القواعد الفقهيّة - ج ٦

آية الله السيّد محمّد حسن البجنوردي

القواعد الفقهيّة - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد حسن البجنوردي


المحقق: مهدي المهريزي
الموضوع : الفقه
الناشر: نشر الهادي
المطبعة: مؤسسة الهادي
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-400-030-7

الصفحات: ٤٣١

ينقله إلى نفسه ، والأصل عدمه ، فإذا شكّ في أنّه هل للشفيع مثل هذا الحقّ في المال المشترك الذي ليس قابلا للقسمة ، فمقتضى الأصل عدمه.

وفيه : أنّه لا مجال لجريان هذا الأصل مع إطلاقات أدلّة الشفعة ـ كما تقدّم ـ في ما رواه يونس ، عن بعض رجاله ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال : « الشفعة جائزة في كلّ شي‌ء ، من حيوان أو أرض أو متاع » الحديث. وإطلاقات آخر قريب بهذا المضمون من طرق العامّة والخاصّة. وقد تقدم بعضها في بيان مدرك هذه القاعدة من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما رواه الجمهور عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الشفعة في كلّ شي‌ء ».

وخلاصة الكلام : أنّه مع وجود هذه العمومات والإطلاقات ، لا يبقى مجال للاستدلال بأصالة عدم ثبوت هذا الحقّ.

وأمّا التمسّك لهذا الشرط برواية السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا شفعة في سفينة ، ولا في نهر ، ولا في طريق ـ وزاد الصدوق : ـ ولا في رحى ، ولا في حمام » (١). وببعض الروايات الأخر في نفي الشفعة (٢).

ففيه : مضافا إلى معارضتها في الحيوان ـ بوجود رواية بثبوتها فيه وفي النهر والطريق ، أيضا لم يأخذ بها جمع كثير وقالوا بثبوتها فيهما ، خصوصا فيما إذا كانا قابلين للقسمة. ومع إمكان التقسيم في بعض المذكورات ـ أنّه لا يصحّ إثبات شرطيّة قابليّة المال المشترك للتقسيم لثبوت الشفعة بنفي الشفعة في بعض مصاديق ما ليس بقابل للتقسيم ، لأنّه يكون من إثبات حكم كلّى ، لعنوان عامّ بثبوته في بعض مصاديقه ، وهذا من أردء أقسام الاستدلال بالاستقراء ، لأنّه ثبت في محلّه عدم حجيّة استقراء التامّ فضلا عن مثل هذا الاستقراء الناقص.

__________________

(١) « الكافي » ج ٥ ، ص ٢٨٢ ، باب الشفعة ، ح ١١ ، « الفقيه » ج ٣ ، ص ٧٨ ، باب الشفعة ، ح ٣٣٧٤ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ١٦٦ ، ح ٧٣٨ ، باب الشفعة ، ح ١٥ ، « الاستبصار » ج ٣ ، ص ١١٨ ، ح ٤٢٠ ، باب العدد الذين تثبت بينهم الشفعة ، ح ٩ ، « وسائل الشيعة » ج ١٧ ، ص ٣٢٢ ، أبواب الشفعة ، باب ٨ ، ح ١.

(٢) « وسائل الشيعة » ج ١٧ ، ص ٣٢٢ ، أبواب الشفعة ، باب ٨.

١٨١

وما ذكره في جامع المقاصد (١) من عدم القول بالفصل لا يفيد في تخصيص العمومات وتقييد المطلقات ، كما هو ظاهر.

وأمّا ما ذكره بعض من التعدّي من نفيها في هذه المذكورات إلى نفيها عن جميع ما هو ليس بقابل للقسمة.

ففيه : أنّه لا بدّ وأن يكون هذا التعدّي لوحدة المناط والملاك في الجميع ، وأنّى للمدّعي بإثبات ذلك. فهذا التعدّي عن المذكورات في الرواية إلى غيرها ممّا يماثلها في عدم قابليّتها للقسمة تعدّ عن الحقّ.

فظهر أنّه لا دليل على هذا الشرط.

ثمَّ إنّه قلنا إنّ في الحيوان روايتان متعارضتان ، جواز الشفعة في إحديهما وعدمها في الأخرى ، فيتساقطان ولا يمكن تخصيص العمومات والإطلاقات به. وكذلك في سائر ما ورد الجواز والنفي فيه كما أنّه ورد في الطريق ذلك النفي والإثبات (٢).

هذا ، مضافا إلى ما ورد (٣) من جواز الشفعة في العبد المملوك إذا بيع الذي هو مساو من هذه الجهة مع سائر الحيوانات ، أي عدم كونه قابلا للقسمة ، مضافا إلى أنّه مقتضى الجمع العرفي بين الروايتين ـ في الحيوان المثبت والنافي فيه ـ حمل النافي على الكراهة في إعمال هذا الحقّ فيه ، فيرتفع التعارض من البين. وبعد هذا الحمل لا يبقى مجال لتخصيص العمومات به.

وممّا قيل باشتراطه في ثبوت الشفعة أن لا يكون المال المشاع من المنقولات وإن كان قابلا للقسمة‌ ، كما لو كان مثلا صندوقا من الشاي مشتركا بين اثنين ، فباع‌

__________________

(١) « جامع المقاصد » ج ٦ ، ص ٣٤٤.

(٢) « وسائل الشيعة » ج ١٧ ، ص ٣٢٢ ، أبواب الشفعة ، باب ٨.

(٣) « وسائل الشيعة » ج ١٧ ، ص ٣٢٠ ، أبواب الشفعة ، باب ٧.

١٨٢

أحدهما حصّته من شخص آخر غير شريكه ، فلا شفعة لشريكه على المشتري ، لأنّه من المنقول وإن كان قابلا للقسمة.

ولو كان هذا الشرط صحيحا يضيّق دائرة الشفعة في كثير من الأمتعة وأثاث البيت ، فإنّ كثيرا منها من المنقول.

وعلى كلّ قال جماعة من القدماء كالشيخين في المقنعة (١) ، والنهاية (٢) ، والصدوقين (٣) ، والمرتضى (٤) ، بعدم الاشتراط وثبوت الشفعة في المنقول وغير المنقول.

ومستندهم في ذلك العمومات والإطلاقات الواردة في المقام أنّها جائزة في كلّ شي‌ء من أرض أو حيوان أو متاع ، ولا دليل يخصّص هذه العمومات أو يقيّد هذه الإطلاقات.

ولا نسمع دعوى ضعف السند في العمومات وأنّه ليس هناك رواية تدلّ على أنّها في كلّ شي‌ء إلاّ رواية يونس ، وهي مرسلة ولا يصحّ بها إثبات حكم مخالف للأصول ، لأنّ مقتضى الأصل عدم ثبوت حقّ الغير على مال المالك والانتزاع منه قهرا ، لأنّ الشفعة في الحقيقة غصب جائز من قبل الشارع ، فهي خلاف الأصل. وقد قال صاحب الجواهر في أوّل كتاب الشفعة أنّ المصنف وسائر الفقهاء ذكروا الشفعة متّصلا بكتاب الغصب تنبيها على أنّها كالمستثنى من حرمة أخذ مال الغير قهرا للسنّة المتواترة (٥) وعلى كلّ حال لا شكّ في أنّها خلاف الأصل.

والجواب عن جميع ما ذكر : هو أنّه أوّلا ليست العمومات والإطلاقات منحصرة برواية يونس المرسلة ، بل رواها الجمهور أيضا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وثانيا يونس‌

__________________

(١) « المقنعة » ص ٦١٨.

(٢) « النهاية » ص ٤٢٣.

(٣) « المقنع » ص ١٣٥ ، « الفقهية » وحكاه عن والد الصدوق في « مختلف الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٤٨.

(٤) « الانتصار » ص ٢١٥.

(٥) « جواهر الكلام » ج ٣٧ ، ص ٢٣٧.

١٨٣

وثّقوه ، ومثل هذا الشخص لا ينقل ولا يروي إلاّ عن الثقات ، خصوصا إذا كانت الواسطة بينه وبين الإمام عليه‌السلام بعض رجاله بإضافة الرجال إلى نفسه.

وعلى كلّ حال عمل القدماء وشيوخ الطائفة كالشيخين والصدوقين والمرتضى ـ قدّس الله أسرارهم ـ ممّا يوجب الوثوق بل الاطمئنان بصحّة الرواية.

وأمّا قضيّة أنّ الشفعة خلاف الأصل وإن كانت صحيحة ، لكنّها محكومة بالعمومات والإطلاقات ، فلا يبقى مجال لجريانه معها.

ثمَّ إنّهم ذكروا هاهنا فروعا كثيرة ، وبحثوا فيها عن ثبوت حقّ الشفعة فيها أم لا ، كالدولاب والناعورة إذا بيعت مع الأرض التي هي فيها. وأمّا لو بيعت منفردة فلا كلام عندهم في عدم ثبوت الشفعة فيها ، لأنّها من المنقولات.

قال في الشرائع : أمّا الشجر والنخل والأبنية فتثبت فيه الشفعة تبعا للأرض. ولو أفرد بالبيع نزل على القولين (١) ، أي جواز البيع في المنقول وعدم جوازه.

ولكن قد عرفت أنّ هذه الأبحاث لا وجه لها بعد ما بيّنّا من ثبوت الشفعة في المنقول وغير المنقول ، وما يقبل القسمة وما لا يقبل.

وممّا وقع البحث والكلام فيه اشتراط ثبوت حقّ الشفعة لأحد الشريكين‌ بأن يكون انتقال حصّة الآخر إلى غيره بالبيع ، فلو وهب الشريك حصّته لشخص ، أو صالحها مع شخص ، أو جعلها مهرا أو عوض الخلع ، أو بغير ذلك من النواقل الشرعيّة غير البيع ، فلا شفعة لشريكه.

والدليل على هذا الشرط هو الإجماع أوّلا. ولا ينافيه مخالفة ابن الجنيد (٢). وقال في المبسوط (٣) في وجه اشتراط ثبوت الشفعة بهذا الشرط : إنّ عليه إجماع الطائفة‌

__________________

(١) « شرائع الإسلام » ج ٣ ، ص ٢٥٣.

(٢) حكاه عنه في « مختلف الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٥٩.

(٣) « المبسوط » ج ٣ ، ص ١١١.

١٨٤

وأخبارهم. وقال بعدم ثبوته في الصداق لأجل ذلك.

وذكر في الجواهر (١) قول الصادق عليه‌السلام : « الشفعة في البيوع » (٢) فتدلّ هذه الرواية على انحصار ثبوت الشفعة في البيوع ، بناء على صحّة قاعدتهم المقررة من أنّ المبتدأ المعرّف بالألف واللام محصور في الخبر ، كقولهم : الكرم في العرب ، والحكمة في اليونان. فمفهوم الحصر في هذه الرواية يدلّ على عدم ثبوت الشفعة في غير البيع.

وكذلك تدلّ صحيحة أبي بصير ، عن الصادق عليه‌السلام أيضا في خصوص الصداق سألته عن رجل تزوّج امرأة على بيت في دار ، وله في تلك الدار شركاء؟ قال : « جائز له ولها ، ولا شفعة لأحد من الشركاء عليها » (٣).

ولكن يمكن أن يكون نفي الشفعة هاهنا من جهة تعدّد الشركاء ، لا من جهة عدم كونها في البيع بل الانتقال في الصداق.

وكذلك يمكن التمسّك لاشتراط كون الانتقال من الشريك بالبيع لا بالنواقل الآخر بما قاله عليه‌السلام في رواية يونس المتقدّمة « فباع أحدهما نصيبه فشريكه أحقّ به من غيره » فرتّب عليه‌السلام أحقّية الشريك على بيع شريكه ، فيدلّ على أنّ أحقّية الشريك في صورة كون الانتقال بالبيع ، لا بناقل آخر.

ولكن أنت خبير بأنّ ذكر البيع من باب أحد النواقل ، واختصاص الذكر به لأنّه هو الغالب في النواقل عند أهل العرف. واحتمال هذا المعنى يكفي في عدم ظهوره في اختصاص كون الناقل هو البيع في ثبوت هذا الحقّ.

فالعمدة في إثبات هذا الشرط هو الإجماع وقوله عليه‌السلام : « الشفعة في البيوع ».

__________________

(١) « جواهر الكلام » ج ٣٧ ، ص ٢٢٦.

(٢) « الكافي » ج ٥ ، ص ٢٨١ ، باب الشفعة ، ح ٥ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ١٦٤ ، ح ٧٢٨ ، باب الشفعة ، ح ٥ ، « وسائل الشيعة » ج ١٧ ، ص ٣١٦ ، أبواب الشفعة ، باب ٢ ، ح ١.

(٣) « الفقيه » ج ٣ ، ص ٨٣ ، باب الشفعة ، ح ٣٣٨٠ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ١٦٧ ، ح ٧٤٢ ، باب الشفعة ، ح ١٩ ، « وسائل الشيعة » ج ١٧ ، ص ٣٢٥ ، أبواب الشفعة ، باب ١١ ، ح ٢.

١٨٥

ومن شرائط ثبوت هذا الحقّ للشريك : أن يكون المبيع مشاعا مع الشفيع حال البيع.

والوجه في هذا الشرط واضح للروايات المتقدّمة في أنّه « لا شفعة إلاّ للشريكين ما لم يتقاسما » (١).

وفي رواية أخرى : « لا شفعة إلاّ لشريك غير مقاسم » (٢).

وفي رواية أخرى : « الشفعة لكلّ شريك لم يقاسم » (٣).

وفي رواية أخرى وهي رواية أبي العبّاس ورواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، جميعا قالا : سمعنا أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « الشفعة لا تكون إلاّ لشريك لم يقاسم » (٤). فهذه الروايات تدل دلالة واضحة على أنّ ثبوت حقّ الشفعة مشروط بأن يكون المبيع مشاعا مع الشفيع حال البيع.

نعم وردت روايات في ثبوت هذا الحقّ وإن لم يكن المبيع مشاعا مع الشفيع ، وكان بعد القسمة إذا بقيت الشركة في الطريق إلى المبيع وبيع معه فكانت الشركة والإشاعة باقية في بعض المبيع وهو الطريق إليه.

منها : رواية منصور بن حازم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : عن دار فيها دور وطريقهم واحد في عرصة الدار ، فباع بعضهم منزله من رجل ، هل لشركائه في الطريق‌

__________________

(١) « الكافي » ج ٥ ، ص ٢٨١ ، باب الشفعة ، ح ٧ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ١٦٤ ، ح ٧٢٩ ، باب الشفعة ، ح ٦ ، « وسائل الشيعة » ج ١٧ ، ص ٣١٦ ، أبواب الشفعة ، باب ٣ ، ح ١.

(٢) « الكافي » ج ٥ ، ص ٢٨١ ، باب الشفعة ، ح ٦ ، « الفقيه » ج ٣ ، ص ٧٨ ، باب الشفعة ، ح ٣٣٧٢ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ١٦٦ ، ح ٧٣٧ ، باب الشفعة ، ح ١٤ ، « وسائل الشيعة » ج ١٧ ، ص ٣١٦ ، أبواب الشفعة ، باب ١ ، ح ٢.

(٣) « الكافي » ج ٥ ، ص ٢٨٠ ، باب الشفعة ، ح ١ ، « وسائل الشيعة » ج ١٧ ، ص ٣١٧ ، أبواب الشفعة ، باب ٣ ، ح ٣.

(٤) « الكافي » ج ٥ ، ص ٢٨٢ ، باب الشفعة ، ح ١٠ ، « وسائل الشيعة » ج ١٧ ، ص ٣١٧ ، أبواب الشفعة ، باب ٣ ، ح ٦.

١٨٦

أن يأخذوا بالشفعة؟ فقال عليه‌السلام : « إن كان باع الدار وحول بابها إلى طريق غير ذلك فلا شفعة لهم ، وإن باع الطريق مع الدار فلهم الشفعة » (١).

منها : أيضا ما رواه منصور بن حازم قال : قلنا لأبي عبد الله عليه‌السلام : دار بين قوم اقتسموها ، فأخذ كلّ واحد منهم قطعة وبناها ، وتركوا بينهم ساحة فيها ممرّهم ، فجاء رجل فاشترى نصيب بعضهم إله ذلك؟ قال : « نعم ولكن يسدّ بابه ويفتح بابا إلى الطريق أو ينزل من فوق البيت ويسدّ بابه فإن أراد صاحب الطريق بيعه فإنّهم أحقّ به ، وإلاّ فهو طريقه يجي‌ء حتّى يجلس ذلك الباب » (٢).

ولكن ظاهر هاتين الروايتين ثبوت حقّ الشفعة مع تعدّد الشركاء ، وسيأتي أنّه لا يثبت إلاّ مع وحدة الشريك ، ولذا حمله الشيخ (٣) في رواية الكاهلي التي هي مثل رواية منصور بن حازم ـ إلاّ أنّه قال : « أو ينزل من فوق البيت ، فإن أراد شريكهم أن يبيع منقل قدميه فهم أحقّ به ، وإن أراد يجي‌ء حتّى يقعد على الباب المسدود الذي باعه لم يكن لهم يمنعوه » (٤) ـ على التقيّة ، لأنّهم يقولون بثبوت حقّ الشفعة حتّى مع تعدّد الشركاء وهو حمل حسن.

ثمَّ إنّ مورد هذه الروايات هي الشركة في خصوص طريق الدار ، ولكنّ الأصحاب ـ قدّس الله أسرارهم ـ أسرّوا لحكم من الاشتراك في الطريق إلى الاشتراك في النهر أو الساقية ، ومن الدار إلى البستان والأراضي ، مع أنّ هذا الحقّ مخالف ـ كما تقدّم‌

__________________

(١) « الكافي » ج ٥ ، ص ٢٨٠ ، باب الشفعة ، ح ٢ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ١٦٥ ، ح ٧٣١ ، باب الشفعة ، ح ٨ ، « الاستبصار » ج ٣ ، ص ١١٧ ، ح ٤١٧ ، باب العدد الذين تثبت بينهم. ، ح ٦ ، « وسائل الشيعة » ج ١٧ ، ص ٣١٨ ، أبواب الشفعة ، باب ٤ ، ح ١.

(٢) « الكافي » ج ٥ ، ص ٢٨١ ، باب الشفعة ، ح ٩ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ١٦٥ ، ح ٧٣٢ ، باب الشفعة ، ح ٩ ، « الاستبصار » ج ٣ ، ص ١١٧ ، ح ٤١٨ ، باب العدد الذين تثبت بينهم. ، ح ٧ ، « وسائل الشيعة » ج ١٧ ، ص ٣١٨ ، أبواب الشفعة ، باب ٤ ، ح ٢.

(٣) « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ١٦٧ ، ح ٧٤٣ ، باب الشفعة ، ح ٢٠ ، « الاستبصار » ج ٣ ، ص ١١٧ ، ح ٤١٨ ، « وسائل الشيعة » ج ١٧ ، ص ٣١٩ ، أبواب الشفعة ، باب ٤ ، ح ٣.

(٤) « الاستبصار » ج ٣ ، ص ١١٧ ، ذيل ح ٤١٨.

١٨٧

ـ للأصول ، فيحتاج ثبوته في كلّ مورد إلى الدليل خصوصا ، أو شمول العمومات والإطلاقات له.

ففيما نحن فيه إن كان إجماع بثبوته حتّى مع الاشتراك في النهر أو الساقية وحتّى في البساتين والأراضي فهو ، وإلاّ تسرية الحكم من الطريق إلى النهر والساقية ، ومن الدور إلى البساتين والأراضي ، يكون من القياس الباطل.

ومن شرائط ثبوت هذا الحقّ وحدة الشريك‌ ، بمعنى أن لا يكون الشركاء أزيد من الاثنين ، فإذا باع أحدهما فللآخر أن يأخذ المبيع بنفس الثمن الذي بيع به بحقّ الشفعة.

والظاهر أنّ هذا الشرط ممّا انفردت به الإماميّة الاثنى عشريّة ، وأمّا باقي الفقهاء خالفوا في ذلك وقالوا بثبوته حتّى مع تعدّد الشركاء.

قال السيّد المرتضى قدس‌سره في الانتصار : وممّا انفردت به الإماميّة القول بأنّ الشفعة تجب إذا كانت الشركة بين اثنين ، وإذا زاد العدد على الاثنين فلا شفعة. وخالف باقي الفقهاء في ذلك وأوجبوا الشفعة بين الشركاء قلّ أو كثر عددهم (١).

فالدليل على هذا الشرط ومدركه هي الأخبار الكثيرة المستفيضة التي تدلّ على اشتراط ثبوت هذا الحقّ بأن تكون الشركة بين اثنين :

منها : رواية عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا تكون الشفعة إلاّ لشريكين ما لم يقاسما ، فإذا صاروا ثلاثة فليس لواحد منهم شفعة » (٢).

ومنها : رواية يونس عن بعض رجاله ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن‌

__________________

(١) « الانتصار » ، ص ٢١٦.

(٢) « الكافي » ج ٥ ، ص ٢٨١ ، باب الشفعة ، ح ٧ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ١٦٤ ، ح ٧٢٩ ، باب الشفعة ، ح ٦ ، « الاستبصار » ج ٣ ، ص ١١٦ ، ح ٤١٢ ، باب العدد الذين تثبت بينهم الشفعة. ، ح ١ ، « وسائل الشيعة » ج ١٧ ، ص ٣٢٠ ، أبواب الشفعة ، باب ٧ ، ح ١.

١٨٨

الشفعة لمن هي ، وفي أيّ شي‌ء هي ، ولمن تصلح ، وهل تكون في الحيوان شفعة وكيف هي؟ فقال عليه‌السلام : « الشفعة جائزة في كلّ شي‌ء من حيوان أو أرض أو متاع إذا كان الشي‌ء بين شريكين لا غيرهما ، فباع أحدهما نصيبه ، فشريكه أحقّ به من غيره. وإن زاد على الاثنين فلا شفعة لأحد منهم » (١).

ومنها : رواية الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال في المملوك يكون بين شركاء ، فيبيع أحدهم نصيبه فيقول صاحبه : أنا أحقّ به ، إله ذلك؟ قال : « نعم إذا كان واحدا » قيل له : في الحيوان شفعة؟ قال : « لا » (٢).

ومنها : رواية صفوان ، عن عبد الله بن سنان قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « المملوك يكون بين شركاء فباع أحدهم نصيبه ، فقال أحدهم : أنا أحقّ به ، إله ذلك؟ قال : « نعم إذا كان واحدا » (٣).

ومنها : رواية عبد الله بن سنان أنّه سأله عن مملوك بين شركاء أراد أحدهم بيع نصيبه ، قال : « يبيعه ». قلت : فإنّهما كانا اثنين فأراد أحدهما بيع نصيبه ، فلمّا أقدم على البيع قال له شريكه : أعطني؟ قال : « هو أحقّ به ». ثمَّ قال عليه‌السلام : « لا شفعة في الحيوان إلاّ أن يكون الشريك فيه رقبة واحدة » (٤).

وهذه الأخبار صريحة في عدم ثبوت حقّ الشفعة للشركاء إذا كانوا أزيد‌

__________________

(١) « الكافي » ج ٥ ، ص ٢٨١ ، باب الشفعة ، ح ٨ ، « الفقهية » ج ٣ ، ص ٧٩ ، باب الشفعة ، ح ٣٣٧٧ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ١٦٤ ، ح ٧٣٠ ، باب الشفعة ، ح ٧ ، « الاستبصار » ج ٣ ، ص ١١٦ ، ح ٤١٣ ، باب العدد الذين تثبت بينهم الشفعة. ، ح ٢ ، « وسائل الشيعة » ج ١٧ ، ص ٣٢١ ، أبواب الشفعة ، باب ٧ ، ح ٣.

(٢) « الكافي » ج ٥ ، ص ٢١٠ ، باب الشراء الرقيق ، ح ٥ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ١٦٦ ، ح ٧٣٥ ، باب الشفعة ، ح ١٢ ، « الاستبصار » ج ٣ ، ص ١١٦ ، ح ٤١٥ ، باب العدد الذين تثبت بينهم الشفعة. ، ح ٤ ، « وسائل الشيعة » ج ١٧ ، ص ٣٢١ ، أبواب الشفعة ، باب ٧ ، ح ٣.

(٣) « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ١٦٥ ، ح ٧٣٤ ، باب الشفعة ، ح ١١ ، « وسائل الشيعة » ج ١٧ ، ص ٣٢١ ، أبواب الشفعة ، باب ٧ ، ح ٤.

(٤) « الفقيه » ج ٣ ، ص ٨٠ ، باب الشفعة ، ح ٣٣٧٨ ، « وسائل الشيعة » ج ١٧ ، ص ٣٢٢ ، أبواب الشفعة ، باب ٧ ، ح ٧.

١٨٩

من الاثنين.

واستدلّ بعضهم على اشتراط ثبوت هذا الحقّ بأن لا يكون الشركاء أزيد من الاثنين بالإجماع.

وأنت خبير بأنّه مع وجود هذه الأخبار الصحيحة الصريحة ، لا يبقى مجال للتمسّك بالإجماع ، ولا حجّية لمثل هذا الإجماع.

ومن شروط ثبوت هذا الحقّ مطالبة الشفيع به فورا‌ ، لما روى عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « الشفعة لمن واثبها ». (١) أي : طفر وانقضّ عليها ، ولا شكّ في أنّ الوثوب إلى الشي‌ء يستفاد منه التعجيل أكثر من الإسراع إليه ، فهذه عبارة أخرى عن الطلب والأخذ به فورا. ومفهوم هذا الكلام عدمها لمن لا يثبت إليها.

ولأنّ الشفعة خلاف الأصل ، لأنّها عبارة عن السلطنة على مال الغير ، والقدر المتيقّن ممّا دلّ الدليل على ثبوته هي المطالبة على الفور. وأمّا إذا تأخّر الأخذ والطلب فثبوته خلاف الأصل ، فيحتاج إلى دليل يدلّ على التراخي مفقود في المقام.

بل يستفاد من رواية عليّ بن مهزيار قال : سألت أبا جعفر الثاني عليه‌السلام عن رجل طلب شفعة أرض ، فذهب على أن يحضر المال فلم ينضّ ، فكيف يصنع صاحب الأرض إن أراد بيعها ، أيبيعها أو ينتظر مجي‌ء شريكه صاحب الشفعة؟ قال : « إن كان معه بالمصر فلينتظر به ثلاثة أيّام ، فإن أتاه بالمال ، وإلاّ فليبع وبطلت شفعته في الأرض. وإن طلب الأجل إلى أن يحمل المال من بلد إلى آخر ، فلينتظر به مقدار ما يسافر الرجل إلى تلك البلدة وينصرف وزيادة ثلاثة أيّام إذا قدم ، فإن وافاه وإلاّ فلا شفعة له » (٢).

__________________

(١) « نيل الأوطار » ج ٦ ، ص ٨٧ ، فائدة من الأحاديث الواردة في الشفعة.

(٢) « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ١٦٧ ، ح ٧٣٩ ، باب الشفعة ، ح ١٦ ، « وسائل الشيعة » ج ١٧ ، ص ٣٢٤ ، أبواب الشفعة ، باب ١٠ ، ح ١.

١٩٠

فإنّه عليه‌السلام حكم ببطلان الشفعة بعد مضيّ ثلاثة أيّام أخّرها للعذر ، فلو كان حقّ الشفعة لا على الفور لما كان يبطل بالتأخير أزيد من مقدار الفور عذرا.

وقد روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا : « الشفعة كحلّ العقال » (١). وإن صحّ الخبر دلّ على جواز التراخي بكناية لطيفة ، وهي أنّه كما أنّ حلّ العقال ملزوم وسبب عادي للحركة بعد ما لم يكن قادرا عليها ، كذلك الشفيع لو لم تكن الشفعة لم يكن قادرا في عالم التشريع على التصرّف في حصّة شريكه ، والشفعة صارت سببا لقدرته على ذلك فورا عرفيا ، فيستظهر منه عدم جواز تأخير إعمال هذا الحقّ ، بل يجب الأخذ به من غير تراخ زائدا على المتعارف في المشي إلى حاجاته المتعارفة.

نعم لا يجب عليه رفع اليد عن جميع حوائجه والاشتغال بأخذ المشاع من المشتري والتصرّف فيه ، كلّ ذلك لأجل حجّية ظواهر الكلام والفهم العرفي منه ، الذي هو المناط عند العقلاء في تشخيص مراد المتكلّم من كلامه.

فبعض التفاصيل في الكتب الفقهيّة المفصّلة من عدم لزوم الفوريّة الدقيّة لا يحتاج إليه ، بل يحال إلى العرف. كما أنّ الأمر كذلك في جميع موارد اعتبار الفوريّة ، مثلا إن قلنا بأنّ خيار الغبن فوريّ ، ففوريّة إعماله يكون بنظر العرف وما يفهمون منه ، لا بالدقّة العقليّة.

ثمَّ إنّه بناء على الفوريّة ، فهل يعتبر في صدق الأخذ حضور الشفيع عند المشتري ومواجهته وإخباره عن تملّكه ما اشتراه من شريكه ، بل ومضافا إلى هذا إعطاء الثمن له ، أم يكفي إنشاء التملك عند نفسه ، غاية الأمر للإثبات يشهد عدلين على أنّه تملّك ، وإلاّ لو صدّقه المشتري في أنّه تملّك عند نفسه لا يحتاج إلى أيّ شي‌ء؟

__________________

(١) « سنن البيهقي » ج ٦ ، ص ١٠٨ ، كتاب الشفعة ، باب رواية ألفاظ منكرة. ، « سنن ابن ماجه » ج ٢ ، ص ٨٣٥ ، باب طلب الشفعة ، ح ٢٥٠٠ ، « كنز العمال » ج ٧ ، ص ٤ ، كتاب الشفعة ، ح ٦ ١٧٦٨.

١٩١

الظاهر أنّ الأخذ في عالم الثبوت عبارة عن نفس إنشاء التملّك قولا أو فعلا ، نعم لا بد وأن يكون بنحو لا يوجب ضررا على المشتري ، فيجب إخباره فورا كي لا يحدث في المشاع الذي اشتراه ما يوجب ضرره لو أخذ بالشفعة ، من بناء أو زرع أو غرس أو غير ذلك.

ومن جملة شرائط ثبوت الشفعة أن يكون الشفيع قادرا على أداء الثمن الذي أعطاه المشترى‌ لصاحب الشقص المبيع. والوجه فيه واضح ، لأنّه مضافا إلى الإجماع لو لم يكن قادرا على أداء الثمن يلزم تضرّر المشتري والشفعة شرّعت لدفع الضرر عن الشفيع ، فكيف يمكن أن يكون سببا لضرر شخص آخر ، وهل هذا إلاّ من الكرّ إلى ما فرّ منه.

ثمَّ إنّ المراد من القدرة وعدم العجز عن أداء الثمن عند الأخذ بالشفعة ليس هي القدرة الفعليّة وبدون تأخير في البين أصلا ، بحيث يكون الشفيع في نفس زمان الأخذ كان الثمن حاضرا عنده في المجلس ، لأنّه لو كان المراد هذا يلزم بطلان هذا الحقّ في كثير من الموارد لعدم قدرة أغلب من يأخذ بحقّ الشفعة بمثل ذلك ، ويكون الثمن حاضرا أو في كيسه موجودا.

هذا ، مضافا إلى رواية عليّ بن مهزيار المتقدّمة (١) التي كان فيها إمهال ثلاثة أيّام إن كان في المصر الذي يكون المشتري فيه ، وإمهال مدّة المسافرة ذهابا وإيابا لو ادّعى وجوده في بلد آخر ، وإمهال ثلاثة أيّام فوق مدّة المسافرة أيضا.

فالظاهر من هذه الرواية أنّ المعتبر هي القدرة العرفيّة التي لا تنافي العجز الفعلي ، فالتي تكون شرطا هي القدرة في الجملة وعدم العجز المطلق ، لا عدم العجز مطلقا.

وقد يقال : إنّ من جملة شرائط ثبوت هذا الحقّ أن لا يكون الشفيع ما بيده‌

__________________

(١) تقدّمت في ص ١٩٠ ، رقم (٢).

١٩٢

وحصّته وقفا ، فلو باع صاحب الشقص المطلق ليس بصاحب الوقف المالك له ـ أي الموقوف عليه ـ الأخذ بالشفعة ، وذلك لانصراف أدلّة الشفعة عن مثل هذا الملك وإن قلنا بملكيّة الوقف للموقوف عليه فإنّ ظاهرها كون ملك الشفيعين على نهج واحد ، لا أن يكون أحدهما ملكا طلقا يجوز لمالكه جميع التصرّفات الناقلة وغيرها ، والآخر ممنوع عن تلك التصرّفات.

وادّعى الشيخ قدس‌سره (١) نفي الخلاف عن عدم جواز الأخذ بالشفعة لمالك الوقف. وعلّل في الشرائع (٢) عدم الجواز بأنّه ليس مالكا له على الخصوص وإن كان واحدا حال البيع ، ضرورة قصد الواقف تمليك الموقوف عليهم في سائر الطبقات أيضا ، ولذا يتلقّون جميع الطبقات عن الواقف ، لا أنّ اللاحقة تتلقّى من السابقة.

والشفيع الذي له حقّ الأخذ بالشفعة في أدلّة جواز الأخذ منصرف عن هذا القسم من المالك ، وظاهر في كونه مالكا غير محدود ملكيّته بحال حياته ، ولذا لا يجوز له الانتفاع بأزيد من حال حياته ، فمنافع الوقف في الأزمنة المتأخّرة عن حياة الموقوف عليه لا يكون ملكا له. بل وكذلك لو باع ـ مالك الحصّة التي هي وقف ـ بأحد مجوّزات بيع الوقف لا شفعة لصاحب الطلق الذي شريك مع الوقف ، لأنّ ظاهر أدلّة الشفعة أنّ هذا الحقّ مجعول للشفيع الذي ملكه طلق إذا باع الآخر الذي أيضا ملكه طلق ، وحيث أنّ الشفعة خلاف الأصل ـ كما تقدّم ـ فلا بدّ من الأخذ بالقدر المتيقّن ، إذ ليس في الأدلّة إطلاق من هذه الجهة كي نأخذ به ويرفع به الشكّ.

فما ذكره بعض من التفصيل بين الصورتين ـ بعدم هذا الحقّ لو كان الموقوف عليه هو الشفيع ، وثبوته له لو كان الشفيع هو صاحب الملك المطلق ـ لا أساس له ، لاتّحاد الدليل في كلتاهما ، وهو انصراف أدلّة الشفعة.

__________________

(١) « المبسوط » ج ٣ ، ص ١٤٥.

(٢) « شرائع الإسلام » ج ٣ ، ص ٢٥٤.

١٩٣

وأمّا دعوى الإجماع على ثبوت مطلقا ، أو في ما إذا كان الشفيع هو المالك المطلق ، فلا وجه له مع مخالفة كثير من الأعاظم قدس‌سرهم.

ومن شرائط ثبوت هذا الحقّ أن لا يكون الشفيع الأخذ بالحقّ ذمّيا إذا كان المشتري ومن عليه الحقّ مسلما‌ ، لأنّه سبيل للذمّي على المشتري المسلم ، ولن يجعل الله للكافرين على المسلمين سبيلا.

والمناقشات في هذا الأمر وإن كانت كثيرة ، ولكن الإنصاف أنّها ليست بشي‌ء.

نعم لو كان المشتري هو الذمّي والآخذ بالشفعة كان مسلما أو ذمّيا ، فالحقّ ثابت بلا إشكال. نعم على المسلم الأخذ بتمام حصّة الذمّي بتمام الثمن الذي اشترى به ، فليس له الأخذ ببعض ما اشترى ببعض الثمن بدون رضاء ذلك الذمّي ، لكونه ضررا ، وعموم لا ضرر أو إطلاقه ينفيه.

وقد تقدّم أنّ مقتضى الأصل عدم ثبوت هذا الحقّ إلاّ بالقدر الذي جاء الدليل على ثبوته ، وما هو مفاد الأدلّة أنّ الشفيع أحقّ بما بيع من المشتري الأجنبي ، وأمّا التبعيض في الأخذ بهذا الحقّ فهو شي‌ء آخر يحتاج إلى دليل آخر ولا إطلاق لتلك الأدلّة يشمل صورة التبعيض في الأخذ ، لأنّها ليست في مقام البيان من هذه الجهة.

وأمّا القول بأنّ حقّ التبعيض من آثار نفس السلطنة على الأخذ.

ففيه : أنّه أيضا من آثار إطلاق هذه السلطنة كي يشمل جميع الأخذ تماما أو بعضا بتمام الثمن ، أو بعضه ببعضه ، وليست الأدلّة في مقام البيان من هذه الجهة.

مضافا إلى أنّ حقّ الشفعة عند العرف عبارة عن أنّ الشفيع أحقّ من المشتري الأجنبي بهذه المعاملة الواقعة في الخارج ، ومعلوم أنّ المعاملة الواقعة انتقال تمام المال المشترك إلى المشتري بتمام الثمن ، فالتبعيض أمر زائد ثبوته يحتاج إلى دليل ، وليس هاهنا دليل آخر في البين. فظهر ممّا ذكرنا أنّ الشفيع مطلقا ، مسلما كان أو كافرا ، ليس‌

١٩٤

له حقّ التبعيض في الأخذ إلاّ برضا المشتري.

فرع : بعد ما كان الشفيع واجدا لشرائط ثبوت هذا الحقّ وثبت له ، لو ادّعى غيبة الثمن‌ أجّل ثلاثة أيام إن كان المال في مصره.

وذلك لما في رواية عليّ بن مهزيار قال : سألت أبا جعفر الثاني عليه‌السلام عن رجل طلب شفعة أرض فذهب عنّي أن يحضر المال فلم ينص ، فكيف يصنع صاحب الأرض إن أراد بيعها ، أيبيعها أو ينتظر مجي‌ء ، شريكه صاحب الشفعة؟ قال : « إن كان معه بالمصر فينتظر به ثلاثة أيّام ، فإن أتاه بالمال وإلاّ فليبع وبطلت شفعة في الأرض. وإن طلب الأجل إلى أن يحمل المال من بلد إلى آخر ، فينتظر به مقدار ما يسافر الرجل إلى تلك البلدة وينصرف ، وزيادة ثلاثة أيّام إذا قدم ، فإن وافاه وإلاّ فلا شفعة له » (١).

وظاهر هذه الرواية أنّ المهلة في إحضار الثمن للمشتري ثلاثة أيّام ، وكأنّه هذا المقدار من التأخير في الأخذ بالشفعة يسامح فيه ، ولا ينافي لزوم فوريّة الأخذ بإعطاء الثمن للمشتري وتمليك المبيع من المشتري ، ولذلك قال عليه‌السلام فيما إذا كان المال في بلد آخر : « فينتظر به مقدار ما يسافر الرجل إلى تلك البلدة وينصرف وزيادة ثلاثة أيّام إذا قدم ».

فهذه الثلاثة أيّام هي الإمهال في باب إعطاء الشفيع الثمن للمشتري ، وأمّا مقدار المسافرة إلى بلد المال وجلب المال إلى بلد الذي محلّ المشتري ليس إلاّ لتحصيل المال لا الإمهال. وبناء على هذا لو كان المال حاضرا عنده ومع ذلك أخّر الإعطاء ثلاثة أيّام يكون له ذلك ، فلا بدّ وأن يكون حكما تعبّديا من الشرع.

ومن الممكن أن تكون ثلاثة أيّام في المصر لأجل التحصيل أيضا ، ويكون‌

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ١٩٠ ، رقم (٢).

١٩٥

التحصيل إذا كان المال في بلد آخر فوق ثلاثة أيّام ممّا يحتاج إلى المسافرة والذهاب والإياب ، وعليه فلو كان المال حاضرا عنده لا يجوز التأخير أصلا ولا إمهال في البين ، وهذا مقتضى مراعاة الحقّين : حقّ الشفيع ، وحقّ المشتري بالمطالبة بماله.

ولكن فيه : أنّ ظاهر الرواية جواز تأخيره الإعطاء بعد ما قدم ثلاثة أيّام ، فلا يمكن أن يكون إمهالا للتحصيل.

إلاّ أن يقال : إنّ هذه الثلاثة أيّام بعد القدوم من السفر أيضا لأجل تنظيم أموره ، فإنّ المسافر ربما تختلّ بعض أموره ، فلذلك أوجب عليه الوفاء بعد ثلاثة أيّام ، وإلاّ فلا إمهال في البين إن كان المال حاضرا عنده ولا يحتاج إلى التحصيل وإلى المسافرة ، ويجب الموافاة فورا.

نعم المراد من الفور هي الفوريّة العرفيّة بدون مماطلة.

ثمَّ إنّ شمول إطلاق المسافرة لما إذا طالت لبعد ذلك البلد أو لجهة أخرى ، بحيث يتضرّر المشتري بهذا التأخير ، مشكل جدّا ، بل الظاهر سقوط حقّه. وادّعى في الغنية إجماع الطائفة على سقوط هذا الحقّ في تلك الصورة.

هذا ، مضافا إلى ما تقدّم من أنّ ثبوت هذا الحقّ مخالف للأصل وعمومات سلطنة المالك على ماله ، مع عدم كون عمومات الشفعة في مقام البيان من هذه الجهات ، فليس لها إطلاق يرفع الشك.

فرع : ويثبت هذا الحقّ للغائب كما يثبت للحاضر في بلد البيع. وادّعى الإجماع على ذلك في الخلاف (١) والتذكرة (٢). ويظهر من الغنية أيضا نفي الخلاف من‌

__________________

(١) « الخلاف » ج ٣ ، ص ٤٣١ ، المسألة : ٥.

(٢) « تذكرة الفقهاء » ج ٢ ، ص ٥٩٥.

١٩٦

ثبوته للمسافر إذا قدم من غيبته (١).

ويدلّ عليه مضافا إلى عمومات الشفعة ، ما رواه السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : وصيّ اليتيم بمنزلة أبيه ، يأخذ له الشفعة إذا كان له رغبة ، وقال : للغائب شفعة » (٢).

وضعف سند الرواية منجبر بهذه الإجماعات التي حكيناها.

وأمّا الإشكال عليه بأنّه ينافي الفوريّة التي اعتبرناها في مطالبة هذا الحقّ وإلاّ يسقط.

ففيه : أنّ اشتراط الفوريّة في مطالبة هذا الحقّ فيما إذا لم يكن له عذر في التأخير ، وأمّا فيما إذا كان معذورا لغياب أو حبس أو لجهة أخرى فلا إشكال في التأخير.

والنبويّان المتقدّمان ـ أي قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الشفعة لمن واثبها ». وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الشفعة كحل العقال » ـ لا إطلاق لهما بحيث يشملان حال الغياب وعدم الاطّلاع ، بل منصرفان عن مثل حال السفر والحبس وغير ذلك من حالات العجز عن الأخذ بهذا الحقّ.

وأمّا الإشكال عليه بلزوم الضرر على المشتري ، خصوصا إذا طال الغياب ، كالمسجون لمدّة طويلة ، أو المسافر الذي يطول سفره كذلك ، أو غيرهما.

ففيه : أنّ المال في هذه المدّة الطويلة المفروضة قبل الأخذ ماله وتحت تصرّفه ويقلّبه كيف ما يشاء ، فأيّ ضرر يتوجّه عليه.

نعم لو قلنا بأنّ الغائب في حال غيابه لو اطّلع على بيع شريكه حصّته من‌

__________________

(١) « الغنية » ضمن « الجوامع الفقهية » ص ٥٩١.

(٢) « الكافي » ج ٥ ، ص ٢٨١ ، باب الشفعة ، ح ٦ ، « الفقيه » ج ٣ ، ص ٧٨ ، باب الشفعة ، ح ٣٣٧٥ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ١٦٦ ، ح ٧٣٧ ، باب الشفعة ، ح ١٤ ، « وسائل الشيعة » ج ١٧ ، ص ٣٢٠ ، أبواب الشفعة ، باب ٦ ، ح ٢.

١٩٧

شخص ، يجوز له الأخذ بالشفعة بإنشائه تملّك حصّة شريكه من دون حضور نفسه ، ومع ذلك طال غيابه فلم يعط في هذه المدّة الطويلة الثمن لذلك المشتري ، فالمشتري يده فارغة عن كليهما جميعا ، أي عمّا اشتراه وعن ثمنه ، فيتضرّر لأنّه ربما يترتّب على خلوّ يده عن الاثنين إضرار ، كما هو واضح.

لكن هذا المعنى غير صحيح ، لعدم جواز الأخذ ما لم يحضر بصرف إنشاء تملّكه للمبيع. وقد تقدّم أنّ الأخذ فوريّ ، وإلاّ فيسقط هذا الحقّ بالتأخير إلاّ بالمقدار الذي أذن الشارع أي ثلاثة أيّام إن كان الثمن في نفس المصر الذي يأخذ الشفيع بحقّ الشفعة ، وإن كان في بلد آخر فبالمقدار الذي يسافر إليه وينصرف وزيادة ثلاثة أيّام.

فظهر من جميع ما ذكرنا أنّ هذا الحقّ يثبت للغائب مثل الحاضر ، غاية الأمر حيث أنّ الأخذ به فوريّ وإلاّ فيسقط ، فإن لم يأخذ الغائب بحقّه زائدا على المقدار الذي أذن له في التأخير يسقط ذلك الحقّ ، لا أنّه ليس له الحقّ أصلا ، بل لو كان قادرا على الأخذ بنفسه أو بتوسّط وكيله وأخّر ولم يأخذ يسقط حقّه.

وأمّا إذا لم يكن قادرا إمّا من جهة غيبته وعدم علمه ، وإمّا من جهة عدم الوسيلة لإبلاغ المشتري بأخذه الشفعة ، أو غير ذلك من الجهات ، فهل يسقط حقّه بالتأخير أم لا؟ الظاهر عدم سقوطه في هذه الصورة ، لأنّه جعله الله له ولا يقدر على إعماله ، ومثل هذا لا يوجب سقوط الحقّ.

وأمّا القول بأنّ ثبوت هذا الحقّ على مال الغير مدّة طويلة ضرر عليه ، فقد أجبنا عنه ، فلا يبقى وجه للسقوط.

وقال في الغنية : فيستحقّ الشفعة من علم بالبيع بعد السنين المتطاولة بلا خلاف وإن كان حاضرا في البلد ، وكذلك حكم المسافر إذا قدم من غيبته. (١)

ويظهر من عبارته دعوى الإجماع على ثبوت الشفعة للغائب ولو علم بالبيع بعد‌

__________________

(١) « الغنية » ضمن « الجوامع الفقهيّة » ص ٥٩١.

١٩٨

السنين المتطاولة.

فرع : الشفيع يأخذ المال المشاع بعد تحقّق البيع بنفس الثمن الذي وقع عليه العقد‌ ، فإن كان مثليّا فبمثله ، وإن كان قيميّا فيجب عليه الوفاء بقيمته ، وليس له المطالبة بأقل من قيمته أوّلا ، لرواية الغنوي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن الشفعة في الدور أشي‌ء واجب للشريك ويعرض على الجار فهو أحقّ بها من غيره؟ فقال عليه‌السلام : « الشفعة في البيوع إذا كان شريكا فهو أحقّ بها بالثمن » (١).

وظاهر الرواية أنّ أحقّيته من غيره فيما إذا كان أخذه بالثمن ، وظاهر هذا الكلام هو أنّ أخذه يكون بإعطاء مصداق من طبيعة الثمن ، وذلك من جهة أنّ الغالب في أبواب البيوع بل وفي غيرها كون العوض كلّيّا ، غاية الأمر في البيع يسمّى ثمنا ، وفي الإجارة أجرة ، وفي الجعالة جعلا ، وهكذا.

فإن كان الثمن مثليّا فلا إشكال ، لأنّه يأخذ بمثل ما جعل المشتري بإعطاء مصداق من الكلّي بل بنفس الكلّي ، لأنّه في الخارج في مقام الأداء والوفاء لا بدّ أن يتشخّص ، وإلاّ فهو هو.

وأمّا إذا كان الثمن من القيميّات فأخذه بنفس الثمن لا يمكن ، فلا بدّ وأن يكون بقيمته. ولعلّه لذلك منع جماعة ثبوت الشفعة إذا كان الثمن من القيميّات ، لأنّه لا يمكن أخذها بالثمن.

وربما يؤيّد هذا القول ما رواه على بن رئاب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل اشترى دارا برقيق ومتاع وبزّ وجوهر ، قال عليه‌السلام : « ليس لأحد فيها شفعة » (٢).

__________________

(١) « الكافي » ج ٥ ، ص ٢٨١ ، باب الشفعة ، ح ٥ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ١٦٤ ، ح ٧٢٨ ، باب الشفعة ، ح ٥ ، « وسائل الشيعة » ج ١٧ ، ص ٣١٦ ، أبواب الشفعة ، باب ٢ ، ح ١.

(٢) « الفقيه » ج ٣ ، ص ٨٠ ، باب الشفعة ، ح ٣٣٧٩ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ١٦٧ ، ح ٧٤٠ ، باب الشفعة ، ح ١٧ ، « قرب الاسناد » ص ٧٧ ، « وسائل الشيعة » ج ١٧ ، ص ٣٢٤ ، أبواب الشفعة ، باب ١١ ، ح ١.

١٩٩

وما رواه أبو بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن رجل تزوّج امرأة على بيت في دار له ، وله في تلك الدار شركاء ، قال عليه‌السلام : « جائز له ولها ، ولا شفعة لأحد من الشركاء عليها » (١).

فرواية على بن رئاب ظاهرة في أنّ الثمن إذا كان ممّا ذكر وهي من القيميّات فلا شفعة ، فتدلّ على عدم الشفعة في القيميّات ولكن مع إلقاء الخصوصيّات في المذكورات وحملها على المثال. ولا يخلو من تأمّل.

وأمّا رواية أبو بصير فدلالتها على عدم الشفعة في القيميّات غير ظاهرة ، لأنّه من المحتمل القريب أن يكون نفي الشفعة فيها من جهة تعدّد الشركاء وكونهم أكثر من اثنين ، بل ظاهرها بل صريحها أنّ له في تلك الدار شركاء ، فمع نفسه لا بدّ وأن يكونوا أكثر من اثنين ، وقدم تقدّم اشتراط ثبوت الشفعة بأن لا يكون الشركاء أزيد من الاثنين.

فالإنصاف شمول عمومات الشفعة لما إذا كان الثمن من القيميّات أيضا ، غاية الأمر إذا كان من القيميّات يجب عليه دفع قيمته للمشتري.

وأمّا تعيين القيمة فالأمر كما هو في سائر القيميّات من تعيين أهل الخبرة ، فلا إشكال في البين.

وأمّا كون الثمن من باب المعاملات ـ خصوصا في البيوع الذي هو الآن محلّ الكلام ـ غالبا بالنقدين وهما من المثليّات ، فلا بدّ من القول بأنّ حقّ الشفعة لا يثبت إلاّ في المثليّات.

ففيه : أنّ كون الثمن غالبا من المثليّات لا يخرج اللفظ عن الظهور في معناه الحقيقي الذي هو أوسع من المثليّات ، لأنّ لفظ « الثمن » ظاهر في باب البيع فيما يجعل عوضا عن‌

__________________

(١) « الفقيه » ج ٣ ، ص ٨٣ ، باب الشفعة ، ح ٣٣٨٠ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ١٦٧ ، ح ٧٤٢ ، باب الشفعة ، ح ١٩ ، « وسائل الشيعة » ج ١٧ ، ص ٣٢٥ ، أبواب الشفعة ، باب ١١ ، ح ٢.

٢٠٠