلك الثمن من ذلك المشتري الأجنبي عن هذا المال ، فله الأخذ بالشفعة.

فالكلام في هذا الفرع هو أنّ هذا الشريك لو باع حصّته بعد أن باع صاحبه سهمه وتحقّق موضوع الأخذ بالشفعة له ، فلم يأخذ وباع سهمه ، فهل بيعه هذا موجب لسقوط حقّه مطلقا سواء كان عالما بالبيع وأنّ له حقّ الأخذ أو لم يكن ، أم لا يكون موجبا للسقوط مطلقا ، أو التفصيل بين العلم والجهل بالقول بالسقوط في الأوّل ـ لأنّ إقدامه بالبيع مع علمه بأنّ له هذا الحقّ كاشف عن عدم اعتنائه بهذا الحقّ وإعراضه وإسقاطه ـ والثبوت في الثاني لأنّ هذا حقّ جعل الشارع له ، ولمّا كان ذو الحقّ جاهلا به لم يعلمه فلا وجه لسقوطه ، فهو باق إلى ما بعد بيعه ، فله الأخذ. وإن شكّ في بقائه يحكم ببقائه ، للاستصحاب؟

والإنصاف أنّ الحقّ عدم سقوط مطلقا ، لأنّ سقوط الحقّ بعد ثبوته يحتاج إلى مسقط في مقام الثبوت ودليل عليه في مقام الإثبات ، وأقصى ما يمكن أن يقال هو ما ذكرنا في مقام الدليل على التفصيل أنّ العالم بوجود هذا الحقّ لو باع سهمه يكون دليلا على إعراضه عن هذا الحقّ وإسقاطه وعدم اعتنائه بهذا المال.

ولكن أنت خبير بعدم تماميّة هذا الوجه ، إذ أغراض العقلاء تختلف لوجوه عندهم ، مثلا ربما يكون بيعه من ذلك الشخص لحبّه أن يكون شريكا معه لأغراض عقلائيّة ، فيبيع حصّته منه ويأخذ النصف الآخر مثلا بالشفعة فيكون شريكا معه ،

٢٠٥

فليس بيعه لإعراضه عن هذا المال وعدم اعتنائه به كي يكون ظاهرا في إسقاط حقّه كما توهّم.

واستدلّ لسقوطه مطلقا بأمرين :

أحدهما : أنّ هذا الحقّ جعل لأجل رفع الضرر عن الشريك ، وفي المقام لا مورد له ، لأنّ المفروض أنّه باع حصّته فلا شركة حال الأخذ بالشفعة كي يكون الأخذ دافعا للضرر.

وفيه : أنّ ما ذكر من كون جعلها لأجل دفع الضرر ليس من قبيل العلّة كي يكون الحكم دائرا مداره ، بل على تقدير تسليمه يكون من قبيل الحكمة غير المطّردة.

الثاني : ظهور قوله عليه‌السلام : « لا شفعة إلاّ لشريك غير مقاسم » (١) في كونه شريكا غير مقاسم حال الأخذ ، وفي المقام ليس شريكا حال الأخذ ، وكونه شريكا حال البيع الصادر من شريكه لذلك المشتري الأجنبي لا يكفي.

وفيه : أنّ الظاهر من أدلّة الشفعة كفاية كونه شريكا حال المبيع الأوّل الصادر من شريكه ، ولا يلزم بقاء شركته إلى زمان الأخذ بالشفعة ، وذلك لأنّ أدلّة الشفعة في مقام بيان ثبوت هذا الحقّ ، أي حقّ الأخذ لا الأخذ خارجا ، ولا شكّ في أنّ في المقام في حال ثبوت حقّ الأخذ كان الشفيع شريكا والبيع وقع بعد ذلك.

فرع : وقع الخلاف في أنّ حقّ الشفعة هل يورث أم لا؟

فقال المفيد والمرتضى أنّها تورث (٢). ووافقهما جميع كثير من الأساطين ، منهم‌

__________________

(١) « الكافي » ج ٥ ، ص ٢٨١ ، باب الشفعة ، ح ٦ ، « الفقيه » ج ٣ ، ص ٧٨ ، باب الشفعة ، ح ٣٣٧٢ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ١٦٦ ، ح ٧٣٧ ، باب الشفعة ، ح ١٤ ، « وسائل الشيعة » ج ١٧ ، ص ٣١٦ ، أبواب الشفعة ، باب ٣ ، ح ٢.

(٢) « المقنعة » ص ٦١٩ ، « الانتصار » ص ٢١٧.

٢٠٦

العلاّمة (١) ، وجامع المقاصد (٢) ، والشهيدان ، وابن إدريس (٣) قدس‌سره بل ادّعى الإجماع على ذلك بعض الأعاظم. وقال الشيخ قدس‌سره في النهاية (٤) وتبعه جمع : أنّها لا تورث.

والمختار هو الأوّل ، لعموم المرسلة المرويّة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ما تركه الميّت من حقّ فهو لوارثه » ، ولا شكّ في أنّ الشفعة من الحقوق ، فتشملها عمومات أدلّة الإرث.

وما ذكره الشيخ من أنّها لا تورث مستند إلى ما رواه طلحة بن زيد ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام ، عن عليّ عليه‌السلام قال : « لا شفعة لشريك غير مقاسم ». وقال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « لا يشفع في الحدود ». وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا تورث الشفعة » (٥).

لكن هذه الرواية حيث أنّ راويها طلحة بن زيد وهو عاميّ لا يعتمد عليه ، فليس مثل هذه الرواية قابلة لتخصيص عمومات الإرث بعد ما ثبت كونها من الحقوق لأنّها قابلة للإسقاط وقبول الإسقاط من أظهر خواصّ الحقّ ، فإذا ثبت أنّ الشفعة حقّ ، وثبت أنّ كلّ حقّ مثل المال فهو لوارث الميّت ويشملها عمومات الإرث ، فالإنصاف أنّ تخصيص تلك العمومات بمثل هذه الرواية الضعيفة خارج عن الجمع العرفي.

نعم الذي ينبغي أن يقال : إنّ طلحة بن زيد وإن كان عاميّا ـ كما ذكره أصحاب الرجال في كتبهم (٦) ـ إلاّ أنّهم وثّقوه ، فلا مانع من تخصيص عمومات الإرث بها. ولكن العمدة في وجه عدم صلاحيّتها لتخصيص العمومات بها إعراض الأصحاب عنها وعدم العمل بها ، فعلى تقدير حجّيتها في نفسها تسقط حجّيتها بواسطة إعراض‌

__________________

(١) « مختلف الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٦٧.

(٢) « جامع المقاصد » ج ٦ ، ص ٤٤٧.

(٣) « السرائر » ج ٢ ، ص ٣٩٢.

(٤) « النهاية » ص ٤٢٥.

(٥) « الفقيه » ج ٣ ، ص ٧٨ ، باب الشفعة ، ح ٣٣٧٣ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ١٦٧ ، ح ٧٤١ ، باب الشفعة ، ح ١٨ ، « وسائل الشيعة » ج ١٧ ، ص ٣٢٥ ، أبواب الشفعة ، باب ١٢ ، ح ١.

(٦) « النجاشي » ص ٢٠٧ ، رقم ٥٥٠ ، « الفهرست » ص ٨٦ ، رقم ٣٦٢.

٢٠٧

الأصحاب عنها وعدم العمل بها.

هذا إذا قلنا بأنّ راويها ثقة كما اعترف بذلك جمع من أرباب الكتب الرجالية (١) وأمّا إن قلنا بضعف الرواية في حدّ نفسها فالأمر أوضح ، لعدم جبر ضعفها بعمل الأصحاب ، لأنّ الأكثر أعرضوا عنها ولم يعملوا بها ، حتّى أنّ الشيخ نفسه الذي عمل بها في النهاية عدل عنها في الخلاف (٢) وعلى كلّ حال لا تصلح لتخصيص العمومات بها.

ثمَّ إنّه بعد الفراغ عن أنّها تورث تكون كالأموال ، تقسّط على الورثة بنسبة نصيب كلّ واحد منهم لا على الرؤوس ، فللذكر مثل حظّ الاثنين ، وللزوجة الثمن أو الربع ، ولأبويه لكلّ واحد منهما السدس ، على التفصيل المذكور في باب المواريث.

ثمَّ إنّ البحث الذي يأتي في باب إرث الخيار ـ من أنّ لكلّ واحد من الورثة خيار مستقل ، أو خيار واحد قائم بالمجموع ، أو يقسّط عليهم الخيار بنسبة نصيبهم من العوضين ـ يأتي هاهنا لأنّهما من واد واحد وهو أنّه هل الحقّ الواحد قائم بالمجموع ، أم لكلّ وأحد من الورثة حقّ تمام مستقلّ ، لأنّ الحقّ بسيط لا يتبعّض ، أم يتبعّض بينهم بنسبة نصيب كلّ واحد منهم من الإرث. وحيث أنّ المسألة مفصّلة ذكرناها في باب الإرث تبعا للشيخ الأعظم الأنصاري قدس‌سره (٣) فنترك هاهنا ، ومن أراد فليراجع إلى هناك.

فرع : لا تبطل الشفعة بتقايل المتبايعين‌ ، لأنّه بمحض تحقّق البيع يثبت هذا الحقّ ، فسقوطه يحتاج إلى مسقط ، وليست الإقالة من مسقطات هذا الحقّ.

__________________

(١) « جامع الرواة » ج ١ ، ص ٤٢١.

(٢) « الخلاف » ج ٣ ، ص ٤٣٦ ، المسألة : ١٢.

(٣) « المكاسب » ص ٢٩٠.

٢٠٨

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ معنى الشفعة أنّ الشفيع يتلقّى الملك من المشتري ، أي ينقل الملك من المشتري إلى الشفيع بالأخذ ، وهاهنا بعد الإقالة يرجع المال إلى البائع ، فلا بدّ بناء على عدم البطلان من تلقّي الملك من البائع.

وفيه : أنّه بناء على عدم سقوط حقّ الشفعة بتقايل المتبايعين كما ذكرنا ، فللشفيع فسخ الإقالة وردّها ، كما أنّ المشتري لو باع المال أو وقفه أو وهبه لذي الرحم أو جعله مسجدا فللشفيع إزالة جميع ذلك ، لتعلّق حقّه بالمال بمحض بيع شريكه ، فتصرّفات المشتري تكون في ملكه المتعلّق لحقّ الغير وهو شفيع البائع ، فإن رضي الشفيع بهذه التصرّفات تكون نافذة ويسقط الحقّ ، وإلاّ له فسخ التصرّفات التي منها الإقالة ، فلا يبقى إشكال في البين.

فرع : إذا كان المال المشاع الذي تعلّقت به الشفعة عينا واحدة ، فليس للشفيع التبعيض في الأخذ‌ بأن يأخذ مثلا نصفه بالشفعة أو كسرا آخر من كسورة ، لعدم إطلاق أدلّة الشفعة تشمل هذا النحو من الأخذ ، ومقتضى الأصل عدم ثبوت هذا القسم من الأخذ والتسلّط على مال الغير. والقدر المسلّم الخارج عن هذا الأصل بدليل الشفعة هو أخذ تمام المبيع من المشتري بتمام الثمن ، فقوله عليه‌السلام : « فهو أحقّ بها بالثمن » (١) ظاهر في الأخذ بتمامها بالثمن الذي أعطاه أو أنشأ البيع به ، وليس في مقام بيان أنحاء الأخذ كي يتمسّك بإطلاقه.

نعم لو كان المال المشاع المبيع عينان أو أزيد ولو في صفقة واحدة ، فيجوز له أخذ البعض والعفو عن البعض ، لتعلّق حقّه بكلّ واحد منها ، فله إعماله في البعض دون البعض.

ولو ظهر الثمن مستحقّا للغير ، فإن كان ذلك الثمن عينا بطل البيع ، فلا بيع فلا‌

__________________

(١) تقدّم ذكره في رواية الغنوي ، ص ١٩٩ ، رقم (٢).

٢٠٩

شفعة. وأمّا لو كان كليّا فالبيع صحيح والحقّ ثابت ، غاية الأمر ذمّة المشتري مشغولة بالثمن فيجب عليه الأداء.

وأمّا إن كان الثمن الذي أعطاه الشفيع للمشتري مستحقّا للغير ، فأخذه يكون كالعدم ، لأنّه ليس له الأخذ إلاّ بالثمن الذي له ، لا أن يكون للغير لكن حقّه لا يبطل وهو باق ، فله أن يعطى ثمنا مملوكا له فيكون أخذه صحيحا شرعا ويملك المأخوذ ، إلاّ أن يطول إعطاؤه للثمن المملوك ، فينافي فوريّة الأخذ فيسقط حقّه.

ولو ظهر في المبيع عيب بعد أخذه فلا يستحقّ الشفيع إلاّ أخذه بنفس الثمن الذي اشتراه بذلك الثمن ، وأمّا أرش العيب فلا حتّى أنّ الأرش الذي أخذه المشتري من البائع لا يستحقّه الشفيع ما تقدّم من أنّ الأخذ بالشفعة ليس ببيع أخذ الأرش من أحكام المبيع إذا كان معيبا. وظاهر أدلّة الشفعة أنّ له أخذ المبيع بالثمن الذي وقع العقد عليه سواء كان المبيع صحيحا أو معيبا ، نعم لو كان جاهلا بالعيب فله الخيار من باب لا ضرر ، وليس له شي‌ء آخر.

ولو كانت الأرض التي صارت متعلّقة لحقّ الشفعة مشغولة بزرع بوجه شرعي ، وكان لصاحب الزرع استحقاق بقاء زرعه إلى مدّة مثلا إلى وقت حصاده ، فالظاهر أنّ الشفيع مخيّر بين الأخذ في الحال غاية الأمر مشغولة بذلك الزرع إلى أمده مجّانا وبلا عوض ، وبين أن يصبر إلى وقت حصاده وبعد الحصاد يأخذ.

والإشكال بأنّه ينافي الفوريّة المعتبرة في الأخذ بالشفعة ، فلا يصحّ الصبر والتأخير.

فيه : أنّ تأخير الأخذ إن كان لعذر فلا ينافي الفوريّة ، والظاهر أنّ مشغوليّة الأرض بزرع الغير عذر موجّه ، مضافا إلى أنّ الأصل عدم سقوط هذا الحقّ بمثل هذا التأخير.

٢١٠

فرع : لو اشترى المال المشاع بثمن مؤجّلا فأراد الشفيع الأخذ بالشفعة‌ ، فهل عليه أن يأخذه بذلك الثمن معجّلا ، أم به مؤجّلا مثل المشتري غاية الأمر إذا خاف عدم تمكّنه عن الإيفاء حين الأجل يلزم بكفيل ، أم مخيّر بين أخذه كذلك في الحال وبين التأخير بأخذه إلى وقت الأجل؟ وجوه وأقوال.

والظاهر أنّ الشفيع له أن يأخذ بالثمن معجّلا ، لأنّه في كلّ دين مؤجّل للمديون أن يعجّل في أدائه ، ويصدق عليه في المقام أنّه ـ أي الشفيع ـ أحقّ به بالثمن ، لأنّ كونه معجّلا أو مؤجّلا لا يغيّران حقيقة الثمن ، ولكن ليس ملزما بذلك ، فهو مخيّر بين أن يأخذه كذلك أو يصبر إلى الأجل فيعطي الثمن ويأخذ إن لم ينافي التأخير فوريّة الأخذ المعتبرة في الأخذ بالشفعة بواسطة كونه معذورا من جهة استنكافه عن الكفيل لمنافاته لشرفه واعتباره. وأمّا لو كان منافيا مع الفوريّة المعتبرة في الأخذ بالشفعة ، فلا بدّ له من أحد أمرين : إمّا أن يعطى الثمن معجّلا أو يأخذ بالثمن المؤجّل ، ولكن مع الكفيل إن لم يكن مليا وخاف المشتري ذهاب ثمن الذي أعطاه للبائع.

فرع : لو باع الشريك سهمه المشاع الذي لم يقاسم في مرض موته محاباة‌ ـ أي بأقلّ من قيمته ـ عمدا مع العلم بأنّه يساوي أكثر ، خصوصا إذا كان الفرق كثيرا كأن باع ما يساوي ألف دينار بمائة درهم ، فبناء على نفوذ تصرّفات المريض في ذلك المرض من الأصل إذا كان من المنجزات فلا إشكال. وأمّا بناء على عدم نفوذها في الأزيد من الثلث وإن كان من المنجّزات ، فإذا لم يكن أزيد من الثلث فأيضا لا إشكال ، وأمّا إن كان أزيد فالبيع في الزائد ليس صحيحا ، فلا شفعة ، لأنّ هذا الحقّ متفرّع على صحّته.

فرع : ربما يقال باعتبار علم الشفيع بمقدار الثمن قبل الأخذ بالشفعة‌ ، لأجل‌

٢١١

لزوم رفع الغرر في المعاملات والمعاوضات وبطلان المعاملة الغررية لأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن الغرر.

وفيه : أنّ المسلّم هو نهيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بيع الغرر (١) ، وأمّا النهي عن مطلق الغرر سواء كان في البيع أو في غيره من المعاملات والمعاوضات فلم يثبت ، ومعلوم أنّ الشفعة عنوان آخر وحقّ من الحقوق وليست ببيع.

اللهمّ إلاّ أن يقال : قد تقدّم أنّ الشفعة خلاف الأصل ، وليس في أدلّتها إطلاق يثبت ثبوت هذا الحقّ في موارد الشكّ في ثبوته ، لعدم كونه في مقام البيان من هذه الجهات ، فالأصل عدم ثبوته عند الشكّ ، والقدر المتيقّن ثبوته في صورة علم الشفيع بمقدار الثمن ، ففي صورة الجهل تجري أصالة عدم الثبوت.

وأمّا الاستدلال بلزوم علم الشفيع بمقدار الثمن حين الأخذ بقوله عليه‌السلام : « فإنّه ـ أي الشفيع ـ أحقّ به بالثمن » فلا وجه له ، لأنّه من الممكن أنّه يحصل العلم بالثمن بعد الأخذ في وقت أداء الثمن ، ولا يلزم من هذه العبارة اشتراط صحّة الأخذ بالعلم بمقدار الثمن كما هو المدّعي في المقام ، فالعمدة في المقام هو وجود إطلاق ينفي اعتبار العلم بالثمن ، أو إجماع على ذلك ، وإلاّ فمقتضى الأصل عدم ثبوت هذا الحقّ إلاّ فيما إذا علم الشفيع بالثمن مقدارا.

فرع : لو تصرّف المشتري في المبيع قبل أخذ الشفيع بالشفعة‌ ، وتصرّف المشتري تارة يكون بنقله إلى الغير بالنواقل الشرعيّة من بيع أو هبة أو صلح أو غير ذلك ، وأخرى بإحداث حدث فيه بغرس أو عمارة أو غير ذلك.

__________________

(١) « عيون اخبار الرضا عليه‌السلام » ج ٢ ، ص ٤٥ ، ح ١٦٨ ، « وسائل الشيعة » ج ١٢ ، ص ٣٣٠ ، أبواب آداب التجارة ، باب ٤٠ ، ح ٣ ، « مستدرك الوسائل » ج ١٣ ، ص ٢٨٣ ، أبواب آداب التجارة ، باب ٣٣ ، ح ١ ، « سنن أبي داود » ج ٣ ، ص ٢٥٤ ، باب في بيع الغرر ، ح ٣٣٧٦ ، « سنن الترمذي » ج ٢ ، ص ٣٤٩ ، باب ١٧ ، ح ١٢٤٨ ، « كنز العمّال » ج ٤ ، ص ٧٤ ، ح ٩٥٨٥ و ٩٥٨٦.

٢١٢

أمّا الأوّل : فإن كان النقل بالبيع ، فللشفيع الأخذ عن أيّ واحد منهما ، أو أيّ واحد منهم إذا تعاقبت البيوع عليه ، وله أيضا فسخ البيع الثاني كي يرجع المال إلى البائع الأوّل فيأخذ بحقّه منه.

والوجه في ذلك هو أنّ حقّه أسبق من البيع الثاني والثالث وهكذا ، ومتأخّر عن الأوّل فقط ، لأنّه موضوعه ومتوقّف عليه ، فهذه البيوع كلّها وقع فيما له حقّ الأخذ ، فلزومها وعدم إمكان الأخذ من أيّ واحد منهم أو عدم جواز فسخه وحلّه ينافي حقّ الشفيع ، فهو مخيّر بين فسخها إلى أن يرجع إلى البائع الأوّل فيأخذ منه ، وبين أن يأخذ من أيّ واحد منهم ويستوفي حقّه من هذا المال مع إعطائه الثمن لمن يأخذ منه ، كما هو المنصوص.

وأمّا لو كان النقل بغير البيع ، فليس له الأخذ من المنقول إليه ، لما تقدّم أنّ الشفيع يتلقّى الملك من المشتري لا الموهوب له أو المصالح له أو من أعطى له جعلا أو أجرة دار أو عمله أو غير ذلك ، فإذا أراد الأخذ تعيّن عليه فسخ هذه النواقل كي يرجع المال إلى المشتري الأوّل فيأخذ منه. وأمّا قدرته على فسخ هذه المعاملات ، فلأنّ كلّها صدر عمّن ليس له التصرّف بنحو لا يكون قابلا للفسخ من طرف الشفيع لتنافيها مع الحقّ الموجود للشفيع.

وببيان آخر : للمشتري الأوّل ـ المالك ملكا طلقا ـ إيجاد هذه العناوين ، لأنّ الناس مسلّطون على أموالهم ، غاية الأمر للشفيع حقّ الفسخ لعدم ضياع حقّه. وهذا مقتضى الجمع بين الحقوق وحفظ الجميع.

وبعبارة أخرى : مقتضى لا ضرر هو أن يكون للشفيع حقّ الفسخ. وأمّا الأخذ بالشفعة من نفس الموهوب له وسائر هؤلاء فمخالف لما عليه الأصحاب والأدلّة من أنّ الشفيع يتلقّى الملك من نفس المشتري ، لا من البائع أو غيره.

نعم لا فرق في المشتري بين أن يكون هو المشتري الأوّل أو الثاني أو الثالث‌

٢١٣

وهكذا بصدق المشتري ـ لما تعلّق به هذا الحقّ ـ في الجميع ، وشمول قوله عليه‌السلام : « فإنّه أحقّ به بالثمن » (١) ، للجميع ، فلو ترامى على هذا المال المشاع العقود يكون الشفيع أحقّ به من كلّ مشتر في كلّ واحد من هذه العقود ، ولذلك يجوز له الأخذ من كلّ واحد منهم كما تقدّم.

هذا كلّه فيما إذا كان التصرّف فيه بالنقل ، وأمّا إذا كان التصرّف بإحداث شي‌ء فيه من غرس أو زرع أو عمارة أو غير ذلك ، وعلى كلّ واحد من التقادير حيث كان تصرّف المشتري في ملكه فكان تصرّفه بحقّ ولم يكن غاصبا وظالما ، فلما أحدث فيه ـ من عمارة أو غرس أو زرع ـ احترام لأنّ حرمة مال المسلم كحرمة دمه.

فيمكن أن يقال : بأنّ هذا من باب تزاحم الحقوق ، لأنّ الشفيع بعد الأخذ بالشفعة وصيرورة الأرض ملكا له حقّ تفريغ أرضه ، وصاحب الغرس مثلا أو الزرع والعمارة له حقّ حفظ ماله عن التلف أو عن ورود نقص وضرر عليه ، فيتزاحم حقّ كلّ واحد من صاحب الأرض وصاحب الغرس مع الآخر. ومقتضى الجمع بين الحقّين هو إمّا بقاء إشغال الأرض بإجارة لا مجّانا ، أو إزالة هذه الأمور لكن مع تدارك ضرر صاحبها من طرف مالك الأرض ، أو اشتراء الأرض من مالكها من طرف صاحب هذه الأمور ، أو اشتراء هذه الأمور من طرف مالك الأرض بالأخذ بالشفعة.

وليس إحداث هذه الأمور من طرف مالك الأرض قبل الأخذ بالشفعة الذي هو المشتري من قبيل الغصب كي يشمله قوله عليه‌السلام : « ليس لعرق ظالم حقّ » (٢) بل هو تصرّف المالك في ملكه بحقّ ، فلا يسقط احترامه بالأخذ بالشفعة في الأرض. نعم ليس لصاحب هذه الأمور إبقائها مجّانا وبلا عوض ، لأنّه إشغال مال الغير ولا يجوز إلاّ برضاه وطيب نفسه ، فيدور الأمر بين أحد ما ذكرناه.

__________________

(١) تقدّم ذكره في رواية الغنوي ص ١٩٩ ، رقم (٢).

(٢) « تهذيب الأحكام » ج ٦ ، ص ٢٩٤ ، ح ٨١٩ ، باب في الزيادات في القضايا ، ح ٢٦ ، « وسائل الشيعة » ج ١٧ ، ص ٣١١ ، أبواب الغصب ، باب ٣ ، ح ١.

٢١٤

فرع : في التنازع :

[ الفرع ] الأوّل : لو اختلفا في قدر الثمن فقال المشتري : اشتريته بألف ، وقال الشفيع : بخمسمائة مثلا. نسب إلى المشهور أنّ القول قول المشتري ، لأنّ الأصل عدم استحقاق الشفيع للمبيع بأقلّ ممّا يعيّن المشتري من كميّة الثمن.

وذلك من جهة أنّ استحقاق الشفيع للمبيع بنفس الثمن الواقعي ، لقوله عليه‌السلام « هو ـ أي الشفيع ـ أحقّ بالثمن » (١) فإذا شككنا في أنّ الثمن الواقعي ، أي الذي اشتراه المشتري به أيّ مقدار ، فهذا الشكّ يصير سببا للشكّ في استحقاق الشفيع وانتقال المال إليه بأقلّ ممّا يعترف به المشتري ، فالأصل عدم الانتقال وعدم الاستحقاق إلاّ بما يعترف به المشتري.

نعم على المشتري اليمين على نفى الأقلّ من ذلك المقدار على قواعد باب القضاء ، وقد تقدّم في الجزء الثالث من هذا الكتاب قاعدة « كلّ مدّع يسمع قوله فعليه اليمين » (٢).

وبعبارة أخرى : إنّ المشتري ينكر دعوى الشفيع انتقال المال إليه بأقلّ ممّا يعيّن المشتري من الثمن ، وقوله مطابق مع الأصل ، وهذا هو الميزان في باب تشخيص المدّعي والمنكر.

مضافا إلى انطباق الموازين الآخر المذكورة أيضا للمدّعي والمنكر على كون المدّعي في المقام هو الشفيع ، والمنكر هو المشتري. وقد ذكر كلّها في الجواهر (٣) في شرح قول المحقّق : « لأنّه الذي ينتزع الشي‌ء من يده » وشرح هذه الموازين ينجرّ إلى‌

__________________

(١) « الكافي » ج ٥ ، ص ٢٨١ ، باب الشفعة ، ح ٥ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ١٦٤ ، ح ٧٢٨ ، باب الشفعة ، ح ٥ ، « وسائل الشيعة » ج ١٧ ، ص ٣١٦ ، أبواب الشفعة ، باب ٢ ، ح ١.

(٢) « القواعد الفقهيّة » ج ٣ ، ص ١١١.

(٣) « جواهر الكلام » ج ٣٧ ، ص ٤٤٤.

٢١٥

بحث طويل محلّها كتاب القضاء.

الفرع الثاني : لو كانت لكلّ واحد منهما ـ أي الشفيع والمشتري ـ بيّنة على ما يدّعيه من المقدار‌ ، قال الشيخ : يتعارض البيّنتان ويتساقطان ، فيكون المرجع القرعة ، لأنّها لكلّ أمر مشتبه (١).

وفيه : بعد ما عرفت ما ذكرنا من أنّ الأصل يقتضي أن يكون الشفيع مدّعيا والمشتري منكرا ، وبعبارة أخرى : بعد تشخيص المدّعي والمنكر وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر » (٢) لا يبقى محلّ للتعارض ، لأنّ وظيفة كلّ واحد منهما غير وظيفة الآخر ، فالبيّنة في المقام وظيفة الشفيع ، ووظيفة المشتري ليس إلاّ اليمين ، لأنّ التفصيل قاطع للشركة ، فبيّنة المشتري لا أثر لها لأنّ بيّنته بيّنة الداخل فلا تعارض في البين ، بل إذا كان للشفيع بيّنة على ما يدّعيه من مقدار الثمن يكون القول قوله ولا يمين عليه.

الفرع الثالث : لو ادّعى كلّ واحد من الشريكين الشفعة على الآخر‌ ، بمعنى أنّه يدّعي سبق شرائه على الآخر بعد فرض أنّه ليس غيرهما شريك آخر في هذا المال ، فبناء على هذا يكون للمشتري السابق حقّ الأخذ بالشفعة على اللاحق وأخذ شقصه منه ، فيكون مالكا للتمام.

فقال المحقّق (٣) في هذا المقام : الحكم هو التحالف ، لأنّ كلّ واحد منهما مدّع لسبق شرائه ، ومنكر لما يدّعيه الآخر من سبق شرائه ، فيكون الحكم حلف كلّ واحد منهما على نفي ما يدّعيه الآخر إن لم تكن بيّنة لذلك الآخر ، وأمّا إن كانت له بيّنة فيثبت‌

__________________

(١) « المبسوط » ج ٣ ، ص ١٢٩.

(٢) « عوالي اللئالي » ج ١ ، ص ٢٤٤ ، ح ١٧٢ ، وج ٣ ، ص ٥٢٣ ، ح ٢٢ ، « مستدرك الوسائل » ج ١٧ ، ص ٣٦٨ ، أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى ، باب ٣ ، ص ٤. وفي « وسائل الشيعة » ج ١٨ ، ص ١٧٠ ، أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ، باب ٣ مع تفاوت يسير.

(٣) « شرائع الإسلام » ج ٣ ، ص ٢٦٨.

٢١٦

دعواه بالبيّنة ، وحينئذ إذا كان للآخر أيضا بيّنة فيكون من تعارض البيّنتين ، ويتساقطان إن لم يكن مرجّح في البين ، فتصل النوبة إلى التحالف وسقوط الدعويين بعد أن حلفا.

الفرع الرابع : لو ادّعى الشفيع على شريكه بانتقال حصّته إليه بالبيع عن شريكه السابق‌ بعد كون الشفيع مالكا للشقص الآخر كي يكون له الأخذ بالشفعة ، وأنكر الشريك ذلك وادّعى انتقاله إليه بسبب آخر غير البيع من إرث أو بعقد آخر غير البيع ، كي لا يكون للشفيع حقّ الشفعة بناء على ما تقدّم من اختصاص حقّ الأخذ بالشفعة بالبيع ، فالقول قول الشريك المنكر انتقاله إليه بالبيع ، لأنّ الأثر مترتب على نفس عدم انتقاله بالبيع ولا يحتاج إلى إثبات انتقاله بالإرث أو بعقد الفلاني الذي هو غير البيع كي يقع التعارض بين الأصول النافية ، فيكون الشفيع مدّعيا والشريك منكرا ، ووظيفة كلّ واحد منهما معلومة على قواعد باب القضاء.

الفرع الخامس : لو صالح الشفيع مع المشتري على سقوط حقّه بعوض كذا‌ ، فلا شكّ في صحّة هذا الصلح وسقوط هذا الحقّ.

ففي مرسلة الصدوق قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « البيّنة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه. والصلح جائز بين المسلمين إلاّ صلحا أحلّ حراما أو حرّم حلالا » (١).

وقوله تعالى في كتابه الكريم ( وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ) (٢) ولا شكّ في أنّ الصلح على سقوط حقّ الشفعة ليس ممّا أحلّ حراما أو حرّم حلالا ، ولا شكّ في أنّ كلّ حقّ قابل للإسقاط ، ولم يجعل الشارع لإسقاط حقّ الشفعة أسبابا خاصّة ، فإذا صالح على إسقاطه يسقط.

الفرع السادس : من حيل ترك الشفيع لهذا الحقّ وعدم أخذه ، هو إيقاع البيع‌

__________________

(١) « الفقيه » ج ٣ ، ص ٣٢ ، باب الصلح ، ح ٣٢٦٧ ، « وسائل الشيعة » ج ١٨ ، ص ١٧١ ، أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ، باب ٣ ، ح ٥.

(٢) النساء (٤) : ١٢٧.

٢١٧

بأزيد من قيمة مال المشاع الذي للبائع بكثير ، وشرط في متن عقد البيع أن يبذل البائع شيئا من مال للمشتري مجّانا وبدون أن يكون بإزائه شي‌ء ، وحيث أنّه على الشفيع إعطاء تمام الثمن في مقام الأخذ فيصرفه كثرة الثمن عن الأخذ.

والحمد لله أوّلاً وآخراً ، وظاهراً وباطناً.

٢١٨

٥٩ ـ قاعدة

الوصيّة حقّ

على كلّ مسلم‌

٢١٩
٢٢٠