جواهر الكلام - ج ٣٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

مع أصالة بقائه من حيث ضعف المستند ، فيكون ما ذكرناه طريقا للحكم »

وفيه أن المتجه حينئذ الرجوع إلى ما يزول به صدق اسم الجلل ، ضرورة كونه بعد ضعف المستند كالذي لا تقدير له ، والرجوع إلى أكثر الأمرين إنما يتجه إذا لم يكن هناك قاعدة يرجع إليها ، وهي ما عرفت.

وقال في المسالك : « وحيث كانت الطرق ضعيفة فينبغي الوقوف من ذلك على محل الوفاق ، وهو مراعاة أكثر التقديرات ، حيث لا قائل بما زاد عليها ». وهو وإن لم يذكر أكثر الأمرين كما سمعته في الروضة لكن فيه أيضا أن المتجه الرجوع إلى القاعدة لا أكثر ما في النصوص المفروض عدم صحتها ، فهي وجودها كعدمها ، نعم لو علم منها أن المقدر أحد ما فيها واشتبه كان المتجه ما ذكر ، لا مع عدم العلم مع فرض عدم اعتبار شي‌ء منها ، إذ هو حينئذ كفاقد التقدير الذي قد اعترف هو وغيره بالرجوع فيه إلى القاعدة التي هي زوال وصف الجلل إن لم يستفد حكمه من فحوى ونحوها ، كما هو واضح.

نعم قد يقال إن لم يكن إجماع : إن بناء اختلاف هذه التقادير على اختلاف أفراد الجلل قوة وضعفا بالنسبة إلى زواله في المدة المزبورة وعدمه أو يقال باستحباب الزائد على الأقل الذي تضمنه الدليل المعتبر ، والله العالم.

( و ) كيف كان فـ ( كيفيته ) أي الاستبراء ( أن يربط ) ويمنع عن الغذاء بالعذرة ( ويعلف علفا طاهرا هذه المدة ) على الوجه الذي قد تقدم الكلام فيه في السمك ، فلاحظ وتأمل مراعيا للاحتياط في التخلص من احتمال الجلل ، بل قيل : إنه يستحب ربط الدجاجة التي يراد أكلها أياما ثم يذبحها وإن لم يعلم جللها للنبوي (١) المروي عن كتاب حياة الحيوان « إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا أراد أن يأكل

_________________

(١) حياة الحيوان للدميري ج ١ ص ٣٣١ ط مصر ١٣٧٨.

٢٨١

دجاجة أمر بها فربطت أياما ثم يأكلها » وإن لم يذكره أساطين الأصحاب بل هو مخالف للسيرة ، ولكن الأمر سهل ، والله العالم.

العارض ( الثاني : أن يشرب ) الحيوان ( لبن خنزيرة فـ ) في المتن وغيره ( إن لم يشتد كره ) لحمه ، بل في صريح اللمعة وعن غيرها ولحم نسله أيضا ( و ) إن كان لم يحضرني الآن ما يدل عليه بالخصوص.

نعم خبر السكوني (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إن أمير المؤمنين عليه‌السلام سئل عن جدي غذي بلبن خنزيرة ، فقال : قيدوه وأعلفوه الكسب والندى والشعير والخبز إن كان استغنى عن اللبن ، وإن لم يكن استغنى عن اللبن فيلقى على ضرع شاة سبعة أيام ثم يؤكل لحمه » يدل على أنه ( يستحب استبراؤه بسبعة أيام ) كما ذكره المصنف وغيره بناء على حمل الأمر فيه بذلك عليه ، وعلى أن المراد بالغذاء فيه عدم الاشتداد اللهم إلا أن يستفاد منه مرجوحية عدم الأكل قبل هذا ، وليست إلا الكراهة.

( و ) على كل حال فـ ( ان اشتد حرم لحمه ولحم نسله ) أبدا ولا استبراء بلا خلاف أجده فيه ، كما اعترف به غير واحد ، بل عن الغنية الإجماع على التحريم ، وفي المسالك « أن فيه نصوصا كثيرة لا تخلو من ضعف ، لكن لا راد لها » وإن كنا لم نعثر منها إلا على موثق حنان بن سدير (٢) الذي رواه المشايخ الثلاثة وغيرهم ، قال : « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام وأنا حاضر عنده عن جدي وضع من لبن خنزيرة حتى شب وكبر واشتد عظمه ثم إن رجلا استفحله في غنمه فخرج

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٤ « سئل عن حمل غذي ... ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

٢٨٢

له نسل ، فقال : أما ما عرفت من نسله بعينه فلا تقربه ، وأما ما لم تعرفه فكله فهو بمنزلة الجبن ، ولا تسأل عنه ».

وموثق بشير بن مسلمة (١) عن أبي الحسن عليه‌السلام « في جدي يرضع من خنزيرة ثم ضرب في الغنم فقال : هو بمنزلة الجبن ، فما عرفت أنه ضربه فلا تأكله ، وما لم تعرفه فكل ».

ومرفوع ابن سنان (٢) « لا تأكل من لحم جدي رضع من لبن خنزيرة » ونحوه مرسل الصدوق عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (٣) وخبر السكوني السابق (٤) ومرسل للصدوق عن المقنع (٥) بمضمون خبر حنان.

وإطلاق ما عدا الموثق المزبور وإن شمل صورتي الاشتداد وعدمه كإطلاق خبر السكوني المعارض لها الآمر بالاستبراء الظاهر في تحقق الحل بعده مطلقا ، إلا أنه بعدم الخلاف السابق والإجماع المحكي وظهور « يرضع » في الموثق الأخير في التجدد والاستمرار المقتضي للاشتداد حمل على التفصيل المزبور الذي قد يكون هو مقتضى أصالة عدم الحرمة في غير المشتد التي

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢ عن بشر ابن مسلمة وهو الصحيح كما في التهذيب ج ٩ ص ٤٤ والاستبصار ج ٤ ص ٧٦ والكافي ج ٦ ص ٢٥٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٣ عن ابن سنان عن أبي حمزة رفعه قال : « لا تأكل من لحم حمل ... » كما في الكافي ج ٦ ص ٢٥٠ والتهذيب ج ٩ ص ٤٤ والاستبصار ج ٤ ص ٧٦.

(٣) أشار إليه في الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٣ وذكره في الفقيه ج ٣ ص ٢١٢ ـ الرقم ٩٨٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٤.

(٥) المستدرك ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٣.

٢٨٣

لا يعارضها إطلاق الأخبار المزبورة بعد أن لم تكن حجة لضعفها وعدم الجابر ، بل الموهن موجود ، فليس حينئذ إلا الحمل على التفصيل المزبور الذي مرجعه في غير المشتد إلى الندب والكراهة المتسامح فيهما.

ثم لا تلحق بالخنزيرة الكلبة ولا الكافرة لحرمة القياس ، ولا يختص الحكم بالجدي المحمول في النصوص على المثال ، لما سمعته من فتوى الأصحاب ولا خصوص الارتضاع لذلك أيضا ، نعم في خبر أحمد بن محمد (١) « كتبت إليه جعلني الله فداك من كل سوء ، امرأة أرضعت عناقا حتى أفطمت وكبرت وضربها الفحل ثم وضعت أفيجوز أن يؤكل لحمها ولبنها؟ فكتب فعل مكروه ، ولا بأس به ». وهو دال على الكراهة بناء على ارادة كون الأكل فعلا مكروها ولو بقرينة السؤال ، وإن كان يحتمل إرادة الأرصاع ، والله العالم.

( الثالث : إذا وطأ الإنسان ) صغيرا أو كبيرا عاقلا أو مجنونا حرا أو عبدا عالما أو جاهلا مكرها أو مختارا ( حيوانا مأكول ) (٢) اللحم قبلا أو دبرا ( حرم لحمه ولحم نسله ) ولبنهما بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به غير واحد ، بل عن بعض نسبته إلى الأصحاب الظاهرة في الإجماع ، بل ادعاه آخر ، لخبر مسمع (٣) المنجبر بما عرفت عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إن أمير المؤمنين عليه‌السلام سئل عن البهيمة التي تنكح ، فقال : حرام لحمها وكذلك لبنها ».

وخبر محمد بن عيسى (٤) أو صحيحه ، لأن الظاهر كونه العبيدي

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

(٢) وفي الشرائع « مأكولا » والظاهر أنه ( قده ) أبرز علامة التنوين لهذه الكلمة في قوله : « دبرا ».

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

٢٨٤

وأنه ثقة عن الرجل ـ والظاهر أنه الهادي أو العسكري عليهما‌السلام ـ « إنه سئل عن رجل نظر إلى راع نزا على شاة ، قال : إن عرفها ذبحها وأحرقها وإن لم يعرفها قسمها نصفين أبدا حتى يقع السهم بها فتذبح وتحرق وقد نجت سائرها ».

وموثق سماعة (١) « عن الرجل يأتي بهيمة شاة أو بقرة أو ناقة ، فقال : عليه أن يجلد حدا غير الحد ثم ينفى من بلاده إلى غيره ، وذكروا أن لحم تلك البهيمة محرم ولبنها ».

وروايات ابن سنان والحسين بن خالد وإسحاق بن عمار وفيها الصحيح وغيره عن الصادقين عليهم‌السلام (٢) « في الرجل يأتي البهيمة ، فقالوا جميعا : إن كانت البهيمة للفاعل ذبحت ، فإذا ماتت أحرقت بالنار ولم ينتفع بها ، وإن لم تكن البهيمة له قومت وأخذ ثمنها منه ، ودفع إلى صاحبها وذبحت وأحرقت بالنار ، ولم ينتفع بها ـ إلى أن قال ـ : فقلت : وما ذنب البهيمة؟ قال : لا ذنب لها ، ولكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فعل هذا وأمر به لكي لا يجتزئ الناس بالبهائم وينقطع النسل ».

وحسن سدير (٣) عن الباقر عليه‌السلام « في الرجل يأتي البهيمة قال : يجلد دون الحد ، ويغرم قيمة البهيمة لصاحبها ، لأنه أفسدها عليه ، وتذبح وتحرق وتدفن إن كانت مما يؤكل لحمه ، وإن كانت مما يركب ظهره أغرم قيمتها وجلد دون الحد ، وأخرجت من المدينة التي فعل بها إلى بلاد أخر حيث لا يعرف فيبيعها فيها كي لا يصير بها ».

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب نكاح البهائم ـ الحديث ١ من كتاب الحدود والتعزيرات.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب نكاح البهائم ـ الحديث ٤ من كتاب الحدود والتعزيرات.

٢٨٥

والخبر المروي عن تحف العقول (١) « سأل يحيى بن أكثم موسى البرقعي عن رجل أتى إلى قطيع غنم فرأى الراعي ينزو على شاة منها ، فلما بصر صاحبها خلى سبيلها فدخلت في الغنم ، كيف تذبح؟ وهل يجوز أكلها أم لا؟ فسأل موسى أخاه أبا الحسن الثالث عليه‌السلام فقال : إنه إن عرفها ذبحها وأحرقها ، وإن لم يعرفها قسم الغنم نصفين وساهم بينهما ، فإذا وقع على أحد النصفين فقد نجا النصف ، فلا يزال كذلك حتى يبقى شاتان ، فيقرع بينهما ، فأيهما وقع السهم بها ذبحت وأحرقت ونجا سائر الغنم ».

وهذه النصوص وإن خلت عن التصريح بالنسل المتفق ظاهرا على حرمته أيضا إلا أنه قد يستفاد ولو بمعونة الاتفاق المزبور من الذبح والإحراق وعدم الانتفاع.

بل الظاهر عدم الفرق بين نسل الذكر والأنثى ، للنهي عن الانتفاع (٢) وللإفساد والأمر بالإحراق (٣) ولفحوى ما ورد في المتغذي بلبن الخنزيرة (٤) وإن توقف فيه بعض الناس ، واحتمال اختصاص أصل الحكم في الأنثى لدعوى انصراف وطء البهيمة وعود ضمير « لبنها » في غاية السقوط ، بل يمكن اتفاق النص والفتوى على خلافه ، ضرورة كون البهيمة كالدابة الشاملة للذكر والأنثى ، كضرورة اسم النكاح بمعنى الوطء والإتيان ونحوهما

_________________

(١) ذكر نقلا بالمعنى في الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٤ راجع تحف العقول ص ٣٥٥ طبعة بيروت. وذكره في البحار ج ٦٥ ص ٢٥٤ كالجواهر.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب نكاح البهائم ـ الحديث ١ من كتاب الحدود والتعزيرات.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب نكاح البهائم ـ الحديث ١ من كتاب الحدود والتعزيرات.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة.

٢٨٦

للجميع ، وقوله عليه‌السلام : « وكذلك لبنها » (١) لا يقتضي التخصيص ولو بمعونة الاتفاق ظاهرا على ذلك.

نعم قد يقال باختصاص الحكم بذات الأربع كما عن جماعة منهم الفاضل ، لأنه المنساق عرفا ، بل ومن النص ، بل قيل : إنها لغة كذلك فيقتصر عليه ، خصوصا بعد مخالفة الحكم للأصول ، واحتماله العموم ـ بل قيل : إنه المشهور ، فيشمل الطير ، لأنها لغة اسم لكل ذي روح لا يميز كما عن الزجاج ، ولذلك سميت بذلك ـ واضح الضعف ، لما عرفت.

ثم إن الواطئ إما أن يكون مالك البهيمة أو غيره ، وعلى التقديرين إما أن تكون البهيمة مما يقصد لحمها ولبنها كالشاة والبقرة ، أو ظهرها كالخيل والبغال والحمير وإن جاز أكلها ، فإن كان الأول وكان الموطوء يراد لحمه فلا خلاف نصا (٢) وفتوى في ذبحها وحرقها ، والنفي في موثق سماعة (٣) إنما هو للواطي ، ولا أجد قائلا به ، كما أنه كذلك لو كان المراد منه الموطوء.

وإن كان المراد ظهره نفي الموطوء إلى غير بلد الواطئ مما لا يعرف فيه ، فيباع ويدفع ثمنه إلى مالكه ، كما عن الشيخ وابن إدريس ، للأصل.

وعن المفيد وابن حمزة من الصدقة به على الفقراء والمساكين عقوبة ، ولا دليل على استحقاق العقوبة بذلك ، بل ظاهر الأدلة عقوبته بغيرها من التعزير ونحوه.

بل ربما نوقش في أصل النفي المزبور بأنه لا دليل عليه سوى حسن سدير (٤) الظاهر في تغاير المالك والواطئ ، وإن كان يدفعه ـ ولو بمعونة

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب نكاح البهائم ـ الحديث ٤ من كتاب الحدود والتعزيرات.

٢٨٧

عدم الخلاف المحكي على ذلك ـ ظهور الحسن المذكور في عموم الحكم المزبور كالإحراق وإن كان مورده المتغايران إلا أن المراد منه بيان الحكم على التقديرين ، خصوصا بعد التعليل بعدم التعيير الشامل للأمرين.

وإن كان غير المالك والموطوء يراد لحمه فلا خلاف نصا (١) وفتوى في الذبح والإحراق وإغرام الثمن لمالكها.

وإن كان المراد ظهره أغرم الثمن لمالكه ونفي في غير بلاد وبيع ، كما سمعته في الحسن (٢) لكن في دفع الثمن للمالك باعتبار بقائه على ملكه وإن أغرم له القيمة ، والجمع بين العوض والمعوض عنه إنما يمنع في عقود المعاوضة ، أو للواطي لأنه الذي أغرم القيمة ، بل لعل التعبير بالثمن في الحسن مشعر بصيرورة المثمن له ، أو يتصدق به لعدم استحقاقهما معا له أما المالك فلأخذ العوض ، والواطئ فلعدم ملكه لها ، فليس إلا الصدقة ولعله لا يخلو من قوة.

بل منه يظهر قوة ما سمعته من المفيد في الأول وإن كان القول برجوعه إلى الواطئ مطلقا أقوى بالنظر إلى قواعد الفقه.

ثم إن ظاهر المصنف وغيره اختصاص الحكم المزبور بأقسامه في مأكول اللحم دون محرمه كالهر والكلب والفيل ، ونحوها ، مع احتماله على معنى وجوب إحراقه وعدم جواز الانتفاع به ، لإطلاق جملة من النصوص (٣) التي لا ينافيها ما في آخر (٤) من التعرض لحرمة اللحم ، إذ المعنى حينئذ أنه يحرم لحمها إن كانت مأكولة ، فهو حكم من الأحكام. بل قد يقال : إن اقتصار المصنف وغيره هنا في عنوان المسألة على المأكول لكونه

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب نكاح البهائم ـ الحديث ١ من كتاب الحدود والتعزيرات.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب نكاح البهائم ـ الحديث ٤ من كتاب الحدود والتعزيرات.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب نكاح البهائم من كتاب الحدود والتعزيرات.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢ و ٣.

٢٨٨

في معرض بيان ما يحرم لحمه بالمعارض.

( و ) على كل حال فـ ( لو اشتبه ) الموطوء ( بغيره قسم فريقين ) أو نصفين متساويين مع إمكانه ( وأقرع عليه مرة بعد أخرى حتى تبقى واحدة ) فتحرق أو تنفي على حسب ما عرفت بلا خلاف أجده فيه ، للخبرين (١) المنجبرين بذلك وإن قلنا باقتضاء القاعدة خلاف ذلك من اجتناب أو غيره ، نعم ظاهر الخبرين الاشتباه في محصور ، بل صرح به بعض متأخري المتأخرين ، بل يمكن تنزيل إطلاق غيره عليه ، فيبقى حينئذ غير المحصور على حكمه وإن أمكن القول بالاقراع مطلقا في غير المحصور ، لإمكانه بناء على عدم مراعاة التنصيف ، لتعذره حتى في المحصور ، حيث يكون العدد فردا ، فيراد من النصف في النص (٢) الفريق حينئذ ، وإن كان الأولى مراعاة التنصيف حقيقة مع إمكانه ، وإلا جعل الفرد مع أحد النصفين اقتصارا على المتيقن ، ومحافظة على الحقيقة أو القريب إليها.

نعم لا تختص القرعة في الواحدة المشتبهة ، بل تجري مع التعدد وإن كان مورد الخبرين ذلك.

بل الظاهر جريان القرعة مع تلف بعض القطيع بموت أو سرقة ونحوهما ، فيجعل التالف في فريق ويقرع ، فإذا خرجت القرعة نجا الباقي. والمدار في الوطء على مسماه ، كما في غير المقام ، نعم لا يحصل بإيلاج الخنثى المشكل ، لعدم العلم بكونه ذكرا ، والله العالم.

( ولو شرب شي‌ء من هذه الحيوانات خمرا لم يحرم لحمه ) مع عدم النفوذ فيه ( بل ) وإن نفذ ، ولكن قيل كما عن المشهور ( يغسل ويؤكل ) بل في كشف اللثام نسبته إلى الأصحاب ، ولعله للاستظهار

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٤.

٢٨٩

لسرعة نفوذ الخمر فيه ، والمرسل عن السرائر (١) لأنه نسبه إلى الرواية قال فيها : « وقد روي أنه إذا شرب شي‌ء من هذه الأجناس خمرا ثم ذبح جاز أكله بعد أن يغسل بالماء ، ولا يجوز أكل شي‌ء مما في بطنه ولا استعماله » بعد الانجبار بما عرفت.

( و ) على كل حال فالمشهور أيضا أنه ( لا يؤكل ما في جوفه ) من الأمعاء والقلب والكبد وإن غسل ، بل عن ابن زهرة الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد اعتضاده بالشهرة المزبورة ، مضافا إلى خبر زيد الشحام (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام المروي في التهذيب والكافي المنجبر والمعتضد بما عرفت ، بل لعله في الثاني منهما من الموثق ، كما وصفه في محكي الخلاف والدروس ، لأن الراوي له ابن فضال عن أبي جميلة ، وعن الكشي عن بعض دعوى أنه من أصحاب الإجماع ، وعلى كل حال فقد قال عليه‌السلام « في شاة شربت خمرا حتى سكرت فذبحت على تلك الحال : لا يؤكل ما في بطنها » وإن كان هو أخص من المدعى من وجوه ، إلا أنه يمكن إتمامه بالشهرة وعدم القائل بالفرق بين الشاة وغيرها.

خلافا للمحكي عن ابن إدريس من الكراهة ، وعن الفاضل في المختلف أنه استقربه ، ومال إليه ثاني الشهيدين والأردبيلي وبعض متأخري المتأخرين استضعافا للخبر المزبور عن إفادة الحرمة سندا ودلالة ، والأصل الحل.

وفيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرنا ، بل قد يقال : إن دعوى أخصيتها بالإضافة إلى دلالتها على حرمة ما في البطن مع الذبح حين السكر خاصة ممنوعة ، إلا إذا ثبت فتاوى الفقهاء بالعموم للمذبوح وغيره ، وهو غير واضح بعد استناد الأكثر إلى الرواية وتعليل الحكم في جملة منها بما

_________________

(١) السرائر ص ٣٦٦ ص ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

٢٩٠

يختص بموردها مع وقوع التصريح في بعضها باختصاص الحكم به ، ولعله المراد من إطلاق بعضها كالعبارة ونحوها مما لم يوجد فيه شي‌ء من ذلك وعلى تقدير عدم اتفاق الفتاوى على ذلك فاتفاقها على العموم غير معلوم ، بل العدم معلوم ، ولا إجماع يوجب العموم ، فالقول بالتخصيص متعين ، وعليه فتكون الرواية وافية بتمام المدعى.

نعم إنما تكون أخص منه على القول بعمومه ، وليس فيه حجة على من يخصصها. فلا شبهة في المسألة أصلا ، سيما مع دعوى الإجماع السابق على أنه مع فرض إطلاق الأصحاب ذلك يكون هو القرينة على إرادة العموم في الجواب وإن كان السؤال خاصا ، والله العالم.

( ولو شرب ) شي‌ء منها ( بولا لم يحرم ) اللحم أيضا بلا خلاف ولا إشكال ، بل ولا يغسل للأصل ، مع ما قيل من إمكان الفرق بينه وبين الخمر بسرعة نفوذ الثاني فيه دونه ، وإن كان قد يناقش بأن غسل اللحم إن كان لنفوذ الخمر فيه كما هو الظاهر لم يتم الفرق بينه وبين ما في الجوف ، وإن لم يصل إليه لم يجب تطهيره ، مع أن ظاهر الحكم غسل ظاهر اللحم الملاصق للجلد ، وباطنه المجاور للأمعاء ، والرواية خالية عن غسل اللحم.

وقد تدفع بأن المراد إمكان التخلص من البول بالغسل بخلاف الخمر فان الغسل لا يخرج أجزاءه النافذة في الأجزاء ، بخلاف البول الذي لا تقبله الطبيعة ولا تتغذى به ، والأمر سهل ، فان المراد توجيه النص الذي هو العمدة في الفرق.

( و ) كيف كان فلا خلاف في أنه ( يغسل ما في بطنه ويؤكل ) لمرسل موسى بن أكيل النميري (١) المتقدم عن أبي جعفر عليه‌السلام

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢.

٢٩١

« في شاة شربت بولا ثم ذبحت ، فقال : يغسل ما في جوفها ثم لا بأس وكذلك إذا اعتلفت العذرة ما لم تكن جلالة » المنجبرة بالشهرة العظيمة بل لم أجد فيه خلافا ، كما اعترف به بعض وإن كان هو قاصرا عن تمام المدعى.

بل في المسالك بعد التردد في الحكمين المزبورين قال : « هذا كله إذا كان ذبحها عقيب الشرب بغير فصل أو قريبا منه ، أما لو تراخى بحيث يستحيل المشروب لم يحرم ، ونجاسة البواطن حيث لا يتميز فيها عين النجاسة منتفية » وظاهره اختصاص موضوع المسألة بغير ذلك ، وتبعه عليه غيره ، إلا أنه مناف لظاهر الأكثر أو الجميع ، ويمكن كون الغسل تعبديا لا للنجاسة ، بل مقتضى المرسل المزبور أن اعتلاف العذرة كذلك ما لم يكن جلالا ، اللهم إلا أن يراد مثلها في الحل خاصة ، كما أنه يمكن دعوى إرادة الذبح حال الشرب ، بحيث تكون عين النجاسة باقية ، والله العالم.

( و ) كيف كان فلا خلاف بيننا بل وبين أكثر المسلمين في أنه ( يحرم الكلب ) بل الإجماع بقسميه عليه ، لأنه نجس وسبع وممسوخ فيشمله ما دل على حرمة ذلك من نص (١) وإجماع ، خلافا للمحكي عن مالك.

( و ) كذا يحرم ( السنور ) بلا خلاف فيه بيننا أيضا ( أهليا كان أو وحشيا ) للنص (٢) عليه بخصوصه ، ولأنه سبع كما في بعض النصوص عن كتاب علي عليه‌السلام (٣) مضافا إلى كون

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢ و ٣.

(٢) سنن البيهقي ـ ج ٦ ص ١١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأسئار ـ الحديث ٢ من كتاب الطهارة.

٢٩٢

السبع هو الحيوان المفترس بطبعه أو للأكل كما عن القاموس ، أو الذي له ناب أو أظفار يعدو بها على الحيوان ويفترسه ، أو الذي يأكل اللحم.

وعلى كل حال هو منه ، فيشمله ما دل على حرمتها من إجماع محكي معتضد بنفي الخلاف أو محصل ونص (١) خلافا لمالك أيضا وبعض الشافعية ، وعن آخر منهم الفرق بين الوحشية والإنسية ، فأحل الأول دون الثاني قياسا على حمار الوحشي ، والله العالم.

( ويكره أن يذبح بيده ما رباه من النعم ) كما تقدم في الذباحة (٢) التي هي محل هذه المسألة لا المقام ، ضرورة كون الكراهة الفعل لا الأكل بل في خبر محمد بن الفضل (٣) عن أبي الحسن عليه‌السلام « لا تربين شيئا ثم تذبحه » وهو شامل للنعم وغيره. اللهم إلا أن يقال : المراد بذلك الكناية عن الأكل أيضا ، والله العالم.

( و ) على كل حال فلا خلاف بيننا بل وبين المسلمين في أنه ( يؤكل من الوحشية البقر والكباش الجبلية ) التي هي على ما قيل الضأن والمعز الجبليان ( والحمر والغزلان واليحامير ) بل الإجماع بقسميه عليه هنا ، مضافا إلى النص (٤) في الظبي وحمار الوحش واليحمور والإبل الذي هو على ما قيل بقر الجبل أو ذكر الأوعال ، والسيرة المستمرة بل الضرورة ، نعم ظاهر المتن والقواعد والتحرير وغيرها حصر المحلل من الوحش فيها ، بل هو صريح محكي الغنية إلا أنه زاد الأوعال سادسا.

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة.

(٢) راجع ص ١٣٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١ من كتاب الصيد والذباحة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الأطعمة المباحة والباب ـ ١٧ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٢ و ٤ من كتاب الصيد والذباحة.

٢٩٣

لكن قد يشكل ذلك بالخيل والإبل والبغال لو كانت وحشية ، لإطلاق ما دل على حلها إنسية كانت أو وحشية ، ودعوى الانصراف إلى الأول خاصة ممنوعة كما في بقر الوحش وحماره. بل قد يشكل بالنعامة بناء على أنها من غير الطير وأنها حلال ، ولكن يمكن عدم إرادة الفاضلين الحصر بل ربما كان منهما ما ينفي الظهور ، حيث عقبا تحليل الخمسة من الوحوش النص على تحريم السباع ، والمفهومان متعارضان في الخارج عن السباع والأنواع الخمسة ، فلا يستفاد حكمه منهما.

( و ) على كل حال فلا خلاف بيننا في أنه ( يحرم منها ما كان سبعا ، وهو ما كان له ظفر أو ناب يفترس به ، قويا كان كالأسد والنمر والفهد والذئب أو ضعيفا كالثعلب والضبع وابن آوى ) بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى السيرة المستمرة ، وفي مرسل الكافي (١) « لا تأكل من السباع شيئا » وفي صحيح الحلبي (٢) « لا يصلح أكل شي‌ء من السباع ، وإني لأكرهه وأقذره » وفي موثق سماعة (٣) « عن لحوم السباع وجلودها ، فقال : أما لحوم السباع والسباع من الطير فانا نكرهه ، وأما الجلود فاركبوا ولا تلبسوا شيئا تصلون فيه » وفي النهي عن الصلاة فيه دلالة على إرادة الحرمة من الكراهة. وفي مرسل الفقيه (٤) « أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير حرام » ونحوها رواية داود بن فرقد (٥) وموثق سماعة (٦) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المأكول من الطير والوحش ، فقال :

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٤.

(٤) أشار إليه في الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١ وذكره في الفقيه ج ٣ ص ٢٠٥ ـ الرقم ٩٣٨.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٣.

٢٩٤

حرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كل ذي مخلب من الطير ، وكل ذي ناب من الوحش ، فقلت : إن الناس يقولون من السبع ، فقال لي : يا سماعة السبع كله حرام وإن كان سبعا لا ناب له ، وإنما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هذا تفصيلا ». إلى غير ذلك من النصوص المنجبر ما يحتاج إلى الجبر منها بما عرفت والمعتضدة بما سمعت.

فوسوسة بعض الناس في الحكم المزبور لبعض النصوص ـ كصحيح محمد بن مسلم (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام المتقدم في نصوص حلية الحمير (٢) وصحيح زرارة (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « ما حرم الله في القرآن من دابة إلا الخنزير ولكنا نكره » وصحيحه الآخر (٤) الذي سأل فيه أبا جعفر عليه‌السلام « عن الجريث ، فقال ( قُلْ لا أَجِدُ ) ـ إلى آخر الآية (٥) ـ ثم قال : لم يحرم الله شيئا في القرآن إلا الخنزير بعينه ، ويكره كل شي‌ء من البحر ليس له قشر مثل الورق ، وليس بحرام إنما هو مكروه ». وفي صحيح ابن مسلم (٦) أيضا بعد الأمر بقراءة الآية قال : « إنما الحرام ما حرم الله ورسوله

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٦.

(٢) المتقدمة في ص ٢٦٥ ـ ٢٦٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢. وفيه « ولكنه النكرة » وفي التهذيب ج ٩ ص ٤٣ ـ الرقم ١٧٩ « ولكنه النكرة ».

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١٩. وفيه « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ... » إلا أن الموجود في التهذيب ج ٩ ص ٥ ـ الرقم ١٥ والاستبصار ج ٤ ص ٦٠ ـ الرقم ٢٠٧ « سألت أبا جعفر عليه‌السلام ... ».

(٥) سورة الانعام : ٦ ـ الآية ١٤٥.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢٠.

٢٩٥

في كتابه ، ولكنهم قد كانوا يعافون أشياء ، فنحن نعافها » وفي حسن زرارة ومحمد بن مسلم (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام لما سألاه عن لحم الحمير الأهلية ، قال : « إنما الحرام ما حرم الله عز وجل في القرآن » وفي صحيح زرارة (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام « أكل الغراب ليس بحرام ، إنما الحرام ما حرمه الله في كتابه ، ولكن الأنفس تتنزه عن كثير من ذلك تقززا (٣) ». وغيرها من النصوص المحمولة على التقية أو مطرحة ـ لا وجه لها.

( و ) كذا لا خلاف بل الإجماع بقسميه عليه في أنه ( يحرم الأرنب والضب والحشرات كلها ) التي هي صغار دواب الأرض أو التي تأوي نقب الأرض ( كالحية والفأرة والعقرب والجرذان والخنافس والصراصر وبنات وردان والبراغيث والقمل ) وغيرها مما هو مندرج في الخبائث أو الحشرات أو المسوخ ، وما في الصحيح (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عزوف النفس وكان يكره الشي‌ء ولا يحرمه ، فأتي بالأرنب فكرهها ولم يحرمها » محمول على التقية ، وفي المروي عن الدعائم (٥) عن علي عليه‌السلام « أنه نهى عن الضب والقنفذ وغيره من حشرات الأرض ».

( وكذا ) لا خلاف في أنه ( يحرم اليربوع والقنفذ والوبر )

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

(٣) القز : إباء النفس الشي‌ء ، وبالضم التباعد من الدنس كالتقزز ( القاموس ).

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢١.

(٥) المستدرك ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٦. وفيه « من خرشة الأرض » إلا أن الموجود في الدعائم ج ٢ ص ١٢١ كالجواهر.

٢٩٦

والخز والفنك والسمور والسنجاب والعظاءة واللحكة ، وهي دويبة تغوص في الرمل يشبه بها أصابع العذارى ) وغيرها ، وما في خبر زكريا بن آدم (١) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام فقلت : إن أصحابنا يصطادون الخز فآكل من لحمه؟ فقال : إن كان له ناب فلا تأكله ، قال : ثم سكت ساعة فلما هممت بالقيام قال : أما أنت فإني أكره لك فلا تأكله ». وخبر أبي حمزة (٢) « سأل أبو خالد الكابلي علي بن الحسين عليه‌السلام عن أكل لحم السنجاب والفنك والصلاة فيهما ، فقال أبو خالد : السنجاب يأوي الأشجار ، فقال : إن كان له سبلة كسبلة السنور والفأرة فلا يؤكل لحمه ، ولا تجوز الصلاة فيه ، ثم قال : أما أنا فلا آكله ولا أحرمه » مطرح أو محمول على التقية ، خصوصا بعد ما تقدم في الصلاة (٣) من معلومية كونهما غير مأكولين.

وفي خبر حمران بن أعين (٤) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الخز ، فقال : سبع يرعى في البر ويأوي الماء ».

وعلى كل حال فقد ظهر لك أن عنوان التحريم ـ مضافا إلى ما دل عليه بالخصوص ـ الخبث والمسخ والحشرات والسبع أو كل ذي ناب بناء على أنه أعم من السبع ، كما هو ظاهر موثق سماعة (٥) والله العالم.

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

(٣) راجع ج ٨ ص ٩٤ و ٩٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٣.

٢٩٧

( القسم الثالث )

( في الطير )

( والحرام منه أصناف ) مضافا إلى بعض أفراده بالخصوص : ( الأول : ما كان ذا مخلاب ) أي ظفر ( قوي يعدو به (يقوى به خ ل) على ) افتراس ( الطير كالبازي والصقر والعقاب والشاهين والباشق ، أو ضعيف ) لا يقوى به على ذلك ( كالنسر والرخمة والبغاث ) بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة (١) التي تقدم جملة منها كخبر داود بن فرقد (٢) وغيره.

لكن في وافي الكاشاني « المخلب : الظفر لكل سبع من المواشي والطائر ، أو هو لما يصيد من الطير والظفر لما لا يصيد » وفي الصحاح « المخلب للطائر والسباع بمنزلة الظفر للإنسان ».

قلت : قد يظهر من عد الأصحاب النسر والرخم والبغاث من ذي المخلب المحرم عدم اعتبار الصيد في الحرمة ، قال في الدروس بعد أن ذكر كما ذكر المصنف : « وهو ـ أي البغاث ـ ما عظم من الطير وليس له مخلاب معقف ، وربما جعل النسر من البغاث » وقال الفراء : « بغاث الطير شرارها وما لا يصيد منها كالرخم والحدأة » وفي الصحاح عن ابن

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

٢٩٨

السكيت « البغاث طائر أبغث ، إلى الغبرة ، دون الرخمة ، بطي‌ء الطيران وفي المثل : إن البغاث بأرضنا تستنسر ، أي من جاورنا عز بنا ».

وبالجملة ظاهرهم عدم اعتبار القوة على الصيد في حرمة ذي المخلب ويمكن أن يريدوا نحو ما ذكروه في حرمة ذي الناب من الافتراس به ولو ضعيفا ، بحيث لا يعد به سبعا ، فكذلك هنا ، وقد سمعت ما في موثق سماعة (١) من تفسير النبوي ، والله العالم.

( و ) على كل حال فـ ( في الغراب روايتان : ) إحداهما تقتضي حله مطلقا ، كموثق زرارة بن أعين (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام « إن أكل الغراب ليس بحرام ، إنما الحرام ما حرم الله في كتابه ، ولكن الأنفس تتنزه عن ذلك تقززا (٣) » وموثق غياث (٤) عن جعفر ابن محمد عليهما‌السلام « إنه كره أكل الغراب لأنه فاسق ».

والأخرى تقتضي حرمته مطلقا ، كصحيح علي بن جعفر (٥) عن أخيه أبي الحسن عليه‌السلام « سألته عن الغراب الأبقع والأسود يحل أكلهما ، فقال : لا يحل أكل شي‌ء من الغربان : زاغ ولا غيره » ومرسل الصدوق (٦) عن الصادق عليه‌السلام « لا يؤكل من الغربان زاغ ولا غيره ، ولا يؤكل من الحيات شي‌ء ». وخبر أبي يحيى الواسطي (٧) قال : « سئل الرضا عليه‌السلام عن الغراب الأبقع ، فقال : إنه لا يؤكل ، وقال : من أحل لك الأسود؟ ». بل وخبر أبي إسماعيل (٨) « سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن بيض الغراب ، فقال :

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

(٣) راجع التعليقة (٣) في ص ٢٩٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٦.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٤.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٥.

٢٩٩

لا تأكله » لتبعية حل البيض وحرمته لحل اللحم وحرمته ، وفي المرسل (١) « إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أتي بغراب فسماه فاسقا ، وقال : والله ما هو من الطيبات ».

ومن هنا اختلف الأصحاب فيه ، فعن الشيخ في النهاية وكتابي الأخبار والقاضي الأول مطلقا على كراهة ، واختاره المصنف في النافع ، وعن الشيخ في الخلاف التحريم مطلقا مدعيا عليه إجماع الفرقة وأخبارها.

( وقيل ) وإن كنا لم نعرف قائله ( يحرم الأبقع والكبير الذي يسكن الجبال ، ويحل الزاغ ، وهو غراب الزرع ، والغداف ، وهو ) كما عن المبسوط والخلاف ( أصغر منه يميل إلى الغبرة ما هو ) أي ميلا يسيرا كالرماد ، بل لعله يعرف بالرمادي لذلك.

نعم عن ابن إدريس حل الزاغ منه خاصة ، قال : « الغربان على أربعة أضرب ، ثلاثة منها لا يجوز أكل لحمها ، وهو الغداف الذي يأكل الجيف ويفرس ، ويسكن الخربات ، وهو الكبير من الغربان السود ، وكذا الأغبر الكبير ، لأنه يفرس ويصيد الدراج ، فهو من جملة سباع الطير ، وكذلك لا يجوز أكل لحم الأبقع ، الذي يسمى العقعق ، طويل الذنب ، فأما الرابع وهو غراب الزرع الصغير من الغربان السود الذي يسمى الزاغ فإن الأظهر من المذهب أنه يؤكل لحمه على كراهة دون أن يكون محظورا ، وإلى هذا يذهب شيخنا في نهايته وإن كان قد ذهب إلى خلافه في مبسوطة ومسائل خلافه ، فقال بتحريم الجميع ، وذهب في الاستبصار إلى تحليل الجميع » إلى آخر ما ذكر.

لكن الموجود في النهاية « يكره أكل الغربان » وفي الخلاف « الغراب كله حرام على الظاهر في الروايات ، وقد روي في بعضها رخص ، وهو

_________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

٣٠٠