القواعد الفقهيّة - ج ٥

آية الله السيّد محمّد حسن البجنوردي

القواعد الفقهيّة - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد حسن البجنوردي


المحقق: مهدي المهريزي
الموضوع : الفقه
الناشر: نشر الهادي
المطبعة: مؤسسة الهادي
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-400-030-7

الصفحات: ٣٩٢

مضافا إلى الإجماع المدّعى في المقام وحكى في الجواهر (١) عن المختلف أنّه لم نقف فيه على مخالف منّا غير ابن إدريس فجوّز ، وقوله محدث لا يعوّل عليه ولا ينثلم به الإجماع. ونسب في الدروس قوله إلى الشذوذ ، وعلى كلّ حال رواية غياث في حدّ نفسها موثّقة ، وبضميمة الإجماع على مضمونه بعد ما كان المراد من الكراهة الحرمة بضميمة الروايات المعتبرة ، يكون اعتباره قويّا ، فتكون حجّة قويّة على الحرمة.

والظاهر من لفظ « الحيوان » في الحديث وفي رواية غياث هو الحيوان الحيّ ، وهو ليس من الموزون ؛ ولذلك يجوز بيع شاة بشاتين ؛ لأنّه لا ربا في غير المكيل والموزون ، فالحرمة ليست ـ من ناحية كونه رباء ، بل من ناحية ورود النهي والتعبّد.

فما ذكره العلاّمة قدس‌سره في التذكرة (٢) من القول بالكراهة ونفي الحرمة من جهة عدم كونه رباء ؛ لفقد شرطه وهو كونه مكيلا أو موزونا ، فيكون الأصل سالما عن المعارض الحاكم عليه ـ لا يتم ؛ لما ذكرنا من أنّ عدم صحّته وحرمته ليس من جهة كونه ربا ، بل من جهة الأدلّة المذكورة.

ثمَّ إنّه بنا على ما ذكرنا من أنّ حرمة بيع اللحم بحيوان من جنسه ليس من جهة كونه رباء ، فهل يحرم بغير جنسه أيضا ، كما إذا باع لحم شاة ببقرة أم لا؟ مبنيّ على أنّ المراد من الحيوان في الرواية وفي الحديث خصوص الحيوان الذي من جنس اللحم ، أم مطلق الحيوان ، وكذلك معقد الإجماع خاصّ أو عام.

أقول : أمّا الأخير : أي معقد الإجماع ، فمن الواضح عدم شموله لبيع اللحم بغير جنسه ؛ لأنّ المشهور بين المتأخّرين بل ادّعى الإجماع بعضهم ، هو جواز البيع بغير جنسه ، مثل أن يبيع لحم الشاة بالبقر مثلا ، ومع ادّعاء هذا الإجماع والشهرة المحقّقة خصوصا بين المتأخّرين كيف يمكن القول بشمول إجماع المنع عن بيع اللحم بجنسه للبيع بغير جنسه.

__________________

(١) « جواهر الكلام » ج ٢٣ ، ص ٣٥٥.

(٢) « تذكرة الفقهاء » ج ١ ، ص ٤٧٨.

١٢١

نعم لفظ « الحيوان » في رواية غياث وفي الحديث الذي رواه الجمهور عن سعيد بن المسيّب مطلق يشمل ما كان من جنس اللحم وما لم يكن ، وغاية ما يمكن ادّعاء الانصراف فيه هو كونه حيّا ، وأمّا كونه من جنس اللحم فلا موجب له أصلا. وقد تقدّم أنّ النهي ليس من جهة كونه ربا كي يقال بأنّه لا يأتي إلاّ في مورد اتّحاد جنس الحيوان مع اللحم ، فمقتضى الإطلاق لو لا الإجماع المدّعى في المقام ، هو المنع حتّى عن بيعه بغير جنسه ، وهو الموافق للاحتياط ، فلا يبعد حرمة بيعه حتّى بغير جنسه.

وأمّا ما استدلّ به العلاّمة قدس‌سره في التذكرة (١) بأنّه يجوز بيع لحم الحيوان بلحم غير جنسه فبيعه به حيّا أولى ، فهذا القياس على تقدير صحّته والقول به يأتي فيما إذا كان منشأ المنع هو حصول الرباء ، وأمّا لو كان منشأ المنع إطلاق الحديث والرواية كما ذكرنا ، فلا مورد له أصلا.

نعم بناء على هذا يجب الاقتصار على ما يصدق عليه اللحم ، فمثل الكرش والكبد والكلى والقلب وكلّ ما لم يصدق عليه اللحم ، خارج عن هذا الإطلاق.

ثمَّ إنّ ظاهر الحديثين هو وقوع اللحم مثمنا ؛ لأنّ هذا هو معنى بيع اللحم بالحيوان ، فالمبيع هو اللحم والثمن هو الحيوان ، ولكن ظاهر الفتاوى عدم الفرق في الحرمة بين كونه ثمنا أو مثمنا ، بل ظاهر معقد الإجماع هو شموله لكلا القسمين.

ثمَّ إنّ في هذه المسألة فروعا لا بأس بذكرها :

الأوّل : هل يجوز بيعه بالحيوان غير مأكول اللحم ، أم لا؟ ظاهر كلام العلاّمة في التذكرة (٢) هو الإجماع على الجواز ؛ لتعبيره بأنّه يجوز عندنا ، وكلمة عندنا ظاهر في اتّفاق الطائفة ، وهو الإجماع.

__________________

(١) « تذكرة الفقهاء » ج ١ ، ص ٤٧٨.

(٢) المصدر.

١٢٢

ولكن الدليل الذي يذكره للجواز قياس أوّلا ، وثانيا في غير محلّه ؛ لأنّ إتيانه مبنيّ على كون الحرمة والمنع لأجل كونه من الربا ، وقد بيّنّا فساد هذا التوهّم. وعمدة الدليل على الجواز قصور أدّلة المنع عن شمولها للحيوان غير مأكول اللحم ، آدميّا كان أو غيره كالسباع مثلا.

أمّا الإجماع ، فالقدر المتيقّن منه هو حيوان مأكول اللحم ، وأمّا الحديثان فلانصراف لفظ الحيوان عن الآدمي قطعا ، وعن السباع وأمثالها ظاهرا ؛ فالمنع لا دليل عليه ، فمقتضى الإطلاقات صحّة المعاملة ، ولو وصلت النوبة إلى الأصل فهي الصحّة والجواز.

الثاني : أنّه يجوز بيع اللحم بالسمكة الحيّة ، وبيع لحم السمك بالحيوان الحيّ ؛ وذلك لأنّ القدر المتيقّن من الإجماع ما عدا ذلك ، وانصراف الحديثين عن مثل هذه الموارد.

وقال العلاّمة (١) قدس‌سره في دليله لما تقدّم ، وجوابه ما تقدّم.

الثالث : قال في الشرائع (٢) وفي التذكرة (٣) أيضا : إنّه يجوز بيع دجاجة فيها بيضة بدجاجة خالية ، وزاد في الجواهر (٤) : كما في التذكرة أيضا ، أو دجاجة فيها بيضة أو ببيضة فقط من دون كون دجاجة معها. والوجه في الجميع أنّ شمول الإطلاقات وأدلّة صحّة البيع لا مانع عنها ، إلاّ كون المعاملة ربويّة ، ولا رباء هاهنا ؛ لأنّ المورد ليس بمكيل ولا بموزون ، ولا رباء إلاّ فيما يكال أو يوزن ؛ ولذلك لا مانع من بيع البيضة الواحدة ببيضتين ، لأنّه أيضا ليس بمكيل ولا بموزون ، كما يجوز بيع شاة في بطنها ولد بشاة ليست كذلك ، كما أنّه يجوز بيع شاة بشاتين ، وبيع شاتين بشاة ، كلّ ذلك لأجل‌

__________________

(١) « تذكرة الفقهاء » ج ١ ، ص ٤٧٨.

(٢) « شرائع الإسلام » ج ٢ ، ص ٤١.

(٣) « تذكرة الفقهاء » ج ١ ، ص ٤٧٩.

(٤) « جواهر الكلام » ج ٢٣ ، ص ٣٨٩.

١٢٣

انتفاء شرط الرباء ، وهو عدم كونه من المكيل أو الموزون.

المسألة الثامنة : قال في التذكرة : كلّ ما له حالتا رطوبة وجفاف من الربويّات يجوز بيع بعضه ببعض مع تساوي الحالين إذا اتّفق الجنس ، وإن اختلف جاز مطلقا (١).

أقول : الأشياء التي لها حالتا رطوبة وجفاف ، كالعنب والتمر ، بل أغلب الفواكه والمخضرات ، كبادنجان وبانية مثلا ، ففي جميعها تارة تقع المعاملة بين متّفقي الجنس والحالة ، مثل أن يبيع العنب بالعنب ، أو الرطب بالرطب ، أو التمر بالتمر ، أو الزبيب بالزبيب ، وهكذا في سائر الموارد ، فمع الاختلاف كيلا في المكيل ووزنا في الموزون باطل ؛ لكونه من الربا المحرّم ، وأمّا مع التساوي فلا مانع في البين ؛ لعدم الربا ، وشمول الإطلاقات له.

وربما يقال بعدم صحّة الرطب بالرطب ؛ لعدم العلم بتساويهما بعد الجفاف وفي حال الادّخار ، مع أنّ الغرض والمقصود من المعاملة هو الادّخار.

وفيه : أوّلا : أنّ التفاوت بينهما غالبا يكون بمقدار يسير ، بحيث يتسامح العرف في ذلك المقدار ولا يعتني به ، وذلك كما إذا بيع الحنطة التي فيها شي‌ء يسير من التراب أو خليط آخر الذي لا يخلو الحنطة منه غالبا ، فبعد ما جفّا وإن كان من الممكن أن يكون الجفاف في أحدهما أكثر وأزيد ، فيختلف وزنهما بالدقّة ، ولكن الاختلاف قليل بحيث لا يعتنى به.

وثانيا : أنّ المعتبر في عدم تحقّق الربا تساويهما حال وقوع المعاملة وصدور العقد ، أي النقل والانتقال شرعا ، وأمّا خروجه عن المساواة بعد وقوع المعاملة فلا يوجب صيرورتها رباء.

وثالثا : ليس الغرض من المعاملة دائما هو الادّخار والإبقاء ، بل المقصود أكلها رطبا ، وإنّما يكون التبديل لأجل أغراض أخر.

__________________

(١) « تذكرة الفقهاء » ج ١ ، ص ٤٨٢.

١٢٤

ورابعا : هناك بعض أقسام العنب والرطب ليس قابلا لأن يزيب أو يتمر ، وكذلك البطّيخ ، فلا تبقى أمثال هذه الأمور كي يقع التفاوت بين يابسهما فيستشكل بلزوم الربا. فالأقوى جواز بيع الرطب منها بالرطب ، واليابس باليابس ، فيجوز بيع الرطب بالرطب ، والتمر بالتمر ، والعنب بالعنب ، والزبيب بالزبيب ، والحنطة المبلولة بالحنطة المبلولة ، واليابسة منها باليابسة ، واللحم الطريّ بمثله ، القديد وبالقديد ، كلّ ذلك مع التساوي كيلا أو وزنا حال العقد.

هذا فيما إذا كان العوضان متّفقي الجنس والحالة ، وأمّا إذا كانا مختلفي الجنس فلا مانع ، ومقتضى العمومات والإطلاقات هي الصحّة ، وسواء كانا من المكيل أو الموزون أو لم يكونا كذلك ، وسواء كانا متّفقي الحالة أو كانا من مختلفيها ؛ وذلك لانتفاء شرط الربا وهو الاتّفاق في الجنس.

وأمّا إذا كانا من مختلفي الحالة ومتّفقي الجنس ، أي كان أحد العوضين المتجانسين رطبا والآخر يابسا ، مثل أن يبيع العنب بالزبيب ، أو الرطب بالتمر ، أو باع لحمانيّا بمقدّد ؛ أو بسرا برطب ، أو حنطة مبلولة بيابسة ، فهل يجوز بيع المذكورات وأمثالها متساويا ، أم لا؟

قال في الشرائع (١) : يجوز ؛ لتحقّق المماثلة ، وقيل بالمنع. ونسب في التذكرة (٢) هذا القول ـ أي المنع ـ إلى المشهور عند علمائنا ، ولكن ظاهر الشرائع ترجيح القول الأوّل ، أي الجواز ؛ لإسناده القول بالمنع إلى القيل ، وإن كان قائله كثيرا. بل ادّعى العلاّمة في التذكرة أنّه المشهور عند علمائنا.

وقال في الشرائع : إنّ نظر المانعين إلى حصول النقصان عند الجفاف. وقد أجبنا عن ذلك بكفاية التساوي حال العقد ، وبه يثبت عدم كونه رباء ، ولا يلزم بقاؤه على هذه الصفة دائما.

__________________

(١) « شرائع الإسلام » ج ٢ ، ص ٤٦.

(٢) « تذكرة الفقهاء » ج ١ ، ص ٤٨٢.

١٢٥

فالعمدة في دليل المنع الأخبار والحديث الوارد في المقام.

أمّا الحديث : فقد روى الجمهور أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سئل عن بيع الرطب بالتمر ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أينقص الرطب إذا يبس؟ » فقالوا : نعم ، فقال : « فلا إذن » (١).

وأمّا الرواية فمن طريق الخاصّة : ما رواه الحلبيّ في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام قال عليه‌السلام : « لا يصلح التمر اليابس بالرطب ، من أجل أنّ اليابس يابس والرطب رطب ، فإذا يبس نقص » (٢).

وما رواه داود بن سرحان : « لا يصلح التمر بالرطب ، إنّ الرطب رطب ، والتمر يابس ، فإذا يبس الرطب نقص » (٣).

وما رواه داود الأبزاري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : « لا يصلح التمر بالرطب ، إنّ التمر يابس والرطب رطب » (٤).

وما رواه محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث : « أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام كره أن يباع التمر بالرطب عاجلا بمثل كيله إلى أجل ، من أجل أنّ التمر ييبس فينقص من كيله » (٥).

ودلالة الخبر الأخير على المنع مبنيّ على ما تقدّم ذكره أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام كان‌

__________________

(١) « سنن البيهقي » ج ٥ ، ص ٢٩٤.

(٢) « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٩٤ ، ح ٣٩٨ ، باب بيع الواحد بالاثنين ... ، ح ٤ ؛ « الاستبصار » ج ٣ ، ص ٩٣ ، ح ٣١٤ ، باب بيع الرطب بالتمر ، ح ٢ ؛ « وسائل الشيعة » ج ١٢ ، ص ٤٤٥ ، أبواب الربا ، باب ١٤ ، ح ١.

(٣) « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٩٠ ، ح ٣٨٤ ، باب بيع الثمار ، ح ٢٧ ؛ « الاستبصار » ج ٣ ، ص ٩٣ ، ح ٣١٥ ، باب بيع الرطب بالتمر ، ح ٣ ؛ « وسائل الشيعة » ج ١٢ ، ص ٤٤٦ ، أبواب الربا ، باب ١٤ ، ح ٦.

(٤) « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٩٠ ، ح ٣٨٥ ، باب بيع الثمار ، ح ٢٨.

(٥) « الفقيه » ج ٣ ، ص ٢٨١ ، باب الربا ، ح ٤٠١٥ ؛ « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٩٥ ، ح ٤٠٨ ، باب بيع الواحد بالاثنين ... ، ح ١٤ ؛ « وسائل الشيعة » ج ١٢ ، ص ٤٤٥ ، أبواب الربا ، باب ١٤ ، ح ٢.

١٢٦

لا يكره الحلال (١) ، فكراهته كاشفة عن كونه حراما.

ولكن هاهنا أخبار أخر تدلّ على الجواز :

كرواية سماعة عن الصادق عليه‌السلام قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن العنب بالزبيب؟

قال : « لا يصلح ، إلاّ مثلا بمثل ، قال : والتمر والرطب بالرطب مثلا بمثل » (٢).

ورواية ابن أبي الربيع قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما ترى في التمر والبسر الأحمر مثلا بمثل؟ قال : « لا بأس ». قلت : فالبختج والعنب مثلا بمثل؟ قال : « لا بأس » (٣).

ولا يخفى : أنّ ظاهر هاتين الطائفتين من الأخبار هي المعارضة ؛ لأنّ الطائفة الأولى ظاهرة في عدم جواز بيع التمر بالرطب أو الرطب بالتمر ، بل كلّ رطب باليابس من جنسه ومثله ؛ لعموم التعليل ، وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فلا إذن » لأنّ المراد من هذه الجملة حسب المتفاهم العرفي أنّه لا يجوز ؛ لأنّه ينقص. فكأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إنّ كلّ ما ينقص بعد بيعه بمثله وجنسه متساويا كيلا أو وزنا ، فلا يجوز بيعه بمثله مثلا بمثل ، فيشمل كلّ فاكهة رطبة باليابس من جنسه ، بل وغير الفاكهة ، سواء كان رطوبته ذاتيّة كالفواكه الغضة وغيرها ، أو عرضيّة كالحنطة المبلولة وغيرها ممّا يرشّ عليه الماء ، وإن كان الرشّ لإصلاحه.

والطائفة الثانية ظاهرة في جواز بيع الرطب باليابس ، واليابس بالرطب ، نعم لا عموم لها بحيث يشمل كلّ رطب ويابس ، ولكن تدلّ على الجواز في نفس المورد الذي تدلّ الطائفة الأولى على عدم الجواز ، وهو بيع التمر بالرطب.

__________________

(١) « الكافي » ج ٥ ، ص ١٨٨ ، باب المعاوضة في الطعام ، ح ٧ ؛ « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٩٦ ، ح ٤١٢ ، باب بيع الواحد بالاثنين ... ، ح ١٨ ؛ « وسائل الشيعة » ج ١٢ ، ص ٤٤٧ ، أبواب الربا ، باب ١٥ ، ح ١.

(٢) « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٩٧ ، ح ٤١٧ ، باب بيع الواحد بالاثنين ... ، ح ٢٣ ؛ « الاستبصار » ج ٣ ، ص ٩٢ ، ح ٣١٣ ، باب بيع الرطب بالتمر ، ح ١ ؛ « وسائل الشيعة » ج ١٢ ، ص ٤٤٥ ، أبواب الربا ، باب ١٤ ، ح ٣.

(٣) « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٩٧ ، ح ٤١٨ ، باب بيع الواحد بالاثنين ... ، ح ٢٤ ؛ « وسائل الشيعة » ج ١٢ ، ص ٤٤٦ ، أبواب الربا ، باب ١٤ ، ح ١٥.

١٢٧

فالمشهور على ما في التذكرة (١) ذهبوا إلى عدم الجواز مطلق ، أو في جميع صور المسألة بناء منهم على عدم قابليّة الطائفة الثانية للمعارضة مع الأولى ؛ لضعفها ، وإعراض المشهور عنها ، فلا جابر لها.

وهذا القول قويّ لو لم يكن جمع دلالي في البين. وذهب إليه جمع كثير من أساطين الفقه ، وهم : القديمان (٢) ، والشيخ في المبسوط ، (٣) وابن حمزة في الوسيلة ، (٤) والعلاّمة في التذكرة ، (٥) والتحرير (٦) والإرشاد (٧) والمختلف (٨) والقواعد (٩) ، وغيره في اللمعة (١٠) والمقتصر (١١) والمهذّب (١٢) والتنقيح (١٣) وإيضاح النافع والميسية المسالك (١٤) والروضة (١٥) والدروس وقد تقدّم أنّ العلاّمة وهو الفقيه المحقّق المتتبع ادّعى الشهرة.

ومقابل هذا القول هو القول بالجواز مطلقا ، حتّى في بيع التمر بالرطب الذي هو مورد روايات المنع. وهذا القول هو المحكي عن الشيخ في الاستبصار (١٦) وموضع من‌

__________________

(١) « تذكرة الفقهاء » ج ١ ، ص ٤٨٢.

(٢) نقله عن ابن الجنيد وابن أبي عقيل في « مختلف الشيعة » ج ٥ ، ص ١٢٤.

(٣) « المبسوط » ج ٢ ، ص ٩٠.

(٤) « الوسيلة » ص ٢٥٣.

(٥) « تذكرة الفقهاء » ج ١ ، ص ٤٨٢.

(٦) « تحرير الأحكام » ج ١ ، ص ١٧٠.

(٧) « إرشاد الأذهان » ج ١ ، ص ٣٧٩.

(٨) « مختلف الشيعة » ج ٥ ، ص ١٢٥.

(٩) « قواعد الأحكام » ج ١ ، ص ١٤١.

(١٠) « اللمعة الدمشقية » ج ٣ ، ص ٤٤٥.

(١١) « المقتصر » ص ١٧٨.

(١٢) « المهذّب » ج ١ ، ص ٣٦٢.

(١٣) « تنقيح الرائع » ج ٢ ، ص ٩٣.

(١٤) « المسالك الافهام » ج ٣ ، ص ٣٢٤.

(١٥) « الروضة البهيّة » ج ٣ ، ص ٤٤٥.

(١٦) « الاستبصار » ج ٣ ، ص ٩٣.

١٢٨

المبسوط ، وعن ابن إدريس (١) وصاحب الكفاية (٢) وصاحب الحدائق (٣).

ووجه هذا القول : هو الجمع بين الطائفتين بحمل الأولى على الكراهة ، والثانية على الجواز بالمعنى الأعمّ الذي لا ينافي الكراهة ، بل أنكروا ظهور الطائفة الأولى في التحريم ؛ لأنّ المنع فيها إمّا بلفظ « لا يصلح » وهو ظاهر في الكراهة من أوّل الأمر ، وأمّا بلفظ « كره عليّ أن يباع التمر بالرطب » ولفظ الكراهة لا ظهور له في الحرمة ، وإن ورد أنّ عليّا كان لا يكره الحلال ، وفي بعض الروايات أنّه عليه‌السلام لا يكره إلاّ الحرام ، ومع ذلك كلّه لم يخرج لفظ الكراهة عن ظهوره في المعنى العرفي ، وهو مطلق المرجوحيّة.

وبناء على هذا لا تعارض ولا تنافي في البين كي يحتاج إلى الجمع الدلالي.

ثمَّ على تقدير ظهورها في الحرمة يرفع اليد عن ظهورها في الحرمة بنصّ الطائفة الثانية في الجواز ، وهذا جمع عرفيّ معمول به في المحاورات وعند الفقهاء ، ومعلوم أنّ الجمع الدلالي مقدّم على الترجيح السندي ، ومعه لا تصل النوبة إليه.

وفصّل بعض ، فقال بالمنع في خصوص بيع التمر والرطب أو بالعكس ، والجواز في غيره من الرطب واليابس ؛ وذلك لأجل النصّ في نفس هذا المورد ، واستظهار عدم العموم للعلّة ، بل تكون مختصّة بنفس المورد.

ولعلّه قال به المحقّق ؛ لأنّه يقول في الشرائع (٤) وفي بيع الرطب بالتمر تردّد ، والأظهر اختصاصه بالمنع ؛ اعتمادا على أشهر الروايتين. ثمَّ يقول في الفرع الثاني : بيع العنب بالزبيب جائز ، وقيل لا ؛ اطّرادا للعلّة ، والأوّل أشبه. وكذا البحث في كلّ رطب مع يابسه.

فهذا القول من عقدين : عدم الجواز في الرطب والتمر ، والجواز في سائر موارد‌

__________________

(١) « السرائر » ج ٢ ، ص ٢٥٨.

(٢) « كفاية الأحكام » ص ٩٨.

(٣) « الحدائق الناضرة » ج ١٩ ، ص ٢٤٦.

(٤) « شرائع الإسلام » ج ٢ ، ص ٤٠.

١٢٩

الرطب واليابس. أمّا الأوّل للنصّ ، وأمّا الثاني فلعدم دليل على المنع ، وعدم عموم للعلّة ، وشمول إطلاقات أدلّة صحّة البيع له.

وهناك تفصيل آخر بعد الفراغ عن القول بالمنع في خصوص الرطب والتمر ، بين كون الرطوبة ذاتيّة كرطوبة الفواكه الغضّة ، وكونها عرضية كرطوبة الحنطة المبلولة مثلا ، فقالوا بالجواز في الأوّل ؛ لأنّ الرطوبة الذاتيّة التي في الجسم المرطوب تعدّ جزءا من ذلك الجسم المرطوب عرفا ، بل بالدّقة ، بخلاف الرطوبة العرضية فإنّها أجنبيّة عنه ، وأمر خارج عن حقيقة ذلك الجسم المرطوب حقيقة وعرفا ، ولا ماليّة لها كي يكون مجموع المالين بإزاء ذلك الآخر ، فيخرج عن كونه ربا ، بل يكون المبلول وحده من دون بلله عوضا عن الآخر ، والمفروض أنّه وحده متساو معه فيكون من البيع الربويّ.

وهذان التفصيلان في حد نفسهما وإن كانا لا يخلوان عن حسن ، ولكن لا تصل النوبة إليهما إلاّ بعد الفراغ عن عدم عموم للعلّة بالنسبة إلى التفصيل الأوّل ؛ إذ مع عموم التعليل لا يبقى فرق بين الرطب والتمر وبين سائر الفواكه الرطبة كلّ واحد منها مع اليابس من جنسه.

وأمّا التفصيل الثاني فمضافا إلى ما تقدّم ، لا يأتي إلاّ فيما إذا قلنا بأنّ المعتبر في التساوي وعدم تحقّق الربا هو أن يكون التساوي حال وقوع العقد لا بقاءه إلى الآخر ، وإلاّ لو قلنا بلزوم بقاء التساوي إلى الآخر ، فلا يبقى في كلا الشقّين ، فيبطل في كلتا الصورتين ، سواء كانت الرطوبة حال وقوع المعاملة ذاتيّة أو عرضيّة.

هذا ، مضافا إلى أنّ الفرق بينهما مبنيّ على كون الرطوبة الذاتيّة جزءا للمرطوب حقيقة أو عرفا دون الرطوبة العرضيّة كي تكون التساوي بين العوضين موجودا حال العقد في الأوّل دون الثاني ، وجميع هذه المباني والمقدّمات غير ثابت ، بل معلوم العدم.

والإنصاف : أنّ هذه الظنون لا يصحّ أن يبتني عليها الأحكام الشرعيّة ، ولا ينبغي‌

١٣٠

أن يعتنى بها ، فالعمدة في المسألة هو القول المشهور ، أي عدم الجواز مطلقا ، أو الجواز كذلك ؛ لدلالة الروايات المتقدّمة على المنع. وما ذكروه من أنّ مفادها الكراهة لا الحرمة غير تامّ. وإنكار اطّراد العلّة وعمومها لا وجه له وخلاف المتفاهم العرفيّ ، فالأحوط بل الظاهر هو القول المشهور ، أي المنع مطلقا ، والله العالم.

وخلاصة الكلام : أنّ التفاصيل التي ذكروها في المقام لا أساس لها ، وإن كان التفصيل الأوّل يستظهر من المحقّق شيخ الفقهاء في الشرائع ، (١) وتقدّم نقل عبارته ، فيدور بين القول بالمنع مطلقا أو الجواز مطلقا.

ولكن لا مجال للقول بالجواز مطلقا إلاّ بأحد أمرين ، وهما :

إمّا أن تكون الروايات المانعة غير ظاهرة في الحرمة ، بل تكون ظاهرة في الكراهة من جهة اشتمال بعضها على كلمة « لا يصلح » التي تكون ظاهرة في الكراهة ، أو كلمة « كره » كما في رواية محمّد بن قيس التي تقدّمت كذلك ؛ إذ بناء على هذا لا مانع من شمول الإطلاقات وعمومات الصحّة للمقام.

وإمّا من جهة الجمع الدلالي بينها وبين الطائفة الأخرى التي ظاهرها الجواز بحمل الأولى على الكراهة تحكيما للنصّ على الظاهر.

وأنت خبير بعدم صحّة كلا الأمرين.

أمّا الأوّل : فلأنّ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فلا إذن » بعد السؤال عن صحّة مثل ذلك البيع أو عدم صحّته في غاية الظهور في عدم جوازه وفساده ، وكذلك قوله عليه‌السلام : « لا يصلح » في الروايات الثلاث ، حيث أنّه عليه‌السلام ينفي الصلاحيّة عن مثل هذا البيع معلّلا بأنّ ما هو الرطب ينقص لجفافه فيما بعد ، فيخرج عن التساوي مع مقابله ، وهو شرط في صحّة بيع المتجانسين ، فبفقده ينتفي الصحّة ، فيكون نفي الصلاح في مثل هذا المورد مع هذا التعليل ظاهرا في فساد المعاملة وعدم جوازها ، وإن كان في حدّ نفسه يلائم مع الحرمة‌

__________________

(١) « شرائع الإسلام » ج ٢ ، ص ٤٠.

١٣١

والكراهة كليهما. نعم ظاهر هذه الروايات لزوم بقاء التساوي في العوضين المتجانسين.

وأمّا الثاني : فتقديم الجمع الدلالي على الترجيح السندي بعد الفراغ عن حجّيته ، بمعنى عدم خروجه عن موضوع الحجّية ، وأمّا إذا قلنا بأنّ موضوع الحجّة هو الموثوق الصدور ، وإعراض المشهور كان سببا لسلب الوثوق بصدوره وخروجه عمّا هو موضوع الحجّية ، فلا يبقى حجّة كي تصل النوبة إلى الجمع الدلالي.

فمورد هذا الكلام هو أنّه لو كان هناك خبران ، كلاهما ممّا يوثق بصدورهما ، ولم يعرض الأصحاب عن كلّ واحد منهما ، بل بعضهم عملوا بذاك وبعضهم عملوا بهذا ، وكان لأحدهما مرجّح سندي ولكن يمكن الجمع العرفي الدلاليّ بينهما ، ففي مثل هذا المورد يجب الجمع ، ولا يجوز الأخذ بذي المزيّة ، وطرح الآخر رأسا.

وهذا الذي ذكرنا جار في كثير من موارد الأخبار المتعارضة ، منها : الأخبار الواردة في نجاسة الكفّار ، مع الواردة في طهارتهم.

إذا تأمّلت فيما ذكرنا ، فنقول : إعراض المشهور عن الروايات التي لها ظهور في جواز مثل هذا البيع ، صار سببا لسلب الوثوق بصدورها ، فلا يبقى مجال للجمع الدلالي. هذا ، مضافا إلى التوجيهات التي ذكروها للروايات المجوّزة ، تركنا ذكرها لعدم الاحتياج إليها ، مع ضعف كثير منها.

المسألة التاسعة : فيما إذا باع أحد المتجانسين الربويين ، وفيه خليط بالآخر الخالص ، مثل أن باع حنطة فيها خليط بالأخرى الخالصة التي ليس فيها خليط من غير جنسه ، فلا يخلو إمّا أن يكون الخليط قليلا بحيث يتسامح فيه ولا يعتنى به في مقام المعاملة ، فلا إشكال فيه ؛ لأنّ العوضين بناء على هذا لا يخرجان عن التساوي عرفا ، فلا رباء. وإمّا يكون ممّا لا يتسامح فيه ، فإن لم يكن له ماليّة فالمعاملة باطلة ؛ لأجل حصول الربا ، لأجل عدم التساوي بين العوضين ، مع أنّهما من جنس واحد ؛ إذ الخليط لا يقع عوضا لعدم ماليّته ، والمفروض أنّ ما فيه الخليط أقلّ من الآخر بدون الخليط ،

١٣٢

وبعد حذفه عنه.

وأمّا إن كان له ماليّة ، فالمعاملة صحيحة ولا رباء ، إذ الخليط يقع بإزاء الزيادة التي في الآخر قهرا ، وإن لم يكن مقصودا ، وذلك لقصد معاوضة المجموع بالمجموع ، فالخليط أيضا داخل في المجموع الذي قصد.

هذا إذا كان الخليط في أحدهما ، وأمّا إذا كان فيهما وليس له ماليّة ، فإذا كان العوضان المتجانسان متساويين مع قطع النظر عن الخليط ، فلا إشكال ولا رباء.

والوجه واضح. وأمّا إذا لم يكونا متساويين فرباء وباطل ، والوجه أيضا واضح.

وأمّا إذا كان لخليط كلّ واحد منهما ماليّة ، ففيما إذا لم يكن الخليط في كلّ واحد منهما من جنس المخلوط ، فالمعاملة صحيحة ، ولا إشكال لوقوع كلّ واحد من الخليطين مقابل العوض الآخر ولا رباء ، وعلى فرض أن يكون مقصود المتعاملين وقوع مجموع الخليط والمخلوط مقابل مجموع الآخر فلا إشكال ؛ لأنّ المجموع من كلّ واحد منهما ليس من جنس المجموع الآخر فيما إذا كان الخليط في كلّ واحد منهما من غير جنس الخليط الآخر.

ثمَّ إنّه قد ظهر ممّا ذكرنا أنّ الخليط إنّ كان فيهما ولم يكن له ماليّة ، وكان العوضان المتجانسان متساويين مع قطع النظر عن الخليط ، فلا إشكال أنّه يجب العلم بمقدار الخليط للزوم العلم بتساوي العوضين المتجانسين.

المسألة العاشرة : قال في الشرائع : يجوز بيع درهم ودينار بدينارين ودرهمين ، ويصرف كلّ واحد منهما إلى غير جنسه ، وكذا لو جعل بدل الدينار والدرهم شي‌ء من المتاع ، وكذا مدّ من تمر ودرهم بمدّين أو أمداد ودرهمين أو دراهم. (١)

وخلاصة ما ذكره قدس‌سره في هذه المسألة هو أنّه في بيع المتجانسين غير المتساويين إنّ ضمّ إلى الناقص شي‌ء آخر له ماليّة من غير جنسه ، كما إذا باع درهما ودينارا بدينارين‌

__________________

(١) « شرائع الإسلام » ج ٢ ، ص ٤١.

١٣٣

أو باعهما بدرهمين ، فيجوز مثل هذا البيع ولا رباء ، إذ يرتفع الرباء بواسطة الضميمة.

ففي الفرض الأوّل يقع الدينار مقابل أحد الدينارين ، والدرهم مقابل الدينار الآخر ، وما قلنا من وقوع كلّ واحد من الدينار والدرهم في مقابل الزائد الذي من غير جنسه جار فيما إذا كانت الضميمة شي‌ء من المتاع ، كأن يبيع درهما ومدّا من تمر بمدّين أو أمداد ، ودرهمين أو دراهم.

وكلامنا في صحّة هذه المعاملة من ناحية رفع الرباء بواسطة تلك الضميمة ، وأمّا كونها فاسدة من جهة أخرى ككونها سفهيّة ، أو من ناحية فقد شرط ، أو وجود مانع فلسنا في مقام تصحيحها من تلك الجهات.

وأمّا ما يقال من أنّ مجموع المجانس من ذلك الآخر مع الضميمة ليس مجانسا معه ، فبواسطة الضميمة يخرج العوضان عن كونهما متجانسين ، ولا يحتاج إلى التكلّف.

بأنّ الزيادة في مقام الضميمة وما عدا الضميمة في مقابل المقدار المساوي معه كيلا أو وزنا من مجانسه.

وكذا لا يحتاج إلى القول بأنّه فيما إذا كان العوضان مركّبا من جنسين ، يكون كلّ جنس من كل واحد من العوضين مقابل ما يخالفه من العوض الآخر ، مثلا لو باع مدّا من تمر ودرهمين بمدّين ودرهمين ، فيقع المدّ مقابل درهمين ويقع الدرهمان مقابل مدّين.

ففيه : أنّ المجموع ليس له وجود غير وجود أجزائه ، فلو لم نقل بما ذكرنا لزم الربا في بعض صور المسألة لا محالة.

مثلا لو باع مدّا ودرهما بمدّين ودرهمين ، فلو لم يكن الدرهم مقابل المدّين والمدّ مقابل درهمين ، يكون نصف الدرهمين وهو درهم واحد ، ونصف المدين وهو مدّ واحد مقابل نصف المبيع ، وهو نصف الدرهم ونصف المدّ. ومرجع هذا إلى أنّ درهما واحدا تامّا وقع مقابل درهم ، ومدّا كاملا وقع مقابل نصف ، بل من أوّل الأمر درهم ومدّ‌

١٣٤

وقع مقابل درهم ومدّ ، ودرهم وقع مقابل مدّ فيما إذا كان قيمة المدّ والدرهم متساويين ، فكلّ واحد من جزئي المبيع وقع في مقابله ما يساويه من مماثله مع الزيادة من غير مماثله.

وأمّا ما يقال من أنّ ما قلتم من أنّ كلّ واحد من جزئي المبيع يقع في مقابل ما يخالفه في الجنس فلا رباء في البين ، هو ليس بمقصود للمتبايعين ، بل مقصودهم معاوضة المجموع بالمجموع ، والعقود تابعة للقصود.

فهذا كلام حقّ ، ولذلك نقول صحّة هذه المعاملة ليس بمقتضى القواعد ، بل من جهة الإجماع والنصّ.

أمّا الإجماع فادّعاه جمع ، وقال العلاّمة في التذكرة (١) في المفروض ، أي بيع الجنسين المختلفين بأحدهما : إذا زاد على ما في المجموع من جنسه بحيث تكون الزيادة في مقابلة المخالف ، يجوز عند علمائنا أجمع.

وقال في الجواهر في شرح ما نقلنا عن الشرائع : بلا خلاف بيننا (٢).

والحاصل أنّ جواز مثل هذه المعاملة اتفاقي بين الإماميّة ، وحكى في التذكرة (٣) عن أبي حنيفة أيضا جواز هذه المعاملة ، وقال حتّى أنّ أبا حنيفة يقول بجواز بيع دينار في خريطة بمائة دينار.

والظاهر : أنّ مراده أنّ الخريطة تكون في مقابل تسع وتسعين ، والدينار الذي فيها مقابل دينار ، فلا يكون رباء في البين.

ولكن الإشكال أنّ الخريطة ربما ليس فيها صلاحيّة أن تقع في مقابل ذلك المبلغ الكثير ، ولذلك نشترط في الزيادة أن تكون لها ماليّة بمقدار يصلح للعوضيّة.

__________________

(١) « تذكرة الفقهاء » ج ١ ، ص ٤٨٣.

(٢) « جواهر الكلام » ج ٢٣ ، ص ٣٩١.

(٣) « تذكرة الفقهاء » ج ١ ، ص ٤٨٣.

١٣٥

وأمّا النصوص الواردة في المقام :

فمنها : صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام وفيها : فقلت له : أشتري ألف درهم ودينارا بألفي درهم؟ فقال عليه‌السلام : « لا بأس بذلك ، إنّ أبي عليه‌السلام كان أجرى على أهل المدينة منّي ، وكان يقول هذا ، فيقولون : إنّما هذا الفرار ، لو جاء رجل بدينار لم يعط ألف درهم ، ولو جاء بألف درهم لم يعط ألف دينار. وكان عليه‌السلام يقول لهم : نعم الشي‌ء الفرار من الحرام إلى الحلال » (١).

ومنها : أيضا عن عبد الرحمن بن الحجّاج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « كان محمّد ابن المنكدر يقول لأبي عليه‌السلام : يا أبا جعفر رحمك الله والله إنّا لنعلم أنّك لو أخذت دينارا والصرف بثمانية عشر فدرت المدينة على أن تجد من يعطيك عشرين ما وجدته ، وما هذا إلاّ فرارا ، فكان أبي عليه‌السلام يقول : صدقت والله ، ولكنّه فرار من باطل إلى حقّ » (٢).

ومنها : عنه أيضا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن رجل يأتي بالدراهم إلى الصيرفي : فيقول له : آخذ منك المائة بمائة وعشرين ، أو بمائة وخمسة حتّى يراوضه على الذي يريد ، فإذا فرغ جعل مكان الدراهم الزيادة دينارا أو ذهبا ، ثمَّ قال : قد زادت البيع وإنّما أبايعك على هذا ، لأنّ الأوّل لا يصلح أو لم يقل ذلك ، وجعل ذهبا مكان الدراهم ، فقال : « إذا كان آخر البيع على الحلال فلا بأس بذلك ». قلت : فإن جعل مكان الذهب فلوسا ، قال : « ما أدري ما الفلوس » (٣).

ومنها : ما عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا بأس بألف درهم ودرهم‌

__________________

(١) « الكافي » ج ٥ ، ص ٢٤٦ ، باب الصروف ، ح ٩ ؛ « وسائل الشيعة » ج ١٢ ، ص ٤٦٦ ، أبواب الصرف ، باب ٦ ، ح ١.

(٢) « الكافي » ج ٥ ، ص ٢٤٧ ، باب الصرف ، ح ١٠ ؛ « وسائل الشيعة » ج ١٢ ، ص ٤٦٧ ، أبواب الصرف ، باب ٦ ، ح ٢.

(٣) « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ١٠٥ ، ح ٤٤٩ ، باب بيع الواحد بالاثنين ... ، ح ٥٥ ؛ « وسائل الشيعة » ج ١٢ ، ص ٤٦٧ ، أبواب الصرف ، باب ٦ ، ح ٣.

١٣٦

بألف درهم ودينارين إذا دخل فيها ديناران أو أقل أو أكثر فلا بأس » (١).

فهذه الروايات لها دلالات واضحة على صحّة هذه المعاملة وعدم الإشكال فيها ، فهذا حكم تعبّدي من قبل الشارع.

المسألة الحادية عشر : في أنّه لو خرجت الضميمة التي ذكرناها في المسألة السابقة عن ملك البائع بواسطة تلفها قبل قبض المشتري ، أو كانت ممّا لا يجوز للبائع التصرّف فيها لكونها ملكا للغير ، أو كانت متعلّقة لحقّ الغير ؛

فهاهنا فرعان :

الأوّل : كونها مستحقّة للغير.

الثاني : تلفها قبل القبض.

أمّا الأوّل : فإن أجز صاحب الحقّ فلا إشكال ، وأمّا إن لم يجز فلا شبهة في بطلان المعاملة بالنسبة إليها ، فإن حصل الربا في الباقي ، وذلك كما إذا باع مدّا من التمر ودرهما بمدّين منه ودرهمين ، فظهر أنّ درهما معيّنا منهما ملك لغير البائع أو مرهون عند غيره ولم يجز المالك أو صاحب الحقّ ، فيبطل المعاملة بالنسبة إلى ذلك الدرهم.

فإن قلنا أنّه يسقط من الثمن بمقدار ما يقابله واقعا وهو مثله ـ أي أحد الدرهمين ـ فيبقى درهم ومدّان مقابل مدّ واحد ، ولا شكّ في كون الباقي بناء على هذا معاملة ربوية.

وأمّا إذا قلنا إنّ الثمن يقسط بالنسبة ، وفرضنا أنّ قيمة المدّ درهم واحد ، فيكون مقابل الدرهم الذي ليس للبائع التصرّف فيه مدّ ودرهم ، ويبقى للمدّ الباقي من المبيع مدّ ودرهم ، فأيضا يحصل الربا ، وفي كلتا الصورتين تبطل المعاملة من أوّل الأمر ؛ لأنّه‌

__________________

(١) « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ١٠٦ ، ح ٤٥٦ ، باب بيع الواحد بالاثنين. ح ٦٢ ؛ « وسائل الشيعة » ج ١٢ ، ص ٤٦٨ ، أبواب الصرف ، باب ٦ ، ح ٤.

١٣٧

في الحقيقة من أوّل الأمر باع في المفروض مدّا من التمر إمّا بمدّين ودرهم ، وإمّا بمدّ ودرهم.

وأمّا إن لم بحصل الربا ، كما أنّه لو باع درهما ومدّا بمدّين ، فظهر أنّ الدرهم المبيع ملك الغير أو متعلّق حقّ الغير ، وفرضنا أنّ المدّ يساوي درهما ، فهاهنا بعد بطلان المعاملة وإسقاط ما يقابل الدرهم المبيع من الثمن ، أو إسقاط ما هو قيمته الواقعيّة لذلك الدرهم الذي ليس ملكا للبائع ، أو يكون متعلّقا لحقّ الغير يبقى مدّ أو درهم مقابل المدّ الباقي ، فلا رباء ولا بطلان للمعاملة. نعم يأتي خيار تبعّض الصفقة للمشتري.

هذا هو الظاهر ، ولكن يمكن تصحيح المعاملة في الفرض الأوّل بشكل لا يأتي فيها الربا ، بأن يقال بإسقاط نصف الدرهم من الثمن مقابل نصف الدرهم من الدرهم المبيع ، ومدّ ونصف مدّ من الثمن مقابل النصف الآخر من الدرهم المبيع ، فيبقى من الثمن درهم ونصف مع نصف مدّ مقابل مدّ من المبيع ، فيكون الدرهم ونصف الدرهم الباقي من الثمن مقابل نصف المدّ من المبيع ، ونصف المدّ الباقي من الثمن مقابل ما يساويه من المبيع.

ولكن فيه : أوّلا : أنّ هذه المعاملة من أوّل الأمر وقعت باطلة وربويّة ، فلا يبقى مجال لتصحيحها بما ذكر. وثانيا : هذا الترتيب الذي ذكرنا لخروجها عن كونها ربويّة أجنبيّ عمّا قصده المتبايعان ، والعقود تابعة للقصود ، ولا ضرورة توجب الالتزام بما ذكر على خلاف ما قصد.

وأمّا الثاني : أي تلف الضميمة قبل أن يقبضها المشتري ، وحيث أنّ المعاملة وقعت صحيحة من أوّل الأمر ، فيمكن أن يقال بعدم شمول أدلّة حرمة الربا لمثل هذا الرباء الحادث بعد وقوع المعاملة صحيحة وانصرافها عنه.

ويمكن أن يصحّح بما تقدّم في الفرع الأوّل. ولا يأتي الإشكال الذي تقدّم هاهنا ؛

١٣٨

لأنّ المعاملة هاهنا وقعت صحيحة ، فما ذكرنا يكون لإبقاء الصحّة.

ولكنّ الإنصاف : أنّ هذا القسم من التصحيح خلاف ما قصده المتعاملان ، وتقدّم في المسألة السابقة أنّ القول بالصحّة من جهة التعبّد للنصّ والإجماع ، وإلاّ فمقتضى القواعد هو البطلان ، فلا بدّ من القول بالبطلان إن قلنا بشمول أدلّة حرمة الربا للمقام.

وأمّا إن قلنا بالانصراف وعدم الشمول فالمعاملة صحيحة بلا كلام ، والقول بعدم شمول أدلّة حرمة الربا لمثل المورد لا يخلو عن قوّة.

هذه الفروع كلّها كانت راجعة إلى الشرط الأوّل ، أي اتّحاد الجنس في الثمن والمثمن.

وأمّا القسم الثاني‌

أي الفروع الراجعة إلى الشرط الثاني أي كونهما مكيلا أو موزونا

فأيضا نذكرها في ضمن مسائل :

المسألة الأولى : إذا كان جنس قد يباع بالوزن وقد يباع بالعدّ ، أو في بلد أو في زمان بأحدهما وفي الآخر بالآخر ، فالظاهر أنّ حرمة التفاضل منوط بوقوع المعاملة بالوزن أو كيلا. وأمّا لو بيع عددا ، أو كان في بلد أو زمان يباع عددا ، فلا حرمة إن كان بيع عددا.

وذلك من جهة أنّ حكم الحرمة على عنوان ما يباع كيلا أو وزنا على نحو القضيّة الحقيقيّة ، فكلّ وقت تحقّق هذا العنوان يتحقّق الحرمة ؛ لعدم تخلّف الحكم عن موضوعه. اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ عنوان الموضوع في قوله عليه‌السلام « إلاّ فيما يكال أو يوزن » هو أن يكون نوع معاملاته بالوزن أو الكيل ، فوقوعه في بعض الأحيان أو في بعض البلدان أو الأزمان بالعدّ لا ينافي وجود موضوع الحرمة ؛ لأنّ هذا المقدار القليل‌

١٣٩

وقوعها بالعدّ لا يضرّ بكونه ممّا يكال أو يوزن عند العرف.

نعم لو كان في بلد أو في زمان نوع أهل ذلك البلد أو أهل ذلك الزمان يبيعونه بالعدّ ، فلا يصدق أنّه ممّا يكال أو يوزن عندهم ، فالمدار على نوعيّة بيعه بالوزن أو الكيل ويؤيد هذا المعنى بل يدلّ عليه مرسل عليّ بن إبراهيم : « لا ينظر فيما يكال أو يوزن إلاّ إلى العامّة ، ولا يؤخذ بالخاصّة » (١).

المسألة الثانية : إذا شكّ في صدق المكيل والموزون على جنس ، ولم يحرز أنّه منهما أو من غيرهما لعدم ضبط حدود مفهوميهما ، فمقتضى عمومات صحّة البيع وحلّيته عدم حرمة التفاضل في مثل ذلك الجنس ، إذا بيع بمثله ؛ لأنّ الخارج عن تحت العمومات هو المكيل والموزون ، فإذا شككنا في خروجه عنها نتمسّك بأصالة العموم ، لأنّ الشبهة مفهوميّة لا مصداقيّة. والمسألة محرّرة في الأصول.

وكذلك الأمر في صورة الشكّ في اتّحاد الجنس فيما لم يكن دليل وأمارة يثبت الاتّحاد حكما أو موضوعا.

وأمّا أصالة عدم ترتّب الأثر على مثل تلك المعاملة المعبّر عنها بأصالة الفساد ، فهو محكوم بالعمومات ، نعم لو كانت الشبهة مصداقيّة لا يمكن التمسّك بالعمومات ؛ لما حقّقناه في كتابنا « منتهى الأصول » (٢).

المسألة الثالثة : قد ذكرنا في بعض المسائل السابقة أنّ فروع الأصل الواحد كلّ واحد مع الآخر ، وجميعها مع ذلك الأصل في حكم متّحدي الجنسين ، لا يجوز بيع بعضها ببعض مع التفاضل ، ولكن إذا اختلف الفرع مع الأصل بأن يكون أحدهما من‌

__________________

(١) « الكافي » ج ٥ ، ص ١٩٢ ، باب فيه جمل من المعاوضات ، ح ١ ؛ « وسائل الشيعة » ج ١٢ ، ص ٤٣٥ ، أبواب الربا ، باب ٦ ، ح ٦.

(٢) « منتهى الأصول » ج ١ ، ص ٤٤٩.

١٤٠