جواهر الكلام - ج ٣٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

يقولون : إذا قتله وأكل منه فإنما أمسك على نفسه فلا تأكله ، فقال : كل ، أو ليس قد جامعوكم على أن قتله ذكاته؟ قال : قلت : بلى ، قال : فما تقول في شاة ذبحها رجل؟ أذكاها؟ قال : قلت : نعم ، قال : فان السبع جاء بعد ما ذكاها فأكل بعضها أتوكل البقية؟ قلت : نعم ، قال : فإذا أجابوكم إلى هذا فقل لهم : كيف تقولون إذا ذكى ذلك وأكل منه لم تأكلوا وإذا ذكى هذا وأكل أكلتم؟! ».

وصحيح ابن مسلم وغير واحد (١) عنهما عليهما‌السلام جميعا « أنهما قالا في الكلب يرسله الرجل ، قالا : إن أخذه فأدركت ذكاته فذكه ، وإن أدركت وقد قتله وأكل منه فكل ما بقي ، ولا ترون ما يرون في الكلب ».

وخبر سالم الأشل (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الكلب يمسك على صيده ويأكل منه ، فقال : لا بأس بما يأكل ، هو لك حلال ».

وخبره الآخر (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « سألته عن صيد كلب معلم قد أكل من صيده ، قال : كل منه ».

وخبر يونس بن يعقوب (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أرسل كلبه فأدركه وقد قتل ، قال : كل وإن أكل ».

وخبر زرارة (٥) عنه عليه‌السلام أيضا « أنه قال في صيد الكلب إن أرسله الرجل وسمى فيأكل مما أمسك عليه وإن قتل ، وإن أكل فكل ما بقي ».

وخبر عبد الرحمن (٦) عنه عليه‌السلام أيضا « سألته عن رجل

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٧.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٨.

٢١

أرسل كلبا فأخذ صيدا فأكل منه ، آكل من فضله؟ قال : كل ما قتل الكلب إذا سميت عليه ، فإذا كنت ناسيا فكل منه أيضا وكل فضله ».

وصحيح الحلبي (١) عنه عليه‌السلام أيضا « أما ما قتله الكلب وقد ذكرت اسم الله عليه فكل منه وإن أكل منه ».

وفي مرسل الصدوق (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « كل ما أكل منه الكلب وإن أكل منه ثلثيه ، كل ما أكل منه الكلب وإن لم يبق إلا بضعة واحدة ».

وخبر مسعدة بن زياد (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « أما ما صاد الكلب المعلم وقد ذكر اسم الله عليه فكله وإن كان قد قتله وأكل منه ».

وخبر الحسين بن علوان (٤) عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليهم‌السلام « إذا أخذ الكلب المعلم للصيد فكله أكل منه أو لم يأكل قتل أو لم يقتل ».

وخبر أبان بن تغلب (٥) عن الصادق عليه‌السلام أيضا « كل ما أمسك عليه الكلب وإن بقي ثلثه ».

وخبر أبي سعيد المكاري (٦) عنه عليه‌السلام أيضا « سألته عن الكلب يرسل على الصيد وسمى فيقتل ويأكل منه ، فقال : كل وإن أكل منه ».

وسأله عليه‌السلام الحلبي أيضا (٧) « عن الكلب يصطاد فيأكل من صيده أفآكل بقيته؟ قال : نعم ».

إلا أنها حملت جميعا على الأكل نادرا ولو كان كثيرا جمعا بين الأخبار ، بخلاف ما إذا كان مساويا أو غالبا ، بل ربما كان في التعليل

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ١٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ١١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ١٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ١٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ١٤.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ١٥.

٢٢

في الصحاح منها بعدم الإمساك عليكم حينئذ بل هو ممسك على نفسه إشعارا بذلك ، ولعله أولى من حمل أخبار المنع على التقية أو الكراهة فإنه فرع التكافؤ ، وهو منتف ، فان التحريم هو المطابق للأصل والاحتياط وظاهر الكتاب وفتوى الأصحاب والإجماع على اشتراط التعليم ، ولا يحصل مع اعتياد الأكل كما قلنا ، ولو تحقق فلا ريب في أن المعهود في تعليم الكلب تأديبه على الإمساك لصاحبه وزجره عن أكل الصيد ، وإطلاقات الكتاب والسنة إنما تحمل على المعهود المتعارف ، والعامة مختلفون في المسألة ، لاختلاف الرواية عندهم ، فالحمل على التقية قائم من الطرفين ، وإن كان ظاهر الخبر الأول أنهم قائلون بالمنع ، إلا أنه يمكن حمله على المنع عندهم ولو من النادر.

لكن الانصاف مع ذلك كله عدم خلو المسألة من إشكال في الجملة ، لكثرة النصوص المزبورة مع خلوها عن الإشعار في شي‌ء منها بوجه الجمع المزبور عدا ما سمعته من التعليل المزبور ، ولو لم يكن إجماعا أمكن الجمع بينها بحمل أخبار المنع على الأكل النادر الذي لا ينافي كونه معلما كما لا ينافي سائر الملكات من ذوي العقول فضلا عن الحيوانات ، ولا فرق في ذلك بين الأكل والاسترسال والانزجار ، وأخبار الجواز على الكلب الذي كان في تعليمه الأكل مما يصيده ، فإنه يكون حينئذ معلما على هذا الوجه.

ودعوى كونه خلاف المتعارف في التعليم لا ينافي كون الحكم الجواز مع فرض وقوعه ، ويكون قوله تعالى (١) ( أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ) واردا مورد الغالب ، لا أن المراد اشتراطه حتى لو علم الكلب على أكل بعض ما يصيده ، خصوصا إذا كان تأديبه على أكل القليل منه ولم يتعده ، بل

_________________

(١) سورة المائدة : ٥ الآية ٤.

٢٣

لعل المراد من ( فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ) كلا أو بعضا على حسب ما اقتضاه تأديبها وتعليمها ، نعم لو اعتادت غير ما علمت خرجت عن كونها معلمة ، فلا يحل صيدها.

ويمكن دعوى عدم منافاة ذلك للمشهور ، ضرورة ظهور كلامهم في اعتياد الأكل المنافي للتعليم ، بل جعل بعضهم ذلك دليلا للمسألة ، نعم يظهر من بعض الأفاضل كون الحكم عندهم كذلك وإن علم ، ولكنه لا يخلو من نظر.

كما أنه لا يخفى ضعف القول بالحل مع الاعتياد للأكل من دون تعليم ، ضرورة اقتضائه طرح النصوص (١) الدالة على المنع مع استفاضتها واعتضادها بما سمعت من الإجماع المحكي ، بل وبالشهرة العظيمة التي كادت تكون كذلك ، بل لعلها الآن كذلك ، أو حملها على التقية مع أنك قد عرفت اختلاف العامة فيما بينهم ، بل فيها المشتمل على المنع من صيد الفهد إلا أن تدرك ذكاته (٢) وهو مناف لما عندهم ، أو حملها على الكراهة ، وهو فرع المكافئة المعلوم فقدها ، والله العالم.

( و ) من ذلك يعلم أنه لا ينبغي الإشكال في أنه ( كذلك (كذا خ ل) ) لا يقدح في حل صيد الكلب ( لو شرب الدم (دم الصيد خ ل) واقتصر ) إذا فرض تأديبه على ذلك ، بل ظاهر المسالك المفروغية من عدم قدحه وإن لم يكن تعليمه كذلك ويقع منه غالبا ، لأن الدم غير مقصود للصائد.

نعم قال : « في أكل حشوته وجهان : من أنها تؤكل كاللحم ، ومن أنها تلقى غالبا ولا تقصد كالدم » قلت : لعل الأقوى الأول

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ١٦ و ١٧ و ١٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ١ و ٣.

٢٤

وحينئذ فيراعى تأديبها على ذلك وعدمه.

هذا وعن ابن الجنيد أن في حكم أكله منه ما إذا أراد الصائد أخذ الصيد منه فامتنع وصار يقاتل دونه ، لأنه في معنى الأكل من حيث إن غرضه ذلك ، فلم يتمرن على التعليم من هذه الجهة ، ولا بأس به.

نعم ما يحكى عنه ـ من التفصيل في أصل المسألة بين أكله منه قبل موت الصيد وبعده وجعل الأول قادحا دون الثاني ـ غير ظاهر الوجه مع فرض عدم تأديبه على ذلك ، وإن قيل : لعله جمع بين الأخبار ، إلا أنه كما ترى ، ضرورة عدم شاهد عليه لا منها ولا من إجماع يحكى ونحوه ، بل يمكن أن يكون في بعضها ما ينافيه ، والله العالم.

( و ) كان فـ ( لا بد من تكرار الاصطياد به متصفا بهذه الشرائط ) الثلاثة ( ليتحقق حصولها فيه ) على وجه يصدق عليه كونه معلما نحو غيره مما يتحقق به ملكة الصنائع ولو على وجه الظن الغالب.

( و ) حينئذ فـ ( لا يكفي اتفاقها مرة ) وإن كان لعله ظاهر محكي التبيان ومجمع البيان ، قال في الأول : « قال أبو يوسف ومحمد : حد التعليم أن يفعل ذلك ثلاث مرات ، وقال قوم : لا حد لتعليم الكلاب ، فإذا فعل ما قلناه فهو معلم وقد دل على ذلك رواية أصحابنا ، لأنهم رووا أنه إذا أخذ كلب مجوسي فعلمه في الحال فاصطاد جاز أكل ما يقتله » ونحوه في المجمع ، وظاهرهما الاكتفاء بالمرة.

وأشار بالرواية إلى روايتي السكوني (١) وعبد الرحمن بن سيابة (٢) عن الصادق عليه‌السلام الآتيتين في مسألة اعتبار إسلام المعلم المحمولتين على الامتحان دون التعليم ، لأن الفرض كونه معلما ، نعم في خبر زرارة (٣)

_________________

(١) الوسائل ـ ١٥ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ ١٥ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٢.

٢٥

السابق عنه عليه‌السلام أيضا « وإن كان غير معلم فعلمه في ساعة ثم يرسله فليأكل منه ، فإنه معلم » ولكنه ليس نصا في المرة ، لأن التكرار ممكن في ساعته ، خصوصا مع كون المراد بها العرفية.

هذا وفي المسالك « الأمور المعتبرة في التعليم لا بد أن تتكرر مرة بعد اخرى ، ليغلب على الظن تأدب الكلب ، ولم يقدر أكثر الأصحاب عدد المرات ، وذلك لأن المعتبر في التعليم العرف ، وهو مضطرب ، وطباع الجوارح مختلفة ، والرجوع في الباب إلى أهل الخبرة بطباع الجوارح واكتفى بعضهم بالتكرار مرتين ، لأن العادة تثبت بهما ، واعتبر آخرون ثلاث مرات ، والأقوى الرجوع إلى العرف » ومقتضى كلامه ثبوت القول بالمرة والمرتين للأصحاب ، ولم أجد ذلك كما اعترف به بعض الأفاضل أيضا.

ثم إنه كما يعتبر التكرار في حصول التعليم فكذا في زواله ، فيرجع فيه إلى العرف أيضا على المختار ، وعلى القول بالمرتين أو الثلاث قيل يعتبر حصولهما ، وعلى القول بالمرة فلو أكل منه بعدها حرم ولو في الأولى ، والأمر في ذلك كله سهل بعد وضوح الحال وكون تعليم الكلب الصيد على نحو تعليم العاقل الصناعة ، فيكفي فيه إثباتا ونفيا ما يكفي في ذلك كما هو واضح ، والله العالم.

( و ) كيف كان فـ ( يشترط في المرسل ) للكلب أو السهم مثلا ( شروط ) ( أربعة خ ) :

( الأول : أن يكون مسلما أو بحكمه كالصبي ) المميز الملحق به أو البنت المميزة كذلك ، لأن الإرسال نوع من التذكية نصا (١) وفتوى ، وستعرف اشتراط ذلك فيها.

وحينئذ ( فلو أرسله المجوسي أو الوثني ) بل أو اليهودي أو النصراني أو غيرهم ممن هو غير مسلم ، بل أو منه ولكن كان محكوما

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ و ١٢ و ١٣ ـ من أبواب الصيد.

٢٦

بكفره ولو لنصب أو إنكار ضروري أو غير ذلك ( لم يحل أكل ما يقتله ) كما أنه لا يحل ما يذبحه أو ينحره ( وإن ) كان إذا ( أرسله اليهودي والنصراني فيه خلاف ) كما في تذكيتهما ( أظهره أنه لا يحل ) للأصل وغيره مما ستعرفه ، بل عن الانتصار الإجماع على عدم الحل بإرسال الكافر ، بل في المجوسي قول بالحل أيضا وإن كان ظاهر عبارة المصنف خلافه. اللهم إلا أن يكون في خصوص التذكية بالذبح ، كما عن ظاهر الصدوق ، وستعرف الحال فيه في محله إنشاء الله تعالى.

كما أنه لا يخفى مجي‌ء الخلاف في المخالف مطلقا باعتبار الخلاف في كفره وعدمه.

وكذلك لم يحل صيد غير المميز والمجنون ، لعدم القصد المعتبر منهما ، كما ستعرف ذلك في الذبح إنشاء الله ، والله العالم.

( الثاني : أن يرسله للاصطياد ، فلو استرسل من نفسه ) أو رمى بسهم هدفا مثلا فأصاب صيدا ، فضلا عما لو أفلت من يده فأصاب صيدا فقتله ( لم يحل مقتوله ) بلا خلاف أجده فيه ، بل عن الخلاف الإجماع على الثاني الذي لا فرق بينه وبين الأول في الحكم المزبور.

مضافا إلى أصالة عدم التذكية المقتصر في الخروج عنها بالمتيقن ، وهو الإرسال للصيد ، خصوصا مع ملاحظة عدم الخلاف فيه التي لا إشكال في اقتضائها الشك في إرادة غيرها من بعض الإطلاقات التي مع ذلك لم تسق لبيان هذا الحكم.

٢٧

وإلى خبر القاسم بن سلمان (١) المنجبر دلالة بما عرفته ، وسندا به أيضا وبرواية المشايخ الثلاثة له ، قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن كلب أفلت ولم يرسله صاحبه فصاد فأدركه صاحبه وقد قتله ، أيأكل منه؟ فقال : لا ، وقال : إذا صاد وقد سمى فليأكل ، وإن صاد ولم يسم فلا ».

بل وإلى ما في ذيل خبر أبي بكر الحضرمي (٢) المروي عن تفسير علي بن إبراهيم عن الصادق عليه‌السلام المتقدم سابقا ، قال : « إذا أرسلت الكلب المعلم فاذكر اسم الله عليه ، فهو ذكاته ».

والمناقشة في الأول ـ باحتمال استناد المنع فيه عن الأكل إلى عدم التسمية لا إلى الاسترسال ، بل ربما كان في ذيله إشعار بذلك ـ مدفوعة بعد التسليم بالانجبار بما عرفت ، على أن مجرد الاحتمال لا ينافي الظهور الذي هو مبنى أكثر الأحكام ، والذيل المزبور الظاهر في كون المعيار التسمية يمكن كون المراد منه الكناية عن اعتبارها مع الإرسال المصاحب لها ، خصوصا على ما ستعرف من كون الأقوى أن وقتها عنده ، وبالجملة لا وجه لهذه المناقشات بعد كون الحكم مفروعا منه.

( نعم لو زجره عقيب الاسترسال فوقف ثم أغراه صح ) وحل ما يقتله بلا خلاف ولا إشكال ( لأن الاسترسال انقطع بوقوفه ، وصار الإغراء إرسالا مستأنفا ) كالمبتدإ الواقع بعد إرسال سابق انقضى.

( ولا كذلك لو استرسل فأغراه ) من دون أن يزجره ولا زاد إغراؤه في عدوه ، ضرورة صدق عدم الإرسال منه ، أما إذا زاد في عدوه ففي المسالك تبعا لغيره « وجهان : أحدهما الحل ، لأنه قد ظهر أثر الإغراء ، فيقطع الاسترسال ، ويصير كأنه جرح بإغراء صاحبه

_________________

(١) ذكر صدره في الوسائل في الباب ـ ١١ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ١ وذيله في الباب ـ ١٢ ـ منها ـ الحديث ١ عن القاسم بن سليمان كما في الكافي ج ٦ ص ٢٠٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٤.

٢٨

وأصحهما المنع ، لأنه قد اجتمع الاسترسال المحرم والإغراء المبيح ، فقتله بالسببين ، فيغلب التحريم ، ولو كان الإغراء وزيادة العدو بعد ما زجره فلم ينزجر فالوجهان ، وأولى بعدم الحل ، لظهور إبائه وترك مبالاته بإشارة الصائد ».

قلت : قد يقال : إن مقتضى قول الصادق عليه‌السلام في صحيح الحلبي (١) السابق : « أما ما قتله الكلب وقد ذكرت اسم الله عليه فكل منه » وفي خبر مسعدة بن زياد (٢) : « أما ما صاد الكلب المعلم وقد ذكر اسم الله عليه فكله ». وغير ذلك من إطلاق الأدلة حل صيد الكلب مطلقا ، إلا أنه خرج المسترسل لنفسه بالإجماع ونحوه ، وبقي غيره الذي منه المفروض ، إلا أن أصالة عدم التذكية ـ بعد الشك في إرادة الفر المزبور من الإطلاق المزبور الذي لم يسق لبيان ذلك المقيد بالإرسال في غيره ـ يقتضي عدم الحل ، خصوصا بعد صدق عدم الإرسال وإن زاد في عدوه ، وخصوصا مع عدم انزجاره بالزجر وإن قلنا بعدم اعتباره في التعليم بعد رؤية الصيد والإرسال ، فالأقوى ما ذكره حينئذ.

وحينئذ فلو أرسل كلبا معلما فأغراه مجوسي فازداد عدوه لم يؤثر في الحل ، كما أنه لو أرسل المجوسي كلبا فأغراه المسلم وزاد عدوه بإغرائه لم يؤثر في الحرمة. نعم قد يأتي ذلك على الوجه الأول الذي قد عرفت ضعفه.

وكذا لو أرسله فأغراه فضولي فازداد عدوه لم يملك الصيد ، بل هو للمرسل وإن كان غاصبا للكلب ، ويأتي على الاحتمال الآخر ملك الفضولي له وإن كان غاصبا للكلب ، لانقطاع حكم الإرسال الأول بالإغراء

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ١١.

٢٩

ولكن لا يخفى عليك ما فيه ، وكذا احتمال اشتراكهما في الملك ، لحصوله بفعلهما ، كما هو واضح. هذا كله في المسترسل لنفسه.

وأما المرسل لغير الصيد فصاد لم يحل بمقتضى الشرط المزبور ، وستعرف إنشاء الله تمام ما يتفرع على ذلك عند تعرض المصنف له ، والله العالم.

( الثالث : أن يسمي عند إرساله ) آلة الصيد كلبا أو سهما مثلا ، بلا خلاف في أصل الشرطية ، بل عليه الإجماع بقسميه ، مضافا إلى نهي الكتاب عن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه (١) والأمر في خصوص صيد الكلب (٢) والسنة التي ستسمع جملة منها.

وحينئذ ( فلو ترك التسمية عمدا لم يحل ما يقتله ) بلا خلاف ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى النصوص المستفيضة ، كصحيح الحلبي (٣) عن الصادق عليه‌السلام « من أرسل كلبه ولم يسم فلا يأكله » وخبر زرارة (٤) « في صيد الكلب إن أرسله الرجل وسمى فليأكل » وخبره الآخر (٥) « إذا أرسل الرجل كلبه ونسي أن يسمي فهو بمنزلة من ذبح ونسي أن يسمي ، وكذلك إذا رمى بالسهم ونسي أن يسمي ».

( و ) منه يعلم أنه ( لا يضر لو كان ) الترك لها ( نسيانا ) مضافا إلى الإجماع بقسميه عليه ، وإلى خبر عبد الرحمن (٦) « وإن كنت ناسيا فكل منه أيضا وكل من فضله ».

_________________

(١) سورة الأنعام : ٦ ـ الآية ١٢١.

(٢) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٤.

٣٠

إنما الكلام في أن وقتها عند الإرسال على وجه لا يجزئ وقوعها من العامد ما بينه وبين الإصابة ، فإن فيه قولين : ( أحدهما ) الاشتراط كما هو ظاهر المقنع والمقنعة والنهاية والخلاف والمهذب والغنية والسرائر والجامع والإرشاد والتبصرة وتلخيص المرام والمعالم وتلخيص الخلاف وغيرها مما عبر فيها كعبارة المصنف ، ضرورة ظهوره في التوقيت.

وحينئذ ففي الخلاف والغنية الإجماع عليه ، لأنه قال في الأول : « التسمية واجبة عند إرسال الكلب وإرسال السهم وعند الذبيحة » واحتج على ذلك بإجماع الفرقة وأخبارهم ، وقال في الثاني : « التسمية شرط عند إرسال الكلب والسهم وعند الذبح بدليل إجماع الطائفة » ويشهد لهما فتوى المعظم بذلك ، فهما الحجة حينئذ.

مضافا إلى أصالة التحريم في الصيد حتى يثبت الحل ، وهو في الفرض معلوم إجماعا ونصا ، فيقتصر عليه تمسكا بالأصل وأخذا بالمتيقن. وإلى أن الإرسال منزل منزلة الذكاة ، لأنها تجزئ عنه إجماعا ، فلا تجزئ بعده كما لا تجزئ بعد الذكاة ، ولأن التسمية يجب أن يقارن بها فعل المرسل كما يقارن بها فعل الذابح ، والمرسل لا فعل له سوى الإرسال ، فيجب اقتران التسمية به ، وفي الأخبار ما يلوح إلى ذلك ، بل قيل يدل عليه.

ففي صحيح الحذاء (١) « عن الرجل يسرح كلبه المعلم ويسمي إذا سرحه ، فقال : يأكل مما أمسك عليه ».

وصحيح سليمان بن خالد (٢) « عن كلب المجوسي يأخذه الرجل المسلم فيسمي حين يرسله أيأكل مما أمسك عليه؟ قال : نعم ، لأنه

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ١.

٣١

مكلب قد ذكر اسم الله عليه ».

وصحيح محمد الحلبي (١) « عن الصيد يضربه الرجل بالسيف أو يطعنه برمح أو يرميه بسهم فيقتله وقد سمى حين فعل ذلك ، فقال : كل لا بأس به ».

وصحيح الحلبي (٢) « عن الصيد يرميه الرجل بسهم فيصيبه معترضا فيقتله وقد كان سمى حين رمى ولم تصبه الحديدة ، فقال : إن كان السهم الذي أصابه هو الذي قتله فان أراده فليأكل ».

لأن التوقيت بالإرسال ونحوه في هذه النصوص وإن وقع في كلام الرواة إلا أنه يدل على كون الحكم شائعا معروفا عندهم ، والسائلون من فقهاء الأصحاب وأعاظمهم ، فيبعد أخذهم لهذا القيد في السؤال من دون أن يكون له مدخل في الحل ، وقد أقرهم الإمام عليه‌السلام على هذا القيد ولم ينكر عليهم في ذلك ، فدل على أنه معتبر في حل الصيد.

وفي رواية أخرى للحلبي (٣) « عن الصيد يصيبه السهم معترضا ولم تصبه الحديدة وقد سمى حين رمى ، قال : يأكله إذا أصابه وهو يراه ، وعن صيد المعراض ، فقال : إن لم يكن له نبل غيره وكان قد سمى حين رمى فليأكل منه ، وإن كان له نبل غيره فلا » وقد وقع فيها التقييد في كلام السائل والامام عليه‌السلام والتقريب في الثاني ظاهر ، وفي الأول نحو ما سبق.

وفي خبر الحضرمي (٤) المروي عن تفسير علي بن إبراهيم عن الصادق عليه‌السلام « إذا أرسلت الكلب المعلم فاذكر اسم الله عليه

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٤.

٣٢

فهو ذكاته ».

بل قد يؤيده أو يدل عليه النصوص (١) السابقة في صدر المسألة أيضا الظاهرة في أن وقت التسمية وقت الإرسال.

( والثاني ) عدمه ، فيكفي التسمية قبل الإصابة ، وهو ظاهر القواعد والتحرير والشهيدين في الدروس والمسالك والروضة ، لإطلاق الكتاب (٢) والسنة (٣) التسمية عند الصيد من غير تعيين وقت ، ولأنه إذا أجزأ التسمية عند الإرسال فبالأولى إجزاؤها بعد ذلك ، وخصوصا عند الإصابة والجرح ، فإنه وقت التذكية حقيقة.

بل قد يؤيد ذلك أيضا تدارك الناسي لها ما بينه وبين الإصابة ، فإنه لو لم يكن وقتا للتسمية لما وجب الإتيان بها فيه ، بل كان مستحبا كالتسمية عند الأكل.

وفيه أن الإطلاق محمول على المعهود المتعارف الذي هو عند الإرسال ومنع الأولوية ، فإن التذكية فعل المرسل دون الآلة ، ولا فعل له سوى الإرسال ، فيكون إرساله بمنزلة التذكية ، فيجب أن يقارنها التسمية كما ذكرناه ، وتدارك الناسي لها فيه لا يقتضي الاجزاء في حال العمد ، إذ يمكن كون ذلك وقتا للناسي دون العامد.

ومن هنا بان لك أن الأول هو الأقوى والأحوط وإن كان قد يظهر من بعض النصوص التي قدمناها في مسألة الحل مع أكل الكلب الاكتفاء بالتسمية عند قتل الكلب الصيد ، إلا أن الاحتياط لا ينبغي تركه.

نعم الظاهر الحل لو شك فيها كما عن ابن سعيد في جامعه ، لأنه

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٧ والباب ـ ١٢ ـ منها ـ الحديث ٢ و ٥.

(٢) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الصيد.

٣٣

أولى من الناسي ، وللخبر (١) « أرمي بسهمي ولا أدري أسميت أم لم أسم؟ فقال : كل لا بأس » بل لعل أصل الصحة كاف في المقام مع فرض العلم بالإتيان بالفعل بقصد إرادة الصحيح أو ظاهره ذلك ولكن شك في بعض شروطه ، فهو حينئذ كمن ذكى ثم شك في التسمية مثلا ، أما إذا لم يعلم الإتيان بالفعل على الوجه المزبور ولا كان ظاهره ذلك فقد يشكل الحكم بأصل الصحة على وجه يقطع أصالة العدم بإمكان الإتيان بالفعل على غير الوجه الصحيح ، بل كان لبعض الأغراض التي تجامع الفاسد.

ومن ذلك لو شك في أنه ترك التسمية عمدا ، لأنه لم يرد الصحيح ، أو نسيانا أو لم يتركها ، إذ دعوى أولوية ذلك من الناسي غير معلوم ، بل قد يشك في مساواته له.

ومنه يشك في الاجتزاء بالتدارك لو كان في الأثناء وإن اجتزئ به في الناسي ، والخبر المزبور (٢) وإن كان مطلقا لكنه لا جابر له ، بل يمكن دعوى انسياقه فيما ذكرناه أولا ، فتأمل جيدا ، فإن المسألة غير محررة.

وأما الجاهل بوجوبها فلا إشكال في الحل لو فعلها وإن لم يعتقد وجوبها ، لعموم الكتاب (٣) والسنة (٤) المتضمنة لحل ما ذكر اسم الله عليه.

ولو تركها عمدا لاعتقاد عدم وجوبها فالمتجه عدم الحل ، كما هو ظاهر الأصحاب على ما اعترف به في الدروس وإن أشكله بحكمهم بحل ذبيحة المخالف على الإطلاق ما لم يكن ناصبا ، وبعضهم لا يعتقد وجوبها.

لكن يدفعه أن المقصود في هذا الحكم عدم التحريم من جهة الذابح فلا ينافي حينئذ الحكم بالتحريم من جهة عدم التسمية.

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ١.

(٣) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الصيد والباب ـ ١٥ ـ من أبواب الذبائح.

٣٤

ونوقش بأنه ليس بحاسم لمادة الإشكال ، فإن الغالب عدم العلم بمذهب الذابح ، وقصر الحكم على من علم من مذهبه الاشتراط يقتضي سقوط فائدة هذا الحكم غالبا ، على أن ذلك لو كان مرادا لنبهوا عليه وفي ترك التنبيه عليه دليل على أنه غير مراد.

نعم يمكن أن يقال بأن الأصل حمل فعل المسلم على ما هو صحيح في الواقع ، كما يقتضيه الحكم بإباحة الجلد المأخوذ من المسلم ما لم يعلم كونه ميتة. مضافا إلى السيرة المستمرة في الأعصار والأمصار من الشيعة مع أهل الخلاف في العبادات والمعاملات مع تحقق الاختلاف في البين في شروطها بين الفريقين ، وتظهر الفائدة حينئذ فيما علم انتفاء التسمية فيه ، وهو فرض نادر لا مانع من خروجه عن اختلاف القوم.

أو يقال : إن التسمية وإن لم يوجبها جميع أهل الخلاف لكن القائل بعدم الوجوب يثبت الندب ، والعادة المستمرة فيما بينهم الإتيان بها وإن لم تجب ، فاكتفى بذلك في الذبيحة المجهولة ، فتأمل جيدا.

ولو كان من عادته التسمية فنسيها فالظاهر الحل لدخوله في الناسي مع عدم تأثير مجرد الاعتقاد ، لكن في النافع : « ويؤكل لو نسي إذا اعتقد الوجوب » ولعله لما قيل من اختصاص أدلة الإباحة مع نسيان التسمية بحكم التبادر بمعتقد وجوبها.

بل في الرياض « هذا القيد وإن لم يذكره في الشرائع ولا غيره عدا الشيخ في النهاية والحلي في السرائر والقاضي ، إلا أن الظاهر بحكم ما مر من التبادر إرادته وإن تركه حوالة على الظهور من الخارج ، فما يظهر من التنقيح من التردد في اعتباره حيث حكم بأنه أحوط غير ظاهر الوجه ».

قلت : وجهه إطلاق الأدلة بعد منع التبادر المزبور ، ضرورة صدق النسيان على من كان عزمه الفعل ، من غير فرق بين معتقد الوجوب

٣٥

وعدمه ، ولعله لذا جزم به العلامة الطباطبائي في مصابيحه ، والله العالم.

ثم إنه ذكر غير واحد من الأصحاب من غير خلاف يعرف فيه بينهم اعتبار كون التسمية من المرسل ( و ) حينئذ فـ ( لو أرسل واحد وسمى آخر لم يحل الصيد مع قتله له ) للأصل وخبر محمد بن مسلم (١) بل في المسالك صحيحه وإن كنا لم نتحققه « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن القوم يخرجون جماعة إلى الصيد ، فيكون الكلب لرجل منهم ، ويرسل صاحب الكلب كلبه ويسمي غيره ، أيجزئ ذلك؟ قال : لا يسمي إلا صاحبه الذي أرسل الكلب ».

وفي مرسل أبي بصير (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « لا يجزئ إلا الذي أرسل الكلب » والقصور في السند منجبر بالعمل ، على أن مضمونهما مقتضى الأصل المقتصر في الخروج منه على غير الفرض ، ولو للتبادر.

وأولى بعدم الحل لو أرسل شخص وقصد الصيد آخر وسمى ثالث.

( و ) كذلك يعتبر من غير خلاف يعرف فيه بينهم أيضا اتحاد السبب المزهق المحلل فـ ( لو سمى ) شخص ( فأرسل ) كلبه وأرسل ( آخر كلبه ولم يسم واشتركا في قتل الصيد لم يحل ) للأصل أيضا ، بل لو لم يعلم الحال لم يحل أيضا ، للأصل المزبور ، فضلا عن العلم بالاشتراك ، وهكذا الحال في كل سبب محلل اشترك معه غير المحلل إذا لم يعلم استناد الازهاق إلى المحلل.

ففي خبر أبي عبيدة (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث صيد الكلب ، قال : « وإن وجدت معه كلبا غير معلم فلا تأكل ».

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ١.

٣٦

وفي خبر أبي بصير (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام سألته عن قوم أرسلوا كلابهم وهي معلمة كلها ، وقد سموا عليها فلما مضت الكلاب دخل فيها كلب غريب لا يعرفون له صاحبا فاشتركن جميعا في الصيد ، فقال : لا يؤكل منه ، لأنك لا تدري أخذه معلم أو لا؟ ».

وفي مرسل الفقيه (٢) عن الصادق عليه‌السلام « إذا أرسلت كلبك على صيد وشاركه كلب آخر فلا تأكل منه ».

والأخير وإن كان مطلقا شاملا لاشتراك المحلل أيضا إلا أن صريح بعض وظاهر غيره الاتفاق على الحل مع اشتراك الأسباب المحللة ، بل كاد يكون صريح خبر أبي بصير السابق ، بل لعله مقتضى مفهوم الخبر الأول ، والله العالم.

( الرابع : أن لا يغيب الصيد ) عنه ( وحياته مستقرة ) بلا خلاف أجده فيه ، وحينئذ ( فلو وجد مقتولا أو ميتا بعد غيبته لم يحل ، لاحتمال أن يكون القتل لا منه ، سواء وجد الكلب واقفا عليه أو بعيدا منه ) وسواء وجد السهم فيه مثلا أولا ، للمعتبرة المستفيضة.

ك خبر سليمان بن خالد (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرمية يجدها صاحبها أيأكلها؟ قال : إن كان يعلم أن رميته هي التي قتلته فليأكل ».

وخبر حريز (٤) قال : « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الرمية يجدها صاحبها من الغد أيأكل؟ قال : إن علم أن رميته هي التي قتلته فليأكل ، وذلك إذا كان قد سمى ».

وخبر سماعة (٥) « سألته عن رجل رمى حمار وحش أو ظبيا فأصابه

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٣.

٣٧

ثم كان في طلبه فوجده من الغد وسهمه فيه ، فقال : إن علم أنه أصابه وأن سهمه هو الذي قتله فليأكل منه وإلا فلا ».

وخبر محمد بن قيس (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « قال : أمير المؤمنين عليه‌السلام في صيد وجد فيه سهم وهو ميت لا يدري من قتله ، قال : لا تطعمه ».

وفي النبوي عن عدي بن حاتم (٢) « قلت : يا رسول الله إذا أهل صيد والرجل يرمي الصيد فيغيب عنه الليلتين والثلاث فيجده ميتا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا وجدت فيه أثر سهمك ولم يكن فيه أثر سبع وعلمت أن سهمك قتله فكل » إلى غير ذلك من النصوص المستفاد منها اعتبار العلم باستناد الازهاق إلى السبب المحلل ، فكان المناسب التعبير بذلك ، إذ لا مدخلية للغيبة فيه.

قال الصادق عليه‌السلام في خبر زرارة (٣) : « إذا رميت فوجدته وليس به أثر غير السهم وترى أنه لم يقتله غير سهمك فكل ، يغيب ( غاب خ ل ) عنك أو لم يغب ».

وإليه يرجع خبر الحسين بن علوان (٤) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام « إن عليا عليه‌السلام كان يقول : إذا رميت صيدا فيغيب عنك فوجدت سهمك فيه في موضع مقتل فكل » باعتبار أن ذلك طريق علم باستناد الموت اليه.

وكذا خبر عيسى القمي (٥) في حديث « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أرمي فيغيب عني ، وأجد سهمي فيه ، فقال : كل

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ١.

(٢) سنن البيهقي ـ ج ٩ ص ٢٤٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٤.

٣٨

ما لم يؤكل منه ، فان كان أكل منه فلا تأكل منه ».

وخبر علي بن جعفر (١) عن أخيه عليه‌السلام قال : « سألته عن ظبي أو حمار وحش أو طير رماه رجل ثم رماه غيره بعد ما صرعه غيره ، فقال : كله ما لم يتغيب إذا سمى ورماه ».

والنبوي (٢) « كل ما أصميت ، ودع ما أنميت » أي : كل ما قتله كلبك أو سهمك وأنت تراه ، و « دع ما أنميت » أي : ما غاب عنك مقتله ، ضرورة كون المراد من الجميع هو ما ذكرنا من أن المدار على العلم باستناد القتل إلى السبب المحلل ، فيكفي في الحرمة الشك ، فضلا عن العلم بالعدم ، إلا أنه غالبا لا يحصل مع الغيبة واستقرار الحياة ، لاحتمال عروض سبب آخر ، ولا يكفي أصالة عدمه ، للنصوص المزبورة ومعارضته بأصالة عدم كون موته من رميته مثلا.

نعم الظاهر عدم إرادة العلم بمعنى اليقين ، بل يكفي فيه الطمأنينة العادية ، كما أومأ إليه قوله عليه‌السلام : « إذا وجدت سهمك فيه في موضع مقتل ».

وأولى بالحل من ذلك لو غاب غير مستقر الحياة ، بلا خلاف أجده فيه إلا ما يحكى من إطلاق النهاية الحرمة مع الغيبة المنزل على ذلك نحو ما سمعته من إطلاق بعض النصوص (٣) اتكالا على الظهور ، كما اعترف به في المختلف ، وإن ناقشه الحلي فيه في المحكي عن سرائره ، لكنه في غير محله ، والله العالم.

( و ) كيف كان فلا خلاف نصا (٤) وفتوى في أنه ( يجوز

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٧.

(٢) مجمع الزوائد ـ ج ٤ ص ٣٠ راجع سنن البيهقي ج ٩ ص ٢٤١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٣ و ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ و ٢٣ و ٢٤ ـ من أبواب الصيد.

٣٩

الاصطياد بـ ) كل آلة كـ ( الشرك والحبالة والشباك ) والصقور والفهود والأحجار والبنادق وغيرها ، وما عن سلار من أنه روي (١) تحريم ما يصاد بقسي البندق إن أراد تحريمه مع قتله بالبندق فهو حق ، وإن كان مع التذكية فهو ممنوع.

وعن المفيد عبارة موهمة ، وهي « لا يجوز أكل الثعلب والضب. ولا يؤكل ما قتله البندق ـ إلى أن قال ـ : وروي (٢) أن الجلاهق ـ وهو قسير البندق ـ حرام » والتحقيق ما عرفت ، وفي خبر غياث بن إبراهيم (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « أنه كره الجلاهق ».

وعلى كل حال فلا إشكال بل ولا خلاف يعتد به في أنه يحل الاصطياد ـ بمعنى جعل الحيوان الممتنع تحت اليد ـ بكل آلة ( ولكن لا يحل منه ) بغير ما عرفت ( إلا ما يدرك ذكاته ولو كان فيه سلاح ) لم يصدق عليه أنه رماه به ( وكذا السهم إذا لم يكن فيه نصل ولا يخرق ) وإنما يصيد بثقله.

قال سليمان بن خالد (٤) : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عما قتل الحجر والبندق أيؤكل؟ قال : لا » ونحوه صحيح الحلبي (٥) وخبر حريز (٦) وخبر عبد الله بن سنان (٧) عنه عليه‌السلام أيضا ، وخبر محمد بن مسلم (٨) عن أحدهما عليهما‌السلام.

وفي خبر الحسين بن علوان (٩) المروي عن قرب الاسناد عن جعفر

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الصيد.

(٢) الموجود في المقنعة ص ٩٠ ط حجر هكذا : « ولا يجوز أكل الثعلب والضب ، ولا يؤكل ما قتله البندق من الطير وغيره ، ورمي الجلاهق وهو قسي البندق حرام ».

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الصيد الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الصيد الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الصيد الحديث ٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الصيد الحديث ٤.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الصيد الحديث ٥.

(٨) أشار إليه في الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٤ وذكره في الكافي ج ٦ ص ٢١٣.

(٩) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٨.

٤٠