جواهر الكلام - ج ٣٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

إنا أنزلناه ، وتقنت وتقول في قنوتك : لا إله إلا الله حقا حقا ، لا إله إلا الله عبودية ورقا ، لا إله إلا الله وحده وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ، سبحان الله مالك السماوات وما فيهن وما بينهن سبحان الله رب العرش العظيم ، والحمد لله رب العالمين ، ثم تركع وتسجد ثم تصلي ركعتين أخراوين ، تقرأ في الأولى الحمد مرة وإحدى عشرة مرة قل هو الله أحد ، وفي الثانية الحمد مرة وإحدى عشرة مرة إذا جاء نصر الله وتقنت كما قنت في الأولتين ، ثم تسجد سجدة الشكر ، وتقول ألف مرة : شكرا ، ثم تقوم وتتعلق بالتربة وتقول : يا مولاي يا ابن رسول الله إني آخذ من تربتك بإذنك ، اللهم فاجعلها شفاء من كل داء ، وعزا من كل ذل ، وأمنا من كل خوف ، وغنى من كل فقر لي ولجميع المؤمنين والمؤمنات ، وتأخذ بثلاث أصابع ثلاث مرات ، وتدعها في خرقة نظيفة أو قارورة زجاج ، وتختمها بخاتم عقيق عليه ما شاء الله لا قوة إلا بالله استغفر الله ، فإذا علم الله منك صدق النية لم يصعد معك في الثلاث قبضات إلا سبعة مثاقيل ، وترفعها لكل علة ، فإنها تكون مثل ما رأيت ».

قال : « ونحو ذلك خبر آخر (١) إلا أن فيه في أولى كل من الركعتين إحدى عشرة مرة سورة الإخلاص من بعد الحمد ، وليس فيه القنوت ، وروي (٢) لأخذ التربة غير ذلك من القراءة والدعاء بلا تعرض لصلاة أو غسل » قلت : وهو أعظم شاهد على إرادة الكمال.

ثم قال : « وفي الكامل لابن قولويه مسندا عن محمد بن مسلم (٣) إنه كان وجعا فأرسل إليه أبو جعفر عليه‌السلام شرابا مع الغلام

_________________

(١) البحار ـ ج ١٠١ ص ١٣٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧٣ ـ من أبواب المزار ـ الحديث ١.

(٣) البحار ـ ج ١٠١ ص ١٢٠.

٣٦١

مغطى بمنديل ، فناوله الغلام إياه ، وقال : اشربه فإنه قد أمرني أن لا أبرح حتى تشربه ، قال : فتناولته فإذا فيه رائحة المسك وإذا شراب طيب الطعم بارد ، فلما شربته ، قال لي الغلام : يقول لك مولاي : إذا شربت فتعال ، فتفكرت فيما قال لي وما أقدر على النهوض قبل ذلك على رجلي ، فلما استقر الشراب في جوفي فكأنني نشطت من عقال ، فأتيت بابه واستأذنت عليه ، فصوت إلى : صح الجسم أدخل ، فدخلت عليه وأنا باك ، فسلمت عليه وقبلت يده ورأسه ، فقال : وما يبكيك يا محمد؟ فقلت : جعلت فداك أبكي على اغترابي وبعد الشقة وقلة القدرة على المقام عندك أنظر إليك ، فقال لي ـ إلى أن قال ـ : يا محمد إن الشراب الذي شربته فيه من طين قبور آبائي ، وهو أفضل ما استشفي به فلا تعدو أدبه ، فإنا نسقيه صبياننا ونساءنا ، فنرى فيه كل خير ، فقلت : جعلت فداك إنا لنأخذ منه ونستشفي به ، فقال : يأخذ الرجل فيخرجه من الحائر وقد أظهره ، فلا يمر بأحد ممن به عاهة ولا دابة ولا شي‌ء به آفة إلا شمه فتذهب بركته ، فيصير بركته لغيره ، وهذا الذي نتعالج به ليس هكذا ، ولو لا ما ذكرت لك ما تمسح به شي‌ء ولا شرب منه شي‌ء إلا أفاق من ساعته ، وما هو إلا كالحجر الأسود أتاه أصحاب العاهات والكفر والجاهلية ، وكان لا يتمسح به أحد إلا أفاق ، وكان كأبيض ياقوتة فاسود حتى صار إلى ما رأيت ، فقلت : جعلت فداك وكيف أصنع به؟ فقال : أنت تصنع به مع إظهارك إياه ما يصنع غيرك ، تستخف به فتطرحه في خرجك ( وفي أشياء دنسة خ ) فيذهب ما فيه مما تريد به ، فقلت : صدقت جعلت فداك ، قال : ليس يأخذه أحد إلا وهو جاهل بأخذه ، ولا يكاد يسلم للناس ، فقلت : جعلت فداك وكيف لي أن آخذه كما تأخذه؟ فقال : أعطيك منه شي‌ء؟ فقلت : نعم ، قال :

٣٦٢

فإذا أخذته فكيف تصنع به؟ قلت : أذهب به معي ، قال : في أي شي‌ء تجعله؟ قلت : في ثيابي ، قال : فرجعت إلى ما كنت تصنع ، اشرب عندنا منه حاجتك ولا تحمله ، فإنه لا يسلم لك ، فسقاني منه مرتين ، فما أعلم أني وجدت شيئا مما كنت أجد حتى انصرفت ».

وفيه مسندا عن الثمالي (١) قال للصادق عليه‌السلام : « جعلت فداك إني رأيت أصحابنا يأخذون من طين قبر الحسين عليه‌السلام يستشفون به هل في ذلك شي‌ء مما يقولون من الشفاء؟ قال : يستشفى بما بينه وبين القبر على رأس أربعة أميال ، وكذلك طين قبر جدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكذلك طين قبر الحسن وعلي ومحمد عليهم‌السلام فخذ منها فإنها شفاء من كل سقم ، وجنة مما يخاف ، ولا يعدلها شي‌ء من الأشياء التي يستشفى بها إلا الدعاء ، وإنما يفسدها ما يخالطها من أوعيتها وقلة اليقين لمن يعالج بها ، فأما من أيقن أنها له شفاء إذا تعالج كفته باذن الله عن ( من خ ل ) غيرها مما يعالج به ، ويفسدها الشياطين والجن من أهل الكفر يتمسحون بها ، وما تمر بشي‌ء إلا شمها ، وأما الشياطين وكفار الجن فإنهم يحسدون ابن آدم ( عليها يتمسحون بها خ ) فيذهب عامة طيبها ، ولا يخرج الطين من الحائر إلا وقد استعد له ما لا يحصى منهم ، وأنها لفي يدي آخذها وهم يتمسحون بها ولا يقدرون مع الملائكة أن يدخلوا الحائر ، ولو كان من التربة شي‌ء يسلم ما عولج به أحد إلا بري‌ء من ساعته ، فإذا أخذتها فأكنها ، وأكثر عليها ذكر الله عز وجل ، وقد بلغني أن بعض من يأخذ من التربة شيئا يستخف

_________________

(١) ذكر بعض قطعه في الوسائل ـ الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٣ وتمامه في المستدرك في الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب المزار ـ الحديث ٩ من كتاب الحج.

٣٦٣

به ، حتى أن بعضهم ليطرحها في مخلاة الإبل والبغل والحمار وفي وعاء الطعام وما يمسح به الأيدي من الطعام والخرج والجوالق ، فكيف يستشفي به من هكذا حاله عنده؟ ولكن القلب الذي ليس فيه اليقين من المستخف بما فيه صلاحه يفسد عليه عمله ».

ومن الغريب أنه قال بعد أن رأى هذه الأخبار : « وإذا سمعت الأخبار أشكل عليك الاستشفاء بها ما لم تعلم تحقق الشروط فيها » إذ قد عرفت أنها جميعها آداب لتناولها على الوجه الأكمل في سرعة التأثير ونحوه ، لا شرائط لأصل التناول ، كما هو مقتضى إطلاق النصوص (١) والفتاوى ، بل في النصوص المزبورة قرائن متعددة على ذلك. ومن هنا قال في الرياض : « لم أقف على مشترط لذلك أصلا ، بل صرح جماعة بأن ذلك لزيادة الفضل ».

قلت : كأن الأمر من الواضحات ، إنما الكلام في المحل الذي يؤخذ منه الطين الشريف ، ولا ريب في أن المنساق نفس القبر الشريف أو ما يقرب منه على وجه يلحق به عرفا ، ولعله الحائر دون غيره ، ويناسبه قاعدة الاقتصار على المتيقن.

وفي خبر يونس بن الربيع (٢) عن الصادق عليه‌السلام « إن عند رأس الحسين عليه‌السلام لتربة حمراء فيها شفاء من كل داء إلا السام ، قال : فأتينا القبر بعد ما سمعنا هذا الحديث فاحتفرنا عند رأس القبر ، فلما حفرنا قدر ذراع ابتدرت علينا من رأس القبر مشبه السهلة حمراء قدر الدرهم ، فحملناها إلى الكوفة ، فخرجنا وأقبلنا نعطي الناس »

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٠ ـ من أبواب المزار من كتاب الحج.

(٢) ذكر صدره في الوسائل ـ الباب ـ ٧٠ ـ من أبواب المزار ـ الحديث ١ من كتاب الحج وتمامه في الكافي ـ ج ٤ ص ٥٨٨.

٣٦٤

وقد سمعت ما ذكره الصادق عليه‌السلام في خروجها من الحائر.

لكن في مرسل سليمان بن عمر السراج (١) عن الصادق عليه‌السلام « يؤخذ طين قبر الحسين عليه‌السلام من عند القبر على سبعين ذراعا ».

وفي مرسل آخر له (٢) « على سبعين باعا ».

وفي خبر أبي الصباح (٣) عنه عليه‌السلام أيضا المروي عن الكامل « طين قبر الحسين عليه‌السلام فيه شفاء وإن أخذ على رأس ميل ».

وفي خبر أبي بكر الحضرمي (٤) المروي عنه عليه‌السلام في الكتاب المزبور « لو أن مريضا من المؤمنين يعرف حق أبي عبد الله عليه‌السلام وحرمته وولايته أخذ له من طينه على رأس ميل كان له دواء وشفاء ».

وقد سمعت ما في خبر الثمالي (٥) عنه عليه‌السلام من أنه « يستشفى بما بينه وبين القبر على رأس أربعة أميال ، » وفي مرسل الحجال (٦) عن

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب المزار ـ الحديث ٣ من كتاب الحج.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب المزار ـ الحديث ٤ من كتاب الحج. على رواية ابن قولويه رحمه‌الله.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب المزار ـ الحديث ٩ ـ ٧ من كتاب الحج.

(٤) ورد في كامل الزيارات عن أبي بكر الحضرمي روايتان في المقام بلفظ واحد إلا أن في الأولى منهما « وأخذ من طين قبره مثل رأس أنملة كان له دواء » وفي الثانية « أخذ له من طينه على رأس ميل كان له دواء وشفاء » كما في الجواهر ، ونقل الأولى في الوسائل ـ الباب ـ ٧٢ ـ من أبواب المزار ـ الحديث ٤ ولم يتعرض للثانية وانما وردت في كامل الزيارات ص ٢٧٩ فراجعه.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب المزار ـ الحديث ٧ من كتاب الحج.

٣٦٥

الصادق عليه‌السلام « التربة من قبر الحسين عليه‌السلام على عشرة أميال » وعن علي بن طاوس أنه روي فرسخ في فرسخ (١).

وفي كشف اللثام بعد أن ذكر هذه الروايات قال : « وشي‌ء منها لا يدخل في المتبادر من طين القبر ، فالأحوط الاقتصار على المتبادر ، لضعف الأخبار ».

وفي المسالك « وقد استثنى الأصحاب من ذلك تربة الحسين عليه‌السلام وهي تراب ما جاور قبره الشريف عرفا أو ما حوله إلى سبعين ذراعا ، وروي إلى أربعة فراسخ (٢) وطريق الجمع ترتبها في الفضل ، وأفضلها ما أخذ بالدعاء المرسوم ، وختمها تحت القبة المقدسة بقراءة سورة القدر ».

وفي الروضة « والمراد بطين القبر الشريف تربة ما جاوره من الأرض عرفا ، وروي إلى أربعة فراسخ ، وروي ثمانية فراسخ (٣) وكلما قرب منه كان أفضل ، وليس كذلك التربة المحترمة منها ، فإنها مشروطة بأخذها من الضريح المقدس أو خارجه كما مر مع وضعها عليه ، وأخذها بالدعاء ولو وجد تربة منسوبة إليه حكم باحترامها حملا على المعهود ».

وفي التنقيح « وهل هي مختصة بمحل أم لا؟ عبارة المصنف تدل على أنها من قبره ، وهو على الأفضل ، ونقل الشهيد أنها تؤخذ من قبره إلى سبعين ذراعا ، وقيل من حرمه وإن بعد ، وكلما قرب من القبر

_________________

(١) البحار ـ ج ١٠١ ص ١٣١.

(٢) لم أعثر على رواية أربعة فراسخ أو ثمانية فراسخ ، وإنما الموجود في مرفوعة منصور بن العباس التي رواها الشيخ ( قده ) في التهذيب وذكرها في الوسائل ـ الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب المزار ـ الحديث ١ من كتاب الحج « حرم الحسين عليه‌السلام خمس فراسخ من اربع جوانبه ».

(٣) لم أعثر على رواية أربعة فراسخ أو ثمانية فراسخ ، وإنما الموجود في مرفوعة منصور بن العباس التي رواها الشيخ ( قده ) في التهذيب وذكرها في الوسائل ـ الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب المزار ـ الحديث ١ من كتاب الحج « حرم الحسين عليه‌السلام خمس فراسخ من اربع جوانبه ».

٣٦٦

كان أفضل ، بل لو جي‌ء بتربة ثم وضعت على الضريح كان حسنا ».

وفي الرياض « ثم إن مقتضى الأصل ولزوم الاقتصار فيما خالفه على المتيقن من ماهية التربة المقدسة وهو ما أخذ (١) من قبره أو ما جاوره عرفا ، ويحتمل إلى سبعين ذراعا ، وأما ما جاوز السبعين إلى أربعة فراسخ أو غيرها مما وردت به الرواية فمشكل إلا أن يؤخذ منه ويوضع على القبر أو الضريح ، فيقوى احتمال جوازه حينئذ ، نظرا إلى أن الاقتصار على المتيقن أو ما قاربه يوجب عدم بقاء شي‌ء من تلك البقعة المباركة ، لكثرة ما يؤخذ منها في جميع الأزمنة ، وسيؤخذ إلى يوم القيامة ، وظواهر النصوص بقاء تربته الشريفة بلا شبهة ، وبما ذكرنا صرح جماعة كالفاضل المقداد في التنقيح وشيخنا في الروضة ».

وفي نهاية المرام للصيمري « يحصل الفرق بين الأرمني وبين تربة الحسين عليه‌السلام بأمور ـ إلى أن قال ـ : الثالث أن التربة محترمة لا يجوز تقريبها من النجاسة ، والأرمني ليس بمحترم ، والمحترم من التربة الذي لا يجوز تقريب النجاسة منه هو ما أخذ من الضريح أو من خارج ووضع على الضريح المقدس ، أما ما أخذ من خارج ولم يوضع على الضريح فإنه لم يثبت له الحرمة إلا أن يأخذه بالدعاء المرسوم ويختم عليه ، فيثبت له الحرمة حينئذ ».

إلى غير ذلك من كلماتهم التي لا تخلو من بحث من وجوه : منها أن التعليق والأخذ بالدعاء لا يحقق الإضافة ، والمتجه ما ذكرناه في الأكل وإن جاز تناول ما ورد في النصوص (٢) للاستشفاء بالطلي وللتحرز وغيره

_________________

(١) هكذا في النسختين الأصليتين وكذلك في الرياض ، إلا أن الصحيح « هو ما أخذ ... » بدون الواو.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧٠ ـ من أبواب المزار من كتاب الحج.

٣٦٧

من المنافع التي تستفاد من النصوص.

وعلى كل حال فظاهر الفتاوى الاقتصار على استثناء قبر الحسين عليه‌السلام من بين قبورهم عليهم‌السلام حتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بل المعروف كون ذلك من خواصه ، كما ورد به بعض النصوص (١) لكن قد سمعت ما في خبر الثمالي (٢) وقوله عليه‌السلام لمحمد بن مسلم (٣) : « الشراب الذي شربته فيه طين قبور آبائي » ولكن لم نجد عاملا بذلك على وجه يحل أكله كحل أكل طين القبر ، لكن لا بأس بالاستشفاء به بمزجه بماء أو حمله لذلك أو تناول التراب من قبورهم عليهم‌السلام بناء على اختصاص الحرمة في الطين.

وعلى كل حال فإنما يجوز أكل طين القبر للاستشفاء دون غيره ولو للتبرك في عصر يوم عاشوراء ويومي عيدي الفطر والأضحى كما هو صريح بعض وظاهر الباقين ، خلافا للمحكي عن الشيخ في المصباح ، فجوزه لذلك في الأوقات الثلاثة ، لكن لم نقف له على حجة ، فضلا عن أن تكون صالحة لمعارضة إطلاق النص والفتوى ، مضافا إلى قول الصادق عليه‌السلام في خبر حنان (٤) : « من أكل من طين قبر الحسين عليه‌السلام غير مستشف به فكأنما أكل من لحومنا » هذا كله في طين القبر.

وأما غيره ففي المتن ( وفي الأرمني رواية بالجواز ، وهي حسنة ، لما فيها من المنفعة للمضطر ( المضطر خ ل ) إليها ) قلت : هي رواية

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٢ ـ من أبواب المزار ـ الحديث ٢ من كتاب الحج.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٣.

(٣) البحار ـ ج ١٠١ ص ١٢٠.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩٥ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٦.

٣٦٨

أبي حمزة (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام المروي عن طب الأئمة « إن رجلا شكا إليه الزحير ، فقال له : خذ من الطين الأرمني ، وأقله بنار لينة واستف منه فإنه يسكن عنك ».

وعنه عليه‌السلام أيضا (٢) أنه قال « في الزحير تأخذ جزءا من خريق أبيض وجزءا من بزر القطونا وجزءا من صمغ عربي وجزءا من الطين الأرمني يقلى بنار لينة ويستف منه ».

وفي المرسل عن مكارم الأخلاق للطبرسي (٣) « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن طين الأرمني يؤخذ منه للكسير والمبطون أيحل أخذه؟ قال : لا بأس به ، أما أنه من طين قبر ذي القرنين ، وطين قبر الحسين عليه‌السلام خير منه ».

وهي على ضعفها وعدم الجابر لها لا دلالة في الأخير منها على الأكل اللهم إلا أن ينساق من المبطون فيه باعتبار تعارف أكله دواؤه ، بل ولا في الأول منها على الأكل نحو أكل طين القبر ، بل أقصاه جواز أن يستف به دواء ممزوجا مع غيره بعد خروجه عن مسمى الطين.

وعلى كل حال فلا ريب في عدم مشروعيته على حسب مشروعية طين القبر بناء على اندراجه في الطين المنهي عنه.

كما أنه لا إشكال في جواز تناوله لدفع الهلاك ، وعن الإيضاح نفي الخلاف عن جواز أكله لذلك ، قال : « لأن الميتة والدم أفحش منه والهلاك يبيحهما ، فهذا أولى » بل لا إشكال في جوازه لدفع كل ضرر لا يتحمل مع انحصار الدواء فيه على حسب غيره مما هو أفحش منه.

إنما الكلام في التداوي به مع عدم الانحصار واحتمال النفع على حسب

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٣.

٣٦٩

غيره من الأدوية ، ولا ريب في جوازه مع فرض عدم تناول إطلاق ما دل (١) على النهي عن الطين لمثله ، ولعله كذلك ، خصوصا مع ملاحظة السيرة المستمرة على التداوي به من دون ملاحظة الضرورة المسوغة للمحرمات ، ولعل هذا هو المراد للمصنف وغيره ممن جوز تناوله للضرورة ، لا أن المراد الضرورة المسوغة لغيره من المحرمات ، إذ لا خصوصية له حينئذ ، والله العالم.

( الخامس : السموم القاتلة قليلها وكثيرها ) بلا خلاف ولا إشكال بل الإجماع بقسميه عليه ، للنهي (٢) عن قتل النفس والضرر وغيرهما وقال في مرسل تحف العقول (٣) عن الصادق عليه‌السلام : « كل شي‌ء يكون فيه المضرة على بدن الإنسان من الحبوب والثمار حرام أكله إلا في حال الضرورة ـ إلى أن قال ـ : وما كان من صنوف البقول مما فيه المضرة على الإنسان في أكله نظير بقول السموم القاتلة ونظير

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة.

(٢) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٩ وسورة البقرة : ٢ ـ الآية ١٩٥.

(٣) لم أعثر على هذا النهي بعد التتبع في مظانه ، وقد ورد الأمر بنزح سبع دلاء أو تحريك ماء البئر لوقوع سام أبرص فيها. راجع الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الماء المطلق من كتاب الطهارة. نعم روى في الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢ عن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث « أنه سئل عن العظاءة يقع في اللبن ، قال : يحرم اللبن. وقال : إن فيها السم ». والعظاية والعظاءة : دويبة ملساء أصغر من الحرذون تمشي مشيا سريعا ثم تقف. وتعرف عند العامة بالسقاية ، وهي أنواع كثيرة. والظاهر ان العظاءة والوزغ والسام أبرص من جنس واحد. ولعله ( قده ) أراد بالنهي الذي أشار إليه ما ورد في خبر عمار ، إلا انه لم يذكر فيه الموت ، بل المستفاد منه ان مجرد الوقوع في اللبن موجب للحرمة.

٣٧٠

الدفلى وغير ذلك من صنوف السم القاتل فحرام أكله ». بل ورد النهي (١) عن شرب ماء مات فيه سام أبرص ، لأن فيه سما.

( أما ما لا يقتل القليل منها كالأفيون والسقمونيا في تناول القيراط والقيراطين إلى ربع الدينار في جملة حوائج المسهل فهذا لا بأس به ، لغلبة السلامة ، ولا يجوز التخطي إلى موضع المخاطرة منه كالمثقال من السقمونيا والكثير من شحم الحنظل والشوكران ) ويقال له : الشيكران بإعجام الشين وإهمالها ، وهو نبت له ورق كورق القثّاء ، وله زهر أبيض ، وبزره كالأنيسون ( فإنه لا يجوز ، لما يتضمن من ثقل المزاج وإفساده ) وهما معا محرمان.

وفي الدروس « نهى الأطباء عن استعمال الأسود من السقمونيا الذي لا ينفرك سريعا ويجلب من بلاد الجرامقة ، وعما جاوز الدانقين من الأفيون قالوا : والدرهمان منه يقتل ، والدرهم يبطل الهضم إذا شرب وحده ، وقدروا المأخوذ من شحم الحنظل بنصف درهم ، وقالوا : إذا لم يكن في شجرة الحنظل غير واحدة لا تستعمل ، لأنها سم ».

وبالجملة كلما كان فيه الضرار علما أو ظنا بل أو خوفا معتدا به حرم ، نعم لو فرض فعل ذلك للتداوي عن داء جاز وإن خاطر إذا كان جاريا مجرى العقلاء ، لإطلاق بعض النصوص.

قال إسماعيل بن الحسن المتطبب (٢) : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني رجل من العرب ولي بالطب بصر ، وطبي طب عربي ، ولست آخذ عليه صفدا ، قال : لا بأس ، قلت له : إنا نبط الجرح ونكوي بالنار ، قال : لا بأس ، قلت : ونسقي هذه السموم الأسمحيقون

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣٤ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ٢.

٣٧١

والغاريقون ، قال : لا بأس ، قلت : إنه ربما مات ، قال : وإن مات قلت : نسقي عليه النبيذ ، قال : ليس في حرام شفاء ».

وقال يونس بن يعقوب (١) : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يشرب الدواء ويقطع العرق وربما انتفع به وربما قتله ، قال : يقطع ويشرب ».

وفي خبر إبراهيم بن محمد (٢) عن أبي الحسن العسكري عن آبائه عليهم‌السلام قال : « قيل للصادق عليه‌السلام : الرجل يكتوي بالنار وربما قتل وربما تخلص ، قال : قد اكتوي رجل على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو قائم على رأسه ».

وقال محمد بن مسلم (٣) : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام هل يعالج بالكي؟ فقال : نعم إن الله تعالى جعل في الدواء بركة وشفاء وخيرا كثيرا ، وما على الرجل أن يتداوى ، ولا بأس به ».

وقال يونس بن يعقوب (٤) : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يشرب الدواء وربما قتل وربما سلم منه ، وما يسلم أكثر ، فقال : أنزل الله الدواء وأنزل الشفاء ، وما خلق الله تعالى داء إلا وجعل له دواء ، فاشرب وسم الله تعالى ».

وفي خبر الحسين بن علوان (٥) المروي عن قرب الاسناد عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام عن جابر قال : « قيل : يا رسول الله أنتداوى؟ قال : نعم ، فتداووا ، فان الله لم ينزل داء إلا وقد أنزل له دواء ، وعليكم بألبان البقر ، فإنها ترف من كل الشجر » إلى غير ذلك ، مضافا إلى السيرة المستمرة وغيرها ، والله العالم.

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣٤ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣٤ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣٤ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ٨.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٣٤ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ٩.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٣٤ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ١٠.

٣٧٢

( القسم الخامس )

( في المائعات )

( والمحرم منها خمسة : )

( الأول : الخمر ) بلا خلاف فيه بين المسلمين ، بل هو من ضروريات دينهم على وجه يدخل مستحله في الكافرين ( و ) كذا لا خلاف في أنه يحرم ( كل مسكر ) ولو قلنا بعدم تسميته خمرا ، بل الإجماع بقسميه عليه ، وفي النبوي (١) : « كل مسكر خمر ، وكل خمر حرام » وفي الصحيح وغيره (٢) : « إن الله تعالى لم يحرم الخمر لاسمها ، ولكن حرمها لعاقبتها ، فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر ».

وحينئذ فكلما كان كذلك فهو حرام ( كالنبيذ ) المتخذ لذلك ( والبتع ) بكسر الموحدة وفتحها مع إسكان المثناة المتأخرة ( والفضيخ والنقيع والمزر ) بتقديم المعجمة على المهملة وغيرها من الأشربة التي تعمل للإسكار ، وإنما خصها تبعا للنص ، كصحيح ابن الحجاج (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الخمر من خمسة : العصير من الكرم ، والنقيع من الزبيب ، والبتع من العسل ، والمزر

_________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ١٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الأشربة المحرمة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ١.

٣٧٣

من الشعير ، والنبيذ من التمر » وفي المرسل (١) كالصحيح : « الخمر من خمسة أشياء : من التمر والزبيب والحنطة والشعير والعسل ».

والمراد بالمسكر : ما وجد فيه طبيعة الإسكار ولو بالكثير منه ، فإنه يحرم قليله أيضا بلا خلاف ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل النصوص فيه إن لم تكن متواترة اصطلاحا فهي مقطوعة المضمون ، ففي الصحيح وغيره (٢) « ما أسكر كثيره فقليله حرام » وزيد في آخر (٣) « قلت : فقليل الحرام يحله كثير الماء ، فرد عليه بكفه مرتين لا. لا » وفي الخبر (٤) « ما تقول في قدح من المسكر يغلب عليه الماء حتى تذهب عاديته ويذهب سكره ، فقال : لا والله ، ولا قطرة تقطر منه في حب إلا أهريق ذلك الحب ».

( و ) كذا لا خلاف في أنه يحرم ( الفقاع قليله وكثيره ) بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منه مستفيض أو متواتر أو قطعي ، كالنصوص التي فيها أنه خمر مجهول (٥) وأنه الخمر بعينها (٦) وأن حده حد شارب الخمر وأنه خمرة استصغرها الناس (٧) وفي بعضها (٨) « كل مسكر حرام وكل مخمر ( خمر خ ل ) والفقاع حرام » بل صرح غير واحد بأنه كذلك وإن لم يكن مسكرا ، ولعله لإطلاق النصوص المزبورة ، إلا أن التدبر فيه يقتضي كونه من المسكر ولو كثيرة.

أما الصنف الذي لا يسكر منه فلا بأس به ، للأصل وغيره ، ويمكن

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الأشربة المحرمة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ٨.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ٧.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ١.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ٣.

٣٧٤

إرادة المصنف ذلك بجعل الفقاع معطوف (١) على مدخول الكاف ، ومنه الذي كان يعمل لأبي الحسن عليه‌السلام في منزله كما في الصحيح (٢) وعن ابن أبي عمير (٣) أنه لا يعمل فقاع يغلي ، ولعله من ذلك ذكر غير واحد أنه إنما يحرم مع الغليان الذي هو النشيش الموجب للانقلاب ، إلا أن المصنف وغيره أطلق الحكم ، ولعله بناء على المتعارف في عمله وإن أمكن منعه ، خصوصا بعد صحيح علي بن يقطين (٤) عن الكاظم عليه‌السلام : « سألته عن شرب الفقاع الذي يعمل في الأسواق ويباع ولا أدري كيف عمل ولأمتي عمل ، أيحل أن أشربه؟ قال : لا أحبه » المشعر بالكراهة أو الظاهر فيها لا الحرمة.

بل هو مقتضى القواعد الشرعية التي منها حمل فعل المسلم على الوجه الصحيح ، ومنها أن كل شي‌ء يكون فيه حلال وحرام فهو حلال لك حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه ، وبذلك يظهر لك أنه لا يكفي في الحرمة تسميته فقاعا ، بل لا بد من العلم بكونه من القسم المحرم.

لكن في المسالك « والحكم معلق على ما يطلق عليه اسم الفقاع عرفا مع الجهل بأصله أو وجود خاصيته ، وهي النشيش ، وهو المعبر عنه في بعض الأخبار بالغليان (٥) ».

وفي الرياض بعد أن جعل المدار على الاسم وحكى عن جماعة التقييد المزبور واستدل له بظاهر الصحيح المزبور الذي اعترف بإشعاره بالكراهة قال : « قيل : ونزله الأصحاب على التحريم ، ولا ريب فيه مع إطلاق

_________________

(١) هكذا في النسختين المخطوطتين : المسودة والمبيضة ، والصحيح « بجعل الفقاع معطوفا ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ٢.

٣٧٥

الاسم عليه حقيقة عرفا ، وأما مع عدمه ففيه إشكال وإن كان الترك أحوط ».

وفيه ما عرفت من أنه لا وجه للتنزيل المزبور بعد اشتراك الاسم ووقوع العمل على وجهين ، وقاعدة حمل فعل المسلم على الوجه الصحيح وغير ذلك. على أنه بعد فرض اعتبار الغليان في حرمته يشكل الاكتفاء بالنشيش ، ضرورة كونه عرفا للانقلاب بالنار ، وكونه المراد به كذلك في العصير ـ لظهور بعض النصوص (١) ـ لا يقتضي كون المراد به هنا كذلك ، كما هو واضح.

وعلى كل حال فليس من المعلوم كونه منه ما تعارف في زماننا استعمال الأطباء له من ماء الشعير المغلي ، والله العالم.

( و ) كذا ( يحرم العصير ) العنبي وإن قلنا بطهارته ( إذا غلى ، سواء غلى من قبل نفسه أو بالنار ، ولا يحل حتى يذهب ثلثاه أو ينقلب خلا ) كما تقدم الكلام فيه وفي الزبيبي والتمري وكل عصير مفصلا في كتاب الطهارة (٢) فلاحظ وتأمل.

( و ) أما ( ما مزج بها أو بأحدها وما وقعت فيه من المائعات ) فهو حرام بلا خلاف ولا إشكال ، ضرورة عدم تحليل المحرم بالمزج ، مضافا إلى تنجيس المائع الذي وقع فيه شي‌ء من النجس منها ، فيحرم حينئذ لذلك ، بل الظاهر حرمة الممتزج بالطاهر منها إذا لم تتحقق استحالته إلى غيره من المحلل أو استهلاكه على وجه يلحق بها ، ولو للسيرة المستمرة التي تجعلها بحكم غير المحصور من المشتبه ، ضرورة عدم حلية المحرم بالاستهلاك بمعنى عدم التمييز بين أجزاء المحلل والمحرم ، كما هو واضح. والله العالم.

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ٣.

(٢) راجع ج ٦ ص ١٣ ـ ٣٧.

٣٧٦

( الثاني : الدم المسفوح ) المصبوب السائل كالدم في العروق لا كالكبد والطحال ( نجس : فلا يحل تناوله ) ولو قليلا منه ، بلا خلاف ولا إشكال ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منه مستفيض أو متواتر أو قطعي ، كالنصوص (١) التي منها ما تقدم في محرمات الذبيحة المشتملة على تعليل تحريمه بأنه يورث الكلب والقسوة في القلب والماء الأصفر والبخر وغير ذلك.

نعم ظاهر القيد في العبارة وغيرها بل هو صريح غير واحد حل ما في اللحم منه في الذبيحة ، بل في الرياض عن جماعة التصريح بالإجماع عليه ، وهو الحجة بعد الأصل والسيرة المستمرة وقاعدة نفي الحرج في الدين ، ضرورة تحققه مع فرض حرمته ، لعدم خلو اللحم منه وإن غسل مرات ، بل الظاهر إلحاق ما يتخلف في القلب والكبد ، لذلك أيضا وغيره ، وإن تردد فيه في المسالك مما سمعت ومن الاقتصار بالرخصة المخالفة للأصل على موردها ، ثم قال : « ولو قيل بتحريمه في كل ما لا نص فيه ولا اتفاق وإن كان طاهرا لكان وجها ، لعموم تحريم الدم وكونه من الخبائث ».

وفيه أنه قد اعترف سابقا بتخصيص العموم بمفهوم المسفوح ، ومنع العلم بخباثته ، خصوصا بعد تعارف أكله معهما كاللحم الذي معه ذلك ، وقد تقدم في كتاب الطهارة (٢) تمام القول في الدم المتخلف ، فلاحظ وتأمل. وكذا تقدم في وجه التعبير بالمسفوح مع أن الدم من ذي النفس محرم مطلقا ونجس كذلك من غير فرق بين مسفوحة وغيره إلا ما استثني ، اللهم إلا أن يقال : لا دم من ذي النفس إلا مسفوحا

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ و ٣١ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة.

(٢) راجع ج ٥ ص ٣٦٣ ـ ٣٦٥.

٣٧٧

أو أن المحرم منه والنجس المسفوح منه خاصة ، وهما معا كما ترى ، وقد تقدم تفصيل الحال في كتاب الطهارة (١) وحكينا عبارة المنتهى الموهمة ذلك ، والله العالم.

( و ) كيف كان فـ ( ما ليس بمسفوح ) مما يخرج من الحيوان غير ذي النفس ( كدم الضفادع والقراد وإن لم يكن نجسا ) للأصل وغيره ( فهو حرام ) بلا خلاف أجده فيه ، بل يمكن دعوى الإجماع عليه لا ( لاستخباثه ) إذ قد يمنع في البعض ، بل لكونه تابعا لحرمة الحيوان ذي الدم ، ضرورة كونه من أجزائه ، أما إذا لم يكن محرم الأكل كالسمك فيمكن منع الحرمة فيه ، بل عن المعتبر الإجماع على أكله بدمه ، ولعله كذلك للسيرة القطعية عليه وعلى غيره مما هو مأكول كالجراد ولتناول دليل حل أكله لدمه معه.

ومن هنا يظهر لك الفرق بين المأكول وغيره من غير ذي النفس ، بل والنظر في جملة من كلمات الأصحاب حتى الفاضل في الرياض وإن أطنب في المقام ، قال : « ومقتضى إطلاق المتن مضافا إلى الأصل والعمومات حل ما عدا المسفوح من الدم كدم الضفادع والقراد والسمك ، وهو ظاهر جملة من الأصحاب المستدلين به على طهارته ، كابني إدريس وزهرة والمختلف ، ولعله صريح الماتن في المعتبر في دم السمك ، حيث استدل فيه على طهارة دمه بأنه لو كان نجسا لوقفت إباحة أكله على سفح دمه بالذبح ، كحيوان البر ، لكن الإجماع على خلاف ذلك ، وأنه يجوز أكله بدمه ، وهو ظاهر في دعوى الإجماع عليه ، ولا بأس به في مورد عبارته لما ذكره ، مضافا إلى ما مر مع التأمل في خباثته ، ويشكل في غيره مما

_________________

(١) راجع ج ٥ ص ٣٥٤ ـ ٣٦٢.

٣٧٨

مر ومن القطع بخباثته ، فيشمله عموم ما دل (١) على تحريم كل خبيث ، ولعل هذا أظهر ، وفاقا للأكثر ، بل لم أقف فيه على مخالف صريح عدا من مر ومن قيد المحرم من الدم بالمسفوح ولم يذكر تحريم غيره كالغنية والتعارض بين عموم ما دل (٢) على تحريم كل خبيث وعموم المفهوم فيما قيد فيه المحرم من الدم بالمسفوح وحصر فيه وإن كان تعارض العموم والخصوص من وجه والأصل والعمومات ترجح المحلل منهما إلا أن اعتضاد المحرم بعمل الأكثر يرجحه ، هذا مع ضعف المحلل بمخالفة مفهوم الحصر فيه الإجماع من الكل ، لدلالته على حل ما عدا الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير ، والبناء فيه على التخصيص وحجية الباقي حسن إن بقي من الكثرة ما يقرب من مدلول العام ، وليس بباق بلا كلام ، ولا مفر عن هذا المحذور إلا بجعل الحصر منافيا أو منسوخا ، وأياما كان يضعف الاستناد إليه في المقام ، كما لا يخفى على ذوي الأحلام ، ومن هنا يتجه ما ذكره شيخنا في المسالك من أن الأصل في الدم التحريم إلا ما خرج بالنص والوفاق ».

وهو على طوله لا حاصل له ، بل فيه النظر من وجوه ، والتحقيق ما عرفت من الفرق بين المأكول وغيره ، بل لا ينبغي التأمل في جواز أكله معه ، نعم لو كان منفردا لم يحل ، لا للعلم بخباثته ، بل لإطلاق ما دل على حرمة الدم كتابا (٣) وسنة (٤) الذي يمكن منع منافاة قوله : ( مَسْفُوحاً ) له ، بناء على إرادة المراق منه ، لا خصوص ما يشخب من الأوداج ، فيكون الحاصل حينئذ أن الدم متى كان مجتمعا وليس بتابع

_________________

(١) سورة الأعراف : ٧ ـ الآية ١٥٧.

(٢) سورة الأعراف : ٧ ـ الآية ١٥٧.

(٣) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة.

٣٧٩

للحم ونحوه حرم مطلقا ، فتأمل جيدا.

وكذا لا إشكال ولا خلاف في حرمة العلقة وإن كانت من المأكول ، لأنها نجسة كما صرح به غير واحد ، بل عن الخلاف دعوى الوفاق عليه وهو الحجة بعد إطلاق نجاسة الدم الذي قد أشبعنا الكلام فيه في كتاب الطهارة (١).

كما أنه أشبعناه أيضا في نجاسة ما يوجد في البيض من الدم (٢) الذي هو إن لم يكن من العلقة فهو نجس أيضا ، للإطلاق المزبور ، خلافا لما عن الذكرى والمعالم وغيرهما من طهارة العلقة ، للأصل بعد عدم انصراف الإطلاق إليها ، سيما التي في البيضة مع عدم معلومية تسمية ما فيها علقة فلا تشمله حكاية إجماع الخلاف المتقدم.

وفي الرياض « وهو حسن إلا أن نجاسة العلقة من الإنسان بالإجماع المزبور ثابت ، وهو يستعقب الثبوت فيما في البيضة ، لعدم القائل بالفرق بين الطائفة ، فاذن الأشبه النجاسة مطلقا ، لكن مع تأمل ما في ثبوتها لما في البيضة ، بناء على التأمل في بلوغ عدم القول بالفرق المزبور درجة الإجماع المركب الذي هو حجة ، والاحتياط واضح سبيله ».

ولا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه هنا وما تقدم في كتاب الطهارة (٣) فلاحظ وتأمل.

( و ) كيف كان فقد ظهر لك مما ذكرناه هنا وفي كتاب الطهارة (٤) أن ( ما لا يدفعه الحيوان المذبوح ) المأكول لحمه ( ويستخلف ) ( في اللحم طاهر ، وليس بنجس ولا حرام ) والله العالم.

_________________

(١) راجع ج ٥ ص ٣٥٤ ـ ٣٦٢.

(٢) راجع ج ٥ ص ٣٦٢.

(٣) راجع ج ٥ ص ٣٦٢.

(٤) راجع ج ٥ ص ٣٦٣.

٣٨٠