جواهر الكلام - ج ٣٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

وقطعوه على وجه كان إزهاق نفسه بذلك وفرض بقاؤه على الامتناع كان حلالا ولم يكن نهبة من الغير ، ونحوه ما عن قضايا أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) من أنه قال : « في أيل اصطاده رجل فقطعه الناس والذي اصطاده يمنعه ففيه نهي ، فقال : ليس فيه نهي ، وليس به بأس ».

و ( منها خبر غياث بن إبراهيم (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في الرجل يضرب الصيد فيجد له نصفين ، قال : يأكلهما جميعا ، وإن ضربه فأبان منه عضوا لم يأكل منه ما أبان ، وأكل سائره » أي مع فرض بقائه مستقر الحياة وأدرك ذكاته ولو بالصيد مع فرض بقائه على الامتناع ، أما الأول فهو قطعة مبانة من حي.

وبذلك كله ظهر لك ما في الأقوال المزبورة التي ( منها ) ما سمعته من النهاية ، قال : « وإن قده نصفين ولم يتحرك واحد منهما جاز له أكلهما إذا خرج منهما الدم ، فان تحرك أحد النصفين ولم يتحرك الآخر أكل الذي يتحرك ورمى بما لم يتحرك ».

و ( منها ) ما عن القاضي من أنه « يحل إن ضربه فقطعه نصفين وتحرك كل واحد منهما وخرج منه دم ، فان تحرك أحدهما وخرج منه دم دون الآخر فالحلال هو المتحرك دون الذي لم يتحرك ولم يخرج منه دم ».

و ( منها ) ما عن الخلاف : « إذا قطع الصيد نصفين حل أكل الكل بلا خلاف ، فان كان الذي مع الرأس أكبر أكل الذي مع الرأس دون الباقي ، وبه قال أبو حنيفة ، وقال الشافعي : يحل أكل الجميع ، دليلنا طريقة الاحتياط ، فإن أكل ما مع الرأس مجمع على إباحته

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ١.

٦١

وما قالوه ليس عليه دليل ، وأيضا روي عن ابن عمر (١) أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « ما أبين من حي فهو ميت » وهذا الأقل أبين من حي فيجب كونه ميتا ، وهذه رواية أصحابنا لا يختلفون فيه ».

قلت : قد يشعر كلامه الأخير بإرادة ما يخرج به عن الخلاف ، بل يمكن حمل كلام غيره على نحو ذلك.

و ( منها ) ما عن ابن حمزة من أنه « إن قتله بحده لم يخل إما قطعه نصفين أو لم يقطعه ، فان قطعه نصفين وكانا سواء وخرج منهما الدم حلا ، وإن لم يخرج حرم ، وإن كان أحد الشقين أكبر ومعه الرأس حل ذلك الشق ، وإن تحرك أحدهما حل المتحرك ، وإن أبان بعضه حرم ذلك البعض ، فان كان الباقي ممتنعا ورماه ثانيا فقتله حل ، وإن كان غير ممتنع وأدركه وفيه حياة مستقرة فذبحه أو تركه إذا لم يتسع الزمان لذبحه حتى يبرد حل ، وإن كان فيه حياة غير مستقرة حل من غير ذكاة ».

وفي المختلف بعد حكايته ذلك عنه قال : « وهو المعتمد عندي » والظاهر إرادة ما ذكره أخيرا ، بقرينة استدلاله على ذلك بأن مع وجود الحياة المستقرة يكون المقطوع ميتة ، لأنه أبين من حي ، ومع فقد الحياة يكون مصيدا وقد قتل بالصيد ، فلو لم يقطع كان حلالا ، فمع القطع لا يزول الحكم عنه ، وهو عين المختار.

كما أن ما عن ابن إدريس كذلك أيضا ، قال : « إذا سال الدم منهما أكلهما جميعا ما تحرك وما لم يتحرك ، ولا اعتبار بما مع الرأس

_________________

(١) سنن ابن ماجه ج ٢ ص ٢٩٢ وفيه « قال : ما قطع من البهيمة وهي حية فما قطع منها فهو ميتة ».

٦٢

إذا لم تكن فيه حياة مستقرة (١) فإذا كان كذلك حل الجميع ، وإن كان الذي مع الرأس فيه حياة مستقرة فلا يؤكل ما عداه مما أبين منه ، لأنه أبين من حي ، فهو ميتة ، فأما إذا لم يكن فيه حياة مستقرة فما هو مما أبين من حي فيؤكل الجميع » وإن قال في أول كلامه : « إذا سال الدم » إلا أنه شرط مبني على الغالب.

وبالجملة فالمذهب ما عرفت ، فإن أمكن رجوع شي‌ء مما سمعت من نص أو فتوى اليه فمرحبا بالوفاق ، وإلا كان مطرحا شاذا مخالفا لأصول المذهب وقواعده وإطلاق الأدلة وعمومها ، كما ذكرناه سابقا ، خصوصا ما يقتضيه إطلاق بعضهم من حل المتحرك مطلقا من دون تذكية وإن كان ذا حياة مستقرة ، ومن حرمة غير المتحرك وإن كانت حركة المتحرك حركة مذبوح ونحوه مما هو غير مستقر الحياة ، ولا دليل لهم سوى الخبر المزبور (٢) القاصر في نفسه وعن المكافئة من وجوه عديدة منها الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا ، بل لعلها كذلك كما اعترف به بعض الأفاضل فلا بد من طرحه أو حمله على ما يرجع إلى غيره مما هو موافق لأصول المذهب وقواعده.

نعم قيل : إن لما ذكروه وجها إن لم يعتبر استقرار الحياة في وجوب تذكية الصيد مطلقا ، بل قلنا بوجوبها ما دام فيه حركة ما كطرف العين وركض الرجل ونحوهما ، أو اعتبرناه بأحد الأمور المزبورة كما عن

_________________

(١) الموجود في السرائر المطبوعة والمخطوطة التي أوقفها الشيخ البهائي ( قده ) والمحتفظ بها في مكتبة الروضة الرضوية على مشرفها آلاف التحية والثناء في « مشهد » خراسان ( كتابخانه آستانه قدس رضوي ) هكذا « والاعتبار بما مع الرأس إذا لم يكن فيه حياة مستقرة ... ».

(٢) راجع التعليقة في ص ٦٢.

٦٣

ابن حمزة ، وذلك لأن المتحرك حينئذ حي واجب التذكية ، فيكون الآخر الذي لا حركة فيه قطعة مبانة من حي فيحرم.

وفيه ( أولا ) أن هذا ليس قولا لأحد من الأصحاب ، ضرورة ظهور كلامهم بل صريح بعضهم في اعتبار استقرار الحياة في التذكية ، من غير فرق بين الصيد وغيره. و ( ثانيا ) أن اعتبار استقرار الحياة وتفسيره بغير تلك الأمور المشهورة مشهور ، ومنهم الشيخ الذي هو الأصل في هذا القول ، على أن القد نصفين من جملة ما فسروا به عدم استقرار الحياة ، فلا وجه لهذا القول حينئذ إلا الخبر المزبور القاصر في نفسه وعن المكافئة من وجوه.

وكذلك لا دليل للقول بحل خصوص ما فيه الرأس إذا كان أكبر عدا ما سمعته من الشيخ في الخلاف الذي قد عرفت احتمال الموافقة منه خصوصا مع نسبته في محكي المبسوط ذلك إلى مذهبنا ، ولم نعرف له موافقا ، إلا ما يحكى عن ابن حمزة.

ومنه يقوي ارادة ما ذكرناه ، وإلا كان محجوجا بما سمعت ، مع أنه لا شاهد له سوى الموثق (١) الخالي عما ذكره من التقييد بالأكبر ، وتنزيله عليه جمعا بينه وبين الخبر الآخر (٢) فرع الشاهد والمكافئة ، وهما معا مفقودان ، فالأولى حملها على ارادة كون ذلك أمارة على استقرار حياة ما فيه الرأس الذي هو الأكبر ، فيكون المبان منه قطعة مبانة من حي ، فيحرم ويحل هو بالخصوص مع التذكية أو ما يقوم مقامها مما ستعرف ، والله العالم.

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٤.

٦٤

الأمر ( الثالث )

( في اللواحق )

( وفيه مسائل : )

( الأولى : )

( الاصطياد بالآلة المغصوبة ) سلاحا أو كلبا أو غيرهما ( حرام ) بلا خلاف ولا إشكال ، إذ هو كغيره من التصرف بالمغصوب الممتنع عقلا وشرعا ( و ) لكن ( لا يحرم الصيد ) لإطلاق الأدلة وعمومها ، ضرورة كونه من المعاملة التي تجامع المحرم ، كالذبح بالآلة المغصوبة ، بل لو كان المذبوح مغصوبا لم يحرم بمعنى عدم كونه ميتة ( و ) إن ضمن الغاصب تفاوت ما بين كونه مذبوحا وحيا.

بل لا خلاف أجده بيننا في أنه ( يملكه الصائد دون صاحب الآلة ) لأن الصيد من المباحات التي تملك بالمباشرة المتحققة من الغاصب وإن حرم استعماله للآلة ، خلافا لبعض العامة في خصوص الحيوان من الآلة كالكلب فجعل صيده لمالكه كصيد العبد المغصوب ، وهو مع أنه قياس مع الفارق ضرورة كون العبد أهلا للقصد بخلاف الكلب.

ومن الغريب احتمال الأردبيلي هنا ذلك ، قال : « إن حصول الملك للغاصب في الشبكة والكلب غير ظاهر ، لأنه ليس له فعل مملك واضح مستقل ووضع يد ، فيحتمل حصوله للمغصوب منه ، وعدم حصول ملك

٦٥

لأحد ، فيبقى على الإباحة حتى يأخذه آخذ على وجه الملك ، نعم في الجرح بالرمح والسهم قد يقال : المملك هو فعله ، والآلة ليس لها دخل إلا الآلية ، وأن فعله وإتيانه بفعله بمنزلة أخذه ووضع يده ، وبالجملة الفعل غير مستقل في أمثال هذه ، وليس فيها دلالة شرعية من نص وإجماع ، فالاحتياط لا يترك علما وعملا ».

( و ) لكن فيه ما لا يخفى ، ضرورة صدق وضع اليد والدخول تحتها وإن كان بالآلة المغصوبة ، كما هو واضح.

نعم ( عليه ) أي الصائد ( أجرة مثلها ) للمالك كباقي الأعيان المغصوبة ، بل لو لم يصد بها كانت عليه الأجرة ، لفوات المنفعة تحت يده ، بل عن بعض العامة ذلك ، حتى القول بكون الصيد للمالك ، ولا يخلو من وجه ، وإن كان الحق عندنا أنه ملك للصائد وإن صاده بالآلة المغصوبة ( سواء كانت كلبا أو سلاحا ) أو غيرهما من شبك ونحوه خلافا لمن عرفت من بعض العامة.

هذا وفي المسالك « أن قول المصنف : سواء ـ إلى آخره ـ راجع إلى ملك الصائد دون صاحب الآلة ، تنبيها على خلاف المخالف ، كما بيناه لا إلى القريب ، وهو ضمان الأجرة ، لأنهما مستويان نفيا وإثباتا ».

قلت : يمكن رجوعه إليه ولو باعتبار نفي الأجرة عند بعض العامة في خصوص الكلب ، بناء على أن ما يصيده الكلب لمالكه ، فتكون منفعته حينئذ لمالكه ، فلا يضمن له أجرة وإن كان واضح الضعف ، والأمر سهل ، والله العالم.

٦٦

المسألة ( الثانية : )

( إذا عض الكلب صيدا كان موضع العضة نجسا يجب غسله على الأصح ) وفاقا للمعظم ، لإطلاق ما دل (١) على وجوب غسل ما لاقاه الكلب برطوبة ، خلافا للمحكي عن الشيخ في الخلاف والمبسوط ، فحكم بطهارته ، لإطلاق قوله تعالى (٢) ( فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ) من دون أمر بالغسل ، وربما حكي عن بعض العامة وعن آخر أنه عفو ، لمكان الحاجة وعسر الاحتراز.

وفيه منع العسر والاحتياج ، وإطلاق الآية إنما هو لحل الأكل من حيث إنه صيد ، فلا ينافي وجوب الغسل من حيث النجاسة ، إذ الإطلاق عرفا حجة فيما يساق له دون غيره مما لم يسق لبيان حكمه ، نحو قوله تعالى (٣) ( فَكُلُوا مِمّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً ) ونحوه مما لا ينافي المنع من جهة أخرى ، بل لو كان كذلك لزم فساد كثير من الأحكام المعلومة بالشرع ، كما هو واضح. والله العالم.

المسألة ( الثالثة : )

( إذا أرسل كلبه ) المعلم ( أو سلاحه فجرحه ) فعليه أن يسارع إليه على الوجه المعتاد ، كما صرح به جماعة ، بل في الرياض « المشهور

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب النجاسات ـ من كتاب الطهارة.

(٢) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤.

(٣) سورة الأنفال : ٨ ـ الآية ٦٩.

٦٧

إيجابها شرطا على الظاهر أو شرعا كما قيل ـ ثم قال ـ : ولم أجد لهم دليلا صريحا وإن احتمل توجيهه بأصالة الحرمة وعدم انصراف الإطلاقات إلى صيد لم يتحقق اليه مسارعة معتادة ، لأن المتبادر منها ما تحققت فيه ، وإلا لحل الصيد مع عدمها ولو بقي غير ممتنع سنة ثم مات بجرح الآلة وهو ( ولعله خ ل ) مخالف للإجماع بل الضرورة ، هذا مع إمكان دعوى الاستقراء والتتبع للنصوص والفتاوى على دوران حل الصيد بالاصطياد وحرمته مدار حصول موته حال الامتناع به وعدمه مع القدرة عليه ، فيحل في الأول دون الثاني إلا بعد تذكيته ، وفي التنقيح عن الحلي الإجماع عليه ، حيث قال : ولا يحل مقتول الكلب إلا مع الامتناع إجماعا ، وعلى هذا فلو أخذته الآلة وصيرته غير ممتنع توقف حلها على التذكية ، فيجب تحصيلها بالمسارعة المعتادة ، وهذه الحجة وإن اقتضت الحرمة بعد المسارعة أيضا مع إدراك التذكية وتركها لقصور الزمان ونحوه إلا أن هذه الصورة خرجت بالإجماع ونحوه من الأدلة ، وحينئذ فما ذكروه لا يخلو من قوة ، سيما مع اعتضاده بأن المستفاد من النصوص والفتاوى عدم حل الحيوان مطلقا إلا بالذبح ونحوه ، وأن الاكتفاء بغيرهما في الحلية إنما هو حيث حصلت ضرورة كالاستعصاء ونحوه ، ويمكن أن ينزل عليه إطلاق بعض العبارات والنصوص بحملها على صورة تحقق المسارعة ، لوروده لبيان حكم غير المسارعة ، بل هذا التنزيل يتعين نظرا إلى ما مر إليه الإشارة من تلك القواعد المستفادة من تتبع النصوص وكلماتهم وكلمات غيرهم من الجماعة ».

قلت : لكن مع ذلك كله قد تأمل فيه في مجمع البرهان والكفاية ، بل ظاهر الأول الميل إلى العدم ، بل لعله ظاهر كل من اقتصر على غيره

٦٨

في اشتراط حل الصيد ، كما أنه ظاهر إطلاق الأدلة أو عمومها كتابا (١) وسنة (٢).

ودعوى انسياق الإطلاق إلى ما فيه المسارعة دون غيره واضحة المنع ، خصوصا مع المانع عنها أو مع تعدد الصيد على وجه لا يمكن المسارعة إليه أجمع ، والنصوص (٣) إنما دلت على وجوب تذكيته إذا أدركه حيا وصار تحت يده كذلك ، وهو لا دلالة فيه على وجوب المسارعة شرطا أو شرعا ، ولا يستلزم ذلك حل الصيد الذي قد جرح بحيث صار تحت يد الصائد وقبضته ثم ترك سنة مثلا ومات بعدها بالجرح ، لاندراجه فيمن أدرك ذكاته ولم يذكه.

أما إذا لم يكن كذلك ولو لعدم مسارعته اختيارا أو لمانع ثم وجد الصيد بعد ذلك وعلم أنه قد مات بجرح آلته ولو بالسراية فيحل بناء على الاحتمال المزبور ، لإطلاق الأدلة ، وعدم صدق كونه تحت يده وعدم إدراكه حيا ، بل قد مر من النصوص (٤) ـ في الشرط الرابع وفي حل الصيد بالسلاح وإن قتل ـ ما هو ظاهر في الإباحة ولو لترك الاستفصال ، وما ذكره من الاستقراء والتتبع ـ إلى آخره ـ لا يقتضي حرمة ما ذكرناه من الفرض ، بل أقصاها حرمة غير الممتنع مع إدراك تذكيته وتركها.

ولكن مع ذلك كله فالاحتياط لا ينبغي تركه ، خصوصا في الصيد الذي علم صيرورته غير ممتنع بما أصابه من الآلة ، وتمكن من الوصول إليه وتعرف حاله أنه قتل بها أو بعده حيا يحتاج إلى التذكية ، والله العالم.

_________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ وغيره ـ من أبواب الصيد.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الصيد.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ و ١٦ ـ من أبواب الصيد.

٦٩

وكيف كان فان بادر إليه على الوجه المتعارف ( وأدركه حيا فـ ) في المتن وغيره ، بل في المسالك وغيرها أن المشهور أنه ( إن لم تكن حياته مستقرة فهو بحكم المذبوح ) أي حلال من غير حاجة إلى تذكية ، لأن هذه الحياة كعدمها ( و ) إن كان ورد ( في ) بعض ( الأخبار ) أن ( أدنى ما يدرك ذكاته أن يجده يركض برجله أو تطرف عينه أو يتحرك ذنبه).

قال الباقر عليه‌السلام في صحيح زرارة (١) : « كل من كل شي‌ء من الحيوان غير الخنزير والنطيحة والمتردية ، وما أكل السبع ، وهو قول الله عز وجل ( إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ ) (٢) فإن أدركت شيئا منها وعين تطرف أو قائمة تركض أو ذنب يمصع فقد أدركت ذكاته فكل ».

وفي خبر ليث المرادي (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصقورة والبزاة وعن صيدها ، فقال : كل ما ليقتلن إذا أدركت ذكاته ، وآخر الذكاة إذا كانت العين تطرف والرجل تركض والذنب يتحرك ».

وقال الصادق عليه‌السلام أيضا في خبر عبد الله بن سليمان (٤) : « في كتاب علي عليه‌السلام إذا طرفت العين أو ركضت الرجل أو تحرك الذنب وأدركته فذكه ».

وقال عليه‌السلام أيضا في خبر البصري (٥) : « في كتاب علي عليه‌السلام إذا طرفت العين أو ركضت الرجل أو تحرك الذنب

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١.

(٢) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٧.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٦.

٧٠

فكل منه فقد أدركت ذكاته ».

وسأله عليه‌السلام الحلبي أيضا في الصحيح (١) « عن الذبيحة فقال : إذا تحرك الذنب أو تطرف العين أو الاذن فهو ذكي ».

وقال عليه‌السلام أيضا في خبر أبان بن تغلب (٢) : « إذا شككت في حياة شاة ورأيتها تطرف عينها أو تحرك اذنها وتمصع بذنبها فاذبحها ، فإنها لك حلال ».

وقال عليه‌السلام أيضا في خبر رفاعة (٣) : « في الشاة إذا طرفت عينها أو حركت ذنبها فهي ذكية » إلى غير ذلك من النصوص الدالة على الاكتفاء بمثل ذلك الذي هو إما استقرار حياة أو لا ينافيه. أو هو دال على عدم اعتبار استقرارها كما ستعرف تحقيقه في الذباحة إنشاء الله ، هذا كله في غير مستقر الحياة.

( وإن ) أدركه و ( كانت ) حياته ( مستقرة والزمان يتسع لذبحه لم يحل أكله حتى يذكى ) وفاقا للمشهور ، للأمر بتذكيته حينئذ في جملة من النصوص (٤) ولصيرورته حينئذ حيوانا غير ممتنع ، والنص والفتوى على أنه لا يذكيه غير الذبح ، وليس عدم وجود آلة الذبح عذرا.

( و ) لكن ( قيل ) والقائل الصدوق وابن الجنيد والشيخ في محكي النهاية والعلامة في المختلف ( إن لم يكن معه ما يذبح به ترك حتى يقتله الكلب ( الكلب حتى يقتله خ ل ) ثم يأكله إن شاء ) لصحيح جميل (٥) عن الصادق عليه‌السلام « سألته عن الرجل يرسل

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الصيد.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ١.

٧١

الكلب على الصيد فيأخذه ولا يكون معه سكين فيذكيه بها أفيدعه حتى يقتله ويأكل منه؟ قال : لا بأس ، قال الله تعالى (١) ( فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ) » بل منه يستفاد الاستدلال بإطلاق الأدلة كتابا وسنة.

وخبره الآخر (٢) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أرسل الكلب وأسمي عليه فيصيد وليس معي ما أذكيه به ، قال : دعه حتى يقتله الكلب وكل منه ».

ومرسل الفقيه (٣) قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إن أرسلت كلبك على صيد فأدركته ولم يكن معك حديدة فدع الكلب يقتله ثم كل منه ».

وأجاب في الإيضاح عن الآية بأنها لا تدل على العموم وإلا لجاز مع وجود آلة الذبح ، وعن الرواية بأنها لا تدل على المطلوب ، لأن الضمير المستكن في قوله : « فيأخذه » راجع إلى الكلب لا إلى الصائد والبارز راجع إلى الصيد ، والتقدير فيأخذ الكلب الصيد ، وهذا لا يدل على ابطال امتناعه ، بل جاز أن يبقى امتناعه والكلب ممسك له ، فإذا قتله قتل ما هو ممتنع ، فيحل بالقتل.

وفيه أن تخصيص الآية بعدم الجواز مع وجود الآلة للإجماع وغيره لا يقتضي تخصيصها في محل النزاع ، وقد تقرر في الأصول أن العام المخصوص حجة في الباقي.

وأما الرواية ففي المسالك « هي ظاهرة في صيرورة الصيد غير ممتنع من جهات : ( أحدها ) قوله : « ولا يكون معه سكين » فان مقتضاه أن المانع له من التذكية عدم السكين لا عدم القدرة عليه لكونه ممتنعا

_________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٣.

٧٢

ولو كان حينئذ ممتنعا لما كان لقوله : « ولا يكون معه سكين » فائدة أصلا. و ( الثانية ) قوله : « فيذكيه بها » ظاهر أيضا في أنه لو كان معه سكين لذكاه بها ، فدل على بطلان امتناعه و ( الثالثة ) قوله : « أفيدعه » إلى آخره ظاهر أيضا في أنه قادر على أن لا يدعه حتى يقتله وأنه إنما يترك تذكيته ويدع الكلب يقتله لعدم وجود السكين ».

قلت : ولعله لذا مال بعض المتأخرين إلى العمل بالصحيح المزبور المعتضد بغيره ، لكن لا يخفى عليك أولا أنه بعد تسليم ظهوره مرجوح بالنسبة إلى ما قابله من الأدلة الدالة على أن الحيوان بعد صيرورته غير ممتنع لا يحله إلا التذكية ، خصوصا بعد الاعتضاد بالشهرة والأصل وغير ذلك.

نعم قد يقال بإمكان كون المراد من الصحيح المزبور السؤال عمن ترك المبادرة إلى الصيد بعد أخذ الكلب لتعرف حاله فيدعه حتى يقتله الكلب ، وذلك لعدم سكين عنده يذبحه بها لو بادر وأمكنه إدراك ذكاته بعد صيرورته غير ممتنع ، فأجابه الإمام عليه‌السلام بحليته ، فلا منافاة حينئذ بينه وبين غيره من النصوص (١) الدالة على وجوب التذكية لو أدركها المنزلة على من بادر فأدرك التذكية.

بل قد يستفاد من الصحيح المزبور قوة ما أشرنا إليه من عدم وجوب المبادرة ، وأن له أن يترك الكلب يقتله من غير تعرف حاله وإن أمكنه ذلك ، وهو غير ما لو بادر وأدرك تذكية ، فإنه لا يجزؤه حينئذ قتل الكلب له ، لما سمعته من النص والفتوى ، مضافا إلى الأصل وغيره مما دل على أن الحيوان لا يحله إلا الذبح ، فتأمل جيدا ، فإنه قوي وقريب جدا ، والله العالم. هذا كله في سعة الزمان لتذكيته.

( أما إذا لم يتسع الزمان لذبحه ) من غير تقصير الصائد ( فهو

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الصيد.

٧٣

حلال ولو كانت حياته مستقرة ) وفاقا للأكثر كما في المسالك ، لإطلاق وعموم حل قتيل الكلب المقتصر في الخروج عنهما ( على ظ ) ما أدرك ذكاته دون غيره ، مضافا إلى النصوص الدالة على ذلك مفهوما ومنطوقا.

( منها قول الصادق عليه‌السلام في خبر أبي بصير (١) : « إن أرسلت كلبا معلما أو فهدا بعد أن تسمي فكل مما أمسك عليك قتل أو لم يقتل ، أكل أو لم يأكل ، وإن أدركت صيده وكان في يدك حيا فذكه ، فان عجل عليك فمات قبل أن تذكيه فكل ».

و ( منها خبر محمد بن مسلم وغير واحد (٢) عنهما عليهما‌السلام « أنهما قالا في الكلب يرسله الرجل ويسمي ، قال : إن أخذه فأدركت ذكاته فذكه ، وإن أدركته وقد قتله فأكل منه فكل ما بقي » إلى غير ذلك من النصوص التي فيها ما هو كالصريح في المطلوب (٣) بل يندرج فيه ما لو اشتغل بأخذ الآلة وسل السكين فمات قبل أن يمكنه الذبح ، بل وما لو امتنع بما فيه من قوة ويموت قبل القدرة عليه فضلا عمن لا يجد من الزمان ما يمكنه الذبح فيه.

وبالجملة المدار ما عرفت خلافا للمحكي عن الشيخ في الخلاف وابن إدريس والفاضل في المختلف والتحرير من الحرمة ، لأنه مستقر الحياة فتوقفت إباحته بتذكيته ، كمتسع الزمان ، وهو كما ترى كأنه اجتهاد في مقابلة النص (٤) المعمول به بين الأصحاب المتضمن لاعتبار التذكية على تقدير إدراكها لا مطلقا ، والفرض كونه مفقودا ، نعم لو دخل تحت يده وتمكن من تذكيته وتركه حتى مات حرم وإن كان قتيلا للكلب أو السلاح

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الصيد.

٧٤

بسراية الجرح ، إذ هو حينئذ كما لو تردى الحيوان من شاهق ولم يذبحه حتى مات.

وإطلاق حل قتيل الكلب والسلاح غير مجد بعد تقييده بما إذا لم يدرك ذكاته ، فإنه حينئذ لا يحل إلا بها نصا (١) وفتوى كما عرفت ، بل لا خلاف فيه ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه إلا ما سمعته من القول بأن من العذر عدم الآلة ، وقد عرفت التحقيق فيه.

وبالجملة فالمدار في الحرمة على إمكان التذكية ولم يفعل بتقصير منه ، والظاهر أن منه أن لا يكون معه مدية يذبح بها ، فان ترك استصحاب الآلة للذبح تقصير منه. وكذا لو ضاعت الآلة فمات الصيد في مدة الطلب أو نشبت في الغمد ، فان حقه أن يستصحب الآلة في غمد يواسيها (٢) وكذا لو اشتغل بتحديد المدية ، لأنه قصر بعدم تقديمه ، كل ذلك لما عرفت من ظهور النصوص.

مضافا إلى أن الأصل عدم التذكية المقتصر في الخروج منه على الصورة الأولى دون غيرها السالم عن معارضة الإطلاق الذي هو إن لم يكن ظاهرا في غير الفرض فلا أقل من الشك في تناوله له على وجه يبقى الأصل سليما.

بقي شي‌ء : وهو أن الفخر في الإيضاح قد اعترض على نحو عبارة المصنف بأنه « إن أريد بعدم اتساع الزمان لها عدم اتساعه لنفس فعل الذكاة كان منافيا لاستقرار الحياة ، لأن الحياة المستقرة هي ما يمكن أن يعيش صاحبها اليوم واليومين ، فلا يدخل تحت المقسم ، فلا يصح التقسيم ، وإن أريد عدم اتساعه لها ولما يتوقف عليه من تحصيل الآلة والمعاون وغير

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الصيد.

(٢) جاء في هامش النسخة المخطوطة المبيضة تفسيرا لذلك هكذا « أي غمد واسع ».

٧٥

ذلك لم يتم الحكم بالحل على تقدير تعذر ذلك ، لجواز أن يحتاج في تحصيل الآلة أو المعاون إلى أكثر من يوم أو يومين ، فلا يحل بموته على هذا الوجه ».

وأجاب عنه في المسالك بجواز اختيار كل من القسمين « أما الأول فلأن استقرار الحياة هو إمكان أن يعيش اليوم واليومين ، ومجرد الإمكان لا ينافي نقيضه ، لجواز أن يموت في الحال مع تحقق الإمكان ، فيصير حاصله كونه متصفا بإمكان أن يعيش عادة فاتفق خلاف ذلك ومات قبل أن يتسع الوقت لذبحه ، خصوصا ومناط الإمكان مجرد الاحتمال ، وهو مما يمكن خلافه ظاهرا وفي نفس الأمر ، وأما الثاني فلأن المراد اتساعه لما يتوقف عليه من الآلة ما يعتبر تحصيله عادة كما أشرنا إليه سابقا من سل السكين وأخذها من محل قريب وانتظار المعاون القريب الذي لا ينافي المبادرة عادة ، فإن القدر المعتبر منها ما يعد في العرف طالبا للتذكية ومبادرا إليها ، فإذا فرض موته قبل ذلك حل ، ولم يناف استقرار الحياة عادة كما أشرنا إليه ، ولا يرد عليه الإمهال اليوم واليومين كما ذكر ».

ثم قال بعد كلام لا مدخلية له فيما نحن فيه : « هذا على تقدير الحكم بكونه في مثل هذه الحالة يعد مستقر الحياة ، وقد يقال : إنه على هذا التقدير كان الحكم به ظاهرا ، وقد كشف تعجيل إزهاقه عن عدم الاستقرار ومع ذلك لا ينافي الحكم بكونه مستقر الحياة عملا بالظاهر الذي يجوز كذبه ، وكذلك حكموا بعدم حله على تقدير أن يجده ممتنعا فجعل يعدو خلفه فوقف له وقد بقي من حياته زمن لا يسع لذبحه ، والأقوى حله هنا أيضا ، لأنه قبل القدرة عليه لم تكن تذكيته معتبرة ، لكونه ممتنعا وبعد إدراكه لم يسع الزمان لها فكالأول ، فيدخل في عموم حل الصيد المقتول بالآلة حيث لا يمكن تذكيته ».

٧٦

قلت : لا يخفى عليك ما في الأخير من كلامه من احتمال الكشف المنافي لما هو كالصريح من جعلهم له قسما من مستقر الحياة ظاهرا وواقعا على أن استقرار الحياة عرفي لا يرتفع بسرعة موته قبل إدراك تذكيته.

كما أنه لا يخفى عليك ما في أوله أيضا من كون المراد منه الإمكان الذي لا ينافيه وقوع النقيض ، ضرورة صراحة كلامهم بكونه قسما من مستقر الحياة لم يسع الزمان لذبحه وإن علم عدم إمكان أن يعيش المدة المزبورة ، على أنه في آخر المدة المزبورة هو من مستقر الحياة مع عدم المدة وفرض مدة أخرى له ينافي التقدير بها.

ولعله لذا أو لغيره اعترف بعض من تأخر عنه بضعف الجواب المزبور ، وأن فيه من التعسف ما لا يخفى ، واعترف بورود الاشكال على فرض تفسير استقرار الحياة بذلك.

هذا وربما أشكل المقام أيضا بأمر آخر ، وهو أن جماعة ممن اختار جعل المدار في التذكية وعدمها على مضمون النصوص (١) السابقة من طرف العين وركض الرجل ومصع الذنب فصلوا بين مستقر الحياة وغيره في مواضع كثيرة من هذا الكتاب ، فحكموا في الأول بلزوم التذكية في الحل وفي الثاني بعدمه ، وهذا التفصيل لا يتصور إلا على تقدير تفسير استقرار الحياة بما ذكره في المبسوط وتبعه الجماعة من إمكان بقاء الحياة المدة المزبورة ، فإنه هو الذي يتصور فيه التفصيل بين مستقر الحياة ، وهو ما أمكن أن يعيش المدة وغيره ، وهو ما قابله ، وأما تفسيره بإدراكه وعينه تطرف ورجله تركض فغير متصور فيه التفصيل الذي مر ، إذ لا حركة دون الحركات المزبورة تعد قسما آخر تقابل مستقر الحياة أيضا.

هذا وفي الرياض « أنه يمكن الذب عن هذا الاشكال بما هو حقيق

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الذبائح.

٧٧

أن يسطر ويرجع إليه في هذا المجال : وهو أن المستفاد من تتبع جملة من العبارات في تفسير غير مستقر الحياة بأنه هو الذي قطع حلقومه أو فتق قلبه أو شق بطنه أن مستقر الحياة ما قابله ، وهو الذي لم يحصل فيه أحد من الأمور المزبورة ، سواء كان ممن يعيش تلك المدة المتقدمة أم لا ، واستقرار الحياة بهذا المعنى يجامع ما ذكره ابن حمزة ومن تبعه من أن أدناه طرف العين وركض الرجل ، ويمكن تنزيل تفسير الشيخ له بما ذكره من إمكان بقاء تلك المدة عليه بإرادته من الإمكان ما يقابل إمكان البقاء مع شق البطن ونحوه ، ويعضده ما نقله عن الأصحاب من إدراك الذكاة بطرف العين مع موافقته لابن حمزة في تفسير غير مستقر الحياة بما ذكره ، لكن في الخلاف ما يأبى عن هذا التنزيل ، وبما ذكرنا ظهر عدم الخلاف في اعتبار استقرار الحياة ، كما يستفاد من التنقيح ، وأنه على تقديره انما هو في تفسيره ، ولا ينافيه ما مر عن يحيى بن سعيد من أن اعتباره ليس من المذهب ، لاحتمال إرادته من الاستقرار الذي نفاه الاستقرار بمعنى البقاء إلى المدة المذكورة لا مطلقه. وبهذا التحقيق يظهر الجواب عما يرد من الاشكال على فرض استقرار الحياة مع عدم سعة الزمان لإدراك الذكاة ، ولعل هذا الفرض أيضا من شواهد هذا التحقيق ، كما قد نبه عليه المقدس الأردبيلي ، فإن ما أجيب عنه على طريقة المشهور في تفسير استقرار الحياة لا يخلو من تعسف » انتهى.

وفيه مواضع للنظر تظهر لك عند ما تسمع تحقيق الكلام في استقرار الحياة في الذباحة ، والله العالم.

وكيف كان فقد عرفت أن الاصطياد يتحقق بأمرين : أحدهما إزهاقه بالآلة على الوجه الذي تقدم مفصلا. ( و ) الثاني إثباته كما ( إذا صيره الرامي غير ممتنع ) بأن يجرحه جراحة مزهقة أو يرميه

٧٨

بما يثخنه ويزمنه أو يكسر جناحه بحيث يعجز عن الطيران والعدو جميعا أو بأن يقع في شبكته المنصوبة له ولو بأن طرده طارد حتى أوقعه فيها ، أو يرسل عليه كلبا أو غيره مما له يد عليه فيثبته بعقر أو غيره ، أو بأن يلجؤه إلى مضيق لا يقدر على الإفلات منه ، كما لو أدخله إلى بيت ونحوه وغير ذلك مما يحصل به الاستيلاء على وجه يصدق عليه أنه في حوزته وفي قبضته وتحت يده ، فمتى كان كذلك ( ملكه وإن لم يقبضه ) القبض الحسي.

وحينئذ ( فلو أخذه غيره لم يملكه ) أي ( الثاني ووجب دفعه إلى الأول ) الذي هو مالكه بالسبب الذي عرفت ، إذ هو حينئذ كما لو صاده بيده قاصدا لتملكه أو غير قاصد لعدم تملكه إن اعتبرنا ذلك في تملك المباحات ، وإلا ملكه مطلقا حتى لو أخذه لينظر إليه ، نعم لو سعى خلف صيد فوقف للاعياء لم يملكه حتى يأخذه ، كما جزم به في المسالك ، لعدم صدق الاستيلاء ونحوه بذلك ، فيبقى على مقتضى الأصل والله العالم. هذا كله في الصيد.

( وأما الذباحة )

التي اعترف في كشف اللثام بأنه لم يرها في كتب اللغة وإن اشتهر التعبير بها في كتب الفقه ( فالنظر فيها إما في الأركان وإما في اللواحق ، ) ( أما الأركان فثلاثة : الذابح والآلة وكيفية الذبح). أما الذابح ( فـ ) لا خلاف في أنه ( يشترط فيه الإسلام أو حكمه ) على معنى ما أشار إليه بقوله ( فلا يتولاه الوثني ) وغيره من الكفار غير الكتابي وإن كان من كفار المسلمين كالمرتد والغلاة والخوارج

٧٩

والنصاب ونحوهم ، وحينئذ ( فلو ذبح كان المذبوح ميتة ) وإن جاء بالتسمية وغيرها من الشرائط ، بل في المسالك وغيرها أنه مجمع عليه بين المسلمين.

وعلى المشهور شهرة عظيمة على معنى أنه لا يتولاه الكافر مطلقا وإن كان كتابيا وجاء بالتسمية ، بل استقر الإجماع في جملة من الأعصار المتأخرة عن زمن الصدوقين على ذلك ، بل والمتقدمة كما حكاه المرتضى والشيخ بعد اعترافهما بأنه من متفردات الإمامية ، بل كاد يكون من ضروريات المذهب في زماننا ، مضافا إلى النصوص (١) المستفيضة التي إن لم تكن متواترة بالمعنى المصطلح فمضمونها مقطوع به ولو بمعونة ما عرفت.

فمن الغريب وسوسة بعض الناس فيه ، وكان الذي جرأه على ذلك تعبير المصنف وغيره عن ذلك بقوله ( وفي الكتابي ) روايتان (٢) : ( أشهرهما المنع ، فلا تؤكل ذبيحة ( ذباحة خ ل ) اليهودي ولا النصراني ولا المجوسي ) بناء على أنه كتابي ـ المشعر بكون المسألة ظنية وأن النصوص فيها مختلفة ، ومن المعلوم أن هذه النصوص بين الإمامية كالنصوص الدالة على طهارة سؤرهم (٣) ونحوهما مما هو معلوم خروجها مخرج التقية ، كما أومأ إليه خبر بشير بن أبي غيلان الشيباني (٤) « سألت أبا عبد الله

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الذبائح.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الذبائح.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة من كتاب الأطعمة والأشربة والباب ـ ٣ ـ من أبواب الأسئار ـ الحديث ٣ من كتاب الطهارة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢٨.

٨٠