جواهر الكلام - ج ٣٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الزاغ ، وهو غراب الزرع ، والغداف ، وهو أصغر منه ، أغبر اللون كالرماد وقال الشافعي : الأسود والأبقع حرام ، والزاغ والغداف على وجهين : أحدهما حرام والثاني حلال ، وبه قال أبو حنيفة ، دليلنا إجماع الفرقة وعموم الأخبار في تحريم الغراب ، وطريقة الاحتياط » وظاهره أو صريحه تحريم الجميع ، مع أنه حكى عنه في التنقيح تحليل الزاغ والغداف.

وفي المبسوط « ما لا مخلب له من الطير مستخبث وغير مستخبث فالمستخبث ما يأكل الميتة ونحوها ، وكلها حرام ، وهو النسر والرخم والبغاث والغراب ونحو ذلك عندنا وعند جماعة ، وروي (١) « أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أتي بغراب فسماه فاسقا ، وقال : ما هو والله من الطيبات » والغراب على أربعة أضرب : الأول الكبير الأسود الذي يسكن الجبال ويأكل الجيف ، والثاني الأبقع ، فهذان حرامان ، والثالث الزاغ ، وهو غراب الزرع ، والرابع الغداف ، وهو أصغر منه ، أغبر اللون كالرماد ، قال قوم : هو حرام لظاهر الأخبار ، وقال آخرون : هو مباح ، وهو الذي ورد في رواياتنا ».

وفي المحكي عنه في فصل ما يلزم المحرم من الكفارة التصريح بأن الغراب من غير المأكول ، ولكن مع ذلك حكى عنه في التنقيح أن الأولين حرام والثالث مباح والرابع مختلف فيه.

وفي اللمعة « ويحل غراب الزرع في المشهور ، والغداف وهو أصغر منه إلى الغبرة ما هو ».

وفي التحرير « ويحرم الغداف من الغربان ، وهو الكبير الأسود الذي يأكل الجيف ويفترس ، ويسكن الخربان ، وكذا الأغبر الكبير الذي يفرس ويصيد الدراج ، وكذا الأبقع طويل الذنب ، وأما الزاغ وهو

_________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

٣٠١

غراب الزرع الصغير الأسود ففيه قولان : أقربهما الكراهة ».

وفي القواعد « وأما الغراب فيحرم منه الكبير الأسود الذي يسكن الجبال ويأكل الجيف والأبقع ، وأما الزاغ وهو غراب الزرع والغداف وهو أصغر منه أغبر اللون كالرماد ففي تحريمهما خلاف ».

وفي كشف اللثام وفي المحيط والمجمل والمفصل وشمس العلوم « أن الغداف الغراب الضخم » وفي الصحاح والديوان والمغرب المعجم وغيرها من أنه غراب القيض ، قال في المغرب : « ويكون ضخما وافر الجناحين ». وفي العين والمغرب المهمل « أنه غراب القيض الضخم الوافي الجناحين » وفي الأساس والسامي والمهذب « أنه غراب أسود » وفي التحرير والسرائر ما سمعت ، ثم قال : « والمراد هنا المعنى الأول ، لأن فيه الخلاف ».

وكيف كان فقد تلخص من ذلك أن الأقوال فيه أربعة أو خمسة : الحل مطلقا ، والحرمة كذلك ، والتفصيل بين الزاغ وغيره ، أو هو مع الغداف ، وربما كان ظاهر اللمعة التوقف في الزاغ دون الغداف.

وعلى كل حال فلم نجد شيئا يدل على شي‌ء من هذه التفاصيل ، كما اعترف به غير واحد ، سوى ما عساه يقال مما أرسله في الخلاف من ورود الرخصة في الأخيرين ، مع الانجبار بدعوى الشهرة ، أو يقال : إن رواية الحل منجبرة بالشهرة فيهما بخلاف الأخيرين ، فإن رواية التحريم على حالها فيهما ، أو يقال : إن الزاغ منه قد نص على تحريمه في صحيح التحريم (١) بخلاف الغداف ، أو غير ذلك مما هو كما ترى ، خصوصا بعد عدم العمل بما أرسله في الخلاف المنبئ عن عدم ثبوته عنده ، وخصوصا بعد عدم تحقق شهرة بسيطة معتد بها.

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٣.

٣٠٢

وطرح الخبرين (١) معا والرجوع إلى علامات الحل والحرمة مع دعوى تحقق الأولى في الزاغ والغداف أو في أحدهما وتحقق الثانية في غيرهما لا يوافق أصول المذهب بعد جمعهما لشرائط الحجية ، على أن الثلاثة من علامات الحل في المجهول الذي لم يرد فيه من الشرع تحريم ، فليس حينئذ إلا الترجيح بينهما على إطلاقهما ، ولا يخفى عليك أن رواية التحريم (٢) أصح سندا ومعتضدة بغيرها مما دل عليه من نص وإجماع محكي ومخالفة العامة والاحتياط وأصالة عدم التذكية وغير ذلك.

واحتمال معارضة ذلك ـ بأن رواية الحل (٣) أصرح دلالة ، لأعمية عدم الحل من الحرمة ، وصلاحيتها قرينة على إرادة الكراهة ، خصوصا بعد اشتمالها على تنزه النفس ، وباعتضادها بخبر غياث (٤) المشتمل على التصريح بالكراهة ، وبعمومات الحل وعلاماته ـ يدفعه أن حمل عدم الحل على الكراهة ليس بأولى من حمل الحل على التقية المتعارف خروج النصوص مخرجها ، ودعوى عدم العلم بمذاهب العامة في ذلك بل المحكي عنهم التفصيل لا تعارض دعوى ثبوتها من المطلع على مذاهبهم ، والكراهة في خبر غياث أعم منها بالمعنى المصطلح ، على أنه مشتمل على التعليل بكونه فاسقا ، بل فيه إشعار بموافقة النبوي المشتمل على ترك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لما جي‌ء به إليه وسماه فاسقا ، وعمومات الحل يدفعها ما عرفت سابقا من أصالة عدم التذكية ومعظم علاماته في المجهول ، كما ستعرف.

بل قد يقال : إن الغراب جميعه له مخلب وإن كان مخلب الزاغ والغداف منه ضعيفا ، خصوصا بناء على إرادة مطلق الظفر منه ، نحو

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١ و ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢.

٣٠٣

ما سمعته في الناب من الوحش الذي يظهر من موثق سماعة (١) الآتي في تفسير النبوي المشتمل عليه ، على أنه علامة للحرمة وإن لم يكن سبعا ، فيحتمل مثله في المخلب ، إذ المروي (٢) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله النهي عن ذي الناب من الوحش والمخلب من الطير ، فإذا كان المراد من الأول حرمة صاحبه وإن لم يكن سبعا يقوى إرادة مثله في ذي المخلب ولا أقل أن من ذلك كله يحصل الشك ، والأصل عدم التذكية ، فالأحوط والأقوى اجتناب الغراب بأقسامه ، والله العالم.

الصنف ( الثاني ما كان صفيفه ) أي بسط جناحيه حال طيرانه كما هو مشاهد في جوارح الطير ، لا الصفيف بالمعنى الأعم الذي هو استقلال الطير بالطيران ، كما أطلق في جملة من النصوص (٣) إذ المراد هنا الأول قطعا ، وعلى كل حال فمتى كان صفيفه بالمعنى الأول ( أكثر من دفيفه ) الذي هو بمعنى ضرب جناحه على دفته المقابل للصفيف بالمعنى الأخص ( فإنه يحرم ) بريا كان أو بحريا ، بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى النصوص.

قال زرارة (٤) : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عما يؤكل من الطير ، فقال : كل ما دف ولا تأكل ما صف ».

وفي موثق سماعة (٥) « كل ما صف وهو ذو مخلب فهو حرام ، والصفيف كما يطير البازي والحدأة والصقر وما أشبه ذلك ، وكل ما دف فهو حلال ».

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨٢ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٣ والباب ـ ١٢ ـ من أبواب كفارات الصيد ـ الحديث ٦ والباب ـ ٤٠ ـ منها الحديث ١ من كتاب الحج.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢.

٣٠٤

و قال ابن أبي يعفور (١) : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني أكون في الآجام فيختلف علي الطير فما آكل منه؟ فقال : كل ما دف ولا تأكل ما صف ».

وفي الفقيه في حديث آخر (٢) « إن كان الطير يصف ويدف فكان دفيفه أكثر من صفيفه أكل ، وإن كان صفيفه أكثر من دفيفه فلا يؤكل ، ويؤكل من طير الماء ما كانت له قانصة أو صيصية ، ولا يؤكل ما ليس له قانصة أو صيصية » إلى غير ذلك من النصوص التي هي كما تدل على حل ذي الدفيف تدل على حرمة ذي الصفيف المحمول ـ بقرينة المرسل المزبور وما يشاهد من الوجدان في الصقر ونحوه مما ذكر مثالا له في الموثق ـ على الأكثرية لا الاستدامة والاستمرار.

نعم ليس في شي‌ء منها ما يدل على المتساوي ، إلا أن المصنف وغيره قالوا ( ولو تساويا أو كان دفيفه أكثر لم يحرم ) ومقتضاه الإلحاق بالأكثر في الحل ، بل عن بعض أنه المعروف من مذهب الأصحاب ، قيل : ولعله لعموم أدلة الإباحة كتابا (٣) وسنة (٤) وخصوص ما دل على إباحة كل ما اجتمع فيه الحلال والحرام (٥).

وفيه أنه مناف لأصالة عدم التذكية المخصص لأدلة الإباحة وخصوص ما دل على غلبة الحرام على الحلال (٦) مع الاجتماع ، وإن كان قد يناقش في الأخير من الدليلين بعدم الاجتماع بعد أن كان علامة كل من الحل والحرمة الأكثرية التي لا يتصور اجتماعهما ، فيبقى المتساوي موضوعا خارجا

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٤.

(٣) راجع ص ٢٣٧.

(٤) راجع ص ٢٣٧.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة.

(٦) المستدرك ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يكتسب به ـ الحديث ٥ من كتاب التجارة.

٣٠٥

عما يقتضي الحل والحرمة ، فيرجع فيه إلى الأصل بعد فقد العلامات ، وهو على الخلاف الذي عرفته سابقا ، كما هو واضح ، ونحوه ما تعارض فيه علامة الحل وعلامة الحرمة مع فرضه ، كما ستعرف.

والصنف ( الثالث ما ليس له قانصة ) وهي في الطير بمنزلة المصارين في غيره ( ولا حوصلة ) بتخفيف اللام وتشديدها هي للطير كالمعدة لغيره ، وعن بعض كتب أهل اللغة اتحادها مع القانصة ( ولا صيصية ) وهي الشوكة التي خلف رجل الطير خارجة عن الكف ، وهي له بمنزلة الإبهام للإنسان ( فهو حرام ، وما ) كان ( له أحدها فهو حلال ما لم ينص على تحريمه ) بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى النصوص المستفيضة أو المتواترة الدالة على ذلك.

قال ابن سنان (١) : « قلت لأبي عبد عليه‌السلام : الطير ما يؤكل منه؟ فقال : لا تأكل ما لم تكن له قانصة ».

وسأل زرارة (٢) أبا جعفر عليه‌السلام « عن طير الماء ، فقال : ما كانت له قانصة فكل وما لم تكن له قانصة فلا تأكل ».

وقال الصادق عليه‌السلام في موثق سماعة (٣) : « كل الآن من طير البر ما كانت له حوصلة ، ومن طير الماء ما كانت له قانصة كقانصة الحمام ، لا معدة كمعدة الإنسان ـ إلى أن قال ـ : والقانصة والحوصلة يمتحن بهما من الطير ما لا يعرف طيرانه وكل طير مجهول ».

وقال عليه‌السلام أيضا في موثق مسعدة بن صدقة (٤) : « كل

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٤.

٣٠٦

من الطير ما كانت له قانصة ولا مخلب له ، قال : وسئل عن طير الماء فقال : مثل ذلك ».

وقال عليه‌السلام أيضا في موثق ابن بكير (١) : « كل من الطير ما كانت له قانصة أو صيصية أو حوصلة ».

وسأله عليه‌السلام ابن أبي يعفور (٢) « عن الطير يؤتى به مذبوحا ، فقال : كل ما كانت له قانصة » إلى غير ذلك من النصوص الدالة على الاكتفاء بأحدها في الحل وعلى الحرمة مع انتفائها أجمع.

وكيف كان فقد تلخص من ذلك ـ بعد تحكيم الخاص على العام والمطلق على المقيد والمنطوق على المفهوم ـ أن للحرمة علامات أربعة : المخلب وأكثرية الصفيف وانتفاء الثلاثة والمسخ ، وللحل أربعة أيضا : أكثرية الدفيف والحوصلة والقانصة والصيصية ، ولا إشكال مع فرض عدم تعارض العلامات في الوجود الخارجي كما ادعاه بعض ، وربما يشهد له ظاهر بعض النصوص (٣) بل لعل أكثرية الصفيف منها لازم للجوارح باعتبار قوتها وجلادتها بخلاف الدفيف الذي يكون في الطير الضعيف.

بل المراد من قوله عليه‌السلام في خبر زرارة (٤) : « كل ما صف وهو ذو مخلب » التفسير لا التقييد ، لمعلومية عدم اشتراط ذلك في العلامة المزبورة ، وعن بعض النسخ « وقال عمران الحلبي : فهو ذو مخلب » وهو أظهر مما قلنا.

أما مع فرض التعارض في الوجود فالظاهر تقديم احدى علامات

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٦.

(٣) راجع الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٣ والباب ـ ١٩ ـ منها ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢ وهو خبر سماعة.

٣٠٧

الحرمة على الثلاثة التي هي علامة للحل في المجهول نصا وفتوى ، ومع فرض وجود إحدى علامات الحرمة من المخلب وأكثرية الصفيف أو المسخ لا جهالة ، فما وقع من بعضهم هنا من جريان الوجهين احتمال الحل والحرمة في غير محله.

نعم لو تعارض المخلب أو المسخ مع أكثرية الدفيف أمكن ذلك ، لكون التعارض بينهما حينئذ بالعموم من وجه ، فمع عدم الترجيح يرجع إلى غيرهما من الأدلة ، لكن قد عرفت أن المتجه عندنا الحرمة ، لأصالة عدم التذكية خلافا لبعض ، بل ظاهر النص والفتوى حرمة المسخ وذي المخلب مطلقا على وجه يرجح على ما دل على حلية الأكثر دفيفا ولو لصحة السند وكثرة العدد وغيرهما من المرجحات ، فيخص بها الدليل الآخر.

كما أن الظاهر نصا وفتوى عدم الفرق بين طير البر والماء في العلامات المزبورة ، بل قد سمعت التصريح به في القانصة في موثق مسعدة (١) بل هو ظاهر خبر سماعة (٢) أيضا ، وما عساه يتوهم من خبر زرارة (٣) وغيره من الفرق في غير محله.

نعم ربما كان الغالب القانصة في طير الماء والحوصلة في طير البر أو أنهما في كل منهما أظهر ، فيمكن أن يكون التفصيل فيه وفي غيره لذلك ، أو أنهما بمعنى ، كما عن بعض كتب اللغة ، كما أن الغالب عدم معرفة أكثرية الصفيف والدفيف منه في طير الماء.

وحينئذ فيؤكل ما وجد فيه علامة الحل من طير الماء وإن كان يأكل

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٣.

(٣) ذكر صدره في الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١ وذيله في الباب ـ ١٨ ـ منها ـ الحديث ٢.

٣٠٨

السمك ، لإطلاق الأدلة ، وخصوص خبر نجية بن الحارث (١) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن طير الماء ما يأكل السمك منه يحل؟ قال : لا بأس به كله ».

ومن الغريب ما يحكى عن بعض من حمل الخبر المزبور على التقية ، ضرورة عدم خلاف في ذلك بيننا ، إذ ليس أكل السمك يجعله من السباع ، بل قد سمعت أن الصرد الذي حكموا بحله يأكل العصافير ، اللهم إلا أن يريد بحمله على التقية من حيث دلالته على حل طير الماء مطلقا من دون مراعاة العلامات ، ولعل حمله حينئذ على ما سمعته من التفصيل في غيره أولى منها ، والله العالم.

الصنف ( الرابع : ما يتناوله التحريم عينا كالخفاش ) الذي يقال فيه : الخشاف كما في عرفنا الآن ، ويقال له أيضا : الوطواط ، كما عساه الظاهر من بعض نصوص المسوخ (٢) التي ذكر فيها أن منها الوطواط ، وفي آخر (٣) عد الخفاش مكانه ، فيعلم من ذلك اتحادهما ، لكن عن بعض أن الوطواط الخطاف ، ونقله في الصحاح أيضا ، بل عن القاموس الوطواط : الخفاش وضرب من الخطاطيف ، ولكن الأول أصح ، لما ستعرف إنشاء الله من حل الخطاف وعدم كونه من المسوخ.

وعلى كل حال فلا خلاف أجده نصا (٤) وفتوى في حرمته ( و ) حرمة ( الطاوس ) المنصوص على أنه من المسوخ أيضا ، وعلى أنه حرام اللحم والبيض قال الرضا عليه‌السلام (٥) : « إن الطاوس

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٧ و ١٣ و ١٤ و ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٦.

٣٠٩

مسخ ، كان رجلا جميلا فكابر امرأة رجل مؤمن فوقع بها ثم راسلته بعد ذلك فمسخهما الله طاووسين أنثى وذكر ، فلا تأكل لحمه وبيضه » وفي خبر سليمان بن جعفر (١) « الطاوس لا يحل أكله ولا بيضه » والله العالم.

( ويكره الهدهد ) بلا خلاف أجده فيه ، وفي صحيح علي بن جعفر (٢) « سألت أخي موسى عليه‌السلام عن الهدهد وقتله وذبحه فقال : لا يؤذى ولا يذبح ، فنعم الطير هو » وفي خبر الجعفري (٣) عن الرضا عليه‌السلام « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن قتل الهدهد والصرد والصوام والنحلة » وفي خبر آخر عنه عليه‌السلام (٤) « في كل جناح هدهد مكتوب بالسريانية آل محمد خير البرية » إلى غير ذلك من النصوص التي لا يخفى ظهور الكراهة منها ، خصوصا بعد عده في جملة المعلوم كراهته والتعليل بكونه نعم الطير ، كما لا يخفى ظهور النهي عن الذبح ونحوه في كراهة أكل اللحم ، بل عساه يشعر به ما تسمعه في خبر الخطاف (٥) من استدلال الامام عليه‌السلام على ما فعله من أخذه مذبوحا من يد من كان في يده ودحي الأرض به بالنبوي المزبور.

وفي كشف اللثام « والأخبار كلها إنما تضمنت النهي عن قتله ، وسواء بقي على ظاهره من التحريم أو أول بالكراهة ، لعدم ثبوت الحرمة بأخبار الآحاد بدون ضميمة فتوى الأصحاب ، فلا يثبت بها حرمة الأكل ، ولا تبعد الكراهة احترازا عن القتل » ولا يخلو من نظر ، والله العالم.

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ١ من كتاب الصيد والذباحة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٣ من كتاب الصيد والذباحة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٢ من كتاب الصيد والذباحة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٣ من كتاب الصيد والذباحة.

٣١٠

( وفي الخطاف روايتان ) (١) ومن هنا كان في حرمته وحله قولان ، ففي خبر الحسن بن داود الرقي (٢) قال : « بينما نحن قعود عند أبي عبد الله عليه‌السلام إذ مر رجل بيده خطاف مذبوح فوثب إليه أبو عبد الله عليه‌السلام حتى أخذه من يده ثم دحا به الأرض ثم قال : أعالمكم أمركم بهذا أم فقيهكم؟ لقد أخبرني أبي عن جدي إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن قتل الستة : النحلة والنملة والضفدع والصرد والهدهد والخطاف » ورواه في الكافي عن داود أو غيره (٣) وفيه « أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن قتل الستة : منها الخطاف ، وقال : إن دورانه في السماء أسفا لما فعل بآل بيت محمد ( صلوات الله عليهم ) وتسبيحه قراءة الحمد لله رب العالمين ، ألا ترونه يقول : ولا الضالين؟ ».

وفي خبر التميمي (٤) عن محمد بن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : استوصوا بالصنينات خيرا ـ يعني الخطاف ـ فإنهن آنس طير الناس بالناس ، ثم قال : أتدرون ما تقول الصنينة إذا هي مرت وترنمت ، تقول : بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، حتى تقرأ أم الكتاب ، فإذا كان في آخر ترنمها قالت : ولا الضالين ».

وفي حسن جميل بن دراج (٥) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قتل الخطاف أو إيذائهن في الحرم ، فقال : لا يقتلن ، فاني كنت مع علي بن الحسين عليهما‌السلام فرآني أوذيهن ، فقال : يا بني لا تقتلهن ولا تؤذهن ، فإنهن لا يؤذين شيئا » ولهذه النصوص حكي عن

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الصيد من كتاب الصيد والذباحة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٣ من كتاب الصيد والذباحة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٢ من كتاب الصيد والذباحة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٤ من كتاب الصيد والذباحة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ١ من كتاب الصيد والذباحة.

٣١١

الشيخ في النهاية وابني إدريس والبراج الحرمة.

( و ) لكن لا ريب أن ( الكراهية أشبه ) وفاقا لغير من عرفت من الأصحاب ، لأنه لسانها ، مضافا إلى قصورها عن إثبات الحرمة ، خصوصا بعد معارضتها بأخبار الدفيف (١) وخبر عمار (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « عن الرجل يصيب خطافا في الصحراء أو يصيده أيأكله؟ فقال : هو مما يؤكل ، وعن الوبر يؤكل؟ قال : لا هو حرام » وموثقه الآخر (٣) « عن الخطاف ، قال : لا بأس به ، وهو مما يحل أكله ، لكن كره ، لأنه استجار بك ووافى منزلك ، وكل طير يستجير بك فأجره ». وفي المختلف عن كتاب عمار (٤) « خرء الخطاف لا بأس به ، وهو مما يحل أكله ، ولكن كره ، لأنه استجار بك » وغيرها المنجبرة بما عرفت من الشهرة العظيمة.

بل لعل قوله عليه‌السلام : « فإنهن لا يؤذين شيئا » مشعر بطهارة ذرقهن المقتضي لحل الأكل ، واحتمال التعجب في خبر عمار الأول ـ الذي لم ينحصر الدليل فيه ـ خلاف الظاهر بلا داع ، بل لعل قوله : « وعن الوبر » إلى آخره يشعر بعدمه ، كاشعار قوله : « في الحرم » بأن النهي عن إيذائهن باعتبار كونهن في الحرم ، بل جمع الخطاف مع معلوم الكراهة يقتضي ذلك أيضا ، وإلا لاستلزم استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه ، أو في عموم المجاز ، وهما معا خلاف الأصل ، والأخذ من يد

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٦ من كتاب الصيد والذباحة.

(٣) أشار إليه في الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٥ من كتاب الصيد والذباحة ، وذكره في التهذيب ج ٩ ص ٨٠ ـ الرقم ٣٤٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٥ من كتاب الصيد والذباحة.

٣١٢

المالك ودحو الأرض به لا ينافي كونه لبيان الكراهة الشديدة ، والله العالم.

( و ) على كل حال فلا خلاف أجده في أنه ( يكره الفاختة والقنبرة والحبارى ، وأغلظ منه كراهية الصرد والصوام والشقراق وإن لم يحرم ) شي‌ء منها ، لوجود علامة الحل فيها ، والإجماع بقسميه عليه بل قد يشكل في الأولى منها ، إذ قول الصادق عليه‌السلام (١) في الفاختة : « إنها طائر مشؤوم يدعو على أهل البيت ، ويقول : فقدتكم فقدتكم » لا يدل عليها لو لا فتوى الأصحاب والتسامح ، وكذا الحبارى لما سمعته.

نعم يدل على الثانية منها قول الرضا عليه‌السلام (٢) في المعتبرة : « لا تأكلوها ولا تسبوها ولا تعطوها الصبيان يلعبون بها ، فإنها كثيرة التسبيح ، وتسبيحها لعن الله مبغضي آل محمد ( صلوات الله عليهم ) ».

بل عن علي بن الحسين عليهما‌السلام (٣) « ما أزرع الزرع لطلب الفضل فيه ، وما أزرعه إلا ليناله المعتبر وذو الحاجة ، ولتنال منه القنبرة خاصة ».

وعن الرضا عليه‌السلام (٤) قال علي بن الحسين عليهما‌السلام : « القنزعة التي على رأس القنبرة من مسحة سليمان بن داود ( على نبينا وآله وعليه الصلاة والسلام ) وذلك أن الذكر أراد أن يسفد أنثاه فامتنعت

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب أحكام الدواب ـ الحديث ٢ من كتاب الحج. نقل بالمعنى.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ١ من كتاب الصيد والذباحة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٢ من كتاب الصيد والذباحة.

(٤) ذكر بعضه في الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٤ وتمامه في الكافي ج ٦ ص ٢٢٥.

٣١٣

عليه ، فقال لها : لا تمتنعي ما أريد إلا أن يخرج الله مني نسمة تذكره فأجابته إلى ما طلب ، فلما أرادت أن تبيض قال لها : أين تريدين تبيضي؟ فقالت له : لا أدري أنحيه عن الطريق ، قال لها : إني خائف أن يمر بك مار الطريق ، ولكن أرى لك أن تبيضي قرب الطريق ، فمن يراك قربه توهم إنك تتعرضين للقط الحب من الطريق ، فأجابته إلى ذلك ، وباضت وحضنت حتى أشرفت على النقاب ، فبينما هما كذلك إذ طلع سليمان ( على نبينا وآله وعليه السلام ) في جنوده والطير تظله ، فقالت له : هذا سليمان قد طلع علينا في جنوده ولا آمن أن يحطمنا ويحطم بيضنا ، فقال لها : إن سليمان رجل رحيم بنا ، فهل عندك شي‌ء خبأتيه لفراخك إذا نقبن؟ قالت : نعم عندي جرادة خبأتها منك انتظر بها فراخي إذا نقبن ، فهل عندك شي‌ء خبأته؟ قال : نعم عندي تمرة خبأتها منك لفراخنا ، فقالت : فخذ أنت تمرتك وآخذ أنا جرادتي ونعرض لسليمان ونهديهما له فإنه رجل يحب الهدية ، فأخذ التمرة في منقاره وأخذت الجرادة في رجليها ثم تعرضها لسليمان ، فلما رآهما وهو على عرشه بسط يديه لهما ، فأقبلا فوقع الذكر على اليمين ووقعت الأنثى على اليسار فسألهما عن حالهما ، فأخبراه ، فقبل هديتهما ، وجنب جنده عن بيضهما ومسح على رأسهما ودعا لهما بالبركة ، فحدثت القنزعة على رأسهما من مسحه عليه‌السلام ».

وأما الحبارى ففي التحرير « وبها رواية شاذة » والذي أجده فيها صحيح عبد الله بن سنان (١) قال : « سأل أبي أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا أسمع ما تقول في الحبارى؟ قال : إن كانت له قانصة فكل » وصحيح كردين المسمعي (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحبارى ، قال : وددت أن عندي منه فآكل منه حتى أتملأ » وخبر بسطام

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢.

٣١٤

ابن صالح (١) « سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول : لا أرى بأكل الحبارى بأسا ، وأنه جيد للبواسير ووجع الظهر ، وهو مما يعين على كثرة الجماع ». وهي غير دالة على الكراهة ، بل لعل صحيح كردين دال على الندب.

وأما الصرد والصوام فقد سمعت النهي (٢) عنهما في أخبار الهدهد إلا أنه لا دلالة فيها على الأشدية ، نعم يمكن إرادة الأشدية من الحبارى التي قد عرفت الحال فيها بخلافهما ، خصوصا بعد ما سمعت في الخطاف من غضب الامام عليه‌السلام (٣) وشدة إنكاره والتعريض بأمر آخر مستدلا على ذلك كله بنهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الستة ، وهذا وإن قضى بالشدة في الجميع إلا أنه لا بأس بالتزام ذلك.

هذا وفي كشف اللثام « الصرد طائر فوق العصفور يصيد العصافير ، قال النضر بن شميل : ضخم الرأس ضخم المنقار ، له برثن عظيم أبقع نصفه أسود ونصفه أبيض ، لا يقدر عليه أحد ، وهو شرير النفس شديد النفرة ، غذاؤه من اللحم ، وله صفير مختلف يصفر لكل طائر يريد صيده بلغته ، فيدعوه إلى التقرب منه ، فإذا اجتمعن إليه شد على بعضهن ، وله منقار شديد ، فإذا نقر واحدا قتل من ساعته وأكله ، ومأواه الأشجار ورؤوس التلاع وأعالي الحصون ، قيل : ويسمى المجوف ، لبياض بطنه والأخطب لخضرة ظهره ، والأخيل لاختلاف لونه ، وقال الصنعاني : أنه

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١ عن نشيط بن صالح كما في الكافي ـ ج ٦ ص ٣١٣ وهو الصحيح. إذ ليس في الرواة من يسمى ببسطام بن صالح.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٢ و ٣ من كتاب الصيد والذباحة.

٣١٥

يسمى السميط مصغرا » قلت : لعل شدة كراهته لكونه حينئذ شبيها بالسباع.

وأما الصوام فعن السرائر والتحرير « هو طائر أغبر اللون ، طويل الرقبة ، أكثر ما يبيت في النخل » ولم نقف على ما يدل على شدة كراهته.

وأما الشقراق فهو على ما قيل : طائر أخضر مليح بقدر الحمام ، خضرته حسنة مشبعة في أجنحته سواد ، ويكون مخططا بحمرة وخضرة وسواد ، وعن الجاحظ أنه ضرب من الغربان ، وقال الصادق عليه‌السلام في خبر عمار (١) : « كره قتله لحال الحيات ، قال : وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يوما يمشي وإذا الشقراق قد انقض فاستخرج من خفه حية » ولعل شدة كراهته لكونه شبيها بالغراب كما سمعته ، والله العالم.

( ولا بأس بالحمام كله ) بلا خلاف نصا وفتوى قال الصادق عليه‌السلام لداود الرقي (٢) : « لا بأس بركوب البخت وشرب ألبانها وأكل لحومها وأكل الحمام المسرول » وفي خبر آخر (٣) « أطيب اللحمان لحم فرخ الحمام » الخبر. فهو حينئذ بجميع أصنافه حلال لا كراهة فيه ( كالقماري ) منه.

وفي كشف اللثام « هي جمع قمري » وهو منسوب إلى قمر بلدة تشبه الجص لبياضها ، حكاه السمعاني عن المجمل ، وقال : وأظن أنها من بلاد مصر ، ولم أر فيه ، وإنما رأيت في تهذيب المجمل لابن المظفر أنه منسوب إلى طير قمر ، وهو كما يحتمله يحتمل توصيف الطير بالقمر جمع أقمر ، كما قيل في المحيط وغيره : إنه إنما سمي به ، لأنه أقمر اللون ، وقيل :

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ١ من كتاب الصيد والذباحة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ٢ على رواية البرقي.

٣١٦

إن القمري هو الأزرق ».

( والدباسي ) جمع « دبسي » بضم الدال ، وهو الأحمر بلون الدبس بكسر الدال ، قسم من الحمام البري ، وقيل : هو ذكر الحمام ( اليمام خ ل ).

( والورشان ) بكسر الواو وإسكان الراء وإعجام الشين ، جمع « ورشان » بالتحريك ، والمعروف أنه ذكر القماري ، وقيل : طائر يتولد بين الفاختة والحمامة.

( وكذا لا بأس بالحجل ) الذي هو القبج أو ذكره أو نوع منه.

( والدراج والقبج والقطا والطيهوج ) الذي هو شبيه بالحجل الصغير غير أن منقاره وعنقه ورجليه حمر وما تحت جناحيه أسود وأبيض.

( والدجاج والكروان ) هو طائر يشبه البط.

( والكركي والصعو ) جمع صعوة ، ولعلها المسماة في عرفنا الآن بالزيطة ، لما قيل من أنه طائر أزرق لا يستقر ذنبه ، لكن في كشف اللثام « جمع صعوة من صغار العصافير أحمر الرأس ».

وغير ذلك من الطيور الموجود فيها علامات الحل أو أحدها الخالية مما يقتضي التحريم ، مضافا إلى ما في بعضها من النصوص الخاصة. كخبر محمد بن حكيم (١) عن الكاظم عليه‌السلام « أطعموا المحموم لحم القباج فإنه يقوي الساقين ، ويطرد الحمى طردا ».

وخبر علي بن مهزيار (٢) « تغديت مع أبي جعفر عليه‌السلام فأتي بقطا ، فقال : إنه مبارك ، وكان أبي عليه‌السلام يعجبه ، وكان يقول : أطعموه صاحب اليرقان ، يشوى له فإنه ينفعه ».

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ٢.

٣١٧

ومرسل السياري (١) وخبر علي بن النعمان (٢) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله « من سره أن يقل غيضه فليأكل لحم الدراج ».

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أيضا (٣) « من اشتكى فؤاده وكثر غمه فليأكل الدراج » إلى غير ذلك مما ورد في الدجاج وغيره (٤) بل أرسل ثاني الشهيدين النص على الحجل والطيهوج والكروان والكركي والصعوة والأمر في ذلك كله سهل.

( و ) قد عرفت فيما تقدم أنه لا خلاف ولا إشكال في أنه ( يعتبر في طير الماء ما يعتبر في الطير المجهول من غلبة الدفيف أو مساواته للصفيف أو حصول أحد الأمور الثلاثة : القانصة أو الحوصلة أو الصيصية ، فيؤكل مع ) احدى ( هذه العلامات ) وعدم ما يقتضي التحريم ( وإن كان يأكل السمك ) لإطلاق الأدلة ، وخصوص بعضها كما تقدم الكلام فيه مفصلا.

( و ) كذا تقدم أيضا أنه ( لو اعتلف أحد هذه عذرة الإنسان محضا لحقه حكم الجلل ولم يحل حتى يستبرأ ، فتستبرأ البطة وما أشبهها ) بناء على استفادة لحوقه من النص (٥) عليها ( بخمسة أيام ، والدجاجة وما أشبهها ) بناء على الإلحاق المزبور ( بثلاثة أيام ، وما خرج عن ذلك يستبرأ بما يزول عنه حكم الجلل ، إذ ليس فيه شي‌ء موظف ) كما عرفت الكلام في ذلك كله بما لا مزيد عليه ، فلاحظ وتأمل.

نعم في المسالك هنا قد عد اللقلق من طيور الماء التي يرجع فيها إلى

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ٣.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ١.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الأطعمة المباحة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة.

٣١٨

العلامات ، وقد سألنا بعض من ادعى صيده فأخبر بوجود الثلاثة فيه ، ولكن حكى لنا بعض الثقات عن العلامة الطباطبائي الفتوى بحرمته ، ولعله لما قيل من أن صفيفه أكثر من دفيفه ، فلا يجدي وجود الثلاثة فيه ، لما عرفته سابقا ، والله العالم.

( و ) على كل حال فلا خلاف في أنه ( يحرم ) أكل ( الزنبور (الزنابير خ ل) ) الذي هو ـ مع كونه من المسوخ كما في بعض النصوص (١) ( و ) ذو سم ـ من الخبائث كـ ( الذباب والبق ) والسلابيح والديدان حتى التي في الفواكه منها ، وإن تردد فيه بعض الناس ، لكنه في غير محله ، نعم قد يتوقف في كل ما كان حرمته من جهة الاستخباث مع فرض استهلاكه في غيره ، خصوصا إذا كان من الحيوان ، باعتبار عدم ثبوت تذكية شرعية له من حيث الأكل على نحو السمك والجراد ، فإنه حينئذ يكون من الميتة المحرمة نصا وإجماعا على وجه لا يرتفع بالاستهلاك الذي مرجعه إلى عدم التمييز لا إلى الاستحالة فتأمل جيدا.

بقي الكلام في النعامة التي أظهر الله تعالى شأنه قدرته فيها ، فركب صورتها من الطير والجمل على وجه كالواسطة بينهما في الشكل ، ولذا كان المحكي عن الجمهور أنها خلق مستقل ووضع مبتدأ ليست فرعا لغيرها ، لا كما عن بعضهم من أنها متولدة بالأصل بين جمل وطائر ، ضرورة معلومية خطائه ، إذ اللقاح إنما يكون بين حيوانين متشاكلين ، والبعير ليس من شكل الطير ، ولا في الطيور ما يتوهم مسافدته مع الجمل ، كما أومئ إليه في حديث المفضل (٢) قال عليه‌السلام : « فكر في خلق

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٧.

(٢) البحار ـ ج ٣ ص ٩٧ وج ٦٤ ص ٥٨ الطبع الحديث.

٣١٩

الزرافة واختلاف أعضائها وشبهها بأعضاء أصناف من الحيوان ، فرأسها رأس فرس ، وعنقها عنق جمل ، وأظلافها أظلاف بقرة ، وجلدها جلد نمر ، وزعم ناس من الجهال بالله عز وجل أن نتاجها من فحول شتى ، قال : وسبب ذلك أن أصنافا من حيوان البر إذا وردت الماء تنزو على بعض السائمة وتنتج مثل هذا الشخص الذي هو كالملتقط من أصناف شتى وهذا جهل من قائله وقلة معرفته بالباري جل قدسه ، وليس كل صنف من الحيوان يلقح كل صنف ، فلا الفرس يلقح الجمل ، ولا الجمل يلقح البقر ، وإنما يكون التلقيح من بعض الحيوان في ما يشاكله ويقرب من خلقه كما يلقح الفرس الحمار فيخرج بينهما البغل ، ويلقح الذئب الضبع فيخرج بينهما السبع ، وليس في الذي يخرج من بينهما عضو من كل واحد منهما كما في الزرافة التي فيها عضو من الفرس وعضو من الجمل وأظلاف من البقرة ، بل يكون كالمتوسط بينهما الممتزج منهما ، كالذي نراه في البغل ، فإنك ترى رأسه وأذنيه وكفه وذنبه وحوافره وسطا بين هذه الأعضاء من الفرس والحمار ، ونشجيه (١) كالممتزج من صهيل الفرس ونهيق الحمار ، وهذا دليل على أن الزرافة ليست من لقاح أصناف شتى ، كما زعم الجاهلون بالله ، بل هي خلق عجيب من خلق الله ، للدلالة على قدرته التي لا يعجزها شي‌ء ».

قلت : وكذلك النعامة ، فإنها من بدائع الصنع ودلائل عدم انتهاء القدرة ، ومضاهاتها للطير والجمل ليس لأنها فرع لهما ومتكونة بينهما ، وإلا لكان في كل عضو منها شبه لكل منهما ، وليس الأمر فيها كذلك ، فإن المرئي فيها خلافه.

نعم قيل : المشهور أنها من قسم الطيور ، كما نص عليه من اللغويين

_________________

(١) وفي البحار : « وشحيجه ».

٣٢٠