جواهر الكلام - ج ٣٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الجواز مطلقا ، لا لما سمعته من المختلف المعارض بما ذكرناه في المكاسب (١) من الإجماع المحكي على عدم جواز الانتفاع بالأعيان النجسة وخبر التحف (٢) بل لظهور النصوص (٣) المزبورة فيه التي لا يحكم ما فيها من النهي عن استعمال ذي الدسم منه على إطلاق غيره بعد ظهور إرادة الإرشاد منه للتحفظ عن النجاسة المانعة عن الصلاة وغيرها ، فتكون النصوص حينئذ جميعها دالة على الجواز مطلقا ، وبه يخرج عن إطلاق معقد الإجماع المحكي وعموم خبر التحف ، كما خرج بالسيرة وغيرها عن ذلك التسميد بالعذرة وغيرها.

كل ذلك مع إجمال الضرورة في كلامهم ، فإن أريد بها ما يسوغ معها تناول المحرم فهو مع خلو النصوص قطعا منها ينبغي عدم الفرق معها بين ذي الدسم وعدمه ، لا بين شعر الخنزير وغيره ، وإن أريد بها مطلق الحاجة فهي إنما توافق المختار من القول بالجواز مطلقا ، ضرورة عدم صلاحية ذلك عنوانا للحرمة ، لعدم انضباطه ، فتأمل جيدا ، والله العالم.

( ويجوز الاستقاء بجلود الميتة ) لما لا يشترط فيه الطهارة ( وإن كان نجسا ) كما في النافع والإرشاد ومحكي النهاية بل وابن البراج ، لأنه قال : الأحوط تركه.

( و ) لكن ( لا يصلى من مائها ) ولا يشرب بلا خلاف ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى النصوص (٤) لنجاسته المقتضية لذلك

_________________

(١) راجع ج ٢٢ ص ١٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يكتسب به ـ الحديث ١ من كتاب التجارة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة والباب ـ ٦١ ـ من أبواب النجاسات ـ من كتاب الطهارة.

٤٠١

( و ) لعدم جواز شربه ، بل ( ترك الاستقاء أفضل ) بل متعين ، لإطلاق ما دل على حرمة الانتفاع بها (١) بل بكل نجس العين إلا ما استثني بالسيرة وغيرها على وجه لا يقاومه ما دل على جواز ذلك بحيث يقيد به كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا (٢) ومن الغريب ما عن الصدوق من أنه لا بأس بأن يجعل جلد الخنزير دلوا يستقى به الماء ، والله العالم.

المسألة ( الثانية : )

( إذا وجد لحم ولا يدري أذكي هو أم ميت ) لعدم أمارة شرعية ( قيل ) والقائل غير واحد ، بل في الدروس كاد يكون إجماعا : ( يطرح في النار ، فان انقبض فهو ذكي ، وإن انبسط فهو ميت ) بل في الرياض حكايته عن بعض الأصحاب والغنية صريحا مؤيدا بفتوى ابن إدريس الذي لا يعمل بأخبار الآحاد ، بل في غاية المراد « لا أعلم أحدا خالف فيه إلا المحقق والفاضل أورداه بلفظ القيل المشعر بالضعف » وإن كان فيه أن الفاضلين في الإرشاد والنافع والقواعد والفخر في الشرح صرحوا بالحرمة.

بل هو صريح الفاضل المقداد في التنقيح وللصيمري في نهاية المرام حاكيا له عن محرر أبي العباس وثاني المحققين في الحاشية والشهيدين في الروضة ، لأصالة عدم التذكية المقطوعة عند الأولين بـ خبر شعيب (٣) عن

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة.

(٢) راجع ج ٥ ص ٢٩٦ ـ ٣٠٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١ عن إسماعيل ابن شعيب.

٤٠٢

أبي عبد الله عليه‌السلام المنجبر سنده بما سمعت وبرواية البزنطي له الذي هو من أصحاب الإجماع « في رجل دخل قرية فأصاب بها لحما لم يدر ذكي هو أم ميت ، قال : يطرحه على النار ، فكلما انقبض فهو ذكي ، وكلما انبسط فهو ميت ».

لكن قد يناقش باستبعاد وجدانه في القرية مطروحا على وجه لا يعلم كونه ميتة باعتبار إعراض أهل القرية واجتنابهم له ولا مذكى باستعمالهم ولو بالتقطيع ونحوه الظاهر في فعل المسلم المحمول على الوجه الصحيح ، فيتجه حمل الخبر المزبور على إرادة رجحان الاستظهار فيما يأخذه من أيدي أهل القرية من اللحم ـ التي يمكن اشتمالها على الذمي وغيره وإن كانت في بلاد الإسلام ومحكوم بكونهم مسلمين ـ حتى يعلم الخلاف ، إذ مفروض المسألة فيما لم يحكم شرعا بكونه مذكى ، ولو لأن عليه أثر الاستعمال في أرض الإسلام الذي هو المراد من المعتبرة (١) التي فيها الصحيح والموثق وغيرهما الدالة على أن « كل شي‌ء يكون فيه حلال وحرام فهو حلال أبدا حتى تعرف الحرام بعينه ».

بل القرية أولى من الحكم بتذكية اللحم الموجود في الطريق ، جمعا بينها وبين القواعد المعتضدة بفتوى الأصحاب وجملة من النصوص التي منها الخبر المزبور المشتمل على مراعاة الإمارة في معرفة المذكى من الميتة وعدم الاكتفاء بالأصل المزبور ، ومنها نصوص المختلط (٢).

نعم لا بأس بالأصل المزبور في غير اللحم ، بل وفيه مع وجود أثر الاستعمال في أرض المسلمين ، كما يدل عليه القوي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (٣) « أنه سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ و ٦٤ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢ من كتاب الصيد والذباحة.

٤٠٣

كثير لحمها وخبزها وجبنها وبيضها وفيها سكين ، قال : يقوم ما فيها ثم يؤكل ، لأنه يفسد ، وليس له بقاء ، فان جاء طالب غرموا له الثمن ، قيل : يا أمير المؤمنين لا ندري سفرة مسلم أو مجوسي ، قال : هم في سعة حتى يعلموا » وليس ذلك إلا للحكم بالتذكية باعتبار الآثار على اللحم في أرض الإسلام المحمول على كونه من المسلم حتى يعلم العدم كما قدمنا الكلام مفصلا في لباس المصلي (١) وغيره (٢).

ولا ريب في أولوية القرية بذلك ، إلا أن يفرض لحم لا أثر للاستعمال عليه معرض عنه فيما بينهم ، فإنه محكوم بكونه ميتة حينئذ.

ومن الغريب ما في الدروس تفريعا على الرواية المزبورة من أنه يمكن اعتبار المختلط بذلك إلا أن الأصحاب والأخبار أهملت ذلك ، إذ قد عرفت الإشكال في مضمون الخبر المزبور ، فضلا عن التعدي منه إلى المختلط المعلوم فيه الميتة الذي هو من الشبهة المحصورة التي يجب اجتنابها ، مع شدة وضوح الفرق بين الموضوعين.

وأغرب منه ما في الرياض من توجيهه بدعوى ظهور الخبر في تلازم علامتي الحل والحرمة للمذكى والميتة من دون أن يكون لخصوص مورد السؤال فيه في ذلك مدخلية ، ولا شبهة فيما ذكره ، لكن يأتي عليه ما قرره ، أي من الإهمال المزبور ، إذ هو كما ترى لا ظهور في الخبر المزبور بذلك ، إذ يمكن كونه علامة ولو للغلبة في خصوص المشتبه بين كون جميعه مذكى أو ميتة ، لا المختلط الذي تطابق النص (٣) والفتوى على اجتنابه ، خصوصا بعد القطع بعدم تحقق العلامة المزبورة في متروك

_________________

(١) راجع ج ٨ ص ٥١ ـ ٥٦.

(٢) راجع ج ٦ ص ٣٤٦ ـ ٣٤٨ وص ١٧٢ من هذا الجزء.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ و ٦٤ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة.

٤٠٤

التسمية أو الاستقبال أو نحوهما من الشرائط التي يكون الذبيحة بها ميتة شرعا ، فالمتجه بناء على العمل بالخبر المزبور الاقتصار على مورده.

نعم لو كان اللحم قطعا متعددة فلا بد من اعتبار كل قطعة على حدة لإمكان كونه من حيوان متعددة ولو فرض العلم بكونه متحدا جاز اختلاف حكمه ، بأن يكون قد قطع بعضه منه قبل التذكية.

ولا فرق على القولين بين وجود محل التذكية ورؤيته مذبوحا ومنحورا وعدمه ، لأن الذبح والنحر بمجردهما لا يستلزمان التذكية ، لجواز تخلف بعض الشروط.

وكذلك لو وجد الحيوان غير مذبوح ولا منحور لكنه مضروب بالحديد في بعض جسده ، لجواز كونه قد استعصى فذكي كيف اتفق ، حيث يجوز في حقه ذلك ، إذ المدار على إمكان كونه مذكى على وجه يباع لحمه.

ثم إنه لو اختبر بالعلامة المزبورة فوجد بعضه ميتا بالانبساط لا يخرج بذلك عن موضوع المشتبه ، ويندرج في موضوع المختلط ، بل يبقى غيره على مقتضى استعمال الامارة فيه ، ضرورة كون المراد بالمختلط الذي أخرجناه عن الحكم المذكور ما كان معلوم الاختلاط بغير الامارة المزبورة كما هو واضح ، والله العالم.

المسألة ( الثالثة : )

( لا يجوز أن يأكل الإنسان من مال غيره ) ولو كان كافرا محترم المال ( إلا بإذنه ) بلا خلاف ، بل الإجماع بقسميه عليه إن لم تكن ضرورة ، والكتاب (١) والسنة (٢) دالان عليه ، بل العقل أيضا.

_________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٣ من كتاب القصاص.

٤٠٥

( و ) لكن ( قد رخص ) كتابا وسنة بل وإجماعا ( مع عدم الاذن في التناول ) في الجملة ( من بيوت من تضمنته الآية إذا لم يعلم منه الكراهية ) وهي قوله تعالى (١) ( لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ ، وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ، وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً ).

قال الحلبي في الصحيح (٢) : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن هذه الآية ما يعنى بقوله ( أَوْ صَدِيقِكُمْ )؟ قال : هو والله الرجل يدخل بيت صديقة ، فيأكل بغير إذنه ».

وقال الصادق عليه‌السلام في خبر زرارة (٣) في قول الله عز وجل ( أَوْ صَدِيقِكُمْ ) : « هؤلاء الذين سمى الله عز وجل في هذه الآية يأكله ( يأكل خ ل ) بغير إذنهم من التمر والمأدوم ، وكذلك تأكل المرأة بغير إذن زوجها ، وأما ما خلا ذلك من الطعام فلا ».

وقال عليه‌السلام أيضا في خبر جميل بن دراج (٤) : « للمرأة أن تأكل وتتصدق ، وللصديق أن يأكل في منزل أخيه ويتصدق ».

وقال زرارة (٥) : « سألت أحدهما عليهما‌السلام عن هذه الآية ، فقال : ليس عليكم جناح فيما طعمت أو أكلت مما ملكت مفاتحه ما لم تفسد ».

_________________

(١) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٦١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ٤.

٤٠٦

وفي مرسل ابن أبي عمير (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في قول الله عز وجل ( أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ ) ، قال : الرجل يكون له وكيل يقوم في ماله فيأكل بغير إذنه ».

وفي صحيح زرارة (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام « سألته عما يحل للرجل من بيت أخيه من الطعام ، قال : المأدوم والتمر ، وكذلك يحل للمرأة من بيت زوجها ».

وفي خبر أبي أسامة (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عز وجل ( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ ) الآية : قال : « باذنه وبغير إذنه ».

وفي مرسل علي بن إبراهيم (٤) « أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله آخى بين أصحابه ، فكان بعد ذلك إذا بعث أحدا من أصحابه في غزاة أو سرية يدفع الرجل مفتاح بيته إلى أخيه في الدين ، فيقول : خذ ما شئت وكل ما شئت ، وكانوا يمتنعون من ذلك حتى ربما فسد الطعام في البيت ، فأنزل الله عز وجل ( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً ) ، يعني حضر أم لم يحضر إذا ملكتم مفاتحه ».

نعم لا خلاف أجده فيما اعتبره المصنف من القيد ، وهو عدم العلم بالكراهة اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن ، بل لعل الإطلاق المزبور كتابا وسنة منصرف إلى غيره ، بل قيل : يكفي معرفة الكراهة ولو بالقرائن الحالية المفيدة للظن الغالب بها.

بل في كشف اللثام « إن لم يعلم أو يظن منه كراهية الأكل كما لو نهى عنه صريحا أو شهد مقاله أو حاله بالكراهة ، وهذا الشرط معلوم بالإجماع والنصوص » وظاهره الاكتفاء بمطلق الظن فضلا عن الغالب

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب آداب المائدة الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب آداب المائدة الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب آداب المائدة الحديث ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب آداب المائدة الحديث ٨.

٤٠٧

بل هو ظاهر غيره أيضا. بل في مجمع البرهان « أن الاكتفاء بذلك أمر ظاهر ».

قلت : لعل وجهه أن الآية مسوقة لبيان الاكتفاء في حل التناول بالقرائن المزبورة التي مقتضى العادة فيها ذلك ، فهي حينئذ أمارة أذن الشارع بالأخذ بها ، إلا أن الظاهر انسياقها إلى ما هو المتعارف من كون ذلك دالا على الاذن ولو ظنا ، لا مع العلم أو الظن بالعدم ولو لأمارة ترجح على الأمارة المزبورة في الدلالة على العدم.

بل قد يتوقف في صورة الشك الناشئ من تعارض الأمارتين ، لأصالة حرمة التناول ، والأدلة إنما هي منساقة لغيرها كما عرفت ، ولا ينافي ذلك استفادة إذن شرعي من الآية على وجه استثني من القاعدة ، ضرورة أنه لولاها لم يكن له الأخذ بما تدل عليه القرائن المزبورة.

هذا ولكن في الرياض « لا ريب في أن الاكتفاء بالمظنة أحوط وإن كان في تعينه نظر بعد إطلاق الكتاب والسنة المستفيضة بجواز الأكل من غير إذن الشامل لصورة الظن بعدمه ، بل لصورة العلم بعدمه أيضا ، إلا أنها خارجة بالإجماع ظاهرا ، وليس على إخراج الصورة الأولى منعقدا ، لتعبير كثير كالحلي عن الشرط بشرط أن لا ينهاه المالك ».

وفيه ما عرفت من انسياق الإطلاق إلى غير الفرض ، خصوصا صورة غلبة الظن التي يطلق عليها العلم كثيرا ، فتأمل جيدا.

ثم إن مقتضى الإطلاق كتابا وسنة وفتوى عدم الفرق في المأكول بين ما يخشى فساده وعدمه ، خلافا لما عن المقنع من التقييد بذلك ، كالبقول والفواكه ، كما في كشف اللثام ، ولشاذ غير معروف على ما في الرياض ، فقيده بالأول ، ولم نعرف له شاهدا ، بل ما سمعته شاهد على خلافه ، خصوصا نصوص التمر (١) التي من المعلوم

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ٢ و ٦.

٤٠٨

عدم خوف فساده.

بل في الرياض وقريب من ذلك ما في الفقه المنسوب إلى الرضا عليه‌السلام (١) « لا بأس للرجل أن يأكل من بيت أبيه وأخيه وامه وأخته أو صديقه ما لا يخشى عليه الفساد من يومه بغير إذنه ، مثل البقول والفاكهة وأشباه ذلك ». وإن كان فيه أن الظاهر إرادة الوصف من قوله : « يخشى عليه الفساد » لقوله : « ما لا » فيكون شاهدا لما سمعته من المقنع الذي يعبر بعبارته غالبا ، حتى قيل إنه من مصنفاته ، ولكن يسهل الخطب عدم حجيته عندنا.

ومن الغريب ما في كشف اللثام من الاستدلال له بخبر زرارة (٢) الذي قد عرفت دلالته على خلافه باعتبار اشتماله على التمر. وعلى كل حال فلا ريب في ضعف القول المزبور.

نعم قد يقال بالاختصاص بما يعتاد أكله دون نفائس الأطعمة التي تدخر غالبا ولا تؤكل شائعا ، بناء على انسياق الإطلاق إلى ذلك أو على مراعاة قاعدة الاقتصار ، خصوصا بعد ما حكي عن بعضهم أنه يفهم منه ذلك.

نعم لم أجد قائلا باختصاص التمر والمأدوم ، وإن كان ظاهر ما سمعته من الخبرين (٣) ذلك ، مع ما قيل من احتمال أن يراد بـ قوله عليه‌السلام : « ما خلا ذلك » في خبر زرارة الإشارة إلى غير البيوت المزبورة ، وحينئذ فلا صراحة فيه بالحرمة وإن كان هو كما ترى ، نحو ما قيل من أن الرواية الأخرى لا تدل على عدم حل غيرهما إلا بمفهوم

_________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ٢ و ٦.

٤٠٩

اللقب الذي هو ليس بحجة ، والأولى من ذلك كله القول بعدم صلاحيتهما لتقييد إطلاق غيرهما من الكتاب (١) والسنة (٢) والفتاوى.

وكذا لا فرق بمقتضى الإطلاق المزبور بين كون الدخول بالاذن وعدمه خلافا للمحكي عن ابن إدريس ، فقيد جواز الأكل بالأول ، والإطلاق حجة عليه ، لكن في التنقيح « لابن إدريس أن يقول الأكل في البيت يستلزم الدخول فيه ، واللازم منهي عنه إجماعا إلا بالإذن فكذا الملزوم ، وهو الأكل. وأما مع إذن الدخول فلا ينهض الدليل ، لأن اللازم وهو الدخول ليس بمنهي عنه ، فلا يكون الأكل منهيا عنه ، وأيضا الأصل تحريم أكل مال الغير بغير إذنه ، خرج ما خرج بالاتفاق ، فيبقى الباقي على أصله ، وهو التحريم ، وأيضا إذن الدخول قرينة دالة على إذن الأكل ، وحيث لا إذن فلا قرينة ، لأن الأكل محرم بالأصل ».

ورده في الرياض بأن « النهي عن الدخول بغير إذن على تقدير تسليمه هنا لا يستلزم النهي عن الأكل بعد حصوله ، والتلازم بين النهيين غير ثابت ، وما ذكره من أن الأصل تحريم مال الغير ـ إلى آخره ـ مسلم إلا أن المخصص له في المسألة من إطلاق الكتاب والسنة موجود ، والتمسك بالأصل معه غير معقول ، وما ذكره من أن إذن الدخول قرينة ـ إلى آخره ـ فيه أولا منع كونه قرينة ، لعدم التلازم بين الأذنين قطعا وثانيا على تقدير تسليمه نقول : إن عدم الإذن الأول لا يستلزم عدم الإذن الثاني ، ولو استلزم فلا ضير فيه بعد الاتفاق ـ حتى منه ـ على أن مبنى المسألة جواز الأكل من دون إذن ولا رخصة ، فأي ضرر في عدمه ، وإن هذا منه إلا إرجاع المسألة المستثناة عن قاعدة النهي عن أكل مال الغير إلا

_________________

(١) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٦١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب آداب المائدة.

٤١٠

باذنه إليها ، وحينئذ لا يترتب على استثنائها فائدة أصلا ، وهو مخالف للاتفاق فتوى ودليلا ».

قلت : هو جيد في الجملة ، إلا أن الانصاف مع ذلك كله أن يقال : إن الإطلاق منصرف إلى ما هو متعارف من حصول شاهد الحال بالإذن في الدخول والأكل ، وأنهما على حد سواء في ذلك ، أما لو فرض تصريحه بعدم الاذن في الدخول أو فهم من حاله ذلك لا يحل له الأكل حينئذ بعد فرض إثمه بالدخول ، لعدم انصراف الاذن في الآية إلى المفروض ، خصوصا بعد ما عرفت من انصرافها إلى المتعارف الذي هو غير ذلك ، كما هو واضح.

ولعل هذا أولى مما ذكره له في كشف اللثام بعد أن حكى قوله ورده بعموم الآية قال : « ولكن له أن يقول : إنها إنما أذنت في الأكل لا في الدخول ، والأصل حرمته إلا بالإذن ، فإذا دخل بغير إذن وجب عليه الخروج ، فيحرم عليه اللبث للأكل ، وأما حرمة الأكل فلا دليل له ظاهرا ، فإنه لا يستلزم اللبث وإن فعله لابثا » إذ هو مع أنه كما ترى يمكن مناقشته باقتضاء حرمة الكون حرمة الأكل الذي هو تصرف في فضاء الدار ، إذ هو حينئذ كأكل الغاصب ماله في الدار المغصوبة.

ثم قال : « ويمكن أن يقال : إنها إذا أذنت في الأكل أذنت في ما دونه بطريق أولى ، ودخول البيت دونه ». وفيه أيضا ما لا يخفى ، خصوصا بعد ملاحظة النهي في غيرها (١) عن دخول بيت الغير مع عدم وجدان أحد فيها وعدم الاستئناس.

والتحقيق ما عرفت من كون المراد بالآية الإذن فيما هو متعارف بين الناس من دخول القريب الدور المذكورة والأكل فيها من دون إذن.

_________________

(١) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٢٧.

٤١١

ثم إن الظاهر أولوية بيوت الأولاد من المذكورين ، خصوصا بعد استفاضة النصوص (١) في توسعة الأمر بالنسبة للوالد ، وأن الولد وماله لأبيه و « أن أطيب ما يأكل الرجل من كسبه وأن ولده من كسبه » (٢) ويمكن تركه لظهوره ، مع احتمال كونه المراد من ( بُيُوتِكُمْ ) في الآية ولو بإرادة الأعم الشامل له ، ولا ينافي ذلك معلومية إباحة بيت الإنسان نفسه له بعد ما ذكر من احتمال كون الوجه في ذكر ذلك مع البيوت المزبورة بيان اتحادها معه وأنها بمنزلة بيته ( و ) الأمر سهل.

ثم إن الظاهر إرادة الرخصة في الأكل فيها ، فـ ( لا يحمل منه ) للأكل في غيرها إلا ما كان متعارفا من الشي‌ء اليسير المتشاغل في أكله ولو بعد الخروج عنها ، نعم لا يتعدى إلى غير ذلك من أموالهم ، اقتصارا فيما خالف الأصل المزبور على المتيقن وإن كان هو أقل مما يتلفه بالأكل ول قوله عليه‌السلام (٣) فيما مضى : « وأما ما خلا ذلك من الطعام فلا ». بل الظاهر عدم التعدية إلى المأكول في غير البيوت لقاعدة الاقتصار وغيرها.

نعم قد ذكر غير واحد أنه يرخص فيما يدل عليه الأكل بمفهوم الموافقة كالشرب من مائه والوضوء به ، أو دل عليه بالالتزام ، كالكون بها حالته ، وهو جيد إلا في دعوى فهم الوضوء ونحوه.

نعم لا بأس بدخول البيوت لغير الأكل أو الكون بها بعده أو قبله للسيرة ، ولأنه المفهوم من الرخصة المزبورة على معنى أنه لا جناح عليكم في الدخول ولا في الأكل.

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٨ ـ من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة.

(٢) سنن البيهقي ـ ج ٧ ص ٤٧٩ و ٤٨٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ٢.

٤١٢

والمراد بالآباء والأمهات ما يشمل الأجداد والجدات الذين هم أولى من الأعمام والعمات ، للسيرة أيضا ، ولانسياق ذلك من الجمع هنا.

وأما ( ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ ) فقيل : هو العبد ، وقيل : من له عليه ولاية ، وقيل : ما يجده الإنسان في داره ولا يعلم به ، وقد سمعت ما في المرسل (١) الذي هو كالصحيح من أنه « الرجل له وكيل يقوم في ماله ويأكل بغير إذنه » وقريب منه ما سمعته في مرفوع علي بن إبراهيم (٢).

وفي الرياض « أن العمل بهما حسن ، إلا أن حصر الفرد فيما تضمناه مشكل ، بل ينبغي الرجوع فيه إلى العرف ». وفيه أن من القطوع عدم إرادة معناه حقيقة على وجه يكون عنوانا للرخصة كي يرجع في معناه إلى العرف ، بل المراد به المعنى الكنائي ، ولا يبعد إن لم يكن إجماعا على عدمه إرادة ما تحقق فيه الاذن من ملك المفاتيح الذي هو كناية عرفية على إطلاق التصرف ، كما سمعته في المرفوع ، وحينئذ يكون المراد بالآية بيان الرخصة للأكل من البيوت المزبورة من دون تحقق إذن مخصوصة وبيانها فيما تحقق الاذن في غيرها من البيوت ، فلا يكون حينئذ مملوك المفاتيح من البيوت التي يصح الأكل منها من غير إذن من صاحبه.

نعم يتجه الرجوع إلى العرف في الصديق الذي لا حقيقة له شرعية كما أومأ إليه في الصحيح (٣) « ما يعنى بقوله ( أَوْ صَدِيقِكُمْ )؟ قال : هو والله الرجل يدخل بيت صديقه فيأكل بغير إذنه » بناء على أن المراد منه الإيكال إلى العرف جوابا عن السؤال.

وعلى كل حال فلا يلحق بالنسب الرضاع هنا ، لقاعدة الاقتصار

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ١.

٤١٣

بعد انسياق خصوص النسب ، والله العالم.

( وكذا ) يستثنى من القاعدة المزبورة أكل ( ما يمر به الإنسان من ) ثمر ( النخل ) على المشهور بالشرائط المذكورة في محلها الذي منها عدم الكراهة ( وكذا الزرع والشجر على تردد ) من المصنف هنا فيهما ، وإن جزم بالجواز في بيع الثمار الذي قد مر فيه تفصيل الكلام في المسألة مشبعا (١) فلاحظ وتأمل ، والله العالم.

المسألة ( الرابعة : )

( من تناول خمرا أو شيئا نجسا ) فضلا عن أن يكون متنجسا ( فبصاقه طاهر ما لم يكن متلوثا بالنجاسة ) بلا خلاف أجده فيه ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه ، لأصالة الطهارة المقتصر في الخروج عنها على صورة التغيير بالإجماع وإطلاق الأدلة بلزوم الاجتناب عن تلك العين النجسة ، وإنما لم ينجس البصاق بالملاقاة مع كونه مائعا لعدم الدليل على التنجس بها مطلقا ، بل قيل : لا دليل على نجاسة كل مائع كليا إلا الإجماع ، وهو مخصوص بالمائعات الظاهرة لا الباطنة ، بل صرحوا بعدم نجاستها مطلقا ، لأنها من توابع الباطن الذي هو كذلك ، نعم قد يمنع ذلك بالنسبة إلى بعض أجزاء الغذاء المختلف في الفم إذا أصابته عين النجاسة.

كل ذلك مضافا إلى خبر أبي الديلم (٢) عن الصادق عليه‌السلام المنجبر بالعمل وبرواية من أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه له

_________________

(١) راجع ج ٢٤ ص ١٢٧ ـ ١٣٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١ من كتاب الطهارة.

٤١٤

وفيه « رجل شرب الخمر فبزق فأصاب ثوبي من بزاقه ، قال : ليس بشي‌ء ».

( وكذا ) الكلام فيما ( لو اكتحل بدواء نجس فـ ) ان ( دمعة طاهر ما لم يتلون بالنجاسة ) على وجه تكون فيه أجزاء النجاسة ، بل النجس منه مع كونه في الباطن خصوص تلك الأجزاء ، لا ما لاقاها من دمعة ، لما عرفت من عدم تنجس البواطن ، لظهور أدلة التنجيس في غيرها.

( ولو جهل تلونه فهو على أصل الطهارة ) وحينئذ فكلما أصاب ثوبا أو غيره ولم يعلم استصحابه جزء من أجزاء النجاسة لم يحكم بنجاسة ما أصابه وإن علم تلوث البزاق في الفم. وبالجملة لا يشترط في الحكم بالطهارة العلم بزوال عين النجاسة عن الفم والعين ، فما في كشف اللثام من احتمال العلم باشتراط ذلك ضعيف ، كما هو واضح ، والله العالم.

المسألة ( الخامسة : )

( الذمي إذا باع خمرا أو خنزيرا ) على مثله في الاستحلال بحيث ملك الثمن عليه ( ثم أسلم ولم يقبض الثمن فله قبضه ) بعد إسلامه للحكم بصحة العقد وإقرارهم عليه المستلزم لاستحقاق العوض ، كما إذا أسلم بعد قبضه وبقاء العين في يده ، وما في الأخبار (١) من تحريم ثمنها لو بقي على عمومه لحرم وإن كان قبضه حين الكفر ، ولحرم على المسلم أخذه من الكافر وفاء مثلا عن دين له عليه ، وهو معلوم الفساد نصا وفتوى.

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة.

٤١٥

ففي صحيح محمد بن مسلم (١) عن الباقر عليه‌السلام « في رجل كانت له على رجل دراهم فباع خنازير أو خمرا وهو ينظر فقضاه ، قال : لا بأس ، أما للمقضي فحلال ، وأما للبائع فحرام ».

ومنه يعلم ما قررناه غير مرة من أن المراد بصحة العقد بالنسبة إليه وملكه نفس إجراء حكم الصحة والملك عليه ، باعتبار كونهم مقرين على ذلك ، لا أنه ملك حقيقة ، وعلى هذا تحمل النصوص (٢) المزبورة الدالة على حرمة ثمنها ، كما أوضحناه في غير المقام وإن اشتبه ذلك على بعض الأعلام ، بل في كشف اللثام هنا بعض ذلك أيضا ، فلاحظ.

وعلى كل حال فلا ريب في أنه محكوم بملكه له عليه باعتبار الإقرار المزبور على ما عنده من الأحكام التي منها ملك ثمن الخمر ، فهو كالمال الذي قبضه ثمنا عنها ثم أسلم ، فله حينئذ مطالبته به وقبضه ، كما أن لنا تناوله منه قبل إسلامه فضلا عما بعد إسلامه الذي يجب ما قبله.

وفي الرياض ربما استأنس للحكم المزبور بـ ما ورد في كتاب المهور من الخبر (٣) « النصراني يتزوج النصرانية على ثلاثين دنا من خمر وثلاثين خنزيرا ثم أسلما بعد ذلك ولم يكن قد دخل بها ، قال : ينظر كم قيمة الخمر وكم قيمة الخنزير فيرسل بها إليها ، ثم يدخل عليها ».

وفيه أنه لا انس به ، وقد مر تفصيل الكلام في ذلك في كتاب النكاح (٤) بل وغيره من الكتب السابقة ، ومنه يعلم الحال فيما لو كان قد أسلف في خمر مثلا ثم أسلم ، وغير ذلك من فروع المسألة ، فلاحظ وتأمل.

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب ما يكتسب به ـ الحديث ٢ من كتاب التجارة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب ما يكتسب به ـ من كتاب التجارة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب المهور ـ الحديث ٢ من كتاب النكاح.

(٤) راجع ج ٣١ ص ٩ ـ ٣١.

٤١٦

والأولى الاستدلال بالمروي عن يونس (١) « عن مجوسي باع خمرا أو خنازير إلى أجل مسمى ثم أسلم قبل أن يحل المال ، قال : له دراهمه » والله العالم.

المسألة ( السادسة : )

( يحل ( يطهر خ ل ) الخمر إذا انقلبت خلا ، سواء كان ( انقلابها خ ) بعلاج أو من قبل نفسها ، وسواء كان ما يعالج به عينا باقية أو مستهلكة ، وإن كان يكره العلاج ، ولا كراهية فيما ينقلب ، من نفسه ، ولو ألقى في الخمر خلا حتى يستهلكه لم يحل ولم يطهر ، وكذا لو ألقى في الخل خمرا فاستهلكه الخل).

( وقيل ) والقائل الشيخ في محكي النهاية وتبعه غيره ( يحل إذا ترك حتى يصير الخمر ) الملقى ( خلا ) أو المأخوذ منه ( ولا وجه له ) يعتد به ، كما تقدم الكلام في ذلك كله وغيره مفصلا في كتاب الطهارة (٢) فلاحظ وتأمل.

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب ما يكتسب به ـ الحديث ٢ من كتاب التجارة.

(٢) راجع ج ٦ ص ٢٨٤ ـ ٢٩٢.

٤١٧

المسألة ( السابعة )

لا خلاف ولا إشكال في جواز استعمال أواني الخمر الصلبة التي لا ينفذ فيها بعد تطهيرها منه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى عموم الأدلة وخصوصها.

نعم قال الشيخ وتبعه عليه غيره ( أواني الخمر ) الرخوة التي ينفذ فيها المتخذة ( من الخشب والقرع والخزف غير المغضور لا يجوز استعمالها ، لاستبعاد تخلصها ) منه باعتبار سرعة نفوذه فيها ، للطافته ولبعض النصوص (١).

( و ) لكن ( الأقرب الجواز بعد إزالة عين النجاسة وغسلها ) بالقليل أو الكثير مرة واحدة أو ( ثلاثا ) أو سبعا على الخلاف المتقدم في كتاب الطهارة (٢) هو وتفصيل المسألة وذكر النصوص (٣) فيها على وجه لم يبق معه إشكال في جواز الاستعمال.

بل قد ذكرنا هناك أن النصوص المزبورة لا تدل على الكراهة فضلا عن الحرمة ، لكونها مساقة للمنع عن الانباذ فيها المحلل ، مخافة صيرورته به خمرا ولو باعتبار ما في الإناء من الرائحة ، لا لجواز استعمالها بعد الغسل الذي لو سلم عدم نفوذ الماء في أجزائه التي تخللها الخمر لا يمنع من حصول التطهير به لما يصل إليه منها ، فان تطهير الباطن وغسله يحصل بوصول الماء إليه كما في المحشو والملبد ونحوهما ، فيبقى ما لا يصل إليه منها

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٢ من كتاب الطهارة.

(٢) راجع ج ٦ ص ٣٥٢ ـ ٣٥٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الأشربة المحرمة.

٤١٨

على النجاسة دون غيره ، ولا تسري نجاسته ، لكون الجزء الملاقي له تحققت طهارته بتحقق غسله ، فهو كما لو غسلت بعض الجسم المتنجس وبقي الباقي منه ، فإنه يطهر ذلك المغسول وإن كان متصلا بالمتنجس إلا أنه اتصال مغسول حصل طهارته بتحقق الغسل فيه بغيره مما لم يحصل فيه مسمى الغسل ، ومثله لا يقتضي التنجيس عندنا ، لأن السراية بهذا المعنى ليست من مذهبنا كما هو واضح ، فتأمل.

المسألة ( الثامنة )

لا خلاف معتد به في أنه ( لا يحرم شي‌ء من الربوبات والأشربة ) من السكنجبين والجلاب ونحوهما عدا ما عرفت ( وإن شم منه رائحة المسكر كرب الرمان والتفاح ) والسفرجل والتوت وغيرها ( لأنه لا يسكر كثيره ) وللإجماع بقسميه عليه والأصل والنصوص (١) التي تقدمت هي وغيرها من أدلة المسألة في كتاب الطهارة (٢).

نعم قد يحرم بالعارض ، كما إذا أدى ذلك إلى التهمة بشربه ، وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) « أنه شرب يوما عسلا فقالت له بعض زوجاته : إني أشم منك رائحة الخمر ، فقال : إني شربت عسلا ، فآلى على نفسه أن لا يشرب من ذلك بعد ذلك » والله العالم.

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الأشربة المحرمة.

(٢) راجع ج ٦ ص ٣٧ ـ ٣٨.

(٣) البحار ـ ج ٦٦ ص ٢٩٢ مع الاختلاف في اللفظ ، وفيه « ريح المغافير » راجع البحار ج ٢٢ ص ٢٢٩ الطبع الحديث.

٤١٩

المسألة ( التاسعة : )

( يكره أكل ما باشره الجنب والحائض إذا كانا غير مأمونين ، وكذا يكره أكل ما يعالجه من لا يتوقى النجاسات ) ولا يحرم شي‌ء من ذلك وإن ظن نجاسته على الأصح ، كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا في كتاب الطهارة (١) والله العالم.

( و ) كذا يكره ( أن يسقي الدواب شيئا من المسكرات ) لخبر أبي بصير (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن البهيمة والبقرة وغيرها تسقى أو تطعم ما لا يحل للمسلم أكله أو شربه أيكره ذلك؟ قال : نعم يكره ذلك » المراد منه معناها المصطلح لا الحرمة ، كخبر غياث (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إن أمير المؤمنين عليه‌السلام كره أن تسقى الدواب الخمر ».

وفحوى ما دل على النهي عن سقيها الطفل قال الصادق عليه‌السلام في خبر أبي الربيع (٤) : «. لا يسقيها عبد لي صبيا ولا مملوكا إلا سقيته مثل ما سقاه من الحميم يوم القيامة معذبا بعد أو مغفورا له ».

وخبر عجلان (٥) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : المولود يولد فنسقيه الخمر ، فقال : ألا من سقى مولودا مسكرا سقاه الله من الحميم وإن غفر له ».

وخبره الآخر (٦) عنه عليه‌السلام أيضا ، قال : « يقول

_________________

(١) راجع ج ١ ص ٣٧٧ ـ ٣٨١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ٣.

٤٢٠