جواهر الكلام - ج ٣٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

المقنعة والمقنع والمراسم الحرمة ، للنهي في صحيحي الحلبي (١) وابن مسلم (٢) المتقدمين في التسمية الدال على الحرمة ، وصحيح الحلبي الآخر (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « أنه سئل عن رجل ذبح طيرا فقطع رأسه أيؤكل منه؟ قال : نعم ، ولكن لا يتعمد قطع رأسه » ومفهوم الموثق (٤) « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام وسئل عن الرجل يذبح فتسرع السكين فتبين الرأس ، فقال : الذكاة الوحية لا بأس بأكله ما لم يتعمد ذلك » المحمول على الحرمة ولو بقرينة النهي السابق ، وكذا خبر الحسين ابن علوان (٥) المروي عن قرب الاسناد عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام « أنه كان يقول : إذا أسرعت السكين في الذبيحة فقطعت الرأس فلا بأس بأكلها ».

وعن الشيخ في الخلاف وابن إدريس والفاضل في جملة من كتبه وكثير الكراهة ، بل عن بعض نفي الخلاف فيه بين المحصلين ، بل عن الشيخ في الخلاف دعوى إجماع الصحابة عليه ، ولعله لذا قال المصنف : ( أظهره الكراهية ) حملا للنهي المزبور عليه ولو بشهادة ما عرفت فضلا عن البأس في المفهوم السابق الذي هو في الأكل الذي ستسمع القول بحله من بعض من قال بحرمة الإبانة ، على أن الصحيحين الأولين لم يعلم النهي فيهما ، إذ من المحتمل كون « لا » فيهما للنفي على أن يكون مدخولها معطوفا على قوله : « يحسن » وحينئذ فغايتهما ثبوت البأس الذي هو أعم من الحرمة في خصوص صورة ترك التسمية وإن كان لا قائل بالفرق بينها وبين غيرها.

ودعوى إرادة الحرمة منه هنا ـ بشهادة السياق الذي مقتضاه السؤال

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٦.

١٢١

عنها وباقترانه بالانخاع الذي هو للحرمة ـ يدفعها منع الحرمة في الثاني أيضا ، كما تسمعه إنشاء الله ، وأن مقتضى السياق المزبور حينئذ حرمة الأكل التي لا يقول بها كثير منهم ، بل عن بعضهم نفي الخلاف في الحل ، فانحصر النهي حينئذ في صحيح الحلبي الآخر خاصة ، وهو مع غلبة استعماله فيها يمكن إرادتها منه هنا ولو بمعونة ما عرفت ، فيقصر عن معارضة الأصل ، خصوصا بعد إمكان دعوى أن الكراهة تلوح منه ولو من جهة الاستدراك فيه ، واحتمل كونه كالموثق المزبور الذي قد عرفت إرادة الكراهة من البأس فيه ، وك خبر علي بن جعفر المروي عن كتابه (١) عن أخيه عليه‌السلام « سألته عن الرجل ذبح فقطع الرأس قبل أن تبرد الذبيحة كان ذلك منه خطأ أو سبقه السكين أيؤكل ذلك؟ قال : نعم ولكن لا يعود » بل لعل جمعه مع السلخ في النبوي الآتي (٢) المحمول على الكراهة مشعر بذلك.

وعلى كل حال فالظاهر عدم حرمة الذبيحة بذلك ، كما صرح به كثير ، ومنهم جملة من القائلين بالحرمة ، بل عن بعض نفي الخلاف فيه ، لإطلاق الأدلة كتابا (٣) وسنة (٤) بل ظاهر النصوص المزبورة (٥) أنها ذكاة وحية أي سريعة ، بل لو جعل « السكين » مفعولا في خبر الحسين ابن علوان المتقدم كان كالصريح في حل الأكل حينئذ ، وكذا صحيح الطير (٦).

خلافا للمحكي عن صريح النهاية وابن زهرة وظاهر ابن حمزة

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٧.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١.

(٣) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الذبائح.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الذبائح.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٥.

١٢٢

والإسكافي والقاضي ، تمسكا بدعوى أن الذبح المشروع هو المشتمل على قطع الأربعة خاصة ، فالزائد عليها يخرج عن كونه ذبحا شرعيا ، فلا يكون مبيحا ، وجرى مجرى ما لو قطع عضوا من أعضائه فمات ، وهي كما ترى مجرد دعوى لا دليل عليها ، بل مقتضاها حرمة الزيادة وإن لم تكن إبانة ، ولا أظن أحدا يقول بذلك ، فلا يقطع بمثلها إطلاق الأدلة كتابا وسنة فضلا عن خصوصها من صحيح الطير وغيره.

ومن الغريب دعوى ابن زهرة الإجماع على ذلك ، مع أنه لم يحك عن أحد التصريح بذلك إلا عن النهاية ، ولم أتحققه أيضا ، ومن هنا يقوى إرادة حاكيه شيئا آخر كما احتمله في الرياض ، نعم لا بأس بالقول بالكراهة حملا للبأس في الأكل مع العمد المفهوم من بعض النصوص السابقة عليها.

كل ذلك مع التعمد ، أما مع الغفلة أو سبق السكين ونحوهما فلا حرمة ولا كراهة ، لا في الإبانة ولا في الأكل بلا خلاف ولا إشكال ، لإطلاق الأدلة وخصوصها قال محمد بن مسلم (١) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن مسلم ذبح وسمى فسبقته حديدته فأبان الرأس. فقال : إن خرج الدم فكل » وقال سماعة (٢) : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام سئل عن الرجل يذبح فتسرع السكين فتبين الرأس ، فقال : لا بأس به إذا سال الدم » والله العالم.

( وكذا ) يكره ( سلخ الذبيحة قبل بردها أو قطع شي‌ء منها ) وفاقا للأكثر بل المشهور ، لمرفوع محمد بن يحيى (٣) « الشاة إذا ذبحت وسلخت أو سلخ شي‌ء منها قبل أن تموت فليس يحل أكلها » المحمول عليها بعد

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١.

١٢٣

قصوره عن إثبات الحرمة كالمرسل عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) « إنه نهى أن تسلخ الذبيحة أو تقطع رأسها حتى تموت ».

خلافا للمحكي عن الشيخ في النهاية وبني زهرة وحمزة والبراج من حرمة الأكل به ، بل عن ابن زهرة منهم دعوى الإجماع عليه ، لظاهر الخبر المزبور الذي قد عرفت قصوره عن ذلك.

ومن الغريب ما عن الشهيد من أن المفهوم في صناعة اصطلاح أرباب الحديث أن قوله : « رفعه » بمعنى « أسنده » فلا يكون مرسلا ، إذ هو كما ترى مع تسليمه لا يلزم من إسناده على هذا الوجه خروجه عن الإرسال بجهل الواسطة ، والإجماع المزبور متبين عدمه.

ومن ذلك كله يظهر لك ضعف القول المحكي عنه من حرمة ذلك ، للخبر المزبور ، ولانه نوع تعذيب للحيوان المنهي عنه وإن حل الأكل ، لإطلاق الأدلة ، بل قد يقال : لا دلالة في الخبر المزبور على النهي عن أصل الفعل ، بل أقصاه عدم حل الأكل ، وهو أعم من حرمة الفعل ، بل وكراهته ، ولا دليل على كون ذلك من التعذيب المنهي عنه ، بل هو من إراقة الدماء المأذون فيها (٢) ومن هنا كان دليل كراهة السلخ المزبور النبوي (٣) المذكور كما أن دليل كراهة الأكل الخبر (٤) المسطور.

لكن يبقى دليل كراهة قطع شي‌ء منها ، ولعله لأنه إيلام للحيوان وللنبوي (٥) « إن الله كتب الإحسان على كل شي‌ء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح ، وليحد أحدكم شفرته ، وليرح ذبيحته »

_________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١.

(٥) سنن البيهقي ـ ج ٩ ص ٢٨٠.

١٢٤

وللخروج عن شبهة الخلاف ، فإن المحكي عن المبسوط أنه قال : « لا يجوز تقطيع لحمها قبل أن تموت ، فان خولف وقطع قبل أن تخرج الروح لا يحل عندنا » وعن الكافي « أن ما قطع منها قبل البرد ميتة » وكأنه جعله قطعة مبانة من حي ، وإن كان فيه منع واضح ، ضرورة كونه بعد التذكية ، فلا تشمله تلك النصوص الظاهرة في غيره ، ومن الغريب ما في كشف اللثام من أنه يتجه التحريم للتعذيب وإن حل الأكل ، إذ قد عرفت صعوبة دليل الكراهة فضلا عن التحريم ، والله العالم.

( ولو انفلت الطير ) منه ( جاز أن يرميه بنشاب أو سيف أو رمح ) أو نحو ذلك مما سمعته من آلة الصيد ، لصيرورته ممتنعا ، فيجري عليه حكم الحيوان الممتنع ، مضافا إلى ما تسمعه من خبر حمران (١) فيه بالخصوص ، وحينئذ ( فإن سقط وأدرك ذكاته ذبحه وإلا كان حلالا ) كالحيوان الممتنع بالأصالة ، بل وكذا الكلام في غير الطير من الحيوان إذا توحش ، كما تقدم الكلام فيه مفصلا ، والله العالم.

الشرط ( الرابع الحركة ) الدالة على الحياة أو استقرارها ( بعد الذبح ) أو النحر ( كافية في ) صحة ( الذكاة ) بل عن الصدوق اعتبارها خاصة دون الدم المعتدل ، واختاره الفاضل في المختلف.

( وقال بعض (الأصحاب خ) ) وهو المفيد والإسكافي والقاضي والديلمي والحلبي وسلار وابن زهرة ( لا بد مع ذلك من خروج الدم ) المعتدل ، بل عن الأخير دعوى الإجماع عليه.

( وقيل ) والقائل الشيخ في محكي النهاية وأكثر المتأخرين : ( يجزئ أحدهما ) وربما حكي قول رابع ، وهو اعتبار خروج الدم المعتدل خاصة ، ونسب إلى الشهيد في الدروس ، وهو وهم قطعا ، قال

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢.

١٢٥

فيها : « ولو اشتبه اعتبر بالحركة وخروج الدم ، وظاهر الأخبار والقدماء أن خروج الدم والحركة أو أحدهما كاف ولو لم يكن فيه حياة مستقرة » إلى آخر كلامه الذي هو كأوله صريح في خلاف النسبة المزبورة. نعم ظاهره أولا اعتبارهما معا ، وربما يشعر آخر كلامه بالاكتفاء بالحركة.

وعلى كل حال فالأصل في هذا الاختلاف اختلاف النصوص ، ففي صحيح الحلبي (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن الذبيحة ، قال : إذا تحرك الذنب أو الطرف أو الاذن فهو ذكي ».

وخبر رفاعة (٢) عنه عليه‌السلام أيضا أنه قال : « في الشاة إذا طرفت عينها أو حركت ذنبها فهي ذكية ».

وصحيح زرارة (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام « كل كل شي‌ء من الحيوان غير الخنزير والنطيحة وما أكل السبع ، وهو قول الله عز وجل : ( إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ ) (٤) فإن أدركت شيئا منها وعين تطرف أو قائمة تركض أو ذنب يمصع فقد أدركت ذكاته فكله ».

وفي مرسل العياشي (٥) عنه عليه‌السلام أيضا في قول الله : ( والْمُنْخَنِقَةُ ) (٦) قال : « التي يخنق في رباطها ، والموقوذة التي لا تجد ألم الذبح ، ولا تضطرب ولا يخرج لها دم » إلى آخره.

وخبر أبان بن تغلب (٧) عنه عليه‌السلام أيضا « إذا شككت في حياة شاة فرأيتها تطرف عينها أو تحرك أذنيها أو تمصع بذنبها فاذبحها فإنها لك حلال ».

وخبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله (٨) عنه عليه‌السلام « في

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١.

(٤) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢.

(٦) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٣.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٥.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٦.

١٢٦

كتاب علي عليه‌السلام إذا طرفت العين أو ركضت الرجل أو تحرك الذنب فكل منه ، فقد أدركت ذكاته » ونحوه خبر عبد الله بن سليمان (١) عنه عليه‌السلام أيضا ، إلا أنه قال : « وأدركته فذكه ».

وصحيح أبي بصير المرادي (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الشاة تذبح فلا تتحرك ، ويهرق منها دم كثير عبيط ، فقال : لا تأكل ، إن عليا عليه‌السلام كان يقول : إذا ركضت الرجل أو طرفت العين فكل ».

وخبر الحسين بن مسلم (٣) قال : « كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام إذ جاء محمد بن عبد السلام ، فقال له : جعلت فداك يقول لك جدي : إن رجلا ضرب بقرة بفأس فسقطت ثم ذبحها ، فلم يرسل معه بالجواب ، ودعا سعيدة مولاة أم فروة ، فقال لها : إن محمدا جاءني برسالة منك ، فكرهت أن أرسل إليك بالجواب معه ، فان كان الرجل الذي ذبح البقرة حين ذبح خرج الدم معتدلا فكلوا وأطعموا ، وإن كان خرج خروجا متثاقلا فلا تقربوه » ونحوه خبر بكر بن محمد (٤) عنه عليه‌السلام أيضا إلا أنه قال : « بفأس من مذبحها ، فوقذها ثم ذبحها ».

وصحيح الشحام (٥) المتقدم سابقا عنه عليه‌السلام أيضا « في التذكية بغير الحديد ـ إلى أن قال ـ إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس ».

وخبر ليث المرادي (٦) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٤.

١٢٧

الصقورة والبزاة وعن صيدهما ، فقال : كل ما لم يقتلن إذا أدركت ذكاته ، وآخر الذكاة إذا كانت العين تطرف والرجل تركض والذنب يتحرك ».

وخبري محمد بن مسلم (١) وسماعة (٢) المتقدمين سابقا في مسألة إبانة الرأس ففي الأول منهما « إن خرج الدم فكل » وفي الثاني « لا بأس به إذا سال الدم ».

إلا أنهما في مساق بيان عدم ضرر الإبانة ، لا في تعرف حياة الحيوان ، كما أن صحيح الشحام في بيان حل التذكية بغير الحديد إذا كان صالحا لإخراج الدم بقطع أعضاء الذبيحة ، لا في تعرف حياة الحيوان وعدمها.

وعلى كل حال فصحيح أبي بصير السابق صريح أو كالصريح في الدلالة على كون الحركة بعد الذبح ، كما عليه الأصحاب كافة على ما في المسالك والرياض ، بل فيه عن الغنية إجماع الإمامية عليه ، ومنه يعلم المراد من غيره من النصوص التي فيها نوع إجمال بالنسبة إلى ذلك.

نعم في بعض الأخبار السابقة كخبر أبان بن تغلب بل وخبري عبد الرحمن وعبد الله بن سليمان بل وخبر ليث ظهور باعتبار الحركة قبل التذكية ، لكن في الرياض أنها مشتركة في قصور السند ، محتملة للتأويل بما يرجع إلى الأول بنوع من التوجيه وإن بعد في خبر أبان دون غيره خصوصا الخبرين المتضمنين قول علي عليه‌السلام الذي هو مختص بالحركة بعد الذبح ، كما نصت عليه الصحيحة السابقة المتضمنة للنقل عنه عليه‌السلام الكاشف عن كون المراد منه حيث يذكى.

وفي كشف اللثام « إن خبر أبان لا يدل على الاجتزاء بما كان من الحركة قبل الذبح ، وهو ظاهر ، ولعله لأنه ليس فيه إلا الاذن بذبحها

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٤.

١٢٨

في تلك الحال ، وهي لا تنافي اعتبار الحركة بعد الذبح في حل أكلها.

وعلى كل حال فالظاهر اعتبارهما بعد الذبح ، ليعلم منهما كون المذبوح قد تم ذبحه وهو حي ، بخلاف المتحرك قبل التذكية ، فإنه لا دلالة فيها على وقوع تمام التذكية حال حياته ، والاستصحاب مع أنه قاصر عن إثبات ذلك ظاهر الأدلة عدم اعتباره هنا وإلا لاكتفى به وإن لم تحصل حركة قبل ولا بعد.

بل قد يستفاد منها عدم الاكتفاء بالحركة المقارنة للذبح على وجه يكون منتهاها بمنتهى الذبح ، فإن أقصاها مقارنة إزهاق روحه لتمام الذبح وقد يتوقف في الحل بذلك ، بل ستسمع التصريح من ثاني الشهيدين باعتبار تأخر الحياة عن الذبح ولو قليلا ، بل لعله ظاهر غيره أيضا وإن كان إطلاق الأدلة يقتضي خلافه ، ولكن لا ريب في أنه الأحوط ، خصوصا مع احتمال التعبد في النصوص كما ستعرف.

نعم لو فرض العلم بكونه حيا إلى ما بعد تمام الذبح ولم تحصل منه حركة ولا خرج منه دم اتجه الحل وإن كان تحقق هذا الفرض غير معلوم ، والأمر في ذلك كله سهل.

إنما الكلام في الترجيح بين الأقوال المزبورة ، ولا ريب في رجحان قول الصدوق من حيث النظر إلى النصوص ، ضرورة استفاضة نصوص الحركة (١) وصراحتها ، بخلاف نصوص الدم (٢) التي ليس شي‌ء منها فيما نحن فيه من الحيوان المشتبه إلا خبر البقرة (٣) الذي هو مع قصور سنده

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الذبائح.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٣ والباب ـ ٩ ـ منها ـ الحديث ٢ و ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢.

١٢٩

غير صريح ، بل قيل ولا ظاهر ، لاحتماله الحمل على حصول الحركة بعد التذكية ، سيما مع كونه من الأفراد الغالبة للذبيحة المشتبه حالها الخارج دمها معتدلا بعد التذكية ، بخلاف الذبيحة المشتبهة المتحركة بعدها حركة ما جزئية ، فإنه غير معلوم خروج الدم منها معتدلا. على أنه معارض بالصحيح (١) الصريح في عدم كفاية خروج الدم ، وحمله على كون الدم متثاقلا خلاف ظاهره ، لكنه مرجوح من حيث الفتوى ، إذ لم نعرفه إلا للصدوق ، ووافقه عليه بعد مضي جملة من الأزمنة الفاضل في المختلف.

ومنه يعلم أن الصحيح المزبور معرض عنه ، ضرورة ظهوره في أن المعتبر الحركة لا الدم ولا هما معا ، وقد عرفت أن من عدا الصدوق والفاضل في المختلف على اعتبار الدم في الجملة ، وبذلك يرجح خبر البقرة (٢) عليه ، بل ربما كان فيه إشعار بمخالفة العامة ، وأن ذلك علامة خفية غير الحركة التي هي علامة مشهورة ، وحيث ظهر من النصوص أن كلا منهما علامة لم يحتج إلى الجمع بينهما ، بل كان كل منهما علامة على ذلك ، خصوصا بعد خلو النصوص أجمع عن الإشارة إلى كون مجموعهما علامة ، بل ظاهرها خلافه ، بل لو كان كذلك كان من تأخير البيان عن وقت الحاجة ، بل ربما كان في النصوص ما يشير إلى عدمه بالخصوص ، كمرسل العياشي (٣) المتقدم في تفسير الموقوذة التي اعتبر فيها عدم الحركة وعدم خروج الدم ، إذ لو كان مجموعهما العلامة لم يكن عدمهما معا العلامة ، بل كفى عدم واحد منهما.

ومن الغريب ما في الرياض من دعوى الجمع بين النصوص بإجماع

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢.

١٣٠

الغنية على اعتبارهما معا الموهون بمصير بعض القدماء وأكثر المتأخرين إلى خلافه.

وأغرب منه تأييد ذلك بأصل الحرمة الذي يكفي في قطعه بعض ما عرفت ، فضلا عن النصوص المستفيضة (١) في الحركة التي هي لا إشكال في دلالتها على كون الحيوان حيا ، إذ الفرض أنها حركة حي ، فيشمله حينئذ كل ما دل على حلية الحيوان الحي المذكى ، فعدم الاكتفاء بها مما لا وجه له ، كما أنه لا وجه لعدم اعتبار الدم المعتدل ، خصوصا بناء على الاكتفاء بمقارنة الازهاق للذبح من غير اعتبار لتأخر الحياة ، فإنه يمكن حينئذ تعرفه بالدم خاصة الذي لا يخرج عادة من الميت قبل الذبح.

وبذلك كله ظهر أن ما عليه المتأخرون أقوى ، وإليه أشار المصنف بقوله ( وهو أشبه ) بأصول المذهب وقواعده التي منها الجمع بين النصوص في مثل المقام الذي هو في بيان تعرف كون الحيوان حيا بالاكتفاء بأحدهما لا بمجموعهما الذي لا إشارة في شي‌ء من النصوص اليه ، بل فيها ما يدل على خلافه ( و ) لكن مع ذلك كله فلا ريب في أنه أحوط.

نعم ( لا يجزئ خروج الدم متثاقلا إذا انفرد عن الحركة الدالة على الحياة ) قطعا ، لعدم ما يدل على كونه علامة ، بل الصحيح المزبور دال على عدمه ، كالمفهوم في خبر البقرة (٢) والله العالم.

( و ) كيف كان فقد ذكر المصنف وجماعة أنه ( يستحب في ذبح الغنم أن يربط يداه ورجل واحدة ويطلق الأخرى ويمسك صوفه أو

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الذبائح.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢.

١٣١

شعره حتى يبرد ) لكن لم يحضرنا الآن كما اعترف به في كشف اللثام وغيره سوى خبر حمران بن أعين (١) عن الصادق عليه‌السلام « سألته عن الذبح ، فقال : إذا ذبحت فأرسل ولا تكتف ، ولا تقلب السكين لتدخلها تحت الحلقوم وتقطعه إلى فوق ، والإرسال للطير خاصة ، فإن تردى في جب أو وهدة من الأرض فلا تأكله ولا تطعمه ، فإنك لا تدري التردي قتله أو الذبح ، وإن كان شي‌ء من الغنم فأمسك صوفه أو شعره ، ولا تمسكن يدا ولا رجلا ، فأما البقر فأعقلهما وأطلق الذنب ، وأما البعير فشد أخفافه إلى آباطه وأطلق رجليه ، وأن أفلتك شي‌ء من الطير وأنت تريد ذبحه أو ند عليك فارمه بسهمك ، فإذا هو سقط فذكه بمنزلة الصيد ».

نعم في المسالك بعد أن ذكر أن مستند الحكم روايات : منها حسنة حمران إلى آخرها قال : « والمراد بقوله عليه‌السلام : « ولا تمسك » إلى آخره أنه يربط يديه وإحدى رجليه من غير أن يمسكهما بيده » وهو حسن لو كان هناك دليل على الربط المزبور.

( و ) على كل حال يستفاد منه ما ذكره هو وغيره من أنه يستحب ( في ) ذبح ( البقر ) أن ( يعقل يداه ورجلاه ويطلق ذنبه ) بل ( و ) ما ذكره ( في الإبل ) من أنه يستحب أن ( يربط أخفافه إلى آباطه وتطلق رجلاه ) على معنى جمع خفي يديه وربطهما مما بين الخفين إلى الإبطين ، وفي صحيح ابن سنان (٢) « يربط يديها ما بين الخف إلى الركبة ».

بل في المسالك « ليس المراد في الأول ـ أي حسن حمران ـ أنه

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١ من كتاب الحج.

١٣٢

يعقل خفي يديه معا إلى آباطه ، لأنه لا يستطيع القيام حينئذ ، والمستحب في الإبل أن تكون قائمة » وإن كان فيه أنه خلاف ظاهر الأخفاف فيه واليدين في الصحيح ، نعم روي (١) « أنه رئي الصادق عليه‌السلام أنه ينحر بدنه معقولة يدها اليسرى » وفي كشف اللثام « عن بعض الكتب (٢) « أنه سئل كيف ينحر؟ فقال : يقام قائما حيال القبلة ، وتعقل يده الواحدة ، ويقوم الذي ينحره حيال القبلة ، فيضرب في لبته بالشفرة حتى يقطع ويفري ، » وكذلك روت العامة (٣) « أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه كانوا ينحرون البدن معقولة اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها » والأمر سهل بعد كون الحكم مستحبا ، لقصور ما سمعت عن إثبات الوجوب ، فحينئذ لا بأس بالحكم باستحباب كل من الكيفيات المزبورة.

( و ) كذا يستفاد من خبر حمران أيضا ما ذكره هو وغيره من أنه يستحب ( في الطير أن يرسل بعد الذباحة ) بل سمعت قوله عليه‌السلام فيه : « الإرسال للطير خاصة » إلى غير ذلك من الوظائف التي ذكر في المسالك جملة منها ناسبا لها إلى النص ، وهي تحديد الشفرة وسرعة القطع ، وأن لا يري الشفرة للحيوان ، وأن يستقبل الذابح القبلة ، ولا يحركه من مكان إلى آخر ، بل يتركه إلى أن تفارقه الروح ، وأن يساق إلى الذبح برفق ، ويضجع برفق ، ويعرض عليه الماء قبل الذبح ، ويمر السكين بقوة وتحامل ذهابا وعودا ، ويجد في الإسراع ، فيكون أرخى وأسهل.

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٣ من كتاب الحج.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٥.

(٣) سنن البيهقي ـ ج ٥ ص ٢٣٧.

١٣٣

وفي النبوي (١) « أن الله تعالى شأنه كتب عليكم الإحسان في كل شي‌ء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ، وليحد أحدكم شفرته ، وليرح ذبيحته ».

وفي آخر (٢) « أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر أن تحد الشفار وأن توارى عن البهائم ، وقال : إذا ذبح أحدكم فليجهز ».

وقد تقدم في كتاب الحج (٣) من النصوص ما يستفاد منه وظائف أخر ، خصوصا نصوص الأضحية (٤) التي وقتها لمن كان بمنى أربعة أيام أولها يوم النحر ، وفي الأمصار ثلاثة أيام.

( و ) على كل حال فأول ( وقت ذبح ) ها أي ( الأضحية ما بين طلوع الشمس إلى غروبها ) من كل يوم ، فلا تدخل الليالي حينئذ ، أو إلى غروبها من آخر أيام التشريق ، فتدخل حينئذ ، وعن التحرير التردد في ذلك ، كما تردد غيره أيضا في ابتداء الوقت أنه من طلوع الشمس أو بعد مضي مقدار صلاة العيد والخطبتين ، وإن جزم هنا في المسالك بدخول الليالي ، وكون الوقت بعد مضي مقدار الصلاة والخطبتين ، وتحقيق الحال في كتاب الحج (٥).

( وتكره الذباحة ليلا إلا مع الضرورة ) لنهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن ذلك ، ولقول الصادق عليه‌السلام في خبر أبان (٦) « كان علي بن الحسين عليهما‌السلام يأمر غلمانه أن لا يذبحوا حتى يطلع

_________________

(١) سنن البيهقي ـ ج ٩ ص ٢٨٠.

(٢) سنن البيهقي ـ ج ٩ ص ٢٨٠.

(٣) راجع ج ١٩ ص ١٥٥ إلى ١٥٧ و ٢٢٣ إلى ٢٢٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الذبح من كتاب الحج.

(٥) راجع ج ١٩ ص ٢٢٥.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١.

١٣٤

الفجر » و « يقول إن الله جعل الليل سكنا ، قلت : جعلت فداك فان خفنا ، قال : إن كنت تخاف الموت فاذبح » (١) ومنه بل وخبر الحلبي (٢) الآتي يستفاد استثناء الضرورة بعد أن جعل خوف الموت مثالا لها.

( و ) كذا يكره ( بالنهار يوم الجمعة إلى الزوال ) لقول الصادق عليه‌السلام في خبر الحلبي (٣) « كان يكره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الذبح وإراقة الدماء يوم الجمعة قبل الصلاة إلا لضرورة ».

( و ) كذا يكره ( أن تنخع الذبيحة ) بمعنى إصابة نخاعها حين الذبح ، وهو الخيط الأبيض وسط الفقار ممتدا من الرقبة إلى عجز الذنب ، وفي كشف اللثام « أنه اختلف فيه ـ أى الانخاع ـ كلام اللغويين ، وهو يشمل إبانة الرأس ، وفي النهاية والوسيلة والسرائر أنه هي » وعلى كل حال فقد عرفت سابقا قوة القول بكراهة الإبانة التي إن لم تكن انخاعا فلا ريب في استلزامها الانخاع بمعنييه.

ومنه يعلم الوجه في النهي عنه في صحيحي محمد بن مسلم (٤) عن الباقر عليه‌السلام « استقبل بذبيحتك القبلة ، ولا تنخعها حتى تموت » والحلبي (٥) عن الصادق عليه‌السلام « لا تنخع الذبيحة حتى تموت ، وان ماتت فانخعها » مضافا إلى ما عن المبسوط من نفي الخلاف عن كراهة النخع بمعنى البلوغ إلى النخاع ، بل وإلى ما عساه يظهر من سوق بعض النصوص السابقة (٦) ، ولعله لذا صرح المصنف في النافع بالكراهة فيها

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٤.

١٣٥

مع ميلة إلى الحرمة في الإبانة.

( و ) كذا يكره ( أن تقلب السكين فيذبح إلى فوق ) لقول الصادق عليه‌السلام في خبر حمران (١) المحمول عليها ، لقصوره عن إفادة الحرمة : « ولا تقلب السكين لتدخلها تحت الحلقوم وتقطعه إلى فوق ».

و ( قيل ) والقائل بعض القدماء ( فيهما يحرم ) بل في الرياض خيرته في الأول منهما ( و ) لا ريب أن ( الأول أشبه ) بأصول المذهب وقواعده التي منها أصل البراءة ، وإطلاق الإذن بالذبح (٢) وغير ذلك مما تقدم سابقا في الإبانة التي هي انخاع وزيادة ، ونفي الخلاف السابق ، وظهور السوق بعض النصوص (٣) ولا معارض لذلك سوى ظاهر النهي (٤) المتعارف إرادة الكراهة منه ، فيكفي فيه أدنى قرينة.

ومن الغريب ما في الرياض من استدلاله على الحرمة بظاهر النهي في الصحيحين (٥) قال : « مضافا إلى النهي المتقدم في الصحيح (٦) عن الإبانة ، وهو يستلزم النخع » وفيه أن استلزامه للنخع لا يقتضي حرمته لو اقتصر عليه ، نعم كراهة الإبانة كما عرفت تستلزم كراهة الانخاع ، كما هو واضح.

وأغرب من ذلك دعوى الحرمة في الثاني الذي قد عرفت ضعف

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ و ٢ و ٣ ـ وغيرها من أبواب الذبائح.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢.

١٣٦

الخبر (١) المتضمن للنهي عنه ، ولذا حمله المتأخرون كافة على الكراهة ، بل لعله مراد من عبر بالنهي من القدماء.

وأغرب من ذلك ما عن الغنية من حرمة الذبيحة به أيضا مدعيا عليه إجماع الطائفة ، مع أنا لم نعثر على موافق له على ذلك ، وليس في الخبر المزبور إلا النهي عنه ، وهو أعم من ذلك.

ومنه يعلم القول بها في الأول على القول بحرمته ، اللهم إلا أن يدعى أن ذلك من كيفية الذبح ، فتخرج بمخالفتها عن الذبح الشرعي ، لكنها كما ترى ، وكذا غيرها من التعسفات التي لا يخرج بها عن إطلاق ما دل (٢) على حصول التذكية بقطع الأوداج الأربعة فضلا عما عرفت ، والله العالم.

( و ) كذا يكره ( أن يذبح حيوان وآخر ينظر إليه ) لقول أمير المؤمنين عليه‌السلام في خبر غياث بن إبراهيم (٣) القاصر عن إثبات الحرمة : « لا تذبح الشاة عند الشاة ولا الجزور عند الجزور وهو ينظر إليه » ولعله المحكي عنه عليه‌السلام من أنه « كان لا يذبح الشاة عند الشاة ، ولا الجزور عند الجزور وهو ينظر إليه » ومن هنا حملهما المتأخرون على الكراهة ، بل لا دلالة فيهما على غير المجانس ، إلا أن أمر الكراهة مما يتسامح فيه ، فما عن ظاهر النهاية من الحرمة واضح الضعف ، ولعله لا يريدها ، نعم في كشف اللثام « إلا أن يدخل ذلك في تعذيب الناظر ، فيتجه التحريم ، وليس ببعيد » وفيه أنه في كمال البعد.

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١.

١٣٧

وكذا يكره أن يذبح بيده ما رباه من النعم للنهي عنه في الخبر (١) المحمول على الكراهة ، لقصور السند ، ولأنه ربما يورث قساوة القلب ، إلى غير ذلك من الوظائف المستفادة من بعض النصوص السابقة وغيرها ، كما أرسله في المسالك على ما سمعته سابقا ، والله العالم.

( وأما اللواحق فمسائل : )

( الأولى : )

( ما يباع في أسواق المسلمين من الذبائح واللحوم ) والجلود ( يجوز شراؤه ، ولا يلزم الفحص عن حاله ) أنه جامع لشرائط الحل أو لا ، بل لا يستحب ، بل لعله مكروه ، للنهي عنه في حسن الفضلاء (٢) « سألوا أبا جعفر عليه‌السلام عن شراء اللحم من الأسواق ولا يدرون ما صنع القصابون ، قال : كل إذا كان ذلك في أسواق المسلمين ، ولا تسأل عنه » وإن كان هو في مقام رفع توهم الوجوب ، نحو صحيح أحمد ابن أبي نصر (٣) عن الرضا عليه‌السلام سأله « عن الخفاف يأتي السوق فيشتري الخف لا يدري أذكي هو أم لا ما تقول في الصلاة فيه وهو لا يدري أيصلى فيه؟ قال : نعم ، إنا نشتري الخف من السوق ويصنع لي وأصلي فيه ، وليس عليكم المسألة » وصحيحه الآخر (٤) أيضا

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٦ من كتاب الطهارة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٣ من كتاب الطهارة.

١٣٨

« سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبة فرو لا يدري أذكية هي أم غير ذكية أيصلي فيها؟ قال : نعم ، ليس عليكم المسألة ، إن أبا جعفر عليه‌السلام كان يقول : إن الخوارج ضيقوا على أنفسهم فضيق الله عليهم ».

قلت : وظاهرها عدم الفرق بين ( في ظ ل ) ما يأخذ من السوق بين معلوم الإسلام ومجهوله وبين مستحل ذبائح أهل الكتاب من المسلمين وغيره ، فما عن التحرير من اعتبار كون المسلم ممن لا يستحل ذبائح أهل الكتاب واضح الضعف ، خصوصا بعد اشتهار الجواز بين المخالفين الذي كان في ذلك الزمان لا يعرف سوق إلا لهم ، ومورد النصوص الأخذ منهم ، هذا وقد تقدم في لباس المصلي (١) تفصيل الكلام في ذلك بما لا مزيد عليه.

بل مما ذكرناه هناك من خبر السفرة (٢) وغيرها يستفاد الحكم في الجلد المطروح واللحم كذلك في أرض المسلمين وإن لم يكن سوقهم.

وفي المسالك هنا « واعلم أنه ليس في كلام الأصحاب ما يعرف به سوق الإسلام من غيره ، فكان الرجوع فيه إلى العرف ، وفي موثق إسحاق (٣) عن الصادق عليه‌السلام إنه قال : « لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني وفيما صنع في أرض الإسلام ، قلت له : وإن كان فيها غير أهل الإسلام ، قال : إذا كان الغالب عليها المسلمون فلا بأس » ـ ثم قال ـ : وعلى هذا ينبغي أن يكون العمل ، وهو غير مناف للعرف

_________________

(١) راجع ج ٨ ص ٥٣ ـ ٦٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١١ من كتاب الطهارة ،.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٥ من كتاب الطهارة ، عن العبد الصالح عليه‌السلام كما في التهذيب ج ٢ ص ٣٦٨ وفي المسالك عن الكاظم عليه‌السلام.

١٣٩

أيضا ، فيتميز سوق الإسلام بأغلبية المسلمين فيه ، سواء كان حاكمهم مسلما أو لا ، وحكمهم نافذا أم لا ، عملا بالعموم ».

وفيه أنه قد لا يساعد العرف على بعض الأفراد ، ولكن دعوى عدم اعتبار السوق أولى ، فلاحظ ما تقدم منا في لباس المصلي (١) وتأمل ، والله العالم.

المسألة ( الثانية : )

( كل ما يتعذر ذبحه أو نحره من الحيوان إما لاستعصائه أو لحصوله في موضع لا يتمكن المذكي من الوصول إلى موضع الذكاة منه وخيف فوته جاز أن يعقر بالسيوف أو غيرها مما يجرح ، ويحل وإن لم يصادف العقر موضع التذكية ) ولم يحصل الاستقبال ، كما قدمنا الكلام في ذلك مفصلا (٢).

وربما ظهر من بعض هنا المفروغية من جواز عقره بالكلب ، لصيرورته حينئذ بذلك كالصيد ، وقد تقدم الاشكال منا في ذلك بالنسبة إلى خصوص المتردي ، نعم ظاهر النص (٣) بل والفتوى عدم الفرق بين خوف الفوت وعدمه ، ولو تمكن من بعض أعضاء الذبح فالأولى مراعاته ، والله العالم.

_________________

(١) راجع ج ٨ ص ٥٢ ـ ٥٤.

(٢) في ص ٤٨ ـ ٥٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الذبائح.

١٤٠