جواهر الكلام - ج ٣٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

وفي المسالك بعد ذكر الاحتمالات قال : « وهذا يطرد في كل من ذبح حيوان غيره وأكل لحمه ، إلا أن الاحتمال الأول منفي ، لأن الذبح غير مستحق » قلت : لا يخفى عليك ما فيه ، مضافا إلى إشكال الفرق بين الاحتمال الثالث والثاني.

ثم إن ظاهر الأصحاب هنا أن المتولي للشراء بالقيمة أو بالأرش وللمطالبة بهما الناذر دون الحاكم وإن صارت الشاة بنذره للفقراء ، ومقتضى القواعد العامة تولي الحاكم الذي هو وليهم في ذلك ، إلا أن الظاهر عدم انقطاع تمام ولايته بنذره ، والله العالم.

المسألة ( السادسة : )

( إذا نذر الأضحية وصارت واجبة لم يسقط استحباب الأكل منها ) عندنا ، لإطلاق الأدلة (١) بل لو قلنا باستحباب الصدقة بها كما عن الشيخ لم يسقط جواز الأكل منها الذي هو من أحكامها عنده وإن لم يكن على وجه الاستحباب ، خلافا لبعض العامة ، فمنع من الأكل من الأضحية المنذورة ، قياسا على الزكاة الواجبة والكفارة والهدي الواجب عندهم ، وهو واضح الضعف ، والله العالم.

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبح من كتاب الحج.

١٦١

المسألة ( السابعة )

لا خلاف نصا (١) وفتوى ولا إشكال في احتياج السمك إلى تذكية ، بل الإجماع بقسميه عليه ، والنصوص مستفيضة بل متواترة فيه (٢) خصوصا مع ملاحظة ما دل منها على حرمة الطافي منه (٣) وما مات منه في الماء (٤) وما في بعضها من أنه ذكي (٥) لا يراد به عدم احتياجه إلى التذكية ، وكذا قوله تعالى (٦) ( أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ ) وقوله تعالى (٧) ( لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا ) لا دلالة فيهما على ذلك ، بل حلية نفس الصيد لا تقتضي أن ذكاته صيده كيف ما كان ، كما لا تقتضي ذلك في صيد البر ، بل هذا وشبهه نحو ما دل على كون الماء طهورا (٨) مما لا دلالة فيه على كيفية التطهير ، حتى لو أريد بالصيد المصيد إذ أقصاه حينئذ أن يكون نحو

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ و ٣٣ و ٣٤ ـ من أبواب الذبائح.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ و ٣٣ و ٣٤ ـ من أبواب الذبائح.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الذبائح.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الذبائح.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٥ و ٦.

(٦) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٩٦.

(٧) سورة النحل : ١٦ ـ الآية ١٤.

(٨) سورة الفرقان : ٢٥ ـ الآية ٤٨ والوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الماء المطلق ـ الحديث ١ و ٤ و ٨ و ٩ و ١٠ من كتاب الطهارة.

١٦٢

ما دل على أصل الإباحة من الآيات (١) والروايات (٢) التي لا تدل على حل أكل الحيوان الذي قد ثبت في الشرع أن منه ميتة ومنه مذكى ، وأن التذكية من الأحكام الشرعية المحتاجة إلى التوقيف. ومن هنا كان المعروف بين الأصحاب أصالة عدمها مع الشك في موضوعها الشرعي ، كما أن الأصل عدم حصولها مع الشك في تحققها بعد معلومية المراد منها شرعا.

وعلى كل حال فـ ( ذكات ) ه‍ أي ( السمك ) المتفق عليها ( إخراجه من الماء حيا ) مع عدم عوده إلى الماء وموته فيه وإن لم أجد في شي‌ء مما وصل إلى من نصوص الباب اللفظ المزبور عدا المرسل في الاحتجاج (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث « إن زنديقا قال له : والسمك ميتة ، قال : إن السمك ذكاته إخراجه من الماء ، ثم يترك حتى يموت من ذات نفسه ، وذلك أنه ليس له دم ، وكذلك الجراد ».

نعم في موثق أبي بصير (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صيد المجوس للسمك حين يضربون بالشبكة ولا يسمي وكذلك اليهود ، فقال : لا بأس ، إنما صيد الحيتان أخذها ».

وفي خبر الكناني (٥) عنه عليه‌السلام أيضا « عن الحيتان يصيدها

_________________

(١) ذكر في البحار ج ٢ ص ٢٦٨ ـ ٢٧٢ آيات عديدة تدل على أصالة الإباحة فراجعه.

(٢) ذكر المجلسي ( قده ) في البحار ـ ج ٢ ص ٢٧٢ ـ ٢٨٢ ـ الطبع الحديث عدة روايات تدل على أصل الإباحة. راجع الحديث ٣ و ١٢ و ١٨ و ١٩ و ٢٠ و ٤٧ و ٤٨ و ٥٧ و ٥٨ من هذه الصفحات.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٨.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١١.

١٦٣

المجوس ، قال : لا بأس ، إنما صيد الحيتان أخذها ».

وفي حسن الحلبي (١) عنه عليه‌السلام أيضا « أنه سئل عن صيد المجوس للحيتان حين يضربون عليها بالشباك ويسمون بالشرك ، فقال : لا بأس بصيدهم ، إنما صيد الحيتان أخذها » إلى غير ذلك من النصوص التي بنحو ذلك ، فكان التعبير به أولى وإن كان متناولا للإخراج من الماء حيا ، إلا أنه أعم منه ، ضرورة تناوله لمطلق إثبات اليد عليه ، وهو حي.

( و ) منه ما ذكره المصنف وغيره من أنه ( لو وثب فأخذه قبل موته حل ) وكذا لو أخذه كذلك بعد انحسار الماء عنه ، مضافا إلى محكي الإجماع المعتضد بعدم خلاف فيه في الثاني ، وخصوص خبر علي ابن جعفر (٢) عن أخيه عليه‌السلام في الأول الذي حكى الاتفاق عليه أيضا في كشف اللثام ، قال : « سألته عن سمكة وثب في نهر فوقعت على الجد (٣) من النهر فماتت هل يصلح أكلها؟ فقال : إن أخذتها قبل أن تموت ثم ماتت فكلها ، وإن ماتت قبل أن تأخذها فلا تأكلها ».

ولا ينافي ذلك قول الباقر عليه‌السلام في صحيح محمد بن مسلم (٤) : « لا تأكل ما نبذه الماء من الحيتان ، وما نضب الماء عنه فذلك المتروك » والموثق (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « أنه سئل

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١.

(٣) الجد بالضم والجدة : شاطئ النهر.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٦ « لا يؤكل ... ».

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٣ وفيه « لا تأكل ما نبذه الماء من الحيتان وما نضب الماء عنه » كما في التهذيب ج ٩ ص ٧ والاستبصار ج ٤ ص ٦٠.

١٦٤

عن الذي ينضب عنه الماء من سمك البحر ، قال : لا تأكله » بعد تقييدهما بما إذا لم يأخذه حيا.

ومن ذلك يظهر لك أن تذكيه السمك إثبات اليد عليه على أن لا يموت في الماء ، فهو حينئذ كحيازة المباح الذي هو بمعنى الصيد الموافق له ، لا المعنى الذي هو التذكية المخصوصة ، ولعله لهذا المعنى أطلق عليه أنه « ذكي » (١) بل أطلق عليه في بعض النصوص اسم الميتة ، كقوله عليه‌السلام في البحر (٢) : « الطهور ماؤه الحل ميتته » إذ ليست تذكيته كتذكية الحيوان المشتملة على فري الأوداج ونحوها ، بل في المرسل في بعض آخر (٣) عن كتاب علي « عما أصاب المجوسي من الجراد والسمك أيحل أكله؟ قال : صيده ذكاته ، لا بأس به ».

بل لعل التعبير بذلك عن الذكاة مقيدا بعدم الموت في الماء أولى منهما ، لكي يشمل الصيد بالحظيرة والشبكة ونحوهما وإن لم يحظر هما صاحبهما مع عدم موت ما يصاد بهما في الماء الذي ستسمع تنزيل الصحيحين (٤) الآتيين عليه من غي واحد من الأصحاب ، مشعرين بالمفروغية عن حصول الذكاة بذلك ، وهو ليس إخراجا ولا أخذا عرفا ، ولكنه صيد بما عملته يده ، كما أومأ إليه التعليل الذي ستعرفه فيهما.

وعلى كل حال فعنوان التذكية ما سمعت ، بل عن الشيخ في النهاية الحل بإدراكه له خارجا من الماء يضطرب وإن لم يأخذه ، لخبر أبي

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٥ و ٦ و ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الماء المطلق الحديث ٤ من كتاب الطهارة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٨.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الذبائح الحديث ٢ و ٣.

١٦٥

حفص (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « أن عليا عليه‌السلام كان يقول في صيد السمك : إذا أدركتها وهي تضطرب وتضرب ببدنها وتحرك ذنبها وتطرف بعينها فهي ذكاتها ».

بل عن المصنف في نكتها الحل بخروجه من الماء حيا وموته خارجه وإن لم يدركه ولم ينظر إليه ، ولعله لخبر عبد الله بن بحر عن رجل عن زرارة (٢) « قلت : السمك تثب من الماء فتقع على الشط فتضطرب حتى تموت ، فقال : كلها » ورواه في الفقيه عن أبان عن زرارة (٣) باختلاف في ألفاظه دون معناه.

والحسن كالصحيح (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « أن عليا عليه‌السلام قال : إن السمك والجراد إذا خرج من الماء فهو ذكي ، والأرض للجراد مصيدة وللسمك قد تكون أيضا » مضافا إلى النصوص الدالة على حل ما صاده المجوسي من السمك مع النظر إليه أنه أخرجه حيا ومات في غير الماء ، أو العلم بكونه كذلك.

ففي أحدها (٥) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صيد المجوس للسمك آكله؟ قال : ما كنت لآكله حتى أنظر إليه » ومثله صحيح محمد بن مسلم (٦) عنه عليه‌السلام أيضا.

وفي خبر عيسى بن عبد الله (٧) قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صيد المجوس ، قال : لا بأس إذا أعطوكه حيا ، والسمك أيضا ، وإلا فلا تجيز شهادتهم إلا أن تشهده » بناء علي أن صيد

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٣.

١٦٦

المجوس لا عبرة به ، وإنما العبرة بنظر المسلم له أو العلم به.

ولكنه مع ذلك كله ففي المتن ( ولو أدركه بنظره فيه خلاف أشبهه أنه لا يحل ) وفاقا للمشهور شهرة عظيمة ، للأصل بعد الحصر في النصوص (١) السابقة بالأخذ الذي لا يشمل الفرض ، بل يمكن إرادته من الخبر الأول (٢) بل لعل قوله عليه‌السلام في صدره : « في صيد السمك » مشعر به ، ضرورة عدم صدق الصيد عليه بدونه ، بل قيل : إن الإدراك فيه في الأخذ أظهر منه في الإحساس ، بل لعل الحسن الأخير (٣) كذلك أيضا ، بل قوله عليه‌السلام فيه أخيرا : « وللسمك قد تكون أيضا » مشعر بذلك أيضا ، باعتبار إرادته أنها تكون مصيدة له إذا أخذ منها حيا.

وخبر زرارة (٤) مع إرساله وإضماره قاصر عن معارضة ما تقدم من وجوه ، ونصوص المجوسي (٥) إنما تدل على صحة تذكيته للسمك بإخراجه كما هو مقتضى غيره من النصوص ، لعدم اعتبار التسمية فيه بلا خلاف فيه نصا (٦) وفتوى التي لا يؤمن عليها إلا المسلم ، نعم لا يقبل قوله : إني أخرجته حيا ، فإذا شهده علم أنه ذكاه.

( و ) من ذلك يعلم الوجه فيما ذكره المصنف وغيره ، بل هو المشهور من أنه ( لو أخرجه ) أو أخذ ( مجوسي أو مشرك ) فضلا عن كتابي ( فمات في يده حل ) بل عن ابن إدريس الإجماع عليه

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٥ و ٩ و ١١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الذبائح.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الذبائح.

١٦٧

خلافا لما عن ظاهر المفيد من التحريم ، ولا ريب في ضعفه وإن احتاط به ابن زهرة ، لعدم دليل له عدا الأصل المقطوع بما عرفت ، ودعوى اعتبار الإسلام في التذكية التي منها إخراج السمك الممنوعة على مدعيها ، خصوصا بعد النصوص المزبورة (١) المشعرة بالفرق بينها وبين تذكية الحيوان باعتبار التسمية في الثانية دونها ، لأن ذكاة السمك أخذه أو صيده.

( و ) خبر عيسى (٢) المتقدم القاصر سندا بل ودلالة ـ لابتنائها على دلالته على اشتراط أخذ المسلم له منهم حيا ، كما عن ظاهر الاستبصار فيكون إخراجهم له بمنزلة وثوبه من الماء بنفسه إذا أخذه المسلم ، وهو ضعيف جدا ، لأن المراد ولو بقرينة آخره مشاهدته ـ لا يصلح معارضا لما عرفت.

نعم ( لا يحل أكل ما يوجد في يده حتى يعلم ) ولو شرعا ( أنه مات بعد إخراجه من الماء ) في الأرض حيا ، بحيث يكون مذكى أو أخذه أو صيده ، لما سمعته من النصوص السابقة ، لأن الأصل عدم التذكية ، ومن المحتمل أخذه طافيا أو ميتا في الماء ، ولا أصل يقضي بصحة في فعله وقوله كالمسلم حتى يكون قاطعا لذلك ، كما هو واضح.

بل في الدروس « إذا وجد في يد مسلم سمك ميت حل أكله وإن لم يخبر بحاله ، عدلا كان أو فاسقا » وإن كان قد يشكل ، بناء على جواز الانتفاع بميتة السمك ولو بدهنه ، فان وجوده حينئذ في يده أعم من تذكيته التي ينبغي حمل المسلم عليها ، والله العالم.

( ولو أخذ وأعيد في الماء فمات لم يحل وإن كان ناشبا في الآلة )

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الذبائح.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٣.

١٦٨

وفاقا للمشهور ( لأنه مات فيما فيه حياته ) كما في صحيح عبد الرحمن (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن السمك يصاد ثم يجعل في شي‌ء ثم يعاد إلى الماء فيموت فيه ، فقال : لا تأكله ، لأنه مات في الذي فيه حياته ».

وصحيح الخزاز (٢) « سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل اصطاد سمكة فربطها بخيط وأرسلها في الماء فماتت أتوكل؟ قال : لا ».

وخبر عبد المؤمن (٣) « أمرت رجلا يسأل لي أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل صاد سمكا وهن أحياء ثم أخرجهن بعد ما مات بعضهن ، فقال : ما مات فلا تأكل منه ، فإنه مات في ما كان فيه حياته » بناء على كون المراد صيد السمك وإبقاؤه في الماء بآلة ونحوها.

بل لو قلنا بكون مورده خاصا بغير ما نحن فيه ، وهو موته في الماء قبل إخراجه ، ويعبر عنه بالطافي المحرم بإجماعنا المستفيض على تحريمه والصحاح وغيرها (٤) من أخبارنا إلا أن الجواب عام والعبرة بعمومه دون خصوصه ، مضافا إلى التعليل العام له ولغيره أيضا.

خلافا للعماني ، فقال : « يحل ما مات في الآلة المعمولة للصيد » للصحيح (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن الحظيرة من القصب تجعل في الماء يدخل فيها الحيتان فيموت بعضها فيها ، قال : لا بأس به ، إن تلك الحظيرة إنما جعلت ليصاد بها ».

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٣ و ٤ والباب ـ ٣٥ ـ منها ـ الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٣.

١٦٩

و صحيح محمد ابن مسلم (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « في الرجل ينصب شبكة في الماء ثم يرجع إلى بيته ويتركها منصوبة ويأتيها بعد ذلك وقد وقع فيها سمك فمتن ، فقال : ما عملته يده ، فلا بأس بأكل ما وقع فيها ».

إلا أنهما ـ مع قصورهما عن المقاومة لتلك الأدلة المعتضدة بالشهرة العظيمة بل لعلها إجماع ـ غير صريحين في الموت في الماء ، إذ من المحتمل كون الحظيرة والشبكة في مكان يكون الماء فيه مدا وجزرا ، فيكون موت السمك حينئذ فيها بعد الجزر ، وصيرورته في الآلة المقتضية لملك الصائد باعتبار كونها مما عملته يده ، بل لعل التعليل بذلك مشعر بما ذكرناه ، بل قيل : يكفي في الحل احتمال كون الموت خارج الماء ، لأن الأصل بقاء الحياة وإن كان فيه ما فيه ، والله العالم.

( و ) كيف كان فـ ( هل يحل أكل السمك حيا ) بعد تذكيته بالأخذ مثلا؟ ( قيل ) والقائل الشيخ في محكي المبسوط ( لا ) يجوز لدخول موته في تذكيته ، ولذا لو عاد إلى الماء ومات فيه حرم ، ولو كان قد تمت ذكاته لما حرم بعدها.

( والوجه الجواز ) وفاقا للمشهور ( لأنه مذكى ) بالإخراج ، لإطلاق الأدلة (٢) السابقة ، فضلا عن قوله عليه‌السلام في النص السابق (٣) : « هو ذكي » الذي لا ينافيه حرمته لو مات في الماء بعد ذلك ، إذ أقصاه أنه يشترط فيه مع ذلك عدم موته في الماء ، نعم مرسل الاحتجاج (٤) السابق قد يشهد لذلك ، بل ورواية ابن أبي

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الذبائح.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٨.

١٧٠

يعفور (١) الواردة في الجراد ، فيها « إن الله تبارك أحله وجعل ذكاته موته ، كما أحل الحيتان وجعل ذكاتها موتها ».

لكن ـ مع أن الأول منهما مرسل وفي غير الكتب الأربع ، ولم يذكره الفقهاء في الكتب الاستدلالية ـ لم أجد أحدا عمل بمضمونهما ، بل يمكن القطع بعدم اعتبار الموت حتف الأنف في تذكيته ، وحينئذ فالمذهب الجواز ، لما عرفت.

ولعله لذا لو قطع منه قطعة بعد خروجه فهي حلال وإن عاد الباقي إلى الماء ، سواء مات فيه أو لا ، كما نص عليه في الدروس ، نعم لو قطع منه قطعة وهو بعد في الماء حي أو ميت لم تحل ، لأنه قطعة مبانة من حي غير مذكى ، إذ ليس في الأدلة ما يقتضي ذكاة تلك القطعة بأخذها ، كما هو واضح ، والله العالم.

( ولو نصب شبكة ) مثلا ( فمات بعض ما حصل فيها واشتبه الحي بالميت قيل ) والقائل الشيخ في محكي النهاية والقاضي ( حل الجميع حتى يعلم الميت بعينه ) للصحيحين (٢) السابقين المؤيدين بـ خبر مسعدة ابن صدقة (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سمعت أبي عليه‌السلام يقول : إذا ضرب صاحب الشبكة بالشبكة فما أصاب فيها من حي أو ميت فهو حلال ما خلا ما ليس له قشر ، ولا يؤكل الطافي من السمك ».

بل وب خبر علي بن جعفر (٤) عن أخيه عليه‌السلام المروي عن قرب الاسناد

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٤. إلا أنها واردة في الخز لا الجراد ، وليس لابن أبي يعفور رواية في الجراد بهذا المضمون.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢ و ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٦.

١٧١

« سألته عن الصيد يحبسه فيموت في مصيدته أيحل أكله؟ قال : إذا كان محبوسا فكله ، فلا بأس ». وبالمعتبرة المستفيضة المتضمنة للصحيح وغيره (١) الدالة على أنه إذا اجتمع الحلال والحرام فهو حلال حتى يعرف الحرام بعينه فتدعه ، وغير ذلك مما يخرج به عن قاعدة المقدمة.

( وقيل ) والقائل الأكثر بل المشهور ( يحرم الجميع تغليبا للحرمة ) لقاعدة المقدمة المؤيدة بخبر عبد المؤمن الأنصاري (٢) المتقدم سابقا ، وللمعتبرة المستفيضة الدالة على أنه « ما اجتمع الحلال والحرام إلا وغلب الحرام الحلال » (٣) التي هي أرجح من تلك المعتبرة بالاعتضاد

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يكتسب به ـ من كتاب التجارة والباب ـ ٦١ ـ من أبواب الأطعمة المباحة من كتاب الأطعمة والأشربة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١.

(٣) الرواية الواردة بهذا اللفظ ليست إلا ما رواه ابن أبي جمهور في غوالي اللئالي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على ما ذكره في المستدرك ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يكتسب به ـ الحديث ٥. وقد ذكر المحدث البحراني قدس‌سره في تعليقة ( منه رحمه‌الله ) على كتابه الحدائق الناضرة ج ١ ص ١٥٠ بعد التأييد ـ لاستدلاله ـ بهذا الخبر ما هذا لفظه : « إنما جعلنا هذا الخبر مع صراحته في المدعى من المؤيدات لعدم الوقوف على سنده من كتب أصولنا ، وإنما وقفت عليه في غوالي اللئالي ».

نعم يمكن أن يستفاد هذا المعنى من مضامين بعض الروايات : ( منها ) صدر صحيحة ضريس الكناسي المروية في الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ١. و ( منها ) صحيحتي الحلبي الآمرتان ببيع المذكى المختلف بالميتة ممن يستحل الميتة ، حيث لم يجوز الامام عليه‌السلام أكل المشتبه ، راجع الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ١ و ٢. و ( منها ) رواية إسماعيل بن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام الواردة في الشاتين المشتبهين ، راجع البحار ج ٦٥ ص ١٤٠.

وأين هذا من المعتبرة المستفيضة التي ادعاها الشيخ ( طاب ثراه ) والظاهر أنه ( قده )

١٧٢

بالشهرة ، بل لو سلم تكافؤهما اتجه الرجوع إلى باب المقدمة ، بل لعل التأمل الجيد فيه يقضي بكون النصوص الأولى في غير المحصور ، كما يشهد له بعض الأمثلة فيها ، بخلاف النصوص الثانية الظاهرة في المحصور بقرينة الإجماع ، ولا أقل من أن تكون مقيدة لتلك النصوص السابقة إن لم نقل إن العلم الإجمالي في المحصور من المعرفة بعينه.

وكيف كان فلا يعارض ذلك الصحيحان (١) الظاهران في صورة التمييز التي لا يقول بها الخصم ، وإنما هو مذهب ابن أبي عقيل الذي عرفت ضعفه ، وحينئذ فهما بالنسبة إلى ما نحن فيه مأولان ، ضرورة ظهور أن الموت في الشبكة والحظيرة مقتض للحل ، لا أنهما في صورة اشتباه الحرام والحلال ، وكذا الكلام في خبر مسعدة (٢) الذي مقتضاه حل ما في الشبكة من حي أو ميت محكوم عليه بأنه ميت فيها ، ولو للأصل الذي تعرف الكلام فيه.

وعلى كل حال فهي في غير الفرض الذي هو الاشتباه بين الحلال والحرام ، باعتبار موته في الماء المقتضي لحرمته ، لا المحكوم بكونه جميعه

_________________

استأنس في ذلك بعبارة الرياض وأخذه منه ، حيث قال في المقام ما هذا لفظه : « نعم ربما يعضد ما ذكروه المعتبرة المتضمنة للصحيح وغيره الدالة على أنه إذا اجتمع الحلال والحرام فهو حلال أبدا حتى تعرف الحرام بعينه ، ولكنها معارضة بمثلها الدال على أنه ما اجتمع الحلال والحرام إلا وقد غلب الحرام الحلال ، وهذا أرجح للاعتضاد بالشهرة ، وعلى تقدير التساوي والتساقط ينبغي الرجوع إلى مقتضى القاعدة في الشبهة المحصورة ، وهو الحرمة من باب المقدمة ».

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الذبائح ٢ و ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٤.

١٧٣

حلالا من غير فرق بين حيه وميته ، فلا اشتباه ، بل ليس فيهما إطلاق يشمل هذه الصورة التي هي اشتباه الميت بالحي.

هذا كله مع أنك قد سمعت احتمالهما الموت خارج الماء ، فيكون الجميع مذكى ، بل في المسالك وغيرها أنه كذلك مع الشك في الموت في الماء ، والأصل بقاء الحياة إلى أن فارقته ، والأصل الإباحة ، وإن كان فيه أن مثل ذلك لا يثبت التذكية التي يقتضي الأصل عدمها ( و ) بذلك كله ظهر لك أن الثاني لا ( الأول حسن).

بقي شي‌ء : وهو أنه قد تضمن مرسل أبان (١) عن الصادق عليه‌السلام وخبر السكوني (٢) عنه عليه‌السلام أيضا حل السمكة التي في بطن السمكة قال في الأول : « قلت : رجل أصاب سمكة وفي جوفها سمكة ، قال : يؤكلان جميعا » وقال في الثاني : « إن عليا عليه‌السلام سئل عن سمكة شق بطنها فوجد فيها سمكة ، فقال : كلهما جميعا » وهما إن لم يكونا ظاهرين في كون السمكة ميتة فلا ريب في شمولهما لها ، ولعله لاستصحاب حياتها إلى حين إخراج التي في بطنها ، فيكون ذلك تذكية لهما.

إلا أنك قد عرفت ما في هذا الأصل ، فالعمدة الخبران ، إلا أني لم أجد العمل بهما على وجه يجبرهما ، ولا ريب في أن الأحوط اجتنابها ، إلا أن يعلم حياتها حين الإخراج ، ويأتي تمام الكلام في ذلك عند تعرض المصنف في الأطعمة له إنشاء الله تعالى ، والله العالم.

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢.

١٧٤

المسألة ( الثامنة : )

( ذكاة الجراد أخذه ( حيا خ )) نحو ما سمعته في السمك ، ولعله لأنه نثرة من حوت في البحر ، كما في خبر مسعدة بن صدقة (١) قال : « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن أكل الجراد ، فقال : لا بأس بأكله ، ثم قال عليه‌السلام : إنه نثرة من حوت في البحر ، ثم قال : إن عليا عليه‌السلام قال : إن الجراد والسمك إذا خرج من الماء فهو ذكي. والأرض للجراد مصيدة ، وللسمك قد تكون أيضا ».

وقال الصادق عليه‌السلام في خبر عمر بن هارون الثقفي (٢) : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : الجراد ذكي ، وأما ما مات في البحر فلا تأكله ».

وفي خبر علي بن جعفر (٣) عن أخيه عليه‌السلام « سألته عن الجراد يصيده فيموت بعد أن يصيده أيؤكل؟ قال : لا بأس ».

وفي خبره الآخر (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « سألته عن الجراد يصيبه ميتا في الماء أو في الصحراء أيؤكل؟ قال : لا تأكله ».

وفي المروي عن كتاب علي بن جعفر (٥) « عما أصاب المجوس من الجراد والسمك أيحل أكله؟ قال : صيده ذكاته ، لا بأس به ».

وصحيح سليمان بن خالد (٦) « سألت أبا عبد الله

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٨.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٤.

١٧٥

عن الحيتان يصيدها المجوس ، فقال : إن عليا عليه‌السلام كان يقول : الحيتان والجراد ذكي ».

وفي خبر حماد بن عيسى المروي عن قرب الاسناد (١) « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يذكر عن أبيه عليه‌السلام قال : قال علي عليه‌السلام : إن الحيتان والجراد ذكي كله » إلا أنه يمكن إرادة الطاهر من الذكي منه هنا ، كمرسلة ابن المغيرة (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « الجراد ذكي حيه وميته ».

وعلى كل حال فلا ريب في ظهور النصوص المزبورة فيما صرح به غير واحد من الأصحاب بل لا أجد فيه خلافا بينهم من أن الكلام في تذكية الجراد كالكلام في السمك حتى في عدم اعتبار التسمية والاستقبال ، وأنه لا يشترط في أخذه الإسلام ، بل قيل لم يذكره المفيد هنا ، فلا خلاف ، إلا أنه مع كونه خلاف ما حكاه في كشف اللثام وغيره عنه يمكن أن يكون تركه اتكالا على ما ذكره في السمك بناء على اتحاد حكمها ، ولعله لذا احتاط فيه ابن زهرة كما احتاط هناك.

لكن في الرياض « في استفادة الاتحاد المزبور من النصوص إشكال ، لأنها غير صريحة في ذلك ، بل ولا ظاهرة ، نعم ربما يستأنس له بالنصوص المتقدمة الدالة على أن السمك والجراد ذكي كما في الصحيح (٣) والموثق (٤) وأنهما إذا خرجا من الماء فهما ذكيان ، كما في الخبر (٥) من حيث ذكره مع السمك وتعليق الحكم بالذكاة عليهما معا المشعر باتحادهما حكما ، مضافا

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٩.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٣.

١٧٦

إلى دلالة الأولين (١) منهما على حلهما بالذكاة النفسية لهما ، خرج منهما ما إذا ماتا حتف أنفهما بالإجماع فيهما والنصوص المتقدمة في السمك (٢) والرواية الأخيرة (٣) فيهما ، حيث اعتبرت في حلهما خروجهما ، والمراد به بحكم التبادر والغلبة كما مضى الخروج باليد وغيرها ، فيدل على اعتبار الأخذ هنا أيضا ».

وفيه ما لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه من النصوص المنجبر ما في بعضها ـ من الضعف والإرسال ـ بالعمل الظاهرة في الاتحاد في التذكية التي هي فيهما الأخذ والصيد ، فلا وجه للمناقشة المزبورة.

والمراد بما في الموثق (٤) المزبور خروج السمك من الماء لا هو والجراد الذي لم يتعارف في صيده أخذه من الماء ، والمعنى أن الجراد إذا صيد والسمك إذا صيد بأن أخرج من الماء كل منهما ذكي ، أي هذا تذكية له.

بل يمكن إرادة التذكية من لفظ « ذكي » في كثير من النصوص المزبورة (٥) ولو باعتبار كونها مساقة لذلك لا الطهارة ، والأمر سهل بعد وضوح المطلوب الذي هو كون الجراد كالسمك في التذكية التي هي فيهما أخذهما حيين أو صيدهما كذلك مع عدم موت الأول منهما في الماء.

( و ) حينئذ فـ ( لا يشترط في آخذه الإسلام ) كما سمعته في السمك ، نعم لا بد من العلم بتذكيته له بمشاهدة أو غيرها ، فلا يكفي

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٤. والباب ـ ٣٧ ـ منها ـ الحديث ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ و ٣٣ ـ من أبواب الذبائح.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٥ و ٦ و ٧ والباب ـ ٣٢ ـ منها ـ الحديث ٤ و ٦ والباب ـ ٣٧ ـ منها ـ الحديث ٣ و ٤ و ٨ و ٩.

١٧٧

قوله فضلا عن فعله ، لما عرفت.

( و ) حينئذ فـ ( لو مات ) الجراد ( قبل أخذه لم يحل ) بلا إشكال ولا خلاف كالسمك ، لعدم حصول تذكيته ( وكذا لو وقع في أجمة نار فأحرقتها وفيها جراد لم يحل وإن قصده المحرق ) لعدم صدق اسم الصيد والأخذ على ذلك قال عمار بن موسى (١) : « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن السمك يشوى وهو حي ، قال : نعم لا بأس به ، وسئل عن الجراد إذا كان في قراح فيحرق ذلك القراح فيحترق ذلك الجراد وينضج بتلك النار هل يؤكل؟ قال : لا ».

ولا ينافي ذلك خبره الآخر (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « سألته عن الجراد يشوى وهو حي ، قال : نعم لا بأس به ، وعن السمك يشوى وهو حي ، قال : نعم لا بأس به » المراد منه شواؤه بعد صيده ، نعم لو فرض إمكان كون النار آلة صيد للجراد بأن يؤججها ويصطاده بها حل حينئذ ، كالصيد بغيرها من الآلات على حسب ما سمعته في السمك المصاد بالشبكة والحظيرة وغيرهما ، والله العالم.

( ولا يحل الدبى ) بفتح الدال مقصورا ( حتى يستقل بالطيران ) ليكون صيدا حينئذ باعتبار امتناعه بطيرانه ( فلو أخذ قبل استقلاله لم يؤكل ) بلا خلاف أجده فيه ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه ، بل في كشف اللثام الاتفاق عليه.

وفي صحيح علي بن جعفر (٣) عن أخيه عليه‌السلام « سألته عن الدبى من الجراد ، قال : لا حتى يستقل بالطيران ».

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١ وفيه « سألته عن الدبى من الجراد أيؤكل؟ ... ».

١٧٨

وفي موثق عمار (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في الذي يشبه الجراد ـ وهو الذي يسمى بالدبى ليس له جناح يطير به إلا أنه يقفز قفزا ـ أيحل أكله؟ قال : لا يؤكل ذلك ، لأنه مسخ ، وعن المهرجل ، فقال : لا يؤكل ، لأنه مسخ ، ليس هو من الجراد ».

وظاهر عبارة المتن وغيره أن الدبى الصغير من الجراد قبل أن يستقل بالطيران ، وحكاه في كشف اللثام عن الصحاح والديوان والنهاية ، قال : « وهو يشمل ما إذا نبت له جناح صغير ، وهو المراد هنا ، كما نص عليه الفقهاء وسيظهر ، والمشهور عند اللغويين أنه الذي لم ينبت له جناح ، وفي النهاية الأثيرية : وقيل : هو نوع يشبه الجراد ، ويؤيده خبر عمار ـ السابق ـ وفي نظام الغريب أن الدبى من الجراد ، أول ما يظهر من بيضه ، وفوقه البرقان ، وهو أول ما يصفر ويظهر فيه خطوط ، وفوقه المسبح ، وهو ما يظهر فيه خطوط بيض وسود وصفر قبل ظهور حجم أجنحته ، وفوقه الكتفان ، وهو ما ظهر حجم أجنحته ، فإذا نظرت موضعها رأيته شاخصا ، وفوقه الغوغاء بالمد والقصر ، وهو أول ما تظهر أجنحته ، ويصير الأحمر إلى الغبرة ، ويستقل من الأرض ، ويموج بعضه في بعض ولا يتوجه جهة واحدة ». قلت : هو حرام على كل حال ، لما عرفت ، ولأنه من الحشرات.

بقي شي‌ء : وهو ما تعارف في زماننا من صيد الأطفال للسمك والجراد ، ولا إشكال في حله بصيدهم ، لما عرفت من عدم اعتبار البلوغ في التذكية الذبيحة فضلا عن هذه التذكية التي هي في الحقيقة من حيازة المباحات.

لكن يستفاد من عدم قبول خبر المجوسي وأنه لا بد من مشاهدته

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٧.

١٧٩

عدم الاعتبار أيضا بخبر الضبي ، فحينئذ يحرم أكل ما في يده من الجراد والسمك وإن أخبر بصيده له على الوجه الشرعي ، لعدم الدليل على قبول خبره ، إلا أن يدعى سيرة تقتضي إلحاقه بالمسلم في ذلك ، كما ألحقته به في التذكية الذبيحة ، وقد مضى بعض الكلام في ذلك.

هذا وقد يستفاد من توسعة الأمر في تذكية السمك والجراد صحة وقوعها من المجنون ، بناء على صحة الحيازة منه ، لأنها نوع منها ، فيصدق على إثبات يده أنه أخذ وصيد ، اللهم إلا أن يقال : إنه لا عبرة بقصده ، وفيه تأمل ، والله العالم.

المسألة ( التاسعة )

قال رسول الله ذكاة الجنين ذكاة أمه (١) بل روي ذلك أيضا مستفيضا حد الاستفاضة إن لم يكن متواترا عن عترته ( صلوات الله عليهم ).

ففي صحيح يعقوب بن شعيب (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحوار تذكى أمه أيؤكل بذكاتها؟ فقال : إذا كان تماما ونبت عليه الشعر فكل ».

وفي موثق سماعة (٣) « سألته عن الشاة يذبحها وفي بطنها ولد قد أشعر ، قال : ذكاته ذكاة أمه ».

وفي صحيح ابن مسلم (٤) « سألت أحدهما عليهما‌السلام عن

_________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢ وسنن البيهقي ـ ج ٩ ص ٣٣٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٣.

١٨٠