جواهر الكلام - ج ٣٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

قول الله عز وجل ( أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ ) (١) قال : الجنين في بطن أمه إذا أشعر وأوبر فذكاته ذكاة أمه ، فذلك الذي عنى الله عز وجل » ونحوه رواه العياشي (٢) عنه عليه‌السلام أيضا. ورواه أيضا عن زرارة (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام.

بل روي أيضا عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن بعض أصحابنا (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « عن قول الله عز وجل ( أُحِلَّتْ ) ـ إلى آخرها ـ قال : الجنين في بطن أمه إذا أشعر وأوبر فذكاته ذكاة أمه ».

ونحوه رواه الصدوق في العيون بسنده عن الفضل بن شاذان (٥) عن الرضا عليه‌السلام في كتابه إلى المأمون ، قال : « ذكاة الجنين ذكاة أمه إذا أشعر وأوبر ».

وفي صحيح الحلبي (٦) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إذا ذبحت الذبيحة فوجدت في بطنها ولدا تاما فكل ، وإن لم يكن تاما فلا تأكل ».

وفي صحيح ابن مسكان (٧) عن أبي جعفر عليه‌السلام « أنه قال في الذبيحة تذبح وفي بطنها ولد ، قال : إن كان تاما فكله. فان ذكاته ذكاة أمه ، وإن لم يكن تاما فلا تأكله ».

وفي خبر جراح المدائني (٨) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إذا ذبحت ذبيحة وفي بطنها ولد تام فكله ، فان ذكاته ذكاة أمه ، فان لم يكن تاما فلا تأكله » إلى غير ذلك من النصوص التي من بعضها يعلم أن المراد من النبوي المزبور بيان الاكتفاء عن ذكاة الجنين بذكاة أمه ، بل لعل الظاهر حصر مقتضى الحل فيه بذلك.

_________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١٠.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٤.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٦.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٧.

١٨١

فما عن بعض العامة ـ من إعرابها بالنصب على المصدر ، أي ذكاته كذكاة أمه ، فحذف الجار ونصب مفعولا ، فأوجب تذكيته كتذكية أمه ـ معلوم الفساد ، ضرورة أن أهل البيت عليهم‌السلام أدرى بما فيه من غيرهم ، وكونه على المعنى المزبور لا تذكية للجنين أصلا فلا وجه لإضافة الذكاة إليه يدفعه معلومية الاكتفاء بأدنى ملابسة بإضافة مثله ، على أن المراد بذلك الكناية عن حل الأكل ، فهو حينئذ بحكم المذكى بالنسبة إلى حله بسبب تذكية أمه.

كل ذلك مضافا إلى ما في الروضة وغيرها من أن في التأويل المزبور لرواية النصب من التعسف ما لا يخفى ، بل هو مخالف لرواية الرفع دون العكس ، لإمكان كون الجار عليها لفظ « في » أو الباء على معنى دخول ذكاة الجنين في ذكاة أمه أو كون ذكاته بسبب ذكاتها أو نحو ذلك مما يوافق رواية الرفع في المعنى.

وعلى كل حال فلا إشكال في حصول ذكاة الجنين بذلك ( إن تمت خلقته ) لما سمعته من النصوص (١) التي قد يستفاد منها أن من تمام خلقته أن يشعر أو يؤبر ، كما عن صريح بعض وظاهر آخر تحديدها بذلك ، ولعله به يجمع بين النصوص والفتاوى المقتصرة على اشتراط أحدهما بناء على التلازم بينهما ، بل لو قلنا بعدمه ـ كما عساه يظهر من الصدوق في المقنع حيث اعتبر فيه تمام الخلقة ونسب الاشعار للرواية ـ كان وجه الجمع بين النصوص ذلك أيضا. وشاهده الصحيح (٢) السابق الذي اعتبرهما معا الذي قد يستفاد من العطف فيه عدم التلازم بينهما وإن كان يمكن أن يكون الوجه فيه أنه آخر تمام الخلقة.

( و ) كيف كان فقد ( قيل ) والقائل الشيخ والقاضي

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الذبائح.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١.

١٨٢

وابن حمزة والديلمي والحلي على ما حكي : إنه كذلك إن تمت خلقته ( ولم تلجه الروح و ) إلا فـ ( لو ولجته لم يكن بد من تذكيته ) فلو خرج ميتا بعد ولوج الروح فيه كان ميتة ، لإطلاق أو عموم ما دل (١) على اشتراط تذكية الحي الممنوع تناولهما للفرض ، كمنع تناول الميتة له ، ومع التسليم يقيد أو يخص بالنصوص (٢) المزبورة التي هي أرجح منها من وجوه وإن كان بينهما تعارض العموم من وجه ، ولأنه قبل ولوج الروح في تربية روح أمه ، فيكون إزهاق روحها بالتذكية تذكيته ، وأما بعده فإنه في تربية روحه ، فيحتاج إلى تذكيته الذي مرجعه إلى مجرد اعتبار لا يصلح معارضا لإطلاق الأدلة المزبورة أو الظاهرة في ولوج الروح ولو من حيث صدق اسم التذكية ، خصوصا موثق عمار (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في الشاة تذبح فيموت ولدها في بطنها ، قال : كله ، فإنه حلال ، لأن ذكاته ذكاة أمه ، فان خرج وهو حي فاذبحه وكل ، فان مات قبل أن تذبحه فلا تأكله ، وكذلك البقر والإبل » فإن الموت في البطن ظاهر في ولوج الروح.

( و ) لعله لذلك قال المصنف ( فيه إشكال ) بل جزم غيره بعدم الفرق ، بل في الرياض عن الكفاية وغيرها نسبته إلى المتأخرين ، كل ذلك مع بعد الفرض فيما ذكروه أو امتناعه ، إذ لا يعلم ولوج الروح فيه قبل خروجه حيا ، إذ التحرك في البطن أعم من الحياة ، اللهم إلا أن يكون كالإنسان الذي دلت النصوص (٤) على ولوج الروح فيه ( و ) الله العالم.

_________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٣ والوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الذبائح.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الذبائح.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٨.

(٤) الكافي ـ ج ٦ ص ١٢ ـ ١٦.

١٨٣

نعم ( لو لم يتم خلقته لم يحل أصلا ) بلا خلاف أجده فيه ، بل عن الانتصار وغيره الإجماع عليه ، للنصوص (١) السابقة وغيرها.

( و ) على كل حال فقد ظهر لك أنه ( مع الشرطين ) أي التمام وخروجه ميتا المستفاد من فحوى الكلام ( يحل بذكاة أمه ) لا بدونهما أو أحدهما.

( و ) لكن ( قيل ) كما عن المبسوط ( لو خرج حيا ولم يتسع الزمان لتذكيته حل أكله ) لكونه غير مستقر الحياة ، فيلحق بحكم الميت الذي ذكاته بذكاة أمه ، وبه صرح الشهيدان وغيرهما.

( و ) لكن ( الأول أشبه ) بأصول المذهب وقواعده التي مقتضاهما الحرمة مطلقا المقتصر في الخروج عنهما على المتيقن ، مضافا إلى الموثق (٢) السابق ، فهو حينئذ كما لو خرج مستقر الحياة المعلوم حرمته إجماعا بقسميه ، لعدم اندراجه في النصوص المزبورة (٣) فيبقى على عموم ما دل (٤) على حرمة الميتة.

ومن الغريب ما في الدروس من احتمال الحل ، قال : « ولو خرج حيا لم يحل إلا بالتذكية ، ولو ضاق الزمان عنها فان لم يكن فيه حياة مستقرة حل ، وإلا ففي الحل وجهان ، من إطلاق الأصحاب وجوب التذكية إذا خرج حيا ، ومن أنه مع قصور الزمان في حكم غير مستقر الحياة » ضرورة عدم الدليل على كونه بحكمه ، بل ظاهر الأدلة خلافه ، بل قد عرفت تصريح الموثق (٥) باعتبار التذكية مع الحياة ، ولا فرق بين سعة الزمان لذبحه وعدمه ، كغيره من الحيوان المعتبر فيه التذكية إلا

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الذبائح.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الذبائح.

(٤) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٨.

١٨٤

ما خرج بدليله ، كالمتردية والصيد ونحوهما. نعم لا تجب المبادرة إلى شق جوف الذبيحة التي في بطنها جنين قد ولجته الروح زيادة على المتعارف ، لإطلاق الأدلة السابقة وإن كان هو أحوط.

ولا يخفى عليك أن تفسير الشرطين بما ذكرنا وإن كان لا يخلو من تعسف لكنه أولى من دعوى رجوع المصنف من الإشكال إلى الجزم ، والمراد بهما التمام وعدم ولوج الروح ، على أنه لا يتم في قوله : « والأول أشبه » المراد منه الحرمة مع الخروج حيا كما في الدروس مطلقا ، ولازمه حينئذ أن من شرط الحل عدم الخروج حيا ، فتأمل جيدا.

وبذلك كله ظهر لك حكم الجنين الذي تذكى أمه ، بل وغير ذلك ، كجنين الميتة والحية غير المذكاة ، إذ من المعلوم حليته لو خرج مستقر الحياة وذكي ولو من الميتة ، لإطلاق الأدلة وعمومها ، وخصوص خبر علي ابن جعفر (١) عن أخيه عليه‌السلام المروي عن قرب الاسناد « سألته عن شاة استخرج من بطنها ولد حي بعد موتها هل يصلح أكله؟ قال : لا بأس » المعلوم إرادة نفي البأس عن أكله من حيث خروجه من الميتة وإلا فلا بد من تذكيته ، لإطلاق ما دل (٢) على اعتبارها في الحي ، بل بناء على ما ذكرنا يعتبر ذلك وإن كان غير مستقر الحياة ، وعلى القول باعتبار الاستقرار لا يكون قابلا للتذكية ، بل يكون ميتة كما لو خرج ميتا منها بعد أن ولجته الروح.

وأما لو خرج تام الخلقة حتى في الشعر قبل أن تلجه الروح فربما ظهر من بعض الناس حله لأصل الإباحة ، إلا أن الظاهر خلافه ، لظهور الأدلة في اعتبار تذكية الجنين في حله وأن تذكيته بتذكية أمه ، فلا يحل

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١٤.

(٢) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٣ والوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الذبائح.

١٨٥

بدونها ، لعدم التذكية حينئذ ، بل ذلك هو مقتضى حصر تذكيته بتذكيتها ، والله العالم.

( خاتمة تشتمل على أقسام )

( الأول في مسائل من أحكام الذباحة )

( وهي ثلاث : )

( الاولى : )

( يجب متابعة الذبح حتى يستوفى الأعضاء الأربعة ) بتمامها ، بحيث لا يخرج عن الكيفية المتعارفة بالتراخي في زمان القطع ، وحينئذ ( فلو قطع بعض الأعضاء وأرسله فانتهى إلى حركة المذبوح ثم استأنف قطع الباقي حرم ، لأنه لم يبق فيه حياة مستقرة ) فالاستئناف بمنزلة ذبح الميت ، والأول غير مجد ، لعدم قطع الأربع به ، وجعله في الدروس من شرائط الذباحة ، قال : « ثامنها متابعة الذبح حتى يقطع الأعضاء ، فلو قطع البعض وأرسله ثم يتممه (١) فان كان في الحياة استقرار أو قصر الزمان حل ، وإلا فالأقرب التحريم ، لأن الأول غير محلل ، والثاني يجري مجرى ذبح الميت » ونحوه الكركي في حاشية الكتاب والإرشاد.

واستشكل فيه الفاضل في قواعده ، قال : « يستحب متابعة الذبح حتى يستوفي أعضاءه الأربعة ، فلو قطع البعض وأرسله ثم استأنف قطع الباقي فإن كان بعد الأول حياته مستقرة حل ، وإلا حرم على إشكال

_________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية ، وفي الدروس « ثم تممه ».

١٨٦

لاستناد إزهاق الروح إلى الذبح » بل جزم بالحل في الإرشاد ، قال : « ولو قطع بعض الأعضاء ثم زفف عليه بعد إرساله فالأقرب الإباحة ، سواء بقي فيه حياة مستقرة ـ وهو الذي يمكن أن يعيش اليوم أو الأيام ـ أو لا ».

وتفصيل الكلام فيها أنه إذا قطع البعض وأرسله ثم قطع الباقي وكانت حياته مستقرة فلا خلاف في الحل ، بل في المسالك نفي الريب فيه ، ثم قال : « بلا خلاف ، وكان (١) الاستناد فيه إلى الثاني وإن لم يصادف قطع الأربعة التي هي شرط الحل ، لأن اشتراط قطعها في الحل إنما هو على تقدير وجودها ، وإلا فلو فرض انقطاع بعضها لعارض قبل الذبح وبقي الحيوان مستقر الحياة كما يتفق ذلك في غير الحلقوم والمري‌ء لم يعتبر في حله غير قطع الموجود قطعا ، وإلا لزم أن يكون حيوانا محللا مستقر الحياة لا يقبل التذكية ، وهو باطل اتفاقا ». وإن أمكن مناقشته إن لم يكن إجماعا بأن مقتضى قوله عليه‌السلام (٢) : « إذا فرى الأوداج فلا بأس » وغيره مما دل على اعتبار التذكية في الحل كتابا (٣) وسنة (٤) المراد بها فري الأوداج الأربعة الحرمة ، لعدم الشرط ، ولا بعد في عدم قبول الحيوان المزبور التذكية ، خصوصا إذا كان ذلك عارضا لا خلقة ، وخصوصا لو بقي جزء يسير من بعضها وفرض استقرار حياته ، فان جعل ذلك تذكية لا يخلو من بعد ، بل لو فرض خلق الله تعالى شأنه فردا من الحيوان بلا أعضاء للذباحة لم يكن القول بعدم قابليته للتذكية بعيدا.

_________________

(١) هكذا في النسختين المخطوطتين وفي المسالك « وإن كان ... ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١.

(٣) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الذبائح.

١٨٧

وكذا لا خلاف عندهم في الحل مع قصر الزمان على وجه لا يقدح في التتابع المتعارف في الذبح ، ولا يخرجه عن كون الفعل متحدا ، والله العالم.

وأما إذا كانت الحياة غير مستقرة ففيه وجهان بل قولان : أحدهما الحل كما سمعته من الإرشاد ، بل هو خيرة المصنف حيث قال ( ويمكن أن يقال : يحل ، لأن إزهاق روحه بالذبح لا غيره ، وهو أولى ) ووافقه عليه في المسالك ، والثاني التحريم كما سمعته من الشهيد والكركي ، لما تقدم من أنه بالقطع الأول صيره في حكم الميت ، وهو غير كاف في الحل ، لعدم استيفاء الأعضاء المعتبرة فيه ، والثاني غير كاف أيضا فيه ، لأنه قطع بعد أن أبقاه الأول في حكم الميت.

وكأن المصنف لاحظ بما ذكره الجواب عن ذلك بأن هناك قسما ثالثا ، وهو استناد الإباحة إلى القطعين ، وهما مستقلان بالمطلوب ، لأن هذا الزائد لو أثر لقدح في ( مع خ ل ) تتالي الذبح بحيث يقطع بعض الأعضاء بعد بعض على التوالي ، فيأتي بعد قطع الأول قبل قطع الثاني ما ذكر.

قلت : لكن لا يخفى عليك المناقشة فيه بما عرفت ، بل هي هنا قوية باعتبار عدم الإجماع فيها ، فالتحريم حينئذ متجه ، لعدم حصول قطع الأعضاء الذي هو التذكية الشرعية ، والخروج عن ذلك في مستقر الحياة للإجماع المزبور لا يقتضي الخروج عنه في المقام ، مؤيدا ذلك بأن المنساق والمتيقن من كيفية الذبح ما حصل فيها التتابع على حسب المعتاد ، وغيره محل الشك ، والأصل عدم التذكية.

ولعل هذا أولى مما سمعته من الدروس الذي لا يتم على المختار من عدم اعتبار استقرار الحياة ، ضرورة كون المتجه ـ بناء على ذلك وعلى الاجتزاء بما بقي من أعضاء الذباحة كما سمعته في مستقر الحياة ـ الاكتفاء

١٨٨

بقطع ما بقي من الأعضاء ، على أن يكون هو التذكية ، فيعتبر فيه التسمية ، لا الأول ، إذ هو حينئذ كمستقر الحياة الذي قطع بعض أعضائه ثم استرسل ، بخلاف ما لو جعل قسما ثالثا ، وهو استناد الازهاق إلى الذبح الحاصل من القطعين ، فإنه قد يشكل الاجتزاء بالتسمية الأولى ، خصوصا إذا كان متولي الثاني غير الأول ، بناء على جواز تعدد الذابح ، وإن كان لا يخلو من شك في الجملة باعتبار إمكان دعوى انسياق غيره من الأدلة ، والأصل عدم التذكية وإن فرض تتابع الفعل منهم على أيقطع كل واحد منهم عضوا بعد قطع الآخر وفرض كون التسمية من الجميع ، نعم الظاهر عدم الإشكال في الحل لو فرض اشتراكهم في القطع على وجه يكون منسوبا إلى مجموعهما ، كما لو قطع الاثنان مثلا الأوداج بجر منهما للسكين.

ومن ذلك كله يعلم الوجه في الحرمة وإن لم نقل باعتبار استقرار الحياة ، فما في المسالك ـ من أن هذا كله مبني على اشتراط استقرار الحياة في المذبوح ، أما لو اكتفينا بعده بالحركة أو خروج الدم سقط هذا البحث ، واعتبر في الحل أحدهما أو كلاهما ـ لا يخلو من نظر ، والله العالم.

المسألة ( الثانية : )

( لو أخذ الذابح في الذبح فانتزع آخر حشوته معا كان ميتة ، وكذا كل فعل ) مقارن للذبح ( لا تستقر معه الحياة ) ومزهق للنفس كالذبح ، لاشتراك السببين في إزهاق روحه ، وأحدهما محلل والآخر محرم ، فهو حينئذ كاشتراك الصيد وغيره في القتل الذي اتفق النص (١)

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الصيد.

١٨٩

والفتوى على الحرمة به ، ضرورة ظهور الأدلة في اعتبار استقلال السبب المحلل في إزهاق روحه ، نعم لا عبرة بالمعد السابق ولا بالمجهز المتأخر ، لإطلاق الأدلة ، بخلاف ما إذا اشتركا معا كما في الفرض ، ولا أقل من الشك ، والأصل الحرمة.

ولا فرق في ذلك بين القول باستقرار الحياة وعدمه ، فما في المسالك ـ من أن هذا إذا اعتبرنا استقرار الحياة ، وإلا كفى في حكمه الحركة بعد الذبح أو ما يقوم مقامها وإن تعدد سبب الازهاق ـ لا يخلو من نظر ، والله العالم.

المسألة ( الثالثة )

قد عرفت سابقا أنه لا خلاف نصا (١) وفتوى بل ولا إشكال ( إذا تيقن بقاء الحياة بعد الذبح فهو حلال ) لإطلاق الأدلة وعمومها وخصوصها ، حتى على القول باعتبار الاستقرار ، إذ هو معتبر حين الذبح لا بعده ، نعم لا بد في الحكم بالحل من إحرازه حينه بناء على اعتباره.

( و ) كذا لا خلاف ولا إشكال في أنه ( إن تيقن الموت قبله فهو حرام ) لاندراجه في الميتة المحرمة كتابا (٢) وسنة (٣) وإجماعا بقسميه ( ولو اشتبه الحال ) تعرفه بالعلامتين أو إحداهما على الخلاف السابق.

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ و ١٢ ـ من أبواب الذبائح.

(٢) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة من كتاب الأطعمة والأشربة.

١٩٠

( و ) لو ( لم يعلم حركة المذبوح ولا خروج الدم المعتدل ) بناء على الاكتفاء بأحدهما ـ لظلمة ونحوها ( فالوجه تغليب الحرمة ) للأصل بعد ظهور النصوص (١) في اشتراط الحل بذلك ، والشك في الشرط شك في المشروط ، وربما احتمل الحل استصحابا لبقاء الحياة ، ولكن لا يخفى ضعفه.

هذا وفي المسالك « ومثله يأتي في الحكم باستقرار الحياة قبل الذبح حيث نعتبرها ، فإنه مع العلم ببقائها يحكم بالحل ، وبعدمها بعدمه ، ومع الشك يتعارض أصالة بقائها وبقاء التحريم ، والأقوى حينئذ اعتبار الحركة بعد الذبح ، وقد أشرنا إليه سابقا ».

وفيه أنها لا تدل على الاستقرار قطعا بالمعنى الذي ذكروه ، وكذا الدم ، بل ولا مجموعهما ، نعم هما أو أحدهما يدلان على أصل الحياة ، كما عرفت الكلام في ذلك مفصلا.

بقي شي‌ء : وهو أن صريح المسالك بل قد يظهر من غيره أيضا اعتبار تأخر حياة المذبوح بعد الذبح ولو قليلا ، ولا ريب في أنه أحوط ، لكن في تعيينه على وجه يحكم بالحرمة لو فرض العلم بمقارنة إزهاق روحه لتمام قطع الأوداج نظر ، لإطلاق الأدلة وصدق تذكية الحي ، ونصوص الحركة بعد الذبح (٢) إنما هو في مشتبه الحال أو لحصول العلم بالازهاق بالتذكية لا لإخراج الصورة السابقة المفروض فيها العلم بالمقارنة ، أما مع عدم العلم بها فلا بد من الحركة المتأخرة ليحصل العلم بذلك وإلا حرم ، واحتمال المقارنة غير كاف ، والأصل لا ينقحها.

ولكن مع ذلك كله فلا ريب في أن الأحوط ما ذكره ، خصوصا

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ و ١٢ ـ من أبواب الذبائح.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ و ١٢ ـ من أبواب الذبائح.

١٩١

بعد إمكان التعبد باعتبار الحركة المتأخرة في النصوص ، وقد مضى بعض الكلام في ذلك ، والله العالم.

القسم ( الثاني )

( في ما يقع عليه الذكاة ) من الحيوان

وجملة القول فيه أنه مأكول وغير مأكول ، والثاني نجس العين وغير نجس ، وغير النجس آدمي وغير آدمي ، والأخير ( ما ظ ) لا نفس له وما له نفس ، والأخير باعتبار الخلاف في قبول التذكية وعدمه أربعة أقسام : السباع والمسوخات والحشرات وغير ذلك ، وستعرف الكلام فيها إنشاء الله تعالى.

كما أنك عرفت الكلام في تذكية غير ذي النفس من المأكول كالسمك والجراد ، وأنه بها يكون جائز الأكل ، وعرفت تذكية ذي النفس من المأكول الصيدية والذبحية والنحرية حتى ذكاة الجنين منه ، وأنه بها يكون جائز الأكل باقيا على حكم طهارته قبلها ، بخلاف غير المأكول منه ، فإنه بتذكيته يكون باقيا على الطهارة دون جواز الأكل.

وأما غير المأكول من غير ذي النفس فلا حكم لتذكيته ، لأنه طاهر ذكي أو لم يذك ، والأصل في مأكول اللحم من ذي النفس التذكية ، لأنه مقتضى كونه مأكولا وللإجماع بقسميه ، وقوله تعالى (١) ( إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ ) و ( فَكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ ) (٢) والنصوص المتواترة الواردة

_________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٣.

(٢) سورة الأنعام : ٦ ـ الآية ١١٨.

١٩٢

في الصيود والذبائح ، فلا إشكال في هذا القسم.

كما لا إشكال في عدم قبول الأول من القسم الثاني ـ وهو نجس العين ـ للتذكية ولا خلاف ، بل الإجماع بقسميه عليه بل الضرورة.

إنما البحث في الأربعة الأخيرة ، وقد يقال : إن مقتضى الأصل عدم التذكية التي هي من الأحكام الشرعية التوقيفية ، وبها يخرج الحيوان عن اسم الميتة بالمعنى الأخص ، ويبقى على حكم الطهارة الأولى ، فما لم يعلم من الشرع قبوله لها يكون بحكم الميتة ، ودعوى أن الأصل بقاؤه على الطهارة بالتذكية العرفية ـ أو أن القاعدة الطهارة في كل شي‌ء حتى يعلم أنه نجس شرعا المقتصر في الخروج عنهما على الميت حتف أنفه دون المذبوح بالذبح الشرعي الذي هو قطع الأوداج فيما شرع فيه الذبح ، وهما وإن لم يفيدا كون الحيوان مما يذكى شرعا ، إلا أن احتمال ذلك كاف للحكم بالطهارة التي هي حكم المذكى شرعا من غير المأكول ـ يدفعها أن الميتة لغة وشرعا التي زهقت نفسها ، إذ هي من الموت المقابل للحياة ، فالميتة والميت غير الحي سواء كان مذكى أو غيره إذ لم يثبت لها حقيقة شرعية.

نعم قد تطلق في مقابل ما ثبت له تذكية شرعية من مأكول اللحم ، ولكن ذلك لا يقتضي الاختصاص بذلك ، على أنه لو سلم كون الميتة غير المذكاة شرعا في الواقع يمكن أن يقال في المشكوك في قابليته للتذكية شرعا : الأصل عدمها أيضا ، باعتبار أنه جعل شرعي يخرج الحيوان عن اسم الميتة التي هي لم يجعل لها الشارع تذكية ، فمن شك في الجعل كان الأصل عدمه ، وهو فصل مقوم للميتة ، ضرورة عدم جعل للشرع في تحقق الميتة حتى يقال : الأصل عدمه أيضا ، بل ليست هي إلا ما لم يجعل الشارع لها تذكية ، وهي أمر يتحقق بالأصل ، وحينئذ فكل ما شك في

١٩٣

تذكيته شرعا مندرج في اسم الميتة التي قد استفاضت النصوص (١) بعدم جواز الانتفاع بشي‌ء منها ، ولا يخرج منها إلا المعلوم أنه مما يذكى شرعا.

بل يمكن دعوى رجوع الاستثناء في قوله تعالى (٢) ( إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ ) إلى ما يشمل الميتة والنطيحة والمتردية وأكيل السبع ، بناء على أن المذكاة ميتة بالمعنى الذي ذكرناه واستثنى منها المذكى وإن كان خلاف الظاهر ، بل خلاف ما ورد في تفسيرها من النصوص (٣) لكن لا ينكر ظهور سوقها من النصوص (٤) الواردة في تفسيرها في مأكول اللحم من الحيوان ، بل يمكن دعوى القطع في ذلك ، فلا يستفاد منها عموم قبول التذكية لكل حيوان كي ينقطع الأصل الذي ذكرناه ، كما ظنه في كشف اللثام بعد أن قال : « ليس التذكية إلا الذبح ». « ولا دليل على نقلها في الشرع ، والأصل استصحاب الطهارة ».

وفيه أنه وإن سلمنا كون كيفية التذكية الذبح لكن الكلام في قبول كل حيوان لها ، واستصحاب الطهارة وقاعدتها لا يقتضيان قبوله ، نعم هما يقتضيان الطهارة التي هي حكم تذكيته لو لا إطلاق وعموم الميتة بالمعنى الذي ذكرناه ، فان مقتضاه تناول كل ما لم تثبت تذكيته شرعا ، ولو للشك في قبولها.

بل قد يقال : إن مقتضى خبر علي بن حمزة (٥) ـ سأل الصادق

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ من كتاب الأطعمة والأشربة.

(٢) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الذبائح.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الذبائح.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة عن علي بن أبي حمزة قال : « سألت أبا عبد الله وأبا الحسن عليهما‌السلام ... » كما هو كذلك في الكافي ج ٣ ص ٣٩٧ ـ ٣٩٨ إلا أن الموجود في التهذيب ج ٢ ص ٢٠٣ ـ ٢٠٤ عن علي بن أبي حمزة قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن لباس الفراء ... ».

١٩٤

عليه‌السلام « عن لباس الفراء والصلاة فيها ، فقال : لا يصلى إلا في ما كان منه ذكيا ، فقال : أو ليس الذكي ما ذكي بالحديد؟ فقال : بلى إذا كان مما يؤكل لحمه ، قلت : وما لا يؤكل لحمه من غير النعم ، قال : لا بأس بالسنجاب ، فإنه لا يأكل اللحم ، وليس هو مما نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ نهى عن كل ذي ناب ومخلب » ـ حصر قبولها في المأكول إلا ما خرج ، كما اعترف به في كشف اللثام أيضا ، اللهم إلا أن يقال : إن المراد منه ذلك بالنسبة إلى الصلاة فيه لا مطلقا ، بل لعله الظاهر منه.

فالعمدة حينئذ دعوى صدق اسم الميتة على كل حيوان زهقت روحه بأي طريق يكون : خرج منها المذكى شرعا وبقي غيره ، أو أنها لكل حيوان لم تثبت له تذكية شرعية وإن ذكي بالتذكية العرفية ، ومن هنا لو شك في كيفية التذكية شرعا ولم يكن ثم إطلاق يحكم بعدم التذكية وكون الحيوان ميتة نجسة ، كما يحكم بعدم الأكل للمشكوك في أكله ، لأصالة عدم التذكية.

نعم صحيح ابن بكير (١) ـ « إن زرارة سأل الصادق عليه‌السلام عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر فأخرج كتابا زعم أنه إملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن الصلاة في وبر كل شي‌ء حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكل شي‌ء منه فاسدة ، لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلى في غيره مما أحل الله أكله ثم قال : يا زرارة هذا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاحفظ هذا يا زرارة ، فإن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكل شي‌ء منه جائزة إذا علمت أنه ذكي قد ذكاه الذابح ، فان كان غير ذلك مما نهيت عن أكله وحرم عليك أكله فالصلاة في كل

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

١٩٥

شي‌ء منه فاسدة ، ذكاه الذابح أو لم يذكه » ـ ظاهر في أن الذبح تذكية لكل حيوان ، وكذا لو كانت الرواية « الذبح » بناء على أن المراد منه ذبح أو لم يذبح.

وأظهر منه صحيح علي بن يقطين (١) قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن لباس الفراء والسمور والفنك والثعالب وجميع الجلود قال : لا بأس بذلك » إذ لو لم تقبل التذكية كانت ميتة لا يجوز لبسها مؤيدا بما يفهم من مجموع النصوص المتقدمة في لباس المصلي (٢) من قبول التذكية لكل حيوان طاهر العين حال الحياة وإن لم يكن مأكول اللحم ، ولكن لا يصلي فيه عدا ما استثني ، فلاحظ وتأمل ، بل وبغير ذلك.

وكيف كان فقد ظهر لك مما ذكرنا أن قول المصنف ( وهي تقع على كل حيوان مأكول ، بمعنى أنه يكون طاهرا بعد الذبح ، ولا تقع على نجس العين ، كالكلب والخنزير ، بمعنى أنه يكون باقيا على نجاسته بعد الذبح ، ) ( وما خرج عن ) هذين ( القسمين فهو أربعة أقسام ) بل خمسة غير مستوف لتمام الاقسام ، ضرورة عدم انحصار التذكية في الذبح ، ولا أن معناها في المأكول الطهارة خاصة ، بل هي مع جواز الأكل ، نعم هي كذلك في غير المأكول ، ولكن الأمر سهل بعد وضوح المطلوب ، خصوصا بعد ما سلف له مما يستفاد منه ما ذكرناه.

وعلى كل حال فالقسم ( الأول المسوخ ) غير السباع وما لا نفس له سائلة منها وما كان من الحشرات ( و ) المشهور على ما قيل : إنه ( لا تقع عليها الذكاة ) خصوصا مع ملاحظة القائل بنجاستها ( ك‍ ) الشيخ

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٢) راجع ج ٨ ص ٦٥ ـ ٦٧ و ٧٨.

١٩٦

والديلمي وابن حمزة وهي ( الفيل والدب والقرد ) وغيرها مما تضمنتها النصوص (١).

لكن في المسالك « إن أجمع الروايات خبر محمد بن الحسن الأشعري (٢) عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام « الفيل مسخ كان ملكا زانيا ، والذئب مسخ كان اعرابيا ديوثا ، والأرنب مسخ كان امرأة تخون زوجها ولا تغتسل من حيضها ، والوطواط مسخ كان يسرق تمور الناس ، والخنازير قوم من بني إسرائيل اعتدوا في السبت ، والجريث والضب فرقة من بني إسرائيل ، حيث نزلت المائدة على عيسى ( على نبينا وآله وعليه السلام ) لم يؤمنوا فتاهوا ، فوقعت فرقة في البحر وفرقة في البر ، والفأرة هي الفويسقة ، والعقرب كان نماما ، والدب والوزغ والزنبور كان لحاما يسرق في الميزان » ـ قال ـ : وهذه المسوخ كلها هلكت ، وهذه الحيوانات على صورها ».

ومجموع ما فيها أنها اثنا عشر ، وفي خبر الكلبي النسابة (٣) « الوبر والورك » والأول بسكون الباء : دويبة على قدر السنور غبراء أو بيضاء حسنة العينين لا ذنب لها ، شديدة الحياء حجازية ، والثاني محركة : دابة كالضب ، أو العظيم من أشكال الوزغ ، طويل الذنب صغير الرأس.

وقد سمعت في الجراد أن الدبى والمهرجل من المسوخ ، كما أن في غيره من النصوص (٤) عد الكلب والطاوس والمارماهي والزمير والدعموص والخفاش وسهيل والقنفذ والزهرة والعنكبوت والقملة والبعوض

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة من كتاب الأطعمة والأشربة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٧ من كتاب الأطعمة والأشربة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٨ من كتاب الأطعمة والأشربة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٤ و ٦ و ٨ و ١٢ و ١٥ من كتاب الأطعمة والأشربة.

١٩٧

وهي جملة ما وقفنا عليه من النصوص.

لكن عن الفقيه زيادة النعامة والسرطان والسلحفاة والثعلب واليربوع ، وربما نسب إلى بعض النصوص ، بل ربما احتمل أنها من تتمة رواية محمد (١) لا من كلامه.

وفي بعض النصوص (٢) « إن الله مسخ سبعمائة عصوا الأوصياء بعد الرسل ، فأخذ أربعمائة منهم برا ، وثلاثمائة بحرا » والأمر سهل بعد أن لم يكن الحكم عندنا دائرا على مسماها ، للأصل المزبور.

( وقال المرتضى ) ووافقه الشهيد ( تقع ) عليها الذكاة ، بل في غاية المراد نسبته إلى ظاهر الأكثر ، بل في كشف اللثام إلى المشهور ، للأصل الممنوع على مدعيه حتى بمعنى استصحاب الطهارة أو قاعدتها ، والسبب ـ في وقوعها على المأكول الانتفاع بلحمه وجلده ، وهو متحقق فيها في الجلد ـ الذي لا يرجع إلى محصل ينطبق على أصول الإمامية ، وبعض النصوص (٣) ـ الواردة في حل الأرنب والقنفذ والوطواط وهي مسوخ ، وليس ذلك في لحمها عندنا ، فيكون في جلدها ـ الذي هو بعد أن لا يكون معمولا عليه عندنا وموافقا للتقية يكون من المأول الذي ليس بحجة ، نعم قد يصلح مؤيدا لما سمعته من الصحيح (٤) المقتضي لصحة التذكية فيها ، ولكن ينبغي أن يكون المدار على الجلود التي تلبس عادة أو صالحه للبس.

_________________

(١) راجع الفقيه ج ٣ ص ٢١٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٩ من كتاب الأطعمة والأشربة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٦ و ٧ من كتاب الأطعمة والأشربة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

١٩٨

القسم ( الثاني ) الذي هو ( الحشرات ) وهي التي تسكن باطن الأرض ( كالفأرة وابن عرس والضب و ) نحوها فان ( في وقوع الذكاة عليها تردد ) ابل خلافا ( أشبهه أنه لا يقع ) وفاقا للأكثر بل المشهور ، للأصل المزبور السالم عن معارضة الصحيح (١) ونحوه بعد انسياق غير ذلك من الجلود فيه وإن كان بلفظ الجمع ، فلا أقل من الشك ، وقد عرفت أن الأصل عدم التذكية ، والله العالم.

القسم ( الثالث : الآدمي ) الذي قد عرفت أنه ( لا تقع عليه الذكاة ) إجماعا أو ضرورة ، لا ( لحرمة ) تذكيت ( ه‍ ) التي لا تنافي الطهارة بعد وقوعها ولا تتم في الكافر منه ونحوه مما يجوز قتله ، بل لما عرفت. ( و ) حينئذ ( يكون ميتة ولو ذكي ) كما هو واضح ، والله العالم.

القسم ( الرابع : السباع ) من الوحوش والطيور ، وهي ما تفترس الحيوان بنابها أو مخلبها للأكل ، أو كل ما كان ذا مخلاب أو ناب يفترس من الحيوان أو ما يتغذى باللحم ( كالأسد والنمر والفهد والثعلب و ) نحوها فـ ( في وقوع الذكاة عليها تردد ) بل وخلاف وإن لم نعرف حكايته ، لكن في كشف اللثام « المشهور الوقوع ، وعدمه قول المفيد وسلار وابن حمزة ذكروه في الجنايات ، وكذا الشيخ في الخلاف ».

( و ) على كل حال فـ ( الوقوع ) هنا ( أشبه ) وفاقا للمشهور ، بل في غاية المراد لا نعلم مخالفا ، بل عن بعض دعوى الاتفاق عليه ، بل عن السرائر الإجماع عليه ، لموثقي سماعة المعتضدين بما عرفت ، فـ في أحدهما (٢) « سألته عن جلود السباع ينتفع بها ، قال : إذا رميت

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٤ من كتاب الأطعمة والأشربة.

١٩٩

وسميت فانتفع بجلده » وفي الآخر (١) « سألته عن لحوم السباع وجلودها ، فقال : أما لحوم السباع والسباع من الطير فانا نكرهه ، وأما الجلود فاركبوا عليها ، ولا تلبسوا شيئا منها تصلون فيه » إذ لو لا وقوع التذكية عليها لم يجز الانتفاع بجلودها ، ضرورة كونها حينئذ ميتة لا يجوز الانتفاع بشي‌ء منها إلا ما استثني.

بل وبالسيرة المستمرة في جميع الأعصار والأمصار على استعمال جلودها ، وبما ورد من النصوص (٢) في جواز استعمال جلد السمور والثعالب ، بل في خبر أبي مخلد (٣) « كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام إذ دخل معتب ، فقال : بالباب رجلان ، فقال : أدخلهما ، فقال أحدهما : إني رجل سراج أبيع جلود النمر ، فقال : مدبوغة هي؟ قال : نعم ، قال : ليس به بأس » وبغير ذلك مما مر في لباس المصلي (٤).

ومن الغريب بعد ذلك كله ما في المسالك من التردد في الحكم المزبور استضعافا لموثقي سماعة وكونهما مضمرين ، وظهور كونه الامام عليه‌السلام غير كاف في العمل بمقتضاهما ، إلى آخر ما ذكره مما لا يخفى عليك النظر فيه بعد أن كان الموثق الثاني مسندا في محكي الفقيه (٥) والله العالم.

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٤ من كتاب الأطعمة والأشربة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ و ٥ ـ من أبواب لباس المصلي من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب ما يكتسب به ـ الحديث ١ من كتاب التجارة.

(٤) راجع ج ٨ ص ٦٤ ـ ٦٧.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٣ راجع الفقيه ج ١ ص ١٦٩ ـ الرقم ٨٠١.

٢٠٠