جواهر الكلام - ج ٣٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

عليه‌السلام عن ذبائح اليهود والنصارى والنصاب ، قال : فلوى شدقه ، وقال : كلها إلى يوم ما ».

بل لا يخفى على من رزقه الله فهم اللحن في القول أن هذا الاختلاف منهم في الجواب ليس إلا لها. ( فتارة ) يطلق النهي عن ذبيحتهم ، كخبر أبي المعزى عن جماعة (١) عن أبي إبراهيم عليه‌السلام « سألته عن ذبيحة اليهودي والنصراني ، فقال : لا تقربوها » وخبر إسماعيل بن جابر (٢) قال : « قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : لا تأكل ذبائحهم ، ولا تأكل في آنيتهم يعني أهل الكتاب » وخبر محمد بن عذافر (٣) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل يجلب الغنم من الجبل يكون فيها الأجير المجوسي والنصراني فتقع العارضة فيأتيه بها مملحة ، فقال : لا تأكلها » وخبر الحسين الأحمسي (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال له رجل :

أصلحك الله إن لنا جارا قصابا فيجي‌ء بيهودي فيذبح له حتى يشتري منه اليهود ، فقال : لا تأكل من ذبيحته ، ولا تشتر منه » وخبر محمد بن مسلم (٥) عن أبي جعفر عليه‌السلام « سألته عن نصارى العرب أتؤكل ذبائحهم؟ فقال : كان علي عليه‌السلام ينهى عن ذبائحهم وعن صيدهم ومناكحتهم » وخبر زيد الشحام (٦) قال : « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن ذبيحة الذمي ، فقال : لا تأكل ، سمى وإن لم يسم » وموثق سماعة (٧) عن أبي إبراهيم عليه‌السلام « سألته عن ذبيحة اليهودي والنصراني ، فقال : لا تقربنها » إلى غير ذلك من النصوص التي هي بنحو ذلك.

و ( تارة أخرى ) ينفي البأس عن ذلك ، كصحيح الحلبي (٨) سأل

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الذبائح الحديث ٩ عن أبي المعزى عن سماعة كما في الاستبصار ج ٤ ص ٨١ والكافي ج ٦ ص ٢٣٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الذبائح الحديث ١٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٨.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الذبائح الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الذبائح الحديث ٦.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الذبائح الحديث ٥.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الذبائح الحديث ٩.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الذبائح الحديث ٣٤.

٨١

الصادق عليه‌السلام « عن ذبيحة أهل الكتاب ونسائهم ، فقال : لا بأس به »

و ( ثالثة ) يجعل المدار على سماع التسمية وعدمه ، كخبر حمران (١) قال : « سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول في ذبيحة الناصب واليهودي والنصراني : لا تأكل ذبيحته حتى تسمعه يذكر اسم الله ، فقلت : المجوسي فقال : نعم إذا سمعته يذكر اسم الله ، أما سمعت قول الله تعالى (٢) ( وَلا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ )؟ » وخبر عامر بن علي (٣) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنا نأكل ذبائح أهل الكتاب ولا ندري يسمون عليها أم لا؟ فقال : إذا سمعتم قد سموا فكلوا » وخبر حمران (٤) قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول في ذبيحة الناصب واليهود : لا تأكل ذبيحته حتى تسمعه يذكر اسم الله ، أما سمعت الله يقول : ولا تأكلوا؟ إلى آخرها ».

و ( رابعة ) يجعل المدار على سماعها أو إخبار رجل مسلم بها ، كخبر (٥) حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام وزرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام « إنهما قالا في ذبائح أهل الكتاب : فإذا شهدتموهم وقد سموا اسم الله فكلوا ذبائحهم ، وإن لم تشهدوهم فلا تأكلوا ، وإن أتاك رجل مسلم فأخبرك أنهم سموا فكل » وخبر حريز الآخر (٦) « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن ذبائح اليهود والنصارى والمجوس ، فقال : إذا سمعتهم يسمون أو شهد لك من يراهم يسمون فكل ، وإن لم تسمعهم ولم يشهد عندك من رآهم يسمون فلا تأكل ذبيحتهم ».

و ( خامسة ) على جواز الأكل إلا مع حضورهم ولم يسموا

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الذبائح الحديث ٣١.

(٢) سورة الأنعام : ٦ ـ الآية ١٢١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الذبائح الحديث ٤٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الذبائح الحديث ١٨.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الذبائح الحديث ٣٨.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الذبائح الحديث ٣٩.

٨٢

كخبر جميل ومحمد بن حمران (١) « سألا أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذبائح اليهود والنصارى والمجوس ، فقال : كل ، فقال بعضهم : إنهم لا يسمون ، فقال : فان حضرتموهم فلم يسموا فلا تأكلوا ، وقال : إذا غاب فكل ».

و ( سادسة ) جواز أكل ذبائحهم وإن ذكروا اسم المسيح ، لأنهم يريدون به الله ، كخبر عبد الملك (٢) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما تقول في ذبائح النصارى؟ فقال : لا بأس بها ، قلت : فإنهم يذكرون عليها اسم المسيح ، فقال : انما أرادوا بالمسيح : الله » وخبر أبي بصير (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذبيحة اليهودي ، فقال : حلال فقلت : وإن سم المسيح ، قال : وإن سم المسيح ، فإنه انما يريد الله » والصواب كون السؤال عن ذبيحة النصراني ، لأنه هو الذي يسمى المسيح ، لا اليهودي المنكر له ، ولعل السهو من النساخ.

وعلى كل حال فهو مناف لخبر حنان بن سدير (٤) قال : « دخلنا على أبي عبد الله عليه‌السلام أنا وأبي فقلنا له : جعلنا فداك إن لنا خلطاء من النصارى ، وإنا نأتيهم فيذبحون لنا الدجاج والفراخ والجداء أفنأكلها؟ قال : لا تأكلوها ولا تقربوها ، فإنهم يقولون على ذبائحهم ما لا أحب لكم أكلها ـ إلى أن قال ـ : فقالوا : صدق إنا لنقول باسم المسيح ».

و ( سابعة ) إطلاق النهي عن أكلها مع التعليل بأن الاسم لا يؤمن عليه إلا المسلم ، كمرسل ابن أبي عمير (٥) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذبيحة أهل الكتاب؟ فقال : والله ما يأكلون ذبائحهم فكيف تستحلون

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٣٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٣٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٣٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٤.

٨٣

أن تأكلوا ذبائحهم؟ إنما هو الاسم ، ولا يؤمن عليه إلا مسلم ».

وخبر قتيبة الأعشى (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذبائح اليهود والنصارى ، فقال : الذبيحة اسم ، ولا يؤمن على الاسم إلا مسلم ». وخبر الحسين بن المنذر (٢) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنا قوم نختلف إلى الجبل ـ إلى أن قال ـ : فنسأل الرعاة ـ أي الذين يأتون بالذبائح من الغنم ـ فيقولون : إنا نصارى ، فأي شي‌ء قولك في ذبائح اليهود والنصارى؟ فقال : يا حسين الذبيحة بالاسم ، ولا يؤمن عليها إلا أهل التوحيد » إلى غير ذلك من النصوص (٣).

و ( ثامنة ) يجعل المدار على ذكر اسم الله وعدمه ، كخبر الورد ابن زيد (٤) « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : حدثني حديثا وأملاه علي حتى أكتبه ، فقال : أين حفظكم يا أهل الكوفة؟! قال : قلت : حتى لا يرده علي أحد : ما تقول في مجوسي قال : بسم الله ثم ذبح؟ فقال : كل ، قلت : فمسلم ذبح ولم يسم ، فقال : لا تأكله ، إن الله يقول : ( فَكُلُوا ) (٥) ـ إلى آخرها ـ » وخبر علي بن جعفر (٦) عن أخيه موسى عليه‌السلام « سألته عن ذبيحة اليهود والنصارى هل تحل؟ فقال : كل ما ذكر اسم الله عليه ».

و ( تاسعة ) التفصيل بين اليهود والنصارى وبين المجوس ، لأنهم ليسوا أهل كتاب ، كخبر عمر بن حنظلة (٧) عن أبي عبد الله

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الذبائح.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٣٧.

(٥) سورة الأنعام : ٦ ـ الآية ١١٨.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١٤.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١٧.

٨٤

في قول الله : ( فَكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ ) قال : أما المجوسي فلا ، فليسوا من أهل الكتاب ، وأما اليهود والنصارى فلا بأس إذا سموا ».

و ( عاشرة ) النهي عن المجوس ونصارى تغلب ، كخبر أبي بصير (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا تأكل من ذبيحة المجوسي ، وقال : لا تأكل ذبيحة نصارى تغلب ، فإنهم مشركو العرب ».

و ( حادي عشرة ) نصارى العرب ، كخبر محمد بن قيس (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا تأكلوا ذبيحة نصارى العرب ، فإنهم ليسوا أهل الكتاب » وخبر علي ابن جعفر (٣) عن أخيه عليه‌السلام « سألته عن ذبائح نصارى العرب ، قال : ليس هم بأهل الكتاب ، ولا تحل ذبائحهم ».

و ( ثانية عشرة ) النهي عن ذبح اليهودي والنصراني والمجوسي أضحيته ، كخبر أبي بصير (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « لا يذبح أضحيتك يهودي ولا نصراني ولا مجوسي » وخبر الحسين بن علوان (٥) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام « إن عليا عليه‌السلام كان يأمر مناديه بالكوفة أيام الأضحى أنه لا يذبح نساككم يعني نسككم اليهود ولا النصارى ، ولا يذبحها إلا المسلمون ».

إلى غير ذلك من الاختلاف الذي يورث الفقيه القطع بخروج هذه النصوص مخرج التقية التي قد خفي الأمر من جهتها في ذلك الزمان على مثل أبي بصير والمعلى ، وهما من البطانة.

قال شعيب العقرقوفي (٦) : « كنت عند أبي عبد الله

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٣٠.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢٥ إلا أنه ترك ذيله وذكر تمامه في التهذيب ج ٩ ص ٦٦.

٨٥

ومعنا أبو بصير وأناس من أهل الجبل يسألونه عن ذبائح أهل الكتاب ، فقال لهم أبو عبد الله عليه‌السلام : قد سمعتم ما قال الله عز وجل في كتابه ، فقالوا له : نحب أن تخبرنا ، فقال : لا تأكلوها ، فلما خرجنا قال أبو بصير : كلها في عنقي ما فيها ، فقد سمعته وسمعت أباه عليهما‌السلام جميعا يأمران بأكلها ، فرجعنا إليه ، فقال لي أبو بصير : سله فقلت : جعلت فداك ما تقول في ذبائح أهل الكتاب؟ فقال : أليس قد شهدتنا بالغداة وسمعت؟ قلت : بلى ، فقال : لا تأكلها ، ثم قال : سله الثانية ، فقال لي مثل مقالته الأولى ، وأعاد أبو بصير ، فقال لي قوله الأول : في عنقي كلها ، ثم قال لي : سله ، فقلت : لا أسأله بعد مرتين ».

وقال سعيد بن جناح وعدة من أصحابنا ـ بل عن العبيدي أنه حدث به أيضا ـ عن ابن أبي عمير (١) « إن ابن أبي يعفور ومعلى بن خنيس كانا بالنيل على عهد أبي عبد الله عليه‌السلام فاختلفا في ذبائح اليهود ، فأكل المعلى ولم يأكل ابن أبي يعفور ، فلما صارا إلى أبي عبد الله عليه‌السلام أخبراه ، فرضي بفعل ابن أبي يعفور وخطأ المعلى في أكله إياه ».

ومن الغريب بعد ذلك إطناب ثاني الشهيدين في المسالك وبعض أتباعه في تأييد القول بالجواز واختياره ، وذكر الجمع بالكراهة ونحوه ، وذكره فيها ما لو وقع من غيره لعد من الخرافات.

( و ) أغرب من هذا أن الفاضل في الرياض مع اعتداله وشدة أطنابه في الإنكار على ثاني الشهيدين في ميلة إلى القول بالجواز مال بعض الميل إلى العمل إلى ما سمعته ( في رواية ثالثة ) (٢) مقابلة لروايتي (٣) الجواز

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٣٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الذبائح.

٨٦

مطلقا وعدمه ، وهي ( تؤكل ذباحة الذمي إذا سمعت تسميته ، وهي ) مع أنها ( مطرحة ) لم يحك القول بها إلا عن الصدوق ، بل قد سمعت اختلاف مؤداها أيضا ، بل قيل : إنها موافقة للعامة وإن أنكره بعضهم.

قال : « لو صح هذا الإنكار ولم تكن أدلة الحرمة بالشهرة معتضدة لكان المصير إلى هذه الرواية في غاية القوة ، لوضوح الجمع بها بين مطلق الروايتين الأولتين الدالتين على التحريم والحلية ، بحمل الأولى على عدم سماع التسمية والثانية على سماعها ، وتجعل هذه قرينة على أن المراد بالتعليل المتقدم إليه الإشارة في أخبار الحرمة بأنها اسم ولا يؤمن عليه إلا مسلم المعنى المستفاد منه في بادئ النظر ، وهو كون عدم الأمن من حيث خوف الترك لا خوف عدم القصد إلى ما دل ، نعم لا يمكن الجمع بها بين صريحهما ، لكنه غير محتاج إليه أصلا ، لضعف سندها ، بل وموافقة الثانية منهما للتقية جدا ، فالتعارض الموجب للتردد حقيقة انما هو ما وقع بين المعتبرة من أخبارهما ، وهو مرتفع بهذه الرواية المفصلة جدا ، فلا إشكال في المصير إليها لو لا رجحان رواية الحرمة مطلقا وصريحها بالشهرة ، لكن بعده ـ سيما مع ندرة القائل بهذه الرواية ـ لا مسرح عن العمل بتلك الرواية ولا مندوحة ، مع أن من روايات الحلية ما لا يقبل الحمل على هذه المفصلة جدا ، مع أنها صحيحة « عن ذبائح اليهود » ـ إلى آخر ما سمعته في الرابعة (١) ـ ولكن يمكن الذب عنها بالحمل على التقية مع ندرة القائل بها منا من حيث التسوية فيها بين الفرق الثلاثة ، مع أن العماني الذي هو أحد القائلين بالحلية يفرق بينها ، فيحكم في ذبيحة المجوسي

_________________

(١) ما ذكره في الرياض في المقام هو خبر جميل ومحمد بن حمران المتقدم في الخامسة لا الرابعة ، وهو ما تقدم في ص ٨٣.

٨٧

بالحرمة مطلقا ، فانحصر القائل بها في الإسكافي خاصة ».

وفيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه من أن النصوص مع قطع النظر عن الشهرة ظاهرة في اشتراط الذبح بالإسلام ، لأنه اسم ولا يؤمن عليه غير المسلم ، ودعوى كون المراد منه ما ذكره ينافيها التعليل به في عدم جواز ذبح عبدة النيران وأشباههم ممن لم يقل أحد بجواز ذلك منهم مع الذكر.

قال الحسين بن المنذر (١) : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنا نتكارى هؤلاء الأكراد في قطاع الغنم ، وإنما هم عبدة النيران وأشباه ذلك ، فتسقط العارضة فيذبحونها ويبيعونها ، فقال : ما أحب أن تجعل في مالك ، إنما الذبيحة اسم ، ولا يؤمن على الاسم إلا مسلم ».

بل قد يستفاد من ذلك أن هذا حكمة لا تعليل يدور الحكم مداره وإلا ثبت حتى في المشرك إذا سمى ، ولم يقل به أحد ، كما أنه لم يقل أحد أيضا بجوازه في الناصب إذا ذكر وإن اقتضاه خبر الخصم.

وكأن الذي أوقعه في ذلك حتى أظهر بعض الميل إلى الحل في الجملة هو ما أطنب به في المسالك وأتباعه على وجه يتخيل منه كون المسألة نظرية ، وقد عرفت أنها من ضروريات المذهب ، فلا وجه للتأمل فيها مطلقا ، بل نسأل الله تعالى شأنه أن لا يجعل ما وقع لنا من الكلام فيها من اللغو الذي لا نؤجر عليه ، هذا كله في اشتراطه بالمعنيين اللذين ذكرناهما.

أما اشتراطه بمعنى عدم الصحة من غيره وإن لم يكن كافرا كولد الزنا قبل البلوغ مثلا فظاهر المصنف وغيره ممن جعل الإسلام شرطا ذلك أيضا ، ولعله لأنه مقتضى ما سمعته من التعليل بأنه لا يؤمن عليه إلا

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٧.

٨٨

مسلم (١) مضافا إلى ما تسمعه من التصريح باشتراط الإسلام في المستفيضة الواردة في المرأة (٢) ولا قائل بالفصل.

لكن فيه أن ظاهر ذلك من وصف الإسلام فعلا ، خصوصا بعد ذكر الائتمان فيه الذي ستعرف عدمه في الصبي ، فلا يدخل فيه ولد المسلم ، وتبعيته في صحة التذكية لا دليل عليها بالخصوص ، ولا بالعموم الشامل لمثل ذلك ، بل مقتضى سلب قول الصبي وفعله في المعاملة الشاملة لمثل المقام العكس ، نعم ما سمعته من النصوص (٣) في خصوص المقام دليل صحة تذكيته ، وهي لا اختصاص فيها بولد المسلم الشرعي ، فيندرج فيها ابن الزنا ، بل وابن الكافر إن لم يثبت اندراجه في اسم اليهودي مثلا أو تبعيته له في عدم صحة التذكية.

اللهم إلا أن يقال : إن المراد من الصبي في النصوص (٤) الصبي التابع للمسلم في الإسلام ولو بمعونة قول الأصحاب هنا : « الإسلام أو حكمه » بل ظاهرهم أن صحة تذكية الصبي باعتبار كونه بحكم المسلم ، فيبقى غيره ممن هو محكوم بكفره تبعا أو لم يحكم بكفره ولا بإسلامه تحت ما دل على عدم جواز تذكيته من الأصل وشرطية الإسلام المقتضية عدم الحل في فاقدها ، من غير فرق بين الصبي الذي لم يكن بحكم المسلم ولا بحكم الكافر والذي هو بحكم الكافر ، كما أن مقتضاها عدمه أيضا في البالغ إذا كان في فسحة النظر وإن لم يحكم بكفره حتى يصف الكفر ، لكونه غير مسلم قطعا ، لعدم وصفه الإسلام ، والله العالم.

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١ و ٤ و ٧ و ١٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٦ و ٧ و ١١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الذبائح.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الذبائح.

٨٩

( و ) كيف كان فلا خلاف في أنه يجوز أن ( تذبح المسلمة والخصي ) فضلا عن الخنثى والمجبوب ( والجنب والحائض وولد المسلم وإن كان طفلا إذا أحسن ) والأعمى وولد الزنا والأغلف ، ولا إشكال بل يمكن تحصيل الإجماع عليه ، لإطلاق الأدلة ، حتى قوله تعالى (١) : ( ذَكَّيْتُمْ ) بناء على دخول الولد والبنت والزوجة في صدق نسبة التذكية إلينا ، مضافا إلى النصوص.

كخبر أبي بصير المرادي (٢) « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام لا يذبح أضحيتك يهودي ولا نصراني ، وإن كانت امرأة فلتذبح لنفسها ».

وخبر عبد الله بن سنان (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إن علي بن الحسين عليهما‌السلام كانت له جارية تذبح له إذا أراد ».

وخبر علي بن جعفر (٤) عن أخيه موسى عليه‌السلام « سألته عن ذبيحة الجارية هل تصلح؟ قال : إذا كانت لا تنخع ولا تكسر الرقبة فلا بأس ، وقد كانت لأهل علي بن الحسين عليهما‌السلام جارية تذبح لهم ».

وخبر مسعدة بن صدقة (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث « أنه سئل عن ذبيحة المرأة ، فقال : إذا كانت مسلمة فذكرت اسم الله عليها فكل ».

وخبر سليمان بن خالد (٦) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذبيحة الغلام والمرأة هل تؤكل؟ فقال : إذا كانت المرأة مسلمة فذكرت اسم الله على ذبيحتها حلت ذبيحتها ، وكذلك الغلام إذا نوى ( قوى خ ل

_________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٦.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٧.

٩٠

على الذبيحة فذكر اسم الله ، وذلك إذا خيف فوت الذبيحة ولم يوجد من يذبح غيرهما ».

ومرسل ابن أذينة (١) عن غير واحد رواه عنهما عليهما‌السلام « إن ذبيحة المرأة إذا أجادت الذبح وسمت فلا بأس بأكله ، وكذلك الصبي وكذلك الأعمى إذا سدد ».

ومرسل أحمد بن محمد (٢) قال : « سأل المرزبان الرضا عليه‌السلام عن ذبيحة الصبي قبل أن يبلغ وذبيحة المرأة ، قال : لا بأس بذبيحة الصبي والخصي والمرأة إذا اضطروا إليه ».

وخبر عبد الله بن سنان (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام المروي عن تفسير العياشي « سألته عن ذبيحة المرأة والغلام هل تؤكل؟ قال : نعم إذا كانت المرأة مسلمة وذكرت اسم الله حلت ذبيحتها ، وإن كان الغلام قويا على الذبح وذكر اسم الله حلت ذبيحته » الحديث.

وخبر ابن أبي البلاد (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذبيحة الخصي ، فقال : لا بأس ».

وخبر محمد بن مسلم (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن ذبيحة الصبي ، قال : إذا تحرك وكان له خمسة أشبار وأطاق الشفرة ، وعن ذبيحة المرأة فقال : إن كن نساء ليس معهن رجل فلتذبح أعقلهن ( أعلمهن خ ل ) ولتذكر اسم الله عليه ».

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١.

(٥) ذكر صدره في الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١ وذيله في الباب ـ ٢٣ ـ منها ـ الحديث ٥.

٩١

و مرسل ابن أبي عمير (١) عن الصادق عليه‌السلام « لا بأس بأن يذبح الرجل وهو جنب ».

والمرسل عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (٢) « أنه سئل عن الذبح على غير طهارة فرخص فيه ».

وخبر صفوان بن يحيى (٣) قال : « سأل المرزبان أبا الحسن عليه‌السلام عن ذبيحة ولد الزنا وقد عرفناه بذلك ، قال : لا بأس به ، والمرأة والصبي إذا اضطروا إليه ».

وخبر مسعدة بن صدقة (٤) عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام « أنه سئل عن ذبيحة الأغلف ، قال : كان علي عليه‌السلام لا يرى به بأسا ». إلى غير ذلك.

وما في بعض النصوص من اعتبار الضرورة بعدم الرجل الجاري مجرى الغالب أو خوف موت الذبيحة أو غير ذلك في ذبيحة المرأة والغلام لم أجد أحدا أفتى به. كما اعترف به بعضهم ، فلا بأس بحمله على ضرب من الندب أو الكراهة ، خصوصا مع أعمية البأس المستفاد من المفهوم من الحرمة ، كما أن الظاهر إرادة الإشارة إلى التمييز مما ذكر في بعض النصوص من بلوغ خمسة أشبار وقوى وأطاق الشفرة ونحو ذلك ، لا أن ذلك شرط ، خصوصا بعد عدم القائل به ، نعم ق يقال بعدم حل ذبيحته مع عدم العلم بإحراز الشرائط التي لا يكفي فيها قوله فضلا عن عدم قوله ، لعدم الدليل القاطع لأصالة عدم التذكية بعد فرض عدم جريان أصل

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٣.

٩٢

الصحة في فعله ، وثبوت صحة التذكية شرعا أعم من ذلك ، كتطهيره المتنجس ، والله العالم.

( و ) كيف كان فـ ( لا يشترط الايمان ) بالمعنى الأخص وفاقا للمشهور ، للأصل وظاهر التعليل السابق المستفاد منه أن المسلم هو الذي يؤمن على الاسم ، والسيرة القطعية المستمرة ، ونفي الحرج ، وقول الباقر عن أمير المؤمنين عليهما‌السلام (١) : « ذبيحة من دان بكلمة الإسلام وصام وصلى حلال لكم إذا ذكر اسم الله » ونصوص (٢) شراء الفراء واللحم من سوق المسلمين ، وخبر السفرة (٣) وغير ذلك.

( و ) لكن مع ذلك ( فيه قول بعيد باشتراطه ) وعدم الجواز محكي عن الحلي وأبي الصلاح وابني حمزة والبراج ، فعن الأول « إنا لا نحل إلا ذبيحة المؤمن والمستضعف الذي لا منا ولا منهم ، بمعنى أنه لا يعرف الحق ولا يعاند عليه ». وعن الثاني « أنه لا تحل ذباحة الكافر وجاحد النص ». وعن الثالث « أنه يجب في الذابح أن يكون مؤمنا أو في حكمه » وعن الرابع « لا يجوز أن يتولى الذبح إلا من كان مسلما من أهل الحق ، فإن تولاه غير من ذكرناه من الكفار المخالفين لدين الإسلام أو من كفار أهل الملة على اختلافهم في جهات كفرهم لم تصح ذكاته ولم تؤكل ذبيحته » لكن لا صراحة في الأخير ، بل ولا ظهور.

وعلى كل حال فمنشأ هذا القول من القائل به استفاضة النصوص

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب النجاسات ـ من كتاب الطهارة والباب ـ ٥٥ ـ من أبواب لباس المصلي من كتاب الصلاة والباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الذبائح.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢.

٩٣

وتواترها بكفر المخالفين (١) وأنهم مجوس هذه الأمة (٢) وشر من اليهود والنصارى (٣) التي قد عرفت كون المراد منها بيان حالهم في الآخرة لا الدنيا ، كما تقدم الكلام فيه مفصلا في كتاب الطهارة (٤).

( نعم ) الظاهر كراهة ذلك خصوصا مع وجود المؤمن ، لخبر زكريا بن آدم (٥) قال أبو الحسن عليه‌السلام : « إني أنهاك عن ذبيحة كل من كان على خلاف الذي أنت عليه وأصحابك إلا في وقت الضرورة إليه » المحمول على ذلك كخبر أبي بصير (٦) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يشتري اللحم من السوق وعنده من يذبح ويبيع من إخوانه فيتعمد الشراء من النصاب ، فقال : أي شي‌ء تسألني أن أقول؟ ما يأكل إلا الميتة والدم ولحم الخنزير ، قلت : سبحان الله مثل الدم والميتة ولحم الخنزير؟! فقال : نعم ، وأعظم عند الله من ذلك ، ثم ( قال خ ل ) إن هذا في قلبه على المؤمن مرض » بناء على إرادة المخالفين من النصاب ولو بقرينة قوله : « يشتري من السوق منهم » فان مطلق المخالف هو المتعارف معاملته في الأسواق لا خصوص النصاب منهم.

بل لعله المراد من خبر إبراهيم بن أبي محمود (٧) عن أبي الحسن

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب حد المرتد ـ الحديث ٢ و ١١ و ١٣ و ١٤ و ١٨ و ١٩ و ٢١ و ٢٣ و ٢٥ و ٢٧ و ٢٨ و ٢٩ و ٣٨ و ٤٣ و ٤٨ و ٤٩.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب حد المرتد ـ الحديث ٣٨ وفيه « القدرية مجوس هذه الأمة » وفي الحديث ٤١ « لكل أمة مجوس ، ومجوس هذه الأمة الذين يقولون بالقدر ».

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الماء المضاف ـ الحديث ٥ من كتاب الطهارة.

(٤) راجع ج ٦ ص ٦٠ ـ ٦٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٥.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٤.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٩.

٩٤

الرضا عليه‌السلام في حديث قال : « حدثني أبي موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عليهم‌السلام قال : من زعم أن الله يجبر عباده على المعاصي أو يكلفهم ما لا يطيقون فلا تأكلوا ذبيحته ، ولا تقبلوا شهادته ، ولا تصلوا وراءه ، ولا تعطوه من الزكاة شيئا » فإن ذلك مقالة الأشاعرة من المخالفين.

بل وخبر يونس (١) عن الصادق عليه‌السلام « يا يونس من زعم أن لله وجها كالوجوه فقد أشرك ، ومن زعم أن له جوارح كجوارح المخلوقين فهو كافر بالله ، فلا تقبلوا شهادته ، ولا تأكلوا ذبيحته » لأن هذا قول المجسمة منهم الذي لا تصح ذباحته.

وهو الذي أشار إليه المصنف بقوله ( لا تصح ذباحة المعلن بالعداوة لأهل البيت عليهم‌السلام كالخارجي وإن أظهر الإسلام ) وكذا غيره ، بل لا خلاف أجده فيه ، بل عن المذهب وغيره الإجماع عليه ، لاستفاضة النصوص (٢) المعتضدة بالفتوى بكفره الذي قد عرفت عدم صحة الذبح معه ، مضافا إلى موثق أبي بصير (٣) « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : ذبيحة الناصب لا تحل » وموثقه الآخر (٤) عن أبي جعفر عليه‌السلام « لا تحل ذبائح الحرورية » الذين هم كما في المسالك وغيرها من جملة النصاب ، لنصبهم العداوة لعلي عليه‌السلام كغيرهم من فرق الخوارج. وقد عرفت تحقيق الناصب في كتاب الطهارة (٥).

لكن في التنقيح هنا عن بعض المحققين تفسيره بأنه من ينسب إليهم ما يثلم العدالة ، واستحسنه ، ثم قال : « وكذا حكم من صرح برد ما ورد

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١٠.

(٢) راجع التعليقة (١) من ص ٩٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٣.

(٥) راجع ج ٦ ص ٦٣ ـ ٦٦.

٩٥

عنهم عليهم‌السلام مع اشتهاره أو تواتره ، أو نقص من منزلتهم بحيث يساويهم بآحاد المسلمين » ولا بأس به إذا كان المراد من ذلك تحقق حصول العداوة منه لهم عليهم‌السلام لا مطلقا ، لأن التحقيق كون الناصب من دان بعداوتهم أو أعلن بها ، كما تقدم الكلام فيه مفصلا ، وعلى كل حال فلا إشكال ولا خلاف في عدم حل ذبيحة الناصب.

لكن في المسالك بعد أن ناقش في سند ما ورد من النصوص على الحرمة ذكر صحيح الحلبي (١) عن الصادق عليه‌السلام « سألته عن ذبيحة المرجئ والحروري ، فقال : كل وقر واستقر حتى يكون ما يكون » وحسن حمران (٢) عن الباقر عليه‌السلام « لا تأكل ذبيحة الناصب حتى تسمعه يسمي » قال : « وهاتان الروايتان أوضح سندا وهما مناسبتان لروايات الكتاب وأدل بالحل ، إلا أن الأشهر استثناء الناصبي مطلقا والحروري من جملته لنصبه العداوة لعلي عليه‌السلام كغيره من فرق الخوارج ». وظاهره الميل إلى حل ذبيحته في الجملة ، ولم أره لغيره ، كما أني لم أر نسبته إلى الأشهر القاضية بكون الحل مشهورا أيضا لغيره أيضا.

وفي الرياض احتمل حمل الحسن المزبور على التقية ، قال : « كما يشعر به الصحيح المذكور » وهو جيد وأحسن مما في كشف اللثام من إمكان الجمع بين النصوص بسماع التسمية ، لما عرفت من إجماع المسلمين على عدم حل ذبيحة الكافر غير الكتابي وإن جاء بجميع الشرائط ، ولا إشكال في كفر الناصب عندنا وإن وقع النزاع في معناه ، فلا وجه لشي‌ء من هذه الاحتمالات ، بل المتجه طرح ما لا يقبل التأويل منها بالحمل على التقية ، أو إرادة مطلق المخالف من الناصب أو غير ذلك.

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٧.

٩٦

وقد ظهر لك من ذلك كله من تحل ذبيحته ومن لا تحل ذبيحته ، ومنه الصبي غير المميز والمجنون حين الذبح وإن اجتمعت صورة الشرائط فيهما ، لعدم العبرة بفعلهما شرعا.

لكن في المسالك : « ربما اختلف صنف الجنون ، إذ ربما كان لبعضهم تميز ، فلا مانع من حل ذبيحته » وفيه أن الشارع ألغى فعله وقوله بعد صدق اسم المجنون كالصبي غير المميز ، وإنما خرج المميز بالدليل ، ومن هنا لم أجد أحدا غيره استثنى منه فردا ، وقياسه على حيازة المباح ونحوه لا وجه له ، فهو حينئذ كالنائم وإن اتفق حصول القصد والتسمية من بعض النائمين ، إلا أن الشارع لم يعتبر هذا القصد وكذا السكران والمغمى عليه.

وأما المكره ففي المسالك « إذا أكره على الذبح فذبح فان بلغ الإكراه حدا يرفع القصد فلا إشكال في عدم حل ذبحه ، وإلا فوجهان مثل ما لو أكرهه على رمي السهم ، وينبغي أن يكون الملك للمكره إذا لم يبق للمكره قصد » وفيه أنه مناف لأصالة عدم الملك وظهور اعتبار القصد في الصيد كالذبح ، ودعوى صيرورته كالآلة له واضحة المنع ، نعم لو حازه بعد أن رماه المكره المزبور ملكه ، أي المكره بالكسر بحيازته له إذا أدركه حيا ، وإلا فمع فرض قتله له بالرمي يكون ميتة كالذبح.

بقي شي‌ء : وهو أن الفاضل قد جعل ممن لا يجوز ذبحه من لا يعتقد بوجوب التسمية وإن سمى ، ولعله لدعوى ظهور ما دل (١) عليها من الآية وغيرها في فعلها بعنوان اعتقاد تأثيرها في حل الذبيحة ، خصوصا بعد ذكر الائتمان الذي لا مورد له مع اعتقاد عدم الوجوب وإن كان فيه

_________________

(١) سورة الأنعام : ٦ ـ الآية ١٢١ والوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الذبائح.

٩٧

منع واضح ، ضرورة عدم دلالة الإطلاق كتابا (١) وسنة (٢) على أزيد من مدخلية ذكرها في حل الذبيحة من غير مدخلية لاشتراط الاعتقاد المزبور كما في غيره من الشرائط ، والائتمان قد عرفت أنه حكمة ، على أن أقصاه الدلالة على اشتراط الذكر لا الاعتقاد ، فتأمل جيدا.

لكن مع ذلك قال في الرياض : « لا وجه إن خص المنع بما إذا لم يعلم منه التسمية ، وهو أن يقال : إن مقتضى النصوص المتقدمة المعللة بعدم ائتمان غير المسلم اعتبار حصول الأمن منه بتحقق التسمية في حل الذبيحة ، وهو لا يحصل في ذبيحة من لا يعتقد وجوبها ، حيث لا يحصل العلم بتسميته عليها ، لاحتمال تركه لها بمقتضى مذهبه ، وهذا لا ينافي مقتضاها بحصول الأمن بتحققها في المسلم ، لأن المراد من المسلم فيها من يعتقد الوجوب لا مطلقا ، للتبادر والغلبة جدا ، فإن أكثر أهل الإسلام يعتقدونه قطعا ، وبهذا يجاب عن التمسك لضعف هذا القول بالمعاضد المزبور الدال على أصالة الحل في اللحوم المشتراة من أسواق المسلمين ، بناء على استلزام صحته لزوم الاجتناب عنها من باب المقدمة ، لاحتمال كونها ذبائح من لا يعتقد الوجوب وتركها ، وهو مناف للمعاضد المزبور جدا ، وذلك لاحتمال كون أكثرية المعتقدين منهم موجبة للأصالة المزبورة ، ونحن نقول بموجبها حيث لا تؤخذ الذبيحة من يد من يعلم أنه لا يعتقد وجوب التسمية ، وأما إذا أخذت من يده فلا نقول به ، وإطلاق الحكم بحل ما يؤخذ من السوق منصرف بحكم التبادر والغلبة إلى غير هذه الصورة وهو ما إذا أخذ من يد من لا يعلم حاله في اعتقاد وجوب التسمية وعدمه

_________________

(١) سورة الأنعام : ٦ ـ الآية ١٢١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الذبائح.

٩٨

وهذا الوجه في غاية المتانة والقوة ، ولم أقف على من تفطن له وذكره ، فالاحتياط عنه لازم البتة ».

قلت : قد يناقش فيه ( أولا ) بأن مبنى كلام الفاضل شرطية الاعتقاد بحيث لو سمى غير المعتقد لم يجد في الحل ، فلا مدخلية لهذا الكلام في مذهبه.

و ( ثانيا ) أن نصوص الائتمان أحد أدلة الشرطية ، كالأمر بالذكر الظاهر في الوجوب.

و ( ثالثا ) قد عرفت أنه حكمة لا علة ، ولذا لا ينفع ذكر التسمية من غير المسلم مع سماعها منه.

و ( رابعا ) أنه يمكن الائتمان في المسلم باعتبار أمرنا فيه بحمل فعله على الأحسن (١) ولا ريب في أنه هنا هو الذكر وإن لم يعتقد الوجوب ، لأنه لا إشكال في أنه الأحوط عند المسلمين كافة.

و ( خامسا ) أن السيرة على أخذ اللحم ممن نعلم بعدم وجوب التسمية عنده من فرق المسلمين كأخذنا له ممن يعتقد وجوبها.

و ( سادسا ) أن المراد من أصل الصحة المحمول عليه فعل المسلم في أمثال ذلك الصحة في الواقع لا عنده ، كما نبه عليه أخذ الجلد ممن يستحل الميتة بالدبغ ، بل السيرة في أخذ المجتهد ومقلديه من مجتهد آخر ومقلديه ما هو محل الخلاف بينهم في الطهارة والنجاسة والحل والحرمة وغيره مع عدم العلم بكون المأخوذ حصل فيه الاختلاف ، بل يمكن دعوى القطع بذلك في جميع أفعال المسلمين ، فالتحقيق عدم الفرق في الحل بين الجميع مع عدم العلم بترك التسمية ، والله العالم.

( وأما الآلة فلا تصح التذكية ) ذبحا أو نحرا ( إلا بالحديد )

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦١ ـ من أبواب أحكام العشرة ـ الحديث ٣ من كتاب الحج.

٩٩

مع القدرة عليه وإن كان من المعادن المنطبعة كالنحاس والصفر والرصاص والذهب وغيرها بلا خلاف فيه بيننا كما في الرياض ، بل في المسالك « عندنا » مشعرا بدعوى الإجماع عليه كما عن غيره ، بل في كشف اللثام اتفاقا كما يظهر ، لأنه المتعارف في التذكية على وجه يشك في تناول الإطلاق لغيره مع القدرة عليه فيبقى على أصالة العدم.

مضافا إلى حسن ابن مسلم أو صحيحه (١) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الذبيحة بالليطة والمروة ، فقال : لا ذكاة إلا بحديد » وحسن الحلبي أو صحيحه (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن ذبيحة العود والحجر والقصبة ، فقال : قال علي عليه‌السلام : « لا يصلح إلا بحديدة » وحسن أبي بكر الحضرمي (٣) عنه عليه‌السلام « لا يؤكل ما لم يذبح بحديدة » ( و ) خبر سماعة بن مهران (٤) « سألته عن الذكاة فقال : لا تذك إلا بحديدة ، نهى عن ذلك أمير المؤمنين عليه‌السلام » إلى غير ذلك.

نعم ( لو لم يوجد ) الحديد ( وخيف فوت الذبيحة جاز بما يفري أعضاء الذبيح ولو كان ليطة أو خشبة أو مروة حادة أو زجاجة ) أو غير ذلك عدا السن والظفر بلا خلاف أجده فيه أيضا ، بل في المسالك « يجوز مع تعذرها والاضطرار إلى التذكية ما فرى الأعضاء من المحددات ولو من خشب أو ليطة بفتح اللام ، وهي القشر الظاهر من القصبة ، أو مروة ، وهي الحجر الحاد الذي يقدح النار ، أو غير ذلك عدا السن والظفر إجماعا » وكذا عن ظاهر غيرها ، وفي كشف اللثام مازجا لعبارة القواعد « فان تعذر وخيف فوت الذبيحة أو اضطر إلى الذبح لغير ذلك

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٤.

١٠٠