القواعد الفقهيّة - ج ٦

آية الله السيّد محمّد حسن البجنوردي

القواعد الفقهيّة - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد حسن البجنوردي


المحقق: مهدي المهريزي
الموضوع : الفقه
الناشر: نشر الهادي
المطبعة: مؤسسة الهادي
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-400-030-7

الصفحات: ٤٣١

ذمّة الضامن الثاني ، وهكذا يأتي رابع ويضمن عمّا في ذمّة الضامن الثالث ، إلى أيّ عدد بلغ.

والسرّ في ذلك : أنّ الضامن المتقدّم تشتغل ذمّته بما كان في ذمّة المضمون عنه وتبرأ ذمّة المضمون عنه ، فيكون حاله بالنسبة إلى الضامن الذي يتلوه بدون انفصال حال المضمون عنه بالنسبة إليه ، ويتمّ أركان الضمان وتشمله الإطلاقات بلغ ما بلغ عدد الضامنين.

فإذا كان ضمان كلّ لاحق بإذن المضمون عنه السابق عليه الذي يضمن عنه ، فإذا أدّى الأخير ما ضمنه للمضمون له فلكلّ لاحق الرجوع إلى سابقة ، إلى أن يصل إلى المضمون عنه الأوّل الذي كان هو المديون الأوّل.

وأمّا إن لم يكن إذن من أحدهم بالنسبة إلى ضمان من يضمن عنه ، فلا رجوع لكلّ واحد منهم ، وذلك من جهة أنّ ضمان المضمون عنه للضامن مشروط بأن يكون الضمان بإذنه ، لأنّ اشتغال ذمّته للضامن بدون إذنه أو طلبه الضمان عنه يكون بلا سبب وموجب.

وأمّا إن أذن بعضهم دون بعض فالضامن الذي كان مأذونا من قبل من يضمن عنه يرجع إليه ، وأمّا المضمون عنه الذي لم يأذن فلا رجوع إليه. وهذا ضابط كلّي في باب الضمان ، سواء كان الضامن واحدا أو كان متعدّدا عن الأشخاص المتعدّدة. وهذا الأخير هو المسمّى بترامي الضمان.

فرع : لو ضمن اثنان أو أكثر ما في ذمّة زيد مثلا‌ ، فإن صرّح كلّ واحد بالمقدار الذي من ذلك الدين ، فيكون ذلك المقدار في ذمّته ، وتترتّب عليه آثار ضمان ذلك المقدار ، ويكون كالضامن المنفرد بالنسبة إلى ذلك المقدار.

وأمّا إن أطلقا ولم يصرّحا بالمقدار وقالا أو قالوا : نحن ضامنون لهذا المال الذي‌

١٢١

في عهدة فلان ، فالظاهر أنّه يقسّط بينهم على حسب عددهم ، فإن كانا اثنين ينتقل إلى ذمّة كلّ واحد منهما نصف الدين ، وإن كانوا ثلاثة فالثلث وهكذا ، لبناء العقلاء على هذا في موارد الاشتراك ، مع عدم دليل على تعيين حصّة كلّ واحد منهم.

وأمّا لو استقلّ كلّ واحد بالضمان لتمام ذلك المال عن المديون وقبل المضمون له ، فربما يقال بصحّة مثل هذا الضمان ، وتخيير المضمون له بعد قبوله بين مطالبته من أيّهما شاء بتمام المال ، أو يطالب بالبعض من أحدهما والبعض الآخر من الآخر ، ولا فرق بين أن يكون البعضان متساويين في المقدار أو مختلفين.

ولكن الظاهر بطلان مثل هذا الضمان ، وذلك من جهة أنّ هذين الضمانين لو كانا طوليّين بحسب الزمان فالضمان الأوّل لا يبقى محلاّ للضمان الثاني ، لأنّ الضمان الأوّل فرغ ذمّة المديون ولم يبق شي‌ء في ذمّته كي يضمنه الضامن الثاني.

وإن كانا في عرض واحد فبناء على ما هو الحقّ عندنا من أنّ الضمان عبارة عن نقل ما في ذمّة المضمون عنه إلى ذمّة الضامن ، فلا يمكن نقل تمام ما في ذمّة المديون إلى ذمّة كلّ واحد منهما ، لأنّ كلّ واحد من النقلين يرفع موضوع النقل الآخر.

وقياس المقام بباب تعاقب الأيادي واضح البطلان ، فإنّ الضمان هناك طولي وهاهنا عرضي. ولا يبعد أن تكون العبارة ـ وقولهم بعد محاليّة هذا القسم ـ ظاهرة في الاشتراك ، وهذا الحمل لكلامهم من جهة الصون عن اللغوية وإلاّ فمقتضى القاعدة بطلان مثل هذا الضمان.

فرع : إذا كان على الدين الذي في ذمّته رهن ، فكما أنّه لو أدّاه ينفكّ ذلك الرهن ، فهل ينفكّ بالضمان أم لا؟ وجهان ، بل قولان :

من أنّ الرهن لأجل حفظ الدين وعدم ذهابه من البين لو صار المديون معسرا بل معدما ، فإذا أدّاه لا يبقى شي‌ء في ذمّته كي يحفظ بالرهن ، ولذلك بمحض الأداء‌

١٢٢

يفتكّ الرهن ، فيقال إنّ الضامن بعد أن ضمن ما في ذمّة المديون لا يبقى في ذمّة المديون شي‌ء كي يحفظ بواسطة الرهن ، فيرجع الرهن أمره إلى المديون.

ومن أنّ الدائن بعد وقوع عقد الرهن يحصل له أمران : أحدهما نفس المال وهو الذي في ذمّة المديون. والثاني : ما يوجب الوثوق بعدم تلف ماله أي ما في ذمّة المديون. فالأوّل يسقط عن ذمّة المديون بالضمان ، وأمّا الثاني بعد أن استحقّه بعقد الرهن لا وجه لسقوطه بنقل ما في ذمّة المديون. نعم لو اشترط الضامن مع المضمون له انفكاكه ينفكّ ، لأنّه شرط غير مخالف للكتاب والسنّة ، وكلّ شرط جائز إلاّ ما خالف كتاب الله.

والأظهر هو الثاني ، أي عدم انفكاك الرهن بالضمان.

فرع : لو قال لمن يدّعي مالا في ذمّة شخص آخر : عليّ ما عليه‌ ـ بنحو البتّ لا بأن يعلّق على كونه مديونا بأن يقول للمدّعي : إن كان لك في ذمّته مال فهو عليّ ـ فهذا الضمان صحيح ، فيسقط الدعوى عن المضمون عنه ، لأنّه تبرأ ذمّته على كلّ حال ، سواء لم يكن مديونا في الواقع أو كان.

إذ بناء على الأوّل لم تكن ذمّته مشغولة من أوّل الأمر على الفرض ، وبناء على الثاني انتقل إلى ذمّة الضامن وبرئت ذمّته ، فمع القطع بفراغ ذمّته لا يبقى مجال لكونه طرف الدعوى. نعم يصير الضامن طرف الدعوى فإن ثبت كون المضمون عنه مديونا قبل وقوع هذا الضمان ببيّنة أو إقرار يلزم الضامن ويؤخذ منه.

المقام الثاني

في الحوالة‌

وهي عبارة عن تحويل ما في ذمّته إلى ذمّة شخص آخر. فلا بدّ في الحوالة من‌

١٢٣

وجود ثلاثة أشخاص : المحتال وهو ربّ الدين ، والمحيل وهو المديون ، والمحال عليه وهو الذي ينتقل ما في ذمّة المحيل إلى ذمّته بعد قبوله بناء على اعتبار قبوله.

وهي عقد يقع بين المحيل والمحتال بإيجاب من المحيل ، وقبول من المحتال. وأمّا المحال عليه فهو أجنبيّ عن كونه طرف العقد وإن قلنا باعتبار قبوله في صحّة الحوالة.

فهذا العقد كسائر العقود العهديّة اللازمة من حيث الشرائط والأركان ، لإطلاق أدلّتها بالنسبة إلى جميعها ، فيعتبر فيها التنجيز وأن لا يكون معلّقا على أمر كسائر العقود العهديّة ، وبلوغ المتعاقدين ، واختيارهما ، ورشدهما ، وعقلهما.

ويحتاج إلى إيجاب من المحيل وقبول من المحتال ، كما هو الشأن في كلّ عقد. ويكفي في تحقّقه وإنشائه كلّ لفظ يدلّ دلالة صريحة على أنشأ مضمون هذا العقد من الطرفين ، أي الموجب والقابل.

والدليل على كلّ ذلك هو الدليل على اعتبار هذه الأمور في جميع العقود ، فلو قال المحيل : أحلتك أو حوّلتك بمالك في ذمّتي على زيد مثلا ، وقال المحتال : قبلت أو رضيت أو نحو ذلك تتحقّق الحوالة ويتمّ عقدها.

فرع : يعتبر في صحّة الحوالة أن يكون المال الذي يحيله المحيل على المحال عليه ثابتا في ذمّة المحيل‌ ، إذ لو لم تكن ذمّته مشغولة للمحتال فلا يعقل تحقّق حقيقة الحوالة التي هي عبارة عن نقل ما في ذمّته إلى ذمّة غيره.

فعلى هذا لا يصحّ حوالة دين الذي يأتي في ذمّته بواسطة هذه المعاملة التي سيعاملها فيما بعد ، قبل تماميّة تلك المعاملة ، لعدم اشتغال ذمّته بذلك الدين قبل ذلك.

بل وإن كان وجد سبب ذلك الدين ولكن معلّقا على أمر لم يحصل بعد ، كما في باب الجعالة فلا تصحّ حوالة الجعل قبل عمل العامل ، وإن كان سبب اشتغال ذمّة الجاعل بالجعل وجد بواسطة عقد الجعالة ، ولكن حيث أنّ العامل لا يستحقّ الجعل‌

١٢٤

بعد العمل فذمّة الجاعل ليست مشغولة قبل عمله ، فلا يمكن تحقّق الحوالة بالمعنى المذكور.

وهكذا الحال بالنسبة إلى الأجرة قبل عملهم بناء على عدم استحقاق الأجير على المستأجر قبل اتجار عمله وإتمامه.

والسرّ في ذلك كلّه أنّ تحويل المعدوم غير معقول ، وهذا واضح جدّا.

فرع : يعتبر في صحّة الحوالة رضى المحال عليه أيضا‌ وإن كان خارجا عن طرفي العقد ، لأنّ العقد واقع بين المحيل والمحتال ، ولكن اشتغال ذمّته لشخص آخر غير الدائن رغما على أنفه وبدون رضاه لا وجه له ولازم اشتغال ذمّته للدائن وجوب تفريغه عند طلبه لا اشتغال ذمّته لشخص آخر ، خصوصا فيما إذا كان اشتغال ذمّته لشخص آخر والتبديل به موجبا لضيق عليه.

وهذا فيما إذا كانت ذمّة المحال عليه مشغولة للمحيل بمثل ما يحال عليه ، وإلاّ ففي الحوالة على البري‌ء على تقدير صحّته ـ كما سيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى ـ فالأمر واضح ، إذ من الواضح البيّن عدم صحّة اشتغال ذمّته لشخص بلا سبب وبدون رضاه.

فرع : هل الحوالة على البري‌ء صحيحة‌ ، أو يشترط في صحّتها أن تكون ذمّة المحال عليه مشغولة للمحيل بمثل ما يحال عليه ولو من حيث القيمة؟

الأقوى عدم الاشتراط ، وذلك لأنّ حقيقة الحوالة عبارة عن تحويل ما في ذمّته إلى ذمّة الغير ، وهذا المعنى يمكن حصوله بقبول المحال عليه وإن لم تكن ذمّته مشغولة بمثله للمحيل ، فكأنّ المحال عليه صار ضامنا للمحيل بما كان في ذمّته فانتقل ما في ذمّة المحيل إلى ذمّة المحال عليه ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الزعيم غارم ».

١٢٥

وبناء على هذا لا يبقى فرق بين الضمان وهذا القسم من الحوالة إلاّ أنّ الضمان يمكن أن يتحقّق من غير تحويل المديون بل ولا بالتماسه أو إذنه وفي هذا القسم من الحوالة أيضا كسائر الحوالات يحتاج إلى تحويل من طرف المديون ، وإلاّ يكون ضمانا لا حوالة ، فيحتاج على عقد الضمان بأن يقول مثلا : أنا ضامن.

فرع : هل الحوالة بيع‌ بمعنى أن المحتال يبيع ما يملكه في ذمّة المحيل بما يملكه المحيل في ذمّة المحال عليه ، أم لا بل صرف استيفاء لما في ذمّة المحيل؟ والاستيفاء قد يكون بأخذ ما يطلب منه من نفسه ، وقد يكون بأخذه من المحال عليه بعد قبوله ورضاه.

الظاهر هو الثاني ، وذلك من جهة أنّ الدائن بصدد استيفاء دينه ، سواء كان المديون يعطيه بنفسه أو يحوّله على غيره. وهذا ما هو المتعارف بين الناس في الأسواق وفي معاملاتهم لا أنّ الدائن بصدد معاملة جديدة.

وتظهر الثمرة بين القولين في أنّه بناء على الأوّل لا تصحّ الحوالة إلاّ فيما إذا كانت ذمّة المحال عليه مشغولة للمحيل بمثل ما في ذمّته للمحتال ، وإلاّ يكون البيع بلا عوض. وأمّا بناء على الثاني فيحصل الاستيفاء بضمان المحال عليه ورضائه وقبوله ، وهو واضح.

فرع : لا فرق في صحّة الحوالة بين أن يكون المال الذي في ذمّة المحيل عينا‌ سواء كانت مثليّا كالحنطة والشعير ، أو قيميّا كالحيوانات والأثواب بعد تعيينها بذكر أوصافها التي تخرجها عن الجهالة ، أو منفعة كسكناه في دار موصوفة بصفات ترفع بها الجهالة ، أو كان عملا لم يشترط فيه مباشرته بنفسه ، ففي جميع ذلك تصحّ الحوالة ، لتماميّة أركانها.

وذلك لأنّه بناء على ما اخترناه من أنّ الحوالة استيفاء لا أنّها بيع ، فالمحتال‌

١٢٦

يستوفي ماله من المحال عليه ، سواء كان عينا أو منفعة أو مالا ، فكما يصحّ أن يحول من في ذمّته شعيرا أو حنطة أو غنما أو فرسا أو درهما أو دينارا على غيره سواء كان له على ذمّة ذلك الغير مثل ذلك أو كان بريئا ، كذلك يجوز ويصحّ أن يحيل ـ من في ذمّته خياطة ثوب مثلا أو بناء حائط أو قضاء صلاة أو صوم أو حجّ أو غيرها من العبادات أو من غير العبادات التي صار أجيرا ليأتي بها ـ شخصا آخرا ، بشرط أن لا يشترط عليه المباشرة.

وكذلك الأمر لو كانت في ذمّته منفعة ، كسكنى دار مثلا ، أو تمر نخلة ، أو فاكهة شجرة أو حليب شاة ، أو صوفها في ذكر أوصاف المذكورات لكي يرتفع الجهالة ، فيصحّ في جميع المذكورات وما يشبهها إحالته على شخص آخر ، وذلك من جهة قابليّة هذه الأمور لنقلها أو تحويلها من ذمّة إلى ذمّة أخرى مع قبول المحال عليه ورضائه.

كل ذلك لإطلاق قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الزعيم غارم » وقد بيّنّا أنّه لا فرق فيما ذكر وشمول قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الزعيم غارم » بين أن تكون ذمّة المحال عليه مشغولة للمحيل بمثل ذلك أو لا يكون.

فرع : إذا تحقّقت الحوالة تامّة الأركان فهل تبرأ ذمّة المحيل عن الدين بمحض وجود الحوالة‌ ، أو يكون موقوفا على أخذ المحتال عن المحال عليه واستيفائه منه؟

لا ينبغي أن يشكّ في أنّ مقتضى تعريف الحوالة بأنّها عبارة عن تحويل ما في ذمّته إلى ذمّة غيره هو الأوّل ، لأنّه بعد التحويل وقبول المحتال ورضاء المحال عليه وإمضاء الشارع الأقدس هذا التحويل بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الزعيم غارم » لا يبقى شي‌ء في ذمّته قهرا ، وهذا عين براءة ذمّته.

نعم يبقى الكلام في حال المحال عليه مع المحيل.

أقول : إن كان المحال عليه مديونا للمحيل بمثل ما أحال عليه ، فبعد الحوالة عليه‌

١٢٧

وقبوله تبرأ ذمّته بالنسبة إلى المحيل بنفس الحوالة وقبولها ، لأنّ الدائن استوفى دينه بنفس الحوالة مع قبول المديون ، وتشتغل ذمّة المديون للمحتال إلى أن يؤدّى دينه له.

وأمّا لو لم يكن المحال عليه مديونا للمحيل أصلا ، أي لم تكن ذمّته مشغولة بشي‌ء فتشتغل ذمّة المحيل له بمثل ما أحال إن لم يكن تحويله عليه بشرط أن يعطى للمحتال مجّانا وبلا عوض ، وإلاّ فلا تشتغل ذمّته له بشي‌ء.

وأمّا لو كان مديونا للمحيل بغير جنس ما أحال عليه ، مثلا أحال عليه بدينار وكان مديونا له بدرهم ، فهل تبرأ ذمّته عن دينه له بمقدار قيمة ما أحال ، أم لا تبرأ عمّا في ذمّته شي‌ء ويبقى على ما كان ، نعم تشتغل ذمّة المحيل له أيضا بمقدار ما أحال عليه من نفس جنس ما أحال أو من قيمته ، فذمّة كلّ واحد منهما مشغولة للآخر؟ وجهان.

والحقّ في المقام هو التفصيل بين أنحاء الحوالة ، بأنّ المحيل إذا أحال عليه بغير جنس ما يطلب منه ، كما قلنا إنّه يطلب من المحال عليه من جنس الدراهم ويحول عليه بجنس الدينار وأراد تبديل ما في ذمّته من الدراهم بالدينار أوّلا ثمَّ يعطى الدينار للمحتال وهو قبل هذا المعنى ، ورضى به فيسقط عن ذمّته من الدراهم بمقدار ما أحال عليه من الدنانير. وفي الحقيقة في المفروض معاملتان :

أحدهما : تبديل الدرهم بالدينار ، أي اشتغال ذمّة المحال عليه بالدينار عوض الدراهم التي كانت في ذمّته.

وثانيهما : اشتغال ذمّته للمحتال بالدراهم التي حوّلها عليه.

ولا يخفى أنّ المعاملة الأولى ـ أي التبديل في ضمن الثانية ـ ليست معاملة مستقلّة.

وأمّا إن لم يرد التبديل ، فتكون الحوالة كالحوالة على البري‌ء ، بل هو هو ، لأنّ المحال عليه بالنسبة إلى ما حوّل عليه وإن كان مديونا بشي‌ء آخر فيبقى دينه للمحيل على ما كان ، وتشتغل ذمّة المحيل له بمثل ما أحال ، فكلّ واحد من المحيل والمحال عليه مديون للآخر.

١٢٨

فرع : لو كان المحتال جاهلا بإعسار المحال عليه‌ ، ثمَّ ظهر له أنّه كان معسرا حال الحوالة ، كان الفسخ والرجوع إلى المحيل ، لما رواه منصور بن حازم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يحيل على الرجل بالدراهم أيرجع عليه؟ قال عليه‌السلام : « لا يرجع عليه أبدا إلاّ أن يكون قد أفلس قبل ذلك » (١).

ولما رواه الصدوق بإسناده عن أبي أيّوب أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يحيل الرجل بالمال أيرجع عليه؟ قال : « لا يرجع عليه أبدا إلاّ أن يكون قد أفلس قبل ذلك » (٢).

ولقاعدة الضرر ، وللإجماع وعدم الخلاف.

قال صاحب الجواهر : بلا خلاف أجد فيه (٣) ، كما عن الغنية الاعتراف (٤) به بل في محكي التذكرة نسبته إلى علمائنا (٥) ، والسرائر إلى أصحابنا (٦) ، بل عن الخلاف الإجماع عليه (٧).

وأمّا لو كان موسرا حال الحوالة ثمَّ بعد ذلك تجدّد الفقر والإعسار عليه بعد قبوله حال يساره ، فليس له الرجوع على المحيل ، لبراءة ذمّة المحيل عن دينه بعد ما أحال بحوالة صحيحة تامّة الأركان ، وعود الاشتغال يحتاج إلى سبب مفقود في المقام.

__________________

(١) « الكافي » ج ٥ ، ص ١٠٤ ، باب الكفالة والحوالة ، ح ٤ ، « تهذيب الأحكام » ج ٦ ، ص ٢١٢ ، ح ٤٩٨ ، باب في الحوالات ، ح ٣ ، وص ٢٣٢ ، ح ٥٦٩ ، باب في كيفية الحكم ، ح ٢٠ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ١٥٨ ، أبواب الضمان ، باب ١١ ، ح ٣.

(٢) « الفقيه » ج ٣ ، ص ٢٨ ، باب الحجر والإفلاس ، ح ٣٢٥٩ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ١٥٨ ، أبواب الضمان ، باب ١١ ، ح ١.

(٣) « جواهر الكلام » ج ٢٦ ، ص ١٦٧.

(٤) « الغنية » ضمن « الجوامع الفقهيّة » ص ٥٩٥.

(٥) « تذكرة الفقهاء » ج ٢ ، ص ١٠٥.

(٦) « السرائر » ج ٢ ، ص ٧٩.

(٧) « الخلاف » ج ٣ ، ص ٣٠٧ ، المسألة : ٦.

١٢٩

ولرواية عقبة بن جعفر عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يحيل الرجل بالمال على الصيرفي ثمَّ يتغيّر حال الصيرفي ، أيرجع على صاحبه إذا احتال ورضى؟ قال عليه‌السلام : « لا » (١).

وأمّا عكس هذا ، أي لو كان المحال عليه معسرا حال الحوالة مع جهل المحتاج بالحال ، فتجدّد له اليسار فهل للمحتال الخيار أم لا؟

الظاهر بقاء الخيار الثابت له قبل تجدّد اليسار ، إذ لا شكّ في ثبوت الخيار له بواسطة إعساره حال الحوالة وإن كان لا يعلم بهذا الثبوت.

وذلك لأنّ ثبوت الخيار تابع لموضوعه الواقعي ، ولا تأثير للعلم به في ثبوته ، فالحكم بعدم هذا الخيار وسقوطه لا بدّ وأن يكون مستندا إلى سبب للسقوط ، وليس ما يحتمل أن يكون سببا إلاّ تجدّد اليسار ، وهو لا يمكن أن يكون ، لأنّ موضوع هذا الخيار هو الإعسار حال العقد لا الإعسار الدائم ، وتجدّد اليسار لا يرفع الإعسار حال العقد ، فالموضوع باق فكذلك حكمه ، مع أنّه على فرض حصول الشكّ في بقائه يكون مجرى للاستصحاب.

وأمّا القول بأنّ ملاك حكم الشارع بالخيار هو عدم تضرّر المحتال بلزوم العقد بواسطة عدم إمكان استيفاء المحتال لحقّه ، فإذا ارتفع بواسطة تجدّد اليسار فلا خيار ، فاستحسان لا يجوز استكشاف حكم الشرعي به.

ثمَّ إنّ المراد بالإعسار هو أن لا يكون عنده ما يوفى به دينه زائدا على مستثنيات الدين.

فرع : البري‌ء المحال عليه هل يجوز له أن يرجع إلى المحيل‌ بالمال الذي أحاله‌

__________________

(١) « تهذيب الأحكام » ج ٦ ، ص ٢١٢ ، ح ٥١٠ ، باب في الحوالات ، ح ٦ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ١٥٩ ، أبواب الضمان ، باب ١١ ، ح ٤.

١٣٠

عليه بصرف القبول ولو كان قبل أدائه إلى المحتال ، أم لا يجوز إلاّ بعد أدائه له؟

مقتضى القواعد جواز رجوعه إليه ولو قبل أدائه ، وذلك من جهة ما قلنا إنّ مقتضى صحّة الحوالة على البري‌ء هو انتقال المال الذي كان في ذمّة المحيل إلى ذمّة المحال عليه ، ولكن بعوض مثله في ذمّة المحيل. ونتيجة مثل هذه الحوالة اشتغال ذمّة المحال عليه للمحتال واشتغال ذمّة المحيل للمحال عليه ، وهذا الاشتغالان يحصلان بمحض قبول المحال عليه البري‌ء ولو لم يؤدّ المحال عليه بعد ، ولازم ذلك صحّة رجوعه إلى المحيل قبل الأداء ، لأنّ المحيل مديون له بعد قبوله.

ولذلك ليس للمحتال الرجوع إلى المحيل بعد أن أحاله على شخص برضاه وقبول ذلك الشخص ، إلاّ أن يظهر كونه معسرا حال الحوالة مع جهل المحتال بذلك. وقد تقدّم في الفرع السابق الأمر لو كان كذلك ـ أي كان معسرا حال الحوالة ـ فللمحتال فسخ العقد ، فلو فسخ بعد علمه بإعسار المحال عليه لا يبقى في ذمّة المحيل شي‌ء كي يرجع المحال عليه إليه.

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ اشتغال ذمّة المحيل للمحال عليه بعد أدائه لا بعد قبوله للحوالة.

ولكن أنت خبير بأنّ لازم هذا الكلام أحد أمرين ، كلاهما باطلان :

أحدهما : عدم اشتغال ذمّة المحال عليه بصرف قبوله وتماميّة أركان عقد الحوالة.

وهذا خلاف مقتضى عقد الحوالة.

أو يقال بأنّ اشتغال ذمّة المحال عليه يكون بلا عوض. وهذا أيضا مناف لما هو المفروض والمتسالم عليه في باب عقد الحوالة ، من أنّ انتقال الحقّ من ذمّة المحيل إلى ذمّة المحال عليه ليس مجّانا وبلا عوض.

فلا بدّ وأن يقال بأنّ ذمّة المحيل تبرأ عن حقّ المحتال بالحوالة بعد قبول المحال عليه فيما إذا كانت الحوالة برضاء المحتال الذي هو طرف عقد الحوالة وهو القابل بعد‌

١٣١

إيجاب المحيل ، وتشتغل للمحال عليه بصرف قبوله وإن لم يؤدّ بعد.

فرع : تقدّم أنّ الحوالة عقد لازم‌ ، فلا يجوز للمحتال ولا للمحيل ولا للمحال عليه فسخها وحلّها إلاّ في صورة إعسار المحال عليه حال الحوالة مع جهل المحتال بذلك ، فإذا علم بذلك فله حلّ ذلك العقد وإن تجدّد للمحال عليه اليسار بعد وقوع الحوالة. وقد تقدّم بيان هذا الحكم وذكرنا دليله.

فرع : حال المحيل بعد أن أحال دينه على شخص وكانت الحوالة صحيحة واجدة للشرائط وكانت تامّ الأركان حال الأجنبي‌ بالنسبة إلى ذلك الدين ، ووجهه واضح من جهة أنّ ذمّته برئت بنفس الحوالة الصحيحة ، فانتقل ما في ذمّته إلى ذمّة المحال عليه ، فإن أعطى الدين قبل أن يؤدّي المحال عليه فتبرأ ذمّة المحال عليه على كلّ حال ، لعدم بقاء موضوع لاشتغال ذمّته بعد أداء المحيل لذلك الدين.

نعم يبقى الكلام في أنّه هل للمحيل الرجوع إلى المحال عليه أم لا؟

والصحيح في هذا المقام هو أنّه لو كان أداء المحيل بقصد التبرّع فلا رجوع ، وأمّا لو كان بمسألة المحال عليه فله أن يرجع إليه فيما لم تكن الحوالة على البري‌ء ، وأمّا إذا كانت على البري‌ء فحيث أنّ ذمّته اشتغلت له بمثل ما أحال عليه فيسقط ما في ذمّته ، ولا يبقى موضوع للرجوع.

فرع : لا يجب على المحتال قبول الحوالة وان كانت على ملي‌ء وفي غير مماطل‌ ، لعدم دليل على الوجوب ، وما هو الواجب على الدائن هو قبول دينه الحالّ إذا أراد المديون أن يوفيه ، وأمّا كونه مجبورا في قبول انتقاله إلى ذمّة شخص آخر فلا ، والأصل هي البراءة.

١٣٢

فرع : تبرأ ذمّة المحيل عن حقّ المحتال بمحض وقوع الحوالة الصحيحة تامّ الأركان‌ ، وليست موقوفة على أن يبرأه المحتال.

وذلك من جهة أنّ مقتضى صحة الحوالة بناء على تقدّم انتقال الدين عن ذمّة المحيل إلى ذمّة المحال عليه ، فإذا انتقل لا يحتاج إلى تبرئة المحتال بل يكون محالا بمعناها الحقيقي ، لأنّها من تحصيل الحاصل.

والتمسّك لاحتياجها إلى التبرية بقوله عليه‌السلام في رواية زرارة ، عن أحدهما عليهما‌السلام في الرجل يحيل الرجل بمال كان له على رجل آخر ، فيقول له الذي احتال : برئت ممّا لي عليك ، فقال عليه‌السلام : « إذا أبرأه فليس له أن يرجع عليه ، وإن لم يبرئه فله أن يرجع على الذي أحاله » (١) لا أساس له ، لأنّه مخالف للقواعد المأخوذة عن الآيات والروايات ، بل الإجماع على أنّ الحوالة الصحيحة موجبة لنقل المال من ذمّة المديون المحيل إلى ذمّة المحال عليه ، فإبراء المحتال له من قبيل تحصيل الحاصل.

هذا ، مضافا إلى ورود روايات تدلّ على انقطاع المحتال عن المحيل ، وعدم جواز رجوعه إليه بعد تماميّة الحوالة. وهذا من لوازم فراغ ذمّته بعد تماميّة الحوالة ، من دون حاجة إلى إبراء المحتال.

وقد تقدّم رواية منصور بن حازم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يحيل على الرجل بالدراهم أيرجع عليه؟ قال : « لا يرجع إليه أبدا إلاّ أن يكون قد أفلس قبل ذلك » (٢).

وقد تقدّم رواية أبي أيّوب عن أبي عبد الله عليه‌السلام بهذا المضمون التي رواها‌

__________________

(١) « الكافي » ج ٥ ، ص ١٠٤ ، باب الكفالة والحوالة ، ح ٢ ، « تهذيب الأحكام » ج ٦ ، ص ٢١١ ، ح ٤٩٦ ، باب في الحوالات ، ح ١ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ١٥٨ ، أبواب الضمان ، باب ١١ ، ح ٢.

(٢) تقدّم في ص ١٢٩ ، رقم (١).

١٣٣

الصدوق قدّس سره عنه (١).

فلا بدّ إمّا طرح هذه الرواية ، لعدم عمل الأصحاب بها وإعراض المشهور عنها. أو توجيهها وتنزيلها على ما إذا ظهر إعساره حال الحوالة الذي كان مورد استثناء في رواية منصور بن حازم ورواية أبي أيّوب ، وحملها بعض على أنّ المراد من الإبراء فيها قبول الحوالة ، ومن عدمه عدمه.

وخلاصة الكلام : أنّ ذمّة المحيل بعد الحوالة تبرأ من دون توقّفه على إبراء المحتال ، إلاّ أنّه لو ظهر فيما بعد أنّ المحال عليه كان معسرا حال الحوالة فللمحتال الخيار وحقّ حلّ العقد وفسخه.

فرع : يجوز ترامى الحوالات‌ ، وهو عبارة عن إحالة المحال عليه المال الذي اشتغلت ذمّته به بواسطة الحوالة إلى رجل آخر ، وهكذا الحال في المحال عليه الثاني يجوز أن يحيل ما في ذمّته بواسطة الحوالة الثانية إلى ثالث ، وهكذا غير واقف إلى حدّ بحيث أن يقال لا يجوز إحالة المحال عليه على غيره.

ووجه ذلك : أنّ المحال عليه يصير مديونا للمحتال ، ولكلّ مديون أن يحيل دينه إلى شخص آخر ، خصوصا فيما إذا كان ذلك الآخر مديونا له بمثل دينه جنسا وقدرا ، فتشمله إطلاقات أدلّة تشريع الحوالة ، فلا معنى لوقوفه عند حدّ.

ثمَّ إنّ ترامى الحوالات قد يكون مع وحدة المحال عليه وتعدّد المحتال ، وقد يكون بالعكس.

فالأوّل : كما إذا أحال المديون لعمرو دينه على زيد مثلا ، فيصير زيدا مديونا لعمرو ، فلو كان عمرو مديونا لشخص بمثل ماله على زيد ، فيجوز أن يحيل ذلك الرجل‌

__________________

(١) تقدّم في ص ١٢٩ ، رقم (٢).

١٣٤

على زيد ، وذلك الرجل أيضا لو كان مديونا لشخص بمثل ماله على زيد يجوز أن يحيل ذلك الشخص على زيد ، وهكذا إلى ألف ، بل لا يقف عند حدّ.

والثاني : أي تعدّد المحال عليه مع وحدة المحتال ، ففي المثل المذكور عمرو هو المحتال وزيد هو المحال عليه ، فعمرو المحتال لو كان عليه دين يحيله على زيد البري‌ء بعوض اشتغال ذمّته لزيد بمثل ما أحال عليه ، فيكون مديونا لزيد فيحيله على بكر البري‌ء ، فكذلك تشتغل ذمّته لبكر بمثل ما أحال عليه فيحيله على خالد ، وهكذا إلى ما لا نهاية له.

وفي الفرض الثاني ، أي وحدة المحتال مع تعدّد المحال عليه يمكن أن يمثّل بإحالة المديون زيدا مثلا على عمرو ، فيكون المحتال زيدا والمحال عليه عمروا ، ويصير عمروا مديونا لزيد بواسطة هذه الحوالة ، فيحيله عمر على بكر ، وبكر يحيله على خالد ، وهكذا.

هذا ترامى الحوالات بكلي قسميه ، أي وحدة كلّ واحد من المحال عليه والمحتال وتعدّد الآخر.

وكما يمكن تراميها يمكن دورها ، وذلك في المثال المذكور أخيرا بأن يحيل خالد زيدا على المديون الأوّل وهو المحيل الأوّل إن كان مديونا لخالد بمثل ما يحيل عليه ، أو قلنا بجواز الحوالة على البري‌ء.

والدليل على صحّة هذه الحوالات هو عموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) وإطلاقات أدلّة الحوالة ، وإطلاق « الزعيم غارم ».

فرع : لو أحال البائع من له عليه دين على المشتري بالثمن وقبل المشتري. فانفسخ البيع‌ بخيار أو ظهر فساد البيع لفقد شرط أو وجود مانع ، فذهب المشهور إلى بطلان الحوالة في الثاني ، وعدمه في الأوّل.

١٣٥

ووجهه إمّا البطلان في الثاني ، لأنّ المحيل أحال بالثمن على من له دين عليه ، ولا ثمن في البين لفساد البيع ، فلا موضوع لهذه الحوالة.

وأمّا الصحّة في الأوّل فمن جهة أنّ البيع وقع صحيحا وصار الثمن ملكا للبائع إمّا دينا في ذمّة المشتري وإمّا عينا في يده. وعلى كلّ حال تقع الحوالة وهي تامّ الأركان ، خصوصا بناء على ما هو الحقّ من أنّ الفسخ حلّ العقد من حين وقوعه لا من الأوّل ، وبعد انحلال العقد بالفسخ بأحد الخيارات وإن كان يرجع الثمن إلى ملك المشتري وكذلك المثمن إلى ملك البائع ولكن رجوع العينين إليهما منوط بعدم تعلّق حقّ الغير بهما. وأمّا إذا كان تعلّق حقّ الغير بهما أو بأحدهما فلا بدّ من الرجوع إلى بدلهما من مثل أو قيمة ، لأنّ رجوع العين غير ممكن شرعا ، فيكون كالتالف فيرجع إلى بدله.

ففي المفروض الانحلال الطاري بواسطة الفسخ أو الإقالة يوجب رجوع المشتري إلى بدل الثمن ، لتعلّق حقّ المحتال بنفس الثمن. وكذلك الأمر في طرف المشتري لو أحال البائع بالثمن على شخص في الصورتين ، أي تبطل الحوالة إذا ظهر فساد البيع وتكون صحيحة وباقية لو انحلّ البيع بالفسخ أو الإقالة.

فرع : لو أحال من له عليه دين على وكيله بمثل ما عليه‌ ، وكان ما عند وكيله عينا خارجيّة وقبل الوكيل ، فيجب على ذلك الوكيل أن يدفعها إلى المحتال ، وإن لم يدفع يرجع إلى المحيل ويأخذ دينه ، مثلا لو كان دينه لزيد وزنة من الحنطة أو كان دينارين أو غيرهما من سائر الأجناس ، وكان مثل المذكورات له عند عمرو فأحال الدائن على عمرو بمثل ما له عليه ، يجب على عمرو أن يدفعه إلى زيد الدائن ، وإن لم يدفع عصيانا أو لجهة أخرى فيرجع الدائن إلى المحيل ويستوفي الدين منه.

وذلك من جهة الفرق بين المفروض وبين ما إذا كان المحال عليه مديونا أو بريئا ، ففي الأخيرين ينتقل ما في ذمّة المحيل للمحتال إلى ذمّة المحال عليه ، فذمّة المحيل تفرغ‌

١٣٦

ولا يبقى فيها شي‌ء كي يرجع إليه الدائن بعد مماطلة المحال عليه واليأس عن الأخذ عنه.

وأمّا في المفروض فليس انتقال ذمّة في البين وإنّما هو مجرّد الأمر لوكيله بإعطاء مثل ما عليه من ماله المعيّن الخارجي ، فإذا لم يعط وإن كان بعد قبوله يرجع الدائن إلى المحيل المديون ، لبقاء اشتغال ذمّته وعدم تغيّرها عمّا كانت عليه.

والفرق بين أمره لوكيله بإعطاء العين الخارجي وبين إحالة ما في ذمّته إلى غيره بأن ينتقل ما في ذمته إلى ذمّة ذلك الغير في كمال الوضوح ، بل تسمية الأوّل بالحوالة لا يخلو عن نظر وإشكال.

فرع : وهو أنّه قال الشيخ في المبسوط : لا تصحّ الحوالة إلاّ بشرطين : اتّفاق الحقّين في الجنس والنوع والصفة ، وكون الحقّ ممّا يصح فيه أخذ البدل قبل قبضه (١).

وحاصل ما ذكره اشتراط صحّة الحوالة بشرطين آخرين غير ما ذكرنا وتقدّم.

أحدهما : أن يكون الحقّان ـ أي حقّ المحتال على المحيل مع حقّ المحيل على المحال عليه ـ من جنس ونوع واحد ، وكذلك في الصفات. مثلا لو كان دين زيد على عمرو من الأرز العنبر المتّصف بصفة كذا فيحيله زيد على خالد لحقّ له عليه ، لا بدّ أن يكون حقّه على خالد أيضا كذلك من حيث الجنس ، أي يكون أرزا مثلا لا حنطة ، ومن حيث النوع أي يكون ما له على خالد من الأرز العنبر لا من قسم آخر من أقسام الأرز ، وأن يكون صفاته أيضا مثل صفاته. هذا هو الشرط الأوّل.

وما ذكر في وجه هذا الشرط هو أنّه لو لم نراع اتّفاق الحقّين أدّى إلى أن يلزم المحال عليه أداء الحقّ من غير الجنس الذي عليه ، ومن غير نوعه ، وعلى غير صفته ،

__________________

(١) « المبسوط » ج ٢ ، ص ٣١٣.

١٣٧

وذلك لا يجوز.

والمقصود من هذه العبارة أنّ المحال عليه بعد قبوله وانتقال ما في ذمة المحيل إلى ذمّته يلزم بأداء ما في ذمّة المحيل من أي جنس ونوع كان ، وبأيّ صفة كان. والمفروض أنّ ما في ذمّة المحال عليه للمحيل لم يكن من هذا الجنس ، ولا من هذا النوع ، ولا بهذه الصفة فبأيّ وجه يكون ملزما بأداء ما ليس عليه.

وفيه : أنّ هذا وجه عجيب ، إذ إلزامه بأدائه من جنس ما للمحتال على المحيل ومن نوعه وبصفته ليس من ناحية دينه للمحيل ـ كي نقول لا يجوز ، إذ لا يجوز إلزام المديون بأداء غير ما عليه جنسا أو نوعا أو صفة ، إذ الدين تمليك الشي‌ء بعوضه الواقعي ، فإن كان مثليّا فبمثله في الجنس والنوع والصفة وإن كان قيميّا فبقيمته الواقعية ـ بل من ناحية قبوله.

إذ بعد ما أحال المحيل ما في ذمّته عليه من جنس كذا ، أو من نوع كذا ، أو بصفة كذا وقبل هو ، ينتقل إلى ذمّته عين ما في ذمّة المحيل ذي الجهات المذكورة ، من الجنس والنوع والصفة.

وحيث أنّ قبوله ليس مجّانا بل بعوض ما في ذمّته للمحيل ، فقهرا تقع معاوضة بين ما في ذمّته وما في ذمّة المحيل ، ولا إشكال فيه إذا كان بتراضى الطرفين وإن كان العوضين من جنسين ونوعين وبصفتين ، بل غالب أبواب المعاوضات كذلك ، أي من جنسين ومن نوعين وبصفتين.

ثانيهما : أنّه يشترط في صحّة الحوالة كون الحقّ مما يصحّ فيه أخذ البدل قبل قبضه ، فالحوالة على المسل‌م إليه بالمسلم فيه لا يجوز ، وذلك لعدم جواز أخذ البدل عن المسلم فيه قبل قبضه ، إذ الحوالة في الحقيقة ضرب عن المعاوضة ، أي تقع المعاوضة بين دين المحتال في ذمّة المحيل وبين ذمّة المحيل في ذمة المحال عليه. وحيث أنّ ما في ذمّة المحال عليه في المورد المفروض هو المسلّم فيه وقد ثبت في محلّه أنّه لا تجوز المعاوضة‌

١٣٨

على المسلم فيه خصوصا إذا كان من المكيل أو الموزون ، فلا تصحّ الحوالة بالمسلم فيه قبل قبضه على المسلم إليه ، ولا بدّ في الحوالة على المسلم إليه بالمسلم فيه أن يكون قبل القبض ، إذ بعد القبض لا يبقى حقّ على المسلم إليه كي يمكن الحوالة عليه.

هذا حاصل ما يستفاد ممّا أفاده الشيخ في المبسوط (١) وجها للشرط الثاني.

ولكن أنت خبير بضعف هذا الوجه ، إذا الحوالة استيفاء الدين من المحتال ومن المحيل أيضا ، فالمحتال يستوفي دينه من المحيل بتوسّط الحوالة على المحال عليه ، والمحيل أيضا يستوفي دينه من المحال عليه ، واستيفاء الدين بغير جنسه جائز إذا كان مع التراضي ، فلا معاوضة في البين ، هذا أوّلا.

وثانيا : أنّ المعاوضة على المسلّم فيه قبل القبض لو كان فيه إشكالا يكون مختصّا بما إذا كان من المكيل أو الموزون.

وثالثا : المشهور قائلون بكراهة بيع المسلّم فيه لا الحرمة ، وإن قال به بعض القدماء مثل ابن البراج (٢) وابن حمزة (٣).

ورابعا : القائلون بالحرمة يقولون في خصوص البيع لا مطلق المعاوضة.

فقد ظهر ممّا ذكرنا هاهنا وفيما تقدّم عدم اشتراط صحّة الحوالة بهذين الشرطين اللذين ذكرها شيخ الطائفة قدس‌سره.

ثمَّ قال الشيخ قدس‌سره : ويقوّى في نفسي أنّ الحوالة ليست بيعا ، بل هي عقد منفرد ويجوز جميع ذلك إلاّ زيادة أحد النقدين على صاحبه ، لأنّه رباء (٤).

__________________

(١) « المبسوط » ج ٢ ، ص ٣١٣.

(٢) حكي عنه في « مختلف الشيعة » ج ٥ ، ص ٤٩٥.

(٣) « الوسيلة » ص ٢٨٢.

(٤) « المبسوط » ج ٢ ، ص ٣١٧.

١٣٩

فرع : هل يجوز الحوالة بما لا مثل له أم لا؟

والمراد بما لا مثل له هو القيمي.

الظاهر هو الأوّل ، أي جواز الحوالة بما لا مثل له ، وذلك من جهة أنّ المراد من الحوالة استيفاء المحتال ، دينه من المحيل وكذلك استيفاء المحيل دينه من المحال عليه إذا لم تكن الحوالة على البري‌ء وقد تقدّم أنّ استيفاء الدين كما يمكن بنفس ما في ذمّته كذلك يمكن بمثله أو قيمته.

فلو أحال عليه ثوبا أو حيوانا كان في ذمّته ، يمكن أن يستوفي المحتال دينه الذي كان على المحيل بقيمته والحوالة صحيحة وإن لم يكن له مثل ، ويحصل الغرض من الحوالة الذي هو عبارة عن استيفاء دينه.

خلافا للشيخ (١) وابن حمزة ، (٢) فقد نسب في الجواهر إلى الشيخ في أحد قوليه وإلى ابن حمزة أنّهما منعا عن الحوالة بالقيميّات للجهالة فيها. (٣) وفيه أنّ رفع الجهالة فيها ممكن بالتوصيف ولذلك بنائهم على صحة بيع المسلم فيها باعتبار انضباطها بالتوصيف.

ولا شكّ في أنّ اعتبار المعلوميّة في المال المحال به ليس أشدّ وآكد من اعتبار المعلوميّة في المسلم فيه فلا يبقى وجه لإشكالها في صحّة الحوالة بالقيميّات ، مثل الأثواب والحيوانات ممّا تتعلّق بالعهدة بحسب أحد أسباب الضمان.

فالعمدة في المال المحال به هو أن يكون ثابتا حال الحوالة في ذمّة المحال عليه ، ولا فرق بين أن يكون من المثليّات أو من القيميّات. نعم لا بأس بالحوالة على البري‌ء وقد تقدّم تفصيل ذلك.

__________________

(١) « المبسوط » ج ٢ ، ص ٣١٢.

(٢) « الوسيلة » ص ٢٨٢.

(٣) « جواهر الكلام » ج ٢٦ ، ص ١٦٩.

١٤٠