القواعد الفقهيّة - ج ٥

آية الله السيّد محمّد حسن البجنوردي

القواعد الفقهيّة - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد حسن البجنوردي


المحقق: مهدي المهريزي
الموضوع : الفقه
الناشر: نشر الهادي
المطبعة: مؤسسة الهادي
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-400-030-7

الصفحات: ٣٩٢

الصادق عليه‌السلام كان بعنوان أنّه إمام ومذهب مقابل سائر مذاهب المسلمين.

وهذا هو الذي كان يضرّ بسلاطين الوقت ، وكان الإمام الصادق عليه‌السلام كثيرا ما يأمر بإخفاء أمرهم ، وكان عليه‌السلام يخاف من ظهوره ؛ ولذلك ترى الأئمّة عليهم‌السلام كانوا يفتون طبق فتوى مفتي عصرهم وزمانهم لأجل هذه الجهة ، وإن كان رأي أغلب المخالفين لنا مخالفا للفقيه المعاصر معهم ، فحمل أخبار الطهارة على التقيّة مع أنّ أغلب المخالفين يفتون بالنجاسة ليس بعيدا عن الصواب كثيرا.

ولكن مع ذلك رفع اليد عن هذه الأخبار الكثيرة التي يطمئن الإنسان بصدورها إجماعا عن الإمام عليه‌السلام مع أنّ الطائفة الأخرى المعارضة لها موافقة مع أغلب المخالفين لنا لأجل الاحتمال المذكور ممّا لم تركن النفس إليه ، ولا تطمئن به.

ورجّح البعض أخبار النجاسة ؛ لأجل موافقتها مع المشهور الشهرة التي كادت أن تكون إجماعا.

وفيه : أنّ الشهرة التي من المرجّحات هي على الظاهر الشهرة الروائيّة ، وهي أن يكون نقل الرواية مشهورا بين أصحابنا الإماميّة رضوان الله عليهم.

وأمّا الشهرة العمليّة الفتوائيّة تكون موجبة لجبر ضعف السند ، كما أنّ إعراض الأصحاب عنها يكون سببا لوهنه ، بل كلّما ازداد صحّة ازداد وهنا. وفيما نحن فيه كلتا الطائفتين مشهورتان من حيث الرواية ، ورواهما أصحاب الكتب المعتبرة وأرباب الجوامع العظام.

وأمّا مسألة الإعراض والفتوى على خلافها ، فلعلّه ليس من جهة عدم الاعتماد على سندها ، بل للتصرّفات في دلالتها ، أو لحملها على التقيّة كما تقدّم بيانه ، فمثل هذا الإعراض لا يوجب وهنها.

نعم هاهنا روايتان وردتا في مقام علاج التعارض بين هاتين الطائفتين ، وبأية واحدة يأخذ ويجب العمل بها‌

٣٢١

إحداهما رواية خيران الخادم التي تقدّم ذكرها (١) ، وهي أنّه قال : كتبت إلى الرجل عليه‌السلام أسأله عن الثوب يصيبه الخمر ولحم الخنزير أيصلّى فيه ، أم لا؟ فإنّ أصحابنا قد اختلفوا فيه ، فقال بعضهم صلّ فيه فإنّ الله حرّم شربها ، وقال بعضهم لا تصلّ فيه فكتب : « لا تصلّ فيه فإنّه رجس ».

ففي مقام الجواب عن السؤال عن العلاج بين الطائفتين المتعارضتين رجّح عليه‌السلام الطائفة الدالّة على النجاسة. ولا يمكن أن يقال إنّ هذه الرواية أيضا داخلة في الطائفة المتعارضة الدالّة على النجاسة ، لأنّ ورود هذه الرواية في العلاج بين الطائفتين بعد فرض وجودهما ، فتكون في الرتبة المتأخّرة عن وجودهما ، فلا يمكن أن تكون داخلة في إحداهما.

وكذلك صحيح علىّ بن مهزيار قال : قرأت في كتاب عبد الله بن محمّد إلى أبي الحسن عليه‌السلام : جعلت فداك روى زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام وأبي عبد الله عليه‌السلام في الخمر يصيب ثوب الرجل أنّهما قالا : لا بأس بأن تصلّي فيه إنّما حرّم شربها ، وروى غير زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ يعني المسكر فاغسله إن عرفت موضعه ، وإن لم تعرف موضعه فاغسله كلّه ، وإن صلّيت فيه فأعد صلاتك ، فأعلمني ما آخذ به؟ فوقّع عليه‌السلام بخطّه وقرأته : « خذ بقول أبي عبد الله عليه‌السلام ». (٢)

وهذه الرواية أيضا كالأولى صريحة في تقديم إحدى الطائفتين ، وهي الطائفة الدالّة على النجاسة ، على الأخرى فبملاحظة هاتين الروايتين يتعيّن الأخذ بأخبار النجاسة ، وترك الطائفة الأخرى وردّ علمها إلى أهلها ، أو حملها على التقيّة بما ذكرنا. والإنصاف أنّ مع هذا الاتّفاق من فقهاء الإسلام قاطبة إلاّ الشّاذ ممّن لا يعتدّ بخلافهم وهذه الروايات التي ذكرناها وأنّها صحاح واضح الدلالة على النجاسة ، وهاتين‌

__________________

(١) تقدّم في ص ٣١٦ ، رقم (٢).

(٢) « الكافي » ج ٣ ، ص ٤٠٧ ، باب الرجل يصلّي في الثوب ... ، ح ١٤ ، « وسائل الشيعة » ج ٢ ، ص ١٠٥٥ ، أبواب النجاسات ، باب ٣٨ ، ح ٢.

٣٢٢

الروايتين في مقام علاج التعارض بين الطائفتين ، لا يبقى شكّ للفقيه في نجاسة كلّ مسكر مائع بالأصالة.

تتميم‌

وهو أنّه هذا المطهّر الطّبي ، أي المائع المعروف باسبرتو هل هو نجس ـ بعد الفراغ عن نجاسة كلّ مسكر مائع بالأصالة ـ أم لا؟ فالبحث يكون فيه صغرويا وأنّه هل هو نوع من أنواع المسكر المائع بالأصالة أم لا؟

فبناء على هذا ليست هذه المسألة من المسائل الفقهيّة ، وليس معرفتها من وظيفة الفقيه بما هو فقيه ، بل لا بدّ وأن يرجع فيها إلى أهل الخبرة في هذا الفن.

نعم حكم الشكّ في أنّه هل هو من المائع المسكر بالأصالة أو ليس منه راجع إلى الفقيه ، ولا شكّ في أنّ في الشبهة الموضوعيّة لما هو النجس المرجع هو أصل الطهارة إن لم يكن دليل حاكم في البين ، وكذلك في الشبهة الحكميّة إذا كان منشأ الشكّ هو إجمال المفهوم الذي جعل موضوعا للنجاسة من جهة الشكّ في سعته وضيقه.

فإذا شككنا في هذا المائع المعروف والمطهّر الطبي المسمّى باسبرتو هل يطلق عليه المسكر المائع بالأصالة إطلاقا حقيقيّا بحيث لا يصح سلب هذا العنوان عنه ، وكان منشأ الشكّ عدم الإحاطة بحدود مفهوم المسكر المائع بالأصالة ، أي لم نتحقّق المفهوم العرفيّ من هذا العنوان أنّه هل هو خصوص ما يكون صالحا للشرب فعلا من دون احتياجه إلى علاج ، وإن كان ذلك العلاج مزجه بالماء ، فلا يطلق على هذا المائع المعروف إطلاقا حقيقيّا ، أو أعمّ منه وممّا يصير صالحا للشرب والإسكار ، وإن كان صلاحيّته للأمرين ـ أي الشرب والإسكار ـ يحتاج إلى العلاج ، وإن كان بمزجه بالماء. فإذا حصل مثل هذا الشكّ ، ولم يقم دليل على أحد الطرفين ، فالمرجع هي أصالة الطهارة. وحيث أنّ ظاهر أدلّة نجاسة المسكر المائع بالأصالة هو كون المائع بالفعل‌

٣٢٣

صالحا للشرب وموجبا للإسكار من دون الاحتياج إلى علاج ولو بمزجه بالماء ، فيكون مقتضى ظاهر الأدلّة عدم نجاسته من هذه الجهة ، وقد عرفت أنّه لو شككنا أيضا مقتضى الأصل هي الطهارة.

وأمّا إنكار إجمال المفهوم وأنّه عبارة عمّا يكون صالحا للشرب والإسكار ، وإن كان بعلاج ، فالإنصاف أنّه مكابرة ، وقد حكى لي بعض الثقات من أهل الفنّ أنّ هذا المائع الذي يسمّى الآن بأسبرتو ويستعمله الأطبّاء لتطهير الإبر وأدوات وآلات تطعيم الأدوية وتزريقها في بدن المرضي ، ليس ممّا يشرب ، وإنّما هو يعدّ من جملة السموم الخفيفة.

نعم فيه قوّة الإسكار بالمرتبة الشديدة ، وبمزجه بالماء تخفّ عاديته ، وربما يكون صالحا لشرب بعض مدمني الخمور ولكن بعد مزجه بالماء ، وقبل المزج ليس صالحا للشرب لأيّ شخص كان.

وأنت خبير بأنّ مدمني الخمور والمكثرين لشرب ألكل لمدّة طويلة بالأخرة يتسمّم بدنهم ، فعدم تأثيره فيهم من هذه الجهة ، لا أنّه يصير من المشروبات العادية كسائر المسكرات التي يشربها شاربوا الخمر والمسكرات.

وقد حكى لي أيضا أنّ بعض المفرطين في شرب الأفيون وبلعها بالأخرة انجرّ أمره إلى أن حبس حيّة سامّة في جعبة وكان يعرض نفسه للدغها كي ينوب عن سمّ الأفيون الذي تعوّد بشربه ، وكان لم يجده لعوز المال ، فمثل هذه الموارد الشاذّة لا توجب صدق المسكر على هذا المائع المعروف باسبرتو.

مضافا إلى أنّه لو كان من مصاديق المسكر حقيقة تكون الأدلّة منصرفة عنه ، لأنّ الظاهر والمتفاهم العرفيّ من قوله تعالى ( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ ) (١) هو المسكر المعروف الذي كان المتعارف شربه‌

__________________

(١) المائدة (٥) : ٩٠.

٣٢٤

بين شرّاب الخمور ، وأمّا مثل هذا المائع الذي لا يشربه أحد إذ ليس صالحا للشرب عندهم ، فلفظ الخمر منصرف عنه ، وإن قلنا بأنّ الخمر اسم لكلّ مسكر.

وأمّا عموم التعليل بأنّ حرمة الخمر ليست لاسمها ، بل لعاقبتها ، فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر ، فالظاهر أنّه تعليل للحرمة وتنزيل لما كان عاقبته الخمر منزلة الخمر في خصوص الحرمة ، لا في جميع الآثار حتّى النجاسة.

هذا مع أنّه يمكن أن يقال : إنّ هذا التعليل راجع إلى المائعات التي يتعارف شربها بين شرّاب المسكرات ، وأمّا المائع الذي لا يشربه أحد فخارج عن موضوع الكلام ، فهو عليه‌السلام بصدد بيان أنّ اسم الخمر لا خصوصيّة له في هذا الحكم ، بل كلّ مائع من هذه الأشربة التي يشربونها إذا كان مسكرا يكون مثل الخمر حراما ، وإن لم يسمّ بالخمر ، فمثل الفقّاع والنبيذ المسكرين يكونان بحكم الخمر ، وإن لم يطلق عليهما لفظ الخمر.

وخلاصة الكلام : أنّ الفقيه المتأمّل ربما يقطع بخروج مثل هذا المائع عن موضوع أدلّة نجاسة كلّ مسكر مائع بالأصالة ، ولا أقلّ من الشكّ ، فلا تشمله الإطلاقات والعمومات التي تدلّ على نجاسة كلّ مسكر مائع بالأصالة ، فيكون مجرى لأصالة الطهارة. والله هو العالم بحقائق الأحكام وجميع الأمور. عصمنا الله عن الخطاء والزلل.

والحمد لله أوّلاً وآخراً ، وظاهراً وباطناً.

٣٢٥
٣٢٦

٥٥ ـ قاعدة

كلّ كافر نجس كتابيّا

كان أو غيره‌

٣٢٧
٣٢٨

قاعدة كلّ كافر نجس كتابيّا كان أو غيره

ومن جملة القواعد الفقهيّة المشهورة قاعدة « كلّ كافر نجس ».

فيها جهات من البحث.

الجهة الأولى

في بيان المراد منها‌

أقول : الكافر على أقسام ، ويجمعها عدم التصديق بنبوّة نبيّنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو إنكار شي‌ء ضروريّ الثبوت في دينه من العقائد الحقّة أو الأحكام الشرعيّة ، فمن أنكر وجوب الصلاة ، أو وجوب الزكاة ، أو وجوب الحجّ بعد اجتماع شرائط وجوب هذه الأمور فهو كافر.

فالقسم الأوّل : من الكافر هو الذي ينكر وجود صانع وخالق للعالم ، ويعتقد بأنّ مادّة هذا العالم المادّي قديم بالذات ، وليس وجودها مسبوقا بالعدم الواقعي المقابل للوجود ، فليست حادثة كي يحتاج إلى العلّة التي توجدها.

وهؤلاء هم الطبيعيّون الذين يزعمون أنّ الأنواع والأشخاص الموجودة من هذا العالم المادّي من اختلاط الموادّ الأصليّة والذرّات القديمة بعضها ببعض وأفاعليها وانفعالاتها ، وهؤلاءهم أكفر الكفّار.

القسم الثاني : المنكرون للتوحيد ، وهم المشركون وهم أقسام كثيرة :

فمنهم من ينكر توحيد الذات الأحد القديم ويقول بأصلين قديمين بالذات أو‌

٣٢٩

أكثر ، وربما ينسب هذه العقيدة إلى المجوس القائلين بمبدئين قديمين : النور والظلمة ، أو بقولهم يزدان وأهرمن ، ولكن الظاهر أنّهم لا يقولون بمبدئين قديمين بالذات ، وإنّما ينكرون التوحيد في مقام الفاعليّة لا في مقام الذات ، ولتفصيل المسألة مقام آخر.

ومنهم من ينكر التوحيد في مقام الفاعليّة ، ويرون المؤثّر في الحوادث والموجودات غير الله أيضا. وهذا القسم من المشركين كثيرون ، وهؤلاء عبدة الأصنام التي ينحتونها هم أنفسهم أو يصنعونها من أحد الفلزّات ، أو عبدة الأجرام السماويّة كالشمس والقمر وغيرهما ، أو غير ذلك من النباتات والجمادات.

وكان مشركو العرب وأهل مكة من هذا القسم الذين ابتلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهم ، بل غالب الأنبياء العظام سلام الله عليهم كموسى وإبراهيم وغيرهما ابتلوا بهذا القسم من المشركين ، وليس مقامنا مقام شرح الأديان وتفصيل المذاهب.

القسم الثالث : الذين ينكرون الرسالة ، إمّا جميع الأنبياء حيث يقولون بكفاية العقل الذي خلقه الله لعباده وجعله رسولا باطنيّا ، وهو يكفي في لزوم الاجتناب عن ارتكاب القبائح وما فيها من المفاسد ، ولزوم الارتكاب لما فيها المحاسن والمصالح ، وإمّا ينكرون نبوّة بعض الأنبياء الذين هم أولوا العزم ، بل كلّ نبيّ في عصره دون بعض ، وذلك كالكتابيّين بعد ظهور نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعثته.

القسم الرابع : هم الذين ينكرون ضروريّا من ضروريات الدين ، سواء كان ضروريّا في جميع الأديان الحقّة كالمعاد الجسماني ، أو كان ضروريّا في خصوص دين الإسلام كوجوب الصلاة والزكاة ، وحرمة شرب الخمر والزنا واللواط والسرقة ، وغيرها من الضروريات.

فظهر ممّا ذكرنا أنّه من أوضح مصاديق منكر الضروريّ من يقول بوجود نبيّ بعد نبيّنا خاتم النبيّين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا شكّ في كفر من يدّعي النبوّة ، أو يعتقد نبوة شخص بعد بعثة خاتم الأنبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهذه الفرقة الضالّة الذين يدّعون مثل هذه المقالة في عصرنا لا شكّ في كفرهم.

٣٣٠

وأمّا المجسّمة والغلاة والخوارج والنواصب سنتكلّم عنهم إن شاء الله في خاتمة هذه القاعدة.

وأمّا الكتابي فهو الذي يعتقد ويؤمن بكتاب منزل من السماء على نبيّ من الأنبياء ممّا عدا القرآن الكريم ، لأنّ المعتقد والمؤمن بالقرآن ، وأنّه منزّل من السماء على رسول الله محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس بكافر ، إلاّ أن ينكر ضروريّا من ضروريّات الدين.

وإذا تبيّن ما ذكرنا فالمراد من هذه القاعدة نجاسة كلّ قسم من الأقسام الأربعة المذكورة.

الجهة الثانية

في بيان أقوال الفقهاء في هذه المسألة والقاعدة‌

فنقول : المشهور عند الإماميّة هو القول بنجاسة الكفّار مطلقا ، ذميّا كانوا أو حربيّا ، كتابيّا أو غير كتابي ، بل ادّعى الإجماع عليها جمع من الفقهاء المتقدّمين ، كما في الغنية. (١) والناصريّات (٢) والانتصار (٣) والسرائر (٤) وغيرهم ، بل ادّعى الشيخ في التهذيب (٥) إجماع الفقهاء قاطبة من الإماميّة ومن مخالفيهم.

ولكن الظاهر أنّ المشهور بين المخالفين هو القول بطهارتهم حتّى أنّه في الفقه على المذاهب الأربعة (٦) يدّعي طهارتهم حيّا وميّتا ، ويستدلّ على ذلك بقوله تعالى ( وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ ) (٧) ومن تكريمهم طهارة أبدانهم حيّا وميّتا. ولم ينقل قولا بالنجاسة من‌

__________________

(١) « الغنية » ضمن « الجوامع الفقهيّة » ص ٥٥١.

(٢) « الناصريات » ضمن « الجوامع الفقهيّة » ص ١٨٠.

(٣) « الانتصار » ص ١٠.

(٤) « السرائر » ج ١ ، ص ٧٣.

(٥) « تهذيب الأحكام » ج ١ ، ص ٢٢٣.

(٦) « الفقه على المذاهب الأربعة » ح ١ ، ص ٦.

(٧) الإسراء (١٧) : ٧٠.

٣٣١

أحد المذاهب الأربعة.

ومقابل المشهور أو المجمع عليه قول شاذّ من بعض الإماميّة بطهارة خصوص الكتابيّ منهم. ونسب هذا القول من القدماء إلى ابن الجنيد (١) في مختصره ، وأنكر صاحب الجواهر (٢) صراحة كلامه في ذلك ، ومع ذلك طعن عليه بأنّه قائل بالعمل بالقياس ، وأنّ أقواله مرفوضة عند الفقهاء لذلك.

وعلى كلّ حال المتتبّع في الفقه يحصل عنده الشهرة المحقّقة من أصحابنا الإماميّة على نجاسة الكفّار مطلقا وإن كان كتابيّا ، كما أنّ المشهور بين المخالفين خلاف ذلك.

الجهة الثالثة

في بيان الأدلّة الدالّة على هذه القاعدة ، وشرحها وكيفيّة دلالتها‌

الأوّل : الإجماع. وقد ادّعاه جمع كثير ، وقد تقدّم ذكر بعضهم ، والعبارة المنقولة عن الوحيد البهبهاني قدس‌سره (٣) أنّ الحكم بنجاسة الكفّار وإن كان كتابيّا من ضروريّات المذهب وشعار الشيعة يعرفه المخالفون لهم عنهم ، رجالهم ونسائهم بل صبيانهم.

قال في الجواهر بعد أن حكى كلام القديمين ابن الجنيد وابن عقيل ، وأنكر ظهور كلامهما في طهارة أهل الكتاب : فلا خلاف حينئذ يعتدّ به بيننا في الحكم المزبور ، بل لعلّه من ضروريّات مذهبنا. ولقد أجاد الأستاذ الأكبر بقوله : إنّ ذلك شعار الشيعة يعرفه منهم علماء العامّة وعوامهم ونسائهم وصبيانهم ، بل وأهل الكتاب (٤).

والإنصاف : أنّ اتّفاق فقهاء الشيعة الإماميّة الاثنى عشريّة على هذا الحكم ممّا لا يمكن أن ينكر ، ومخالفة شاذّ من المتأخّرين منهم لا يضرّ بهذا الإجماع والاتّفاق. اللهمّ‌

__________________

(١) نقله عنه في « كشف اللثام » ج ١ ، ص ٤٦.

(٢) « جواهر الكلام » ج ٦ ، ص ٤٢.

(٣) نقله عنه في « جواهر الكلام » ج ٦ ، ص ٤٢.

(٤) « جواهر الكلام » ج ٦ ، ص ٤٢.

٣٣٢

إلاّ أن يقال : إنّ اعتماد المتّفقين في هذا الحكم على المدارك الآتية فليس من الإجماع المصطلح الأصولي الذي نقول بحجيته.

الثاني : قوله تعالى ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ ) (١).

وتقريب الاستدلال بهذه الآية الشريفة على نجاسة الكفّار وتقريره : أمّا بالنسبة إلى المشركين ، أي عبدة الأصنام والثنويّة فواضح لا يحتاج إلى البيان.

وأمّا بالنسبة إلى المنكرين لأصل الألوهيّة الذين لا يقولون بوجود خالق للعالم فبالأولويّة القطعيّة ، لأنّ منشأ هذه النجاسة هو خبث النفس ودناءتها ، ولا شكّ أنّ مثال هذا المعنى في المادّيين المنكرين لوجود الصانع الحكيم ثبوته بنحو أشدّ ، لأنّ الخباثة والذّناءة في نفوسهم أزيد وآكد.

وأمّا بالنسبة إلى أهل الكتاب : أمّا المجوس على القول بأنّهم منه فواضح ، لأنّهم الثنويّة القائلون بمبدئين ، ويعبّرون تارة بالنور والظلمة ، وأخرى بيزدان الذي هو مبدء الخيرات عندهم ، وأهرمن الذي هو مبدء الشرور باعتقادهم.

وأمّا بالنسبة إلى اليهود والنصارى فلإطلاق المشرك عليهم في الكتاب العزيز في قوله تعالى ( وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ) إلى قوله تعالى شأنه ( سُبْحانَهُ عَمّا يُشْرِكُونَ ) (٢) فنسب اليهود والنصارى إلى الشرك بقوله ( سُبْحانَهُ عَمّا يُشْرِكُونَ ).

وأشكل على الاستدلال بهذه الآية بوجوه :

الأوّل : أنّ النجس ـ بفتح الجيم ـ مصدر ، ولا يحمل المصدر على الذات إلاّ بتقدير ذو ، فيكون معنى الآية بناء على هذا أنّ المشركين ذوو نجاسة. ومن هذا لا يستفاد أنّها‌

__________________

(١) التوبة (٩) : ٢٨.

(٢) التوبة (٩) : ٣٠ ـ ٣١.

٣٣٣

نجاسات ذاتيّة ، بل يصدق عليهم هذا العنوان ، وإن كانت نجاستهم عرضيّة.

وفيه : أنّ حمل المصدر على الذات باعتبار المبالغة وادّعاء أنّه من مصاديقه أظهر من التقدير حسب المتفاهم العرفي من أمثال هذه التراكيب.

وقد يقال في الجواب عن هذا الإشكال بأنّ النجس ـ بفتح الجيم ـ كما يصحّ أن يكون مصدرا ، كذلك يصحّ أن يكون صفة ، لأنّ الصفة المشبّهة كما أنّها من الثلاثي اللازم على وزن فعل ـ بكسر العين ـ كذلك تأتي على وزن فعل ـ بفتح العين ـ كحسن ، وصرّح في القاموس بذلك في هذه المادّة ، وقال : النجس بالفتح وبالكسر وبالتحريك وككتف وعضد : ضدّ الطاهر (١).

وفيه : أنّ النجس ـ بفتح الجيم ـ وإن كان يأتي صفة كما أنّه يصحّ مصدرا فيكون مشتركا بين المصدر والصفة ، ولكن لا يمكن أن يكون هاهنا صفة ، لعدم مطابقة الخبر مع المبتدا في الإفراد والجمع ، مع أنّ الخبر صفة.

وهذا الإشكال لا يرد إن كان مصدرا لأنّ المطابقة في الإفراد والجمع ليس شرطا إذا كان الخبر مصدرا ، فيقال : شهود عدل ، ولا يصحّ أن يقال : شهود عادل.

ولا يخفى أنّه لو كان النجس مصدرا وكان حمله على المشركين من باب المبالغة ، فلا يناسب النجاسة العرضيّة ويكون ظاهرا في الذاتيّة ، فالحقّ ما أفاده الشيخ الأعظم الأنصاري (٢) في هذا المقام ، وهو أنّ النجس إمّا مصدر وإمّا صفة ، وأيّاما كان يكون ظاهرا في نجاستهم الذاتيّة.

الثاني : أنّ الدليل على فرض تماميّته أخصّ من المدّعى ، لأنّ المدّعى نجاسة كلّ كافر ، والدليل لا يثبت إلاّ نجاسة خصوص المشرك منهم.

وفيه : أنّه قد تقدّم شمول الآية للمنكرين لأصل الألوهيّة بالأولويّة ، ولأهل‌

__________________

(١) « القاموس المحيط » ج ٢٠ ، ص ٢٦٢ ( نجس )

(٢) « كتاب الطهارة » ص ٣٠٨.

٣٣٤

الكتاب أي اليهود والنصارى والمجوس أيضا ـ بناء على أنّهم أيضا من أهل الكتاب ـ بالعموم والشمول لإطلاق المشرك على اليهود والنصارى في الكتاب العزيز.

وأمّا المجوس فهم المشركون حقيقة من دون عناية وتجوّز في البين ، وأمّا في غيرهم كالمنكرين للضروريّات مثلا فبعدم القول بالفصل ، لعدم الخلاف في نجاسة الكفّار إلاّ في الكتابيّ. وسنتكلّم عنهم إن شاء الله في خاتمة هذا المبحث.

الثالث : أنّ المراد بالنجس ليس هو المعنى المصطلح‌ بين الفقهاء الذي هو أحد الأحكام الشرعيّة الوضعيّة ، وهو مقابل الطهارة الشرعيّة التي هي أيضا أحد الأحكام الوضعيّة ، بل المراد هو المعنى الذي يفهمه العرف من هذه اللفظة ، إذ الخطابات الشرعيّة على طريقة المحاورات العرفيّة ، إذ لم يخترع طريقا خاصّا لتفهيم المكلّفين ، فإن كان في مورد إرادته من لفظ غير ما يفهمه العرف فعليه البيان ، ولا شكّ أنّ معنى العرفي للفظ النجس هي القذارة ، فلا بدّ وأن يحمل على قذارة النفس وخباثتها لا قذارة البدن ، لأنّه ليس في أبدانهم قذارة أزيد ممّا في أبدان المسلمين ، بل حالهم من هذه الجهة مع المسلمين سواء ، فيكون أجنبيّا عن مورد البحث.

وفيه : أنّ هذا البيان يجري في ما ورد في سائر النجاسات كالكلب والخمر والميتة وغيرها ، ومع ذلك لم يتردّد أحد من الفقهاء في حمل هذه الكلمة على المعنى الشرعيّ ، فقوله عليه‌السلام : « الكلب رجس نجس » (١) لم يحمله أحد إلاّ على النجاسة الشرعيّة الاعتباريّة.

والسرّ في ذلك أنّ الشارع في مقام بيان أحكامه ، ولا شغل له بالقذارات العرفيّة إلاّ يكون موضوعا لحكم شرعيّ ، فإذا كانت النجاسة عنده أمر اعتبره في عالم التشريع ، فلا بدّ وأن يحمل اللفظ عليه إلاّ مع بيان على عدمه.

__________________

(١) « تهذيب الأحكام » ج ١ ، ص ٢٢٥ ، ح ٦٤٦ ، باب المياه وأحكامها ، ح ٢٩ ، « الاستبصار » ج ١ ، ص ١٩ ، ح ٤٠ ، باب حكم الماء إذا ولغ فيه الكلب ، ح ٢ ، « وسائل الشيعة » ج ٢ ، ص ١٠١٥ ، أبواب النجاسات ، باب ١٢ ، ح ٢.

٣٣٥

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ وقت نزول هذه الآية لم يشرّع الطهارة والنجاسة بعد.

ولكن هذا الاحتمال لا مجال له ، لأنّ هذه الآية في سورة البراءة بعد هجرة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان ذلك الوقت الطهارة والنجاسة الشرعيين معروفتان عند المسلمين.

الرابع : أنّ المراد بالمشركين هم المشركون في ذلك الوقت ، أي مكّة وسائر القبائل العربيّة الذين يأتون إلى الحجّ ويدخلون المسجد الحرام للطواف حول الكعبة ، وأولئك كلّهم كانوا عبدة الأصنام ، والكتابيّون لا يحجّون في ذلك الوقت وإلى الآن هم كذلك ، فعلى تقدير كون النجاسة في الآية بالمعنى الشرعي لا يشمل غيرهم من سائر فرق الكفّار.

وفيه : أنّ العبرة بعموم الكلام لا بخصوصيّة المورد ، فإذا كان « المشركون » له العموم من جهة ظهور الجمع المعرف باللاّم في العموم لجميع الأفراد التي يصلح للانطباق عليها ، فورودها في مورد قسم خاصّ من المشركين لا يضرّ بالاستدلال بعمومها.

فالإنصاف : أنّ هذه الإشكالات لا يرد شي‌ء منها على الاستدلال بالآية الشريفة ، فالآية تدلّ على نجاسة المشركين مطلقا ، كتابيّا كانوا أم غيرهم ، وعلى غيرهم بعدم القول بالفصل ، غاية الأمر نجاسة ما عدا المشركين ليس مدلولا للآية ، وإنّما يثبت بأمر خارج عن الآية وهو القول بعدم الفصل.

والعجب من المحقّق الفقيه الهمداني أنّه قال في مصباح الفقيه : إنّ المتبادر من الآية بشهادة سياقها مشركو أهل مكّة التي أنزلت البراءة من الله ورسوله منهم ومنعوا من قرب المسجد الحرام (١).

مع أنّ الآية في مشركي خارج مكّة ، لقوله تعالى بعد هذه الجملة : ( وَإِنْ خِفْتُمْ

__________________

(١) « مصباح الفقيه » ج ١ ، ص ٥٥٨.

٣٣٦

عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ) (١) أي : خفتم للفقر والنقص في معاشكم من ناحية عدم إتيانهم إلى الحجّ وإلى مكّة ، وعدم انتفاعكم بما يأتون به من الأجناس والأموال التي كانت معهم للبيع والشراء معكم ، وكان أهل مكّة خافوا انقطاع المتاجر عنهم بمنع المشركين عن دخول الحرم ، فوعدهم الله تعالى بأنّه جلّ شأنه سوف يغنيهم من فضله ، وهو تبارك وتعالى وفى بوعده ، وكان يحمل الميرة إليهم من أنحاء العالم.

وخلاصة الكلام في هذا المقام : أنّ الآية الشريفة تدلّ على أنّ الله تبارك وتعالى منع المشركين عن دخول المسجد الحرام لأنّهم أنجاس ، وحيث أنّ كلمة « المشركون » جمع معرّف باللاّم فهو عامّ يشمل كلّ من ينطبق عليه هذا العنوان ، فالآية ظاهرة في أنّ كلّ مشرك نجس ، الموجودون في ذلك الزمان أو من يوجد فيما بعده إلى قيام القيامة وبقاء هذا الدين.

اللهمّ إلاّ أن يقال : أنّ قوله تعالى ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) (٢) من قبيل القضايا الخارجيّة والحكم فيها يكون على الأفراد الموجودة في ذلك العصر وفي ذلك القطر ، فلا يشمل غيرهم.

ولكن ما أظنّ أحدا يرتضي بهذه المقالة.

ولا شكّ أنّ ظاهر هذه الجملة ـ أي قوله تعالى ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) ـ كبرى كلّية يعلّل بها عدم جواز دخول مشركي القبائل في الحرم ، ووجوب منعهم ، فالتعليل عامّ يشمل المشركين الذين كانوا موجودين في ذلك الزمان ، ومن لم يكن ذلك الوقت موجودا ، والذين كانوا يحجّون كمشركي العرب في ذلك الزمان ، أو لا يحجّون كسائر المشركين وكاليهود والنصارى.

فالعمدة هو شمول لفظ « المشرك » لليهود والنصارى ، وعدم شموله. وقد تقدّم أنّه‌

__________________

(١) التوبة (٩) : ٢٨.

(٢) التوبة (٩) : ٢٨.

٣٣٧

أطلق المشرك في الكتاب العزيز على اليهود والنصارى في بعض الآيات ، وظاهر قوله تعالى ( أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ ) (١) أنّ النصارى مشركون حقيقة ، لأنّهم كانوا يعتقدون بألوهيّة عيسى وأمّه ، وكانوا يعبدون عيسى.

والشاهد على ذلك أنّه لمّا نزل قوله تعالى ( إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ ) (٢) قال عبد الله ابن الزبعري : أما والله لو وجدت محمّدا لخصمته ، سلوا محمّدا أكلّ من عبد من دون الله في جهنّم مع من عده ، ونحن نعبد الملائكة ، واليهود تعبد عزيزا ، والنصارى تعبد عيسى بن مريم. فلمّا وصل هذا الكلام إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « ما أجهله بلسان قومه ، فإنّ « ما » لغير ذوي العقول ، فلا يشمل هؤلاء » (٣).

وأجيب عن إشكالهم بوجه آخر ، لسنا في مقام الجواب عن هذا الإيراد وجوابه ، بل مقصودنا أنّ هؤلاء مشركون حقيقة في العبادة ، بل في الخلق والفاعلية. فاليهود والنصارى الذين نسمّيهم بأهل الكتاب شركهم من سنخ شرك مشركي أهل مكّة ، كما كان يظهر من كلام ابن الزبعري. وأمّا المجوس فكونهم من المشركين أوضح حتّى يعرفون بالثنويّة القائلين بإله الخير ويسمّونه يزدان ، وإله الشرّ ويسمونه بأهرمن.

وأمّا النصارى ، فإلى اليوم يقولون بألوهيّة المسيح ابن مريم عليهما‌السلام ، فهذا كتاب « المنجد في اللغة » تأليف معلوف أحد الآباء العيسويين يقول في كلمة المسيح : « الإله المتجسّد » (٤) فلا ينبغي أن يشكّ في شرك الطوائف الثلاث : اليهود ، والنصارى ، والمجوس ، ولا في دلالة قوله تعالى ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) على نجاستهم.

__________________

(١) المائدة (٥) : ١١٦.

(٢) الأنبياء (٢١) : ٩٨.

(٣) انظر : « الكشّاف » ج ٣ ، ص ١٣٦ ، « أسباب النزول » للواحدي ، ص ١٧٥ ، « الدّر المنثور » ج ٥ ، ص ٦٧٩.

(٤) « المنجد في الإعلام » ص ٧٥٠ ( يسوع ).

٣٣٨

الثالث : من الأدلّة الدالّة على نجاستهم الأخبار المرويّة عن الأئمّة الأطهارعليه‌السلام :

منها : موثّقة سعيد الأعرج أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن سؤر اليهودي والنصراني : أيؤكل أو يشرب؟ قال عليه‌السلام : « لا » (١).

منها : ما رواه أبو بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام في مصافحة المسلم لليهودي والنصراني؟ قال عليه‌السلام : « من وراء الثياب ، فإن صافحك بيده فاغسل يدك » (٢).

منها : صحيحة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن آنية أهل الذمّة والمجوس؟ فقال : « لا تأكلوا في آنيتهم ولا من طعامهم الذي يطبخون ، ولا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر » (٣).

منها : رواية الكاهلي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قوم مسلمين يأكلون وحضرهم رجل مجوسي يدعونه إلى طعامهم؟ فقال : « أمّا أنا فلا أو أكل المجوسي ، وأكره أن أحرّم عليكم شيئا تصنعونه في بلادكم » (٤).

منها : ما عن عليّ بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام قال : سألته عن مؤاكلة المجوس في قصعة واحدة وأرقد معه على فراش واحد وأصافحه؟ فقال : « لا ». (٥)

__________________

(١) « الفقيه » ج ٣ ، ص ٣٤٧ ، باب الذبائح والمآكل ، ح ٤٢٢٠ ، « وسائل الشيعة » ج ١٦ ، ص ٣٨٤ ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، باب ٤ ، ح ١.

(٢) « الكافي » ج ٢ ، ص ٦٥٠ ، باب التسليم على أهل الملل ، ح ١٠ ، « تهذيب الأحكام » ج ١ ، ص ٢٦٢ ، ح ٧٦٤ ، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، ح ٥١ ، « وسائل الشيعة » ج ١ ، ص ٢٦٢ ، أبواب النجاسات ، باب ١٤ ، ح ٥.

(٣) « الكافي » ج ٦ ، ص ٢٦٤ ، باب طعام أهل الذمّة ومؤاكلتهم وآنيتهم ، ح ٥ ، « تهذيب الأحكام » ج ٩ ، ص ٨٨ ، ح ٣٧٢ ، باب الذبائح والأطعمة ، ح ١٠٧ ، « وسائل الشيعة » ج ٢ ، ص ١٠١٨ ، أبواب النجاسات ، باب ١٤ ، ح ١ ، وج ١٦ ، ص ٤٧٥ ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، باب ٥٤ ، ح ٣.

(٤) « الكافي » ج ٦ ، ص ٢٦٣ ، باب طعام أهل الذمّة ومؤاكلتهم وآنيتهم ، ح ٤ ، « وسائل الشيعة » ج ٢ ، ص ١٠١٨ ، أبواب النجاسات ، باب ١٤ ، ح ٢.

(٥) « الكافي » ج ٦ ، ص ٢٦٤ ، باب طعام أهل الذمّة ومؤاكلتهم وآنيتهم ، ح ٧ ، « وسائل الشيعة » ج ٢ ، ص ١٠١٩ ، أبواب النجاسات ، باب ١٤ ، ح ٦.

٣٣٩

منها : صحيحة على بن جعفر عليه‌السلام عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن فراش اليهودي والنصراني أينام عليه؟ قال عليه‌السلام « لا بأس ، ولا يصلّى في ثيابهما ».

وقال عليه‌السلام : « لا يأكل المسلم مع المجوسيّ في قصعة واحدة ، ولا يقعده على فراشه ولا مسجده ، ولا يصافحه » (١).

قال : وسألته عن رجل اشترى ثوبا من السوق ليس يدري لمن كان ، هل تصلح الصلاة فيه؟ قال عليه‌السلام : « إن اشتراه من مسلم فليغسل ثمَّ يصلّي فيه ، وإن اشتراه من نصرانيّ فلا يصلّي فيه حتّى يغسله ».

أقول : هذه الرّوايات ظاهرة في نجاسة أهل الكتاب.

أمّا الأولى ـ أي موثّقة سعيد الأعرج ـ فلأنّ ظاهر السؤال والجواب عن سؤر اليهودي والنصراني جواز أكله وشربه ، وعدم جوازه من حيث نجاسة ذلك السؤر وعدم نجاسته ، إذ ليس هناك جهة أخرى توجب الشكّ في الجواز كي يسأل عنه.

إن قلت : إنّهم حيث يأكلون لحم الخنزير ويشربون الخمر ، فمن الممكن أن تكون جهة السؤال هو احتمال أن يكون ذلك

السؤر عن بقيّة لحم الخنزير في المأكول ، ومن بقيّة الخمر في المشروب.

نقول أوّلا : إنّ هذه شبهة موضوعيّة تجري فيها أصالة الحلّ ، ولم يدّع أحد معارضة هذه الرواية لقاعدة الحلّ.

وثانيا : جوابه عليه‌السلام بـ « لا » مطلق وينفي جواز أكل سؤرهم وكذلك شربه مطلقا ، سواء كان في مورد ذلك الاحتمال أو لا يكون.

وثالثا : كون السؤال والجواب في مورد هذا الاحتمال خلاف الظاهر ، إذ منشأ هذه الشبهة أمور خارجيّة بعد معلوميّة حكم لحم الخنزير ، وحكم الخمر ، ومعلوميّة حكم‌

__________________

(١) « تهذيب الأحكام » ج ١ ، ص ٢٦٣ ، ح ٧٦٦ ، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، ح ٥٣ ، « وسائل الشيعة » ج ٢ ، ص ١٠٢٠ ، أبواب النجاسات ، باب ١٤ ، ح ١٠.

٣٤٠