جواهر الكلام - ج ٣٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

جاز بكل ما يفري الأعضاء اتفاقا كما يظهر » إلى آخره.

لإطلاق الأدلة في الحال المزبور ، وصحيح الشحام (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل لم يكن بحضرته سكين أيذبح بقصبة؟ فقال : اذبح بالحجر وبالعظم وبالقصبة وبالعود إذا لم تصب الحديدة ، إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس به ».

وحسن عبد الرحمن بن الحجاج (٢) « سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن المروة والقصبة والعود يذبح بهن الإنسان إذا لم يجد سكينا ، فقال :

إذا فرى الأوداج فلا بأس بذلك ».

وخبر عبد الله بن سنان (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « لا بأس أن تأكل ما ذبح بحجر إذا لم تجد حديدة ».

وخبر محمد بن مسلم (٤) « قال أبو جعفر عليه‌السلام في الذبيحة بغير حديدة إذا اضطررت إليها ، فان لم تجد حديدة فاذبحها بحجر ».

وخبر علوان (٥) المروي عن قرب الاسناد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليهم‌السلام « إنه كان يقول : لا بأس بذبيحة المروة والعود وأشباههما ما خلا السن والعظم ».

وخبر عدي بن حاتم (٦) وإن لم أجده في طرقنا « قلت : يا رسول الله إنا نصيد الصيد فلا نجد سكينا إلا الطرار وشقة العصا ، فقال رسول الله

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٥ عن الحسين بن علوان كما سيشير ( قده ) إليه في ١٠٣.

(٦) سنن البيهقي ـ ج ٩ ص ٢٨١ مع اختلاف يسير.

١٠١

صلى‌الله‌عليه‌وآله : أفر الدم بما شئت واذكر اسم الله » إلى غير ذلك.

لكن ليس في شي‌ء منها ـ عدا خبر محمد بن مسلم ـ اشتراط خوف فوت الذبيحة ، ومقتضاها الجواز وإن لم يخف الفوت. نعم في خبر محمد بن مسلم اشتراط الاضطرار إليها ، وهو أعم من خوف الفوت ، بل يمكن إرادة مطلق الحاجة إلى الذبح ، فلا ينافي حينئذ غيره ، ولعله الأقوى ، بل يمكن القول بجواز ذلك مع وجود الحديدة إذا أعجلته الذبيحة عن الإتيان بها وإخراجها من غمدها ، لظهور التوسعة في الأخبار المزبورة مؤيدا بأن الضرورات تبيح المحذورات ، وبعدم الضرر والحرج بفوات المال وتلفه وبغير ذلك ، ولعله إليه يرجع ما في القواعد « ولا يجزئ بغير الحديد مع إمكانه ، ولا مع تعذره إذا لم يخف فوت الذبيحة إلا مع الحاجة » والله العالم.

( وهل تقع الذكاة بالظفر أو السن مع الضرورة ) لعدم الحديد وخوف موت الذبيحة مثلا؟ ( قيل ) والقائل المتأخرون ( نعم ، لأن المقصود ) الذي هو قطع الأوداج ( يحصل ) بذلك ، وقد عرفت ظهور الأدلة في التوسعة المزبورة الموافقة لأدلة نفي الضرر والحرج وغيرهما ، بل ظاهر النصوص المزبورة سيما النبوي أن المدار مع الضرورة على فري الأوداج بأي شي‌ء يكون ، على أن في صحيح الشحام التصريح بالعظم الذي منه السن ، وبمعناه الظفر.

( وقيل ) والقائل الإسكافي والشيخ في محكي الخلاف والمبسوط وابن زهرة في محكي الغنية والكيدري في محكي الإصباح والشهيد في غاية المراد ( لا ) يجوز ، بل عن الشيخ وابن زهرة دعوى الإجماع عليه بل عن الأول منهما نسبته إلى أخبار الفرقة مع ذلك بعد أن نفي الخلاف

١٠٢

فيه ، كما أن المحكي عن الإسكافي منهم منع ذلك بكل ما يكون من حيوان كالسن والظفر والقرن وغيرها.

وكيف كان فالمنع منهما لعله ( لمكان ) إطلاق ( النهي ) عن ذلك الذي مقتضاه العدم ( ولو كان ) كل منهما ( منفصلا ) كما عن المبسوط والخلاف والإصباح التصريح به قال رافع بن خديج (١) : « قلت : يا رسول الله إنا نلقى العدو غداء وليس معنا مدا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما انهار ( ما أنهر خ ل ) الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ما لم يكن سنا أو ظفرا ، وسأحدثكم عن ذلك ، أما السن فعظم الإنسان ، وأما الظفر فمدى الحبشة ». وقد سمعت خبر الحسين ابن علوان (٢).

إلا أن الأول عامي ، بل قد يستفاد من غرابة التعليل فيه إرادة الكراهة من النهي فيه ، والثاني مع خلوه عن الظفر لا جابر له ، ومعارض بالصحيح (٣) المقدم عليه في العظم ، بل وعلى خبر رافع ، وإن كان هو مقيدا والصحيح مطلقا إلا أنه قاصر عن تقييده من وجوه ، والإجماع المحكي لا وثوق به بعد تبين عدمه ، إذ لم يحك القول المزبور إلا ممن عرفت.

بل قيل : إن كون مورده المنع منهما حال الاضطرار غير معلوم ، لاحتماله المنع حال الاختيار ، بل نزله الفاضل في المختلف والشهيد على ذلك قال في المختلف بعد أن حكى عن ابن إدريس أنه قال : « والذي ينبغي تحصيله الجواز حال الاضطرار دون الاختيار ، لأنه لا خلاف بيننا أنه يجوز الذباحة مع الاضطرار وعند تعذر الحديد بكل شي‌ء يفري الأوداج

_________________

(١) سنن البيهقي ـ ج ٩ ص ٢٤٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٣.

١٠٣

سواء كان ذلك عظما أو حجرا أو عودا أو غير ذلك ، وإنما بعض المخالفين يذهب إلى أنه لا يجوز الذبح بالسن والظفر حال الاضطرار والاختيار ، واستدل المخالف بخبر رواه المخالف من طرقهم ، وما رواه أحد من أصحابنا » قال : « وهذا الذي ذكره ابن إدريس هو الذي اختاره شيخنا ، وإنما أطلق في الكتابين المنع بناء على الغالب » ثم حكى عنه التصريح في التهذيب بالتفصيل بين الاختيار والاضطرار.

وفي الدروس « منع الشيخ منهما في المبسوط والخلاف وإن كانا منفصلين ، مستدلا بالإجماع ، والظاهر إرادته مع الاختيار ، لأنه جوز مثل ذلك في التهذيب عند الضرورة ».

وفي غاية المراد بعد أن حكى عن التهذيب الجواز مع الضرورة قال : « فعلى الظاهر أن مراده في الكتابين مع الاختيار بناء على الغالب » ولم يستبعده في كشف اللثام ، وعلى كل حال فالأصح ما عرفت.

هذا وظاهر القولين عدم الفرق بين المتصلين والمنفصلين ، بل عن المهذب ونهاية المرام نسبة ذلك إلى الأصحاب ، نعم حكيا عن أبي حنيفة الفرق بينهما ، فمنع في الأول وأجاز في الثاني ، ولعله إليه أشار في المسالك بقوله : « وربما فرق بين المتصلين والمنفصلين من حيث إن المنفصلين كغيرهما من الآلات ، بخلاف المتصلين ، فان القطع بهما يخرج عن مسمى الذبح ، بل هو أشبه بالأكل والتقطيع ، والمقتضي للذكاة هو الذبح ، ويحمل النهي في الخبر على المتصلين جمعا » واحتمله أيضا في غاية المراد ، واحتاط فيه في الرياض قال : « وأحوط منه القول بالمنع المطلق ».

ثم إن الظاهر بناء على المختار مساواتهما للغير من الآلات ، لكن في الدروس استقرب الجواز مطلقا مع عدم غيرهما ، بل هو ظاهره أيضا

١٠٤

في اللمعة ، بل ظاهر القواعد وكشف اللثام أن محل الخلاف ذلك ، قال فيها : « وهل يصح بالظفر والسن مع تعذر غيرهما؟ قيل : نعم ، وقيل بالمنع للنهي عنه » بل يمكن دعوى إرادته من الضرورة في المتن وإن كان الظاهر خلافه.

كما أن الظاهر كون النزاع في أنهما كغيرهما من الآلات مع الضرورة أو لا تشرع التذكية بهما ، وعلى كل حال فلا ريب في أنه أحوط ، وإن كان الأقوى الأول ، لما عرفته من أنه مقتضى إطلاق الأدلة الأولى التي لا يكافؤها غيرها حتى يجمع بذلك ، مع أنه لا شاهد ، والله العالم.

( وأما الكيفية فالواجب قطع ) تمام ( الأعضاء الأربعة : ) ( المري‌ء ) بتشديد الياء أو همز الأخيرة منهما ( وهو مجرى الطعام ، والحلقوم ) أي الحلق ( وهو مجرى النفس ) ومحله فوق المري‌ء ( والودجان ، وهما عرقان محيطان بالحلقوم ) كما عن المشهور ، وبالمري‌ء كما عن بعض ، وربما أطلق على الأربعة اسم الأوداج ، ( و ) حينئذ فـ ( لا يجزئ قطع بعضها ) أو بعض أحدها ( مع الإمكان ) لا مع عدمه ، في مثل المتردية في مكان لا يتمكن من ذبحها مثلا تمام التمكن ( هذا في قول مشهور ) بل في نهاية المرام ومحكي المهذب الإجماع عليه ، بل والغنية إلا أنه لم يذكر المري‌ء.

( و ) لكن ( في الرواية ) الصحيحة (١) السابقة وغيرها ( إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس ) به ، ولعله لذا مع صدق اسم الذبح به اقتصر عليه الإسكافي ، بل في الدروس أنه يظهر من الخلاف ومال إليه الفاضل بعض الميل ، وربما مال إليه في المسالك.

ولكن فيه أن في حسن عبد الرحمن (٢) السابق أيضا « إذا قرى

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١.

١٠٥

الأوداج فلا بأس بذلك » وكونها في مقام الضرورة التي هي عدم الحديد لا ينافي الدلالة على ذلك كالأولى.

وما في المسالك ـ من أنه « لا شبهة في أنه مع فري الأوداج تحل الذبيحة. وذلك لا ينافي الاكتفاء بما دونها ، فإذا ثبت في الرواية الصحيحة الاكتفاء بقطع الحلقوم لم يكن منافيا له إلا من حيث المفهوم ، وليس بحجة ، وأيضا فإن فري الأوداج لا يقتضي قطعها رأسا الذي هو المعتبر على القول المشهور ، لأن الفري الشق وإن لم ينقطع ، قال الهروي : في حديث ابن عباس (١) « كل ما فرى الأوداج » أي شقها وأخرج ما فيها من الدم ، فقد ظهر أن اعتبار قطع الأربعة لا دليل عليه إلا الشهرة ، ولو عمل بالروايتين واعتبر الحسن لاكتفي بقطع الحلقوم وحده أو فري الأوداج بحيث يخرج منها الدم وإن لم يستوعبها » وتبعه الأردبيلي وغيره في نحو ذلك ـ يدفعه أولا ما تقرر في الأصول من حجية المفهوم المزبور ، وصلاحية معارضته للمنطوق ، خصوصا في المقام باعتبار اعتضاده بالشهرة العظيمة والإجماعين المحكيين ، بل يمكن دعوى تحصيله ، خصوصا بملاحظة السيرة القطعية وأصالة عدم التذكية التي هي من قبيل الحكم الشرعي المحتاج إلى التوقيف ، بل هي منه ، فلا يكفي فيها مطلق اسم الذبح بعد تسليم صدقه في الفرض.

على أنه يمكن أن يكون الاقتصار في الصحيحة (٢) على ذلك الحلقوم باعتبار ما ذكره المقداد من أن الأوداج الأربعة متصلة بعضها مع بعض فإذا قطع الحلقوم أو الودجان فلا بد أن ينقطع الباقي معه ، ولعله كذلك في الذبح المتعارف المسؤول عنه في النصوص ، لا ما إذا قصد الاقتصار

_________________

(١) سنن البيهقي ـ ج ٩ ص ٢٨٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٣.

١٠٦

على أحدها ، وكأنه لذلك ترك ذكر المري‌ء فيهما المفسر في كلام غير واحد بما تحت الحلقوم ، وحينئذ فالانتهاء بالذبح المتعارف إلى منتهى الحلقوم يستلزم قطع الجميع ، لأنها مع اتصالها به على وجه الإحاطة ونحوها لا يزيد عرضها على عرضه ، وحينئذ فيمكن إرادة ما يشمل الحلقوم من الأوداج في الحسن (١) الذي هو كالصحيح ، بل لعل المحافظة على حقيقة الجمعية التي أقلها ثلاثة يقتضي ذلك ، ولا أقل من التعارض ، ولا ريب في أن الترجيح لذلك لما عرفت من الشهرة والإجماع وغيرهما.

وأما المناقشة بإرادة الشق من الفري فيدفعها أن المصرح به في الصحاح استعماله بمعنى القطع ، بل هو المراد في فري الأوداج في التذكية ، وكذا عن غيره ، بل لعله المنساق منه فيها عرفا ، بل قيل : إن حمله على الشق فيها مخالف للإجماع ، إذ القول بعدم الاكتفاء بقطع الحلقوم ولزوم فريها بمعنى الشق لم يذهب إليه أحد من أصحابنا حتى العماني ، لأنه وإن اكتفى بالشق إلا أنه اكتفى بقطع الحلقوم أيضا ، مخيرا بينهما ، وهو غير ما دلت عليه الرواية من لزوم فري الأوداج خاصة ، وحينئذ فهذا الإجماع أقوى قرينة على إرادة القطع من الفري فيها ، مضافا إلى الإجماعات المحكية.

وأيضا لا إشكال ولا خلاف في إرادة القطع منه بالنظر إلى الحلقوم بل هو مجمع عليه ، فينبغي أن يكون بالنظر إلى الباقي كذلك ، وإلا لزم استعمال اللفظ الواحد في معنيين حقيقيين أو مجازيين الذي هو غير مرضي عند المحققين.

اللهم إلا أن يقال بإرادة خصوص الودجين من الأوداج فيه ولو من باب التجوز في هيئة الجمع ، لكن يدفعه رجحان المجاز الأخير عليه

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١.

١٠٧

لما عرفت ، بل قيل : إن الغالب استعمالها فيما يشمل الحلقوم.

كل ذلك مضافا إلى ما قيل من أن الأوداج في كلامه يشمل المري‌ء المفسر في كلامه وكلام غيره بما تحت الحلقوم ، وشقه غير ممكن إلا بقطع ما فوقه من الأوداج ، فإذا ثبت وجوب قطعها من هذه الرواية ولو من باب المقدمة ثبت وجوب قطع الجميع ، لعدم القائل بالفرق بين الطائفة حتى من لم يعتبر المري‌ء ، فإنه لم يعتبره مطلقا ، لا قطعا ولا شقا ، وأما اعتباره شقا خاصة لا قطعا فلم يقل به أحد بالضرورة ، وعلى كل حال فلا ريب في ضعف القول المزبور.

وكذا ما عن العماني من التخيير المذكور بدعوى أنه مقتضى الجمع بين الخبرين ، إذ قد عرفت أن ما ذكرناه أولى منه من وجوه ، بل مقتضاه في نفسه فضلا عن مراعاة المرجحات اعتبار قطع الجميع ، لعدم التنافي الموجب للجمع بالتخيير ، كما هو واضح.

بل وأولى مما عساه يستفاد من الفاضل في المختلف من عدم وجوب قطع المري‌ء ، حيث إنه بعد نقل الخبرين قال : « هذا أصح ما وصل إلينا في هذا الباب ، ولا دلالة فيه على قطع ما زاد على الحلقوم والأوداج » مريدا بذلك أن قطع المري‌ء لا دليل عليه ، إذ لو أراد بالأوداج ما يشمله لم يفتقر إلى إثبات أمر آخر ، لأن ذلك غاية ما قيل ، بل قال في الرياض : « لو لا الإجماع المحكي لا يخلو من قوة ، لعدم ذكر المري‌ء في الروايتين ، والأوداج في الثانية غير ظاهرة الشمول له ، إذ المراد بها إما المعنى الحقيقي والجمع جمع مجازي منطقي ، فهو لا يشمل الحلقوم فضلا عن المري‌ء ، أو المعنى المجازي مراعاة لحقيقة الجمع ، وهي تحصل بضم الحلقوم إلى الودجين ، ولا يحتاج في صدقها إلى ضم المري‌ء » بل قال فيه أيضا : « إن ظاهر الغنية الموافقة له ، حيث لم يذكر المري‌ء

١٠٨

واكتفى بذكر الحلقوم والودجين خاصة ».

إذ لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه من تلازم قطع الأربعة في الذبح المتعارف ، وخصوصا المري‌ء منها الذي هو تحت الحلقوم ، وحينئذ فالاكتفاء في النصوص بذكر البعض مبني على ذلك ، مضافا إلى ما سمعته من الإجماعين المحكيين على قطع الأربعة المعتضدين بالشهرة العظيمة التي يمكن معها دعوى تحصيل الإجماع.

بل قد يقال : إن النصوص والفتاوى إنما هي لبيان الواقع الذي هو حصول قطع الأربعة باعتبار تلازمها في الذبح المتعارف المسؤول عنه ، لا أن المراد منها بيان وجوب ذلك في الذبح ، بمعنى إمكان الاقتصار فيه على بعضها ، وعلى تقديره فقد عرفت الحجة عليه ، كما أنك عرفت النظر في كلام جملة من الناس الذين من عاداتهم الوسوسة في الأحكام المفروغ منها خصوصا كيفية الذبح المأخوذ يدا عن يد.

نعم بقي شي‌ء كثر السؤال عنه في زماننا هذا ، وهو دعوى تعلق الأعضاء الأربعة بالخرزة التي تكون في عنق الحيوان المسماة بالجوزة على وجه إذا لم يبقها الذابح في الرأس لم يقطعها أجمع أو لم يعلم بذلك وإن قطع نصف الجوزة ، ولكن لم أجد لذلك أثرا في كلام الأصحاب ولا في النصوص ، والمدار على صدق قطعها تماما أجمع ، وربما كان الممارسون لذلك العارفون أولى من غيرهم في معرفة ذلك ، وهم الذين أشير إليهم في بعض النصوص بمن يحسن الذبح ويجيده (١) والله العالم.

( ويكفي في المنحور طعنه في ثغرة النحر ، وهي وهدة اللبة )

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢ و ٣ والباب ـ ١٣ ـ منها الحديث ١.

١٠٩

قائما أو باركا على الكيفية المتقدمة في كتاب الحج (١).

( و ) كيف كان فـ ( يشترط فيها ) أي الكيفية ( شروط أربعة : ) ( الأول أن يستقبل بها القبلة مع الإمكان ) بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منهما مستفيض كالنصوص.

ففي حسن ابن مسلم (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذبيحة ذبحت لغير القبلة فقال : كل لا بأس بذلك ما لم يتعمد ».

وفي حسنه الآخر (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام « سألته عن الذبيحة فقال : استقبل بذبيحتك القبلة ».

وحسنه الثالث (٤) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل ذبح ذبيحة فجهل أن يوجهها إلى القبلة ، فقال : كل منها ، فقلت له : فإنه لم يوجهها ، فقال : فلا تأكل منها ولا تأكل من ذبيحة ما لم يذكر اسم الله عليها ، وقال : إذا أردت أن تذبح ذبيحتك فاستقبل بذبيحتك القبلة ».

وصحيح الحلبي (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سئل عن الذبيحة تذبح لغير القبلة ، فقال : لا بأس إذا لم يتعمد ».

ونحوه غيره (٦) ومرسل الدعائم (٧) « أنهما عليهما‌السلام قالا فيمن ذبح لغير القبلة إن كان خطأ أو نسي أو جهل فلا شي‌ء عليه ، وتؤكل ذبيحته ، وإن تعمد ذلك فقد أساء ولا يجب أن تؤكل ذبيحته تلك إذا تعمد خلاف السنة »

_________________

(١) راجع ج ١٩ ص ١٥٥ و ١٥٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٥.

(٧) المستدرك ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢ وفيه « ولا نحب أن تؤكل ذبيحته ... ».

١١٠

إلى غير ذلك من النصوص الدالة على أصل الاشتراط وعدم البأس مع الجهل والنسيان.

وحينئذ ( فإن أخل عامدا ) عالما ( كانت ميتة ، ولو كان ناسيا صح ) بلا خلاف أجده فيه ، بل حكى الإجماع عليه غير واحد.

( وكذا لو لم يعلم جهة القبلة ) على ما صرح به غير واحد ، بل نسبه بعضهم إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه ، ولعله كذلك لعدم صدق تعمد غير القبلة الذي هو عنوان الحرمة في النصوص السابقة ولإطلاق الجهل في مرسل الدعائم المنجبر بما عرفت ، بل وحسن ابن مسلم الثالث.

بل منهما يستفاد معذورية الجاهل بالحكم هنا أيضا وإن صدق عليه التعمد ، بل لعله المنساق من الحسن المزبور ، بناء على أن المراد منه الجهل بالتوجيه إلى القبلة وإن علمها ، وحينئذ يكون المراد من قوله : « فإنه لم يوجهها » العالم العامد ولو بمعونة فتوى الأصحاب التي لولاها لأمكن إرادة بيان حل ذبيحة الجاهل بالحكم إذا وجه والحرمة إذا لم يوجه فيكون دالا على العدم ، إلا أن فتوى الأصحاب به على وجه لا أجد خلافا بين من تعرض له ترجح الأول.

بل لعل منه أيضا من لا يعتقد وجوب الاستقبال ، كما جزم به في المسالك ، فتحل ذبيحته حينئذ لغيره ممن يعتقد الوجوب ، لكونه من الجاهل حينئذ ، وعلى الجاهل (١) ، اللهم إلا أن يشك في اندراج مثله في الجهل في النصوص المزبورة (٢).

وكيف كان فالمنساق مما سمعته من النصوص المعتضدة بالفتوى

_________________

(١) هكذا في النسختين الأصليتين ، والأولى هكذا « وللجاهل ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الذبائح.

١١١

الاستقبال بمقاديم الذبيحة التي منها مذبحها دون الذابح معها ، وإن كان قد يتوهم من نحو العبارة المزبورة على قياس « ذهبت بزيد » و « انطلقت به » ونحوهما مما يفيد كونه معه في الذهاب والانطلاق ، إلا أن جيد النظر يقتضي خلاف ذلك ، خصوصا مع ملاحظة غيره من النصوص المذكور فيها الاستقبال للذبيحة خاصة (١) وخصوصا مع ملاحظة إتيان التعدية بالباء لغير المعنى المزبور ، نحو ( ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ ) (٢) وغيره مما هو بمعنى أذهب الله نورهم.

نعم في مرسل الدعائم (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام « إذا أردت أن تذبح ذبيحة فلا تعذب البهيمة ، أحد الشفرة واستقبل القبلة » ولكنه مع إرساله لا صراحة فيه بل ولا ظهور ، لاحتمال ارادة الاستقبال بالبهيمة ، بل لعله الظاهر ، خصوصا مع ملاحظة غيره من النصوص (٤) وعدم القائل باعتبار استقباله خاصة ، إلا أنه مع ذلك لا بأس بحمله على الندب الذي صرح به غير واحد ، خصوصا بعد ما تسمعه من مرسل كشف اللثام في الإبل (٥).

ثم إن اعتبار الإمكان في عبارة المصنف يقتضي سقوط الشرط المزبور مع عدم الإمكان ، وهو كذلك ، ضرورة عدم صدق تعمد غير القبلة

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٤.

(٢) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ١٧.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الذبائح.

(٥) الظاهر أنه ( قده ) يريد بذلك ما ينقله عن كشف اللثام في ص ١١٨ وهو « يمكن التمسك في وجوب النحر. ولكن ورد في معناها رفع اليدين بالتكبير في الصلاة والاستقبال » حيث انه لم يذكر في كشف اللثام في بحث نحر الإبل غير ذلك.

١١٢

ولعل منه معاجلة المذبوح على وجه يخشى من موته لو اشتغل بتوجيهه إلى القبلة ، والله العالم.

الشرط ( الثاني : التسمية ) من الذابح التي لا خلاف فتوى ونصا (١) في اشتراطها في حل الأكل مع التذكر ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى الكتاب العزيز (٢) ( وهي أن يذكر الله سبحانه ) وتعالى ، يقول : « بسم الله » و « الحمد لله » و « لا إله إلا الله » ونحو ذلك.

قال محمد بن مسلم (٣) في الصحيح : « عن رجل ذبح فسبح أو كبر أو هلل أو حمد الله تعالى ، قال : هذا كله من أسماء الله تعالى ، ولا بأس به ».

بل عن بعضهم الاجتزاء بلفظ « الله » تعالى شأنه ، لدعوى صدق ذكر اسم الله عليه ، وإن كان قد يناقش بأن العرف يقتضي كون المراد ذكر الله بصفة كمال أو ثناء ، كإحدى التسبيحات الأربع ، لا أقل من الشك ، والأصل عدم التذكية ، خصوصا بعد الصحيح المزبور الذي لا يخلو من إشعار بذلك.

وكذا الكلام في اعتبار العربية وإن كان قد يحتمل العدم ، لأن المراد من الله تعالى شأنه الذات المقدسة ، فيجزئ ذكر غيره من أسمائه ، وهي تتحقق بأي لغة اتفقت ، وعلى ذلك يتخرج ما لو قال : « بسم الرحمن » وغيره من أسمائه المختصة أو الغالبة غير لفظ « الله » إلا أنه لا يجدي الاحتمال بعد أن لم يكن ظهور معتبر شرعا ، بل قد يدعى الظهور بعكسه

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الذبائح.

(٢) سورة الأنعام : ٦ ـ الآية ١٢١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١.

١١٣

ولا أقل من الشك ، وقد عرفت أن الأصل عدم التذكية ، خصوصا بعد احتمال كون الإضافة فيه بيانية المقتضية لعدم الاجتزاء بغير الاسم المزبور.

بل وكذا الكلام في نحو « اللهم اغفر لي » أو « اللهم صل على محمد وآل محمد » وإن قال في المسالك : « الأقوى الاجتزاء » لكن لا يخفى عليك جريان ما ذكرناه خصوصا بعد ملاحظة الصحيح المزبور (١) المشعر بكون ذلك ونحوه من أسماء الله تعالى لا مطلقا.

وعلى كل حال ( فلو تركها عامدا لم يحل ) لما عرفت ( و ) أما ( لو نسي لم يحرم ) بلا خلاف ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة في المقام (٢) والمتقدمة في الصيد (٣).

قال محمد بن مسلم (٤) : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرجل يذبح ولا يسمي ، قال : إن كان ناسيا فلا بأس إذا كان مسلما وكان يحسن أن يذبح ، ولا ينخع ولا يقطع الرقبة بعد ما يذبح ».

وفي حسنه الآخر أو صحيحه (٥) « أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل ذبح ولم يسم ، فقال : إن كان ناسيا فليسم حين يذكر ، ويقول بسم الله على أوله وعلى آخره ».

وفي صحيح الحلبي (٦) في حديث « أنه سأله عن الرجل يذبح فينسى أن يسم أتؤكل ذبيحته؟ فقال : نعم إذا كان لا يتهم وكان يحسن الذبح قبل ذلك ، لا ينخع ولا يكسر الرقبة حتى تبرد الذبيحة » إلى غير ذلك من النصوص التي لا إشارة فيها إلى استثناء غير حال النسيان ، فيبقى

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الذبائح.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الصيد.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٤.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٣.

١١٤

حال الجهل مندرجا تحت إطلاق الأدلة ، ودعوى أولويته منه أو مساواته لحال الاستقبال واضحة المنع ، خصوصا بعد حرمة القياس عندنا ، نعم قد يستفاد من قوله عليه‌السلام : « إذا كان لا يتهم » تصديقه بدعوى النسيان إذا كان مسلما يرى وجوب التسمية.

كما أن الظاهر اعتبار ذكر التسمية بعنوان كونها على الذبيحة ، فلا يجزئ التسمية الاتفاقية التي لم تكن بالعنوان المزبور ، ولا أقل من الشك في حصول التسمية المعتبرة بدون ذلك ، والأصل عدم التذكية.

وكذلك الظاهر اعتبار المقارنة العرفية فيها على وجه يصدق التسمية عليها ، فلا يجزئ ذكرها عند مقدمات الذبح ، كربط المذبوح ونحوه قال الصادق عليه‌السلام في صحيح الحلبي (١) : « من لم يسم إذا ذبح فلا تأكله ».

ثم إنه لا يخفى عليك عدم وجوب تدارك التسمية بعد تمام الذبح مع النسيان بلا خلاف أجده فيه ، كما في الدروس والمسالك ، ومن هنا وجب حمل الأمر بذلك في صحيح ابن مسلم (٢) السابق على ذلك.

هذا وفي المسالك « ولو قال : بسم الله ومحمد بالجر لم يجز ، وكذا لو قال : ومحمد رسول الله ، ولو رفع فيهما لم يضر » ولعله لأنه شرك في الأول على وجه يندرج في الإهلال به لغير الله ، بل لا يصدق الذبح على اسم الله الظاهر في إرادة الاختصاص منه ، خصوصا مع ملاحظة نصوص « إنما هو الاسم ، ولا يؤمن عليه غير المسلم » (٣) بخلاف صورة الرفع التي يصدق معها التسمية تامة ، وعطف الشهادة للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله زيادة خير غير منافية ، بخلاف ما لو قصد التشريك.

ولو قال : « بسم الله واسم محمد » قاصدا أذبح باسم الله واتبرك

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢ و ٤ و ٢٤.

١١٥

باسم محمد فلا بأس ، وإن أطلق أو قصد التشريك لم يحل.

وأما الأخرس ففي القواعد « عليه أن يحرك لسانه » وزاد في كشف اللثام « ويخطر الاسم بباله كما في سائر الأذكار » وف المسالك « إن كانت له إشارة مفهمة حلت ذبيحته وإلا فهو كغير القاصد » قلت : لا فرق بين المقام وغيره مما اعتبر فيه اللفظ الذي اكتفي فيه بإشارة الأخرس على حسب ما أوضحناه في العبادات والمعاملات.

ولو سمى الجنب والحائض بنية إحدى العزائم ففي القواعد إشكال ، ولعله من الدخول في العموم ، ومن النهي المنافي للوجوب ، ولكن لا يخفى عليك أن الأقوى الأول ، ولا منافاة بين الوجوب الشرطي المعاملي والحرمة.

ولو وكل المسلم كافرا في الذبح وسمى المسلم لم يحل وإن شاهده أو جعل يده معه فقرن التسمية بذبحه ، لظهور الأدلة في اعتبار اتحاد الذابح والمسمى ، ولا أقل أن يكون هو المتيقن منها ، نعم لا بأس بذبح المسلمين المسميين دفعة واحدة ، لإطلاق الأدلة ، وفي الاجتزاء بالتسمية من أحدهما أحوطه وأقواه العدم ، والله العالم.

الشرط ( الثالث : اختصاص الإبل بالنحر ، وما عداها بالذبح في الحلق تحت اللحيين ، فان نحر المذبوح أو ذبح المنحور فمات لم يحل ) لعدم التذكية الشرعية ( و ) لو لأن الأصل عدمها. نعم ( لو أدركت ذكاته فذكي ) على الوجه الشرعي بأن ذبح المذبوح بعد نحره أو نحر المنحور بعد ذبحه قبل الموت ففي محكي النهاية ( حل ) لوجود المقتضي وهو التذكية المعتبرة شرعا ، ويكون الذبح والنحر الأولان كالجرح الذي لا يمنع التذكية قبل الموت. ( و ) لكن ( فيه تردد ) عند المصنف

١١٦

وغيره ممن اعتبر الاستقرار ( إذ لا استقرار للحياة بعد الذبح أو النحر ) وإن بقي متحركا.

ولعل التحقيق أن الحكم يرجع إلى تحقيق ما يعتبر في الحل من الحياة فإن اعتبرنا استقرارها لم يحل هنا ، لفقد الشرط ، وإن اكتفينا بالحركة بعد الذبح والنحر وخروج الدم أو أحدهما كما هو المختار لزم الحكم بالحل إذا وجد الشرط ، لكون النحر والذبح حينئذ كالجرحين.

إنما الكلام فيما ذكره المصنف وغيره بل لا أجد فيه خلافا من اختصاص الإبل بالنحر وغيرها بالذبح من حيث خلو النصوص عن ذلك ، إذ الذي عثرنا عليه منها صحيح صفوان (١) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن ذبح البقر ، فقال : للبقر الذبح ، وما نحر فليس بذكي ».

وخبر يونس بن يعقوب (٢) « قلت لأبي الحسن الأول عليه‌السلام : إن أهل مكة لا يذبحون البقر ، إنما ينحرون في لبة البقر ، فما ترى في أكل لحمها؟ فقال ( فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ ) (٣) لا تأكل إلا ما ذبح ».

ومرسل الصدوق (٤) قال الصادق عليه‌السلام : « كل منحور مذبوح حرام ، وكل مذبوح منحور حرام ».

ومرسل الطبرسي في مجمع البيان (٥) « قيل للصادق عليه‌السلام : إن أهل مكة يذبحون البقر في اللبة ، فما ترى في أكل لحومها؟ فسكت هنيئة ، ثم قال : قال الله تعالى ( فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ ) (٦) لا تأكل إلا ما ذبح من مذبحه ».

وليس في شي‌ء منها اختصاص الإبل بالنحر وغيرها بالذبح ، ولعله لذا

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢.

(٣) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٧١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٤.

(٦) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٧١.

١١٧

توقف المقدس الأردبيلي والخراساني في الكفاية تبعا لما يحكى عن بعض الحواشي لثاني الشهيدين من عدم قيام دليل صالح للفرق بين الإبل وغيرها في الاختصاص بالنحر والذبح ، خصوصا بعد الخبر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) « إنه أمر بنحر الفرس ».

وفيه أن المرسل منها المنجبر بعمل الأصحاب دال على عدم جواز الذبح للمنحور وبالعكس ، ولا ريب في وقوع النحر على الإبل ، كما يقضي به النصوص الواردة في كيفية نحرها (٢) فلا يشرع فيها الذبح حينئذ بل في كشف اللثام « يمكن التمسك في وجوب نحر الإبل بقوله تعالى (٣) : ( وانْحَرْ ) لأن الوجوب ظاهره ، ومن البين أنه لا يجب نحر غيرها ، ولكن ورد (٤) في معناه رفع اليدين بالتكبيرة في الصلاة والاستقبال ».

قلت : لكنا في غنية عن ذلك بما عرفت ، مضافا إلى ما سمعته من بعض النصوص في تذكية المستعصي الدال على النحر للإبل ، فـ في الخبر منها (٥) « إذا امتنع عليك بعير وأنت تريد أن تنحره فانطلق منك فان خشيت أن يسبقك فضربته بسيف أو طعنته برمح بعد أن تسمي فكل إلا أن تدركه ولم يمت بعد فذكه ». وفي آخر (٦) « بعير تردى في بئر

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٤ من كتاب الأطعمة والأشربة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ و ٣٧ ـ من أبواب الذبح من كتاب الحج والباب ـ ٣ ـ من أبواب الذبائح.

(٣) سورة الكوثر : ١٠٨ ـ الآية ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ٤ و ١٣ و ١٥ و ١٦ و ١٧ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٥.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٤.

١١٨

كيف ينحر؟ فقال : تدخل الحربة فتطعنه بها وتسمي وتأكل » إلى غير ذلك مما يدل على أن البعير ينحر.

بل عن الخلاف والغنية النحر في الإبل والذبح فيما عداها هو السنة الشريفة بلا خلاف ، ثم قالا : « ولا يجوز في الإبل الذبح وفي ما عداها النحر ، فان فعل ذلك لم يحل الأكل بدليل إجماع الطائفة ».

وأما عدم مشروعية النحر في غيرها فلما سمعته في البقر ، ولا قائل بالفصل ، وللنصوص الواردة في كيفية الذبح (١) الظاهرة في أنها قطع الأوداج الأربعة بطريق الذبح على وجه يظهر منها أنه هو الأصل في التذكية ، وأن الخارج منها خصوص الإبل ، بل يكفي في ذلك أنه الكيفية المتعارفة ، فلا يشرع فيها النحر حينئذ ، لما سمعته من أن المذبوح لا يجوز أن ينحر كالعكس.

بل ظاهر المرسل المزبور (٢) أنه ليس في الحيوان ما يجوز فيه الكيفيتان ، فمع فرض كون الكيفية المتعارفة في غير الإبل الذبح بل هو المنساق من تذكيته يتعين فيه حينئذ ، ولا يجزئ النحر حتى لو سلم اشتماله على قطع الأوداج الأربعة ، خصوصا مع أصالة عدم التذكية ، وخصوصا مع اتفاق الأصحاب ظاهرا على ذلك ، بل في كشف اللثام في شرح قول الفاضل في القواعد : « الخامس : اختصاص الإبل بالنحر وباقي الحيوانات بالذبح في الحلق تحت اللحيين » قال : « إجماعا كما في الخلاف والغنية والسرائر » بل عن الشهيد الثاني وأتباعه الإجماع أيضا على ذلك.

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ و ٣ و ٤ ـ من أبواب الذبائح.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٣.

١١٩

وخبر الفرس (١) مع خروجه عن الحجية موافق للعامة ، بل ربما يشهد له كون بعض رواته من العامة ، وبالجملة لا وجه للوسوسة في الحكم المزبور بقسميه.

وأما كون محل الذبح في الحلق تحت اللحيين فقد سمعت ما في الصحيح (٢) من أن « النحر في اللبة والذبح في الحلقوم » كما أنك سمعت ما حكاه في كشف اللثام من معقد الإجماعات الثلاثة الذي منه ذلك أيضا ، وفي الرياض « واعلم أن محل الذبح الحلق تحت اللحيين بلا خلاف يظهر ، لأصالة التحريم في غيره مع عدم انصراف الإطلاقات إلا إلى الحلقوم تحت اللحيين ، لأنه المعروف المتعارف ، فيجب حملها عليه ، وفي الصحيح (٣) « لا تأكل من ذبيحة ما لم تذبح من مذبحها ».

قلت : لا إشكال في شي‌ء من ذلك ، إنما الكلام فيما يحصل فيه قطع الأوداج الأربعة وكان في غير المحل المعتاد ، بل كان في وسط الرقبة أو أصلها ، ولعله يندرج في قولهم : « تحت اللحيين » أيضا اللهم إلا أن يقال : إنه لا يقضي بقطعها أجمع في غير الذبح بالمحل المعتاد الذي هو تحت اللحيين ، خصوصا مع أصالة عدم التذكية.

وأما ما هو متعارف في زماننا هذا من اعتبار جعل العقدة التي في العنق المسماة في لسان أهل هذا الزمان بالجوزة في الرأس على وجه يكون القطع من تحتها فلم أجد له أثرا في شي‌ء من النصوص والفتاوى ، اللهم إلا أن لا يحصل قطع الأوداج الأربعة بدون ذلك ، ولا أقل من الشك والأصل عدم التذكية ، والله العالم.

( و ) كيف كان فـ ( في إبانة الرأس عامدا خلاف ) فعن الإسكافي وابن حمزة والقاضي والنهاية والفاضل في المختلف والشهيدين وظاهر

_________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة ـ الحديث ٤ من كتاب الأطعمة والأشربة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ٢ إلا أنه لم يتقدم.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الذبائح ـ الحديث ١.

١٢٠