جواهر الكلام - ج ٣٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

صحة البيع ، ضرورة عدم اقتضاء وجوب الاجتناب الخروج عن المالية ، ولذا لو أتلفه متلف على اشتباهه يضمنه ، لعموم الأدلة.

وبالجملة فالمتجه العمل بالخبرين (١) الجامعين لشرائط الحجية ، خصوصا بعد الشهرة المحكية في مجمع البرهان على العمل بهما ، وابن إدريس طرحهما على أصله ، بل لا ريب في أولوية ذلك مما في الدروس من الميل إلى تعرفه بالعرض على النار بالانبساط والانقباض كما سيأتي في اللحم المطروح المشتبه ، لخبر شعيب (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل دخل قرية فأصاب فيها لحما لم يدر أذكي هو أم ميت؟ قال : فاطرحه على النار ، فكلما انقبض فهو ذكي ، وكلما انبسط فهو ميت » ضرورة كونه علامة للمطروح الذي لا يعلم كونه بأجمعه مذكى أو ميتة ، لا المختلط الذي هو مفروض المسألة ، ودعوى عدم الفرق بينهما في ذلك ممنوعة بعد حرمة القياس ، على أنه بعد تسليمه يقتضي جواز كل منهما عملا بمجموع النصوص ، والله العالم.

( وكلما أبين من حي ) من أجزائه التي تحلها الحياة ( فهو ميتة ) حقيقة أو حكما ( يحرم أكله واستعماله ، وكذا ما يقطع من أليات الغنم ، فإنه لا يؤكل ، ولا يجوز الاستصباح به بخلاف الدهن النجس بوقوع النجاسة ) بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، بل الإجماع بقسميه عليه ، والنصوص مستفيضة فيه (٣) كما تقدم الكلام فيه مفصلا في

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١ و ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١ عن إسماعيل ابن شعيب.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الصيد والباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الذبائح من كتاب الصيد والذباحة والباب ـ ٦ ـ من أبواب ما يكتسب به ـ من كتاب التجارة.

٣٤١

المكاسب (١) فلاحظ.

( الثاني : المحرمات من الذبيحة ) التي لا أجد فيها خلافا معتد به كما اعترف به غير واحد ( خمس ) بل الإجماع بقسميه عليها ، بل المحكي منهما مستفيض ( الطحال والقضيب والفرث والدم والأنثيان ) واقتصار المفيد والديلمي في المحكي منهما على ما عدا الفرث والدم لمعلومية حكمهما للاستخباث وغيره ، كما أن التعبير بالكراهة في الطحال وغيره كما عن الإسكافي يراد منها الحرمة.

كل ذلك مضافا إلى النصوص ، ففي مرسل ابن أبي عمير (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « لا يؤكل من الشاة عشرة أشياء : الفرث والدم والطحال والنخاع والعلباء والغدد والقضيب والأنثيان والحياء والمرارة » ورواه في الخصال أيضا (٣). إلا أنه ذكر « الرحم » موضع « العلباء » و « الأوداج » موضع « المرارة » وقال : « أو قال : العروق » وعن نسخة « الغدد » موضع « العلباء ».

وخبر إسماعيل بن مرار (٤) عنهم عليهم‌السلام « لا يؤكل مما يكون في الإبل والبقر والغنم وغير ذلك مما لحمه حلال الفرج بما فيه ظاهره وباطنه ، والقضيب والبيضتان والمشيمة ، وهو موضع الولد ، والطحال لأنه دم ، والغدد مع العروق ، والنخاع الذي يكون في الصلب والمرارة والحدق والخرزة التي تكون في الدماغ والدم ».

_________________

(١) راجع ج ٢٢ ص ١٣ ـ ١٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٤.

(٣) أشار إليه في الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٣ وذكره في الخصال ج ٢ ص ٥٤ ط حجر.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٣.

٣٤٢

ومرسل الفقيه (١) قال الصادق عليه‌السلام : « في الشاة عشرة أشياء لا تؤكل : الفرث والدم والنخاع والطحال والغدد والقضيب والأنثيان والرحم والحياء والأوداج » وكذلك رواه في محكي الخصال ، إلا أنه بعد « أوداج » : « أو قال : العروق » (٢).

ومرسل البرقي في المحكي من محاسنه (٣) « حرم من الذبيحة سبعة أشياء ـ إلى أن قال ـ : فأما ما يحرم من الذبيحة فالدم والفرث والغدد والطحال والقضيب والأنثيان والرحم ».

وفي مرفوع أبي يحيى الواسطي (٤) « مر أمير المؤمنين عليه‌السلام بالقصابين فنهاهم عن بيع سبعة أشياء من الشاة ، نهاهم عن بيع الدم والغدد وآذان الفؤاد والطحال والنخاع والخصى والقضيب ، فقال له بعض القصابين : يا أمير المؤمنين ما الطحال والكبد إلا سواء ، فقال عليه‌السلام : كذبت يا لكع ، آتني بتورين من ماء أنبئك بخلاف ما بينهما ، فأتى بكبد وطحال وتورين من ماء ، فقال : شقوا الكبد من وسطه والطحال من وسطه ثم أمر فمرستا جميعا في الماء فابيضت الكبد ولم ينقص منها شي‌ء ولم يبيض الطحال ، وخرج ما فيه وصار دما كله ».

وخبر إبراهيم بن عبد الحميد (٥) عن أبي الحسن

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٨.

(٢) أشار ( قده ) إلى هذه الرواية بعد نقل مرسل ابن أبي عمير المتقدم في ص ٣٤٢ ، وليس في الخصال في المقام بهذا المضمون إلا رواية واحدة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١٩. وفيه « حرم من الذبيحة عشرة أشياء ... » كما في المحاسن ص ٤٧١ طبع طهران ١٣٧٠ وقد نقله ( قده ) كذلك فيما يأتي قريبا بعنوان خبر محمد بن جمهور المروي عن المحاسن ولكن في البحار ج ٦٦ ص ٣٨ نقلا عن المحاسن « حرم من الذبيحة سبعة أشياء ... ».

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

٣٤٣

« حرم من الشاة سبعة أشياء : الدم والخصيتان والقضيب والمثانة والغدد والطحال والمرارة ».

وفي خبر مسمع (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « إذا اشترى أحدكم اللحم فليخرج منه الغدد ، فإنه يحرك عرق الجذام ».

ومرسل الخصال (٢) « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يكره أكل خمسة : الطحال والقضيب الأنثيان والحياء وآذان القلب ».

وفي خبر محمد بن جمهور المروي عن المحاسن (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « حرم من الذبيحة عشرة أشياء ، وأحل من الميتة عشرة أشياء ، فأما الذي يحرم من الذبيحة فالدم والفرث والغدد والطحال والقضيب والأنثيان والرحم والظلف والقرن والشعر ، وأما الذي يحل من الميتة فالشعر والصوف والوبر والناب والقرن والضرس والظلف والبيض والأنفحة والظفر والمخلب والريش ».

بل في خبر صفوان بن يحيى الأزرق (٤) « قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام : « الرجل يعطى الأضحية لمن يسلخها بجلدها ، قال : لا بأس ، إنما قال الله عز وجل ( فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) (٥) والجلد لا يؤكل ولا يطعم ».

وخبر أبان بن عثمان (٦) المروي عن العلل « قلت لأبي عبد الله

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١٩.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١٤.

(٥) سورة الحج : ٢٢ ـ الآية ٣٦.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١١.

٣٤٤

عليه‌السلام : كيف صار الطحال حراما وهو من الذبيحة؟ فقال : إن إبراهيم ( على نبينا وآله وعليه الصلاة والسلام ) هبط عليه الكبش من ثبير وهو جبل في مكة ليذبحه أتاه إبليس فقال له : أعطني نصيبي من هذا الكبش ، فقال : أي نصيب لك؟ وهو قربان لربي وفداء لابني ، فأوحى الله إليه أن له فيه نصيبا ، وهو الطحال لأنه مجمع الدم والخصيتان لأنهما موضع النكاح ومجرى النطفة ، فأعطاه إبراهيم عليه‌السلام الطحال والأنثيين ، قلت : فكيف حرم النخاع؟ قال : لأنه موضع الماء الدافق من كل ذكر وأنثى ، وهو المخ الذي في فقار الظهر ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام : يكره من الذبيحة عشرة أشياء منها : الطحال والأنثيان والنخاع والدم والجلد والعظم والقرن والظلف والغدد والمذاكر ، وأطلق في الميتة عشرة أشياء : الصوف والشعر والريش والبيض والناب والقرن والظلف والانفحة والإهاب واللبن ، وذلك إذا كان قائما في الضرع » إلى غير ذلك من النصوص (١) الواردة في الدم والطحال ، ومنها الصحيح وغيره.

ولا يخفى عليك دلالة الجميع على الخمسة المتفق عليها ، بل وعلى الثمانية بإضافة الثلاثة التي أشار إليها المصنف بقوله ( وفي المثانة والمرارة والمشيمة تردد ، أشبهه التحريم ، لما فيها من الاستخباث). لكن في المسالك بعد ذكر بعض النصوص التي ذكرناها قال : « وكلها ضعيفة السند ، وتحريم ما ذكر مجتمع من جملتها ، فلذلك لم يحكم المصنف بمضمونها ، لقصورها عن إفادة التحريم ، فيرجع إلى الأدلة العامة ، وقد علمنا منها تحريم الدم والخبائث وتحليل الطيبات ، فما كان منها خبيثا يحرم لذلك ، وهو الخمسة التي صدر بها المصنف جازما بها ، وفي معناها

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة.

٣٤٥

الثلاثة التي نقل فيها الخلاف واختار تحريمها ، وهي المثانة والمرارة والمشيمة وعلل تحريمها بالاستخباث إشارة إلى ما ذكرناه من عدم دليل صالح على تحريمها بالخصوص ، بل ما دل على تحريم الخبائث ، والباقية لا يظهر كونها من الخبائث ، فتحريمها ليس بجيد ».

وفيه ما لا يخفى من عدم ظهور الخباثة في بعضها ، بل لا وجه للتردد في الحرمة معه ، كما لا وجه للفتوى بها مع التردد فيها ، لعدم تحقق عنوان التحريم حينئذ الذي لا يعارضه عدم تحقق عنوان الحل أيضا ، ضرورة اقتضاء ذلك بعد تسليمه الرجوع إلى الأصول ، ولا ريب في اقتضاء أصل الحل والبراءة منها عدم الحرمة كما هو واضح.

فالتحقيق كون المستند النصوص المزبورة المنجبر ضعف أسانيدها بالشهرة العظيمة المحققة والمحكية ، بل عن المرتضى وابن زهرة الإجماع على حرمة ما عدا المرارة من الثلاثة ، وعن ظاهر الخلاف دعواه أيضا في المثانة ، فإذا ثبت بإجماعهم الحكم بالحرمة في ما عدا المرارة ثبت الحكم بها فيها بالقطع باستخباثها ، مع احتمال الإجماع المركب ، لاتفاق كل من حرم ما عداها في الظاهر على حرمتها ، وعدم ذكرها في معقد الإجماع لمعلومية حكمها ، كما سمعته في الفرث والدم ، أو لاستبعاد أكلها أو لغير ذلك.

وفي الرياض « ومن هنا يمكن دعوى عدم الخلاف في حرمتها وحرمة المشيمة ، لأن الأصحاب ما بين مصرح بحرمة الأربعة عشر مع المشيمة كما عليه الحلي والقواعد والدروس واللمعة ، ونسبه في الروضة إلى جماعة ممن تأخر عن الحلي ، ومفت بحرمتها خاصة من دون ذكر المثانة ، كالشيخ في النهاية وجملة ممن تبعه ، كالقاضي وابن حمزة ، بل في المختلف والتحرير نسبته إلى المشهور ، ومفت بحرمة هذه الثلاثة مع الخمسة ، كالشرائع

٣٤٦

والمسالك وغيرهما ، ومفت بحرمة الثمانية مع الفرج ، كالفاضل في الإرشاد والتحرير والمختلف » إلى آخره.

قلت : الذي وقفنا على حكايته ممن تقدم على المصنف أن المفيد وسلار قالا : « لا يؤكل الطحال والقضيب والأنثيان » ولم يذكرا غيرها والمرتضى قال : « انفردت الإمامية بتحريم الطحال والقضيب والخصيتين والرحم والمثانة » وزاد عليه في الخلاف « الغدد والعلباء والخرزة » وعن أبي الصلاح وابن زهرة « يحرم سبعة : الدم والطحال والقضيب والأنثيان والغدد والمشيمة والمثانة » وقال الشيخ في النهاية وتبعه ابن حمزة : « يحرم أربعة عشر :

الدم والفرث والطحال والمرارة والمشيمة والفرج ظاهره وباطنه والقضيب والأنثيان والنخاع والعلباء والغدد وذات الأشاجع والحدق والخرزة ». ونقص ابن البراج الدم لظهوره ، وزاد ابن إدريس المثانة ، فهي عنده خمسة عشر ، واختاره الفاضل ناسبا له إلى أكثر علمائنا ، وعن الإسكافي « يكره من الشاة أكل الطحال والمثانة والغدد والنخاع والرحم والقضيب والأنثيين ».

وبعد تسليم إرادة الخلاف فأقصاه خلاف السيدين ، وهو لا يقدح في الإجماع ، كما لا يقدح فيه ما عن الحلبي من التعبير بكراهتها ، وكذا الإسكافي ضاما إليها الطحال والمثانة والرحم والقضيب والأنثيين ، مع احتمال أو ظهور إرادتهما الحرمة منها ، على أنه محجوج بالنصوص المزبورة المجبورة بما عرفت.

ولا يقدح تعارضها بالمفهوم والمنطوق باعتبار اقتضاء الحل في بعض والحرمة في آخر ، ضرورة أنه بعد تسليم صلاحية معارضة المفهوم للمنطوق فأقصاه كونه من باب العام والخاص الذي يجب فيه تحكيم الثاني على الأول كما هو مقرر في محله.

وبذلك كله اتضح لك وجه الحرمة في الثمانية المزبورة ، وبه يخص

٣٤٧

عموم ما دل على الحل من عموم الكتاب (١) والسنة (٢) كما هو واضح.

بل لا يبعد حرمة غيرها من تمام الخمسة عشر عدا ذات الأشاجع منها وإن قال المصنف ( أما الفرج والنخاع والعلباء والغدد وذات الأشاجع وخرزة الدماغ والحدق فمن الأصحاب من حرمها ، والوجه الكراهية ) إلا أن الأقوى خلافه ، للنصوص المزبورة المنجبرة بالشهرة المحكية عن المختلف والتحرير وإجماع ظاهر الخلاف على الغدد والعلباء وخرزة الدماغ وصريح الغنية على الأولين مع عدم تبين خلاف شي‌ء من ذلك ، خصوصا مع إمكان إرادة المقتصر على البعض بيان أن ذلك محرم منها ، لا انحصار التحريم فيما ذكره ، سيما مع تركه الدم والطحال المعلوم حرمتهما ، وكذا المرارة ، بل قد يقال : إن ثبوت الاثنين أو الثلاثة بالإجماع المزبور يقتضي ثبوت الجميع ، لعدم القائل بالفصل.

كل ذلك مضافا إلى ما في الرياض من أن الأول مروي في الخصال بسند صحيح على الظاهر ، وخبر إبراهيم بن عبد الحميد منها مروي في المحاسن بسند موثق ، وخبر إسماعيل بن مرار ليس فيه ما يتوقف فيه إلا إسماعيل الذي ذكر في الرجال ما يستأنس به للاعتماد عليه ، وإلى غير ذلك من تعاضد النصوص ، وروايتها في الكتب الأربع وغيرها ، وعمل الجميع بها في الجملة ، بل عمل بها من لا يعمل بأخبار الآحاد ، كابن إدريس وغيره ، وهو يقضي بتواترها إليه أو القطع بمضمونها ، ولا يقدح تعارض مفهوم بعضها مع منطوق الآخر بعد تحكيمه عليه لو سلم معارضته له ، فلا محيص عن العمل بها ، نعم لم أقف على ما تضمن ذات الأشاجع منها ، فيتجه الحكم بحلها ، اللهم إلا أن يتمم الحكم فيها بعدم القول بالفصل.

_________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ وغيره ـ من أبواب الذبائح من كتاب الصيد والذباحة.

٣٤٨

على أن المراد بها غير معلوم ، فإن الأشاجع كما عن الجوهري أصول الأصابع التي يتصل بعصب ظاهر الكف ، والواحد « أشجع » بفتح الهمزة وحينئذ فذات الأشاجع مجمع تلك الأصول ، وفي مجمع البرهان « الظاهر أن الأشاجع وذات الأشاجع واحد ، ولكن لا توجد المذكور في كل البهائم المحللة ، إلا أن يقال : هي أصول الأصابع والظلف وغيره ، فتوجد في الغنم والإبل والبقر ، ويمكن وجودها بالمعنى الأول في الطيور ويشكل تميزها ». قلت : ويسهل الخطب ما عرفت من عدم الدليل على حرمتها.

وأما خرزة الدماغ فعن الفقهاء أنه حبة في وسط الدماغ بقدر الحمصة إلى الغبرة ما هو ( تميل إلى الغبرة في الجملة خ ل ) يخالف لون الدماغ ، أي المخ الذي في الجمجمة.

والحدق جمع حدقة ، وهي سواد العين الأعظم.

والمراد بالمشيمة كما في غاية المراد قرينة الولد الذي تخرج معه ، والجمع « مشايم » مثل « معايش » لكن عن القاموس هي محل الولد ، كما في الخبر موضع الولد (١).

والنخاع عرق مستبطن الفقار ، وهو أقصى حد الذبح.

والعلباوان عصبتان عريضتان صفراوان ممدودتان من الرقبة على الظهر إلى الذنب.

ثم إن الظاهر من إطلاق المصنف وغيره وصريح غير واحد عدم الفرق في الذبيحة بين الكبير كالجزور وبين الصغير كالعصفور ، لكن في الروضة « يشكل الحكم بتحريم جميع ما ذكر مع عدم تميزه ، لاستلزام تحريم جميعه أو أكثره للاشتباه ، والأجود اختصاص الحكم بالنعم من

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٣.

٣٤٩

الحيوان الوحشي دون العصفور وما أشبهه ».

واستجوده في الرياض فيما كان مستند تحريمه الإجماع ، لعدم معلومية تحققه في العصفور وشبهه ، مع اختصاص عبائر جماعة من الأصحاب ـ كالصدوق وغيره وكجملة من النصوص (١) ـ بالشاة والنعم ، وعدم انصراف إطلاق باقي الروايات والفتاوى إليهما ، وأما ما كان المستند في تحريمه الخباثة فالتعميم إلى كل ما تحققت فيه أجود ، ومع ذلك فالترك مطلقا أحوط.

وفيه أن دليل معظمها أو أجمعها ما سمعته من النصوص وإن تأيدت في بعضها بالخباثة ونحوه ، فما ذكره رحمه‌الله لا يرجع إلى حاصل يعول عليه ، والتحقيق حرمة الجميع في كل ذبيحة لكن بعد تحقق مسماه أما مع عدم ظهوره فلا ، إذ لا يصدق أكله أو أكل شي‌ء منه حينئذ ، إذ لعله غير مخلوق في الحيوان المزبور ، مضافا إلى السيرة المستمرة على ذلك ، نعم لو علم شيوع أجزاء المحرم منها في جملة اللحم اتجه اجتنابه أجمع.

وربما يشهد له في الجملة ما تسمعه في الطحال المشوي ، ودعوى عدم تناول شي‌ء من النصوص السابقة للحيوان الصغير إلا في الدم والطحال أو مع الرجيع بناء على استخباثه ممنوعة ، خصوصا بعد الإطلاق في خبر إسماعيل عنهم عليهم‌السلام (٢) والعلم بإرادة المثال من الشاة في غيره لكل حيوان تحقق فيه مسمى المحرمات المزبورة ، نعم لا ينكر اختصاصها في الذبيحة.

أما مثل الجراد والسمك فلا ، بل لا يعلم خلق كثير من هذه المحرمات

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٨ و ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٣.

٣٥٠

فيهما أو أجمعها عدا الدم الذي ستعرف الكلام فيه والرجيع الذي مدار حرمته فيهما على الاستخباث الذي يمكن منعه هنا ، خصوصا إذا أكل في جملتها على وجه لا يعد فيه أكل شي‌ء من الخبيث ، لاستهلاكه في ضمن المأكول ، ولعل من ذلك ما يقع من فرث الغنم مثلا في لبنها ، وإن بقي أجزاء منه بعد إخراجه منه استهلكت فيه ، فتأمل جيدا.

( و ) كيف كان فلا خلاف في أنه ( يكره الكلى وأذنا القلب والعروق ) بمعنى عدم حرمة شي‌ء منها ، للأصل وغيره الذي لا يعارضه النهي عن العروق وآذان القلب في بعض النصوص (١) المزبورة التي لا جابر لها في ذلك ، بل الاتفاق ظاهرا على عدم إرادة الحرمة منه ، فلا محيص عن حمله على الكراهة.

بل لم نعثر في الكلي منها إلا على مرسل سهل عن بعض أصحابنا (٢) « إنه كره الكليتين ، وقال : إنما هما مجتمع البول » وهو مع كونه مرسلا ومضمرا غير صريح في إرادة الحرمة بها ، خصوصا بعد خبر محمد بن صدقة (٣) عن الكاظم عن آبائه عليهم‌السلام « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يأكل الكليتين من غير أن يحرمهما ، لقربهما من البول » الصريح في الكراهة ونحوه المروي عن العيون بأسانيده عن الرضا عن آبائه عليهم‌السلام (٤) وبعد ما عن المرتضى في الانتصار من الاتفاق على كراهتهما ، والله العالم.

( ولو شوى الطحال مع اللحم ولم يكن مثقوبا لم يحرم اللحم ) وإن كان تحته. ( وكذا لو كان اللحم فوقه ) لم يحرم وإن كان الطحال

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٣ و ١٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١٧.

٣٥١

مثقوبا ( أما لو كان مثقوبا وكان اللحم تحته حرم ) بلا خلاف أجده لموثق عمار (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام وقد سئل عن الجري يكون في السفود مع السمك ، فقال : « يؤكل ما كان فوق الجري ويرمى ما سال عليه الجري ، قال : وسئل عن الطحال في سفود مع اللحم وتحته الخبز وهو الجوذاب ، أيؤكل ما تحته؟ قال : نعم يؤكل اللحم والجوذاب ، ويرمى بالطحال ، لأن الطحال في حجاب لا يسيل منه ، فان كان الطحال مثقوبا أو مشقوقا فلا تأكل ما يسيل عليه الطحال ».

وفي الفقيه (٢) قال الصادق عليه‌السلام : « إذا كان اللحم مع الطحال في سفود أكل اللحم إذا كان فوق الطحال ، فان كان أسفل من الطحال لم يؤكل ، ويؤكل جوذابه ، لأن الطحال في حجاب ، ولا ينزل منه إلا أن يثقب ، فان ثقب سال منه ولم يؤكل ما تحته من الجوذاب فان جعلت سمكة يجوز أكلها مع جري أو غيرها مما لا يجوز أكله في سفود السمك أكلت التي لها فلوس إذا كانت في السفود فوق الجري وفوق التي لا تؤكل ، فان كانت أسفل من الجري لا تؤكل ». وفي مجمع البرهان « هي مرسلة فيه ».

وقريب منها رواية ضعيفة في التهذيب (٣) والكافي (٤) أيضا وزيد « سئل عن الطحال يحل أكله ، قال : لا تأكل فهو دم » وزيد أيضا قوله : « وتحته خبز وهو الجوذاب » وبالجملة بينهما مغايرة ، ولكن ليست بمعنوية ، وظاهره أنها غير خبر عمار.

وفي الوافي « السفود بالتشديد : الحديدة التي يشوى بها اللحم ، والجوذاب بالضم : خبز أو حنطة أو لبن وسكر وماء نارجيل علقت

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

٣٥٢

عليها لحم في تنور حتى تطبخ ».

بل عن الصدوقين عدم أكل اللحم إذا كان أسفل من الطحال مطلقا بخلاف الجوذاب ، فيؤكل مع عدم الثقب ، ولا يؤكل مع الثقب ، وإن كان هو كما ترى غير واضح الوجه مع شذوذه ، بل مخالف للنص المؤيد بالاعتبار المشتمل على التعليل القاضي بعدم الفرق بين الطحال وغيره مما لا يؤكل ، ومن هنا كان المحكي عن الصدوقين وابن حمزة مساواة غير الطحال مما لا يؤكل كالجري في اعتبار العلو والسفل ، مضافا إلى التصريح به في صدر الموثق.

خلافا للفاضل في محكي المختلف ، فخص الحكم بالطحال استضعافا للرواية التي هي من قسم الموثق الذي فرغنا من حجيته في الأصول ، سيما بعد الاعتضاد هنا بالشهرة أو عدم الخلاف ، وباتحاد الحكم فيهما ، وهو سيلان أجزاء من المحرم على المحلل.

ومن هنا كان المتجه تقييد الحكم بالتحريم في المسألتين بصورة إمكان السيلان من الأعلى المحرم إلى الأسفل المحلل ، فلو قطع بعدم السيلان لم يحرم ، للأصل بعد انسياق السيلان من مورد النص والفتوى ، بل قد عرفت التعبير به في الموثق الذي وجهه اختلاط أجزاء ما يحرم أكله مع ما يحل ، بل لو فرض حصول ذلك مع فرض كون المحلل فوق المحرم إلا أن بينهما مماسة على وجه تحصل الممازجة في بعض الأجزاء اتجه التحريم أيضا ، إلا أن المتجه بناء على ذلك تحقق السيلان المقتضي للتحريم.

لكن في الرياض « أن إطلاق النص والفتوى يقتضي الحرمة مع الشك في السيلان ، مع احتمال تقييدهما بصورة القطع به أو ظهوره ، فيحل في غيرهما عملا بالأصل ، ولا ريب أن التجنب أحوط ». وفيه أن إلحاق الظهور بالقطع محتاج إلى الدليل بناء على التقييد المزبور.

٣٥٣

بقي شي‌ء : وهو أنه قد يظهر من الموثق عدم الاكتفاء في الحرمة في الطحال بالثقب الحاصل من السفود الذي هو السيخ في عرفنا ، ولكن إطلاق الفتوى بخلافه ، ولذا فرض فيها الشوي مع الطحال من دون كونه في سفود ، ولا ريب أن الاجتناب هو الأحوط أو الأقوى ، ضرورة عدم الفرق في الثقب بين كونه من السفود أو غيره ، والله العالم.

( الثالث : الأعيان النجسة ) أصالة ( كالعذرات النجسة ) وغيرها بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى السنة المقطوع بها إن لم تكن متواترة اصطلاحا ، بل لعل التعليل في قوله تعالى (١) : ( فَإِنَّهُ رِجْسٌ ) دال عليه بناء على إرادة النجس منه ، مضافا إلى الاستخباث في جملة منها.

( وكذا ) يحرم ( كل طعام مزج بالخمر أو النبيذ المسكر أو الفقاع وإن قل ، أو وقعت فيه نجاسة وهو مائع كالبول ، أو باشره الكفار وإن كانوا أهل ذمة على الأصح ) من كونهم نجسين ، كما ذكرنا الكلام فيه مفصلا في كتاب الطهارة (٢) فينجس حينئذ الطعام المائع إذا باشروه فيحرم أكله ، لكونه كالنجس بالنسبة إلى ذلك بلا خلاف فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه أيضا ، بل النصوص الواردة في اجتناب السمن الواقع فيه فأرة وغيره (٣) كادت تكون متواترة ، بل هو من القطعيات إن لم يكن من الضروريات.

وكذا يجب اجتناب كل طعام امتزج بشي‌ء من النجس أو المتنجس

_________________

(١) سورة الأنعام : ٦ ـ الآية ١٤٥.

(٢) راجع ج ٦ ص ٤١ ـ ٤٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة والباب ـ ٦ ـ من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة.

٣٥٤

إذا كان محصورا ، للمقدمة ، بل ولغيرها مع فرض عدم انفكاك المتناول عن جزء من المحرم ، كما هو واضح ، والله العالم.

( الرابع : الطين ) بلا خلاف أجده ، بل الإجماع بقسميه عليه بل المحكي منهما مستفيض أو متواتر كالنصوص الواردة فيه المشتملة على كون أكله من مكائد الشيطان (١) ومصائده الكبار وأبوابه العظام (٢) ومن الوسواس (٣) ويورث السقم في الجسد ويهيج الداء (٤) ويورث النفاق (٥) ويوقع الحكمة في الجسد ويورث البواسير ويهيج داء السوداء ويذهب بالقوة من الساقين والقدمين (٦) وأنه مثل الميتة والدم ولحم الخنزير (٧) وأن من أكله ملعون (٨) وأن من أكله فمات فقد أعان على نفسه (٩) ولا يصلى عليه (١٠) وأن من أكله وضعف عن قوته التي كانت قبل أن يأكله وضعف عن العمل الذي كان يعمله قبل أن يأكله حوسب على ما بين ضعفه وقوته وعذب عليه (١١) وأن الله تعالى شأنه خلق آدم من طين فحرمه على ذريته (١٢) وأنه أكل لحوم الناس وخصوصا طين الكوفة ، لقول الصادق عليه‌السلام (١٣) : « من أكل طينها فقد أكل لحوم الناس ، لأن الكوفة كانت أجمة ثم كانت مقبرة ما حولها » وغير ذلك.

لكن في المسالك « المراد بها ما يشمل التراب والمدر » بل في مجمع البرهان « المشهور بين المتفقهة تحريم التراب والأرض كلها حتى الرمل

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١٠.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١٣ وفيه « ويهيج عليه داء السوء » كما في البحار ج ٦٠ ص ١٥٠.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١١.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١٥.

(٩) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٧.

(١٠) الوسائل ـ الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

(١١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢.

(١٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٥.

(١٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١٥.

٣٥٥

والأحجار » وفي الرياض ما حاصله من أنه يستفاد من استثناء طين قبر الحسين عليه‌السلام منه نصا (١) وفتوى عموم الحرمة للتراب الخالص والممزوج بالماء الذي هو معناه الحقيقي لغة وعرفا ، مضافا إلى تعليل التحريم بالإضرار للبدن الوارد في بعض النصوص (٢) والفتاوى بناء على حصول الضرر في الخالص قطعا ، ومنه يظهر وجه ما اشتهر بين المتفقهة من حرمة التراب والأرض كلها حتى الرمل والأحجار ، وضعف ما أورد عليهم من أن الذكور في النصوص الطين الذي هو حقيقة في التراب الممزوج بالماء ، إلا أن يخص الإيراد بصورة القطع بعدم ضرر هذه الأشياء ، وهو حسن إن صح ثبوتها ، مع أن الظاهر عدمها ، بل الظن حاصل بضررها مطلقا ، فتأمل جيدا.

قلت : هو كما ترى ، ضرورة معلومية حرمة أكل الطين تعبدا نصا (٣) وفتوى ، وأن ذكر الضرر فيه من حكم حرمته ، ومن هنا يحرم القليل منه المقطوع بعدم ضرر فيه ، فمن الغريب جعل ذلك علة يدور الحكم معها وجودا وعدما. وكأن الذي أوقعه في ذلك تصدير ثاني الشهيدين الاستدلال على حرمته بما فيه من الإضرار الظاهر بالبدن.

وحينئذ فمحل البحث حرمة التراب ونحوه على نحو حرمة الطين ، ولا ريب أن مقتضى الأصول عدمها ، ضرورة خروجه عن مسماه ، إذ هو لغة وعرفا كما اعترف به غير واحد تراب مخلوط بالماء ، وعن القاموس « الطين معروف ، والطينة قطعة منه ، وتطين : تلطخ به ».

وفي خبر معمر بن خلاد (٤) عن أبي الحسن

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

٣٥٦

« قلت له : ما يروي الناس في أكل الطين وكراهته؟ قال : إنما ذلك المبلول ، وذلك المدر » نعم هو ظاهر في عدم الفرق بين الرطب منه واليابس الذي هو المدر المشتمل عليه الخبر.

وفي مرفوع أحمد بن أبي عبد الله (١) « أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن أكل المدر » نعم في مجمع البرهان « لا بد أن يكون ممتزجا أولا به » وفيه أن المدار على صدق الطين عرفا.

ودعوى اقتضاء حرمته حرمة التراب ـ باعتبار كونه ترابا وماء ومن المعلوم عدم حرمة الثاني ـ واضحة الفساد ، ضرورة رجوعها إلى شبه العلة المستنبطة ، كما أن دعوى استثناء التربة الحسينية منه يقتضي ذلك ضرورة كون المستثنى نصا (٢) فتوى طين القبر ، وهو لا يقتضي حرمة التراب في المستثنى منه ، وإن قلنا بالشفاء في تربته إلا أن المستثنى من المحرم طين قبره.

قال الصادق عليه‌السلام في مرسل الواسطي (٣) : « الطين حرام أكله كلحم الخنزير ، ومن أكله ثم مات منه لم أصل عليه إلا طين القبر ، فان فيه شفاء من كل داء ، ومن أكله بشهوة لم يكن فيه شفاء ».

وقال سعد بن سعد (٤) : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الطين ، فقال : أكل الطين حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير إلا طين الحائر ، فإن فيه شفاء من كل داء وأمنا من كل خوف ».

وفي خبر سماعة بن مهران (٥) عن أبي عبد الله

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٤.

٣٥٧

« أكل الطين حرام على بني آدم ما خلا طين قبر الحسين عليه‌السلام من أكله من وجع شفاه الله » إلى غير ذلك من النصوص المشتملة على استثناء طينه التي لا تنافيها نصوص الاستشفاء بتربته (١) الشاملة له ولغيره من التراب ، ضرورة كون المراد من تربته محل قبره الشريف ، لا خصوص التراب منه ، كما هو واضح ، والمستثنى طينه دون ترابه الباقي على أصل الإباحة كغيره من أفراد التراب الذي لا يقيد إلا بالضرر.

وربما يؤيد الحل السيرة المستمرة على أكل الكمأة وعلى أكل الفواكه ذات الغبار وغيرها مما لا ينفك الإنسان عنه غالبا ، خصوصا في أيام الرياح ، بل يمكن القطع بعدم وجوب اجتناب الطعام بوقوع أجزاء تراب أو طين فيه وإن قلت ، والله العالم.

وعلى كل حال ( فلا يحل شي‌ء منه ) أي الطين ( عدا ) الطين من ( تربة الحسين عليه‌السلام فإنه يجوز الاستشفاء ) به بلا خلاف بل الإجماع بقسميه عليه ، بل النصوص (٢) فيه مستفيضة أو متواترة ، وفيها المشتمل على القسم ( و ) غيره من المؤكدات (٣).

نعم ( لا يتجاوز قدر الحمصة ) بلا خلاف أجده فيه ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه اقتصارا على المتيقن في مخالفة معلوم الحرمة ، وقول

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٧ والباب ـ ٧٠ ـ من أبواب المزار ـ الحديث ١ و ٥ و ٨ والباب ـ ٧٢ ـ منها ـ الحديث ٢ من كتاب الحج.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة والباب ـ ٧٠ ـ من أبواب المزار ـ الحديث ٢ من كتاب الحج.

٣٥٨

الصادق عليه‌السلام في حسن سدير (١) : « ولا تتناول منها أكثر من حمصة ، فإن تناول منها أكثر من ذلك فكأنما أكل من لحومنا ودمائنا ».

وفي الخبر (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام « إن الله تعالى خلق آدم من الطين فحرم الطين على ولده ، قال : قلت : فما تقول في طين قبر الحسين بن علي عليهما‌السلام؟ قال : يحرم على الناس أكل لحومهم ويحل لهم أكل لحومنا ، ولكن اليسير من مثل الحمصة ».

وفي مرسل المصباح (٣) « أن رجلا سأل الصادق عليه‌السلام فقال : إني سمعتك تقول : إن تربة الحسين عليه‌السلام من الأدوية المفردة ، وإنها لا تمر بداء إلا هضمته ، فقال : قد كان ذلك أو قلت ذلك ، فما بالك؟ فقال : إني تناولتها فما انتفعت بها ، قال عليه‌السلام : إن لها دعاء ، فمن تناولها ولم يدع به واستعملها لم يكد ينتفع بها ، قال : فقال له : ما أقول إذا تناولتها؟ قال : تقبلها قبل كل شي‌ء ، وتضعها على عينك ، ولا تتناول منها أكثر من حمصة ، فإن من تناول أكثر من ذلك فكأنما أكل من لحومنا ودمائنا ، فإذا تناولت فقل : اللهم إني أسألك بحق الملك الذي قبضها وأسألك بحق الملك الذي خزنها ، وأسألك بحق الوصي الذي حل فيها أن تصلي على محمد وآل محمد ، وأن تجعله

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٦ عن حنان بن سدير وفيه « من أكل من طين قبر الحسين عليه‌السلام غير مستشف به فكأنما أكل من لحومنا » كما نقله ( قده ) كذلك في ص ٣٦٨. وما ذكر من المتن فهو مرسلة الشيخ ( قده ) في المصباح المتهجد التي رواها في الوسائل بعد حسن حنان بن سدير ، كما هو كذلك في البحار ج ١٠١ ص ١٣٥ أيضا ، وسيأتي ذكر المرسل في الجواهر بعد أسطر.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧٢ ـ من أبواب المزار ـ الحديث ١ من كتاب الحج.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٧.

٣٥٩

شفاء من كل داء ، وأمانا من كل خوف ، وحفظا من كل سوء ، فإذا قلت ذلك فاشددها في شي‌ء ، واقرأ عليها إنا أنزلناه ، فإن الدعاء الذي تقدم لأخذها هو الاستئذان عليها ، وقراءة إنا أنزلناه ختمها ».

نعم ظاهر المصنف وغيره الاقتصار على الشرط المزبور لتناولها ، لكن في كشف اللثام بعد أن روى المرسل المزبور قال : « وهو يعطي اشتراط الاستشفاء بها بالدعاء والقراءة ، وقوله : « فإذا قلت ذلك فاشددها » إلى آخره يعطي أن يكون المراد بالتناول الأخذ من القبر لا الأكل » وفيه أن دلالته على الكمال أقوى من وجوه.

ثم قال : « وعن جابر الجعفي (١) « أنه شكا إلى الباقر عليه‌السلام علتين متغايرتين ( متضادتين خ ل ) كان به وجع الظهر ووجع الجوف ، فقال عليه‌السلام له : عليك بتربة الحسين بن علي عليهما‌السلام قال : فقلت : كثيرا ما استعملها ولا تنجح في ، قال : فتبينت في وجه سيدي ومولاي الغضب ، فقلت : يا مولاي أعوذ بالله من سخطك ، وقام فدخل الدار وهو مغضب ، فأتى بوزن حبة في كفه فناولني إياها ، ثم قال : استعمل هذه يا جابر ، فاستعملتها ، فعوفيت لوقتي ، فقلت : يا مولاي ما هذه التي استعملتها فعوفيت لوقتي؟ فقال : هذه التي ذكرت أنها لم تنجح فيك شيئا ، فقلت : والله يا مولاي ما كذبت فيما قلت ، ولكن لعل عندك علما فأتعلمه منك ، فيكون أحب إلى مما طلعت عليه الشمس ، قال : فإذا أردت أن تأخذ من التربة فاعمد إليها آخر الليل ، واغتسل بماء القراح ، والبس أطهر ثيابك ، وتطيب بسعد ، وادخل فقف عند الرأس فصل أربع ركعات ، تقرأ في الأولى الحمد مرة وإحدى عشرة مرة قل يا أيها الكافرون ، وفي الثانية الحمد مرة وإحدى عشرة مرة

_________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب المزار ـ الحديث ١ من كتاب الحج.

٣٦٠