جواهر الكلام - ج ٣٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الجوهري وصاحب القاموس ، ومن الأطباء نصير الدين الكشي وداود الأنطاكي ، ومن الفقهاء الشيخ وعلي بن بابويه في كفارات الإحرام وابن إدريس والعلامة والشهيدان وابن فهد والصيمري والكركي في مسألة موت الطير في البئر.

وربما يؤيده أنها على هيئة الطيور وصفاتها في قائمتها وجناحها وريشها ومنقارها وبيضها ، بل عن أمير المؤمنين عليه‌السلام النص على أنها من الطير في خطبته التي ذكر فيها عجائب خلق الحيوان (١).

لكن عن الدميري أن المتكلمين على أنها من الوحش ، وليست بطائر وإن كانت تبيض ولها جناح وريش ، إلا أنها لما لم تطر لم تكن طيرا ، ولذا يجعلون الخفاش طائرا ـ وإن كان يحبل ويلد وله أذنان بارزتان ولا ريش له ـ لوجود الطيران له ، وعن سلار وابن سعيد اختيار ذلك.

وربما يؤيده قوله تعالى (٢) ( وما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ ) وقوله تعالى (٣) ( أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ) وقول الصادق عليه‌السلام (٤) وقد سئل عن الدجاج الحبشي : « ليس من الصيد ، إنما الطير ما طار بين السماء والأرض » وقول الجواد عليه‌السلام (٥) وقد سأله يحيى بن أكثم عن صيد المحرم : « إن المحرم إذا قتل صيدا في الحل والصيد من ذوات الطير من كبارها فعليه شاة ، وإذا أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا ـ إلى أن قال ـ :

_________________

(١) نهج البلاغة : الخطبة ١٨٣ « ص ٧٣١ ط إيران ».

(٢) سورة الأنعام : ٦ ـ الآية ٣٨.

(٣) سورة الملك : ٦٧ ـ الآية ١٩.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب كفارات الصيد ـ الحديث ١ من كتاب الحج.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب كفارات الصيد ـ الحديث ٢ من كتاب الحج.

٣٢١

وإذا كان من الوحوش فعليه في حمار الوحش بدنة ، وكذلك في النعامة » وفي طريق آخر (١) « إن كان حمار وحش فبقرة ، وإن كان نعامة فبدنة » مضافا إلى عظم جثتها وارتفاعها عن جثة الطيور.

لكن قد يقال : إن الآيتين محمولتان على الغالب ، والمراد من الرواية الأولى حصر ما يمتنع من الطير بطيرانه ، كما يدل عليه قوله عليه‌السلام : « ليس من الصيد » بل عن الكافي « إنما الصيد » بدل قوله : « إنما الطير » ومن الثانية إلحاق النعامة بالوحش من حيث إنها صيد ، فان امتناعها بالعدو كالوحوش دون الطيران ، لعدم استقلالها به ، ولا ينافي ذلك كونها طيرا فان الدجاج من الطيور قطعا ، ولا يستقل بالطيران ، وعظم جثتها وارتفاعها لا ينافي كونها طيرا ، فان من الطيور ما هو أعظم منها وأرفع كالرخ الذي هو طائر هندي يأوي جبال سرانديب ، ومنه ـ كما قيل ـ ما هو أعظم من البعير ، وربما قصد المركب وأغرقه ، وبيضه كالقبة العظيمة.

وكيف كان فهي حلال وفاقا لظاهر المبسوط أو صريحه ، بل قد يستفاد منه الاتفاق على ذلك باعتبار دعواه فيه عدم الخلاف في وجوب الجزاء على المحرم بصيده الحيوان المأكول الوحشي ، ونص على عدم الجزاء في غيره من المأكول الانسي والمحرم الوحشي ، ثم قال : « الصيد على ضربين : أحدهما له مثل كالنعام وحمار الوحش والغزال ، وهو مضمون بمثله من البدنة والبقرة والشاة » ثم ذكر الضرب الثاني وهو ما لا مثل له ، وبين حكمه.

ومقتضى التدبر في كلامه أن النعامة من جنس المأكول ، لأن لها جزاء إجماعا ، وقد عرفت نفيه الخلاف عن الجزاء للمحلل الوحشي دون غيره ، فتكون النعامة محللة إجماعا.

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب كفارات الصيد ـ الحديث ١ من كتاب الحج.

٣٢٢

ثم ذكر حكم البيوض التي لها مقدر منصوص ، وهي بيض النعام وبيض القطا وبيض القبج ، وبين مقدراتها الشرعية ، ثم قال : « إذا كسر بيض ما يؤكل لحمه من الطيور غير ما ذكرناه من المنصوص عليه كان عليه قيمته » وهو واضح الدلالة على حل النعام وكونه من جنس الطيور.

وظاهر النافع وصريح سلار ويحيى بن سعيد ـ وإن كان ظاهرهما أو صريحهما ـ كونها من الوحوش لا الطيور ، بل حلها ظاهر كل من جعل المحرم على المحرم صيد الحيوان المحلل الممتنع بالأصالة وخصوص الأسد والثعلب والأرنب والضب والقنفذ واليربوع وبعض الأفراد الخاصة من المحرم كالشهيد في الدروس والروضة والمسالك ، ضرورة حرمة صيدها على المحرم إجماعا ، كضرورة عدم ذكرها في الأفراد المحرمة التي نصوا عليها ، فليست هي إلا من المأكول ، بل هو بملاحظة ما ذكرناه من الإجماع على حرمة صيدها على المحرم ظاهر السيوري في التنقيح والكنز والخراساني في الكفاية والفاضل الأصبهاني في شرح القواعد.

بل قد يستفاد من التأمل في كلماتهم المفروغية من كون النعامة من المأكول ، ولعله كذلك ، إذ لم نعرف مخالفا في ذلك إلا الصدوق في الفقيه حيث قال : « ولا يجوز أكل شي‌ء من المسوخ ـ وعد النعامة منها ـ » مع أنه في الخصال ذكر من الأخبار (١) ما يستفاد منه حصرها في الثلاثة عشر ، وليست النعامة منه ، وكذا في المجالس ، بل استقصى في العلل في الباب الذي عقده لذكر علل المسوخ وبيان أصنافها الروايات الواردة في ذلك (٢) ولا ذكر للنعامة في شي‌ء منها ، فخلافه إما مرتفع لاضطرابه في مبنى الحكم أو غير قادح في تحصيل الإجماع ، خصوصا بعد ملاحظة إطباق المتأخرين عنه على الحل من غير إشارة من أحد منهم إلى

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١٢ و ١٣ و ١٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١٢ و ١٣ و ١٤.

٣٢٣

خلافه في الفقيه الذي هو بين أيديهم ، حتى في مثل الخلاف والمختلف المعدين لأمثال ذلك.

على أنه لو كان حل النعامة من خصائص العامة لعرف تحريمها في المذهب ، كما علم تحريم الضب والأرنب وغيرهما مما اختصوا به ، فإن أحكام المطاعم والمشارب متميزة عن غيرها بظهور الخلاف والوفاق ، لظهور السيرة فيها بالتناول والاجتناب ، بل الحيوان بخصوصه متميز من بينها باستمرار العادة على التوقي عما يحرم منه ، حتى أن أجرى الناس على المعاصي وارتكاب المناهي لا يجترئ على أكل الحيوان المحرم ، بل ربما تورع عن المشتبه حتى يتبين له الحل.

مؤيدا ذلك كله بعمل المسلمين وتظاهرهم في سائر الأعصار والأمصار على أكلها وأكل بيضها من غير احتياط ولا تناكر ، بل ليست هي عندهم إلا كالغزلان ونحوها من الصيود المحللة ، بل بيض النعام لا يزال يباع ويشتري في سوق المسلمين ، ويوهب ويهدى بمرئي من العلماء والصلحاء وأهل الورع والتقوى من دون نكير ولا أمر باحتياط ولا وسوسة ، بل هي سيرة مستمرة معلومة بدلالة الطارف على التالد ونقل الولد عن الوالد وحكاية الخلف فعل السلف حتى تتصل بزمان صاحب الشرع على وجه يعلم كون الحكم منه بالقول أو الفعل أو التقرير ، فكان ذلك إجماعا محصلا من السيرة المزبورة فضلا عن تحصيله من المفروغية التي ذكرناها بين الأصحاب ، خصوصا مع ملاحظة نصهم على الحيوان المحرم ، والمفروض تناول الناس للنعامة وبيضها في أزمنتهم ، ولم يذكر أحد فيها شبهة أو احتمالا ، وذلك إن لم يستفد منه الضرورة فلا ريب في حصول اليقين منه بكونها من قسم الحلال ، كما هو واضح.

كل ذلك مضافا إلى ما قيل من أصالة الحل والإباحة المستفادة من

٣٢٤

العقل والكتاب العزيز ، كقوله (١) ( خَلَقَ لَكُمْ ) وغيره ، والسنة كقوله عليه‌السلام (٢) : « كل شي‌ء مطلق حتى يرد فيه نهي » وغيره ، وإن كان قد يناقش بعدم جريانه في مثل الحيوان المعتبر في حله التذكية التي مقتضى الأصل عدمها في المشكوك في قابليته لها.

ومن تناول ما دل على حل الطيبات وحرمة الخبائث في الكتاب العزيز (٣) لها ، لأنها من الأطعمة التي تستطيبها الأنفس وتستلذها من غير فرق بين الحاضر والباد والمعدم وذي اليسار والعجمي والعربي ، وإن كان قد يناقش بأنه لا يتم في الحيوان أيضا بعد ما عرفت من استفادة اعتبار التذكية في حله من قوله (٤) ( إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ ) وغيره متمما بأصالة عدم حصولها في المشكوك في قابليته شرعا لها.

نعم قد يستدل لحلها بقوله تعالى (٥) ( لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ) وقوله عز من قائل (٦) ( وحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً ) وقوله عز وجل (٧) ( غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ) لأن النعامة من جملة الصيد المحرم على المحرم إجماعا ونصوصا مستفيضة أو متواترة (٨).

بل لعل قوله تعالى (٩) : ( ومَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ

_________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب صفات القاضي ـ الحديث ٦٠ من كتاب القضاء.

(٣) سورة الأعراف : ٧ ـ الآية ١٥٧.

(٤) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٣.

(٥) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٩٥.

(٦) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٩٦.

(٧) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ١.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب كفارات الصيد من كتاب الحج.

(٩) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٩٥.

٣٢٥

ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) دال عليه باعتبار ظهوره في أن لكل من النعم مثلا من الصيد ، ولا مماثل للإبل غير النعام.

والمراد بالصيد المحرم على المحرم خصوص الحيوان المحلل ، كما هو أحد القولين في المسألة ، بل عن ظاهر السيوري الإجماع عليه ، بل لعله المتبادر من الصيد ، لأنه الغاية القصوى منه ، ولظهور قوله تعالى (١) : ( فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ) فيه ، بل إطلاق الأخبار الكثيرة (٢) جواز الأكل من الصيد من غير تقييد بالمحلل دال عليه أيضا ، ضرورة ظهور ترك التقييد فيها على كثرتها في عدم دخول المحرم في إطلاق الصيد ، وكذا الروايات الواردة في اضطرار المحرم إلى الصيد أو الميتة (٣) المتضمن أكثرها أنه « يأكل من الصيد ويفدي ولا يأكل من الميتة » والظاهر من الآيات المزبورة حل الصيد لو لا الإحرام ، فيتركب قياس على هيئة الشكل الأول ، وهو النعامة صيد محرم على المحرم ، وكل صيد محرم على المحرم فهو حلال ، فالنعام حلال.

ولا ينافي ذلك ثبوت الكفارة لبعض الأفراد المحرمة بدليل مخصوص ، ولذا لم يعم كل حيوان محرم ، وإطلاق الصيد في بعض كلام العرب لاستحلالهم جميع الأفراد قبل ورود المنع ، بل قد يدل قوله تعالى (٤) : ( وحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً ) من وجه آخر ، وهو أن الصيد فيه بمعنى المصيد نحو قوله تعالى (٥) ( لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ) وقوله تعالى (٦) ( لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْ‌ءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ ) ومن هنا احتج به الأصحاب على تحريم ما اصطاده المحل على المحرم ، بل

_________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ و ٣ و ٤ وغيرها ـ من أبواب الصيد من كتاب الصيد والذباحة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب كفارات الصيد من كتاب الحج.

(٤) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٩٦.

(٥) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٩٥.

(٦) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٩٤.

٣٢٦

عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) وابن عباس (٢) الاحتجاج به على من خالف في ذلك من الصحابة.

وعلى هذا فمعنى تحريم الصيد في الآية تحريم أكله ، وتخصيصه بحالة الإحرام يدل على جواز أكل المحل منه ، واللازم منه حل النعامة للمحل ، لدخولها في الصيد المحرم على المحرم ، وتبعية المفهوم للمنطوق في العموم والخصوص ، بل لعل قوله تعالى (٣) ( وإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا ) دال على المطلوب أيضا ، ضرورة ظهوره في أنه يباح للمحل كل صيد حرم على المحرم ، والنعام مما حرم على المحرم ، فيحل للمحل. والمراد من إباحة الصيد للمحل إباحته له ولو للأكل الذي هو الغاية القصوى منه ، فلا أقل من دخوله في الإطلاق ، والحمل على مجرد إبطال الامتناع في غاية البعد بل إن اشترطنا في تحريم الصيد على المحرم كونه محللا أو قلنا بتحريم قتل الحيوان لغير الوجه المأذون فيه شرعا اتضحت الدلالة.

بل قد يدل على المطلوب قوله تعالى (٤) ( وعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ ) ـ إلى قوله ـ ( ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنّا لَصادِقُونَ ) » بناء على أن المراد من ذي الظفر كل ما ليس بمنفرج الأصابع ، كالإبل والنعام والبط ، كما في كنز العرفان ، بل قيل : إنه المشهور بين قدماء المفسرين ، بل حكاه في مجمع البيان والدر المنثور عن ابن عباس وسعيد ابن جبير وقتادة ومجاهد والسدي وابن جريح ، وعلى ظهور التخصيص باليهود الحل لغيرهم ، وإلا لم يكن لذكرهم فائدة ، كما اعترف به في الكنز

_________________

(١) تفسير الدر المنثور ـ ج ٢ ص ٣٣٢.

(٢) تفسير الدر المنثور ـ ج ٢ ص ٣٣٢.

(٣) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٢.

(٤) سورة الأنعام : ٦ ـ الآية ١٤٦.

٣٢٧

أيضا ، ويشعر به قوله ( ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ ) بل وقوله (١) : ( فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ ).

وحينئذ تتم الدلالة على المطلوب الذي يدل عليه أيضا ـ بناء على أن النعامة من الوحوش ـ عموم قول الصادق عليه‌السلام في خبر علي بن أبي شعبة المروي عن تحف العقول (٢) : « وأما ما يحل أكله من لحوم الحيوان فلحم البقر والغنم والإبل ، ومن لحوم الوحش كل ما ليس له ناب ولا مخلب » ونحوه المروي عن دعائم الإسلام (٣).

بل وعموم ما دل (٤) على حل الحيوان مطلقا عدا ما استثني في الكتاب (٥) خرج من ذلك السباع والحشار والمسوخ ، والنعامة ليست من الأوليين قطعا ، ولا من الثالث على الأصح كما عرفت.

وبناء على أنها من الطيور يدل على حلها جميع ما دل على حل ما دف منها وحرمة ما صف (٦) لمعلومية كونها من ذوات الدفيف ، بل لا صفيف فيها آنا من الآنات ، ولا ينافي ذلك عدم استقلالها بالطيران ، ضرورة صدق الدفيف الذي هو الضرب بالجناحين على الدفتين وفي خبر جميل (٧) عن أبي عبد الله عليه‌السلام المروي عن جامع البزنطي « أنه سأل عن الدجاج السندي أيخرج من الحرم؟ قال : نعم

_________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ١٦٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ١ عن الحسن بن علي بن شعبة الذي هو صاحب كتاب تحف العقول.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ١.

(٤) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ١.

(٥) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب كفارات الصيد ـ الحديث ٣ من كتاب الحج.

٣٢٨

إنها لا تستقل بالطيران ، إنها تدف دفيفا ».

على أن النصوص ظاهرة في عدم خلو الطير عن الصفيف أو الدفيف ولا ريب في أن النعامة بناء على أنها منه من ذات الدفيف ، كما أنه لا ريب في حلها بملاحظة ما ذكرناه في علامات الحل والحرمة للطير ، فلاحظ وتأمل.

كل ذلك مضافا إلى ما روي في النعامة بالخصوص من طرق العامة والخاصة ، فمن الأول ما رواه المجلسي في البحار نقلا عن مسند أحمد وأبي يعلى عن عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي (١) قال : « إنه اصطاد أهل الماء حجلا فطبخوه وقدموا به إلى عثمان وأصحابه فأمسكوا ، فقال رجل : إن عليا يكره هذا ، فبعث إلى علي عليه‌السلام فجاء وهو غضبان ، فقال له : إنك لكثير الخلاف علينا ، فقال عليه‌السلام : أذكر الله رجلا شهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أتي بعجز حمار وحشي وهو محرم ، فقال : إنا قوم محرمون فأطعموه أهل الحل؟ فشهد اثنا عشر رجلا من الصحابة ، ثم قال : أذكر الله رجلا شهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أتي بخمس بيضات من بيض النعامة فقال : إنا محرمون فأطعموه أهل الحل؟ فشهد اثنا عشر رجلا من الصحابة ، فقام عثمان ودخل فسطاطه وترك الطعام على أهل الماء » وهو دال صريحا على حل بيض النعام ، وقد عرفت سابقا تلازم حل البيض وحل اللحم.

ولا يقدح وروده من طريق الجمهور بعد مطابقته لظاهر الكتاب وفتوى الأصحاب وارتفاع التهمة لهم في ذلك ، خصوصا بعد تضمنه منقبة علي عليه‌السلام ومثلبة عدوه ، وكونه حجة عليهم فيما خالفوه

_________________

(١) البحار ـ ج ٩٩ ص ١٦٠ ومسند أحمد ج ١ ص ١٠٠ والمجلسي نقله عن المناقب لابن شهرآشوب وهو ينقل عن أحمد وأبي يعلى.

٣٢٩

من جواز أكل المحرم ما يصطاده المحل ، وفيه تكذيب لما صححوه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من أكل الصيد وهو محرم (١) وما كان مثل ذلك يجوز الاستشهاد به.

ومنها ما رواه ابن شهرآشوب في المناقب عن أبي قاسم الكوفي والقاضي نعمان في كتابيهما عن عمر بن حماد بإسناده عن عبادة بن الصامت (٢) قال : « قدم قوم من الشام حجاجا فأصابوا أدحى نعامة ـ أي مبيضها ـ فيه خمس بيضات وهم محرمون ، فشووهن وأكلوهن ، ثم قالوا : ما أرانا إلا وقد أخطأنا ، وأصبنا الصيد ونحن محرمون ، فأتوا المدينة وقصوا على عمر القصة ، فقال : انظروا إلى قوم من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاسألوهم عن ذلك ليحكموا فيه ، فسألوا جماعة من الصحابة فاختلفوا في الحكم في ذلك ، فقال عمر : إذا اختلفتم فهاهنا رجل كنا أمرنا إذا اختلفنا في شي‌ء بالرجوع إليه ، فيحكم فيه ، فأرسل إلى امرأة يقال لها : عطية ، فاستعار منها أتانا ، فركبها وانطلق بالقوم معه حتى أتوا إلى علي عليه‌السلام وهو بينبع ، فخرج اليه علي عليه‌السلام فتلقاه ، فقال : هلا أرسلت إلينا فنأتيك؟ فقال عمر : الحاكم يؤتى إليه في بيته ، فقص عليه القوم ، فقال علي عليه‌السلام لعمر : مرهم فليعمدوا إلى خمس قلائص من الإبل ، فليطرقوها للفحل ، فإذا أنتجت أهدوا ما نتج منها جزاء عما أصابوا ، فقال عمر : يا أبا الحسن إن الناقة قد تجهض ، فقال علي عليه‌السلام : وكذلك البيضة قد تمرق ، فقال عمر : فلهذا أمرنا أن نسألك ».

_________________

(١) سنن البيهقي ـ ج ٥ ص ١٨٨.

(٢) البحار ـ ج ٩٩ ص ١٥٩.

٣٣٠

ومن الثاني صحيح أبي عبيدة الحذاء (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « سألته عن رجل محل اشترى لرجل محرم بيض نعامة فأكله المحرم ، قال : على الذي اشتراه للمحرم فداء ، وعلى المحرم فداء ، قلت : وما عليهما؟ قال : على المحل جزاء قيمة البيض لكل بيضة درهم ، وعلى المحرم جزاء ، لكل بيضة شاة ».

وصحيح عبد الله الأعرج (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن بيضة نعامة أكلت في الحرم ، قال : تصدق بثمنها ».

والصحيح عن ابن رئاب عن أبان بن تغلب (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في قوم حاج محرمين أصابوا أفراخ نعام ، فأكلوا جميعا قال : عليهم مكان كل فرخ أكلوه بدنة يشتركون فيها جميعا ، فيشترونها على عدد الفراخ وعلى عدد الرجال ».

وعن الشيخ روايته في التهذيب مسندا عن أبي جميلة وابن رئاب (٤) وزاد « قلت : فان منهم من لا يقدر على شي‌ء ، قال : يقوم بحساب ما يصيبه من البدن ، ويصوم لكل بدنة ثمانية عشر يوما ».

والتقريب في مجموع الأخبار أنها دالة على معلومية حل النعام في الصدر الأول وفي زمان الأئمة عليهم‌السلام وأن بيضها كان في عصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يهدى ويؤكل من غير نكير ، وأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إنما رده لمكان الإحرام لا للتحريم ، ولو كان

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب كفارات الصيد ـ الحديث ٥ من كتاب الحج.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب كفارات الصيد ـ الحديث ٦ من كتاب الحج عن سعيد بن عبد الله الأعرج.

(٣) أشار إليه في الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب كفارات الصيد ـ الحديث ٤ من كتاب الحج وذكره في الفقيه ج ٢ ص ٢٣٦ الرقم ١١٢٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب كفارات الصيد ـ الحديث ٤ من كتاب الحج.

٣٣١

في أصل الشرع حراما لبينه النبي والأئمة ( صلوات الله عليهم ) في مقام الحاجة إلى البيان ، بل قوله عليه‌السلام في أحد الصحيحين (١) : « قيمة » وفي الآخر (٢) : « ثمن » واضح الدلالة على تعارف بيعه وتقويمه ، إذ المحرم لا ثمن له ، وبالجملة لا يكاد ينكر ظهور النصوص المزبورة في المفروغية من ذلك ، وفي معلومية حل النعام وبيضة عندهم كما هو واضح.

كل ذلك مع ضعف دليل التحريم ، كضعف القول به ، إذ ليس هو إلا ذكر الصدوق لها من المسوخ ، وهي محرمة إجماعا ونصوصا (٣) وكون النعامة من الطيور المنوط حلها بعلامات الدفيف والحوصلة والقانصة والصيصية ، والأربعة مفقودة في النعامة ، أما الأول فلاختصاصه بالمستقل بالطيران ، وهي لا تستقل به ، وأما الثلاثة فبالمشاهدة والنقل ، ومعلومية التلازم بين البيض واللحم ، وبيضها حرام ، لتساوي طرفيه بشهادة الحس فيحرم لحمه أيضا.

والجميع كما ترى ، ضرورة فساد توهم المسخ فيها بعد ثبوت الحل بما ذكرناه من الأدلة التي تقصر هذه عن مقاومتها من وجوه ، على أن العلامات المزبورة للمشتبه من الطير والبيض دون النعامة التي هي ـ بعد تسليم كونها طيرا على وجه يندرج في إطلاقه في (٤) نصوص العلامات (٥)

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب كفارات الصيد ـ الحديث ٥ من كتاب الحج.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب كفارات الصيد ـ الحديث ٦ من كتاب الحج.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة.

(٤) هكذا في النسخة المخطوطة المبيضة ، لكن الموجود في النسخة المخطوطة بقلم المصنف ( قده ) « ما في » وهو الصحيح.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ و ١٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة.

٣٣٢

من معلوم الحكم لحما وبيضا بالأدلة السابقة.

كما أن عد الصدوق لها من المسوخ ـ بعد أن لم يسنده إلى حجة تقطع العذر ـ لا ينبغي أن يصغى إليه ، واحتمال كون ذلك من ذيل ما رواه من خبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (١) في غاية البعد خصوصا بعد أن كان مرويا في الكافي (٢) والتهذيب (٣) من دون هذه الزيادة التي لا يخفى على العارف بأساليب الكلام كونها من كلام الصدوق ، ودعوى أنه ما أخذ ذلك إلا من خبر وصل إليه ـ إذ هي ليست مسألة اجتهادية ـ كما ترى ، فان مجرد ذلك لا يسوغ لنا التعويل عليه على وجه نحرم به ما قامت الأدلة على حله ، ضرورة كونه بعد التسليم يمكن أن يكون خبرا لا نقول بحجيته ، على أن خلو نصوص المسوخ (٤) ـ المشتملة على تفصيلها وعللها بل ظهورها في حصرها بغيرها حتى ما رواه الصدوق نفسه فيها في الخصال والمجالس والعلل ـ أوضح شاهد على وهمه في ذلك أو على تصحيف البغاقة بالمعجمتين بينهما ألف وكأنها البوم ، أو على غير ذلك.

وبالجملة كان تطويل الكلام أزيد من ذلك في حكمها من اللغو الذي أمرنا بالإعراض ( عنه ظ ) وإنما وقع ما وقع منا لما حكي عن بعض من قارب عصرنا من الفتوى بالحرمة ، والله الموفق والهادي.

( و ) كيف كان فقد ظهر لك مما ذكرنا هنا وسابقا أن ( بيض

_________________

(١) راجع الفقيه ج ٣ ص ٢١٣ الرقم ٩٨٨.

(٢) لم يتعرض الكليني ( قده ) في الكافي لهذا الخبر ، وانما الراوي له فقط الصدوق والشيخ « قدس‌سرهما » راجع الوافي المجلد ٣ « الجزء ١١ ص ١٠ ».

(٣) راجع التهذيب ج ٩ ص ٤١ الرقم ١٧٤ والاستبصار ج ٤ ص ٧٤ الرقم ٢٧١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة.

٣٣٣

ما يؤكل ) لحمه ( حلال ، وكذا بيض ما يحرم حرام ) بلا خلاف أجده ، بل عن ظاهر المختلف وصريح الغنية الإجماع عليه ، وفي كشف اللثام الاتفاق عليه ، ولعله كذلك مضافا إلى الخبرين (١) المتقدمين في بيض السمك الدالين على التبعية المزبورة التي يشهد لها مع ذلك أيضا خبر أبي الخطاب (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل يدخل الأجمة فيجد فيها بيضا مختلفا لا يدري بيض ما هو؟ أبيض ما يكره من الطير أو يستحب؟ فقال عليه‌السلام : إن فيه علما لا يخفى ، أنظر إلى كل بيضة تعرف رأسها من أسفلها فكل ، وما سوى ذلك فدعه ».

وخبر أبي يعفور (٣) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني أكون في الآجام فيختلف علي البيض ، فما آكل منه؟ فقال : كل منه ما اختلف طرفاه » باعتبار تقرير الامام عليه‌السلام السائل على ما عنده من كلية التبعية المزبورة.

بل قد يقال : إن التبعية المزبورة هي مقتضى الأصل ، لكون البيض كالجزء منه ، خصوصا بعد استقراء ما ورد (٤) من ذلك بالخصوص في مثل الغراب والطاوس والدجاج وغيرها ، بل لعل منها ما هو ظاهر في التبعية المزبورة ، هذا كله في المعلوم.

( و ) أما ( مع الاشتباه ) فـ ( يؤكل ما اختلف طرفاه

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٧ والباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ٢ راجع ص ٢٦٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٦ عن ابن أبي يعفور.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٥ والباب ـ ٧ ـ منها ـ الحديث ٥ والباب ـ ٢٠ ـ منها ـ الحديث ٢ و ٥ والباب ـ ٢٧ ـ منها ـ الحديث ٧.

٣٣٤

لا ما اتفق ) بلا خلاف ، بل في ظاهر كشف اللثام وعن صريح الغنية الإجماع عليه ، بل هو محقق ، للخبرين (١) المزبورين وخبر مسعدة (٢) « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : كل من البيض ما لم يستو رأساه ، وقال : ما كان من بيض طير الماء مثل بيض الدجاج وعلى خلقته أحد رأسيه مفرطح وإلا فلا تأكل » والمفرطح : العريض.

وخبر عبد الله بن سنان (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « عن بيض طير الماء ، فقال : ما كان منه مثل بيض الدجاج يعني على خلقته فكل ».

وصحيح محمد بن مسلم (٤) عن أحدهما عليهما‌السلام « إذا دخلت أجمة فوجدت بيضا فلا تأكل منه إلا ما اختلف طرفاه فكل ».

ولا يخفى بعد التدبر في جميع هذه أن المراد من الإطلاق أو العموم في بعضها خصوص المشتبه الذي هو مورد جملة منها صريحا أو ظاهرا ، بل لعل ما دل على الكلية المزبورة كالخبرين المتقدمين في السمك خاص في المعلوم ، فيحكم على الإطلاق المزبور الشامل له وللمشتبه.

وفي الرياض « وإطلاقها أو عمومها وإن شمل البيض الغير المشتبه أيضا إلا أن ورود أكثرها فيه مع الإجماع على اختصاص الضابط هنا به اقتضى حل بيض ما يؤكل لحمه مطلقا ولو استوى طرفاه ، وحرمة بيض ما لا يؤكل لحمه كذلك وإن اختلف طرفاه ، عملا بعموم ما دل على التبعية ، هذا مع اعتضاد الحكم بالحل في الأول مطلقا بعموم ما دل على الإباحة من الكتاب (٥) والسنة (٦) والحكم فيه في صورة اختلاف الطرفين

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٣ و ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١ وليس في ذيل الحديث « فكل » كما في الكافي ج ٦ ص ٢٤٨ والتهذيب ج ٩ ص ١٥.

(٥) راجع الآيات المتقدمة في ص ٢٣٧.

(٦) المتقدمة في ص ٢٣٧.

٣٣٥

والحكم بالحرمة في الثاني في صورة تساويهما باتفاق نصوص الضابطين على الحل في الأول والحرمة في الثاني ».

قلت : لا يخفى عليك ما فيه ، هذا كله على تقدير انفكاك الضابطين وإمكان تعارضهما ، كما لعله المشاهد في مثل بيض النعام ، وأما على تقدير التلازم بينهما كما هو ظاهر الخبر الأول فلا إشكال أصلا ، والله العالم.

( و ) كيف كان فلا خلاف ولا إشكال في أن ( المجثمة حرام ، وهي التي تجعل غرضا وترمى بالنشاب حتى تموت ) ضرورة كونها ميتة حينئذ ( و ) كذا ( المصبورة وهي التي تجرح وتحبس حتى تموت).

( القسم الرابع )

( في الجامدات )

أي غير الحيوان الحي وإن كان مائعا كالخمر ( ولا حصر للمحلل منها ) الذي هو مقتضى أصالة الحل ( فلنضبط المحرم ) حتى يكون ما عداه محللا. وكأنه أشار بذلك إلى الفرق بين الحيوان والجامد بعدم جريان الأصل المزبور فيه ، لأصالة عدم التذكية وغيرها ، بل ومع قطع النظر عن ذلك ، فان ضوابط الحل والحرمة فيه على وجه لا يحتاج فيه إلى الأصل المزبور ، من غير فرق بين الحيوان البري والمائي والوحشي والانسي والطير وغيره ، كما عرفت الكلام فيه مفصلا.

لكن في المسالك « التحقيق أن هذا كله لا يفيد الحصر ، بل هو

٣٣٦

الغالب ، ولهذا أسلفنا في أول الباب أن ما يوجد من الأشياء التي لا نص للشارع فيها سواء كانت حيوانا أم غيره يحكم فيها بالحل ، حيث تكون مستطابة ، لآية (١) ( أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ ) إلا أن الحيوان مضبوط في الجملة زيادة على غيره ».

وفيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه سابقا من وجود الضوابط في الحيوان على وجه لا يخرج منها الحلال والحرام منه في البهائم الإنسية والوحشية والبرية والبحرية والطيور ، إذ البحر يحرم كل حيوان فيه عدا السمك ، وهو عدا ذو الفلس ، والبهائم الإنسية يحل منها الأنعام والحمولة ويحرم من الوحشية السباع ، بل كل ذي ناب والمسوخ والحشرات وذوات السموم ، ويحل منها الخمسة أو الستة ومسمى الانسي منها حتى الحمولة وغير ذي الناب ، وليس أحد أفراد النوع المحرم ، وأما الطيور فيحرم منها ذو المخلب وما كان صفيفه أكثر من دفيفه والممسوخ وفاقد العلامات الثلاثة وما نص عليه بالخصوص كالغراب ، ويحل منه ما كان دفيفه أكثر أو مساويا وما كان فيه إحدى العلامات الثلاثة مع عدم معارضة شي‌ء مما يقتضي التحريم ، فلم يبق منها شي‌ء يحتاج فيه إلى الأصل ، كما لا يخفى على من أحكم ما قدمناه ، والله العالم.

( و ) كيف كان فـ ( قد سلف منه ) أي المحرم ( شطر في كتاب المكاسب ) (٢) ( ونذكر هنا خمسة أنواع : ) ( الأول الميتات ) المقابلة للمذكاة من ذي النفس وغيره ( وهي محرمة إجماعا ) بقسميه وكتابا (٣) وسنة (٤) وخصوصا ما لا يقبل التذكية منه لنجاسة وغيرها.

_________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤.

(٢) راجع ج ٢٢ ص ٨ ـ ٢٤.

(٣) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة.

٣٣٧

( نعم قد يحل ) من طاهر العين ( منها ) حال حياته ( ما لا تحله الحياة ، فلا يصدق عليه الموت ) المفروض كونه السبب في التحريم ( وهو الصوف والشعر والوبر والريش ، وهل يعتبر فيها الجز؟ الوجه أنها إن جزت فهي طاهرة ) بلا إشكال ولا خلاف ( وإن استلت غسل منها موضع الاتصال ، وقيل : لا يحل منها ما يقلع ، والأول أشبه ، والقرن والظلف والسن والبيض إذا اكتسى القشر الأعلى والانفحة).

( وفي اللبن روايتان ) (١) ( إحداهما الحل ، وهي أصحهما طريقا ، والأشبه ) عند المصنف ( التحريم ، لنجاسته بملاقاة الميت ) كما قدمنا الكلام في ذلك كله مفصلا في كتاب الطهارة (٢) ، فلاحظ وتأمل. وإن كان هو من حيث الطهارة والنجاسة إلا أن لازمهما الحل والحرمة ، ولعله ظاهر المصنف وغيره ممن استثناها من حرمة أكل الميتة هنا ، بل هو مقتضى الأصول ، من غير فرق بين الصوف والشعر والعظم وغيرها حتى الانفحة ، وما تسمعه في بعض النصوص (٣) من عد العظم في محرمات الذبيحة لم نجد عاملا به من كبراء الأصحاب ، والله العالم.

( وإذا اختلط الذكي بالميت وجب الامتناع من ) أكل ( ه‍ ) مع الحصر ( حتى يعلم الذكي بعينه ) بلا خلاف معتد به أجده فيه ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه ، خصوصا مع الامتزاج ، لقاعدة المقدمة المؤيدة بالنبوي (٤) « ما اجتمع الحلال والحرام إلا وغلب الحرام الحلال »

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة.

(٢) راجع ج ٥ ص ٣١١ ـ ٣٣١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١١.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يكتسب به ـ الحديث ٥ من كتاب التجارة.

٣٣٨

وغيره مما تضمن الاجتناب عن مثله (١) واستعمال القرعة (٢) ونحوها.

خلافا للمقدس الأردبيلي وبعض من تبعه فجوزه ، لدعوى الأصل الممنوعة ، كما قررناه في محله ، ول قول الصادق عليه‌السلام في صحيح ابن سنان (٣) : « كل شي‌ء يكون فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه ». وصحيح ضريس الكناسي (٤) سأل أبا جعفر عليه‌السلام « عن السمن والجبن نجده في أرض المشركين بالروم فآكله؟ فقال : أما ما علمت أنه قد خلطه الحرام فلا تأكله ، وأما ما لم تعلم فكله حتى تعلم أنه حرام » المحمولين ـ خصوصا الأخير منهما الذي يمكن أن يكون شاهدا للأول ـ على غير المحصور ، وإلا لكان مقتضاه حل الجميع لشخص واحد ، وهو مقتض لارتفاع حكم الميتة حينئذ مع الاشتباه بغيرها ، وهو معلوم العدم ، بل ما تسمعه من نصوص المنع عن بيعه إلا على مستحل الميتة (٥) شاهد على ما قلناه.

( و ) كيف كان فـ ( هل يباع ممن يستحل الميتة؟ قيل ) والقائل الشيخ في محكي النهاية وابن حمزة فيما حكي عنه ( نعم ) لصحيح الحلبي (٦) « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إذا اختلط الذكي والميتة باعه ممن يستحل الميتة وأكل ثمنه » وحسنه عنه عليه‌السلام أيضا (٧) أنه « سئل عن رجل كانت له غنم وبقر فكان يدرك المذكى

_________________

(١) البحار ـ ج ٦٥ ص ١٤٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١ و ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يكتسب به ـ الحديث ١ من كتاب التجارة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢.

٣٣٩

منها ، فيعزله ويعزل الميتة ، ثم إن الميت والمذكى اختلطا كيف يصنع به؟ قال : يبيعه ممن يستحل الميتة ، فإنه لا بأس به ».

ومال إليه المصنف في الجملة حيث قال ( وربما كان حسنا إن قصد بيع المذكى حسب ) وكأنه لاحظ الجواب بذلك عما ذكره ابن إدريس وغيره من المنع ، لما عرفت من حرمة الانتفاع بالميتة بالبيع وغيره ، لأن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه.

ولكن قد يشكل بما في المسالك من أنه مع عدم التميز يكون المبيع مجهولا ولا يمكن إقباضه ، فلا يصح بيعه منفردا ، وبأنه قد يأخذ أكثر من ثمن المذكى إذا باع الاثنين ظاهرا ، وبأنه يقصد بيع الواحد والمشتري أكثر ، وبأنه لو كان مع قصد ذلك يصح البيع لصح بيعه لغير المستحل ، وبأن المستحل مشارك لغير المستحل في الحكم الذي هو عدم جواز الانتفاع المقتضي لعدم صحة البيع من غير المستحل ، لأن الأصح مخاطبة الكافر بالفروع.

ولعله لذا قال في المختلف تخلصا من ذلك : « إنه ليس بيعا ، بل استنقاذ مال الكافر برضاه » وإن كان قد يناقش ـ مع كونه منافيا لأصالة الحقيقة ـ بعدم انحصار المستحل لها في غير محترم المال كالذمي ونحوه ، ورضاه لا يقتضي جواز المعاملة معه بوجه فاسد حتى يؤثر إباحة ماله الذي فرضنا احترامه.

نعم قد يقال : إن المراد بالبيع في النص مطلق النقل الذي يكون بالصلح والهبة المعوضة ونحوهما مما لا يشترط فيه المعلومية ، أو يقال بالاكتفاء في صحة البيع مع قصد المذكى منهما وإن اشتبه بغيره ، خصوصا بعد فرض كونه معلوما لهما ، ويكفي في القبض التخلية بينه وبينه ، وليس فيها إعانة على الإثم إذا قبض الكافر الجميع لنفسه ، وكونه مكلفا بالفروع لا ينافي

٣٤٠