جواهر الكلام - ج ٣٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

إلا شرا » إلى غير ذلك من النصوص (١) الواردة في بيان علل تحريم ما حرمه عليهم.

ولذا ورد (٢) أنه « سألوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عند ذلك عما أحل لهم ، فقال : أحل لكم الطيبات كما حكاه الله تعالى شأنه بقوله (٣) : ( يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ : أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ ) » إلى آخرها.

وحينئذ يكون الحاصل أن المراد بيان أن الذي حرمه عليهم من الخبائث بخلاف ما أحله لهم ، فإنه من الطيبات ، لا أن المراد جعل ذلك عنوانا للحل والحرمة حتى يشكل باختلافه باختلاف الناس ويرمى لذلك بالإجمال.

( و ) على كل حال فـ ( النظر فيه ) أي الكتاب المزبور ( يستدعي بيان أقسام ستة : )

( الأول : )

( في حيوان البحر )

( ولا يؤكل منه إلا ما كان سمكا ) أو طيرا بلا خلاف أجده فيه بيننا ، كما اعترف به في المسالك ، بل عن الخلاف والغنية والسرائر والمعتبر والذكرى وفوائد الشرائع الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد تبينه على

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة.

(٢) الدر المنثور ـ ج ٢ ص ٢٥٩.

(٣) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤.

٢٤١

وجه يمكن دعوى تحصيله ، وإن وسوس فيه بعض متأخري المتأخرين لاختلاف الطريقة.

مضافا إلى عموم ما دل على حرمة الميتة (١) بناء على إرادة مطلق ما فارقته الروح منها ، أو على أن الأصل عدم حصول التذكية الشرعية المسوغة للأكل في كل ما شك فيه من الحيوان.

وإلى ما عساه يظهر من موثق الساباطي (٢) المسؤول فيه عن الربيثا فقال : « لا تأكله فإنا لا نعرفه في السمك يا عمار » ولا يقدح في حجية العلة فيه عدم العمل في مورده باعتبار معارضته بما هو أقوى منه مما يدل على كونه من السمك (٣).

وبذلك كله ينقطع أصل البراءة والإباحة ، بل ويخص عموم حل الصيد الشامل لما عدا السمك وما دل على حل الأزواج الثمانية وغيرها من الكتاب والسنة.

بل قد يقال بتبادر السمك خاصة من الأول ولو لكونه المعهود صيده من البحر والمذكور في مقام الامتنان على العباد بقوله (٤) ( لَحْماً طَرِيًّا ) خصوصا بعد ملاحظة اقتضاء إرادة العموم منه حل كثير من حيواناته المحرمة إجماعا وكتابا وسنة للضرر أو الخباثة أو غيرهما على وجه يكون الخارج أكثر من الداخل.

بل لعل الثاني أيضا منصرف ، للتبادر وغيره إلى حيوان البر خاصة

_________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة.

(٤) سورة النحل : ١٦ ـ الآية ١٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة.

٢٤٢

والمرسل (١) « كل ما كان في البحر مما يؤكل في البر مثله فجائز أكله ، وكل ما كان في البحر مما لا يجوز أكله في البر لم يجز أكله » ـ مع خروجه عن الحجية فضلا عن قصوره عن المعارضة ـ موافق للعامة كالصحيح (٢) « كل شي‌ء في البحر ليس له قشر مثل الورق ليس بحرام ، وإنما هو مكروه » والخبر (٣) « عن أكل لحم الخز ، قال : كلب الماء ، إن كان له ناب فلا تقربه وإلا فأقربه ».

وحينئذ فوسوسة بعض متأخري المتأخرين في الحكم المزبور أو ميلة إلى الحل في الجملة ـ بل ربما حكي عن الصدوق أيضا وإن كنا لم نتحققه ـ في غير محله ، نعم لا خلاف بين المسلمين بل وغيرهم في حل السمك منه بل لعله من ضروري الدين.

كما لا خلاف معتد به بين المؤمنين في اشتراط ذلك بأن يكون ( له فلس ) أي قشر كالورق ( سواء بقي عليه كالشبوط والبياح أو لم يبق كالكنعت ) الذي هو حوت سيئة الخلق تحتك بكل شي‌ء فيذهب فلسها ، ولذا لو نظرت إلى أصل أذنها وجدته فيه.

( أما ما ليس له فلس في الأصل كالجري ففيه ) روايتان (٤) : ( أشهرهما ) رواية ( التحريم ) بل هي إن لم تكن متواترة فمقطوعة المضمون باعتبار تعاضدها وروايتها في الكتب الأربعة وغيرها وتعدد كيفية دلالتها.

( فمنها ) في خصوص الجري نهيا وتصريحا بالحرمة أو بالكراهة (٥)

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٦ و ٧ و ١٥ و ١٦ و ١٧.

٢٤٣

المراد منها ذلك ، والنهي عن بيعه (١) وضرب أمير المؤمنين عليه‌السلام بالدرة من يفعل ذلك ونداؤه في الأسواق بذلك (٢) وأن التجنب عن ذلك من شرائط محض الإسلام ومن الايمان (٣) وغير ذلك من وجوه الدلالة.

( ومنها ) النهي عن بيع ما لا قشر له من السمك (٤) الذي يظهر من النصوص (٥) أنه هو علامة الحل والحرمة.

( ومنها ) التصريح بكونه والزمير والمارماهي من المسوخ (٦) التي قد عرفت النهي عن أكلها في خبر المفضل (٧) السابق وغيره (٨).

بل وعملا ، بل عن الخلاف والغنية والسرائر الإجماع عليه ، بل لعله كذلك ، إذ لم نجد مخالفا إلا ما يحكى عن القاضي والشيخ في النهاية التي هي متون أخبار ، مع أنه في كتاب المكاسب منها جعل التكسب بالجري وغيره من السمك الذي لا يحل أكله من المحظور ، بل قال في باب الحدود منها : « ويعزر إن أكل الجري والمارماهي أو غير ذلك من المحرمات ، فان عاد أدب ثانية ، فان استحل شيئا من ذلك وجب عليه القتل » ومقتضاه كونه من ضروري المذهب أو الدين ، فليس حينئذ إلا القاضي الذي هو من أثباعه ، ويمكن إرادته الحرمة من الكراهة.

فمن الغريب بعد ذلك ميل بعض الناس إلى القول بالكراهة جاعلا لها وجه جمع بين الأخبار التي لا يخفى على من لاحظها إباء جملة منها

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٩ و ١٠.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٨.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٤.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٥.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة.

٢٤٤

لذلك ، على أن الجمع بذلك فرع التكافؤ المفقود هنا من وجوه : منها موافقة رواية الحل للعامة التي جعل الله الرشد في خلافها ، بل لا يخفى على من لاحظها الإيماء فيها لذلك.

قال زرارة في الصحيح (١) : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الجريث ، فقال : وما الجريث؟ فنعته له ، فقال ( لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ ) (٢) ـ إلى آخرها ثم قال ـ : لم يحرم الله شيئا من الحيوان في القرآن إلا الخنزير بعينه ، ويكره كل شي‌ء ليس له قشر مثل الورق ، وليس بحرام ، وإنما هو مكروه ».

ومحمد بن مسلم في الصحيح (٣) أيضا : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الجري والمارماهي والزمير وما ليس له قشر حرام هو؟

فقال : يا محمد اقرأ هذه الآية التي في الأنعام : قل : لا أجد فيما أوحي قال : فقرأتها حتى فرغت منها ، فقال : إنما الحرام ما حرم الله ورسوله في كتابه ، ولكن قد كانوا يعافون أشياء فنحن نعافها ».

ولهذين الصحيحين مال أو قال بعض متأخري المتأخرين إلى الحل جامعا بينهما وبين غيرهما من النصوص بالكراهة ، لصحيح الحلبي (٤) عن الصادق عليه‌السلام « لا يكره شي‌ء من الحيتان إلا الجري » وخبر حكم (٥) عنه عليه‌السلام أيضا « لا يكره شي‌ء من الحيتان إلا الجريث ».

لكن عن الشيخ في كتابي الأخبار إباحة ما عدا الجري من السمك وقال : « الوجه في الخبرين المزبورين أنه لا يكره كراهة التحريم إلا

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١٩.

(٢) سورة الأنعام : ٦ ـ الآية ١٤٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢٠.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١٧.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١٨.

٢٤٥

الجري وإن كان يكره كراهة الندب والاستحباب » وظاهره التفصيل بين الجري وغيره.

ولا ريب في ضعف الجميع ، للنصوص التي إن لم تكن متواترة فهي مقطوعة المضمون باعتبار كثرتها وتعاضدها وروايتها في الكتب الأربعة وغيرها في الجري وغيره مما لا قشر له.

قال محمد بن مسلم في الصحيح (١) : « أقرأني أبو جعفر عليه‌السلام شيئا من كتاب علي عليه‌السلام فإذا فيه أنهاكم عن الجري والزمير والمارماهي والطافي والطحال ».

وقال سماعة (٢) : « قال الصادق عليه‌السلام : لا تأكل الجريث ولا المارماهي ولا طافيا ولا طحالا ، لأنه بيت الدم ومضغة الشيطان ».

وفي خبر حبابة الوالبية (٣) « رأيت أمير المؤمنين عليه‌السلام في شرطة الخميس ومعه درة لها سبابتان يضرب بها بياعي الجري والمارماهي والزمار ، ويقول لهم : يا بياعي مسوخ بني إسرائيل وصيد بني مروان ، فقام إليه فرات بن آصف ( أحنف ظ ) فقال : ما صيد بني مروان؟ قال : أقوام حلقوا اللحى وفتلوا الشوارب فمسخوا ».

وفي خبر حنان بن سدير (٤) قال : « سأل العلاء بن كامل أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا حاضر عنده عن الجري ، فقال : وجدنا في كتاب علي عليه‌السلام أشياء من السمك محرمة ، فلا تقربه ، ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام : ما لم يكن له قشر من السمك فلا تقربه ».

وقال الكلبي النسابة (٥) : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الجري فقال : إن الله مسخ طائفة من بني إسرائيل ، فما أخذ منهم

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٥.

٢٤٦

بحرا فهو الجري والزمير والمارماهي وما سوى ذلك ، وما أخذ منهم برا فالقردة والخنازير والوبر والورك وما سوى ذلك ».

وفي الفقيه قال الصادق عليه‌السلام (١) : « لا تأكل الجري ولا المارماهي ولا الزمير ولا الطافي ، وهو الذي يموت في الماء ، فيطفو على رأس الماء ».

وبإسناده عن محمد بن مسلم (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام : « لا تأكل الجري ولا الطحال ».

وبإسناده أيضا إلى حبابة الوالبية (٣) « سمعت مولاي أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : إنا أهل بيت لا نشرب المسكر ولا نأكل الجري ولا نمسح على الخفين ، فمن كان من شيعتنا فليقتد بنا وليستن بسنتنا ».

وعن الرضا عليه‌السلام في كتابه إلى المأمون المروي في العيون (٤) « محض الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله ـ إلى أن قال ـ : وتحريم الجري من السمك والسمك الطافي والمارماهي والزمير وكل سمك لا يكون له فلس ».

وفي خبر عبيد الله المروي عن كتاب صفات الشيعة (٥) عن الصادق عليه‌السلام « من أقر بسبعة أشياء فهو مؤمن : البراءة من الجبت والطاغوت ، والإقرار بالولاية ، والايمان بالرجعة ، والاستحلال للمتعة ، وتحريم الجري ، والمسح على الخفين ».

وخبر الأصبغ بن نباتة (٦) عن علي عليه‌السلام « لا تبيعوا الجري ولا المارماهي ولا الطافي ».

وخبر محمد بن مسلم (٧) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٨.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٩.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١٠.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١١.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١٢.

٢٤٧

الجريث ، فقال : والله ما رأيته قط ولكن وجدناه في كتاب علي عليه‌السلام حراما ».

وخبر أبي بصير (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عما يكره من السمك ، فقال : أما في كتاب علي عليه‌السلام فإنه نهى عن الجريث ».

وخبر أبي سعيد (٢) « خرج أمير المؤمنين عليه‌السلام على بغلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فخرجنا معه نمشي حتى انتهى إلى موضع أصحاب السمك فجمعهم ، ثم قال : أتدرون لأي شي‌ء جمعتكم؟ قالوا : لا ، قال : لا تشتروا الجريث ولا المارماهي ولا الطافي على الماء ، ولا تبيعوه ».

وفي مرسل ابن فضال عن غير واحد من أصحابنا (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « الجري والمارماهي والطافي حرام في كتاب علي عليه‌السلام ».

وفي صحيح الحلبي (٤) عنه عليه‌السلام أيضا : « لا تأكل الجري ولا الطحال ، فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كرهه ، وقال : إن في كتاب علي عليه‌السلام النهي عن الجري وعن جماع من السمك ».

وفي خبر الأصبغ بن نباتة (٥) عن علي عليه‌السلام المروي عن تفسير العياشي « أمتان مسختا من بني إسرائيل ، فأما التي أخذت البحر فهي الجريث ، وأما التي أخذت البر فهي الضباب ».

وفي مرفوع هارون بن عبد الله إلى علي عليه‌السلام (٦) « إن الجري كلمه من الماء ، فقال : عرض الله علينا ولايتك فقعدنا عنها

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢٣.

٢٤٨

فمسخنا الله ، فبعضنا في البر وبعضنا في البحر ، فأما الذين في البحر فنحن الجراري ، وأما الذين في البر فالضب واليربوع ».

إلى غير ذلك من النصوص الدالة على الحرمة في الجميع من وجوه كما ذكرناه ، منها اعتبار القشر في الحل وعدمه في الحرمة.

قال حماد بن عثمان (١) : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الحيتان ما يؤكل منها؟ فقال : ما كان له قشر ، قلت : ما تقول في الكنعت؟ قال : لا بأس بأكله ، قال : قلت : فإنه ليس له قشر ، فقال : بلى ولكنها حوت سيئة الخلق تحتك بكل شي‌ء ، فإذا نظرت في أصل أذنها وجدت لها قشرا ».

وفي خبر السندي عن يونس (٢) قال : « كتبت إلى الرضا عليه‌السلام السمك لا يكون له قشور أيؤكل؟ قال : إن في السمك ما يكون له زعارة فيحتك بكل شي‌ء فتذهب قشوره ، ولكن إذا اختلف طرفاه يعني ذنبه ورأسه فكل » وإن كنا لم نجد من اعتبر العلامة المزبورة لفاقد القشور ، ولا بأس مع شهادة التجربة لها ، ومرجعها إلى القشور أيضا.

وفي خبر إسحاق صاحب الحيتان (٣) قال : « خرجنا بسمك نتلقى به أبا الحسن عليه‌السلام وقد خرجنا من المدينة ، وقد قدم هو من سفر له ، فقال : ويحك يا فلان لعل معك سمكا ، فقلت : نعم يا سيدي جعلت فداك ، فقال : انزلوا ، فقال : ويحك لعله زهو ، قال : قلت : نعم فأريته ، فقال : اركبوا لا حاجة لنا فيه » والزهو : سمك ليس له قشور.

وفي خبر عمر بن حنظلة (٤) « حملت الربيثا في صرة فدخلت على

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

٢٤٩

أبي عبد الله عليه‌السلام فسألته عنها ، فقال : كلها ، وقال : لها قشر ».

وفي خبر حنان بن سدير (١) « أهدى فيض بن المختار إلى أبي عبد الله عليه‌السلام ربيثا فأدخلها عليه وأنا عنده ، فنظر إليها ، فقال : هذه لها قشر ، فأكل منها ونحن نراه » إلى غير ذلك من النصوص ، مضافا إلى ما دل منها على حرمة أكل المسوخ (٢) التي هي المثلة.

ومع ذلك كله ـ مضافا إلى الشهرة العظيمة ، بل هي إجماع ، وإلى ما سمعته من محكي الإجماع ـ لا ينبغي الوسوسة في الحكم المزبور ، خصوصا في مثل هذا الزمان الذي كاد يكون من ضروري المذهب.

فمن الغريب وسوسة بعض متأخري المتأخرين فيه التي نشأت من اختلال الطريقة ، وكان المنشأ لها ولأمثالها ثاني الشهيدين ، بل والمصنف في بعضها ، حتى في مثل المقام ، حيث قال ( وكذا الزمار والمارماهي والزهو ، لكن أشهر ) الروايتين (٣) ( هنا الكراهية ) وظاهره الميل إلى التفصيل بين الجري وبين الثلاثة ، بل كاد يكون صريحه في النافع ، وقد سمعت ما حكيناه عن الشيخ في كتابي الأخبار.

إلا أنه قد ظهر مما ذكرناه من النصوص والإجماعات وغيرها عدم الفرق بين الجميع في الحرمة التي يجب حمل ما خالفها على التقية التي هي مرجح آخر لما ذكرنا من النصوص المعتضدة بالشهرة ومحكي الإجماع ( و ) غيرهما.

نعم لا خلاف في أنه ( يؤكل الربيثا والإربيان والطمر والطبراني

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢ وغيره.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة.

٢٥٠

والإبلامي ) وغيرها من أصناف السمك ذي القشور قال محمد بن الطبري (١) : « كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام أسأله عن سمك يقال له : الإبلامي وسمك يقال له : الطبراني وسمك يقال له : الطمر وأصحابي ينهون عن أكله ، فكتب : كله لا بأس به ، وكتبت بخطي » وليس إلا لأن لها قشورا وفلوسا التي هي علامة الحل ، لما سمعته من النصوص (٢).

مضافا إلى صحيح ابن مسلم (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام « قلت له : يرحمك الله إنا نؤتى بالسمك ليس له قشر ، فقال : كل ماله قشر من السمك وما ليس له قشر فلا تأكله ».

وقال حماد بن عثمان (٤) : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك الحيتان ما يؤكل منها؟ قال : ما كان له قشر ».

وفي مرسل حريز (٥) « أن أمير المؤمنين عليه‌السلام كان يكره الجريث ويقول : لا تأكل من السمك إلا شيئا عليه فلوس ، وكره المارماهي ».

وفي خبري عبد الله بن سنان (٦) ومسعدة (٧) « كان علي عليه‌السلام بالكوفة يركب بغلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم يمر بسوق الحيتان فيقول : لا تأكلوا ولا تبيعوا ما لم يكن له قشر من السمك ».

وفي مرسل الصدوق (٨) قال الصادق عليه‌السلام : « كل من السمك ما كان له فلوس ، ولا تأكل ما ليس له فلس » إلى غير ذلك من النصوص التي ينبغي أن يقضي العجب بعد ملاحظتها من الوسوسة

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٩ عن سهل بن محمد الطبري ، وفي التهذيب ج ٩ ص ١٣ ـ الرقم ٤٧ عن سهل عن محمد الطبري.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٤.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٦.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٧.

٢٥١

في الحكم المزبور والحمل على الكراهة التي يأباها حرص علي عليه‌السلام ونداوة في الأسواق وضربه من يبيعها ، مع أن كثيرا من لفظ الكراهة في المقام يراد منه الحرمة بقرائن عديدة في الخبر (١) المتضمن له وغيره ، ومنها أنه عليه‌السلام « كان لا يكره الحلال ».

وأما الربيثا فقد سمعت ما دل على حل أكلها في النصوص (٢) مضافا إلى خبر محمد بن إسماعيل (٣) « كتبت إلى الرضا عليه‌السلام اختلف الناس في الربيثا فما تأمرني به فيها؟ فكتب عليه‌السلام لا بأس بها ».

وخبر علي بن حنظلة (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الربيثا ، فقال : قد سألني عنها غير واحد ، واختلفوا علي في صفتها ، قال : فرجعت فأمرت بها فجعلت ثم حملتها إليه ، فسألته عنها ، فرد علي مثل الذي رد ، فقلت : قد جئتك بها فضحك ، فأريته إياها ، فقال : ليس به بأس » إلى غير ذلك من النصوص التي لا يقاومها موثق عمار (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن الربيثا ، فقال : لا تأكلها ، فإنا لا نعرفها في السمك » بعد عدم وجود عامل به ، ويمكن حمله على حيوان خارج عن اسم السمك.

وأما الإربيان فلا خلاف نصا وفتوى في حله قال يونس (٦) : « قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : جعلت فداك ما تقول في أكل الإربيان؟ فقال لي : لا بأس بذلك ، والإربيان ضرب من السمك ».

وفي مرسل محمد بن جمهور (٧) عن أبي عبد الله

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٨.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٤.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٥.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١٠.

٢٥٢

« أنه سئل عن الإربيان ، وقال : هذا يتخذ منه شي‌ء يقال له : الربيثا فقال : كل ، فإنه جنس من السمك ، ثم قال : أما تراها تقلقل في قشرها ».

هذا كله في السمك ( و ) أما غيره من حيوان البحر فـ ( لا يؤكل السلحفاة ) أي الرق ( ولا الضفادع ولا السرطان ) بل ( ولا شي‌ء من حيوان البحر ككلبه وخنزيره ) وغيرهما مما عرفت ، لما عرفت.

وفي خبر علي بن جعفر (١) عن أخيه عليه‌السلام « لا يحل أكل الجري ولا السلحفاة ولا السرطان ، قال : وسألته عن اللحم الذي يكون في أصداف البحر والفرات أيؤكل؟ قال : ذلك لحم الضفادع لا يحل أكله ».

وما في خبر أحمد بن إسحاق (٢) المروي عن مكارم الأخلاق « كتبت إلى أبي محمد عليه‌السلام أسأله عن الإسقنقور يدخل في دواء الباه وله مخاليب وذنب أيجوز أن يشرب؟ فقال : إذا كان له قشور فلا بأس » محمول على ارادة نفي البأس عنه إذا كان من السمك ، وإلا كان مطرحا نحو ما سمعته في كلب الماء.

إنما الكلام في قبول التذكية لما لا يؤكل من الحيوان البحري على وجه يخرج عن حكم الميتة ، سواء كان له نفس سائلة أو لا ، بناء على لحوق حكم الميتة لغير ذي النفس أيضا ، قال الفاضل في القواعد : « ولو ذبح حيوان البحر مثل كلبه وفرسه وغيرهما لم يحل » وليس فيه إلا نفي الحل الذي قد عرفت المفروغية منه بالنسبة إلى جميع حيوان البحر إلا السمك والطير.

لكن قال في كشف اللثام في شرح العبارة المزبورة : « ولو ذبح حيوان البحر ما يشبه منه ما لا يقبل التذكية من حيوان البر مثل كلبه

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٨.

٢٥٣

وما يشبه ما يقبلها منه مثل فرسه وما لا يشبه شيئا منهما غيرهما لم يحل أكله اتفاقا ، لما مر من حرمة ما سوى السمك ، ولكن جميع ذلك يقبل التذكية إن كانت له نفس سائلة حتى كلبه وخنزيره فيطهر ، ويجوز استعماله في غير الأكل للعموم ».

قلت : قد عرفت البحث سابقا في العموم المزبور على وجه يقطع أصالة عدم التذكية حتى في حيوان البحر وحتى ما لا يقبل التذكية شبهه في البر كالخنزير ، فالوجه التوقف في ذلك. نعم قد يقال بثبوتها في كلاب الماء خاصة ، للسيرة ولخصوص بعض الأخبار المتقدمة في لباس المصلي في الخز (١) أما غيره فجريان التذكية فيه لا يخلو من بحث.

ولو سلم ففي خصوص ما تجري التذكية في شبهه في البر لا مطلقا اللهم إلا أن يثبت عموم يقتضي قابلية كل حيوان ذي نفس للذبح المزبور : وأنه يخرج به عن اسم الميتة ، أو يقال : إن التذكية المخرجة عن اسم الميتة عرفية لا شرعية ، فتقع حينئذ على كل حيوان ذي نفس ، وهما معا محل للبحث ، هذا كله في ذي النفس.

أما غير ذي النفس فإجراء حكم التذكية عليه أشد إشكالا بناء على اجراء حكم الميتة بالنسبة إلى استعماله عليه وإن كان طاهرا ، لأن إلحاق تذكيته بتذكية السمك بإخراجه من الماء حيا قياس ، بل قد يشكل جريان حكم هذه التذكية للجري ونحوه من السمك المحرم فضلا عنه بناء على أن ثبوتها شرعا للمأكول من السمك لا مطلقة ، وأشكل من ذلك إجراء التذكية الذبحية التي هي ظاهرة في ذي النفس لا مطلقا ، وقد تقدم بعض الكلام

_________________

(١) راجع ج ٨ ص ٨٦ ـ ٩٠.

٢٥٤

في ذلك في لباس المصلي (١) وفي كتاب الصيد والذباحة (٢) فلاحظ وتأمل واحتط ، فإن المسألة غير منقحة على وجه تستريح النفس في الحكم بها ، والله العالم.

( ولو وجد في جوف سمكة ) ذكاها بأخذها حية سمكة ( أخرى ) فعن الشيخين وغيرهما ( حلت إن كانت من جنس ما يحل ، وإلا فهي حرام ) ومقتضاه الحل وإن لم يعلم بحياتها حين الأخذ ( وبهذا روايتان طريق أحدهما السكوني ) (٣) عن الصادق عليه‌السلام « إن عليا عليه‌السلام سئل عن سمكة شق بطنها فوجد في جوفها سمكة ، قال : كلهما جميعا » ( والأخرى مرسلة ) إلا أن المرسل لها أبان الذي هو من أصحاب الإجماع عن بعض أصحابه (٤) عن الصادق عليه‌السلام قال : « قلت : رجل أصاب سمكة في جوفها سمكة ، قال : يؤكلان جميعا ».

( و ) لكن ( من المتأخرين ) كابن إدريس والفاضل في محكي التحرير وولده والمقداد ( من منع استنادا إلى عدم اليقين بخروجها من الماء حية ) الذي هو تذكية السمك ، فتبقى على أصالة عدم التذكية التي لا يقطعها الخبران بعد الضعف والإرسال وعدم الجابر وإن كان المرسل من أصحاب الإجماع كما بين في محله.

( و ) لكن ( ربما كانت الرواية أرجح استصحابا لحال الحياة ) المقطوع بها في الجملة ولو قبل ابتلاع السمكة لها إلى حين الأخذ ، فيكون

_________________

(١) راجع ج ٨ ص ٦٧.

(٢) راجع ص ١٩٢ ـ ١٩٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢ من كتاب الصيد والذباحة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١ من كتاب الصيد والذباحة.

٢٥٥

الخبران مؤكدين للقاعدة لا مثبتين حكما مخالفا لها ، فلا يقدح عدم حجيتهما ، ولعله لذا مال إليه المصنف هنا ، بل هو خيرته في النافع والفاضل في القواعد.

لكن لا يخفى عليك ما فيه من كون الأصل المزبور من الأصول المثبتة المعارضة باستصحاب الحرمة وبأصالة عدم حصول التذكية المتوقفة على شرط لا ينقحه الأصل ، والفرض عدم حجية الخبرين ، والله العالم.

( ولو وجدت السمكة في جوف حية ) فعن النهاية ( أكلت إن لم تكن تسلخت ، ولو تسلخت لم تحل ) لخبر أيوب بن أعين (١) عن الصادق عليه‌السلام « قلت له : جعلت فداك ما تقول في حية ابتلعت سمكة ثم طرحتها وهي حية تضطرب آكلها؟ قال : إن كان فلوسها قد تسلخت فلا تأكلها وإن لم تكن تسلخت فكلها » ولكنه مع قصوره ومعارضته لما دل (٢) على كيفية ذكاة السمك ظاهر في الحية المضطربة.

( و ) من هنا قال المصنف ( الوجه أنها لا تحل إلا أن تقذفها والسمكة تضطرب ) بل قال ( ولو اعتبر مع ذلك أخذها حية لتحقق الذكاة ) لمثلها ( كان حسنا ) ضرورة كونها كغيرها من السمك المعتبر فيه ما عرفت ، وابتلاع الحية لها لا يوجب حكما آخر لها ، والخبر المزبور بعد عدم حجيته مطرح أو محمول على صورة أخذها حية ، والنهي عن أكلها مع تسلخ فلوسها مخافة الضرر ، فما عن المختلف ـ من العمل بالخبر المزبور مع اعتباره في ذكاة السمك أخذه ـ واضح الضعف ، أو منزل على ما ذكرناه ، والله العالم.

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الذبائح من كتاب الصيد والذباحة.

٢٥٦

( ولا يؤكل الطافي ) من السمك ( وهو ما يموت في الماء ، سواء مات بسبب كضرب العلق أو حرارة الماء أو بغير سبب ) أو ما يلقيه البحر ميتا أو يموت لنضب الماء عنه ، بلا خلاف أجده بيننا في شي‌ء من ذلك فتوى ونصا بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منهما مستفيض كالنصوص.

قال الحلبي في الصحيح (١) : « سألت الصادق عليه‌السلام عما يوجد من السمك طافيا على الماء أو يلقيه البحر ميتا فقال : لا تأكله ».

وقال الشحام (٢) : « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عما يوجد من الحيتان طافيا على الماء أو يلقيه البحر ميتا آكله؟ قال : لا ».

وقال الباقر عليه‌السلام في صحيح محمد بن مسلم (٣) : « لا تأكل ما نبذه الماء من الحيتان ، ولا ما نضب الماء عنه ».

وقال عليه‌السلام أيضا في صحيحه الآخر (٤) : « لا يؤكل ما نبذه الماء من الحيتان ولا ما نضب الماء عنه ».

وقال الصادق عليه‌السلام في الموثق (٥) : « لا يؤكل الطافي من السمك » إلى غير ذلك. مضافا إلى ما دل على تحريم الميتة من الكتاب (٦) والسنة (٧) والإجماع.

خلافا لأكثر العامة من الحل مطلقا ، ولبعض منهم ، ففوق بين الموت بسبب خارج فيحرم ، والموت من قبل نفسه فيحل ، وضعفهما واضح ، ولعل مرسل المغيرة (٨) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « وذكر

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٤.

(٦) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٣.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٥.

٢٥٧

الطافي وما يكره الناس منه ، فقال : إنما الطافي من السمك المكروه ما تغير ريحه » على مذاق العامة.

( وكذا ما يموت في شبكة الصائد في الماء ) الذي فيه حياته ( أو في حظيرته ) كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا (١) وقد حملنا ما دل من النصوص (٢) على ذلك على الموت خارج الماء في المصيدة ، ولعل من ذلك ما في خبر علي بن جعفر (٣) عن أخيه عليه‌السلام « سألته عما حسر عنه الماء من صيد البحر وهو ميت أيحل أكله؟ قال : لا ، قال : وسألته عن صيد البحر نجسه فيموت في مصيدته ، قال : إذا كان محبوسا فكل فلا بأس ».

بل ( و ) تقدم الكلام أيضا (٤) في أنه ( لو اختلط الميت بالحي بحيث لا يتميز ) وأنه ( قيل : حل الجميع و ) لكن قد عرفت أن ( اجتنابه أشبه ) بأصول المذهب وقواعده التي منها باب المقدمة ، لكن في الفقيه (٥) قال الصادق عليه‌السلام : « إن وجدت سمكا ولم تعلم أذكي هو أم غير ذكي ـ وذكاته أن يخرج من الماء حيا ـ فخذ منه ، فاطرحه في الماء ، فان طفا على الماء مستلقيا على ظهره فهو غير ذكي ، وإن كان على وجهه فهو ذكي ، وكذلك إذا وجدت لحما ولم تعلم أذكي هو أم ميتة فألق منه قطعة على النار ، فان انقبض فهو ذكي وإن استرخى على النار فهو ميتة » ثم قال : « وروي في من وجد سمكا ولم يعلم

_________________

(١) راجع ص ١٧١ ـ ١٧٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الذبائح من كتاب الصيد والذباحة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٧.

(٤) راجع ص ١٧١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١.

٢٥٨

أنه مما يؤكل أو لا فإنه يشق عن أصل ذنبه ، فان ضرب إلى الخضرة فهو مما لا يؤكل ، وإن ضرب إلى الحمرة فهو مما يؤكل » (١).

وفي كشف اللثام « ذكر الصدوق والمفيد والسيد وسلار وبني حمزة وإدريس وسعيد والفاضل في التحرير أنه إذا وجد سمكة ولا يدري أذكية هي أم لا فلتعتبر بالماء ، فان طفت على الماء مستلقية على ظهرها فهي غير ذكية ، وإن طفت عليه على وجهها فهي ذكية ، قال السيد : ويجب على هذا الاعتبار أن يقول أصحابنا في السمك الطافي على الماء : إنه ليس بمحرم على الإطلاق ، بل يعتبرونه بما ذكرناه ، فان وجد طافيا على ظهره أو وجهه عملوا بحسب ذلك ، واستدل عليه بالإجماع ، وقال ابن زهرة : يعتبر السمك بطرحه في الماء ، فان رسب فهو ذكي ، وإن طفا فهو ميت واستدل عليه بالإجماع ».

قلت : كان ذلك لاستعلام موته وحياته فعلا لا الميت المعلوم موته ، ضرورة عدم صلاحية ذلك لمعرفة موته الصيدي وغيره ، فان السمك متى مات طفا مستلقيا على ظهره ، سواء كان موته بصيد أو بغيره ، وإطلاق النص (٢) والفتوى حرمة الطافي المراد به الميت في الماء لا مشتبه الحال ، وحينئذ فإطلاق الأصحاب بحاله لا يرد عليه ما ذكره السيد ، كما لا يرد على ما ذكره في التحرير من وجوب الاجتناب مع اشتباه الميت بغيره أنه ينبغي الاعتبار المزبور لا الاجتناب.

هذا ولكن في الدروس « ويحرم الطافي ، وهو ما يطفو على الماء ميتا إذا علم أنه مات في الماء ، ولو علم كونه مات خارج الماء حل ، ولو اشتبه فالأقرب التحريم » وقال في المقنع : « إذا اشتبه السمك هل

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة.

٢٥٩

هو ذكي أم لا طرح على الماء ، فان استلقى على ظهره فحرام ، وإن كان على وجهه فذكي » واختاره الفاضل ، وظاهره كون المراد معرفة موته السابق من ذكاته لا الفعلية ، وربما كان ذلك ظاهر غيره أيضا.

لكن لا يخفى عليك ما فيه من الإشكال ، ضرورة عدم الفرق في طفوه بعد موته بين كونه عن إخراج أو خروج أو إخراج مسلم أو غير مسلم ، والله العالم.

( ولا يؤكل الجلال ) الذي ستعرف المراد به إنشاء الله تعالى ( من السمك ) كغيره من أفراد الجلال على المشهور بين الأصحاب نصا (١) وفتوى ، كما ستعرف إنشاء الله تعالى ( حتى يستبرأ بأن يجعل في الماء يوما وليلة ) عند الأكثر على ما في المسالك وكشف اللثام ، لخبر يونس (٢) عن الرضا عليه‌السلام « سألته عن السمك الجلال فقال : ينتظر به يوما وليلة ».

لكن في الفقيه « أن رواية القاسم بن محمد الجوهري (٣) السمك الجلال يربط يوما إلى الليل في الماء » وفي كشف اللثام عن الصدوق والشيخ الاكتفاء بذلك.

ولا ريب أن الأول أحوط وأشهر عملا وأولى ، لاستصحاب الحرمة بل يمكن إرجاع الأخير إليه باحتمال ارادة دخول تمام الغاية ولو للجزء الأول.

نعم هما معا خاليان عما ذكره المصنف ( و ) غيره من أنه ( يطعم علفا ) وأن يكون طاهرا ، بل ظاهرهم كونه ( طاهرا ) فعلا

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٧ راجع الفقيه ج ٣ ص ٢١٤ الرقم ٩٩٢ و ٩٩٣.

٢٦٠