جواهر الكلام - ج ٣٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

عن أبيه عليهما‌السلام « إن عليا عليه‌السلام كان يقول : لا تأكل ما قتل الحجر والبندق والمعراض إلا ما ذكيت ».

وفي خبر محمد بن قيس (١) عن أبي جعفر عن أمير المؤمنين عليهما‌السلام « ما أخذت الحبالة من صيد فقطعت منه يدا أو رجلا فذروه فإنه ميت ، وكلوا ما أدركتم حيا وذكرتم اسم الله عليه ».

وفي خبر عبد الرحمن (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « ما أخذت الحبالة فقطعت منه شيئا فهو ميت ، وما أدركت من سائر جسده حيا فذكه ثم كل منه ».

ونحوه خبر زرارة (٣) عن أحدهما عليهما‌السلام إلى غير ذلك من النصوص التي مر عليك شطر منها ، وفيها المشتمل على حصر الحل بقتل الكلب المكلب.

كما أنه مر عليك نصوص حل الصيد المقتول بالسلاح (٤) وذكرنا هناك تفصيل الحال فيه ، وتفصيل الحال في السهم ذي النصل وغيره من المعراض ونحوه وأنه لا يدخل فيه الصيد بالآلة المسماة بالتفنك المستحدثة في قرب هذا الزمان ، خلافا للكفاية ، للعموم الذي قد عرفت البحث فيه هناك ، ولا أقل من الشك ، والأصل الحرمة ، كما تقدم الكلام فيه سابقا ، والله العالم.

( و ) على كل حال فقد ( قيل ) والقائل الشيخ في محكي النهاية وابنا حمزة وإدريس ويحيى بن سعيد على ما حكي عنهم ( يحرم أن يرمي الصيد بما هو أكبر منه ) لمرفوع محمد بن يحيى (٥) قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « لا يرمي الصيد بشي‌ء أكبر منه » ولأنه إذا كان أكبر

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الصيد.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ١.

٤١

منه يقتله بثقله ، أو يشترك الثقل والحد في قتله ، إلا أنه قاصر سندا عن إثبات الحكم المزبور ، : قيل : بل ودلالة ، خصوصا على حرمة الأكل ومنع لزوم القتل بالثقل أو بمشاركته ، نعم ربما احتمل الحرمة مع احتمال ذلك ، للدخول في الوقيذ ، مع أنه في محل المنع لما عرفت من النصوص على حل ما قتله السهم وإن أصاب بعرضه.

( و ) من هنا ( قيل ) والقائل غير واحد ( بل ) لعله ظاهر الأكثر أو المشهور : لا يحرم ، بل يمكن دعوى الإجماع عليه ، نعم صرح غير واحد بأنه ( يكره وهو أولى ) لقبول المرفوع المزبور لإثبات الكراهة التي يتسامح فيها بخلاف الحرمة.

ومن الغريب ما عن القائل المزبور من التصريح بتحريم الفعل والصيد وهو ضعف في ضعف ، ضرورة أن الخبر المزبور على فرض قابليته للعمل به لا يدل على أزيد من النهي عن الفعل ، وهو لا يستلزم تحريم الصيد ، كما هو واضح ، والله العالم.

الأمر ( الثاني )

( في أحكام الصيد (الاصطيادخ ل) )

قد عرفت أن ظاهر النص (١) والفتوى اعتبار استناد موت الصيد إلى السبب المحلل في حل الصيد. ( و ) حينئذ فـ ( لو أرسل المسلم والوثني ) مثلا ( آلتهما فقتلاه لم يحل ) لفوات الشرط ، ضرورة استناد القتل إلى مجموعهما ( سواء اتفقت آلتهما مثل أن يرسلا )

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الصيد.

٤٢

( كلبين أو سهمين أو اختلفتا ، كأن يرسل أحدهما كلبا والآخر سهما ، وسواء اتفقت الإصابة في وقت واحد أو وقتين إذا كان أثر كل واحدة من الآلتين قاتلا ) على وجه يستند القتل الخارجي ( و ) ينسب إليهما.

نعم ( لو اتخنه المسلم فلم تعد حياته مستقرة ثم ذفف عليه الآخر ) وجهز عليه ( حل ، لأن القاتل المسلم).

( و ) أما ( لو انعكس الفرض ) بأن كانت آلة الكافر هي الموجبة للازهاق وآلة المسلم المجهزة ( لم يحل ) بل ( و ) كذا ( لو اشتبه الحال لم يحل (الحالان حرم خ ل) تغليبا للحرمة ) باعتبار أصالة عدم التذكية بعد فرض الجهل بحصول شرطها المقتضي للجهل بالمشروط.

( و ) من ذلك أيضا ( لو كان مع المسلم كلبان وأرسل أحدهما واسترسل الآخر فقتلا لم يحل و ) كذا لو اشتبه الحال نعم ( لو رمى سهما فأوصلته الريح إلى الصيد فقتله حل ) لصدق استناد القتل اليه ( وإن كان لو لا الريح لم يصل).

( وكذا لو أصاب السهم الأرض مثلا ثم وثب فقتل ) بلا خلاف أجده ، لأن ما يتولد من فعل الرامي منسوب إليه ، لكن في المسالك الاشكال فيهما ـ إن لم يكن إجماعا ـ بالاستناد إلى سببين في الأول ، وبعدم الجريان على وفق قصده في الثاني ، إلا أنه قال بعد ذلك : « وكيف كان فالمذهب الحل » وهو كذلك لما عرفت بعد منع كون القتل بسببين على وجه ينافي مصداق الأدلة ، ومنع اعتبار الجريان على وفق القصد ( و ) هو واضح.

ثم إن ( الاعتبار في حل الصيد بالمرسل لا بالمعلم ) وفاقا للمشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة يمكن دعوى الإجماع معها ، بل هو كذلك

٤٣

كما اعترف به بعض الأفاضل ، بل لم يحك الخلاف في ذلك إلا عن الشيخ في المبسوط وكتابي الأخبار ، مع أن الشيخ نفسه ادعى الإجماع في محكي خلافه على حل الصيد بكلب المجوسي المعلم ، وهو الحجة.

مضافا إلى إطلاق الأدلة وعمومها وكون الكلب آلة كالسكين التي لا فرق فيها بين كونها لمسلم أو كافر.

وإلى صحيح سليمان بن خالد (١) الذي رواه المشايخ الثلاثة « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن كلب المجوسي يأخذه الرجل المسلم فيسمي حين يرسله أيأكل مما أمسك عليه؟ فقال : نعم ، لأنه مكلب وذكر اسم الله عليه ».

كل ذلك مع ضعف ما يذكر حجة للشيخ من الأصل المقطوع بما عرفت وظاهر قوله تعالى (٢) ( وما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمّا عَلَّمَكُمُ اللهُ ) الوارد مورد الغالب من كون كلب المسلم معلما له ، فلا يكون حجة لضعفه.

وخبر (٣) عبد الرحمن بن سيابة (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام فقلت : كلب مجوسي أستعيره فأصيد به ، قال : لا تأكل من صيده إلا أن يكون علمه مسلم » الضعيف في نفسه القاصر عن معارضة الصحيح المزبور المعتضد بإطلاق الأدلة وعمومها ، وبالإجماع بقسميه ، فلا بأس بحمله على الكراهة التي يشهد لها قول أمير المؤمنين عليه‌السلام في

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ١.

(٢) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤.

(٣) كلمة « وخبر » معطوفة على قوله ( قده ) : « الأصل المقطوع ... » الذي ذكر حجة للشيخ ( قده ).

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٢.

٤٤

المرسل (١) : « كلب المجوسي لا يؤكل صيده إلا أن يأخذه مسلم فيقلده ويرسله ، قال : وإن أرسله المسلم جاز أكل ما أمسك وإن لم يكن علمه » وكذا قول الصادق عليه‌السلام في خبر السكوني (٢) : « كلب المجوسي لا تأكل صيده إلا أن يأخذه المسلم فيعلمه ويرسله ، وكذا البازي وكلاب أهل الذمة وبزاتهم حلال للمسلمين أن يأكلوا صيده » وغير ذلك.

وحينئذ ( فإن كان المرسل مسلما فقتل حل ولو كان المعلم مجوسيا أو وثنيا ) فضلا عن غيرهما ( ولو كان المرسل غير مسلم لم يحل ولو كان المعلم مسلما ) لما عرفت من كون المدار على الإرسال دون التعليم ، والله العالم.

( ولو أرسل كلبه على صيد ) معين ( وسمى ) حين إرساله ( فقتل غيره حل ) بلا خلاف أجده فيه ، بل ولا إشكال بعد إطلاق الأدلة وعمومها ، وخصوص خبر عباد بن صهيب (٣) الوارد في الرمي الذي لا فرق بينه وبين إرسال الكلب في ذلك قطعا ، قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل سمى ورمى صيدا فأخطأ وأصاب صيدا آخر ، قال : يأكل منه » الذي منه ومنهما يستفاد عدم اعتبار قصد عين الصيد وإن اعتبرنا قصد جنسه ، لا على وجه لو رمى سهما في الهواء أو فضاء الأرض لاختبار قوته أو عبثا أو رمى إلى هدف فاعترض صيدا فأصابه وقتله من غير قصده ، فإنه لا يحل وإن سمى عند إرساله ، لأصالة عدم التذكية المقتصر في الخروج منها على المتيقن الذي هو الإرسال والرمي بقصد جنس الصيد ، أما الفرض فلا إشكال في حله.

_________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ١.

٤٥

( وكذا لو أرسله ) على سرب ضباء ولم يقصد واحدا بعينه ، أو أرسله ( على صيود كبار فتفرقت عن صغار فقتلها ) الكلب ( حلت إذا كانت ممتنعة ) لما عرفت من كون المدار على قصد جنس الصيد ولو في ضمن قصد شخص بعينه لا على خصوص ما قصد اصطياده.

( وكذا الحكم في الآلة ) كالسهم ونحوه من السلاح الذي لا فرق بينه وبين الكلب في الحكم المزبور بلا خلاف أجده فيه ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه ، مضافا إلى اتحاد مقتضى الأدلة فيهما بالنسبة إلى ذلك حلا وحرمة.

إنما الكلام في قول المصنف وغيره ( أما لو أرسله ولم يشاهد صيدا فاتفق إصابة الصيد لم يحل ولو سمى ، سواء كانت الآلة كلبا أو سلاحا ) الذي مقتضاه اعتبار المشاهدة التي لو نزلت على إرادة مطلق العلم منها أمكن إشكالها بمنافاة ذلك لإطلاق الأدلة وعمومها الذي قد عرفت عدم زيادة مقتضاها على كون الإرسال أو الرمي للصيد المتحقق مع المشاهدة وعدمها ، بل مع العلم وعدمه إلا أن قوله تعليلا للحكم المزبور ( لأنه لم يقصد الصيد فجرى مجرى استرسال الكلب ) يقتضي كون مراده بالأول غير القاصد لأصل الصيد.

اللهم إلا أن يكون مراده عدم إمكان تحقق قصد الصيد مع عدم المشاهدة أو ما يقوم مقامها من أسباب العلم ، كما صرح به الفاضل في التحرير ، قال : « ولو لم ير صيدا ولا علمه فرمى سهمه أو أرسل كلبه فصاد لم يحل وإن قصد الصيد ، لأن القصد إنما يتحقق مع العلم » ولكن فيه منع واضح ، ضرورة صدق قصد الصيد.

ثم قال : « ولو رأى سوادا وسمع صوتا فظنه آدميا أو بهيمة أو حجرا فرماه فبان صيدا لم يحل ، سواء أرسل سهما أو كلبا ، وكذا

٤٦

لو ظنه كلبا أو خنزيرا ، ولو ظن أنه صيد حل ، ولو شك أو غلب على ظنه أنه ليس بصيد لم يحل ، ولو رمى حجرا فظنه صيدا فقتل صيدا احتمل الحل ، لأن صحة القصد تبنى على الظن وعدمه ، لأنه لم يقصد صيدا على الحقيقة ».

وفي القواعد « ولو أرسله ولم يشاهد صيدا وسمى فأصاب صيدا لم يحل » ومقتضى إطلاقه عدم الحل حتى لو كان قد أرسله للصيد وإن علم به أو ظن.

لكن في كشف اللثام « الوجه الاجتزاء بالعلم بل الظن ، فيحل بإرسال الأعمى إذا علم أو ظن ، للعمومات ، وربما احتمل الاجتزاء بالاحتمال » وكأنه أشار بذلك إلى ما في المسالك ، قال : « والأقوى عدم اشتراط مشاهدة الصيد ، والاكتفاء بالعلم به بل بظنه ، لتوجه القصد اليه ، بل يحتمل الاكتفاء بقصده إذا كان يتوقعه وبنى الرمي والإرسال عليه ، كما إذا رمى في ظلمة الليل وقال ربما أصيب صيدا فأصابه ، وعلى هذا يتفرع صيد الأعمى ، فإن أحس بالصيد في الجملة ولو ظنا فقصده بالرمي أو الإرسال فوافق حل » وظاهرهما تحقق صدق قصد الصيد مع الاحتمال وهو كذلك.

لكن في مجمع البرهان بعد أن ذكر الأمثلة المجردة عن قصد الصيد كرمي السهم للهدف وإرسال الكلب للامتحان ونحوهما قال : « هكذا يذكرون هذه المسألة ، ولا نعرف دليلها ، نعم هي ظاهرة على تقدير ترك التسمية ، والظاهر تركها بناء على ظنه ، إذ الفرض أنه ظن غير صيد ولا قصد ، وأما على تقدير التسمية لاحتمال وقوعه على صيد اتفاقا وإن ظن عدمه فليست بظاهرة ، بل الظاهر الحكم حينئذ بالحل ، لعموم الأدلة ، بل خصوصها ، إذ ليس في الأدلة قصد الصيد ، بل قتله مع

٤٧

التسمية وسائر الشرائط ، وفهم اشتراط القصد من مجرد أن الظاهر أن الذي يسمى إنما يقصد الصيد ولا يمكن بدون ذلك مشكل ، إذ قد يظن عدمه ، ويكون محتملا وجوده فيسمي. وبالجملة الفرض ليس بمحال ، وإنما البحث معه ، ولا يبعد حمل كلامهم على عدم التسمية » إلى آخره.

وفيه ( أولا ) أن بعض كلماتهم صريحة في التحريم مع التسمية كما سمعته من القواعد. و ( ثانيا ) أن مبنى الحل في ذلك ليس عدم اشتراط قصد الصيد ، بل صدق تحققه مع الاحتمال ، نعم لو لم يكن قد قصده أصلا بل كان مراده الامتحان ونحوه فصادف صيدا لم يحل وإن سمى لغرض من الأغراض ، لما عرفته من أصالة عدم التذكية المقتصر في الخروج منها على المتيقن الذي هو الصيد المقصود دون غيره.

ومنه يعلم مواضع النظر فيما سمعته من التحرير ، وربما يأتي لذلك زيادة عند تعرض المصنف لبعض هذه الأمثلة في الذباحة ، والله العالم.

( و ) كيف كان فـ ( الصيد الذي يحل بقتل الكلب له أو الآلة في غير موضع الذكاة هو كل ما كان ممتنعا وحشيا كان أو إنسيا ) توحش من الحيوان المحلل لحمه المحرم ميتته.

( وكذلك ما يصول من البهائم أو يتردى في بئر وشبهها ويتعذر نحره أو ذبحه ، فإنه يكفي عقرها في استباحتها ( استباحته خ ل ) ولا يختص العقر حينئذ بموضع من جسدها ) بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك بيننا.

بل في الرياض « كما حكاه جماعة ـ قال ـ : وهو الحجة مضافا إلى النصوص (١) الآتية في الأخير ، لكن ليس فيها التعميم في الحيوان والآلة ، والعرف واللغة في الوحشي الممتنع ، إذ لا فرد للصيد أظهر

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الذبائح.

٤٨

منه ، فيدخل تحت عموم ما دل (١) على حله بالاصطياد بمطلق الآلة المعتبرة من غير تذكية ، وأما الانسي المستوحش ففي صدق الصيد عليه فيهما حقيقة مناقشة ، والأصول تقتضي الرجوع في إباحته إلى مراعاة التذكية ، لكن الإجماع والنصوص المزبورة في المتردي (٢) ألحقاه بالصيد وإن اختلفا في الإلحاق كلا حتى في مقتوله بالكلب ونحوه كما يظهر من الأول ، أو في الجملة كما يظهر من الثاني.

وأما أن غير الممتنع ليس بصيد فالأصل فيه العرف واللغة ، فيندرج تحت عموم ما دل (٣) على توقف حل الحيوان على التذكية ، مضافا إلى فحوى النصوص (٤) الآتية في لزوم التذكية لحل الصيد بعد أن أدرك وفيه حياة مستقرة ، وليس ذلك إلا لزوال امتناعه الموجب لانتفاء حكم الصيد عنه ، فإذا ثبت انتفاؤه عنه مع حصول الامتناع فيه في الجملة وصدق الصيد عليه حقيقة عرفا ولغة فثبوته عما ليس بممتنع بالأصل أولى ، مع أن كون مثله صيدا يستلزم عدم وجود ما يحكم في حله بالتذكية بالذبح والنحر أصلا ، وهو فاسد قطعا ، والنصوص (٥) بخلافه متواترة جدا ».

وكأنه عرض ببعض ما ذكره بالمقدس الأردبيلي ، فإنه بعد ذكر أن دليل وحشي الأصل واضح قال : « وكأن الثاني ـ أي الأهلي المستوحش ـ صيد شرعا ، ويحتمل لغة أيضا ، ولعل عموم ما يدل على جواز أكل ما قتله الآلات المذكورة مثل الكلب من الكتاب (٦) والسنة (٧) يشمله

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الصيد.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الذبائح.

(٣) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الصيد.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣ و ٥ ـ من أبواب الذبائح.

(٦) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١ و ١٦ ـ من أبواب الصيد.

٤٩

فتأمل. وبالجملة هو مثل الوحشي في هذا الحكم لعله بالإجماع أو القياس ، والضرورة ورفع الحجر وعدم تضييع المال والعمومات مؤيدات ، وكذا الخصوصيات الآتية ، فتأمل ».

قلت : لا يخفى عليك أن ذلك كله خال عن التحصيل بعد الاعتراف بالإجماع المحقق ، بل في المسالك هو موضع وفاق منا ومن أكثر العامة وخالف فيه مالك ، فقال : لا يحل إلا بقطع الحلقوم ، ومنه يمكن دعوى اندراجه في إطلاق أو عموم قتيل الكلب والسلاح المقتصر في الخروج منه على الانسى غير الممتنع وإن لم يسم صيدا لغة وعرفا.

مضافا إلى خبر أبي البختري (١) المروي عن قرب الاسناد عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام « إن عليا عليه‌السلام قال : إذا استصعبت عليكم الذبيحة فعرقبوها وإن لم تقدروا أن تعرقبوها فإنه يحلها ما يحل الوحش » الذي هو كالصريح في اتحاد حكم المستوحش بالعارض ووحشي الأصل ، وكفى به دليلا بعد انجباره بالعمل والإجماع المزبور ، بل والنبوي (٢) وإن لم أجده في طرقنا « كل إنسية توحشت فذكها ذكاة الوحشية ».

ومنه يظهر المناقشة فيما سمعته من الرياض ، بل قد يستفاد منه أن المراد بما في غيره من النصوص في المستعصي ذكر فرد من أفراد تذكية الوحشي لا الاختصاص بذلك.

قال الصادق عليه‌السلام في صحيح الحلبي (٣) : « في ثور

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٩.

(٢) كنز العمال ج ٣ ص ٢٤١ ـ الرقم ٣٧٩٢ وفيه « إذا استوحشت الإنسية وتمنعت فإنه يحلها ما يحل الوحشية ».

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١.

٥٠

تعاصى فابتدره قوم بأسيافهم وسموا ، فأتوا عليا عليه‌السلام فقال : هذه ذكاة وحية (١) ولحمه حلال ».

وقال عليه‌السلام أيضا في خبر العيص بن القاسم (٢) : « إن ثورا بالكوفة ثار ، فبادر الناس إليه بأسيافهم فضربوه ، فأتوا أمير المؤمنين عليه‌السلام فأخبروه فقال : ذكاة وحية ولحمه حلال ».

وفي خبر الفضل بن عبد الملك وعبد الرحمن بن أبي عبد الله (٣) « إن قوما أتوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا : إن بقرة لنا غلبتنا واستصعبت علينا فضربناها بالسيف ، فأمرهم بأكلها ».

بل في خبر أبي بصير (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إن امتنع عليك بعير وأنت تريد أن تنحره فانطلق منك فان خشيت أن يسبقك فضربته بالسيف أو طعنته بحربة بعد أن تسمي فكل إلا أن تدركه ولم يمت بعد فذكه » الظاهر في كون الأمر أوسع من ذلك باعتبار الاكتفاء فيه بخوف السبق.

نعم نصوص المتردية لا عموم فيها على وجه يشمل التذكية بعقر الكلب مثلا ، ففي خبر إسماعيل الجعفي (٥) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : بعير تردى في بئر كيف ينحر؟ قال : يدخل الحربة فيطعنه بها ويسمي ويأكل ».

وفي خبر زرارة (٦) عن أبي جعفر عليه‌السلام « سألته عن بعير تردى في بئر ذبح من قبل ذنبه ، فقال : لا بأس إذا ذكر اسم الله عليه ».

وفي خبر الحسين بن علوان (٧) المروي عن قرب الاسناد عن جعفر

_________________

(١) أي سريعة ( منه رحمه‌الله ).

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الذبائح الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الذبائح الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الذبائح الحديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الذبائح الحديث ٤.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الذبائح الحديث ٦.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الذبائح الحديث ٧.

٥١

ابن محمد عن أبيه عن علي عليهم‌السلام « أنه سئل عما تردى على منخره فيقطع ويسمى عليه ، فقال : لا بأس ، وأمر بأكله ».

وفي خبره الآخر بالإسناد السابق (١) عنه عليه‌السلام أيضا « أيما إنسية تردت في بئر فلم يقدر على منحرها فلينحرها من حيث يقدر عليه ويسمى الله عليها ويأكل ».

وفي حسن الحلبي (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل ضرب بسيفه جزورا أو شاة في غير مذبحها وقد سمى حين ضرب. أما إذا اضطر اليه واستصعب عليه ما يريد أن يذبح فلا بأس بذلك ».

وفي خبر أبي ثعلبة (٣) المروي عن غير طرقنا « قلت : يا رسول الله إن بعيرا تردى فرماه رجل بسهم فحبسه ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن لهذه أوابد كأوابد الوحش ، فما عسر عليكم منها فاصنعوا به هكذا » والأوابد : المستوحشة.

وفي آخر (٤) « أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله سئل عن بعير تردى في بئر فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : لو طعنه في خاصرته لحل لك ». إلى غير ذلك من النصوص التي منها يظهر لك وجه المناقشة فيما ذكره الأردبيلي رحمه‌الله قال : « وأما المتردية فظاهر قوله تعالى (٥) : « ( والْمُتَرَدِّيَةُ ) ـ إلى قوله ـ ( إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ ) » تحريمه إلا مع التذكية ، إلا أن يحمل على القتل بما أمكن » ثم ذكر بعض النصوص السابقة ، وقال : « إنها لم

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٣.

(٣) سنن البيهقي ـ ج ٩ ص ٢٤٦ و ٢٤٧ عن رافع بن خديج.

(٤) سنن البيهقي ج ٩ ص ٢٤٦ مع الاختلاف في اللفظ.

(٥) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٣.

٥٢

تدل على غير البعير والبقر ، ولا على جواز القتل بمطلق الآلة حتى الكلب والسهم ، فيمكن الاقتصار على ما في الروايات ، والتعدي لعدم الفرق وفهم العلة وذكر الأصحاب من غير فرق وقائل بالفرق يدل على العموم في الغنم وغيره أيضا ، وأما التعدي إلى الكلب فغير معلوم الجواز ، بل لا يفهم من عباراتهم ، نعم من الذين ذكروا أن حكمه حكم الصيد يفهم ذلك كأنه غير المتردي وغير الصائل ، بل المستعصي ، فتأمل. وبالجملة إن صدق أنه صيد فحكمه حكمه ، وإلا فيقتصر فيه على ما علم جواز قتله به وأكله ، مثل القتل بالرمح في المستعصي ، فتأمل ».

إذ لا يخفى عليك ما في كلامه من التشويش وعدم الإحاطة بجميع النصوص التي منها ما سمعته من قرب الاسناد وغيره ، بل لا ينبغي الشك في دخول الصائل في المستعصي الذي قد سمعت قول أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) : « إنها يحلها ما يحل الوحش ».

ومنه يمكن تنزيل إطلاق كلامهم على ذلك ، حيث قالوا : وكذا الصائل والمتردي ، مشيرين به إلى ما ذكروه سابقا من القتل بالكلب والآلة في المستوحش ولو إنسيا ، فيكون المراد من العقر في كلامهم ما يشمل العقر بالكلب وغيره.

مؤيدا ذلك بدعوى أن التأمل في النصوص المزبورة وغيرها يقتضي أن الشارع شرع فردين للتذكية : أحدهما الذبح والنحر في الحيوان المقدور على ذلك فيه ولو كان وحشيا قد استأنس أو جرح مثلا بحيث لا يستطيع الامتناع بفرار ونحوه ، وثانيهما العقر بكلب أو سلاح للحيوان الممتنع ذكاته بالكيفية المزبورة ، ولو لاستيحاش بعد الاستيناس أو لصيرورة سبعية فيه بصول ونحوه ، أو لتردي في بئر ونحوه ، أو لدخول في جحر ضيق أو

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٩.

٥٣

نحو ذلك ، وحينئذ يكون الاستيحاش في وحشي الأصل سببا للتذكية المزبورة باعتبار كونه أحد أفراد عدم القدرة عليه لا لخصوصية فيه.

كما أنه بناء على ذلك لا مدخلية لصدق الصيد وعدمه في التذكية المزبورة ، وهو قوي جدا خصوصا في الوحشي إذا تردى في بئر مثلا أو تحصن في غار وإن خرج بذلك عن الامتناع بالفرار ، ولكن في تحصيله من كلام الأصحاب نوع صعوبة في خصوص الانسي المتردي ، بل والصائل فالاحتياط لا ينبغي تركه ، خصوصا بعد أن كان الأصل عدم التذكية.

نعم يلزم من كلام الأصحاب خصوصا ثاني الشهيدين منهم وصاحب الكفاية اختصاص هذا النوع من التذكية المزبورة بمأكول اللحم ، دون غيره من طاهر العين الذي يخرج بتذكية الذبحية عن كونه ميتة ، ويصح لبس جلده ، ولعله لأن المنساق من الأدلة ـ خصوصا قوله تعالى (١) : ( فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ) وما شابهه من السنة (٢) ـ مباح الأكل ، على أن الأصل في التذكية الذبح ، وأن هذا النوع قائم مقامها ، ولم يثبت قيامه في غير مأكول اللحم.

بل لو لا ظهور بعض النصوص (٣) والفتاوى لأمكن القول بأن هذا النوع من الميتة التي أحلها الشرع ، وإلا فليس هو تذكية ، فيقتصر على خصوص ما ثبت منه ، لكن إطلاق بعض معاقد الإجماعات المحكية بل وبعض النصوص يقتضي كون هذا القسم كالذكاة الذبحية في المأكول وغيره.

بل في موثق سماعة (٤) « عن جلود السباع ينتفع بها؟ قال : إذا

_________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الصيد.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١ و ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٤.

٥٤

رميت وسميت فانتفع بجلده ، وأما الميتة فلا » وإن اختص بالآلة الجمادية إلا أن الظاهر عدم الفرق بينها وبين الكلب في ذلك وإن كان الاحتياط لا ينبغي تركه فيه ، بل وفي الآلة الجمادية وإن كان ظاهرهم فيما يأتي المفروغية من ذلك ، والله العالم.

( و ) كيف كان فـ ( لو رمى فرخا لم ينهض فقتله لم يحل ) لعدم كونه من الحيوان الممتنع ، فلا يكون صيدا ( وكذا لو ) أرسل كلبه على حيوان غير ممتنع كذلك.

وحينئذ فـ ( لو رمى طائرا وفرخا لم ينهض فقتلهما حل الطائر دون الفرخ ) بلا خلاف ولا إشكال. لأن لكل واحد منهما حكم نفسه بسبب الامتناع الذي يدخله تحت اسم الصيد وعدمه. قال علي بن الحسين عليهما‌السلام في خبر الأفلح (١) : « لو أن رجلا رمى صيدا في وكره فأصاب الطير والفراخ جميعا فإنه يأكل الطير ولا يأكل الفراخ ، وذلك أن الفرخ ليس بصيد ما لم يطر ، وإنما يؤخذ باليد ، وإنما يكون صيدا إذا طار » وهو صريح في المطلوب.

بل منه يستفاد أصل الحكم المزبور وإن كان يكفي في إثباته أن الأصل عدم التذكية أو عدم كون هذا النوع تذكية المقتصر في الخروج منه على غير الفرض ، ولو لأنه المنساق من الأدلة كتابا وسنة ، والله العالم.

( ولو تقاطعت الكلاب الصيد قبل إدراكه ) على وجه يكون إزهاق نفسه بالتقطيع المزبور ( لم يحرم ) لوجود شرط الحل وانتفاء المانع ، إذ ليس إلا قطع الكلاب له ، وهو تذكية لا مناف لها ، بل في المسالك « لا فرق بين تقاطعهم إياه وحياته مستقرة وعدمه بخلاف ما لو تقاطعه الصائدون ، فان حله مشروط بوقوع فعلهم بعد أن صار في حكم المذبوح

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ١.

٥٥

والفرق أن ذكاته بالذبح معتبرة مع إمكانها بعد أخذ الكلب له لا بدونها فإذا أدركه الصائدون أو بعضهم مستقر الحياة صار حله متوقفا على الذبح فلا يحل بدونه ، بخلاف تقاطع الكلاب له قبل إدراكه ، فإن اعتبار ذبحه ساقط ».

قلت : ستعرف عدم الفرق بين الصيد بالكلب أو بالسلاح في أنه متى قطع من الصيد قطعة وكان الباقي مستقر الحياة كان ما قطع منه قطعة مبانة من حي ، فهي ميتة ، وإلا كان حلالا ، كما أنه لو تقاطعه الصائدون بسيوفهم وهو ممتنع حتى صار إزهاق نفسه بذلك كان حلالا مثل صيد الكلاب.

نعم لو فرض تقطيع بعض الكلاب له وكان الباقي ذا حياة مستقرة ولم يدركه الصائدون حتى قتله الكلب كان ذلك حلالا لا القطعة التي قطعها الكلب أولا ، بخلاف الصائد ، فإنه متى قطع منه قطعة وكان حياته مستقرة وأدرك ذكاته اعتبر في حله تذكيته ، لخروجه عن الامتناع حينئذ ، فيعتبر فيه ما يعتبر في غيره من الحيوان غير الممتنع ، وستسمع تفصيل الحال في ذلك إنشاء الله ، وربما كان ذلك هو مراده في المسالك ، لا أنه خلاف في المسألة ، فتأمل. والله العالم.

( ولو رمى صيدا فتردى من جبل أو وقع في الماء فمات لم يحل ، لاحتمال أن يكون موته من السقطة ) مثلا ، ضرورة كونه من اجتماع السببين المختلفين في التحليل والتحريم ، وقد عرفت غلبة جانب التحريم حتى يعلم استناد الموت إلى السبب المحلل ، وإلا حرم حتى لو ظن فضلا عن حال الشك أو الظن أو العلم بالعدم ، لأصالة عدم التذكية ، ول صحيح الحلبي (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « أنه سئل عن رجل رمى صيدا وهو على جبل أو حائط فيخرق فيه السهم فيموت ، قال : كل

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ١.

٥٦

منه ، فان وقع في الماء من رميتك فمات فلا تأكل منه » ونحوه موثق سماعة (١) عنه عليه‌السلام أيضا.

وخبر خالد بن الحجاج (٢) عن أبي الحسن عليه‌السلام « لا تأكل الصيد إذا وقع في الماء فمات ».

وفي مرسل الفقيه (٣) قال عليه‌السلام : « إن رميت الصيد وهو على جبل فسقط ومات فلا تأكله ، فإن رميته فأصاب سهمك ووقع في الماء فمات فكله إذا كان رأسه خارجا من الماء ، وإن كان رأسه في الماء فلا تأكله »

وفي المسالك « إن الصدوقين قيدا الحل بأن يموت ورأسه خارج من الماء ، ولا بأس به ، لأنه أمارة على قتله بالسهم إن لم يظهر خلاف ذلك ».

قلت : وعليه ينزل المرسل المزبور ، وبالجملة لا إشكال في الحكم في الفرض بعد الإحاطة بما ذكرناه سابقا وفي المقام من الأصل وغيره.

( نعم لو صير حياته غير مستقرة ) برميته ثم وقع في الماء مثلا وهو في الحال المزبور ( حل ، لأنه يجري مجرى المذبوح ) فلا يكون موته مستندا إلى سببين ، بناء على أن هذه الحياة كعدمها ، كما هو واضح ، والله العالم.

( ولو قطعت الآلة ) كالسيف ونحوه ( منه شيئا ) عضوا أو غيره وبقي الباقي مقدورا عليه وحياته مستقرة ( كان ما قطعته ميتة ) فلا إشكال في تحريمه ، لأنه حينئذ قطعة مبانة من حي ، فيندرج فيما دل (٤)

_________________

(١) أشار إليه في الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٢ وذكره في الكافي ـ ج ٦ ص ٢١٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الذبائح.

٥٧

على أن مثل ذلك ميتة. ( و ) لكن ( يذكي ما بقي إن كان ) كما فرضناه من كونه مقدورا عليه و ( حياته مستقرة ) وأدرك ذكاته ، خلافا لما عساه يظهر مما تسمعه من إطلاق الشيخ والقاضي وابن حمزة من الحل وإن لم يذك ، لإطلاقهم الحل مع الحركة وخروج الدم ، إلا أنه كما ترى مناف لأصول المذهب وقواعده. ومن هنا أمكن حمل كلامهم كالخبر الآتي (١) الدال على ذلك على إرادة القيد المزبور اتكالا على الظهور ، فلا خلاف حينئذ في المسألة.

نعم إذا لم يكن حياته مستقرة بالضربة المزبورة التي قطعت منه شيئا فالظاهر حله أجمع ، ضرورة صدق صيده بقتله الذي هو ذكاة نصا (٢) وفتوى مع اجتماع الشرائط من التسمية والسلاح وغيرها مما عرفت ، بل لا فرق في الآلة بين السلاح والكلب في الحكم المزبور.

( و ) كذا ( لو قطعته نصفين ) أي قطعتين وإن لم يعتدلا ( فلم يتحركا ) أصلا أو تحركا حركة مذبوح. وبالجملة إذا علم أن إزهاق نفسه كان بذلك ( فـ ) ان ( هما ) معا ( حلال ) بلا خلاف ، كما عن المبسوط والخلاف والسرائر وإن لم يقيداه بأحد القيدين إلا أن الظاهر إرادتهما ذلك ، بناء على الغالب من عدم استقرار الحياة بذلك ، كما حكي عنهم التصريح بأن مثله من جملة أسباب عدم استقرار الحياة ، كقطع المري‌ء وشق البطن أو القلب أو قطع الحلقوم ، فلا خلاف في الحقيقة.

مضافا إلى إطلاق الأدلة أو عمومها من غير فرق بين اتحادهما وعدمه وخروج الدم من أحدهما وعدمه ، وبين ذي الرأس وغيره.

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١ و ٢.

٥٨

وفي خبر علي بن جعفر (١) عن أخيه عليه‌السلام المروي عن قرب الاسناد « سألته عن رجل لحق حمارا أو ظبيا فضربه بالسيف فقطعه نصفين ، هل يحل أكله؟ قال : نعم إذا سمى » وإطلاقه موافق لما ذكرناه ، وكذا غيره مما تسمعه ، بل يمكن تنزيل ما ينافيه مما يأتي عليه كما ستعرف ، وإلا كان شاذا.

( و ) حينئذ فما قيل ـ من أنه ( لو تحرك أحدهما فالحلال هو ) كما عن الشيخ في النهاية والقاضي ـ واضح الضعف إلا إذا كانت حركة استقرار حياة ، فإن الحلال حينئذ بالتذكية كما ذكرناه. ( و ) حينئذ فالأصح ما ( قيل ) من أنهما ( يؤكلان ) معا ( إن لم يكن في المتحرك حياة مستقرة و ) إنما كان حركة مذبوح ، إذ ( هو ) كما عرفت ( أشبه ) بأصول المذهب وقواعده وإطلاق الأدلة وعمومها ، بل هو الذي استقر عليه المذهب.

( وفي رواية يؤكل ما فيه الرأس ) وهي رواية إسحاق بن عمار (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل ضرب غزالا بسيفه حتى أبانه أيأكله؟ قال : نعم يأكل مما يلي الرأس ويدع الذنب ».

( وفي أخرى يؤكل الأكبر دون الأصغر ) وهي مرسلة النوفلي (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قلت له : ربما رميت بالمعراض فأقتل ، فقال : إذا قطعه جدلين فارم بأصغرهما وكل الأكبر ، وإن اعتدلا فكلهما ».

( وكلاهما شاذ ) وكذا الثالثة ، وهي مرفوعة النضر بن سويد (٤) « في الظبي وحمار الوحش يعترضان بالسيف فيقدان ، قال : لا بأس

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٣.

٥٩

بأكلهما ما لم يتحرك أحد النصفين ، فإذا تحرك أحدهما لم يؤكل الآخر لأنه ميتة » وإن كان بكل قائل ، بل قد يظهر من التعليل في الأخير كون المراد من الحياة المتبقية والمثبتة الحياة المستقرة لا مطلقا ، وبه يقيد الخبر الذي أطلق فيه الحل مع القد نصفين من دون اشتراط عدم استقرار الحياة مضافا إلى وروده مورد الغالب المتحقق فيه الشرط.

وعلى كل حال فليس في شي‌ء منها ولا من غيرها اعتبار خروج الدم بالكلية ، خلافا لمن ستعرف من الشيخ وغيره ، فاعتبره في الحلية ، بل صرح بعضهم بالحرمة مع عدمه ، ولكن حجتهم عليه غير واضحة ، وإن حكي عن التنقيح أنه نفى البأس عنه ، إلا أن الأمر سهل باعتبار ندرة عدم خروج الدم مع القد نصفين ، بل لعله من المحال عادة.

وكيف كان فجملة ما وصل إلينا من النصوص ما سمعته من خبر علي بن جعفر (١) وغيره ، و ( منها صحيح محمد بن مسلم (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث « قال : سئل عن صيد صيد فتوزعه القوم قبل أن يموت ، قال : لا بأس به » وهو محمول على كونه غير مستقر الحياة ، فإنه حينئذ بحكم المذبوح ، فلا بأس بتوزيعه. ومثله خبر الحلبي (٣) « سألته عن الرجل يرمي الصيد فيصرعه فيبتدره القوم فيقطعونه فقال : كله ».

و ( منها خبر محمد بن قيس (٤) عن أبي جعفر عليه‌السلام أيضا في حديث قال : « في أيل يصطاده رجل فيقطعه الناس والرجل يتبعه أفتراه نهبة؟ قال : ليس بنهبة ، وليس به بأس » المحمول على عدم خروجه عن الامتناع بصيد الأول ، فلا يكون ملكا له ، فإذا لحقه الناس

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٢.

٦٠