جواهر الكلام - ج ٣٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

( ولو وقع قليل من دم (الدم خ ل) ) نجس ( النجس خ ل ) ( كالأوقية فما دون في قدر وهي تغلي على النار ) فقد روي بل ( قيل ) : إنه ( حل مرقها إذا ذهب الدم بالغليان ) ففي صحيح سعيد الأعرج (١) عن الصادق عليه‌السلام « سألته عن قدر فيها جزور وقع فيها قدر أوقية من دم أيؤكل؟ قال : نعم ، فان النار تأكل الدم ».

وفي خبر زكريا بن آدم (٢) « سألت الرضا عليه‌السلام عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم ومرق كثير ، قال : يهراق المرق أو يطعمه أهل الذمة أو الكلاب ، واللحم اغسله وكله ، قلت : فان قطر فيه الدم. قال : الدم تأكله النار إنشاء الله ».

وعن المفيد والشيخ في النهاية والديلمي والتقي العمل بهما ، بل عن المفيد والديلمي عدم التقييد بالقليل ، كما أن المحكي عن الأخير عدم الفرق بين الدم وغيره من النجاسات ، وإن كان يرده ـ مضافا إلى الإجماع المحكي عن التحرير والدروس ، بل لعله الظاهر من غيرهما ـ صريح الخبر المزبور المشتمل على الفرق بينهما ، ومنه يعلم عدم إرادة التعدية في التعليل.

( و ) على كل حال فـ ( من الأصحاب ) وهو الحلي وتبعه المتأخرون ( من منع الرواية ، وهو حسن ) لشذوذ الأولى بل قيل وضعفها وإن كان الأصح خلافه ، وضعف الثانية مع عدم الجابر ، بل عن القميين رمي بعض رواتها بالغلو ووضع الأحاديث.

بل في كشف اللثام « أن شيئا منهما لا يدل على جواز الأكل قبل الغسل ، وإنما ذكر فيهما أن النار تأكل الدم دفعا لتوهم السائل أنه لا يجوز الأكل وإن غسل ، لأن الدم ثخين يبعد أن تأكله النار ، فهو ينفذ في

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ١.

٣٨١

اللحم ، فلا يجدي الغسل ، ويمكن تنزيل كلام الشيخين عليه ، ففي المقنعة وإن وقع دم في قدر تغلي على النار جاز أكل ما فيها بعد زوال عين الدم وتفرقها بالنار ، وإن لم تزل عين الدم منها حرم ما خالطه الدم وحل منها ما أمكن غسله بالماء ، وفي النهاية فإن حصل فيها شي‌ء من الدم وكان قليلا ثم غلى جاز أكل ما فيها ، لأن النار تحيل الدم ، وإن كان كثيرا لم يجز أكل ما وقع فيه » ولا بأس به وإن أمكن مناقشته في الاحتمال والتنزيل.

لكن على كل حال لا يخرج بهما عن قاعدة نجاسة المائع بالملاقاة وعدم طهره بالغليان ، بل لعل التعليل في الخبر المزبور (١) يرشد إلى وقوع ذلك من الامام عليه‌السلام على وجه الإقناع لمصلحة من المصالح ، كالموافقة لبعض روايات العامة أو بعض مذاهبهم ، ضرورة عدم مدخلية أكل النار للدم طهارة المرق (٢) الملاقي له ، على أنه يقتضي التعدية إلى سائر المائعات غير المرق ، ولا أظن القائل يلتزمه ، كما أنه لا يلتزم اشتراط بقاء القدر يغلي بالنار إلى أن يعلم أكل النار له ، إلى غير ذلك مما لا يصلح انطباق التعليل المزبور عليه.

ولعله لذا حكي عن الفاضل حمل ذلك على الدم الطاهر ، وإن نوقش بأنه لا يناسبه التعليل المزبور بناء على حرمة أكله ، لأن استهلاكه في المرق إن كفى في حله لم يتوقف على النار ، وإلا لم تؤثر النار في حله لكن يدفعه احتمال كون مراد القائل أن التعليل حينئذ إقناعي تكفي فيه أدنى مناسبة ، وهي إرادة بيان عدم النفرة من الدم المزبور المستخبث وإن كان طاهرا يأكل النار له ، والله العالم.

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢.

(٢) هكذا في النسختين المخطوطتين المسودة والمبيضة ، والصحيح « في طهارة المرق ».

٣٨٢

هذا كله في المرق ( أما ما هو جامد كاللحم والتوابل فلا بأس به إذا غسل ) لإطلاق ما دل (١) على تطهير المتنجس بالغسل الشامل للمقام ، مضافا إلى الخبر (٢) السابق وغيره ، وغليانه بالمرق المتنجس لا يمنع ذلك ، إذ يمكن تجفيفه ثم غسله ، خلافا للمحكي عن القاضي من أنه مع كثرة النجاسة وكونها خمرا لا يؤكل شي‌ء مما في القدر ، سواء كان مائعا أو غيره ، ولا ريب في ضعفه ، بل يمكن دعوى الإجماع على خلافه ، كما لعله يظهر من بعض ، وشدة نفوذ الخمر لا تمنع الطهارة بالغسل.

ولا فرق في الغسل بين كونه بالقليل أو الكثير ، للإطلاق. اللهم إلا أن يكون من التوابل ما لا يقبل التطهير ، لكن عن التنقيح ينبغي غسله بالكثير ، ولا يخلو من نظر إن أراد الشرطية مطلقا.

( الثالث : كلما حصل فيه شي‌ء من النجاسات كالدم أو البول أو العذرة ) أو غيرها مما تقدم تفصيلها في كتاب الطهارة أو المتنجس بها حتى الميت قبل غسله ، بناء على ما هو الأصح من تعدي نجاسته ، وعلى كل حال ( فان كان مائعا حرم ) بلا خلاف ولا إشكال ، لصيرورته نجسا بذلك ( وإن كثر ) ولا إشكال في حرمة تناول النجس ذاتا أو عرضا.

( ولا طريق إلى تطهيره ) ما عدا الماء منه في ظاهر الأصحاب كما اعترف به في كشف اللثام ، بل عن السرائر الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد الأصل ، لعدم تحقق الغسل فيه عرفا ، وعدم ثبوت تطهيره بالملاقاة للكثير أو امتزاجه به مع فرض عدم انقلابه إلى الماء الذي ثبت

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ و ٣ و ٥ و ٧ ـ من أبواب النجاسات من كتاب الطهارة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ١.

٣٨٣

تطهيره بذلك ، وإطلاق الطهورية لا يفيد الكيفية ، كما أشبعنا الكلام فيه في كتاب الطهارة (١) وفي ضعف ما يحكى عن العلامة من القول بطهارته مطلقا أو الدهن منه بتخلل الماء الكثير في أجزائه بحيث يعلم وصوله الأجزاء فلاحظ وتأمل ، بل إطلاق النصوص دال على بطلانه.

لكن في كشف اللثام هنا « ولا يبعد عندي الفرق بين الأدهان وغيرها ، فيحكم بطهر الأدهان دون غيرها وإن رأى الأكثر أن طهر الأدهان أبعد ، وذلك لأنها لدسومتها بعد ما تتفرق في الماء تطفو عليه بخلاف سائر المائعات ».

وفيه أنه لا يجدى تفرقها مع عدم انقلابه إلى الماء الذي ثبت تطهيره بالملاقاة دون غيره من أجزاء المائع ، فإن كل جزء يفرض وإن ضعف لم يحصل له مطهر شرعا ، فهو حينئذ كأجزاء نجس العين بالنسبة إلى ذلك ، والله العالم.

( وإن كان له ) أي المائع ( حالة جمود فوقعت النجاسة فيه جامدا كالدبس الجامد والسمن والعسل ألقيت النجاسة وكشط ما يكتنفها والباقي حل ) بلا خلاف فيه نصا وفتوى ، ولا إشكال.

قال أبو جعفر عليه‌السلام في صحيح زرارة : « إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت فان كان جامدا فألقها وما يليها ، وكل ما بقي ، وإن كان ذائبا فلا تأكله ، واستصبح به ، والزيت مثل ذلك ».

وقال الحلبي في الصحيح : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الفأرة والدابة تقع في الطعام والشراب فتموت فيه ، فقال : إن كان سمنا أو عسلا أو زيتا فإنه ربما يكون بعض هذا فان كان الشتاء

_________________

(١) راجع ج ٦ ص ١٤٧.

٣٨٤

فانزع ما حوله وكله ، وإن كان الصيف فارفعه حتى يسرج به ، وإن كان بردا فاطرح الذي كان عليه ، ولا تترك طعامك من أجل دابة ماتت عليه » إلى غير ذلك من النصوص.

بل الظاهر أن الأمر فيها بطرح ما حوله بناء على علوق أجزاء منه حالة جموده بالميتة ، وإلا فلو فرض أن له حالة جمود على وجه لم تعلق منه أجزاء لم يجب طرح ما حوله أيضا ، لعدم التنجس ، ضرورة كونه من اليابس المحكوم بكونه ذكيا ، وهو واضح ، كوضوح كون المرجع في الجمود والذوبان إلى العرف ، والله العالم.

( ولو كان المائع ) المتنجس بملاقاة النجاسة ( دهنا جاز الاستصباح به تحت السماء ) بلا خلاف ولا إشكال ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى الأصل وإطلاق النصوص (١).

( و ) المشهور بل عن بعضهم دعوى الإجماع عليه أنه ( لا يجوز تحت الأظلة ) لكن إطلاق النصوص (٢) يقتضي خلافه ، بل في كشف اللثام « لم نظفر بخبر مفصل ولا ناه عن الاستصباح مطلقا أو تحت الأظلة ».

قلت : ولعله لذا حكي عن الشيخ جوازه صريحا ، وعن ابن الجنيد ظاهرا ، بل عن الفاضل في المختلف الجواز أيضا مطلقا ، إلا أن يعلم أو يظن بقاء شي‌ء من عين الدهن ، فيحرم تحت الظلال وإن كان في استثنائه نظر واضح ، كما تقدم الكلام فيه مفصلا في المكاسب (٣).

( و ) على كل حال فعلى تقدير عدم الجواز فـ ( هل ذلك لنجاسة دخانه؟ الأقرب لا ) وفاقا لظاهر الأصحاب ( بل هو تعبد ) محض مع فرض وجود دليل عليه ( و ) ذلك لأن ( دواخن الأعيان

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة.

(٣) راجع ج ٢٢ ص ١٥ و ١٦.

٣٨٥

النجسة ) والمتنجسة ( عندنا طاهرة ، وكذا كل ما أحالته النار فصيرته رمادا أو دخانا ) بل أو فحما ( على تردد ) وخلاف تقدم الكلام فيه في محله (١) مفصلا.

وما عن مبسوط الشيخ من أنه لا بد أن يتصاعد من أجزاء الدهن ـ قبل إحالة النار له ـ بسبب السخونة المكتسبة من النار ، فإذا لقي الظلال أثر بنجاسته ، وكأنه الوجه فيما سمعته من استثناء الفاضل في المختلف ، وليس خلافا في ذلك ، مع أنه يمكن منعه عليه. ومع تسليمه فلا دليل على تحريم تنجيس ذلك ، اللهم إلا أن يكون ذلك من الإسراف باعتبار تنقيص منفعة المال بتنجيسه على وجه يتعذر أو يتعسر تطهيره.

ثم إن الظاهر إرادة ما عدا النفط ونحوه من الدهن والزيت في النصوص ، كما أن الظاهر إلحاق الجامد المتنجس بالمائع فيه.

ثم إنه قد يظهر من المصنف وغيره عدم جواز الانتفاع به في غير ذلك ، كطلي الأجرب ونحوه ، وهو مبني على عدم جواز الانتفاع بالنجس والمتنجس الذي لم يقبل التطهير إلا ما خرج بدليل خاص ولو سيرة ونحوها إلا أنه لا يخلو من بحث ، وقد أشبعنا الكلام فيه في المكاسب (٢) أيضا وقلنا : إن العمدة في ذلك الإجماع المحكي وخبر تحف العقول عن الصادق عليه‌السلام (٣) فلاحظ وتأمل.

( و ) كيف كان فلا خلاف نصا وفتوى في أنه ( يجوز بيع الأدهان النجسة ) عارضا ( ويحل ثمنها ، لكن يجب إعلام المشتري

_________________

(١) راجع ج ٦ ص ٢٦٦ ـ ٢٧٦.

(٢) راجع ج ٢٢ ص ٨ ـ ١٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يكتسب به ـ الحديث ١ من كتاب التجارة.

٣٨٦

بنجاستها ) للنص ، وهو خبر معاوية (١) عن الصادق عليه‌السلام « في سمن أو زيت أو عسل مات فيه جرذ ، فقال : أما السمن والعسل فيؤخذ الجرذ وما حوله ، وأما الزيت فيستصبح به ، وقال في بيع ذلك الزيت : يبيعه ويبينه لمن اشتراه ليستصبح به » ولتحريم الغش ولغير ذلك من غير فرق بين كون المشتري ممن يستحل النجس وعدمه.

خلافا لبعض ، فقيد وجوب الاعلام بما إذا كان المشتري مسلما ، وإطلاق النص والفتوى يدفعه.

ولو لم يعلمه بالحال ففي المسالك « ففي صحة البيع وثبوت الخيار للمشتري على تقدير العلم أو فساده وجهان : من أن البيع مشروط بالإعلام فلا يصح بدونه ، ومن الشك في كونه شرطا ، وغايته أن ينجبر بالخيار ، والنهي عن بيعه بدونه لو سلم لا يستلزم الفساد في المعاملات ، ثم على تقدير الصحة فهو كبيع المعيب من دون الاعلام بالعيب في ثبوت الأرش والرد على التفصيل ».

قلت : لا دلالة في شي‌ء من النصوص على اشتراط صحة البيع بذلك حتى الخبر المزبور المشتمل على الأمر بالتبيين ، فان أقصاه وجوب الاعلام ، لا اشتراط صحة البيع بذلك ، بل مقتضى إطلاق الإذن ببيعه عدم اعتبار قصد الاستصباح في البيع من البائع فضلا عن المشتري ، وإن كان هو ظاهر قولهم : « يجوز بيعه للاستصباح به » لكن يمكن حمله على إرادة بيان عدم جواز بيعه بقصد الأكل ، أو بيان أن فائدة الاستصباح تكفي في جواز بيعه أو غير ذلك.

ومع فرض اعتبار القصد فهل يعتبر بالنسبة للمشتري أيضا؟ يمكن ذلك ، بل لعل دلالة الخبر المزبور عليه أظهر من البائع ، كما أنه يمكن

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢.

٣٨٧

اختصاص قصد الفائدة المزبورة في الجواز دون تدهين الأجرب مثلا ، لكن في كشف اللثام هنا عدم الفرق بينهما ، هذا وقد تقدم بعض الكلام في ذلك في المكاسب (١) ومنه اختصاص الدهن المتنجس بالحكم المزبور دون غيره من المائعات وإن قلنا بجواز الانتفاع بها ، والله العالم.

( وكذا ) الكلام في ( ما يموت فيه حيوان له نفس سائلة ) من المائعات ، إذ لا فرق بينه وبين غيره من النجاسات. ( أما ما لا نفس له ) سائلة ( كالذباب والخنافس فلا ينجس بموته ولا ينجس ما يقع فيه ) بلا خلاف ولا إشكال.

وفي النبوي (٢) « إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فأمقلوه ، فان في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء ».

وفي صحيح أبي بصير (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن الذباب يقع في الدهن والسمن والطعام ، فقال : لا بأس بأكله ( كل خ ل ) ».

وسئل الصادق عليه‌السلام في خبر عمار (٤) « عن الخنفساء والذباب والجراد والنملة وما أشبه ذلك يموت في البئر والزيت والسمن وشبهه فقال : كل ما ليس له دم فلا بأس به » إلى غير ذلك.

لكن في كشف اللثام استثناء المسوخ من ذلك بناء على نجاستها ، وفيه أن تحكيم إطلاقهم عدم البأس على إطلاق نجاسة المسوخ أولى من العكس ، والله العالم.

_________________

(١) راجع ج ٢٢ ص ١٦.

(٢) سنن البيهقي ـ ج ١ ص ٢٥٢ و ٢٥٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١ من كتاب الطهارة.

٣٨٨

هذا ( و ) قد استقر المذهب الآن بل وقبل الآن على أن ( الكفار أنجاس ) كالكلاب والخنازير ( ينجس المائع بمباشرتهم له سواء كانوا أهل الحرب أو أهل ذمة ) وإن كان قول المصنف هنا ( على أشهر الروايتين ) (١) مشعرا بنوع تردد فيه ، بل منه تحير بعض المتأخرين عنه ، فوسوس في الحكم أو مال إلى الطهارة مطلقا أو أهل الكتاب خاصة.

لكن قد تقدم في كتاب الطهارة (٢) ما يرفع الوسوسة المذكورة الناشئة من اختلال الطريقة ، خصوصا بعد شهرة الطهارة بين العامة الذين جعل الله الرشد في خلافهم ، وصدر بعض الأخبار (٣) تقية منهم.

( وكذا لا يجوز استعمال أوانيهم التي استعملوها في المائعات ) إلا بعد غسلها ، لنجاستها حينئذ باستعمالهم ( وروي ) أنه ( إذا أراد مؤاكلة المجوسي أمره بغسل يده ) وهو وإن كانت صحيحة قال العيص (٤) : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن مؤاكلة اليهود والنصارى ، فقال : لا بأس إذا كان من طعامك ، وسألته عن مؤاكلة المجوسي ، فقال : إذا توضأ فلا بأس ». وفي صحيحة القاسم (٥) « أنه سأله عن مؤاكلة اليهودي والنصراني والمجوسي ، فقال : إن كان من طعامك وتوضأ فلا بأس » ـ ( و ) لكنها ( هي ) رواية ( شاذة ) لم نجد عاملا بها إلا ما يحكى عن الشيخ في النهاية التي هي متون أخبار لا كتاب فتوى.

مع أن المحكي عنه فيها أنه صرح قبل ذلك بأسطر قليلة بأنه « لا يجوز مؤاكلة الكفار على اختلاف مللهم ، ولا استعمال أوانيهم إلا بعد غسلها

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ و ٥٣ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة.

(٢) راجع ج ٦ ص ٤١ ـ ٤٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١ عن عيص بن القاسم.

٣٨٩

بالماء ، وأن كل طعام تولاه بعض الكفار بأيديهم وباشروه بنفوسهم لم يجز أكله ، لأنهم أنجاس ينجس الطعام بمباشرتهم إياه » فلا بد حينئذ من حمل كلامه المتأخر عن ذلك على إرادة المؤاكلة التي لا تستلزم تعدي النجاسة ، والأمر بغسل اليد حينئذ لازالة النفرة مما يكون غالبا في أيديهم من مباشرة القذارات ، كما عن المصنف التصريح بذلك في نكت النهاية ، بل لا يبعد حمل الصحيح المزبور على ذلك ، والله العالم.

هذا ( و ) قد ظهر لك مما ذكرنا أنه لا اشكال ولا خلاف في أنه ( لو وقعت ميتة لها نفس ) سائلة ( في قدر ) فيها مائع ( نجس ما فيها ) للملاقاة ( وأريق المائع ) أو طهر إن كان ماء مطلقا ( وغسل الجامد ) من اللحم وغيره ( وأكل ) قال الصادق عليه‌السلام (١) : « إن أمير المؤمنين عليه‌السلام سئل عن قدر طبخت وإذا في القدر فأرة ، قال : يهراق مرقها ويغسل اللحم ويؤكل » وقد تقدم الكلام في مسألة الدم ، والله العالم.

( ولو عجن بالماء النجس عجين ( عجينا خ ل ) لم يطهر بالنار إذا خبز على الأشهر ) بل المشهور ، بل في المسالك هنا « إنما خالف في ذلك الشيخ في النهاية في باب الطهارة ، فحكم بطهره بالخبز ، مع أنه في الأطعمة منها حكم بعدم طهره ، ومستنده على الطهارة رواية (٢) ـ مع ضعف سندها ـ لا دلالة فيها على ذلك ، فالقول بالطهارة ساقط رأسا ».

قلت : قد تقدم الكلام في ذلك في كتاب الطهارة (٣) والله العالم. ( الرابع : الأعيان النجسة ، كالبول مما لا يؤكل لحمه ، نجسا كان

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الماء المطلق ـ الحديث ١٧ و ١٨ من كتاب الطهارة.

(٣) راجع ج ٦ ص ٢٧٣ ـ ٢٧٦.

٣٩٠

الحيوان كالكلب والخنزير أو طاهرا كالأسد والنمر ) فإنه لا يجوز شربها اختيارا إجماعا أو ضرورة.

( وهل يحرم مما يؤكل ) لحمه بناء على طهارته التي قد أشبعنا الكلام فيها في كتاب الطهارة (١) ( قيل ) والقائل الشيخ في ظاهر المحكي من نهايته ، وابن حمزة في صريح المحكي عنه ، والفاضل والشهيدان : ( نعم إلا أبوال الإبل ، فإنه يجوز للاستشفاء بها ) لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر قوما اعتلوا بالمدينة أن يشربوا أبوال الإبل فشفوا (٢) وقال الكاظم عليه‌السلام في خبر الجعفري (٣) : « أبوال الإبل خير من ألبانها ، ويجعل الله الشفاء في ألبانها » وعن سماعة (٤) « أنه سأل الصادق عليه‌السلام عن شرب أبوال الإبل والبقر والغنم للاستشفاء ، قال : نعم لا بأس به ».

( وقيل ) والقائل المرتضى وابني الجنيد وإدريس فيما حكي عنهم : ( يحل الجميع ، لمكان طهارته ) فيبقى على الأصل والعمومات.

( والأشبه ) عند المصنف هنا ( التحريم لاستخباثها ) وإن كانت طاهرة.

بل في الرياض « هو في غاية القوة ، إما للقطع باستخباثها كما هو الظاهر ، أو احتماله الموجب للتنزه عنه ولو من باب المقدمة ، مضافا إلى الأولوية المستفادة مما قدمناه من الأدلة على حرمة الفرث والمثانة التي هي

_________________

(١) راجع ج ٥ ص ٢٨٧ ـ ٢٨٩.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الأشربة المباحة ـ الحديث ٢ وسنن البيهقي ج ١٠ ص ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ٧ مع الاختلاف.

٣٩١

مجمع البول ، بناء على بعدهما بالإضافة إلى البول عن القطع بالخباثة ، فتحريمهما مع ذلك يستلزم تحريم البول القريب من القطع بالاستخباث بالإضافة إليهما بطريق أولى ، ويزيد وجه الأولوية فيه أن حرمة الفرث بظهور النصوص المعتبرة في سهولة الروث من الخيل والبغال والحمير بالإضافة إلى أبوالها في وجوب التنزه عنهما أو استحبابه ، حتى ظن جماعة لذلك الفرق بينهما بالطهارة في الروث والنجاسة في البول ، والفرث في معنى الروث قطعا ، وحينئذ فتحريم الأضعف يستلزم تحريم الأشد بالأولوية المتقدمة ، وحيث ثبت الحرمة في أبوال هذه الحمول الثلاث المأكول لحمها على الأظهر الأشهر بين الطائفة ثبت الحرمة في أبوال غيرها من كل مأكول اللحم ، لعدم القائل بالفرق ».

وفيه ما لا يخفى من منع القطع بالاستخباث الموجب للحرمة ، وعدم كفاية الاحتمال ، لعموم أدلة الحل كتابا (١) وسنة (٢) ومنع الأولوية ، بل قد يظهر من اقتصار تلك الأدلة على تعداد غير البول الحل فيه ، وكذا ما ذكره في زيادة وجه الأولوية ، ضرورة عدم اقتضاء ذلك حرمة الأسهل ، خصوصا بعد حمل تلك النصوص على ضرب من الكراهة ، ولو من جهة الخباثة التي لم تصل إلى حد توجب التنجس.

ومن هنا كان الحل هو الأشبه بأصول المذهب وقواعده ، بل عن المرتضى الإجماع عليه ، بل عنه نفي الخلاف في ذلك بين من قال بطهارتها مؤيدا ذلك بأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بشرب أبوال الإبل (٣) الذي لم يعلم منه أن الوجه فيه الضرورة المبيحة للمحرم ، بل لو كان كذلك

_________________

(١) راجع الآيات المتقدمة في ص ٢٣٧.

(٢) تقدم بعضها في ص ٢٣٧.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الأشربة المباحة ـ الحديث ٢.

٣٩٢

لم يكن وجه لاختصاص بول الإبل ، ضرورة مساواتها لغيرها من الضرورة المفروضة.

واحتمال أن يقال بجواز شربها وإن لم يصل إلى حد الضرورة المبيحة للنص ـ وبذلك يفرق بين المقامين ـ يدفعه أنه ليس بأولى من القول بأن ذلك لأنه يجوز شربه مطلقا ، ومنه التداوي به ، خصوصا مع عدم تقييد الرخصة بما عثرنا عليه من النصوص به في كلام الامام عليه‌السلام وإن وقع في كلام السائل ، كما في خبر سماعة (١) المشتمل على غير الإبل.

ودعوى تضعيف الأول ـ بمعارضته بالأدلة السابقة التي منها الإجماع المحقق والمحكي على حرمة الروث والمثانة الدالة على حرمة البول بما مر من الأولوية التي هي من الدلالة الالتزامية التي لا فرق بينها وبين المطابقية الموجودة في إجماع السيد في الحجية ـ واضحة الفساد.

ومن ذلك يعلم الحل في كل ما لم يعلم خباثته من رطوبات الحيوان حتى بصاق الإنسان وعرقه وغيرهما ، وإن قيل : إن المشهور الحرمة ، مع أنا لم نتحقق ذلك ، بل جزم بها في الرياض بناء على كلامه السابق الذي هو وجوب الاجتناب مع الاحتمال ، قال : « وليس التكليف باجتنابه تكليفا مشروطا بالعلم بالخباثة ، بل هو مطلق ، ومن شأنه توقف الامتثال فيه بالتنزه عن محتملاته ، وإن هو حينئذ إلا كالتكليف باجتناب السمومات والمضرات ».

وفيه ما لا يخفى ، ضرورة كون مبنى الحرمة في هذا الخوف والمخاطرة ونحوهما مما يكفي فيه الاحتمال المعتد به ، بخلاف الأول الذي قد يدعى عدم تحقق الخباثة في نفس الأمر فيه ، لأن مبناها النفرة الوجدانية ، والفرض انتفاؤها ، فلا يتصور تحققها في نفس الأمر ، ومع التسليم فلا يجب الاجتناب

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ٧.

٣٩٣

للعمومات السابقة ، كمحتمل النجاسة ، والله العالم.

( الخامس : ألبان الحيوان المحرم ) أكله ( كلبن اللبوة والذئبة والهرة ) بلا خلاف أجده فيه ، بل عن الغنية الإجماع عليه إن لم يكن محصلا ، مضافا إلى مفهوم المرسل السابق المتقدم في البيض المنجبر بالعمل هنا ، وهو « كل شي‌ء يؤكل لحمه فجميع ما كان منه من لبن أو بيض أو إنفحة فكل ذلك حلال طيب » (١). ومنه ـ مضافا إلى الإجماع ـ تعلم تبعية اللبن للحل والحرمة كالبيض.

بل في الرياض زيادة على ذلك الاستدلال بأن اللبن قبل استحالته إلى صورته كان محرما قطعا ، لكونه جزء يقينا ، فبحرمة الكل يحرم هو أيضا ، إذ لا وجود للكل إلا بوجود أجزائه ، فتحريمه في الحقيقة تحريم لها ، مع أنه قبل الاستحالة دم ، وهو بعينه حرام إجماعا ، فتأمل جيدا ، وإذا ثبت التحريم قبل الاستحالة ثبت بعدها استصحابا للحالة السابقة ، هذا مع أن اللبن أيضا بنفسه جزء ، فلا يحتاج في إثبات تحريمه إلى الاستصحاب بالمرة.

وفيه ما لا يخفى من عدم اندراج اللبن في اللحم المفروض كونه عنوانا للحرمة ، بل لو فرض كونه الحيوان أمكن منعه أيضا عرفا ، كبوله وروثه وكونه مستحيلا مما كان جزءا لا يقتضي بقاؤه جزءا. إذ من ( ومن ظ ) الغريب دعواه الاستصحاب لحال الدم الذي قد انقلب إلى موضوع آخر.

ثم قال : « ومن هذا يظهر لك وجه حكمهم بكراهته مما يكره لحمه » أي التي أشار إليها المصنف وغيره ( ويكره لبن ما كان لحمه مكروها ، كلبن الأتن مائعه وجامده ، وليس بمحرم ) بل اعترف هو بعدم الخلاف فيه تارة وبالاتفاق أخرى.

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ٢.

٣٩٤

ثم قال : « ولا ينافيها النصوص الواردة في شيراز الأتن كالصحيح (١) « هذا شيراز الأتن اتخذناه لمريض لنا ، فإن أحببت أن تأكل منه فكل » والصحيح الآخر (٢) « عن شراب ألبان الأتن ، فقال : اشربها » والخبر (٣) « لا بأس بشربها » فان غايتها الرخصة ونفي البأس عنه الواردان في مقام توهم الحظر ، ولا يفيدان سوى الإباحة بالمعنى الأعم الشامل للكراهة ، فتأمل بعض في التبعية في هذه الصورة أيضا لا وجه له ، سيما والمقام مقام كراهة يتسامح في دليلها ، ويكفي فيها فتوى فقيه واحد فضلا عن الاتفاق ».

وفيه أيضا ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه ، خصوصا والعنوان للكراهة اللحم لا الحيوان الذي يأتي فيه ما ذكره سابقا ، وإن منعناه عليه أيضا ، بل إن لم يكن إجماعا كما ادعاه أمكن المنع في الكراهة ، خصوصا بعد قوله عليه‌السلام في المرسل السابق (٤) : « إن لبن ما يؤكل لحمه حلال طيب » المشعر بعدم الكراهة ، وبعد نفي البأس عن شرب ألبان الأتن (٥) الذي قد يشعر أيضا بعدم الكراهة ، بناء على ظهوره في نفي طبيعة البأس ، وبعد النصوص المستفيضة الدالة على استحباب شرب مطلق اللبن.

قال أبو جعفر عليه‌السلام (٦) : « لم يكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يأكل طعاما ولا يشرب شرابا إلا قال : اللهم بارك لنا فيه وأبدلنا خيرا منه إلا اللبن ، فإنه كان يقول : اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه ».

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب الأطعمة المباحة.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٥٥ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ١.

٣٩٥

وفي مرسل عبد الله الفارسي (١) عن الصادق عليه‌السلام : « قال له رجل : إني أكلت لبنا فضرني ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : لا والله ما يضر لبن قط ، ولكنك أكلته مع غيره ، فضرك الذي أكلته فظننت أن اللبن الذي ضرك ».

وفي الخبر (٢) عنه عليه‌السلام أيضا : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ليس أحد يغص بشرب اللبن ، لأن الله تعالى يقول : ( لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشّارِبِينَ ) » (٣).

وفي خبر خالد بن نجيح (٤) عنه عليه‌السلام أيضا : « اللبن طعام المرسلين ».

وفي خبر أبي الحسن الأصبهاني (٥) : « كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فقال له رجل وأنا أسمع : جعلت فداك إني أجد الضعف في بدني فقال له : عليك باللبن ، فإنه ينبت اللحم ويشد العظم ».

وفي المرسل (٦) عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام : « من تغير عليه ماء الظهر فإنه ينفع له اللبن الحليب ».

وفي خبر أبي بصير (٧) : « أكلنا مع أبي عبد الله عليه‌السلام فأتينا بلحم جزور ، وظننت أنه من بيته فأكلنا ، ثم أتينا بعس من لبن فشرب منه ، ثم قال لي : اشرب يا أبا محمد ، فذقته ، فقلت : جعلت فداك لبن ، فقال : إنها الفطرة ، ثم أتينا بتمر فأكلنا » أي أن الإنسان مفطور على شربه ، لأنه يشربه حين يولد.

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٥ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ٤ مرسل عبيد الله بن أبي عبد الله الفارسي.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٥ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ٥.

(٣) سورة النحل : ١٦ ـ الآية ٦٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٥ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥٥ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ٦.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ٢.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ٣.

٣٩٦

وفي خبر زرارة (١) عن أحدهما عليهما‌السلام : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : عليكم بألبان البقر ، فإنها تخلط من كل الشجر ».

وفي الخبر (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ألبان البقر دواء ».

وفي آخر (٣) : « شكوت إلى أبي جعفر عليه‌السلام ذربا وجدته فقال : ما يمنعك من شرب ألبان البقر؟ وقال لي : أشربتها قط؟ فقلت له : نعم مرارا ، فقال : كيف وجدتها؟ فقلت : وجدتها تدبغ المعدة وتكسوا الكليتين الشحم ، وتشهي الطعام ، فقال لي : لو كانت أيامه لخرجت أنا وأنت إلى ينبع حتى نشربه ».

وفي خبر الجعفري (٤) : « سمعت أبا الحسن موسى عليه‌السلام يقول : أبوال الإبل خير من ألبانها ، ويجعل الله الشفاء في ألبانها ».

وفي خبر موسى بن عبد الله بن الحسن (٥) قال : « سمعت أشياخنا يقولون : ألبان اللقاح شفاء من كل داء وعاهة ، ولصاحب البطن أبوالها ».

وفي المرسل (٦) عن الصادق عليه‌السلام : « أن التلبين يجلو القلب الحزين كما تجلو الأصابع العرق من الجبين ».

بل عنه عليه‌السلام أيضا (٧) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله « لو أغنى عن الموت شي‌ء لأغنت التلبينة ، قيل : يا رسول الله وما التلبينة؟ قال : الحسو باللبن ، وكررها ثلاثا » إلى غير ذلك من النصوص التي

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ٤.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ١.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ٢.

٣٩٧

منها نصوص طبخ اللحم باللبن (١) وأنه مرق الأنبياء (٢) وأنه قد جعل الله القوة والبركة فيهما (٣) وبذلك كله يظهر لك ما في التبعية المزبورة ، والله العالم.

( القسم السادس في اللواحق )

( وفيه مسائل : )

المسألة ( الأولى : )

( لا يجوز استعمال شعر الخنزير اختيارا ـ) بناء على ما هو الأصح من نجاسته ، فضلا عن غيره من أجزائه ـ فيما يشترط فيه الطهارة وغيره ، لأنه حينئذ من الأعيان النجسة التي قد تقدم في المكاسب (٤) حكاية الإجماع من غير واحد على عدم جواز الانتفاع بها ، مضافا إلى خبر تحف العقول (٥).

وإلى ما قيل من اقتضاء تعلق الحرمة بالخنزير ذلك ، لا خصوص الأكل ، لأنه الأقرب إلى الحقيقة ، خصوصا بعد ذكره مع الميتة التي

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الأطعمة المباحة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ٥.

(٤) راجع ج ٢٢ ص ١٠ و ٢٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يكتسب به ـ الحديث ١ من كتاب التجارة.

٣٩٨

حكمها ذلك نصا (١) وفتوى لا خصوص الأكل ، وخصوصا مع ملاحظة الشهرة أيضا.

وإلى ما عن السرائر من دعوى تواتر الأخبار به وإن كنا لم نظفر بخبر واحد ، كما اعترف به في كشف اللثام.

بل في خبر سليمان الإسكافي (٢) : « سأل الصادق عليه‌السلام عن شعر الخنزير يخرز به ، قال : لا بأس به ، ولكن يغسل يده إذا أراد أن يصلي ».

وفي خبر الحسن بن زرارة (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « قلت : شعر الخنزير يجعل حبلا يستقى به من البئر التي يشرب منها أو يتوضأ ، فقال : لا بأس به ».

بل وخبر برد الإسكافي (٤) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك إنا نعمل بشعر الخنزير ، فربما نسي الرجل فصلى وفي يده شي‌ء منه ، قال : لا ينبغي أن يصلي وفي يده شي‌ء منه ، وقال : خذوه فاغسلوه ، فما كان له دسم فلا تعملوا به ، وما لم يكن له دسم فاعملوا به واغسلوا أيديكم منه ».

بل وخبره الآخر (٥) عنه عليه‌السلام أيضا : « قلت له : إني رجل خراز لا يستقيم عملنا إلا بشعر الخنزير نخرز به ، قال : خذ منه

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٣ من كتاب الطهارة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٤ عن الحسين بن زرارة.

(٤) في الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب ما يكتسب به ـ الحديث ٤ من كتاب التجارة.

(٥) في الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب ما يكتسب به ـ الحديث ٣ من كتاب التجارة.

٣٩٩

وبرة فاجعلها ( وبره فاجعله خ ل ) في فخارة ثم أوقد تحتها حتى يذهب دسمه ثم اعمل به ».

وفي ثالث (١) : « عن شعر الخنزير يعمل به ، قال : خذ منه فاغسله بالماء حتى يذهب ثلثه ويبقى ثلثاه ، ثم اجعله في فخارة ليلة باردة ، فإن جمد فلا تعمل به ، وإن لم يجمد ليس عليه دسم فاعمل به ، واغسل يدك إذا مسسته عند كل صلاة ».

وليس في شي‌ء منها اشتراط الضرورة التي أشار إليها المصنف وغيره بقوله ( فان اضطر استعمل ما لا دسم فيه ، وغسل يده ) منه ، بل في الرياض نسبته إلى المشهور ، نعم فيها المنع في الجملة.

لكن في الرياض « متى ثبت ذلك ثبت المنع مطلقا إلا عند الضرورة لعدم القائل بالفرق بين الطائفة ، إذ كل من قال بالمنع عن استعماله قال به كذلك إلا في الضرورة ، وكل من قال بجوازه قال به مطلقا من دون استثناء صورة أصلا ».

أما بناء على عدم نجاسته كما عليه المرتضى ، أو بناء على عدم دليل على المنع من الاستعمال أصلا كما عليه الفاضل في المختلف ، والقول بالمنع في صورة الدسم خاصة كما هي مورد الخبرين ، والجواز في غيرها مطلقا ولو اختيارا لم يوجد به قائل أصلا ، وصورة الجواز في الخبرين وإن كانت مطلقة تعم حالتي الاختيار والاضطرار إلا أنها مقيدة بالحالة الثانية ، للإجماع المزبور جدا ، وقصورهما بالجهالة مجبور بالشهرة مع زيادة انجبار في أحدهما يكون الراوي فيه عبد الله بن المغيرة الذي قد حكي الإجماع على تصحيح ما يصح عنه.

إلا أن ذلك كله كما ترى لا يطمأن بما يحصل منه ، فالأقوى حينئذ

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب ما يكتسب به ـ الحديث ٢ من كتاب التجارة.

٤٠٠