جواهر الكلام - ج ٣٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

( و ) على كل حال ( تطهر بمجرد الذكاة ) عند المشهور للأصل وإطلاق الموثقين (١). ( وقيل ) والقائل الشيخان والمرتضى : ( لا تستعمل ) جلده ( مع الذكاة حتى تدبغ ) لخبر أبي مخلد (٢) السابق القاصر سندا ودلالة ، ودعوى كون المتفق عليه بخلاف ما قبل الدبغ التي لا محصل لها بعد اقتضاء الأصل جواز الاستعمال ، للحكم بالطهارة التي إن لم تحصل بالتذكية لم تحصل بالدبغ عندنا ، بل يمكن أن يكون الوجه في ذكر الامام عليه‌السلام لضرب من التقية ، خصوصا بعد أن كان الرجلان غير معلومين ، وقد تقدم في الطهارة (٣) ولباس المصلي (٤) تمام الكلام في هذه المسائل.

وأما الكلام في غير الأقسام الأربعة فهو مبني على الأصل المزبور والعموم المذكور ، نعم لا إشكال في قبول ما كانت حرمته عارضة فيها ، كالجلال والموطوء للاستصحاب ، وأما غيره فقد عرفت أن الأصل عدم التذكية إلا ما يندرج منها في الصحيح (٥) المزبور ، والله العالم.

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٤ والباب ـ ٣ ـ منها ـ الحديث ٤ من كتاب الأطعمة والأشربة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب ما يكتسب به ـ الحديث ١ من كتاب التجارة.

(٣) راجع ج ٦ ص ٣٤٩ ـ ٣٥٢.

(٤) راجع ج ٨ ص ٧٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

٢٠١

القسم ( الثالث )

( في مسائل من أحكام الصيد )

( وهي عشرة : )

( الأولى )

لا خلاف ولا إشكال في أن ( ما يثبت في آلة الصائد ) على وجه يخرج عن كونه ممتنعا ( كالحبالة والشبكة ) والفخ ونحوها ( يملكه ناصبها ) للاصطياد ( وكذا كل ما يعتاد للاصطياد به ) بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، لصدق الصيد والأخذ والحيازة ونحوها مما هو سبب الملك في مثله من المباح ، بل ما في صحيحي الحظيرة ونصب الشبكة المتقدمين في ذكاة السمك قال في الأول منهما (١) جوابا عن السمك الذي يدخل فيها : « لا بأس به ، إن تلك الحظيرة إنما جعلت ليصطاد بها » وفي الآخر (٢) « ما عملت يده فلا بأس بأكل ما وقع فيها » مبني على أن ذلك أخذ وصيد أو مثلهما ، خصوصا بعد ما ورد (٣) أن ذكاة السمك أخذه وصيده ، إذ هو أولى من التخصيص ، وبالجملة

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٨ والباب ـ ٣٢ ـ منها ـ الحديث ٨ والباب ـ ٣٤ ـ منها ـ الحديث ١.

٢٠٢

لا ريب في تحقق الأخذ والصيد والحيازة لما نشب لآلته المنصوبة لذلك.

كما أنه لا ريب في تملك المباح الذي منه ما نحن فيه بذلك قال عليه‌السلام في صحيح ابن سنان (١) : « من أصاب مالا أو بعيرا في فلاة من الأرض كلت وتاهت وسيبها صاحبها لما لم يتبعه فأخذها غيره فأقام عليها وأنفق نفقة حتى أحياها من الكلال ومن الموت فهي له ولا سبيل له عليها ، إنما هي مثل الشي‌ء المباح » الدال على تملك الشي‌ء المباح بأخذه.

وفي خبر السكوني (٢) « في رجل أبصر طائرا فتبعه حتى سقط على شجرة فجاء رجل آخر فأخذه ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : للعين ما رأت ولليد ما أخذت ».

وخبره الآخر (٣) « الطير إذا ملك جناحه فهو صيد ، وهو حلال لمن أخذه » كمرسل ابن بكير (٤) « إذا ملك الطائر جناحه فهو لمن أخذه » إلى غير ذلك من النصوص الدالة على تحقق ملك المباح بأخذه وصيده ، ولا ريب في تحققهما بالاستيلاء عليه والدخول تحت يده وقبضته ولو بالآلة المقصود التوصل بها إلى ذلك ، من غير فرق بين الشبكة ونحوها بين الكلب والصقر ونحوهما ، إذ ليس المراد خصوص الأخذ باليد الحسية قطعا.

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٢ والباب ـ ٣٨ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الصيد ـ الحديث ١ عن ابن بكير عن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام كما هو كذلك في التهذيب ج ٩ ص ٦١ ، إلا أن الموجود في الكافي ـ ج ٦ ص ٢٢٢ عن ابن بكير عمن رواه عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

٢٠٣

( و ) متى ملكه بذلك ( لا يخرج عن ملكه بانفلاته بعد إثباته ) الذي هو سبب لملكه كما عرفت ، للأصل ، وحينئذ فنماؤه له ، ولا يملكه غيره إذا صاده ، من غير فرق بين التحاقه بالوحوش وعدمه ، وبين تعذر الوصول اليه وعدمه ، إذ المملوك لا يخرج عن الملك بذلك كالعبد الآبق والدابة الإنسية إذا توحشت.

( نعم لا يملكه ) بلا خلاف أجده فيه ( بتوحله في أرضه ولا بتعشيشه في داره ولا بوثوب السمكة إلى سفينته ) ولا بنحو ذلك مما لم يقصد به الاصطياد ، فلا يصدق عليه اسم الأخذ ولا الصيد ولا نحوهما مما يكون سببا لملكه له ، فيبقى على إباحته الأصلية ، يملكه كل من يأخذه بل لا يثبت له حق اختصاص به ، بحيث لو أثم ودخل داره مثلا وأخذه ملكه ، لما عرفت. نعم له حق اختصاص بمعنى أنه ليس لأحد التصرف في داره ، ولعله هو مراد الفاضل في القواعد ، لاحق الاختصاص المانع عن التملك ، لعدم الدليل ، بل لعله كذلك لو نشب في الآلات المعتاد الاصطياد بها إلا أنه لم ينصبها له ( و ) لا كان من قصده الاصطياد بها فضلا عن غيرها.

بل صرح بعض بأنه ( لو اتخذ موحلة ) مثلا ( للصيد فنشب بحيث لا يمكنه التخلص لم يملكه بذلك ، لأنها ليست آلة معتادة ) تدخل في إطلاق الأدلة القاطعة لأصالة عدم تملكه ( و ) إن كان ( فيه تردد ) بل منع كما صرح به غير واحد ، ضرورة عدم تعليق الحكم في النصوص على الأخذ بالآلة والصيد بها كي تنصرف إلى المعتادة ، بل هو معلق على الصيد والأخذ ونحوهما مما يخرج به عن الامتناع ويدخل به تحت يد الصائد وقبضته ، بل التعليل في الصحيحين (١) المزبورين

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢ و ٣.

٢٠٤

يقتضي خلافه ، وأن المدار على كل ما يعمله للاصطياد به.

( و ) لعله لذا صرح غير واحد بأنه ( لو أغلق عليه بابا ولا مخرج له أو ) جعله ( صيره خ ل ) ( في مضيق لا يتعذر قبضه ) أو نحو ذلك ( ملكه ) لزوال امتناعه حينئذ ودخوله تحت يده وقبضته الذي هو المدار ، لا الأخذ بالآلة فضلا عن المعتاد منها.

( و ) لكن ( فيه أيضا إشكال ) لإمكان منع صدق اسم الأخذ ( و ) الصيد بذلك ، بل ( لعل الأشبه أنه لا يملك هنا إلا مع القبض باليد أو الآلة ) للأصل المقتصر في الخروج منه على المتيقن الذي هو ما عرفت ، وليس مطلق الخروج عن الامتناع أخذا أو قبضا ودخولا تحت اليد ، والله العالم.

( ولو أطلق الصيد من يده لم يخرج عن ملكه ) قطعا مع عدم قصد إطلاقه أو مع عدم قطع نيته عن ملكه ، واحتمال أن للصيد خصوصية ـ باعتبار أن سبب الملك فيه اليد ، فإذا زالت زال ، أو باعتبار صدق الصيد على المصيد الممتنع وإن سبقت يد عليه ، أو لخصوص الطير من الصيد باعتبار ما دل من النصوص (١) على أنه إذا ملك جناحه فهو صيد وإن كان في السابق ملك ـ لم أجده لأحد هنا ، وربما يأتي في خصوص الطير منه كلام ، والله العالم.

( وإن نوى إطلاقه وقطع نيته عن ملكه هل يملكه غيره باصطياده؟ ) ( الأشبه ) عند المصنف والأكثر كما في المسالك ( لا ) يملكه ( لأنه لا يخرج عن ملكه ) الثابت بسببه الشرعي ( بنية الإخراج ) التي لم يثبت كونها سببا في ذلك ، ضرورة توقف الخروج عن الملك على سبب شرعي قاطع لاستصحابه كالدخول فيه.

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الصيد.

٢٠٥

نعم في المسالك « هل يكون نية رفع ملكه عنه أو تصريحه بإباحته موجبا لإباحة غيره له (١)؟ وجهان : أحدهما العدم ، لبقاء الملك المانع من تصرف الغير فيه ، وأصحهما إباحته لغيره ، لوجود المقتضي له ، وهو إذن المالك فيه ، وهو كاف في إباحة ما يأذن في التصرف فيه من أمواله ، فلا ضمان على من أكله ، لكن يجوز للمالك الرجوع فيه ما دامت عينه موجودة ، كنثار العرس ، وكما لو وقع منه شي‌ء حقير ككسرة خبز فأهمله ، فإنه يكون مبيحا له ، لأن القرائن الظاهرة كافية في الإباحة ، ويوضحه ما يؤثر عن بعض الصالحين من التقاط السنابل لذلك ».

قلت ـ بعد الإغماض عما في قوله : « أو تصريحه بإباحته » إلى آخره خروج (٢) ذلك عن البحث ، بل ينبغي القطع بالإباحة ، إذ الناس مسلطون على أموالهم (٣) ـ : الظاهر عدم التلازم بين الاعراض والإباحة التي هي إنشاء خاص ، وقد لا يخطر بباله الاذن في ذلك ، نعم ربما يحصل ذلك من شاهد الحال في نثار العرس ونحوه مما هو غير مسألة الأعراض التي هي عبارة عن رفع اليد عما هو ملك له من غير إنشاء الإباحة فيه لغيره ، والبحث في أن ذلك نفسه مقتض للخروج عن ملك المالك ، وصيرورة الشي‌ء كالمباح الأصلي يملكه الآخذ بأخذه ، ولا سبيل للأول عليه ، كما عن الشيخ في المبسوط ، وهو الذي أشار إليه المصنف بقوله ( وقيل : يخرج ، كما لو وقع منه شي‌ء حقير فأهمله ، فإنه يكون كالمبيح له ) في جواز الأخذ ، وإلا فقد عرفت الفرق بين الاعراض

_________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية ، وفي المسالك « لإباحة أخذ غيره له » وهو الصحيح.

(٢) هكذا في النسختين المخطوطتين : المبيضة والمسودة ، وهو سهو من قلمه الشريف ، والصحيح « لخروج » أو « من خروج ».

(٣) إشارة إلى الحديث النبوي المروي في البحار ـ ج ٢ ص ٢٧٢ ـ الطبع الحديث.

٢٠٦

والإباحة التي قد تستفاد من شاهد الحال ونحوه مما لا ينبغي الإشكال في جواز الأخذ معه ، وأن ما يؤثر عن بعض الصالحين من التفاط السنابل لذلك ، بل يمكن دعوى السيرة القطعية على ذلك ونحوه.

نعم فيه بحث بالنسبة إلى التصرفات الناقلة حتى التزم الأردبيلي أنه يملك الثمن وإن لم يكن مالكا للمثمن ، وأن دعوى لا بيع إلا في ملك لم يثبت ، وقد ذكرنا نحن سابقا الكلام في مثل هذه الإباحة التي منها ما ذكروه في المعاطاة (١) بناء على أنها إباحة ، ومنها ما ذكرناه في إباحتهم عليهم‌السلام الأنفال (٢) وغير ذلك في مقامات متعددة.

وكأنه لذلك قال المصنف ( ولعل بين الحالين فرقا ) ( أولا ) بالحقارة وعدمها في الصيد المعتد به. و ( ثانيا ) بأن مرجع ذلك إلى الإباحة من المالك ـ كنثار العرس ـ لا الخروج عن ملكه بالاعراض.

وأما دعوى أن الأصل في الصيد انفكاك الملك عنه بالاعراض ـ لأنه إنما حصل باليد والفرض زوالها ، وبذلك يفرق بين الصيد وغيره ، باعتبار أن ملك الصيد كان بسبب اليد وقد أزالها قصدا ، بخلاف المال الحقير المملوك نوعه بسبب شرعي غير اليد ، فلا يزول بالاعراض ، كدعوى أنه قد أزال ملكه عنه باختياره فيزول ، لأن القدرة على الشي‌ء قدرة على ضده ـ لا محصل لها ، ضرورة انقطاع الأصل بما ثبت شرعا من سبب التملك الذي لا يقتضي كون زواله سببا أيضا للزوال ، لعدم التلازم بينهما ، وسبب الملك متى تحقق مسببه وإن زال هو بعد ذلك كغيره من أسباب الملك ، فلا بد من مزيل آخر.

_________________

(١) راجع ج ٢٢ ص ٢١٠ ـ ٢٤٠.

(٢) راجع ج ١٦ ص ١٣٤ ـ ١٥٤.

٢٠٧

نعم قد يقال : إن صحيح ابن سنان (١) دال على كون الشي‌ء بعد الاعراض عنه كالمباح الأصلي ، وأظهر وجه الشبه فيه خروجه عن ملكه ، وتملكه لمن يأخذه على وجه لا سبيل له عليه ، بناء على أن المراد منه صيرورة البعير كالمباح باعتبار إعراض صاحبه عنه ، فيكون حينئذ مثالا لكل ما كان كذلك ، بل لعل قوله عليه‌السلام : « إن أصاب مالا » منزل على ذلك ، على معنى إن أصاب مالا غير البعير ، ولكن هو كالبعير في الاعراض ، مؤيدا ذلك بخبر السفينة (٢) الذي قد استوفينا الكلام فيه في كتاب القضاء ، بل قد ذكرنا هناك جملة من الكلام المتعلق في مسألة الاعراض. ودعوى ابن إدريس الإجماع عليه ، فلاحظ وتأمل. والله العالم.

المسألة ( الثانية : )

( إذا أمكن الصيد التحامل طائرا أو عاديا بحيث لا يقدر عليه ) لبقائه على الامتناع ( إلا بالاتباع المتضمن للإسراع لم يملكه الأول ) للأصل بعد فرض عدم حصول سبب الملك من الأخذ والحيازة والصيد على وجه يصدق عليه كونه تحت يده وفي قبضته ولو بأن يثخنه ويبطل امتناعه ويصيره على وجه يسهل أخذه واللحوق به عادة ، بخلاف الفرض الذي هو أضعاف قوته بضربه لكن بقي مع ذلك قادرا على الامتناع بالطيران والعدو بحيث لا ينال إلا بالإسراع الموجب لغير المعتاد من المشقة.

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من كتاب اللقطة.

٢٠٨

( و ) من هنا ( كان لمن أمسكه ) لصدق كونه الصائد والآخذ والحائز ، بل ليس للأول حق اختصاص ، للأصل ، والله العالم.

المسألة ( الثالثة : )

( إذا رمى الأول صيدا فأثبته وصيره في حكم المذبوح ) بعدم استقرار حياة له أو عدم إدراك ذكاة له فلا ريب في دخوله في ملكه بذلك ، لما عرفت من صدق الاصطياد والحيازة به ، وفي المرسل (١) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله « أنه مر مع أصحابه بظبي حاقف ـ أي مثخن عاجز عن الامتناع ـ فهم أصحابه بأخذه ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : دعوه حتى يجي‌ء صاحبه ».

وحينئذ فإن كان كذلك ( ثم قتله الثاني فهو للأول ) لما سمعت ( ولا شي‌ء على الثاني ) لأنه لم يتلف عليه شيئا ، إذ الفرض أنه مقتول وإن لم يقتله ( إلا أن يفسد لحمه ) أو جلده ( أو شيئا منه ) فيضمن أرش ذلك حينئذ.

( و ) أما ( لو رماه الأول فلم يثبته ولا صيره في حكم المذبوح ) بل بقي على امتناعه ( ثم قتله الثاني فهو له ) لأنه الذي اصطاده وحازه ( دون الأول و ) لكن ( ليس علي ) ه‍ أي ( الأول ضمان شي‌ء مما جناه ) وإن أفسد منه ما فسد برميته ، لأنه رماه وهو مباح.

_________________

(١) سنن البيهقي ـ ج ٥ ص ١٨٨ مع اختلاف يسير. وذكره الشيخ ( قده ) بعينه في المبسوط ج ٦ ص ٣٧٥.

٢٠٩

( ولو أثبته الأول ولم يصيره في حكم المذبوح ) بل هو ذو حياة مستقرة يعيش بها مدة فقد عرفت أنه يملكه بذلك ( فـ ) لو ( قتله الثاني فهو متلف ) له بلا إشكال ، ويضمنه لعموم « من أتلف » (١) ( فإن كان أصاب محل الذكاة ) منه ( فذكاه على الوجه ) المعتبر في التذكية ( فهو للأول و ) له ( على الثاني الأرش ) وهو تفاوت ما بين كونه حيا مثبتا ومذبوحا ، لأن ذلك هو المتلف عليه ، إذ الحيوان باق على ملكه.

( وإن أصابه في غير المذبح فعليه قيمته إن لم يكن لميتته قيمة ) لعموم « من أتلف » (٢) وغيره ، ضرورة تعين الذكاة للصيد الميت مع إدراكها الذي هو المفروض لو لا قتل الثاني له ( وإلا ) بأن كان المقصود منه ما لا تحله الحياة من أجزاء كالريش والعظم ( كان له الأرش ) وهو تفاوت ما بين قيمته ميتا ومزمنا بجرح الأول.

( وإن جرحه الثاني ولم يقتله فإن أدرك ) هو أو المالك أو غيرهما ( ذكاته ) وذكاه ( فهو حلال ) وملك ( للأول ) ولكن له على الثاني الأرش كما عرفت.

( وإن لم يدرك ذكاته فهو ميتة ، لأنه تلف من فعلين : أحدهما مباح ) وهو فعل الأول ( والآخر محظور ) وهو فعل الثاني الذي صادف حيوانا غير ممتنع ، وقد عرفت التحريم في مثله ، إذ هو ( كما لو قتله كلب مسلم ) قد سمى ( و ) كلب ( مجوسي ) أو كلب آخر لم يسم عليه.

( و ) لكن ( ما الذي يجب على الجارح ) الثاني للأول؟ ( فالذي يظهر ) عند المصنف وغيره ( أن الأول إن لم يقدر على

_________________

(١) راجع التعليقة (٢) من ص ١٥٧.

(٢) راجع التعليقة (٢) من ص ١٥٧.

٢١٠

ذكاته ) ولم يدركها ( فعلى الثاني قيمته بتمامها معيبا بالعيب الأول ) لأنه صار حراما وميتة بفعله.

قال في المسالك : « وهو بخلاف ما إذا جرح شاة نفسه مثلا وجرحها آخر فتلفت بهما ، حيث لا يجب على الثاني إلا نصف القيمة ، لأن كل واحد من الجرحين محرم والإفساد حصل بهما جميعا ، وهنا فعل الأول اكتساب وإصلاح وذكاة ، فلا يوزع عليه شي‌ء ، نعم ينقص عن الأول مقدار ما نقص منه بالجرح الأول ، فلو كان الصيد يساوي غير مزمن عشرة ومزمنا تسعة وجب على الثاني تسعة ، هذا إذا لم يكن قيمته مذبوحا أنقص من قيمته مزمنا ، وإلا وزع النقص عليهما ، لأن فعل الأول وإن لم يكن إفسادا إلا أنه مؤثر في الذبح وحصول الزهوق ، فينبغي أن يعتبر في الإفساد ـ لأنه شريك في الذبح ـ حتى يقال : إذا كان غير مزمن يساوي عشرة ومزمن (١) تسعة ومذبوحا ثمانية يلزمه الثمانية ، والدرهم الآخر أثر في فواته الفعلان جميعا ، فينبغي أن يوزع عليهما حتى يهدر نصفه ، ويجب نصفه مع الثمانية ، إلا أن المصنف أطلق ، ولعله لان المفسد يقطع أثر فعل الأول من كل وجه ، ولانه يصدق عليه أنه أتلف على المالك حيوانا مجروحا ، والأول أظهر ».

قلت : لعله لاستناد الإتلاف إلى الفعلين ، لأن الفرض أن جرح الثاني لو لا الأول لم يقتل ، وكذلك جرح الأول ، فهما معا سبب الإتلاف ، لكن لا يخفى عليك أن ذلك يقتضي كون حكمه حكم الشاة ، وما ذكره من وجه الفرق اعتباري لا يرجع إلى دليل معتبر ، والله العالم.

( وإن ) أدركه و ( قدر ) على ذبحه ( فأهمل ) وتركه حتى مات ( فـ ) فيه وجهان : أحدهما أنه لا يجب على الثاني إلا

_________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية المبيضة ، والصحيح « ومزمنا » كما في المسالك.

٢١١

أرش جراحته ، لأن الأول صار مقصرا حين تمكن من الذبح ولم يذبح ، وأصحهما أن الضمان على الثاني ، لأن غاية الأول الامتناع من تدارك ما يعرض للفساد بجناية الجاني مع إمكان التدارك ، وذلك لا يسقط الضمان ، كما لو جرح جارح شاته فلم يذبحها مع التمكن منه ، فإنه لا يسقط الضمان عن الجاني.

نعم في مقدار ما يضمنه وجهان : أحدهما أنه يضمن كمال قيمته مزمنا أيضا كما لو زفف عليه ابتداء ، بخلاف ما إذا جرح عبده أو شاته وجرحه غيره لما أشرنا إليه سابقا ، والثاني وهو خيرة المصنف وغيره أنه يكون ( على الثاني نصف قيمته معيبا ) إذ هو كما لو جرح عبده وجرحه غيره ، لان الموت حصل بفعلهما ، وكل واحد من الفعلين إفساد له ، أما الثاني فظاهر ، وأما الأول فلأن ترك الذبح بعد التمكن يجعل الجرح وسرايته إفسادا ، ولذلك لو لم يوجد الجرح الثاني وترك الأول الذبح كان الصيد ميتة.

قلت : لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه أن المتجه النصف مطلقا ، فإن إهماله لا يرفع الاشتراك في الفعل المقتضي لذلك ، فهو حينئذ كالشاة التي جرحها المالك ولو لمصلحة ثم جرحها غيره ثم سرى الجرحان على الوجه المزبور ، فتأمل جيدا.

( ولعل فقه هذه المسألة ينكشف باعتبار فرض نفرضه ، وهي دابة قيمتها عشرة جنى عليها ) جان ( فصارت تساوي تسعة ، ثم جنى ) عليها ( آخر فصارت إلى ثمانية ثم سرت الجنايتان ) على وجه اشتركا في الإتلاف ( ففيها احتمالات خمسة ) بل سبعة ( لا يخلو أحدهما من خلل).

قال المصنف ( وهو إما إلزام الثاني بكمال قيمته معيبا ، لأن

٢١٢

جناية الأول غير مضمونة بتقدير أن يكون مباحا ، وهو ضعيف ) في بعض أفراده ( لأنه مع إهمال التذكية جرى ( يجري خ ل ) مجرى المشارك بجنايته ) كما في مسألة الصيد التي عرفت الكلام فيها.

وفي الدروس بعد أن حكى ذلك كله عن المصنف قال : « وهذا الاحتمال لو صح لم يشترط فيه كون الصيد مباحا ، فإن جناية المالك على ماله غير مضمونة أيضا ، وقدرة المالك على التذكية قد لا تتحقق ، فلا ينتظم هذا الوجه مستقلا ، بل بقيد القدرة على التذكية » إلى آخره.

قلت : وعلى كل حال فهذا الوجه لا يتأتى في المسألة المفروضة إلا على تقدير كون الدابة صيدا ، وقد عرفت أن المتجه النصف ، سواء قدر على التذكية وأهمل أولا ، لأن الإفساد مستند إلى فعليهما ، فلا بد من الحكم بتوزيع القيمة ثم إسقاط ما يخص المالك ، كما تقدم الكلام فيه.

اللهم إلا أن يقال : إن الثاني هو الذي يستند القتل إليه وإن سرى جرح الأول مع جرحه ، إلا أن فعل المعية والجمعية ونحوهما قد حصل من الثاني ، والأول قد صار بمنزلة المعد والشرط ، وحينئذ يتجه هذا الاحتمال في مفروض المسألة ، كما عن الشيخ فارضا له في جناية المالك وجناية غيره ، ولم أجده لغيره ، نعم قد ذكروا ذلك في الصيد إذا أثبته الأول وجرحه الثاني وسرى الجرحان حتى مات بهما ، فارقين بينه وبين الشاة التي جرحها المالك ثم جرحها الغير وماتت بهما ، وقد عرفت البحث في ذلك.

وعلى كل حال فالاحتمال في المسألة إما هذا ( وإما التسوية ) بينهما ( في الضمان ) بمعنى إنه يجب على كل واحد منهما خمسة دنانير ، وتوجيهه بطريقين : أحدهما أنه يجب على كل واحد منهما أرش جراحته وهو دينار ، لأنه نقصان تولد من جنايته ، وما بقي وهو ثمانية تلف بسراية الجراحتين ، فيشتركان فيه فهما حينئذ متساويان في الأرش والسراية.

٢١٣

والتوجيه الثاني كما في المسالك أن على كل واحد نصف قيمته يوم جنايته ، لأن الجناية إذا صارت نفسا دخل أرشها في بدل النفس ، وكل واحد منهما لم يضمن إلا نصف النفس ، فلا يدخل فيه إلا نصف الأرش ولا يدخل النصف الآخر فيما ضمنه الآخر ، ولذلك لو قطع يدي رجل فسرى دخل أرش اليد في بدل النفس ، ولو قطعهما ثم قتله غيره لم يدخل أرش اليد في بدل نفس ضمنها الآخر ، ثم يرجع الأول على الثاني بنصف أرش جنايته ، لأنه جنى على النصف الذي ضمنه الأول وقومناه عليه قبل جنايته ، ومن غرم شيئا بكمال قيمته له أن يرجع بما جنى عليه بما ينقصه ، ألا ترى أن من غصب ثوبا وجنى عليه آخر فخرقه ثم تلف الثوب وضمن المالك الغاصب تمام القيمة فإنه يرجع على الجاني بأرش التخريق ، وإذا رجع عليه كذلك استقر على كل واحد منهما خمسة ، وعلى هذا فالمالك مخير في نصف دينار بين أن يأخذه من الأول أو الثاني ، فإن أخذه من الأول رجع على الثاني ، وان أخذه من الثاني استقر عليه ، وحصل التسوية بينهما على التقديرين.

وفيه ما لا يخفى من الفرق بين الفرض وبين الثوب الذي ضمانه باليد ولو تلف بآفة سماوية ، بخلاف الفرض الذي لا ضمان فيه إلا للجناية إذ الدابة في يد مالكها ، فلا وجه لرجوع الأول على الثاني بشي‌ء ، ضرورة تساويهما بسبب الضمان الذي هو الجناية ، لقاعدة الإتلاف ( و ) غيرها كما ( هو ) واضح.

وكيف كان فقد ضعف هذا الوجه بأنه ( حيف ) وظلم ( على الثاني ) لأنه جنى على ما هو أقل من قيمته ، وضمن كالجاني على الأزيد قيمة ، وبأنه مبني على عدم دخول الأرش في بدل النفس ، وهو خلاف القول المنصور ، لأن بدل النفس مشتمل عليه ، فلو لم يدخل

٢١٤

فيه لزم تثنية التغريم.

وربما أجيب عن الأخير بأنه يمكن الفرق بينه وبين أرش الحر لأن الجرح ينقص قيمة الحيوان المملوك ، فإن أخذ بعدها عوض النفس أخذها بعد ذلك النقص بخلاف الحر ، فان جرحه أو قطع عضوه لا ينقص ديته المقدرة ، فيلزم محذور تثنية الغرامة.

وإلى ذلك كله أشار في الدروس ، حيث إنه بعد أن ذكر التساوي في الضمان معللا له بالتساوي في الأرش والسراية قال : « ويشكل بعدم دخول الأرش في ضمان النفس ، ويجاب بأن ذلك في الأولى ، لأنه لا ينقص بدله بإتلاف بعضه ».

وفيه أن المملوك أولى بعدم الدخول باعتبار صدق « من أتلف » (١) مع فرض السراية للجرح المزبور ، وهو لا يقتضي أزيد من ضمان قيمته التي هي المدار ، إذ لا مقدر لجراحاته ، كما هو واضح.

وأما إشكال التسوية بينهما في الغرامة مع اختلاف قيمة مجنيهما ففي غاية المراد أنه أجاب عنه شيخنا ـ أي عميد الدين حيث إنه نصر هذا الوجه ـ بأن الثاني نقصه أكثر مما نقصه الأول ، إذ الأول نقصه العشر والثاني التسع ، فهو يقابل زيادة القيمة. وأقول : في مقابلة التفاوت بين النقيصتين نظر ، لأن التفاوت بين التسع والعشر جزء من تسعين جزءا من عشرة ، والتفاوت بين العشرة والتسعة العشر ، وهو تسعة أجزاء من تسعين ، وظاهر ما بينهما من التفاوت.

وعلى كل حال فضعف هذا الوجه واضح ، ضرورة أنه لا معنى لضمانه أزيد من قيمته وقت جنايته ، خصوصا إذا صيرها الأول بجنايته إلى قيمة ردية ثم جنى عليها الثاني.

_________________

(١) راجع التعليقة (٢) من ص ١٥٧.

٢١٥

وأضعف منه الوجه الثالث الذي أشار إليه المصنف بقوله ( أو إلزام الأول بخمسة ونصف والثاني بخمسة ) معللا في المسالك بأن جناية كل واحد منهما درهما مثلا ، ثم سرت الجنايتان ، والأرش يسقط إذا صارت الجناية نفسا ، فيسقط نصف الأرش عن كل واحد منهما ، لان الموجود منه نصف القتل ويبقى النصف ، فعلى الأول خمسة من حيث هو شريك ، ونصف درهم هو نصف أرش جنايته ، لانه حصل منه نصف القتل ، فلا يندرج تحته إلا نصف الأرش ، وعلى الثاني خمسة : نصف درهم هو نصف أرش جراحته ، وأربعة ونصف هي نصف قيمة العبد عند جنايته.

( وهو ) كما ترى لا حاصل له ، مع أنه ( حيف أيضا ) عليهما ، بل في الدروس « لم أر أحدا عده وجها بغير تراجع ولا بسط إلا المحقق ، ولعله أراد به أحد الأمرين ، لظهور بطلانه بدونهما » وهو كذلك ، ضرورة جمعه لدخول بعض الأرش في بدل النفس دون بعض.

ومراده بالتراجع هو أن يرجع الأول الذي فرضنا غرامته خمسة ونصفا على الثاني بنصف ، لأنه جنى على ما دخل في ضمانه ، وحينئذ يأخذ المالك من الثاني أربعة ونصفا ، وإن فرض أنه أخذ منه خمسة فليس له على الأول إلا خمسة ، وحينئذ فلا زيادة في القيمة.

وبالبسط هو أن يقسم العشرة ونصف على عشرة ونصف ، فيضرب ما على الأول وهو خمسة ونصف في عشرة ، فتكون خمسة وخمسين ، فيأخذ من كل عشرة ونصف واحدا ، فعليه خمسة وسبع وثلثا سبع ، ويضرب ما على الثاني ، وهو خمسة في عشرة يكون خمسين ، فعليه أربعة وخمسة أسباع وثلث سبع ، وذلك قيمة الحيوان من دون زيادة عليها.

وإليه يرجع ما في المسالك من أنه قد يقرر هذا الوجه بطريق آخر

٢١٦

يسلم من محذور الزيادة في القيمة ، بأن يجعل ما ذكر في الوجه من إثبات العشرة والنصف أصلا للقسمة ، حتى لا يؤدي إلى الزيادة فتبسط الاجزاء آحادا ، فيكون أحد وعشرون جزءا ، ويقسط العشرة عليه ، ليبقى التفاوت مرعيا بينهما مع السلامة من الزيادة ، فيجب على الأول أحد عشر جزءا من أحد وعشرين جزءا من عشرة ، وعلى الثاني عشرة أجزاء من أحد وعشرين جزءا من عشرة ، فإن أردت معرفة مقدار ما على كل واحد منها من العشرة تاما ضربت مجموع ما يلزم كلا منهما ـ وهو عشرة ونصف ـ في القيمة ـ وهو عشرة ـ يبلغ مائة وخمسة ، وهذه الاعداد كل عشرة ونصف منهما دينار ، فنصيب الأول منها خمسة وخمسون ، هي خمسة دنانير وسبع وثلثا سبع ، والثاني نصيبه منها خمسون هي مضروب خمسة في عشرة ، فإذا أخذت من كل عشرة ونصف واحدا كان المجتمع أربعة دنانير وخمسة أسباع دينار وثلث سبع دينار ، فالمجموع عشرة.

وعلى كل حال فلا ريب في ضعفه ، إذ هو مع أنه مبني على أفراد الأرش عن بدل النفس فيه حيف على الثاني ( أو ) عليهما ، كما عرفت والله العالم.

وكذا القول بـ ( إلزام الأول بخمسة والثاني بأربعة ونصف ) لأن الجراحتين سرتا وصارتا قتلا ، فعلى كل واحد نصف القيمة ، إلا أن القيمة يوم الجناية الأولى عشرة ويوم الجناية الثانية تسعة ، فيغرم كل واحد منهما نصف قيمته يوم جنايته.

( وهو ) وإن كان متضمنا لدخول الأرش في بدل النفس إلا أنه ( تضييع ) نصف ( على المالك ) إذ الفرض كون القيمة عشرة ، وقد مات بجنايتهما ، فلا وجه لسقوط شي‌ء من قيمته.

( أو ) القول بـ ( إلزام كل واحد منهما بنسبة قيمته يوم جنى

٢١٧

عليه وضم القيمتين وبسط العشرة عليهما فـ ) في الفرض جمع القيمتين يصير تسعة عشر ، لأن قيمته يوم الجناية الأولى عشرة ، ويوم الجناية الثانية تسعة ، فإذا بسطت العشرة على ذلك بمعنى جعلها تسعة عشر سهما ( يكون على الأول عشرة أسهم من تسعة عشر من عشرة ) وعلى الثاني تسعة أسهم من تسعة عشر من عشرة. وإن شئت قسمت العشرة على نصفي القيمتين أي تسعة ونصف ، فيكون خمسة منها على الأول وأربعة ونصف على الثاني.

وإن أردت إيضاح ذلك ومعرفة ما على كل واحد من العشرة ضربتها في تسعة عشر تبلغ مائة وتسعين ، فعلى الأول منهما مائة وعلى الثاني تسعون ، ثم هذا العدد كل تسعة عشر منه بواحد ، فيكون المائة خمسة دراهم مثلا وخمسة أجزاء من تسعة عشر جزءا من درهم ، وهو ما على الأول ، والتسعون أربعة دراهم وأربعة عشر جزءا من تسعة عشر جزءا من درهم فإذا أضيف إلى هذه الأربعة عشر جزءا ما على الأول من الأجزاء ـ وهي خمسة ـ صارت تسعة عشر ، وهي درهم كامل ، وإذا أضيف إلى ما على الأول ، من الدراهم وهو خمسة وما على الثاني وهو أربعة صار المجموع عشرة كاملة.

( وهو ) وإن كان يدخل فيه الأرش في بدل النفس ويحصل به تمام القيمة ـ بل حكاه في المسالك عن الأكثر ومنهم الشيخ ـ إلا أنه ( أيضا ) يقتضي ( إلزام ( حيف لإلزام خ ل ) الثاني بزيادة ) على الأربعة ونصف ، وقد عرفت أنه ( لا وجه لها ) وأنها ظلم ، لأنه ما جنى عليه إلا وقيمته تسعة ، ودعوى أن المطلوب حفظ القيمة ـ فلو ألزمناهما بنصف القيمتين ضاع على المالك نصف ، مع أن التلف منهما ، فلا بد حينئذ من تقسيط هذا النصف درهم على نسبة المالين اللذين عليهما

٢١٨

وهما الخمسة والأربعة ونصف ـ لا محصل لها على وجه يرجع إلى القواعد الشرعية.

( والأقرب أن يقال : يلزم الأول خمسة ونصف ، والثاني أربعة ونصف ، لأن الأرش يدخل في قيمة النفس ، فيدخل نصف أرش جناية الأول في ضمان النصف ، ويبقى عليه نصف الأرش مضافا إلى ضمان نصف القيمة ) يوم جنايته وهو الخمسة ، فيكون عليه خمسة ونصف ، وكذا الثاني يدخل نصف أرشه في ضمان النصف ، ويبقى عليه نصف ، مضافا إلى ضمان نصف القيمة يوم جنايته ، وهو الأربعة ، فيكون المجموع أربعة ونصف.

وفيه أن الأرش على تقدير دخوله يدخل مطلقا في بدل النفس الذي حصل منهما ، فيدخل مجموع الأرش اللازم لهما في بدل النفس التي اشتركا في إتلافها ودفعا البدل عوضا عنها. ولعله لذا وغيره قال المصنف : ( وهذا أيضا لا يخلو من ضعف).

نعم قد يقال : إن الأول لما انفرد بالجناية على وجه لو سرى جرحه لألزم بالعشرة التي هي تمام القيمة كان عليه ذلك إلا مقدار ما شاركه الثاني فيه ، وهو نصف قيمة التسعة التي هي حال جناية الثاني ، ويبقى الباقي عليه ، وحينئذ فلا تكون الزيادة أرشا ، بل لا يكون ضمان الأول النصف ، بل هو ما عدا مقدار شركة الثاني ، وإنما يكون عليه النصف لو اشترك معه غيره في مبدأ جنايته ، والفرض أنه مستقل بها ولم يشاركه الثاني إلا في التسعة.

أو يقال : إن الزائد أرش ولكن يعتبر في حق الأول دون الثاني ، لاستقلاله أولا بالجناية على وجه لا يتصور شركة من بعده معه فيما استقر في ذمته من الأرش ، فيجب عليه حينئذ ما نقص بجنايته ، وهو درهم

٢١٩

مثلا ، مضافا إلى نصف القيمة التي هي التسعة وقت جناية الثاني ، وهو أربعة ونصف ، فيجتمع عليه خمسة ونصف ، ولا يعتبر الأرش في حق الثاني ، وذلك لأن جناية الأول وحدها نقصت الدرهم ثم جناية الثاني وسراية جناية الأول تعاونتا على تفويت الباقي.

أو يقال : لا شركة للثاني في أصل جناية الأول بخلافه ، فإنه شريك مع الثاني في جنايته وفي سرايته ، أما الثاني فواضح ، لأنه الفرض ، وأما الأول فلأن صيرورة القيمة ثمانية باعتبار كونها ذات جرحين ، لا خصوص جرح الثاني مع قطع النظر عن كونه ثانيا صيرها كذلك ، فمن هنا كان على الأول زيادة على الثاني ، سواء قلنا بدخول الأرش وعدمه.

أما على الأول فلأن الأول يضمن سراية جرحه على قيمة مبدئها ، وليس هو نصفا ، لأنه لا شريك له في مبدئها ، بل هو ما عدا مقدار الشركة ، وهو نصف التسعة التي هي القيمة في مبدأ جناية الثاني الذي قد عرفت شركة الأول معه في سبب نقص القيمة إلى ثمانية.

وأما على تقدير عدم دخول الأرش فلما عرفت من أن الأرش على الثاني ـ وهو الدرهم ـ يشاركه الأول ، لأن نقصان القيمة إلى الثمانية باعتبار كون الجرح ثانيا ، ولا يكون كذلك إلا بملاحظة الأول ، ولا يجدي إلزام الأول بالأرش بعد فرض عدم اندمال الجرح الذي هو أيضا له مدخلية في نقصانها إلى الثمانية ، ومن هذه الجهة كان عليهما نصف الثمانية ونصف أرش جناية الثاني.

ولعل ما في المسالك إشارة إلى بعض ما ذكرناه ، خصوصا جوابه أخيرا عما أورد على هذا الوجه بأنه إنما شارك في جنايته على ما قيمته عشرة ، فكيف يلزم بزيادة عن خمسة؟ قال : « فإن التسوية بينهما إنما تتجه إذا اشتركا في مبدأ الجناية ، أما إذا انفرد الأول بزيادة لم يقدح

٢٢٠