جواهر الكلام - ج ٣٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

فلا يكفي النجس ولو عارضا ، ويمكن أخذهم الأول مما ورد (١) في استبراء غير السمك من البعير والشاة والبقرة والبطة والدجاجة من اعتبار الغذاء والتربية مدة كذا ، خصوصا مع ذكر غير السمك في الخبرين المزبورين ، فـ قال في الأول (٢) : الدجاجة تحبس ثلاثة أيام ، والبطة سبعة أيام ، والشاة أربعة عشر يوما ، والبقرة ثلاثين يوما ، والإبل أربعين يوما » مما هو معلوم إرادة تغذيه في مدة الحبس بغير العذرة ، وكذا الثاني (٣) الذي فيه أيضا « أن البقرة تربط عشرين يوما ، والشاة تربط عشرة أيام والبطة تربط ثلاثة أيام ، والدجاجة تربط ثلاثة أيام » مما هو معلوم إرادة الغذاء والتربية في مدة الحبس ولو للنصوص الأخر (٤) فيعلم كون المراد من الجميع الحبس مع الغذاء والتربية.

بل ربما يؤيده مرسل علي بن أسباط (٥) « في الجلالات ، قال : لا بأس بأكلهن إذا كن يخلطن » الذي إن لم يرد به ما تحقق فيه وصف الجلل وأن الخلط لاستبرائه أمكن استفادة حصول الرفع بذلك ، كما يحصل به الدفع ، أي إذا كان الجلل لا يحصل مع الخلط ابتداء فكذلك يرتفع بالحبس مع التغذية بغير ما حصل به الجلل بعد تحققه ، لحصول الخلط حينئذ ولو مع ترتب الزمان ، بل لعل أصل الاستبراء بالحبس مع الغذاء ليتحقق هذا القسم من الخلط الرافع للجلل ، فتأمل جيدا فإنه دقيق جدا.

نعم قد يشكل اعتبار الطهارة في العلف ، اللهم إلا أن يدعى الانسياق وإلا كان زيادة في جلله ، مضافا إلى الاستصحاب ، بل هو مقتضى كونه طاهرا ذاتا وعرضا ، مضافا إلى الاحتياط وإلى ظهور ارادة ذلك من إطلاق

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٣.

٢٦١

الأصحاب ، إذ الطاهر حقيقة ما ليس بنجس ذاتا ولا عرضا.

وربما يشهد له ما تسمعه من الخبر (١) في استبراء شارب لبن الخنزيرة إذا لم يشتد الذي نص فيه على علفه الكسب والشعير ونحوهما ، وحينئذ فيكفي ذلك في تقييد الخبر المزبور (٢) وعدم تحقق الجلل بأكله ولو خاصة لا يقتضي الاكتفاء به في الزوال ، وإن كان هو مقتضى ما ذكرناه من استفادة حصول الرفع بما يحصل به الدفع من خبر الخلط (٣) إلا أن الاستصحاب وظهور كلمات الأصحاب ودعوى الانسياق يقتضي الاقتصار على العلف الطاهر فعلا مدة الحبس ، بل في التحرير اعتبار كون الماء الذي يحبس فيه السمك طاهرا ، ولا ريب في أنه أحوط وأولى ، والله العالم.

( وبيض السمك ) المعبر عنه الآن بالثرب من ( المحلل حلال ) وإن كان أملس ( و ( كذا خ ) بيض المحرم حرام ) وإن كان خشنا بلا خلاف محقق أجده فيه ، بل يمكن تحصيل الإجماع على الأول ، خصوصا مع ملاحظة السيرة القطعية على استعمال الصحناة التي هي طبخ السمكة جميعها وخصوصا مع ملاحظة التبعية في بيض غيره من الحيوان كالدجاجة والطاوس والبطة وغيرها مما ستعرفه مع أولوية ما نحن فيه بالتبعية منه.

ففي خبر ابن أبي يعفور (٤) عن الصادق عليه‌السلام « أن البيض إذا كان مما يؤكل لحمه فلا بأس به وبأكله ، وهو حلال ».

وفي خبر داود بن فرقد (٥) عنه عليه‌السلام أيضا « كل شي‌ء

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٧.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢.

٢٦٢

لحمه حلال فجميع ما كان منه من لبن أو بيض أو إنفحة كل ذلك حلال طيب ».

بل قد يدعى كونه مع عدم انفصاله عن السمك من أجزائه على وجه يشمله دليل الحل والحرمة له ، بل قد يدعى أن ذلك هو السبب في الحكم بالتبعية ولو في البيض المنفصل كالدجاج ونحوه باعتبار كون مبدئه قبل انفصاله جزء من الحيوان المحلل والمحرم أو كالجزء ، فيبقى على الحل والحرمة بعد الانفصال.

هذا وفي الرياض الاستدلال على المقام بالخبرين المزبورين بعد تنقيح دلالتهما بإرادة الحرمة من نفي البأس في مفهوم الأول ولو لدخول قوله عليه‌السلام : « وهو حلال » في جواب الشرط ، فيكون المفهوم نفي الحلية ، وإرادة القيدية من الثاني الذي مفهومها حجة بلا خلاف لا الوصفية المحضة.

لكن قد يناقش بعدم صدق البيض عرفا على ثروب السمك ، وإنما أطلقه الأصحاب عليه لضرب من المجاز ، باعتبار كونه مبدأ تكون السمك كالبيض وغيره ، نعم قد يستفاد منهما تبعية ذلك في الحل والحرمة وإن لم يكن بيضا عرفا ، والأمر سهل.

وعلى كل حال لا ينافي ما ذكرنا إطلاق جماعة من الأصحاب ممن تقدم على المصنف حلية الخشن من بيض السمك دون الأملس والمستماع الذي قد يتوهم منه كون ذلك مدار الحرمة والحل فيه دون التبعية المزبورة ، وحينئذ فيحرم الأملس وإن كان من المحلل ، ويحل الخشن وإن كان من محرم ، بل ربما حكي عن ابن إدريس أنه فهم ذلك منهم وأنكره ، وقال : « لا دليل عليه بل السيرة المستمرة على استعمال الصحناة تقتضي

٢٦٣

خلافه » بل أيده في محكي المختلف بعموم قوله تعالى (١) ( أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ ، وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ ) لإمكان تنزيل الإطلاق المزبور على إرادة التميز عند الاشتباه ، كما أومأ إليه المصنف ومن تأخر عنه بقوله ( ومع الاشتباه يؤكل ما كان خشنا لا ما كان أملس ) بل لعله الظاهر منهم وإن كنا لم نقف على خبر بالتفصيل المزبور.

إلا أنه يمكن شهادة التجربة له ، وإلا لاقتضى حرمة الأملس من المحلل والخشن من المحرم ، ولا دليل عليه ، بل ظاهر ما سمعته من الأدلة خلافه بل المحكي عن ابن إدريس في كشف اللثام أنه فهم من الإطلاق المزبور التفصيل بذلك في المحلل من السمك وأنكر عليهم بما سمعت ، ومع تسليمه فهو في محله ، أما على الأول فهو مثلهم في الإنكار أو أولى ، ضرورة اقتضائه الحل مطلقا ، وهو مناف لما سمعته مما يقتضي التبعية المزبورة القاطعة لأصل الحل ، من غير فرق بين المتصل والمنفصل ، فالتحقيق حينئذ ما ذكرناه ، والله العالم.

( القسم الثاني )

( في البهائم )

( و ) لا خلاف بين المسلمين في أنه ( يؤكل من الإنسية ) منها جميع أصناف ( الإبل والبقر والغنم ) بل هو من ضروري الدين ( و ) المشهور بيننا شهرة كادت تكون إجماعا كما اعترف به غير واحد

_________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٩٦.

٢٦٤

إن لم تكن كذلك أنه ( يكره الخيل والبغال والحمير الأهلية ) في الثلاثة ، بل عن الخلاف الإجماع على ذلك ، كما عن الانتصار والغنية أنه من متفردات الإمامية في الأول والثالث ، للأصل والنصوص المستفيضة أو المتواترة أو المقطوع بمضمونها.

قال محمد بن مسلم (١) : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن لحوم الخيل والبغال والحمير ، فقال : حلال ولكن الناس يعافونها ».

وقال أيضا في خبره الآخر (٢) : « إنه سئل عن سباع الطير والوحش حتى ذكر له القنافذ والوطواط والخيل والحمير والبغال ، فقال : ليس الحرام إلا ما حرم الله في كتابه ، وقد نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم خيبر عن أكل لحوم الحمير ، وإنما نهاهم من أجل ظهورها أن يفنوها ، وليست الحمير بحرام ـ ثم قال ـ : إقرأ هذه الآية : ( قُلْ : لا أَجِدُ ) (٣) ـ إلى آخرها ـ » الذي لا يقدح في حجيته اشتماله على معلوم الحرمة ، خصوصا مع احتمال كون الجواب فيه عن الثلاثة.

وفي خبر عمر بن خالد عن زيد بن علي (٤) عن آبائه عن علي عليهم‌السلام قال : « أتيت أنا ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رجلا من الأنصار فإذا فرس له يكيد بنفسه ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : انحره يضعف لك به أجران : بنحرك إياه واحتسابك له ، فقال : يا رسول الله ألي منه شي‌ء؟ قال : نعم كل

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٦.

(٣) سورة الأنعام : ٦ ـ الآية ١٤٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٤ عن عمرو بن خالد. كما في التهذيب ج ٩ ص ٤٨.

٢٦٥

وأطعمني ، قال : فأهدى للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فخذا منه ، فأكل منه وأطعمني ».

وفي خبر زرارة (١) المروي عن تفسير العياشي عن أحدهما عليهما‌السلام « سألته عن أبوال الخيل والبغال والحمير ، قال : وكرهها ، قلت : ليس لحومها حلالا؟ قال : فقال : أو ليس قد بين الله لكم ( وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْ‌ءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ ) (٢) قال ( وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً ) (٣) فجعل للأكل الأنعام التي قص الله في الكتاب ، وجعل للركوب الخيل والبغال والحمير ، وليس لحومها بحرام ولكن الناس عافوها ».

وفي خبر زرارة ومحمد بن مسلم (٤) عن أبي جعفر عليه‌السلام « سألاه عن أكل لحوم الحمير الأهلية ، فقال : نهى رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله عن أكلها يوم خيبر ، وإنما نهى عن أكلها في ذلك الوقت ، لأنها كانت حمولة للناس ، وإنما الحرام ما حرم الله في القرآن ».

وفي خبر أبي الجارود (٥) عنه عليه‌السلام أيضا « سمعته يقول : إن المسلمين كانوا جهدوا في خيبر ، فأسرع المسلمون في دوابهم ، فأمرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بإكفاء القدور ، ولم يقل إنها حرام ، وكان ذلك إبقاء على الدواب ».

وفي خبر محمد بن مسلم (٦) المروي عن العلل عنه

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٨.

(٢) سورة النحل : ١٦ ـ الآية ٥.

(٣) سورة النحل : ١٦ ـ الآية ٨.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٦.

٢٦٦

أيضا ، قال : « نهى رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله عن أكل لحوم الحمير ، وإنما نهى عنها من أجل ظهورها مخافة أن يفنوها ، ليست الحمير بحرام ، ثم قرأ هذه الآية (١) ( قُلْ : لا أَجِدُ ) ـ إلى آخرها ـ ».

وفي خبر أبي الحسن الليثي (٢) عن الصادق عليه‌السلام قال : « سئل عن لحوم الحمير الأهلية فقال : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن أكلها ، لأنها كانت حمولة للناس يومئذ ، وإنما الحرام ما حرم الله في القرآن وإلا فلا ».

وفي خبر محمد بن سنان (٣) المروي عن العيون عن الرضا عليه‌السلام « أنه كتب إليه في جواب مسائله : كره أكل لحوم البغال والحمير الأهلية لحاجة الناس إلى ظهورها واستعمالها والخوف من فنائها وقلتها ، لا لقذر خلقها ولا قذر غذائها ».

إلى غير ذلك من النصوص التي منها أيضا تحليل ألبان الأتن ، كحسن العيص (٤) سأل الصادق عليه‌السلام « عن شرب ألبان الأتن ، فقال : لا بأس بها ».

ولم أجد خلافا في العمل بمضمونها إلا من المفيد فيما حكي عنه في

_________________

(١) سورة الأنعام : ٦ ـ الآية ١٤٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٧ عن أبي الحسن الميثمي عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام قال : « سئل أبي عن لحوم ... » إلا أن الموجود في العلل ص ٥٦٣ ط النجف الأشرف أبو الحسن الليثي.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٨.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ٣ وفيه « عن شرب ألبان الأتن؟ فقال : اشربها » وفي خبر أبي مريم عن أبي جعفر عليه‌السلام الذي رواه في الوسائل بعد هذا الحديث « عن شرب ألبان الأتن فقال لي : لا بأس بها ».

٢٦٧

كشف اللثام من تحريم البغال والحمير والهجن من الخيل ، بل قال : « إنه لا تقع الذكاة عليها » ومن الحلبي فيما حكي عنه أيضا من تحريم البغال.

ولعله لمرسل أبان بن تغلب (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن لحوم الخيل ، فقال : لا تؤكل إلا أن تصيبك ضرورة ، وعن لحوم الحمير الأهلية ، فقال : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن أكلها يوم خيبر ».

والمرسل (٢) في محكي المقنع « عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير والحمر الإنسية حرام ».

وصحيح ابن مسكان (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن أكل الخيل والبغال ، فقال : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عنها ولا تأكلها إلا أن تضطر إليها ».

وصحيح سعد بن سعد (٤) عن الرضا عليه‌السلام « سألته عن لحوم البرازين والخيل والبغال ، فقال : لا تأكلها ».

وخبر أبي بصير (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « كان يكره أن يؤكل لحم الضب والأرنب والخيل والبغال ، وليس بحرام كتحريم الميتة والدم ولحم الخنزير ، وقد نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن لحوم الحمير الأهلية ، وليس بالوحشية بأس ».

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٣ وفي ذيله « عن لحوم الحمر الأهلية ، قال : وفي كتاب علي عليه‌السلام أنه منع أكلها » وما ورد من لذيل في الجواهر هو خبر ابن مسكان الذي رواه في الوسائل بعد مرسل أبان.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٧.

٢٦٨

وهي ـ مع عدم حجية بعضها من حيث السند ولا جابر بل الموهن محقق ، والتصريح في غيرها من النصوص بأن النهي عن الحمير يوم خيبر بل وغيرها من الخيل والبغال للاحتياج إلى ظهورها لا لحرمتها ، بل في المسالك الاستدلال بصحيح الضرورة على الحل من حيث إطلاق الضرورة فيه واشتمالها على ما لا يقول به الحلبي من تحريم البغل خاصة ، بل والمفيد الذي قد خص الحرمة في الهجين من الخيل ـ غير مكافئة لما عرفت من وجوه ، منها الاعتضاد بالشهرة العظيمة ومحكي الإجماع إن لم يكن محصله ومخالفة الكتاب والعامة الذين جعل الله الرشد في خلافهم ، فتعين طرحها أو حملها على الكراهة أو التقية أو غير ذلك مما لا ينافي القول المزبور.

نعم هي ( على تفاوت بينها ( فيها خ ل ) بالكراهية ) بل في صريح المسالك وظاهر غيرها الاتفاق على التفاوت المزبور ، وعن المشهور أن كراهة البغل أشد ، لتركبه من الفرس والحمار ، وهما مكروهان ، وعن القاضي وظاهر الحلي أن كراهة الحمار أشد ، لأن المتولد من قوي الكراهة وضعيفها أخف كراهة من المتولد من قويها خاصة ، ولكن التعليلين كما ترى.

وعلى كل حال فالخيل أخفها ، خصوصا بعد أكل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين عليه‌السلام منها (١) ، ولعل البغل أشد من الحمير للشهرة ، ويحتمل الحمير ، لكثرة نصوص النهي عنها (٢) والأمر سهل ، هذا كله في الإنسية.

أما الوحشية فلا خلاف أجده في حلها ، كما ستعرف إنشاء الله ، نعم في الدروس عن ابن إدريس والفاضل كراهة الحمار الوحشي ، وعن

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة.

٢٦٩

الحلبي كراهة الإبل والجاموس ، والذي في مكاتبة أبي الحسن عليه‌السلام (١) في لحم حمر الوحش « تركه أفضل ». وروي (٢) في لحم الجاموس « لا بأس به ».

قلت : يأتي الكلام في حمار الوحش ، وأما الإبل والجاموس فقد يظهر من المصنف وغيره عدم الكراهة فيها وفي غيرها من الأنعام ، لكن قال الصادق عليه‌السلام في خبر إسماعيل بن أبي زياد (٣) : « ألبان البقر دواء وسمونها شفاء ولحومها داء » وفي خبر أبي بصير (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « لحوم البقر داء » ونحوه خبر السكوني (٥) عن جعفر عن آبائه عليهم‌السلام. وفي خبر عبد الحميد ابن المفضل السمان (٦) « سألت عبدا صالحا عليه‌السلام عن سمن الجواميس فقال : لا تشتره ولا تبعه » لكن عن الشيخ أن هذا الخبر موافق لمذهب الواقفية ، لأنهم يعتقدون أن لحم الجواميس حرام ، فأجروا السمن مجراه وذلك باطل عندنا لا يلتفت إليه.

قلت : ولعله لذلك نفي البأس عن لحم الجواميس وشرب ألبانها وأكل سمونها في خبر عبد الله بن جندب (٧) وقال أيوب بن نوح (٨) : « سألت أبا الحسن الثالث عليه‌السلام عن الجاموس وأعلمته أن أهل العراق يقولون : إنه مسخ فقال : أو ما علمت قول الله : ( ومِنَ الْإِبِلِ

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الأطعمة المباحة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ٥.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ٥.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ٢.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ٣.

٢٧٠

اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ ) (١) » فلا دلالة حينئذ في نفي البأس على نفي الكراهة ، كما عساه يظهر من الدروس ، والله العالم.

هذا ( وقد يعرض التحريم للمحلل من وجوه : ) ( أحدها الجلل ، وهو أن يغتذي عذرة الإنسان لا غير ) على المشهور لمرسل موسى بن أكيل (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام « في شاة شربت بولا ثم ذبحت ، فقال : يغسل ما في جوفها ، ثم لا بأس به ، وكذلك إذا اعتلفت العذرة ما لم تكن جلالة ، والجلالة هي التي يكون ذلك غذاؤها » بناء على أن المنساق من العذرة فضلة الإنسان أو أنها المراد بها ، كما تقدم في منزوحات البئر (٣) وفي المرسل الآخر (٤) « في الجلالات لا بأس بأكلهن إذا كن يخلطن ».

خلافا للمحكي عن أبي الصلاح ، فألحق غيرها من النجاسات بها في تحقق الجلل المحرم ، ولا دليل له معتد به يصلح لقطع الأصل والعمومات بعد منع صدق اسم الجلل على ذلك عرفا ، وبعد ما سمعته من المرسل المعتضد بالعمل ، وما في الصحاح ـ من أن الجلالة البقرة التي تتبع النجاسات ـ تفسير بالأعم.

وللمحكي عن الشيخ في المبسوط ، فلم يعتبر الاختصاص بالعذرة ، إلا أنه جعل الحكم حينئذ الكراهة في التي يكون أكثر علفها ذلك لا التحريم ، قال في محكي الخلاف : « الجلال عبارة عن البهيمة التي تأكل العذرة اليابسة أو الرطبة ـ إلى أن قال ـ : فان كان هذا أكثر علفها

_________________

(١) سورة الأنعام : ٦ ـ الآية ١٤٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢.

(٣) راجع ج ١ ص ٢٣٠.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٣.

٢٧١

كره لحمها عندنا ـ ثم قال ـ : وروى أصحابنا تحريم ذلك إذا كان غذاؤه كله من ذلك ».

وربما يشهد له المرسل الثاني الذي يمكن الجمع بينه وبين المرسل الأول بإرادة خصوص المحرم من الجلال من التفسير فيه ، لا مطلق الجلال ، ولكن لا يخفى عليك سهولة الأمر بعد فرض كون الحكم الكراهة في الفرد المزبور لا التحريم.

وعلى كل حال ( فـ ) المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة أنه ( يحرم ) أكل الجلال ( حتى يستبرأ ، وقيل ) والقائل الإسكافي والشيخ في المحكي عنهما ( يكره ) بل عن الثاني منهما نسبته إلى مذهبنا إلا أنك قد عرفت كون الجلال عنده المحكوم عليه بالكراهة هو الذي يكون أكثر علفه العذرة ، لا الذي لا علف له غيرها الذي ظاهره الحرمة فيه باعتبار نسبته إلى روايات أصحابنا التي لا محيص عن العمل بها.

ومن ذلك يظهر لك المناقشة في النسبة المزبورة في مفروض البحث بل القول بالكراهة في الفرد الذي ذكره ليس مختصا به ، بل هو مذهب أكثر علمائنا ، كما اعترف به غير واحد ، وحينئذ فينحصر الخلاف في محل البحث في الإسكافي الذي يمكن دعوى لحوقه بالإجماع إن لم يكن مسبوقا به ، بل عن بعض الأجلة حمل كلامه على ما يرجع إلى المشهور ، فلا خلاف حينئذ ، وعلى تقديره فلا ريب في شذوذه وضعفه ، إذ لا دليل سوى الأصل المخصص بالمعتبرة المستفيضة المروية من طرق العامة والخاصة.

ففي صحيح هشام بن سالم (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « لا تأكلوا من لحوم الجلالات ، وإن أصابك من عرقها فأغسله ».

وفي خبر حفص بن البختري (٢) عن أبي عبد الله

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢.

٢٧٢

« لا تشرب من ألبان الإبل الجلالة ، وإن أصابك شي‌ء من عرقها فاغسله ».

وفي خبر زكريا بن آدم (١) عن أبي الحسن عليه‌السلام « أنه سأله عن دجاج الماء ، فقال : إذا كان يخلطن فلا بأس » وفي آخر (٢) « إذا كان يلتقط غير العذرة فلا بأس » قال (٣) : « ونهى عن ركوب الجلالة وشرب ألبانها ، وقال : إن أصابك شي‌ء من عرقها فاغسله ». ومنه ومن غيره يعلم إرادة الحرمة من البأس في مفهومه كالمرسل السابق.

كل ذلك مضافا إلى ما تسمعه من نصوص (٤) الاستبراء الظاهرة في حرمة الأكل قبله ( و ) من هنا كان ( التحريم أظهر ) وحينئذ فما في الكفاية ـ من أن مستند التحريم أخبار لا يستفاد منها أكثر من الرجحان ، مع ما عرفت من العمومات الدالة على الحل ، فالقول بالكراهة مطلقا أقرب ـ واضح الضعف ، خصوصا بعد ما قيل من أن مبناه عدم كون النهي حقيقة في التحريم الذي قد عرفت بطلانه في محله ، على أنه هو قد اعترف بحمله عليه مع الشهرة ، ولو لكونها حينئذ قرينة ، ولا ريب في تحققها في المقام ، كما صرح به في أول الكلام.

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٥ والموجود فيه « أنه سأله عن دجاج الماء فقال : إذا كان يلتقط غير العذرة فلا بأس » وليس لزكريا في المقام غير هذه الرواية ، وما ذكره من اللفظ في الجواهر هو ذيل مرسل علي بن أسباط المروي في نفس الباب الحديث ٣ وفيه « في الجلالات ، قال : لا بأس بأكلهن إذا كن يخلطن ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٦ وهو مرسل الصدوق ( قده ).

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة.

٢٧٣

وكيف كان فقد ذكر غير واحد أن النصوص (١) والفتاوى المعتبرة خالية عن تعيين المدة التي يحصل فيها الجلل ، وغاية ما يستفاد من المرسل الأول (٢) اعتبار كون العذرة غذاؤه ، ومن الثاني (٣) عدم البأس بأكله مع الخلط ، وكل منهما بالإضافة إليها مجملة ، واحتمال استفادتها من مدة الاستبراء ـ باعتبار دعوى اقتضاء ارتفاعه بها بحبسه عنها تحققه (٤) بتغذيه فيها ـ لم نجد له أثرا في كلام الأصحاب ، ولعله لوضوح منع الاقتضاء المزبور.

وعن بعضهم تقديرها بأن ينمو ذلك في بدنه ويصير جزءا منه ، وآخر بيوم وليلة ، واستقربه الكركي ، قال : « ويرجع في كونه جلالا إلى العرف ، وقدره بعض المحققين بيوم وليلة ، وهو قريب كما في الرضاع المحرم ، لأنه اقصر زمان الاستبراء » وثالث بأن يظهر النتن في لحمه وجلده ، يعني رائحة النجاسة التي اغتذت بها.

والجميع كما ترى ـ وإن مال في المسالك إلى الأخير ـ لا دليل عليه سوى اعتبارات لا تصلح دليلا ، ومن هنا جعل بعضهم المدار على ما يسمى جلالا عرفا ، وفي الرياض « هذا أقوى ، لأنه المحكم فيما لم يرد به من الشرع تعيين أصلا » وفيه ما عرفته سابقا من أنه لا عرف منقح الآن يرجع إليه ، لعدم استعماله فيه ، ولعله لذا قال في الكفاية بعد أن جعل الظاهر الرجوع إليه : « وفي معرفته إشكال » بل لعل مبنى الأقوال المزبورة ذلك أيضا ، ولذا رجع بعضهم فيه إلى الرضاع المحرم في الجملة.

نعم قد يقال : إن المتجه الرجوع إلى العرف في صدق ما سمعته في تفسيره بالمرسل السابق (٥) وهو يصدق بكون ذلك غذاؤها ، بل لعله

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٣.

(٤) وفي النسخة الأصلية « وتحققه » والصحيح ما أثبتناه.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢.

٢٧٤

لا يقدح فيه بعض الخلط الذي لا ينافي الصدق المزبور.

وعلى كل حال فلا بأس بالتغذي بغير العذرة من النجاسات وإن نبت لحمه عليها إلا ما تسمعه في لبن الخنزيرة ، للأصل وإطلاق أدلة الحل التي لا يعارضها القياس على تغذي العذرة بعد بطلانه عندنا ، ولا نمو الجزء من النجاسة بعد الاستحالة ، ولعله لذا لا يقدح التسميد في العذرة للمزارع وإن صارت سببا في النمو ، قال في خبر وهب بن وهب المروي عن قرب الاسناد (١) عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليهم‌السلام « انه كان لا يرى بأسا بأن يطرح في المزارع العذرة » مضافا إلى السيرة المستمرة وغيرها.

ثم لا يخفى عليك أن الجلل إنما يفيد تحريم الأكل للحيوان دون النجاسة للأصل وغيره ، والأمر بالغسل للعرق أعم من نجاسة الحيوان ، بل ومن العرق نفسه ، خصوصا بعد الشهرة على الطهارة ، إذ يمكن كون المراد به للصلاة ، باعتبار صيرورته فضلة ما لا يؤكل لحمه المانعة من الصلاة وإن كانت طاهرة ، فما في طهارة كشف اللثام ـ من أن الظاهر النجاسة وحكاه عن الفاضل في المنتهى ـ واضح الضعف ، وقد تقدم الكلام فيه في كتاب الطهارة (٢).

بل لا يبعد بقاء قابلية الحيوان المزبور للتذكية المفيدة بقاء طهارته وإن حرم أكل لحمه ، للأصل أيضا وغيره الذي مقتضاهما أيضا بقاؤه على جواز استعماله في الركوب وغيره ، والنهي عن ذلك إنما هو لضرب من الكراهة ، لعدم العامل به على الحقيقة فيما أجد.

وكيف كان فالظاهر الاتفاق نصا (٣) وفتوى على قابلية عود الجلال

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

(٢) راجع ج ٥ ص ٢٨٤ وج ٦ ص ٧٧ ـ ٨٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة.

٢٧٥

إلى حل الأكل ، بل لعل ذلك هو مقتضى كون عنوان الحكم الجلل الذي قد عرفت تفسيره بما سمعت ، ضرورة انتفاء الحرمة بانتفاء مصداق تفسيره المزبور الذي مقتضاه عدم كونه جلالا حينئذ ، واحتمال حرمة أكله حينئذ للاستصحاب وإن زال الاسم مناف لظهور كون العنوان في الحكم ما عرفت كما حررناه في حكم العصير ، وحينئذ فالمتجه جعل المدار في عوده إلى الحل على ذلك.

ومن هنا قال في المسالك : « إن ما لا تقدير لمدته شرعا يعتبر في حله زوال اسم الجلل عنه عرفا ، وذلك بأن يطيب لحمه ويزول نتنه على ذلك الوجه ، وما ورد على تقديره حكم معتبر من نص أو إجماع اعتمد عليه » وتبعه عليه غيره.

نعم في الرياض « أنه ينبغي تقييده بعدم إمكان استنباط مدته من مدة الجلالات المنصوصة بنحو من فحوى الخطاب والأولوية » وذلك كله إنما ينطبق على ما ذكرناه ، وإلا لكان المتجه فيما لا تقدير فيه البقاء على الحرمة ، للأصل كما اختاره النراقى ، لكنه كما ترى.

بقي شي‌ء : وهو أنه قد يظهر من غير واحد أن ما له تقدير معتبر شرعا يعود إلى الحل وإن بقي على وصف اسم الجلل ، لإطلاق الدليل ، لكن قد يناقش بانصرافه إلى ما هو المعتاد من زوال الاسم بذلك ، ولا أقل من أن يكون به محل شك ، لا ما علم بقاء وصف الجلل فيه حتى يكون مستثنى حينئذ من حكم الجلال لا موضوعه وإن كان هو محتملا ، إلا أن الأظهر خلافه ، والله العالم.

( و ) على كل حال فـ ( في ) مدة ( الاستبراء ) في بعض الجلال ( خلاف ) نصا وفتوى ( و ) لكن ( المشهور ) فيهما بل لا أجد خلافا فيهما أن ( استبراء الناقة ) والبصير بل مطلق

٢٧٦

الإبل وإن كانت صغارا ( بأربعين يوما ) بل عن الخلاف والغنية الإجماع عليه ، بل اعترف غير واحد أن ذلك من المتفق عليه نصا (١) وفتوى.

( و ) أما ( البقرة ) أي جنسها من غير فرق بين الذكر والأنثى والصغير والكبير ، فالمشهور أنها ( بعشرين ) يوما بل عن الخلاف والغنية الإجماع عليه ، لخبر السكوني (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن أمير المؤمنين عليه‌السلام « الدجاجة الجلالة لا يؤكل لحمها حتى تغذى ثلاثة أيام ، والبطة الجلالة بخمسة أيام ، والشاة الجلالة عشرة أيام ، والبقرة الجلالة عشرين يوما ، والناقة الجلالة أربعين يوما » المنجبر بما عرفت والمعتضد بخبر مسمع (٣) على ما عن بعض النسخ.

( وقيل ) والقائل القاضي والشيخ في المبسوط على ما حكي عنها : ( تستوي البقرة والناقة في الأربعين ) للأصل المقطوع بما عرفت ، وخبر مسمع (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام على ما في التهذيب والاستبصار عن الكافي المنافي لما هو الموجود الآن في نسخ الكافي ، ـ كما اعترف به غير واحد ـ من الثلاثين ، قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « الناقة الجلالة لا يؤكل لحمها ولا يشرب لبنها حتى تغذى أربعين يوما ، والبقرة الجلالة لا يؤكل لحمها ولا يشرب لبنها حتى تغذى ثلاثين يوما ، والشاة الجلالة لا يؤكل لحمها ولا يشرب لبنها حتى تغذى عشرة أيام ، والبطة الجلالة لا يؤكل لحمها حتى تربى ( تربط خ ل ) خمسة أيام ، والدجاجة ثلاثة أيام » المؤيد بخبرين آخرين ضعيفين :

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢.

٢٧٧

أحدهما مرفوع يعقوب بن يزيد (١) عن الصادق عليه‌السلام « الإبل الجلالة إذا أردت نحرها تحبس البعير أربعين يوما ، والبقرة ثلاثين يوما ، والشاة عشرة ».

والثاني خبر يونس (٢) عن الرضا عليه‌السلام « الدجاج يحبس ثلاثة أيام ، والبطة سبعة أيام ، والشاة أربعة عشر يوما ، والبقرة ثلاثين يوما ، والبعير أربعين يوما ، ثم تذبح ».

ومن هنا قال بعض الأفاضل : الظاهر السهو في نسخة الكتابين المزبورين ، بل قال : لا يمكن أن يكون لهما حجة ، لمصيرهما في الشاة إلى السبعة مع تضمن الخبر المزبور العشرة على النسخة الموجودة من الكافي أو الخمسة على نسخة الكتابين ، وإن كان قد يناقش بما ستعرف من معلومية جواز العمل ببعض الخبر دون بعضه.

نعم عن الصدوق والإسكافي التقدير بالثلاثين ، للنصوص (٣) المزبورة إلا أنها ـ لضعفها وإن تعددت وتأيدت بأصالة الحرمة مع عدم الجابر ـ قاصرة عن مقاومة الخبر الأول (٤) المنجبر والمعتضد بما سمعت.

بل في الرياض « أن أكثر هذه الروايات شاذة ، بمعنى أنها لا يمكن أن تكون مستندا لهما بمصير الأول منهما إلى العشرين في الشاة والثاني إلى أربعة عشر فيها ، وهي متفقة في رد الأول ، وما عدا الأخيرة منها على رد الثاني » وإن كان يناقش بعدم اقتضاء ذلك شذوذ الخبر على وجه لا يستدل به على المطلوب في البعض الموافق ، كما هو محرر في محله ، نعم

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢ و ٤ و ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

٢٧٨

هي غير حجة لما عرفت ، ومرجوحة بذلك ( و ) من هنا كان ( الأول أظهر).

( و ) أما ( الشاة ) فالمشهور استبراؤها ( بعشرة ) بل عن الخلاف والغنية الإجماع عليه ، لخبري السكوني (١) ومسمع (٢) ومرفوع يعقوب (٣) المنجبرة بما عرفت.

( وقيل ) والقائل الشيخ في محكي المبسوط ( بسبعة ) ولم نجد له دليلا على ذلك إلا ما في كشف اللثام من أنه مروي في بعض الكتب (٤) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام وفي خبر مسمع (٥) على ما عن بعض نسخ التهذيب « خمسة » ولم نجد به عاملا ، وكذا المحكي عن الصدوق من العشرين ، نعم عن الإسكافي أنها أربعة عشر ، للخبر الضعيف السابق الذي لا جابر له ، فهو ساقط عن قابلية الاستدلال به فضلا عن أن يعارض غيره. ( و ) حينئذ فلا ريب في أن ( الأول أظهر).

وأما البطة فالمشهور أنها بخمسة ، بل عن الغنية الإجماع ، لخبري السكوني (٦) ومسمع (٧) المنجبرين بما سمعت ، وعن الشيخ في الخلاف سبعة للخبر (٨) الضعيف المتقدم سابقا الذي قد عرفت حاله ، خصوصا بعد اشتماله على الأربعة عشر في الشاة والثلاثين في البقرة ، ولا يقول بشي‌ء

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٤.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١ و ٣.

(٥) التهذيب ج ٩ ص ٤٥ الرقم ١٨٩.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٥.

٢٧٩

منهما في كتبه ، وما في مرسل القاسم بن محمد الجوهري (١) من أنها تربط ثلاثة أيام لم أجد عاملا به إلا ما يحكى عن الصدوق ، كالمرسل (٢) أنه ستة ، وعن الشيخ إلحاق شبهها بها ، بل في كشف اللثام تبعه عليه غيره.

وأما الدجاجة فالمشهور أنه ثلاثة أيام ، بل عن الخلاف الإجماع عليه ، لخبري السكوني (٣) ومسمع (٤) وغيرهما ، لكن عن المقنع أنه روي (٥) يوما إلى الليل ، ولم أجد عاملا به ، وعن الشيخ وغيره إلحاق شبهها بها أيضا.

وبذلك كله ظهر لك أن ما عدا الخبر الأول لا يخلو من شذوذ في الجملة ، ولا جابر له بخلافه ، فإنه مع اعتباره في نفسه منجبر بالشهرة المحققة والمحكية في كلام جماعة ، ومعتضد فيما عدا البطة بالإجماع المحكي عن الخلاف ، وفيما عدا الدجاجة بالإجماع المحكي عن الغنية ، ومن هنا قال في الرياض : « فلا مسرح عن العمل به ولا مندوحة ».

فما يظهر من شيخنا الشهيد الثاني وجملة ممن تبعه من الإضراب عنه وعن كل من الأقوال المتقدمة والمصير إلى القاعدة ، وهي اعتبار أكثر الأمرين من هذه المقدرات وما يزول به الجلل ليخرج عن حق الأدلة لا وجه له وإن كان أحوط بلا شبهة ، مع إنه إحداث قول مستأنف لم يوجد به قائل من الطائفة.

قلت : أشار بذلك إلى كلامه في الروضة ، قال : « ومستند هذه التقديرات كلها ضعيف ، وينبغي القول بوجوب الأكثر ، للإجماع على عدم اعتبار أزيد منه ، فلا تجب الزيادة ، والشك فيما دونه ، فلا يتيقن زوال التحريم

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٨.

٢٨٠