القواعد الفقهيّة - ج ٦

آية الله السيّد محمّد حسن البجنوردي

القواعد الفقهيّة - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد حسن البجنوردي


المحقق: مهدي المهريزي
الموضوع : الفقه
الناشر: نشر الهادي
المطبعة: مؤسسة الهادي
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-400-030-7

الصفحات: ٤٣١

ومنها : التمسّك بقاعدة « لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ».

وفي الإجماع ما عرفت مرارا في هذا الكتاب أنّه ليس من الإجماع المصطلح الذي بنينا في الأصول على حجّيته ، لأنّه من المحتمل القريب اعتماد المجمعين ـ على فرض تسليم وجوده ـ على هذه الوجوه المذكورة ، وهو كما ترى.

وأمّا في التمسّك بقاعدة لا ضرر فلما بيّنّا في محلّه أنّ مفاد القاعدة هو رفع الحكم الضرري ، لا إثبات حكم يرتفع به الضرر.

ومنها : فحوى ما سنبيّنه في القاتل من حكمه عليه‌السلام بحبس من أطلق القاتل العمدي‌ عن يد أولياء المقتول حتّى يأتي بالقاتل. ولعلّ مراد من تمسّك بهذا الوجه هو أنّ المطلق في إطلاق القاتل لم يتلف مال أولياء المقتول ، وإنّما صار سببا لضياع حقّهم وعدم إمكان استيفائهم ، فإذا كان ذلك موجبا لجواز حبسه حتّى يأتي بالقاتل ، ففي مورد إتلاف مال الغير أولى.

هذا ، ولكن الإنصاف أنّه لا فحوى ولا أولويّة في البين ، من جهة أنّه لا شكّ في اهتمام الشارع بأمر الدماء أزيد من الأموال ، فيمكن أن يحكم بحبس الذي يطلق القاتل العمدي حتّى يأتي به ويقتصّ الولي منه كي لا يتجرّأ الأشقياء على قتل الناس برجاء أنّ أقرباءهم أو أصدقاءهم يخلصونهم عن أيدي الأولياء ، فلا يكون محذور لهم ولا لأقربائهم أو أصدقائهم.

وأمّا عدم إمكان استيفاء ماله وتأخيره ، فليس بهذه المثابة والأهمّية.

هذا ، مضافا إلى أنّ الأولويّة الظنيّة لا يخرج ما ذكر عن كونه قياسا. وأمّا ادّعاء القطع بأنّ مناط الحكم بالحبس هو تفويت الحقّ ، فأمر غير مبيّن ولا دليل عليه.

ومنها : أنّ إطلاق الغريم إتلاف لمال الغير عرفا‌ ، ومن أتلف مال الغير فهو له ضامن. وتدارك هذه الخسارة التي أوردها على الدائن بأحد أمرين : إمّا إحضار الغريم ، وإمّا أداء ذلك المال الذي كان على عهدة الغريم. وقد ذكرنا عدّة فروع من هذا القبيل‌

١٦١

في قاعدة الإتلاف ، وإن شئت فراجعها.

ومنها : أنّ المطلق غصب يد المستولية المستحقّة من صاحبها ، فكان عليه إعادتها‌ بإحضار الغريم وجعله تحت يده ، أو أداء الحقّ الذي بسببه تثبت اليد عليه. وهذا ما قاله جامع المقاصد (١).

وفيه : أنّه لم يفهم معنى لغصب اليد ، وأمّا غصب المال الذي في عهدة الغريم فلا بدّ وأن يكون إمّا باليد الغاصبة ، ولا يد للمطلق عليه ، فلا تشمله قاعدة « وعلى اليد ». وإمّا بالإتلاف ، وهو ما تقدّم ذكره من أنّه هل يصدق الإتلاف عرفا في المقام أم لا؟

وخلاصة الكلام : إن أغمضنا عن الإشكال الذي ذكرنا في الإجماع أو قلنا بالقطع بأنّ المناط في حكمه عليه‌السلام ـ بحبس المطلق للقاتل عمدا من أيدي أولياء الدم حتّى يحضر القاتل ـ هو تفويت حقّ أولياء الدم ، أو قلنا بصدق إتلاف مال الدائن فهو ، وإلاّ فالحكم بحبس المطلق للغريم لا يخلو من إشكال.

وأمّا الثاني : أي إطلاق القاتل عمدا عن يد أولياء الدم‌ ، فيأتي فيه بعض الوجوه المتقدّمة في الأوّل ، خصوصا الإجماع المذكور عن الصيمري ، فإنّه ادّعى الإجماع في هذا المورد أيضا على ما حكى عنه صاحب الجواهر (٢) قدس‌سره وهو نفسه أيضا ادّعى عدم وجدان الخلاف في هذا الحكم ، أي لزوم إحضار المطلق للقاتل عمدا إيّاه أو دفعه الدية.

ولكنّ العمدة فيه صحيح حريز ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل قتل رجلا عمدا ، فرفع إلى الوالي ، فدفعه الوالي إلى أولياء المقتول ليقتلوه ، فوثب عليهم قوم فخلّصوا القاتل من أيدي الأولياء ، قال : « أرى أن يحبس الذين خلّصوا القاتل من أيدي الأولياء حتّى يأتوا بالقاتل ». قيل : فإن مات القاتل وهم في السجن؟ قال عليه‌السلام :

__________________

(١) « جامع المقاصد » ج ٥ ، ص ٣٩٤.

(٢) « جواهر الكلام » ج ٢٦ ، ص ١٩٩.

١٦٢

« وإن مات فعليهم الدية ، يؤدّونها جميعها إلى أولياء المقتول » (١).

والإنصاف أنّ الصحيحة صريحة الدلالة على المقصود ، وصحيح السند ، ومعمول بها حتّى ادّعى على مفادها الإجماع ، فهي حجّة في المقام وكفى.

ولكن أنت خبير بأنّه ليس التخيير من أوّل الأمر بين الأمرين إحضار القاتل ، أو أداء دية المقتول ، بل أداء الدية بعد موته وهم في السجن وعدم إمكان إحضاره للاقتصاص منه لموته ، فلو كان مستند هذا الحكم هو هذه الصحيحة لا بدّ وأن يكون مرادهم هذا ، أي يجب عليه الإحضار وإن تعذّر لموت القاتل فعليه أو عليهم دفع دية المقتول ، كما ذكرنا نحن كذلك.

وذكروا هاهنا بعض فروع في هذه المسألة تركنا ذكرها لكونها أجنبية عن باب الكفالة التي محلّ كلامنا ، كما أنّ أصل هذه المسألة أيضا ليست من باب الكفالة ، ولكنّ الفقهاء نزّلوها منزلة الكفالة من جهة وحدة الأثر ، أي لزوم الإحضار أو الغرامة.

وعنوان الباب الذي ذكر هذه في الوسائل في ذلك الباب هو : باب أنّ من أطلق القاتل من يد الولي قهرا صار كفيلا يلزمه إحضاره ، يحبس حتّى يردّه أو يؤدّي الدية (٢).

فرع : لا كفالة في الحدّ‌ ، لأنّه مضافا إلى أنّ الحدّ إجراءه واجب فوري بعد إثباته ـ وهذا ينافي الكفالة ، فإنّها توجب التأخير الكفالة فيه توجب تعطيل الحدّ وعدم إمكان إجرائه في كثير من الموارد ، وهي في مثل الرجم والحرق والقطع ، ففي هذه الموارد إذا أطلق المحارب ، أو الزاني المحصن ، أو اللائط ، أو السارق يخفى نفسه‌

__________________

(١) « الكافي » ج ٧ ، ص ٢٨٦ ، باب الرجل يخلص من يجب عليه القود ، ح ١ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ١٦٠ ، أبواب الضمان ، باب ١٥ ، ح ١.

(٢) « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ١٦٠ ، أبواب الضمان ، باب ١٥.

١٦٣

ويهرب ويختفى إلى الأبد ، لأنّ كلّ شخص ونفس يهرب من الموت ، فيلزم تعطيل الحدود ـ ورد روايات في عدم جواز الكفالة في الحدّ.

منها : ما رواه السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا كفالة في حدّ » (١).

ومنها : ما رواه الصدوق بإسناده قال : قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه لا كفالة في حدّ (٢).

ومنها : ما رواه في الفقيه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ادرؤا الحدود بالشبهات ، ولا شفاعة ولا كفالة ولا يمين في حدّ » (٣).

فرع : عقد الكفالة لازم‌ ، فلا يجوز فسخه إلاّ بالإقالة ، أو باشتراط الخيار للكفيل ، أو المكفول له. أمّا كونه لازما ، فلأنّه مقتضى أصالة اللزوم في كلّ عقد إلاّ في العقود الإذنيّة ، أو خرج عن تحت أصالة اللزوم بوجود الدليل على الجواز.

هذا ، مضافا إلى أنّ الغرض من الكفالة هو الاستيثاق من عدم ضياع ماله والتمكّن عن تحصيل الغريم ، وبالكفالة يحصل كلا الأمرين ، لأنّ الكفيل يجب عليه إمّا إحضار الغريم المكفول ، وإمّا أداء المال ، وهذا الغرض لا يحصل إلاّ بلزوم عقد الكفالة ، وإلاّ لو كان جائزا ، فبعد ما سافر الغريم أو أخفى نفسه وفسخ الكفيل عقد الكفالة ، فلا يحصل الغرض المذكور.

__________________

(١) « الكافي » ج ٧ ، ص ٢٥٥ ، باب أنّه لا كفالة في حدّ ، ح ١ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ١٦١ ، أبواب الضمان ، باب ١٦ ، ح ١.

(٢) « الفقيه » ج ٣ ، ص ٩٥ ، باب الكفالة ، ح ٣٤٠٠ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ١٦١ ، أبواب الضمان ، باب ١٦ ، ح ٢.

(٣) « الفقيه » ج ٤ ، ص ٧٤ ، باب نوادر الحدود ، ح ٥١٤٦ ، « وسائل الشيعة » ج ١٨ ، ص ٣٣٦ ، أبواب مقدمات الحدود وأحكامها العامّة ، باب ٢٤ ، ح ٤.

١٦٤

والحاصل : أنّ بناء العقلاء في عقد الكفالة على اللزوم ، والشارع أمضى ما هو عندهم وبناءهم عليه.

وأمّا فسخه بالإقالة أو باشتراط الخيار ، فالإقالة من جهة أنّها على القاعدة في العقود اللازمة ، إلاّ أن يأتي دليل تعبّدي على عدم تطرّق الإقالة فيه كما في باب النكاح ، وذلك لما ذكرنا في محلّه أنّ التزام كلّ واحد من المتعاقدين بالوفاء بالعقد ملك للطرف الآخر وبرعايته ، فإذا رفع اليد فلا يبقى التزام في البين.

وأمّا جواز اشتراط الخيار لكلّ واحد من الكفيل والمكفول له ، فمن أنّه شرط جائز ليس له مانع عقلي ولا شرعي ، فيشمله عموم « المؤمنون عند شروطهم ».

فرع : إذا أحضر الكفيل الغريم قبل الأجل ، هل يجب على المكفول له تسلّمه ، أو لا؟ قيل : يجب.

وكذلك الكلام بالنسبة إلى المكان الذي عيّنا إحضاره في ذلك المكان لو أحضره في غير ذلك المكان هل يجب قبوله ، أو لا يجب وإن لم يكن ضرر عليه تسلّمه في ذلك المكان أو في ذلك الزمان؟

الظاهر عدم وجوب تسلّمه في غير المكان أو الزمان الذي عيّنا إحضاره في ذلك الزمان أو في ذلك المكان ، أمّا مع الضرر فمعلوم ، وأمّا مع عدمه فأيضا لا دليل على لزوم تسلّمه ، لأنّ المفروض أنّه خلاف ما التزما به في عقد الكفالة ، والأغراض تختلف بحسب الأزمنة والأمكنة وإن لم يكن ضرر في البين ولا ملزم له على تسلّمه وقبوله.

نعم لو لم يعيّنا زمانا أو مكانا ، لعلّه كان واجبا إذا لم يكن ضرر عليه ، إلاّ أن يكون الإحضار في زمان أو مكان منصرفا عنه الإطلاق.

١٦٥

فرع : قال في الشرائع : ولو سلّمه وكان المكفول له ممنوعا من تسلّمه بيد قاهرة لم يبرأ الكفيل (١).

والمقصود من هذه العبارة أنّ الكفيل وإن أحضر المكفول ـ أي الغريم ـ وسلّمه إلى المكفول له ، لكن مثل هذا التسليم ـ الذي هو لا يقدر على تسلّمه لوجود يد قاهرة مانعة عن السلم وأخذ الحقّ منه ـ في حكم العدم ، لعدم ترتّب الغرض عليه وهو استيفاء الدين عن الغريم ، ولعلّ إطلاق الأدلّة منصرفة عن مثل هذا التسليم.

أمّا لو كان الغريم المكفول محبوسا ، فإمّا أن يكون محبوسا في حبس الحاكم الشرعي ، فلا مانع من تسلّمه واستيفاء الحقّ منه. وأمّا لو كان في حبس الظالم وليس مانعا عن تسلّمه عن الكفيل واستيفاء الحقّ منه لأنّه ربما يقدر الكفيل على ذلك ، فلا وجه لإطلاق القول بعدم إمكانه ، بل لا بدّ وأن يقيّد الحكم بقدرة الكفيل على تسليمه وإمكان استيفاء الدين منه ، والحكم بالعدم بعدم قدرته على ذلك.

فرع : إذا كان المكفول غائبا ، فإمّا أن يعلم مكانه وليست أخباره منقطعة عن الكفيل‌ ، وكانت الكفالة حالّة ، أو حال أجلها وإن كانت مؤجّلة ، فطلب المكفول له إحضار المكفول وهو قادر على إحضاره ، يجب عليه إحضاره ، لأنّ هذا مقتضى عقد الكفالة ووجوب الوفاء به. ويجب أن يمهل بمقدار ذهابه وجلبه والإتيان به بنحو المتعارف ، فإذا أتى به وسلّمه تسليما تامّا تبرأ ذمّته ، وإن تماطل يجوز للمكفول له حبسه بأمر الحاكم حتّى يأتي به أو يؤدّي ما عليه ، كما تقدّم.

وأمّا إن كان مكانه مجهولا وأخباره منقطعة ، فلا يكلّف الكفيل بإحضاره ، لعدم قدرته على ذلك. ولكن هل يلزم الكفيل بأداء ما عليه أم لا؟

ربما يقال بعدم جواز إلزامه بذلك ، لأنّه تكفل إحضار نفسه وهو أمر غير مقدور ،

__________________

(١) « شرائع الإسلام » ج ٢ ، ص ١١٦.

١٦٦

والتكليف بأمر غير مقدور قبيح ، ولم يضمن المال فلا وجه لإلزامه بالمال.

ولكن الأولى أن يفصّل بين ما كان عدم التمكّن من إحضاره بتفريط من الكفيل ، بأن طالبه المكفول له وكان الكفيل متمكّنا من إحضاره في ذلك الوقت ولكنّه مستأهل حتّى هرب إلى مكان مجهول أو أخفى نفسه فيغرم ، وبين ما لم تكن كذلك إمّا بأن لم يطالبه المكفول له إلى هذا الوقت ، أو كان طلبه في وقت لم يكن متمكّنا من إحضاره فلا غرم. والوجه في كلتا الصورتين واضح.

فرع : قد يقال إن لم يعيّنا ـ أى الكفيل والمكفول له ـ مكان التسليم ، فينصرف إلى بلد العقد.

وفيه أنّه ليس كذلك مطلقا ، لأنّه لو وقع العقد بينهما في بلد غربة يفارقانه بسرعة وربما لا يمرّان به بعد ذلك أصلا ، فلا انصراف في مثل هذا المورد إلى بلد العقد قطعا ، بل يكون منصرفا عنه يقينا.

والظاهر أنّه ينصرف إلى البلد الذي استقرار المكفول له فيه ، ويكون محلّ عمله وكسبه وتجارته ، ويكون استيفاء دينه كسائر إشغاله من مصلحته في ذلك البلد. هذا إذا أطلقا التسليم.

وأمّا إذا عيّنا بلدا معيّنا أو مكانا كذلك ، يجب التسليم في ذلك البلد أو في ذلك المكان ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « المؤمنون عند شروطهم » وقد تقدّم الكلام في مثل ذلك إذا عيّنا زمانا معيّنا. وبناء على ما ذكرنا لو سلّمه إلى المكفول له في غير ذلك المكان لم تبرأ ذمّته ، لعدم التسليم التامّ حسب التزامه.

فرع : لو اتّفق الكفيل والمكفول له على وقوع الكفالة‌ ، ولكن قال الكفيل للمكفول له : لا حقّ لك الآن لأداء المكفول ، أو لإبرائك إيّاه مثلا ، فالقول قول المكفول‌

١٦٧

له ، وذلك لموافقة قوله مع الحجّة الفعليّة التي هي المناط في باب تشخيص المدّعي والمنكر ، وهو عبارة عن أصالة عدم الأداء والإبراء ، أو أصالة بقائه بعد ثبوته يقينا.

نعم على المكفول له اليمين ، فإن حلف يؤخذ الحقّ من الكفيل إن لم يحضر المكفول فيما إذا كان إحضاره واجبا عليه ، وإن ردّ على الكفيل ولم يحلف ونكل فأيضا يؤخذ الحقّ منه على التفصيل المتقدّم ، بمعنى أنّه يحبس حتّى يأتي به أو يؤدّي الحقّ. وأمّا إن حلف الكفيل فيبرأ عن الكفالة ، ولكن لم يبرأ المكفول من المال إلاّ إذا ادّعى أيضا الأداء أو الإبراء ولم يحلف المكفول له وردّ على المكفول فحلف على الأداء أو الإبراء.

ولو ادّعى الكفيل عدم الحقّ حال الكفالة وأنّ الكفالة كانت باطلة وأنكر المكفول له ، فيكون القول أيضا قوله بيمينه ، فإن حلف يؤخذ الحقّ عن المكفول ، وإن ردّ ونكل المكفول ولم يحلف فأيضا يؤخذ الحقّ منه ، وإن حلف تبرأ ذمّته عن الحقّ وقهرا تبرأ ذمّة الكفيل أيضا عن الكفالة ، لأنّها تابعة لوجود الحقّ وثبوته ، فإذا سقط شرعا بواسطة حلف المكفول فتسقط الكفالة أيضا قهرا.

فرع : إذا تكفّل رجلان برجل واحد ثمَّ سلّمه أحدهما ثمَّ هرب المكفول‌ ، فهل تبرأ ذمّة الآخر بتسليم الأوّل ، أم للمكفول له الرجوع إلى الكفيل الآخر وطلب إحضاره منه؟

حكى عن الشيخ (١) ، والقاضي (٢) ، وابن حمزة (٣) قدس‌سره عدم براءة الآخر ، وأنّه للمكفول له الرجوع إليه وطلب إحضاره منه.

__________________

(١) « المبسوط » ج ٢ ، ص ٣٣٩.

(٢) « جواهر الفقه » ص ٧١ ـ ٧٢ ، المسألة ٢٦٩.

(٣) « الوسيلة » ص ٢٨١.

١٦٨

ولكن قال في الشرائع : ولو قيل بالبراءة كان حسنا (١).

ووجه حسنه أنّ المقصود من الكفالة هو تسلّمه من الكفيل والتمكّن والقدرة على استيفاء دينه منه ، وهذا المعنى قد حصل. ولذلك تقدّم أنّه لو سلّم نفسه تبرأ ذمّة الكفيل كما أنّه أيضا تبرأ ذمّته بتسليم الأجنبي ، وليس تسليم أحد الكفيلين المكفول للمكفول له أقلّ فائدة في حصول الغرض من تسليم الأجنبي ، فالأظهر ما قاله المحقّق من أنّ القول بالبراءة حسن.

فرع : ولو تكفّل لرجلين برجل فسلّمه إلى أحدهما لم يبرأ عن الآخر‌ ، وهذا واضح جدّا. نعم لو كان دين الرجلين على المكفول مشاعا بينهما ، وصار كفيلا لكلّ واحد منهما بذلك الرجل المديون ، فسلّمه إلى أحدهما وهما شريكان في ذلك الدين وكان الدين لهما بالإشاعة ، فإذا استوفى أحدهما تمام الدين المشاع بينهما فلا يبقى مجال لبقاء الكفالة بالنسبة إلى الآخر ، لأنّ بقاء الكفالة تابع لبقاء الحقّ في ذمّة المكفول ، فتسقط الكفالة باستيفاء تمام الحقّ عن الآخر أيضا.

ولكن ظاهر الفرض أن يكون كفيلا لكلّ واحد من الرجلين برجل واحد في دين مستقلّ لكلّ واحد منهما ، وفي الفرض لا تبرأ ذمّة الكفيل عن الكفالة للآخر بتسليم المكفول إلى أحدهما يقينا.

فرع : إذا مات المكفول برئ الكفيل عن الكفالة‌ ، وكذلك الأمر لو مات الكفيل.

أمّا الأوّل : فمن جهة أنّ الغرض من الكفالة إحضار الكفيل المكفول لأنّ يستوفي المكفول له حقّه منه ، فإذا مات لا يمكن إحضاره ولا استيفاء الحقّ منه ، بل حقيقة‌

__________________

(١) « شرائع الإسلام » ج ٢ ، ص ١١٧.

١٦٩

الكفالة هو الالتزام بإحضار المديون ، والعمل بهذا الالتزام متعذّر للكفيل ، فالعقد من أوّل الأمر لا يشمل مثل هذه الصورة ، لأنّه التزام بفعل لا يقدر عليه. ونحن بيّنّا في هذا الكتاب أنّ كلّ عقد لا يقدر المتعاقدان أو أحدهما العمل بمضمونه يكون مثل هذا العقد والتعهّد والالتزام باطلا ، فإذا بلغ إلى هذا الحدّ يخرج عن كونه كفيلا وتبرأ ذمّته.

هذا ، مضافا إلى ادّعاء صاحب الرياض قدس‌سره نفي الخلاف في هذا الحكم ، أي براءة ذمّة الكفيل بموت المكفول (١) وفي التذكرة قال : إذا مات المكفول به بطلت الكفالة ، ولم يلزم الكفيل شي‌ء عند علمائنا (٢) وأنت ترى أنّ هذه العبارة مساوقة لادّعاء الإجماع ، فلا ينبغي التشكيك في براءة ذمّة الكفيل بموت المكفول.

وأمّا الثاني : أي موت الكفيل ، فبطلان الكفالة بموته وعدم قيام الوارث مقامه فمن جهة كون ذمّة الميّت مشغولة بإحضار المكفول به غير ممكن ، لعدم إمكان الإحضار في حقّه ، فاعتبارها في حقّه لغو في نظر الشرع والعقلاء ، وليس مالا كي ينتقل إلى ورثته. وأمّا كون حقّا فإن كان كذلك ، لكنّه حقّ المكفول له عليه ، لا حقّه على غيره كي يرثه الوارثون ، فقهرا بموت الكفيل ينتفي الكفالة ، لعدم بقاء موضوعها وهو شخص الكفيل.

نعم بموت المكفول له لا تبطل الكفالة ولا تبرأ ذمّة الكفيل ، لأنّ الكفالة كانت حقّا للمكفول له على ذمّة الكفيل ، فيرثه الوارثون بموت مورّثهم ويقومون مقامه. فكما أنّ الدين باق في ذمّة المديون ، الكفالة أيضا باقية في ذمّة الكفيل ، وكلاهما ينتقلان إلى الورثة ، فللورثة طلب إحضار الغريم من الكفيل ، فإن أحضر يستوفون دينهم الذي انتقل إليهم من مورثّهم منه ، وإلاّ يحبس حتّى يحضره أو يؤدّي الدين هو على التفصيل الذي تقدّم ، ويكون حالهم مع الكفيل حال مورّثهم معه.

__________________

(١) « رياض المسائل » ج ١ ، ص ٥٩٩.

(٢) « تذكرة الفقهاء » ج ٢ ، ص ١٠٢.

١٧٠

فرع : لو انتقل الحقّ بأحد النواقل الشرعيّة غير الإرث‌ ، كما في بيع أو صلح أو هبة أو مهر أو عوض خلع أو غير ذلك ، فهل يبرأ الكفيل أم لا؟

الظاهر أنّه يبرأ من جهة أنّه كفل لهذا المالك كي يتمكّن من استيفاء دينه من المكفول ، فإذا انتقل دينه إلى غيره فلا معنى لكونه كفيلا له. وأمّا كونه كفيلا للمالك الجديد الذي انتقل إليه الحقّ فشي‌ء لم يلتزم به ولم يقع عقد ومعاهدة عليه ، فيبرأ ذمّته قهرا.

واحتمال انتقال حقّ الكفالة إلى المالك الجديد لا وجه له ، لأنّ المالك الجديد ليس وارثا للمكفول له ، ولذلك قيّدنا عنوان المسألة بأن لا يكون الانتقال بالإرث وقد تقدّم في الفرع السابق أنّ الكفالة لا تبطل بموت المكفول له ، بل ينتقل حقّ الكفالة والمال كلاهما إلى ورثته.

فرع : يصحّ ترامي الكفالات‌ ، كما قلنا بصحّته في الضمان وفي الحوالة. وهو عبارة عن تكفّل شخص بإحضار رجل عليه دين لدائنه ، ثمَّ يكفّل ثان بإحضار ذلك الكفيل الأوّل ، ثمَّ يكفّل ثالث بإحضار الكفيل الثاني ، وهكذا إلى ما لا يقف على عدد والوجه في صحّته ولزومه.

أمّا صحّته فلشمول إطلاقات أدلّة صحّة الكفالة مثل هذا المورد ، أي مورد ترامي الكفالات. ومن تلك الأدلّة قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الزعيم غارم » لأنّ كلّ واحد من أفراد هذه السلسلة يصدق عليه أنّه زعيم ، أى متعهّد بإحضار من تعهّد إحضاره ، فعليه إحضاره أو أداء الحقّ ، بالتفصيل المتقدّم.

وأمّا لزومه : فلقوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) ولسائر أدلّة التي ذكرناها في قاعدة أصالة اللزوم في العقود العهديّة.

١٧١

ثمَّ إنّه من آثار وأحكام هذا القسم من الكفالة أنّه لو أحضر أحدهم من عليه الحقّ يبرأ هو ويبرأ الآخرون أيضا. والوجه واضح ، لأنّ الغرض من الكفالة ولو كانوا ألفا هو إحضار من عليه الحقّ ، فإذا حصل هذا المعنى من أحدهم فقهرا يبرأ ذمّة الباقين.

أمّا لو أحضر أحد الكفلاء من تعهّد بإحضاره ـ أي الشخص الذي كفل به ـ فإن كان هو الكفيل الأوّل فبرئ ذمّة الجميع ، لأنّ من كفل به الكفيل الأوّل هو نفس من عليه الحقّ ، وبيّنّا آنفا أنّ بإحضاره تبرأ ذمّته الجميع. وأمّا إن كان هو الكفيل الثاني فتبرأ ذمّته وجميع من تأخّر عنه في السلسلة ، وأمّا ذمّة الكفيل الأوّل فلا تبرأ ، لأنّه متعهّد بإحضار من عليه الحقّ ولم يحضره.

وخلاصة الكلام : أنّ كلّ كفيل في هذه السلسلة ـ عددها أيّ مقدار كان ـ إذا أحضر من تكفّل ، لا تبرأ إلاّ ذمّة نفسه وذمّة من تأخّر عنه من الكفلاء ، وأمّا ذمّة من تقدّم عليه فلا. وأمّا لو كان المحضر هو الكفيل الأوّل حيث أنّ جميع الكفلاء متأخّرون وليس كفيل متقدّم عليه فتبرأ ذمّة الجميع بإحضاره من تكفّل عنه ، وهو من عليه الحقّ.

فرع : يكره التعرّض للكفالات‌ ، لروايات تدلّ على الكراهة :

منها : ما عن ابن أبي عمير ، عن حفص بن البختري قال : أبطأت عن الحجّ فقال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : « ما أبطأ بك عن الحجّ؟ » فقلت : جعلت فداك تكفّلت برجل فخفر بي فقال : « مالك والكفالات ، أما علمت أنّها أهلكت القرون الأولى. ثمَّ قال : إنّ قوما أذنبوا ذنوبا كثيرة فأشفقوا منها وخافوا خوفا شديدا ، فجاء آخرون فقالوا : ذنوبكم علينا فأنزل الله عزّ وجلّ عليهم العذاب ، ثمَّ قال الله تبارك وتعالى خافوني‌

١٧٢

واجترأتم عليّ » (١).

ومنها : مرسلة الصدوق قال : قال الصادق عليه‌السلام : « الكفالة خسارة غرامة ندامة » (٢).

ومنها : ما عن داود الرقي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « مكتوب في التوراة كفالة ندامة غرامة » (٣).

والحمد لله أوّلاً وآخراً ، وظاهراً وباطناً.

__________________

(١) « الكافي » ج ٥ ، ص ١٠٣ ، باب الكفالة والحوالة ، ح ١ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ١٥٤ ، أبواب الضمان ، باب ٧ ، ح ١.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ١٦١ ، رقم (١).

(٣) تقدّم تخريجه في ص ١٦١ ، رقم (٢).

١٧٣
١٧٤

٥٨ ـ قاعدة

الشفعة جائزة في كل شي‌ء‌

١٧٥
١٧٦

قاعدة الشفعة جائزة في كل شي‌ء

ومن جملة القواعد الفقهيّة المشهورة قاعدة « الشفعة جائزة في كل شي‌ء من حيوان أو أرض أو متاع ».

وفيها جهات من البحث.

الجهة الأولى

في شرح ألفاظ هذه القاعدة ، وبيان المراد منها‌

فنقول : الشفعة لغة جاءت بمعنيين :

أحدهما : الزيادة. قال في القاموس (١) : ومنه قوله تعالى ( مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً ) (٢) أي من يزد عملا إلى عمله.

والثاني : هي الزوجية مقابل الفرديّة والوتر. وكلاهما يرجعان إلى معنى واحد.

وعند الفقهاء حقّ تملّك أحد الشريكين حصّة الآخر بعد أن باع ذلك الآخر بنفس الثمن الذي وقع عليه عقد البيع قهرا على المشتري. والشفيع هو الذي له هذا الحقّ.

قال ابن الأثير في النهاية : يقال له الشفيع لأنّه يضمّ المبيع إلى ملكه ، فيشفعه به‌

__________________

(١) « القاموس المحيط » ج ٣ ، ص ٦٥ ( شفع ).

(٢) النساء (٤) : ٨٥.

١٧٧

كأنّه كان واحدا وترا فصار زوجا شفعا أي من حصّة نفسه وحصّة شريكه الذي أخذها بذلك الحقّ الذي جعله الشارع له (١).

وأمّا كونها جائزة ، أي : نافذة تترتّب آثار الملكيّة على ما أخذه الشفيع بالشفعة. وأمّا باقي ألفاظ القاعدة فمعلومة لا يحتاج إلى الشرح والإيضاح.

وقال في تعريفها في الشرائع : وهي استحقاق أحد الشريكين حصّة شريكه بسبب انتقالها بالبيع (٢).

وقال في القواعد : وهي استحقاق الشريك انتزاع حصّة شريكه المنتقلة عنه بالبيع (٣).

وقال في الدروس : حقّ ملك قهري يثبت بالبيع لشريكه (٤).

وأنت خبير أنّ هذه التعاريف كلّها مئالها ومرجعها إلى معنى واحد ، وليس الاختلاف إلاّ في التعابير ، والمراد والمقصود من الجميع واحد.

الجهة الثانية

في مدركها وبيان الدليل عليها‌

فنقول :

الأوّل : الإجماع. قال المرتضى قدس‌سره : وممّا انفردت الإماميّة إثباتهم حقّ الشفعة في كلّ شي‌ء من المبيعات من عقار وضيعة ومتاع وعروض وحيوان كلّ ذلك ممّا يحتمل القسمة أو لا يحتملها. ثمَّ قال قدس‌سره : دليلنا على صحّة مذهبنا إجماع الإماميّة على‌

__________________

(١) « النهاية » ج ٢ ، ص ٤٨٥.

(٢) « شرائع الإسلام » ج ٣ ، ص ٢٥٣.

(٣) « قواعد الأحكام » ج ١ ، ص ٢٠٨.

(٤) « الدروس » ج ٣ ، ص ٣٥٥.

١٧٨

ذلك ، فإنّهم لا يختلفون فيه (١).

ومن تتبّع كلمات فقهاء الطائفة وأقوالهم لا يبقى له ريب في حصول مثل هذا الإجماع ، وإن كان بينهم خلاف في بعض فروع المسألة وبعض قيودها وشروطها.

الثاني : السنة. فأمّا من طريق الجمهور فما رووه عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الشفعة في كل شي‌ء » (٢).

وأيضا قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الشفعة فيما لم يقسم » (٣).

وأمّا عن طريق أهل البيت عليهم‌السلام ما رواه يونس ، عن بعض رجاله ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال : « الشفعة جائزة في كلّ شي‌ء ، من حيوان أو أرض أو متاع » (٤).

وما رواه عقبة بن خالد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن ، وقال : لا ضرر ولا ضرار ، وقال : إذا أرّفت الأرف وحدّت الحدود فلا شفعة » (٥).

الثالث : عموم التعليل في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا ضرر ولا ضرار ». فهذا التعليل لقضائه بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن عامّ يأتي في جميع أو أكثر الأشياء المشتركة بين الشخصين ، سواء كانت من الأراضي أو المساكن أو كانت من الحيوان أو الأمتعة أو غيرها. وسنتكلّم إن شاء الله تعالى في الموارد التي وقع البحث في الاستثناء‌

__________________

(١) « الانتصار » ص ٢١٥.

(٢) « سنن ابن ماجه » ج ٢ ، ص ٨٣٥ ، كتاب الشفعة ، ح ٢٤٩٧ و ٢٤٩٩ ، « عوالي اللئالي » ج ٣ ، ص ٤٧٥ ، ح ٢ ، « مستدرك الوسائل » ج ١٧ ، ص ٩٨ ، أبواب كتاب الشفعة ، باب ٣ ، ح ٧.

(٣) « سنن الترمذي » ج ٢ ، ص ٤١٣ ، ح ١٣٨٣.

(٤) « الكافي » ج ٥ ، ص ٢٨١ ، باب الشفعة ، ح ٨ ، « الفقيه » ج ٣ ، ص ٧٩ ، باب الشفعة ، ح ٣٣٧٧ ، « وسائل الشيعة » ج ١٧ ، ص ٣١٩ ، أبواب الشفعة ، باب ٥ ، ح ٣.

(٥) « الكافي » ج ٥ ، ص ٢٨٠ ، باب الشفعة ، ح ٤ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ١٦٤ ، ح ٧٢٧ ، باب الشفعة ، ح ٤ ، « وسائل الشيعة » ج ١٧ ، ص ٣١٩ ، أبواب الشفعة ، باب ٥ ، ح ١.

١٧٩

عن هذه القاعدة الكليّة.

الجهة الثالثة

في شروط هذه القاعدة ، والموارد التي وقع البحث

في ثبوت حقّ الشفعة فيها‌

فممّا وقع البحث في شرطيّته كون المال المشترك قابلا للقسمة‌ ، فما لا تقبل القسمة لا يأتي فيه حقّ الشفعة.

وما لا يمكن تقسيمه إمّا من جهة تلفه بالمرّة ، كالعبد والأمّة ، وكلّ حيوان ليس بعد موته له ماليّة من ناحية لحمه وجلده وسائر أجزائه ـ وإن كان قابلا للتذكية وذكّي كالهرّة مثلا بناء على كونها ملكا ـ وكالأدوات والأمتعة التي بعد كسرها وتقطيعها للتقسيم لا تبقى لها ماليّة أصلا ، كالأواني المصوغة من الخزف أو البلور أو الشيشة أو الفرفوري وأمثال ذلك.

أو لا يمكن تقسيمها لنقص في ماليّتها ، كالأحجار الكريمة مثل ألماس والياقوت أو الفيروزج وأمثالها ممّا يصغر بالتقسيم ، فتنقص ماليّتها إلى حدّ كبير. مثلا كان المشاع حجرا كريما كالياقوت أو ألماس ربما يكون قيمته قبل التقسيم آلاف من الدنانير ، ولكن بعد التقسيم تنزل إلى العشرات ، وهكذا في سائر الموارد ، إذ المراد من التقسيم أن يكون قابلا للتقسيم الخارجي بحيث تكون حصّة كلّ واحد مفصلة من الآخر.

وعلى كلّ حال يقال للمذكورات وأمثالها إنّها ليست قابلة للقسمة ، فلا تأتي فيها الشفعة إن قلنا باعتبار هذا الشرط.

والكلام في اعتبار هذا الشرط والدليل عليه :

فقد يقال بأنّ الشفعة خلاف الأصل ، لأنّها عبارة عن ثبوت حقّ في مال الغير‌

١٨٠