جواهر الكلام - ج ٣٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

والأصل في ذلك اختلاف الأخبار ، فـ في الحسن (١) أن الحلبي سأل الصادق عليه‌السلام « عن المحرم يضطر فيجد الميتة والصيد أيهما يأكل؟ قال : يأكل الصيد ، أما يجب أن يأكل من ماله؟ قال : بلى قال : إنما عليه الفداء ، فليأكل وليفد ».

وفي خبر إسحاق (٢) « أن عليا عليه‌السلام كان يقول : إذا اضطر المحرم إلى الصيد وإلى الميتة فليأكل الميتة التي أحل الله له ».

وجمع بينهما ونحوهما بوجوه : ( منها ) التقية. و ( منها ) الفرق بين المتمكن (٣) من الفداء وعدمه. و ( منها ) الفرق بين لحم الصيد والحي منه. و ( منها ) احتمال الثاني أن لا يكون وجد الصيد أو لم يتمكن منه وإن اضطر إليه. وقد تقدم تحقيق الحال فيها في الحج (٤).

ثم إن الظاهر وجوب الاقتصار في الأكل من الصيد على سد الرمق مع فرض كون المضطر إليه ذلك ، نحو ما سمعته في الميتة ، بل عن المنتهى نفي الخلاف فيه هنا ، بل عن التذكرة الإجماع عليه ، خلافا لبعض ، فجوز له الشبع ، لسقوط الإثم بالاضطرار ، وفيه ما لا يخفى بعد ما عرفت ، والله العالم.

( ولو كان حيا محقون الدم لم يحل ) لعدم جواز حفظ النفس بإتلاف أخرى ، ولذا لم يكن تقية في الدماء ، ولا فرق في ذلك بين السيد والعبد والولد والوالد والشريف والوضيع ، بل في المسالك والكافر المحترم

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب كفارات الصيد ـ الحديث ١ من كتاب الحج.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب كفارات الصيد ـ الحديث ١١ من كتاب الحج.

(٣) هكذا في المبيضة إلا أن الموجود في النسخة المخطوطة بقلم المصنف طاب ثراه « الفرق بين التمكن ».

(٤) راجع ج ٢٠ ص ٣٣٥ ـ ٣٤٠.

٤٤١

كالذمي والمعاهد ( و ) غيرهما.

نعم ( لو كان مباح الدم ) كالحربي والمرتد والزاني المحصن وغيرهم جاز قتله و ( حل له منه ما يحل من الميتة ) وإن كان القتل في بعضهم موقوفا على إذن الامام عليه‌السلام لكن ذلك مع الاختيار.

ولو كان له على غيره قصاص ووجده في حالة الاضطرار قتله قصاصا وأكله ، بل في المسالك أن أصح الوجهين جواز قتل الامرأة والصبيان من أهل الحرب ، لأنهم ليسوا بمعصومي الدم ، وليس المنع من قتلهم في الاختيار لاحترامهم ، ولهذا لا يتعلق به كفارة ولا دية ، بخلاف الذمي والمعاهد وإن كان لا يخلو من نظر ، والله العالم.

( ولو لم يجد المضطر ما يمسك رمقه سوى نفسه ) بأن يقطع قطعة من فخذه ونحوه من المواضع اللحمة فإن كان الخوف فيه كالخوف على نفسه في ترك الأكل أو أشد حرم القطع قطعا ، وإن علم السلامة حل قطعا ، بل وجب.

وإن كان أرجى للسلامة ( قيل : ) جاز له أن ( يأكل من المواضع اللحمة كالفخذ ) لأنه إتلاف بعض لاستبقاء الكل ، فأشبه قطع اليد مثلا بسبب الآكلة. ( وليس شيئا ) عند المصنف ( إذ فيه دفع الضرر بالضرر ، ولا كذلك جواز قطع الآكلة ، لأن الجواز هناك إنما هو لقطع السراية الحاصلة ، وهنا إحداث سراية).

لكن قد يناقش بأن حدوث السراية على هذا التقدير غير معلوم ، والفرض كون المضطر خائف الهلاك بسراية الجوع على نفسه كسراية الآكلة.

نعم لا يجوز له أن يقطع من غيره ممن هو معصوم الدم اتفاقا ، كما في المسالك ، إذ ليس فيه إتلاف البعض لإبقاء الكل ، بل الظاهر ذلك

٤٤٢

وإن قطع بسلامة المقطوع منه.

وكذا لا يجوز للإنسان أن يقطع جزءا منه للمضطر وإن قطع بالسلامة إلا أن يكون المضطر نبيا ، فإنه يجوز وإن قطع بالسراية ، والله العالم.

( ولو اضطر إلى خمر وبول تناول البول ) وإن كان نجسا ، لأنه أخف حرمة منها وعدم الحد عليه ، لأنه لا يسلب العقل والايمان ولا يؤدي إلى شر كالخمر. نعم لو وجد ماء متنجسا قدمه على البول لأن نجاسته عارضية ، كما أنه يقدم ميتة ما يؤكل لحمه على ما لا يؤكل لحمه للخفة.

ولو وجد ميتة ما يؤكل وما لا يؤكل حيا إلا أنه يقبل التذكية ذبح ما لا يؤكل وقدمه على الميتة ، لنجاستها وأشدية حرمتها كما يعلم من الكتاب (١) والسنة (٢). ولذا اقتصر عليها مع أخواتها في الكتاب (٣) بل حصر التحريم فيها مع غيرها في الآية الأخرى (٤) وإن كان هو إضافيا أو قبل تحريم الغير كما عرفته سابقا.

وكذا يقدم عليها مذبوح الكافر وخصوصا من اختلف في ذبيحته لأنه ليس ميتة وإن كان بحكمها ، وليس فيه ما في الميتة من المضار التي علل بها تحريمها (٥) وبالجملة فالمدار على الترجيح إن حصل لكونه حينئذ أقل قبحا وإلا فالتخيير.

_________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٣ وسورة الأنعام : ٦ ـ الآية ١٤٥ وسورة النحل : ١٦ ـ الآية ١١٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة.

(٣) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٣ وسورة الأنعام : ٦ ـ الآية ١٤٥ وسورة النحل : ١٦ ـ الآية ١١٥.

(٤) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ١٧٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

٤٤٣

( ولو لم يجد إلا الخمر قال الشيخ في المبسوط ) ومحكي الخلاف : ( لا يجوز دفع الضرورة بها ) لقول الصادق عليه‌السلام في خبر أبي بصير (١) : « المضطر لا يشرب الخمر ، لأنه لا يزيده إلا عطشا » ولفحوى ما سمعته مما دل على حرمة التداوي بها مع الانحصار من الإجماع المحكي والنصوص (٢) ضرورة كونه أحد أفراد الضرورة ، ولاختصاص مورد الرخصة للمضطر في الآيات الكريمة (٣) في غيرها.

( و ) قال الصدوق وابنا إدريس وسعيد وجماعة على ما حكي عنهم والشيخ ( في النهاية : يجوز ، وهو الأشبه ) بأصول المذهب وقواعده التي علم منها أهمية حفظ النفس ونفي الحرج والضرر في الدين. مضافا إلى خصوص ما تقدم في خبر المفضل (٤) وخبري محمد بن عبد الله (٥) ومحمد بن عذافر (٦) من التصريح بجواز تناول الخمر للمضطر.

وخصوص قول الصادق عليه‌السلام في خبر حماد بن عيسى وعمار بن موسى (٧) « في الرجل أصابه عطش حتى خاف على نفسه فأصاب خمرا ، قال : يشرب منه قوته ».

وإلى أولوية إباحتها من إباحة ما هو أفحش منها من الميتة والخنزير وغير ذلك ، والله العالم.

( ولا يجوز التداوي بها ولا بشي‌ء من الأنبذة ، ولا بشي‌ء من

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة.

(٣) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ١٧٣ وسورة المائدة : ٥ ـ الآية ٣ وسورة الأنعام : ٦ الآية ١١٩.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ١. والراوي له هو عمار بن موسى فقط كما في التهذيب ج ٩ ص ١١٦ ـ الرقم ٥٠٢.

٤٤٤

الأدوية معها شي‌ء من المسكر ) أو غيره من المحرمات ( أكلا ولا شربا ) مع عدم الانحصار بلا خلاف ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه فضلا عن محكيه في كشف اللثام ، لإطلاق أدلة التحريم السالمة عن معارضة الرخصة فيه للمضطر المعلوم عدم تحققه في الفرض.

بل لعله كذلك مع عدم العلم بالانحصار ، لعدم تحقق عنوان الرخصة أيضا ، بل المشهور على ما في المسالك وكشف اللثام عدم الجواز حتى مع الانحصار ، بل عن الشيخ في الخلاف وظاهر المبسوط الإجماع عليه ، لصحيح الحلبي (١) عن الصادق عليه‌السلام « سألته عن دواء عجن بالخمر ، فقال : لا والله ما أحب أن أنظر إليه فكيف أتداوى به ، فإنه بمنزلة شحم الخنزير أو لحم الخنزير ».

وحسن ابن أذينة (٢) « كتبت إلى الصادق عليه‌السلام أسأله عن رجل ينعت ( يبعث خ ل ) له الدواء من ريح البواسير فيشربه بقدر سكرجة من نبيذ صلب ليس يريد به اللذة إنما يريد به الدواء ، فقال : لا ولا جرعة ، ثم قال : إن الله عز وجل لم يجعل في شي‌ء مما حرم دواء ولا شفاء ».

وخبر أبي بصير (٣) قال : « دخلت أم خالد العبدية على أبي عبد الله عليه‌السلام وأنا عنده ، فقالت : جعلت فداك إنه يعتريني قراقر في بطني وقد وصف لي أطباء العراق النبيذ بالسويق ، وقد عرفت كراهتك له وأحببت أن أسألك عن ذلك ، فقال لها : وما يمنعك من شربه؟ قالت : قد قلدتك ديني فألقى الله عز وجل حين ألقاه فأخبره أن جعفر بن محمد

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ٢. وأسقط في الوسائل بعض قطعات الحديث ، وذكره بتمامه في الكافي ج ٦ ص ٤١٣.

٤٤٥

أمرني ونهاني ، فقال : يا أبا محمد ألا تسمع هذه المسائل؟ لا ، فلا تذوقي منه قطرة ، وإنما تندمين إذا بلغت نفسك إلى هاهنا ، وأومأ بيده إلى حنجرته يقولها ثلاثا : أفهمت؟ قالت : نعم ».

وعن الصادق عليه‌السلام أيضا (١) « لا يتداوى بالخمر ولا بالمسكر ، ولا تمتشط النساء به ، فقد أخبرني أبي عن جدي عليه‌السلام أن عليا عليه‌السلام قال : إن الله عز وجل لم يجعل في رجس حرمه شفاء ».

إلى غير ذلك من النصوص التي يمكن حملها على عدم الانحصار ، كما أنه يمكن إرادة عدم حصر الدواء في المحرم من التعليل ، أو ينزل على الغلبة ، على أنه لم نجد القائل به في غير الخمر.

ولعله لذا ـ مؤيدا بما سمعته من حل تناوله عند الاضطرار الذي لا ريب في كون المقام منه بشهادة الوجدان وأهل الخبرة ، بل وقوله تعالى (٢) ( وإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما ) الظاهر في حصول نفع به ، وخبر عبد الرحمن بن الحجاج (٣) المروي عن طب الأئمة « إن رجلا سأل أبا الحسن عليه‌السلام عن الترياق ، فقال : ليس به بأس ، قال : يا ابن رسول الله إنه يجعل فيه لحوم الأفاعي ، فقال : لا تقذره علينا » أطلق القاضي الجواز ، وتبعه جماعة من متأخري المتأخرين ، وهو الأقوى.

ومن الغريب جزم المصنف بالعدم مع قوله ( ويجوز عند الضرورة أن يتداوى بها للعين ) بل حكاه في المسالك عن الأكثر ، وفي كشف اللثام عن الشيخ وجماعة ، مستدلين عليه بعموم وجوب دفع الضرر ، وخصوص

_________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ٤.

(٢) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢١٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣٦ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ٨.

٤٤٦

خبر هارون بن حمزة الغنوي (١) عن الصادق عليه‌السلام « في رجل اشتكى عينه فبعث له كحل يعجن بالخمر ، فقال : هو خبيث بمنزلة الميتة فإن كان مضطرا فليكتحل به » ضرورة منافاته للتعليل الذي هو منشأ المنع في السابق.

ولعله لذا كان المحكي عن ابن إدريس المنع هنا أيضا محتجا بالتعليل السابق المؤيد بـ مرسل مروك (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « من اكتحل بميل من مسكر كحله الله بميل من نار » بعد القول بحرمة مطلق الانتفاع به ، لخصوص ما ورد فيه (٣) مضافا إلى ما سمعته في مطلق الأعيان النجسة.

ولكن لا يخفى عليك ما في ذلك كله بعد الإحاطة بما ذكرناه من أن الأصح الجواز مع الاضطرار وإن قلنا بحرمة الانتفاع به مطلقا مع عدمه ، ويمكن حمل المرسل المزبور عليه ، والله العالم.

( خاتمة )

تشتمل على أمور

منها ( في الآداب ) وهي كثيرة اقتصر المصنف منها على اثني عشر أو ثلاثة عشر : الأول والثاني اللذان أشار إليهما بقوله ( يستحب غسل

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الأشربة المحرمة.

٤٤٧

اليدين قبل ) تناول ( الطعام وبعده ) للمروي (١) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : « غسل اليدين قبل الطعام ينفي الفقر ، وآخره ( وبعده خ ل ) ينفي الهم ».

وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام (٢) « غسل اليدين قبل الطعام وبعده زيادة في العمر. وإماطة للغمر عن الثياب ، ويجلو البصر ».

وعن الصادق عليه‌السلام (٣) « من غسل يده قبل الطعام وبعده عاش في سعة ، وعوفي من بلوى في جسده ».

وعن الباقر عليه‌السلام في خبر أبي حمزة (٤) « يا أبا حمزة الوضوء قبل الطعام وبعده يذيبان ( يذهبان خ ل ) الفقر ، قلت : بأبي وأمي يذهبان؟ قال : يذيبان ».

وعن الصادق عليه‌السلام (٥) « من سره أن يكثر خير بيته فليتوضأ قبل حضور الطعام ».

وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٦) « الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر ، وبعده ينفي اللمم ، ويصح البصر ».

وفي المسالك « المراد بالوضوء هنا غسل اليدين » قلت : لعله لأنهم لم يذكروا ذلك في مستحبات الوضوء ، ولم يعهد استعماله من أهل الشرع بل لعل المستعمل خلافه ، مضافا إلى ظهور بعض النصوص (٧) الآتية في البدأة فيه.

وفي كشف اللثام « قد روي استحباب غسل اليدين جميعا وإن لم

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ٤ نقل بالمعنى.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ٣.

(٦) المستدرك ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ٦.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ٢.

٤٤٨

يأكل إلا بإحداهما ». قلت : لعل المستفاد مما سمعت من الأخبار السابقة استحباب غسلهما معا كما ذكر ، واستحباب غسل اليد التي يأكل بها.

بل في خبر سليمان الجعفري (١) « أنه ربما أتي بمائدة فأراد بعض القوم أن يغسل يده فيقول أبو الحسن عليه‌السلام : من كانت يده نظيفة فلا بأس أن يأكل من غير أن يغسل يده » ما يقتضي الرخصة في عدم الغسل مع نظافة اليد.

ثم إن إطلاق النص والفتوى يقتضي عدم الفرق بين كون الطعام جامدا ومائعا ، ولا بين كونه يباشر باليد أو بآلة وإن كان الحكم مع المباشرة آكد ، بل هو الأصل في الشرعية ، لأن الأكل من صاحب الشرع وخلفائه كان كذلك.

( و ) الثالث ( مسح اليدين بالمنديل ) بعد الغسل من الطعام لا قبله ، بل لا يبعد كراهته.

قال الصادق عليه‌السلام (٢) : « إذا غسلت يدك للطعام فلا تمسح يدك بالمنديل ، فإنه لا تزال البركة في الطعام ما دامت النداوة في اليد ».

وعن مرازم (٣) « رأيت أبا الحسن عليه‌السلام إذا توضأ قبل الطعام لم يمسح ( لم يمس خ ل ) بالمنديل ، وإذا توضأ بعد الطعام مسح بالمنديل ( مس المنديل خ ل ) » ولعل إطلاق المصنف المسح عائد إلى الغسل المتصل به.

وإنما يستحب مسحهما بالمنديل من أثر ماء الغسل لا من أثر الطعام قبله ، فان ذلك مكروه ، وإنما السنة في لعق الأصابع.

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ١٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ١.

٤٤٩

قال الصادق عليه‌السلام (١) : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا أكل أحدكم فمص أصابعه التي أكل بها قال الله عز وجل : بارك الله فيك ».

وقال عليه‌السلام أيضا (٢) : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يلعق أصابعه إذا أكل ».

وقال عليه‌السلام (٣) : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا فرغ من طعامه لعق أصابعه في فيه فمصها ».

وقال عليه‌السلام أيضا (٤) : « إني لألعق أصابعي حتى أرى أن خادمي يقول : ما أشره مولاي ».

وقال عليه‌السلام أيضا (٥) : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يلطع القصعة ، ويقول : من لطع قصعة فكأنما تصدق بمثلها ».

وقال عليه‌السلام أيضا (٦) : « إنه كره أن يمسح الرجل يده بالمنديل وفيها شي‌ء من الطعام تعظيما للطعام حتى يمصها أو يكون إلى جانبه صبي يمصها ».

ثم إنه يستحب مسح الوجه والحاجبين بعد الغسل قال الصادق عليه‌السلام (٧) : « مسح الوجه بعد الوضوء يذهب بالكلف ويزيد في الرزق ».

وعن المفضل (٨) « دخلت علي أبي عبد الله عليه‌السلام فشكوت الرمد ، فقال : إذا غسلت يدك بعد الطعام فامسح حاجبيك وقل ثلاث مرات :

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب آداب المائدة الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب آداب المائدة الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب آداب المائدة الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب آداب المائدة الحديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب آداب المائدة الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ١.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ١.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ٢.

٤٥٠

الحمد لله المحسن المجمل المنعم المفضل ، قال : ففعلت فما رمدت عيني بعد ذلك ».

نعم لا صراحة في الأخير على كون المسح بهما قبل المسح بالمنديل ، بل ولا الأول وإن نص عليها ، لكن يمكن كونه المنساق ، والله العالم.

( و ) الرابع ( التسمية عند الشروع ). قال الصادق عليه‌السلام (١) : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا وضعت المائدة حفها أربعة آلاف ملك ، فإذا قال العبد : بسم الله قالت الملائكة : بارك الله عليكم في طعامكم ، ثم يقولون للشيطان : أخرج يا فاسق ، لا سلطان لك عليهم ، فإذا فرغوا فقالوا : الحمد لله قالت الملائكة : قوم أنعم الله عليهم فأدوا شكر ربهم ، فإذا لم يسموا قالت الملائكة للشيطان : ادن يا فاسق فكل معهم ، فإذا رفعت المائدة ولم يذكروا الله ( ولم يذكروا اسم الله عليها خ ل ) قالت الملائكة : قوم أنعم الله عليهم فنسوا ربهم ».

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام (٢) : « من أكل طعاما فليذكر اسم الله عليه ، فان نسي ثم ذكر الله بعد تقيأ الشيطان ما أكل واستقل ( واستقبل خ ل ) الرجل الطعام ».

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : من ذكر اسم الله عند طعام أو شراب في أوله وحمد الله تعالى في آخره لم يسأل عن نعيم ذلك الطعام أبدا ».

ومنه يستفاد استحباب الإتيان بها في الأثناء بعد النسيان كما تسمعه في بعض النصوص (٤) الآتية أيضا.

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ٥.

(٤) راجع التعليقة (٢) ص ٤٥٢.

٤٥١

وعنه عليه‌السلام أيضا (١) « إذا وضع الغداء أو العشاء فقل : بسم الله ، فان الشيطان يقول لأصحابه : اخرجوا فليس ها هنا عشاء ولا مبيت ، وإن نسي أن يسمي قال لأصحابه : تعالوا ، فان لكم هاهنا عشاء ومبيتا ».

وعنه عليه‌السلام أيضا (٢) « إن الرجل المسلم إذا أراد أن يطعم طعاما فأهوى بيده وقال : بسم الله والحمد لله رب العالمين غفر الله عز وجل له قبل أن تصير اللقمة إلى فيه ، ولو نسي التسمية فليقل عند الذكر : بسم الله على أوله وآخره ». ويستفاد منه استحباب التحميد معها أيضا.

كما أنه يستفاد من صحيح ابن الحجاج (٣) عن الصادق عليه‌السلام « إذا حضرت المائدة وسمى رجل منهم أجزأ عنهم أجمعين » الاجتزاء بتسمية واحد وإن كان يستحب من الجميع.

( و ) الخامس ( الحمد ) لله تعالى شأنه ( عند الفراغ ) لما سمعته ، وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) « ما من رجل يجمع عياله ويضع مائدته فيسمون في أول طعامهم ويحمدون في آخره فترتفع المائدة حتى يغفر لهم ».

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ١ وليس في ذيله « ولو نسي التسمية فليقل ... » كما في الكافي ج ٦ ص ٢٩٣ وهذه الجملة مستفادة من رواية داود بن فرقد المروية في الباب ـ ٥٨ ـ من تلك الأبواب ـ الحديث ١ ولكن ليس فيها : « عند الذكر ».

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ٦.

٤٥٢

بل يستحب أيضا تكراره في الأثناء قال زرارة (١) : « أكلت مع أبي عبد الله عليه‌السلام طعاما فما أحصي كم مرة قال : الحمد لله الذي جعلني أشتهيه ».

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام (٢) : « اذكروا الله على الطعام ولا تلفظوا ( ولا تلغطوا خ ل ) فإنه نعمة من نعم الله ورزق من رزقه يجب فيه عليكم شكره وذكره وحمده ».

ويستحب أن يقول إذا فرغ : « الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وأيدنا وآوانا وأنعم علينا وأفضل ، والحمد لله الذي يطعم ولا يطعم » (٣).

( و ) السادس ( أن يسمي على كل لون على انفراده ) عند الشروع في الأكل منه قال داود بن فرقد (٤) لأبي عبد الله عليه‌السلام : « كيف أسمي على الطعام؟ فقال : إذا اختلفت الآنية فسم على كل إناء ، قلت : فان نسيت أن أسمي ، قال : تقول : بسم الله على أوله وآخره » بناء على إرادة اختلاف الألوان من اختلاف الآنية فيه.

كما في المروي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (٥) قال : « ضمنت لمن سمى على طعام أن لا يشتكي منه ، فقال ابن الكواء : يا أمير المؤمنين لقد أكلت البارحة طعاما فسميت عليه فآذاني ، قال : لعلك أكلت

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ٦.

(٣) لما رواه في الوسائل ـ الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ٩.

(٤) ذكر صدره في الوسائل ـ الباب ـ ٦١ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ١ وذيله في الباب ـ ٥٨ ـ منها ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦١ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ٣.

٤٥٣

ألوانا فسميت على بعضها ولم تسم على بعض ، قال : نعم ، قال : من هاهنا أوتيت يا لكع ».

وقال مسمع (١) : « شكوت إلى أبي عبد الله عليه‌السلام ما ألقى من أذى الطعام إذا أكلت ، فقال : لم تسم ، فقلت : إني لأسمي وإنه ليضرني ، فقال : إذا قطعت التسمية بالكلام ثم عدت إلى الطعام تسمي ، قلت : لا ، قال : فمن هاهنا يضرك ، أما أنك لو كنت إذا عدت إلى الطعام سميت ما ضرك ».

وعن علي عليه‌السلام (٢) : « ما اتخمت قط ، لأني ما رفعت لقمة إلى فمي إلا سميت » ومنهما تستفاد أحكام أخر ، والله العالم.

( ولو قال ) في الأواني المتعددة ( بسم الله على أوله وآخره أجزأ ) وإن كان تكرارها أفضل.

( و ) السابع ( يستحب الأكل باليمين مع الاختيار ) لاستحباب التيامن ، بل قال الصادق عليه‌السلام (٣) : « لا تأكل باليسرى وأنت تستطيع » نعم لو كان له مانع من ذلك فلا بأس.

( و ) الثامن والتاسع ( أن يبدأ صاحب الطعام وأن يكون آخر من يشبع (يمتنع خ ل) ) لئلا يحتشموه وعن الصادق عليه‌السلام (٤) « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أكل مع القوم أول من يضع يده وآخر من يرفعها ، ليأكل القوم ».

( و ) العاشر ( أن يبدأ ) الغاسل ( في غسل اليد ) قبل التناول ( بمن على يمينه ) أي صاحب الطعام بعد غسل يده ، ( ثم

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦١ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦١ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ١.

٤٥٤

يدور عليهم إلى الأخير ) لما عن الكافي والعلل من أن في بعض الأخبار (١) يغسل أولا رب البيت يده ، ثم يبدأ بمن على يمينه ، وإذا رفع الطعام بدأ بمن على يسار صاحب المنزل ، لأنه أولى بالصبر على الغمر. وعن البصائر حكاية فعل الكاظم عليه‌السلام كذلك.

وفي خبر مسعدة بن صدقة (٢) المروي عن قرب الاسناد عن جعفر ابن محمد عن أبيه عليهما‌السلام « صاحب الرحل يتوضأ أول القوم وآخر القوم بعد الطعام » إلى غير ذلك من النصوص الدالة على استحباب البدأة والاختتام به.

لكن في خبر الفضل بن يونس (٣) قال : « لما تغدى عندي أبو الحسن عليه‌السلام وجي‌ء بالطشت بدئ به ، وكان في صدر المجلس ، فقال : ابدأ بمن على يمينك ، فلما أن توضأ واحد أراد الغلام أن يرفع الطشت ، فقال : دعها ، واغسلوا أيديكم فيها » وظاهره البدأة في الغسل الأول بمن على يمين الخادم ، ويحتمل الغسل الأخير.

وفي خبر محمد بن عجلان (٤) عن الصادق عليه‌السلام « الوضوء قبل الطعام يبدأ بصاحب البيت لئلا يحتشم أحد ، وإذا فرغ من الطعام بدأ بمن على يمين الباب ، حرا كان أو عبدا ». وفي كشف اللثام « الظاهر موافقته لخبر الفضل ، وأن يمين الباب هو يمين الخادم حين يدخل ».

ونحوه المروي عن المحاسن (٥) إلا أنه قال : « فإذا فرغ من الطعام بدأ بمن على يسار صاحب المنزل ».

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ٣ و ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ٢.

٤٥٥

ويمكن أن يكون المستحب كيفيتين ، أو أن البدأة بمن على يمين الباب الذي هو يمين الخادم حين يدخل إذا لم يكن صاحب المنزل جالسا أو غير ذلك ، والأمر سهل.

ويستحب الدعاء لصاحب الطعام ، وليختر ما كان يدعو به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) « طعم عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة الأخيار ».

( و ) الحادي عشر ( أن يجمع غسالة الأيدي في إناء واحد ) لخبر الفضل (٢) السابق ، وعن الصادق عليه‌السلام (٣) « اغسلوا أيديكم في إناء واحد تحسن أخلاقكم ».

وفي خبر عبد الرحمن المروي عن المحاسن (٤) قال : « تغدينا عند أبي عبد الله عليه‌السلام فأتي بالطشت ، فقال : أما أنتم يا أهل الكوفة فلا تتوضؤون إلا واحدا واحدا ، وأما نحن فلا نرى بأسا أن نتوضأ جماعة ، قال : فتوضأنا جميعا في طشت واحد ».

وفي خبر الوليد بن صبيح (٥) قال : « تعشينا عند أبي عبد الله عليه‌السلام ليلة جماعة فدعا بوضوء ، فقال : تعالوا حتى نخالف المشركين الليلة ، نتوضأ جميعا » ولعل المراد جميعا مترتبين.

( و ) الثاني عشر والثالث عشر ( أن يستلقي الآكل بعد الأكل ، ويجعل رجله اليمنى على رجله اليسرى ) كما في خبر البزنطي (٦) عن الرضا عليه‌السلام « إذا أكلت فاستلق على قفاك ، وضع

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ٤.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٧٤ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ١.

٤٥٦

رجلك اليمنى على اليسرى ».

ويستحب الأكل أيضا بثلاث أصابع أو بمجموعها قال الصادق عليه‌السلام (١) : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يأكل بثلاث أصابع ، ولا يفعل كما يفعل الجبارون ، يأكل أحدهم بإصبعيه ».

وفي المرفوع (٢) « كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يستاك عرضا ويأكل هرتا ، والهرت أن يأكل بأصابعه جميعا » (٣).

وليأكل أيضا مما يليه قال الصادق عليه‌السلام (٤) : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا أكل أحدكم فليأكل مما يليه ».

وقال هو عليه‌السلام أيضا في حديث آخر (٥) : « ويأكل كل انسان مما يليه ، ولا يتناول من قدام الآخر شيئا ».

وقال عليه‌السلام أيضا (٦) : « إن لكل شي‌ء حدا ينتهي إليه وما من شي‌ء إلا وله حد ، فأتي بالخوان فقيل : ما حده؟ قال : حده : إذا وضع الرجل يده قال : بسم الله وإذا رفعها قال : الحمد لله ، ويأكل كل انسان من بين يديه ، ولا يتناول من قدام الآخر ».

( ويكره الأكل متكئا ) قال الصادق عليه‌السلام في خبر معاوية بن وهب (٧) : « ما أكل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٨ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٨ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ٢.

(٣) في الوسائل والوافي المجلد ٣ ـ الجزء ١١ ـ ص ٦٤ « ويأكل هرثا ، والهرث ... » وفي الكافي ج ٦ ص ٢٩٧ « ويأكل هرتا ، والهرت » كالجواهر ، وتعرض لهذا الحديث في مجمع البحرين في مادة « هرث ».

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦٦ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦٦ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٦٦ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ٣.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ١.

٤٥٧

متكئا منذ بعثه الله إلى أن قبضه تواضعا لله عز وجل » ونحوه خبر المعلى ابن خنيس (١) عنه عليه‌السلام أيضا ، لكن زاد « وكان يكره أن يتشبه بالملوك ، ونحن لا نستطيع أن نفعل ».

وسأله عليه‌السلام أيضا عثمان بن عيسى (٢) « عن الرجل يأكل متكئا ، قال : لا ولا منبطحا » إلى غير ذلك من النصوص.

بل في خبر كليب (٣) منها « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : ما أكل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله متكئا قط ولا نحن ».

لكن في خبر عمر بن أبي شعبة (٤) وحماد بن عيسى (٥) « رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام يأكل متكئا ، ثم ذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : ما أكل متكئا حتى مات ».

وعن محمد بن مسلم (٦) « أنه دخل علي أبي جعفر عليه‌السلام ذات يوم وهو يأكل متكئا ، قال : وقد كان يبلغنا أن ذلك يكره ، فجعلت أنظر إليه ، فدعاني إلى طعامه ، فلما فرغ قال : يا محمد لعلك ترى أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رأته عين يأكل وهو متكئ مذ بعثه الله إلى أن قبضه ، ثم رد على نفسه ، فقال : لا والله ما رأته عين يأكل وهو متكئ منذ بعثه الله إلى أن قبضه ، ثم قال : يا محمد لعلك ترى أنه شبع من خبز البر ثلاثة أيام منذ بعثه الله إلى أن قبض ، ثم رد على نفسه ، ثم قال : لا والله ما شبع من خبز البر ثلاثة أيام متوالية منذ بعثه الله إلى أن قبضه ، أما أني لا أقول إنه كان لا يجد

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ٤ عن عثمان بن عيسى عن سماعة ، قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ... ».

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ٨.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ١٠.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ١٠.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ٥.

٤٥٨

لقد كان يجيز الرجل الواحد المأة من الإبل ، فلو أراد أن يأكل لأكل ، ولقد أتاه جبرئيل عليه‌السلام بمفاتيح خزائن الأرض ثلاث مرات يخيره من غير أن ينقص مما أعده الله له يوم القيامة شيئا فيختار التواضع لله ـ إلى أن قال ـ : وإن كان صاحبكم ليجلس جلسة العبد ويأكل أكلة العبد ويطعم الناس خبز البر واللحم ويرجع إلى أهله فيأكل الخبز والزيت » الحديث. محمول (١) على بيان الجواز أو على اقتضاء الوقت ذلك أو غير ذلك.

نعم لا بأس بوضع اليد على الأرض حال الأكل قال الصادق عليه‌السلام في خبر ابن الحجاج (٢) : « رآني عباد بن كثير البصري وأنا معتمد يدي على الأرض فرفعها فأعدتها ، فقال : يا أبا عبد الله إن هذا لمكروه ، فقلت : لا والله ما هو بمكروه ».

وفي خبر الفضيل بن يسار (٣) « كان عباد البصري عند أبي عبد الله عليه‌السلام يأكل ، فوضع أبو عبد الله عليه‌السلام يده على الأرض ، فقال له عباد : أصلحك الله أما تعلم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن ذا؟ فرفع يده فأكل ، ثم أعادها أيضا ، فقال له أيضا ، فرفعها ثم أكل ، فأعادها فقال له عباد أيضا ، فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : والله ما نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن هذا قط ».

وعلى كل حال فالظاهر استثناء ذلك من الاتكاء لو قلنا بدخوله في

_________________

(١) هكذا في النسختين المخطوطتين ، وفي العبارة تشويش ، والصحيح « وهو محمول » أو أن يغير قوله ( قده ) فيما تقدم : « لكن في خبر عمر بن أبي شعبة » هكذا « وما في خبر عمر بن أبي شعبة ... ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ١.

٤٥٩

مطلقه. وفي المسالك احتمال إرادة بيان الجواز من هذه النصوص ، وأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم ينه عنه نهي تحريم.

ونحوه ما في الدروس « ويكره الأكل متكئا ، والرواية بفعل الصادق عليه‌السلام ذلك لبيان جوازه ، ولهذا قال : « ما أكل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله متكئا قط » وروى الفضيل بن يسار جواز الاتكاء على اليد عن الصادق عليه‌السلام وأن رسول الله (ص) لم ينه عنه مع أن في رواية أخرى لم يفعله ، والجمع بينهما أنه لم ينه عنه لفظا وإن كان يتركه فعلا » وفيه أن الموجود في الخبر أنه (ص) لم يأكل متكئا ، لا متكئا على اليد.

نعم يستحب كون الجلوس على الأيسر لما عن الحسن بن علي عليهما‌السلام (١) « في المائدة اثنتا عشرة خصلة يجب على كل مسلم أن يعرفها ، أربع منها فرض ، وأربع منها سنة ، وأربع منها تأديب ، فأما الفرض فالمعرفة والرضا والتسمية والشكر ، وأما السنة فالوضوء قبل الطعام ، والجلوس على الجانب الأيسر ، والأكل بثلاث أصابع ، ولعق الأصابع ، وأما التأديب فالأكل مما يليك ، وتصغير اللقمة ، والمضغ الشديد ، وقلة النظر في وجوه الناس ».

ومنه يستفاد استحباب أمور أخر ، ولا ينافي ما فيه من استحباب الجلوس على الأيسر ما في غيره من النصوص (٢) « أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يأكل أكلة العبد ، ويجلس جلسة العبد ».

وفي خبر آخر (٣) عن الصادق عليه‌السلام قال أمير المؤمنين

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١٢ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب آداب المائدة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ٢.

٤٦٠