القواعد الفقهيّة - ج ٤

آية الله السيّد محمّد حسن البجنوردي

القواعد الفقهيّة - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد حسن البجنوردي


المحقق: مهدي المهريزي
الموضوع : الفقه
الناشر: نشر الهادي
المطبعة: مؤسسة الهادي
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-400-030-7

الصفحات: ٤٢٣

ولا يرد على هذا التوجيه ما ذكره شيخنا الأعظم قدس‌سره من أنّه لو بنينا على ورود التقييد مورد الغالب لينسدّ باب الاستدلال على اعتبار كثير من الشروط ، لتطرّق هذا الاحتمال في كثير منها إن لم يكن في جميعها (١).

وذلك لأنّ المتبع هي الظهورات ، ولا شكّ في أنّ القيود تختلف بحسب ظهورها ، وليست على نسق واحد ، وحيث أنّ المشهور ذهبوا إلى الإلحاق بالزوجة وما في حكمها في نشر الحرمة ، وإن تمسّك بعضهم بوجوه استحسانيّة لا يخرج عن كونها قياسا باطلا ، إلاّ أنّ فهمهم ممّا يؤيّد هذا الوجه الذي ذكرنا في المراد من هذين العنوانين ، ولا أقلّ من الإجمال ، فيكون المرجع هي العمومات والإطلاقات.

وأمّا دعوى انصراف العمومات والإطلاقات عن الوطي بالشبهة ، فدعوى بلا بيّنة ولا برهان.

ثمَّ إنّ في نشر الحرمة بالارتضاع من الخنثى المشكل إشكال ، لأنّ حصول الولد لها من الوطي الصحيح الشرعي الذي من شرائط نشر الحرمة بناء على عدم وجود طبيعة ثالثة من أمارات أنّه امرأة ، فليس من الخنثى المشكل ، والخنثى المشكل تصوير الوطي الصحيح في حقّه مشكل ، إلاّ أن يكون الوطي بالشبهة ، فيكون فيه جهتان من الإشكال : من جهة كونه خنثى ، ومن جهة أنّ وطيها وطي بالشبهة.

وفي الجواهر استدلّ على العدم بقول الباقر عليه‌السلام : « لا يحرم الرضاع أقلّ من يوم وليلة ، أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة » (٢). فإحراز كون المرضعة امرأة لازم ، وفي الخنثى المشكل لا طريق إلى ذلك حسب الفرض ، وإلاّ ليس بمشكل.

ولكن وفيه ما ذكرنا من ورود هذه الألفاظ مورد الغالب.

__________________

(١) « كتاب المكاسب » ص ٣٧٧.

(٢) « جواهر الكلام » ج ٢٩ ، ص ٢٦٧.

٣٤١

وها هنا فروع

الأوّل : هل يشترط في نشر الحرمة بقاء المرأة في حبال الرجل إلى تمام الرضاع بحيث لو طلّقها قبل ذلك ، أو مات عنها قبل أن يتمّ الرضاع لا يكن الرضاع محرّما ، أو لا؟ وجهان.

وقد ادّعى الإجماع على عدم لزوم البقاء ، وقد بيّنّا حال هذه الإجماعات ، فلا نعيد.

وجه الاشتراط هو قوله عليه‌السلام في الروايات السابقة في تفسير الرضاع « هو ما أرضعت امرأتك » والمشتقّ ليس حقيقة فيما انقضى المبدأ عنه ، فلا يصدق على المطلّقة والمتوفّى عنها زوجها هذا العنوان.

وأمّا عنوان « فحلها » الذي في بعض الروايات الأخر فيصدق حتّى مع الطلاق وأن يتوفّى عنها زوجها.

ويرد [ على ] هذا الوجه ما بيّنّا سابقا ، من أنّ هذا العنوان ليس المراد منه إلاّ الوطي الصحيح الشرعي ، وهذا المعنى لا منافاة له مع هذين كما هو واضح ، إذ الموت والطلاق لا يقطعان نسبة اللبن عنه ، وأيضا لا فرق بين أن يرتضع في العدّة أو بعد تماميّتها.

نعم بناء على اعتبار كون الرضاع المحرّم في الحولين ، يلزم أن لا يكون خارجا عن الحولين ، ومن هذه الجهة لا فرق بين أن يكون قبل الطلاق والوفاة أو بعدهما ، وكذلك لا فرق بين أن يكون في العدّة ، أو في خارجها ، لأنّ هذا شرط آخر في الرضاع معتبر بدليل آخر.

الثاني : في أنّها لو تزوّجت بعد أن طلّقها أو مات عنها ، فإذا لم تجعل من الثاني فالحكم كما لو لم تتزوّج ، لأنّ صرف تزوّجها لم يمنع عن استناد اللبن إلى زوجها‌

٣٤٢

الأوّل.

وأمّا لو جعلت من الثاني فتارة يكون اللبن مستمرّا وبحاله من دون انقطاع ولا زيادة ولا نقيصة ، فالظاهر أنّه من الأوّل ، وإن كان من الممكن عقلا أن يكون من الثاني بقاء ، أو يكون للثاني أيضا له دخل ، بناء على أنّ الحمل قبل الوضع أيضا ربما يوجب درّ اللبن ، وإن كان كلّ هذه احتمالات وفروض ووقوعها مستبعد جدّا. وأخرى ينقطع ويعود أو ينقص ويزيد.

فربما يتخيّل أنّه بعد الازدياد يكون المقدار الزائد للثاني ، وهكذا بعد الانقطاع تمام ما عاد للثاني ، وإلاّ فلا وجه للنقص ثمَّ الزيادة ، أو الانقطاع ثمَّ العود ، إلاّ أن يكون المنشأ هو الحمل.

ولكن أنت خبير بأنّ هذه احتمالات ليس لها أساس متين ، ولم يدلّ دليل على حجّية هذه الظنون ، مضافا إلى أصالة عدم حدوث لبن آخر مستندا إلى سبب آخر.

نعم بعد الوضع لا يبقى مجال لهذا الاستصحاب ، إذ الظاهر حينئذ أنّ اللبن غذاء الطفل المتولّد ، وقد ادّعى الإجماع على الأمرين : أي : أنّ اللبن قبل الوضع للزوج الأوّل ، وبعده للثاني.

الشرط الثاني : كمّية الرضاع.

أجمعت الإماميّة على أنّ للرضاع المحرّم تقدير ، ولا يكفي فيه مسمّى الرضاع ولو بمثل ما فطر به الصائم.

نعم ذهب إلى ذلك جمع كثير من العامّة ، كأبي حنيفة (١) ومالك (٢)

__________________

(١) « بداية المجتهد » ج ٢ ، ص ٣٥ ، في مانع الرضاع ، نقل عن أبي حنيفة ، « اللباب » ج ٣ ، ص ٣١ ، كتاب الرضاع.

(٢) « الموطأ » ج ٢ ، ص ٦٠٤ ، كتاب الرضاع ، ح ١١ ، باب رضاعه الصغير ، « المدونة الكبرى » ج ٢ ، ص ٤٠٥ ،

٣٤٣

والأوزاعي (١) والثوري (٢) والبلخي (٣) والليث (٤) ، حتى الأخير منهم ادّعى إجماع أهل العلم على نشر الحرمة بمثل ما يفطر به الصائم ، مع أنّ أكثرهم قائلون بالتقدير.

نعم ذهب القاضي نعمان المصري صاحب « دعائم الإسلام » إلى مقالتهم ، لما رواه في ذلك الكتاب عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال : « يحرم من الرضاع قليله وكثيرة المصة الواحدة تحرم » (٥).

ثمَّ قال في محكي الجواهر : وهذا قول بيّن صوابه لمن تدبّره ووفّق لفهمه ، لأنّ الله تعالى يقول ( وَأُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ ) والرضاع يقع على القليل والكثير (٦).

وفيه : أنّ الاستدلال لأمثال هذه الفتاوى بمطلقات الكتاب والسنّة لا وجه له ، بعد تقييدها بالمقيّدات المستفيضة ، كما ستمرّ عليك إن شاء الله تعالى.

وأمّا ما رواه عن مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ومكاتبة عليّ بن مهزيار ـ في الصحيح ـ لأبي الحسن عليه‌السلام يسأله عمّا يحرم من الرضاع؟ فكتب عليه‌السلام : « قليله وكثيره حرام » (٧) فلا بدّ وأن يطرحا أو يؤوّلا ، لإعراض الأصحاب عن العمل بظاهرهما ، ومعارضتهما مع ما هو معمول به بين الأصحاب ، وأصحّ سندا وأكثر عددا ، مع موافقة‌

__________________

كتاب الرضاع ، ما جاء في حرمة الرضاعة ، « بلغة السالك لأقرب المسالك » ج ١ ، ص ٥١٥ ، باب في بيان أحكام الرضاع.

(١) « فقه الأوزاعي » ج ٢ ، ص ١٢٩ ، في أحكام الرضاع ، المسألة الأولى : المقدار المحرم في الرضاع ، « المحلى » ج ١٠ ، ص ١٢ ، أحكام الرضاع ، نقل عن الأوزاعي ، « المغني » ج ٩ ، ص ١٩٣ ، كتاب الرضاع ، (٦٤١٠) المسألة الأولى ، نقل عن الأوزاعي.

(٢) « المغني » ج ٩ ، ص ١٩٣ ، كتاب الرضاع ، (٦٤١٠) المسألة الأولى ، نقل عن الثوري.

(٣) « جواهر الكلام » ج ٢٩ ، ص ٢٦٩ ، في شروط الرضاع وأحكامه ، نقل عن البلخي.

(٤) « المغني » ج ٩ ، ص ١٩٣ ، كتاب الرضاع ، (٦٤١٠) المسألة الأولى ، نقل عن الليث بن سعد.

(٥) « دعائم الإسلام » ج ٢ ، ص ٢٤٠ ، ذكر الرضاع.

(٦) « جواهر الكلام » ج ٢٩ ، ص ٢٧٠.

(٧) « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٣١٦ ، ح ١٣٠٨ ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح ١٦ ، « الاستبصار » ج ٣ ، ص ١٩٦ ، ح ٧١١ ، باب : مقدار ما يحرم من الرضاع ، ح ١٦ ، « وسائل الشيعة » ج ١٤ ، ص ٢٨٥ ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب ٢ ، ح ١٠.

٣٤٤

هذين لكثير من أهل الخلاف ، كما حكيناهم عن الجواهر ، ومخالفة تلك لهم (١).

وإن كان يمكن أن يقال : كلّ واحدة من هاتين الطائفتين مخالف لبعضهم وموافق للبعض الآخر ، وعلى كلّ حال الذي راجع أخبار التقدير يقطع ببطلان هذه الفتوى الذي صدر عن القاضي المصري ، ومثله في الشذوذ ما نقل عن الإسكافي : أنّه ذهب إلى أنّ الرضاع المحرّم هو الرضعة الكاملة حتّى يمتلأ بطنه (٢).

قال في محكي الجواهر : قد اختلف الرواية من الوجهين جميعا ، في قدر الرضاع المحرّم ، إلاّ أنّ الذي أوجبه الفقه عندي ـ واحتياط المرء لنفسه ـ أنّ كلّما وقع عليه اسم رضعة ـ وهي ملأ بطن الصبي إمّا بالمص أو بالوجور ـ محرّم للنكاح (٣).

وهذا القول وإن كان لا ينافي أصل التقدير ، لأنّه في الحقيقة تقدير برضعة كاملة ، وليس عبارة عن مسمّى الرضاع ، قليلا كان أو كثيرا ، إلاّ أنّه مخالفة المشهور ، بل مخالفة إجماع الإماميّة مثل القول الأوّل.

وما يمكن أن يكون دليلا لهذا القول روايات :

منها : رواية زيد ابن عليّ ، عن آبائه عن عليّ عليهم‌السلام قال : « الرضعة الواحدة كالمائة رضعة لا تحلّ له أبدا » (٤).

ومنها : مضمرة ابن أبي يعفور ، وفيها قال : سألته عمّا يحرم من الرضاع؟ قال : « إذا رضع حتّى يمتلئ بطنه ، فإنّ ذلك ينبت اللحم والدم ، وذلك الذي يحرم » (٥).

__________________

(١) « جواهر الكلام » ج ٢٩ ، ص ٢٧٠ و ٢٧١.

(٢) « مختلف الشيعة » ج ٧ ، ص ٣٠ ، في المحرمات بالرضاع ، نقل عن الإسكافي ، « جواهر الكلام » ج ٢٩ ، ص ٢٧٠ ، في شروط الرضاع وأحكامه ، نقل عن الإسكافي.

(٣) « جواهر الكلام » ج ٢٩ ، ص ٢٧٠.

(٤) « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٣١٧ ، ح ١٣٠٩ ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح ١٧ ، « الاستبصار » ج ٣ ، ص ١٩٧ ، ح ٧١٢ ، باب : مقدار ما يحرم من الرضاع ، ح ١٧ ، « وسائل الشيعة » ج ١٤ ، ص ٢٨٦ ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب ٢ ، ح ١٢.

(٥) « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٣١٦ ، ح ١٣٠٧ ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح ١٥ ، « الاستبصار » ج ٣ ، ص ١٩٥ ، ح ٧٠٨ ، باب : مقدار ما يحرم من الرضاع ، ح ١٣ ، « وسائل الشيعة » ج ١٤ ، ص ٢٩٠ ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب ٤ ، ح ١.

٣٤٥

ومنها : قوله عليه‌السلام في تفسير الرضاع قال : « الرضاع الذي ينبت اللحم والدم هو الذي يرضع حتّى يمتلئ ويتضلّع » (١).

وفيه : أنّ في دلالة بعض هذه الروايات على دعواه تأمّل واضح ، وعلى فرض تسليم دلالتها ليست قابلة للمعارضة مع ما هو أقوى وأشهر وأكثر عددا وأصحّ سندا منها ، خصوصا مع إعراض الأصحاب عن العمل بهذه الروايات ، بل انعقاد الإجماع على خلافها ، فهذا القول في البطلان مثل سابقتها.

وعلى كلّ حال : المشهور بين الأصحاب في تقدير الرضاع طرق ثلاث :

الأوّل : الأثر ، أعني إنبات اللحم ، وشدّ العظم.

الثاني : الزمان ، أعني يوما وليلة.

الثالث : العدد ، أعني العشرة أو الخمسة عشر.

أمّا الأوّل فقد وردت فيه روايات :

منها : ما رواه في الكافي عن عبد الله بن سنان قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « لا يحرم من الرضاع إلاّ ما أنبت اللحم وشدّ العظم » (٢).

ومنها : ما عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن الرضاع ما أدنى ما يحرم منه؟ قال : « ما ينبت اللحم والدم » ثمَّ قال : « أترى واحدة تنبته؟ » فقلت :

__________________

(١) « الكافي » ج ٥ ، ص ٤٤٥ ، باب نوادر في الرضاع ، ح ٧ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٣١٦ ، ح ١٣٠٦ ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح ١٤ ، « الاستبصار » ج ٣ ، ص ١٩٥ ، ح ٧٠٧ ، باب : مقدار ما يحرم من الرضاع ، ح ١٢ ، « وسائل الشيعة » ج ١٤ ، ص ٢٩٠ ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب ٤ ، ح ٢.

(٢) « الكافي » ج ٥ ، ص ٤٣٨ ، باب : حد الرضاع الذي يحرم ، ح ١ ، « وسائل الشيعة » ج ١٤ ، ص ٢٨٩ ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب ٣ ، ح ٢.

٣٤٦

اثنتان أصلحك الله؟ قال : « لا » ، فلم أزل أعدّ عليه حتّى بلغت عشر رضعات » (١).

ومنها : ما عن حمّاد بن عثمان ـ في الصحيح أو الحسن ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا يحرم من الرضاع إلاّ ما أنبت اللحم والدم » (٢).

ومنها : ما رواه في الكافي والتهذيب عن عبد الله بن سنان عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : قلت له : يحرم من الرضاع الرضعة والرضعتان والثلاثة؟ قال : « لا ، إلاّ ما اشتدّ عليه العظم ونبت اللحم » (٣).

ومنها : ما عن مسعدة بن صدقة ـ في الموثق ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا يحرم من الرضاع إلاّ ما شدّ العظم وأنبت اللحم ، فأمّا الرضعة والرضعتان والثلاث حتّى بلغ عشرا إذا كنّ متفرّقات فلا بأس » (٤).

ومنها : ما عن عبيد بن زرارة ـ في الصحيح ـ قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : انا أهل بيت كبير ، فربما كان الفرح والحزن الذي يجتمع فيه الرجال والنساء ، فربما استخفت المرأة انّ تكشف رأسها عند الرجل الذي بينها وبينه رضاع ، وربما استخفّ الرجل أن ينظر إلى ذلك ، فما الذي يحرم من الرضاع؟ فقال : « ما أنبت اللحم والدم ». فقلت : فما الذي ينبت اللحم والدم؟ فقال : « كان يقال : عشر رضعات ». قلت : فهل‌

__________________

(١) « الكافي » ج ٥ ، ص ٤٣٨ ، باب : حد الرضاع الذي يحرم ، ح ٢ ، « وسائل الشيعة » ج ١٤ ، ص ٢٨٨ ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب ٢ ، ح ٢١.

(٢) « الكافي » ج ٥ ، ص ٤٣٨ ، باب : حد الرضاع الذي يحرم ، ح ٥ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٣١٢ ، ح ١٢٩٤ ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح ٢ ، « الاستبصار » ج ٣ ، ص ١٩٣ ، ح ٦٩٩ ، باب : مقدار ما يحرم من الرضاع ، ح ٤ ، « وسائل الشيعة » ج ١٤ ، ص ٢٨٩ ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب ٣ ، ح ١.

(٣) « الكافي » ج ٥ ، ص ٤٣٨ ، باب : حد الرضاع الذي يحرم ، ح ٦ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٣١٢ ، ح ١٢٩٥ ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح ٣ ، « وسائل الشيعة » ج ١٤ ، ص ٢٨٨ ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب ٢ ، ح ٢٣.

(٤) « الكافي » ج ٥ ، ص ٤٣٩ ، باب : حدّ الرضاع الذي يحرم ، ح ١٠ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٣١٣ ، ح ١٢٩٧ ، باب من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ح ٥ ، « وسائل الشيعة » ج ١٤ ، ص ٢٨٧ ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب ٢ ، ح ١٩.

٣٤٧

تحرم عشر رضعات؟ فقال : « دع ذا » ثمَّ قال : « ما يحرم من النسب فهو يحرم من الرضاع » (١).

ومنها : ما رواه في التهذيب ـ في الصحيح ـ عن ابن رئاب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت ما يحرم من الرضاع؟ قال : « ما أنبت اللحم والدم وشدّ العظم ». قلت : فيحرم عشر رضعات؟ قال : « لا ، لأنّه لا ينبت اللحم ولا يشدّ العظم عشر رضعات » (٢).

وظاهر هذه الأخبار ، بل صريح بعضها ـ كخبر الأخير ـ هو أنّ المدار على هذين ، ولا اعتبار بالعدد إلاّ من جهة كونه طريقا إليهما ، فما هو الموضوع الشرعي للتحريم ليس في الحقيقة إلاّ هذين ، أي إنبات اللحم ، وشدّ العظم.

وأمّا الإشكال على أنّه كيف يمكن أن يجعل الشارع شيئا موضوعا لحكمه ، مع عدم إمكان معرفته لأغلب الناس ، لأنّه ليس المراد منهما المرتبة الكاملة منهما ، بحيث كلّ من ينظر إلى المرتضع يرى وجود هذين فيه ، لأنّ تلك المرتبة لا تحصل بارتضاعه يوما وليلة ، أو خمسة عشر رضعة له قطعا ، والمرتبة التي تحصل بهذا المقدار من الارتضاع من الأمور غير المحسوسة التي لا يفهمها غالب الناس ، فيلزم إحالة الحرمة على المجهول.

ففيه أوّلا : أنّ كلّ أحد يدري بأنّ كلّ غذاء ترد إلى المعدة ـ بعد هضمها ودفع المعدة للفضول ـ تتحوّل إلى الدم ، ويجري في العروق الشعريّة ، وبعد وصوله إلى أيّ عضو من الأعضاء؟ تتشكل بشكل ذلك العضو من العظم واللحم وغير ذلك من الأجزاء والأعضاء ، فلا محالة كلّ غذاء يتغذّى به الإنسان ، بل الحيوان ، بل النبات‌

__________________

(١) « الكافي » ج ٥ ، ص ٤٣٩ ، باب : حد الرضاع الذي يحرم ، ح ٩ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٣١٣ ، ح ١٢٩٦ ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح ٤ ، « الاستبصار » ج ٣ ، ص ١٩٤ ، ح ٧٠١ ، باب : مقدار ما يحرم من الرضاع ، ح ٦ ، « وسائل الشيعة » ج ١٤ ، ص ٢٨٧ ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب ٢ ، ح ١٨.

(٢) « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٣١٣ ، ح ١٢٩٨ ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح ٦ ، « وسائل الشيعة » ج ١٤ ، ص ٢٨٣ ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب ٢ ، ح ٢.

٣٤٨

تكون موجبة لنموّ المتغذّي ، لأنّه لا معنى للنموّ إلاّ هذا المعنى ، والقوّة الغاذية مشتركة بين جميع الحيوانات والنباتات.

فبناء على هذا ، حتّى الرضعة الواحدة تكون موجبة لإنبات اللحم وشدّ العظم ، ولكن الشارع لم يجعل مطلق الإنبات ولو كان بالدقّة العقليّة موضوعا لحكمه ، بل كلّ ما يصدق عليه الإنبات عند أهل الخبرة من العرف ، وتلك المرتبة لا تحصل إلاّ برضاع يوم وليلة ، أو بخمسة عشر رضعة ، اللذان لا يكون الفاصل بينها التغذّي بغذاء آخر ، إمّا لانصراف الإطلاق إلى تلك المرتبة ، أو يفهم ذلك من الجعلين الآخرين ، أي الزمان والعدد.

وعلى كلّ حال : الطريق إلى فهم ما جعله الشارع موضوعا موجود ، وهو إمّا فهم أهل الخبرة ، أو الطريقين المجعولين ، أعني : الزمان والعدد.

وثانيا : أنّ الموضوع الواقعي هو الذي يكون فيه مناط الحكم وملاكه ، وفي عالم الإثبات يحتاج إلى طريق لمعرفته. وأمّا في عالم الثبوت فتابع للواقع ، أعني كونه ذا الملاك ، فيمكن أن يكون الموضوع الواقعي هو إنبات اللحم وشدّ العظم ، ولكن حيث لا طريق إلى معرفته في مقام الإثبات وهو لازم أعمّ لملزومين :

أحدهما : ارتضاع يوم وليلة. ثانيهما : ارتضاع خمسة عشر رضعة جعل الشارع في مقام الإثبات موضوع حكمه أحد العنوانين ، أي الزمان والعدد ، فإنبات اللحم وشدّ العظم موضوع ثبوتي واقعي ، والزمان والعدد موضوع إثباتي ، وفي كلّية الأحكام المعلّلة الموضوع الواقعي هي العلّة إذا كانت قابلة لتعلّق التكليف به.

ثمَّ إنّه على تقدير كون الموضوع هو إنبات اللحم وشدّ العظم مطلقا ـ سواء أكان حصولها بنفس المقدار المعيّن من الزمان أو العدد ، أو بأقلّ منهما ، أو بأكثر منهما ، بأن لا يكون ملازمة بينهما وبين هذا الموضوع ، أعني : إنبات اللحم وشدّ العظم ، وكون قول أهل الخبرة طريقا إلى معرفتهما ـ فهل حجّية قولهم من جهة كونه بيّنة كي يعتبر‌

٣٤٩

فيه العدد والعدالة ، أو من جهة أنّ قول أهل الخبرة في نفسه حجّة من دون لزوم اندارجه تحت أدلّة حجّية البيّنة لبناء العقلاء على حجّية قولهم والرجوع إليهم ولو كان واحدا وفاسقا ، بل كان كافرا. كلّ ذلك من جهة بناء العقلاء وعدم ردع الشارع لهذا البناء؟

الظاهر هو الأخير ، لأنّ كلام أهل الخبرة في هذه المقامات ليس من جهة إحساسهم بأحد الحواسّ الخمسة الظاهريّة شيئا لا يدركه من عداهم ، لأنّه ربما يكون غير أهل الخبرة أقوى حواسّا من أهل الخبرة ، بل يكون من جهة إعمال رأيهم ونظرهم ، ولو كان هذا الرأي قد حصل لهم من ناحية الإحساس ، فبناء على هذا لا يحتاج إلى التعدّد ولا إلى العدالة.

ثمَّ إنّ في بعض هذه الأخبار كان بدل شدّ العظم « إنبات الدم » كما في روايتي عبيد بن زرارة ورواية حمّاد بن عثمان ، والظاهر أنّه ملازمة بين إنبات اللحم والدم مع إنبات اللحم وشدّ العظم ، لأنّه ليس المراد من إنبات الدم هو تحوّل الغذاء إلى الدم ، إذ لا يصدق عليه الإنبات في ذلك الوقت ، بل المراد به الدم الذي يجري في العروق الشعريّة ، ويأخذ كلّ عضو وجزء من الأعضاء والأجزاء النامية مقدارا منه ، ويصير من سنخ ذلك الجزء ، فالعظم أيضا مثل سائر الأجزاء له نصيب من هذا الدم.

فمعنى إنبات الدم أي صيرورة الجارية في العروق الشعريّة من سنخ الأعضاء المتغذّية بذلك الدم ، فيكون العنوانات ـ أي : عنوان إنبات اللحم ، والدم ـ مع عنوان إنبات اللحم وشدّ العظم متلازمين ، لا ينفكّ أحدهما عن الآخر.

فلا يبقى مجال لأن يقال : هل كلّ واحد منهما موضوع مستقلّ ، أو لا بدّ من اجتماع كلا العنوانين ، أو أحدهما موضوع دون الآخر؟ فيقع التعارض بين الأخبار التي مؤدّاها عنوان إنبات اللحم والدم ، مع التي مؤدّاها عنوان إنبات اللحم وشدّ العظم كي نحتاج إلى إعمال قواعد باب التعارض.

٣٥٠

وقد عرفت ممّا ذكرنا أيضا أنّه لا انفكاك بين عنوان إنبات اللحم وشدّ العظم ، بل هما متلازمان ومعلولان لعلّة واحدة. وهي وصول الدم الذي تحوّل إليه الغذاء الواردة إلى المعدة بعد طبخها وهضمها فيها إلى كلّ جزء من أجزاء البدن ، فيحصل من هذا الوصول أمران : أحدهما إنبات اللحم ، ثانيهما شدّ العظم ، ولا يمكن أن يتخلّف أحدهما عن الآخر ، وإلاّ يلزم تخلّف المعلول عن العلّة.

نعم تقدّم : أنّ لازم هذا البيان أنّ الرضعة الواحدة ، بل المصة الواحدة تكون كافية في التحريم ، كما ذهب إليه جمع من أهل الخلاف ، والقاضي نعمان المصري منّا (١).

وقد أجبنا عن ذلك : بأنّ الموضوع للحكم ليس هو مطلق الإنبات والشدّ ولو كان بالدقّة العقليّة ، بل ما هو مصداق بنظر أهل العرف من أهل الخبرة بواسطة انصراف الإطلاق إلى ذلك ، أو من جهة أخبار التقدير بالزمان والعدد.

فلا حاجة إلى ما ذكره شيخنا الأعظم قدس‌سره من أنّ مقتضى النصوص المذكورة هو اعتبار تحقّق كلا الأمرين واجتماعهما ، أي : إنبات اللحم وشدّ العظم (٢) ، لما ذكرنا من تلازمهما وعدم انفكاكهما. نعم لو لم يكن بينهما تلازم كان ما ذكره قدس‌سره وجيها.

ولم يكن وجه لما ذكره شيخنا الشهيد قدس‌سره (٣) لأنّ عطف شدّ العظم على إنبات اللحم بالواو يدلّ على ذلك.

وينفي ما ذهب إليه الشهيد قدس‌سره من الاجتزاء بكلّ واحد من الأمرين ، وذلك لأنّ مفاد العطف بالواو هو الجمع.

ثمَّ إنّه لا وجه لاحتمال أن يكون المراد من إنبات اللحم والدم ، أو إنبات اللحم وشدّ العظم قابليّة الطفل لأنّ يصير كذلك بالارتضاع لو لم يكن عروض عارض وطروّ‌

__________________

(١) تقدم راجع ص ٣٤٣ ـ ٣٤٤.

(٢) « كتاب المكاسب » ج ٣٧٨.

(٣) « مسالك الأفهام » ج ١ ، ص ٣٧٢.

٣٥١

مانع ، فيقال في الطفل المريض مثلا لو لم يكن المرض لكان ينبت له اللحم ويشتدّ له العظم بهذا الارتضاع.

وذلك من جهة ظهور كلّ عنوان أخذ موضوعا للحكم ، أو من أجزاء موضوعه ، أو من شرائطه في فعليّته ، لا أنّه موضوع بأعمّ من الفعليّة ، فقوله تعالى ( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) (١) جعل الإرث لمن يكون ولدا بالفعل ، لا للنطفة المستقرّة في الرحم التي كانت تصير ولدا لو لا عروض المانع. وهذا واضح لا يحتاج إلى شرح وإيضاح.

وأمّا الثاني ، أي التحديد والتقدير بالزمان ، فقد ورد فيه روايتان :

الأولى : موثّقة زياد بن سوقة ، قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام هل للرضاع حدّ يؤخذ به؟ فقال : « لا يحرم الرضاع أقلّ من يوم وليلة ، أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد ، ولم يفصل بينهما رضعة امرأة غيرها ، فلو أنّ امرأة أرضعت غلاما وجارية عشر رضعات من لبن فحل واحد ، وأرضعتهما امرأة أخرى من لبن فحل آخر عشر رضعات لم يحرم نكاحهما » (٢).

الثانية : مرسل المقنع سأل الصادق عليه‌السلام هل لذلك حدّ؟ فقال : « لا يحرم من الرضاع إلاّ رضاع يوم وليلة ، أو خمس عشرة رضعة متواليات لا يفصّل بينهن » (٣).

والظاهر أنّ هذا الرواية الثانية غير الرواية الأولى ، لأنّ الأولى كانت مرويّة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، وهذه الرواية مرويّة عن الصادق عليه‌السلام.

__________________

(١) النساء (٤) : ١١.

(٢) « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٣١٥ ، ح ١٣٠٤ ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح ١٢ ، « الاستبصار » ج ٣ ، ص ١٩٢ ، ح ٦٩٦ ، باب : مقدار ما يحرم من الرضاع ، ح ١ ، « وسائل الشيعة » ج ١٤ ، ص ٢٨٣ ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب ٢ ، ح ١.

(٣) « المقنع » ص ١١٠ ، باب بدو النكاح ، « وسائل الشيعة » ج ١٤ ، ص ٢٨٦ ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب ٢ ، ح ١٤.

٣٥٢

واحتمال أن يكون الصادق وصفا لأبي جعفر عليه‌السلام خلاف مصطلح الأخبار.

ودلالة هاتين الروايتين على المدّعى ـ أي : التقدير بالزمان ـ واضح جليّ ، وصريحهما أنّ حدّ الرضاع المحرّم بحسب الزمان يوم وليلة ، ولا يكون أقلّ من ذلك ، ولا يحتاج إلى أكثر من هذا.

وأمّا سندهما وإن كانت الثانية مرسلة لا تشملها أدلّة حجّية الخبر الواحد في نفسه ، لما بيّنّا في الأصول أنّ مفاد تلك الأدلّة حجّية الخبر الموثوق الصدور ، ولكن حيث أنّ العمل بها مجمع عليه بين الأصحاب ، ولم يخالف أحد منهم في العمل بمفاد هاتين الروايتين ، فتدخلان تحت أدلّة الحجّية من هذه الجهة.

هذا ، مضافا إلى أنّ الأولى حجّة في نفسه ، لكونها موثّقة ، وعلى كلّ حال العمل بهما متعيّن.

وأمّا الروايات الأخر الواردة في التقدير بحسب الزمان ـ المعارضة مع هاتين مضمونا ومن حيث المؤدّى ـ فمطروحة أو تأوّل ، لإعراض الأصحاب عنها وعدم اعتنائهم بها ، كالتقدير بثلاثة أيّام متواليات في الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا عليه‌السلام قال فيه : « والحدّ الذي يحرم به الرضاع ممّا عليه عمل العصابة دون كلّ ما روى ، فإنّه مختلف ما أنبت اللحم وقوي العظم ، وهو رضاع ثلاثة أيّام متواليات ، أو عشرة رضعات متواليات محرّرات مرويّات بلبن الفحل » (١).

وكالتقدير بخمسة عشر يوما ولياليهنّ في مرسلة الصدوق أنّه سأل الصادق عليه‌السلام « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، ولا يحرم من الرضاع إلاّ رضاع خمسة عشر يوما ولياليهنّ ، وليس بينهنّ رضاع ».

وكالتقدير بسنة في صحيح علاء بن رزين عن الصادق عليه‌السلام سألته عن الرضاع؟

__________________

(١) « فقه الرّضا » ص ٢٣٤ ، باب : النكاح والمتعة والرضاع.

٣٥٣

فقال : « لا يحرم من الرضاع إلاّ ما ارتضع من ثدي واحد سنة » (١).

وكالتقدير بحولين كاملين ، كخبر الحلبي عن الصادق عليه‌السلام : « لا يحرم من الرضاع إلاّ ما كان حولين كاملين » (٢).

وكخبر عبيد بن زرارة عنه عليه‌السلام أيضا سألته عن الرضاع؟ فقال : « لا يحرم من الرضاع إلاّ ما ارتضعا من ثدي واحد حولين كاملين » (٣).

فهذه الروايات ولو أنّ بعضها صحيح بحسب السند ، ولكن الأصحاب حيث أعرضوا عنها قديما وحديثا ولم يعتنوا بها سقطت عن الاعتبار ، بل قالوا كلّما ازداد صحّة ازداد وهنا ، وما أحسن عبارة المحقّق في المعتبر حيث قال فيه : فما قبله الأصحاب أو دلّت القرائن على صحّته عمل به ، وما أعرض الأصحاب عنه ، أو شذّ يجب طرحه (٤).

ثمَّ إنّ ها هنا فروع‌

منها : أنّه لو أرضعت الولد يوما وليلة ولكن برضعات ناقصة ، هل يؤثّر مثل هذا الرضاع في نشر الحرمة ، أو يلزم أن يكون برضعات تامّة؟

والجواب : أنّه لا فرق بين أن يكون إرضاعها بالرضعات الكاملة أو الناقصة ، إذ‌

__________________

(١) « الفقيه » ج ٣ ، ص ٤٧٧ ، ح ٤٦٧٣ ، باب الرضاع ، ح ١٣ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٣١٨ ، ح ١٣١٥ ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح ٢٣ ، « الاستبصار » ج ٣ ، ص ١٩٨ ، ح ٧١٨ ، باب : مقدار ما يحرم من الرضاع ، ح ٢٣ ، « وسائل الشيعة » ج ١٤ ، ص ٢٨٦ ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب ٢ ، ح ١٣.

(٢) « الفقيه » ج ٣ ، ص ٤٧٧ ، ح ٤٦٧٥ ، باب الرضاع ، ح ١٥ ، « وسائل الشيعة » ج ١٤ ، ص ٢٩٢ ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب ٥ ، ح ١٠.

(٣) « الفقيه » ج ٣ ، ص ٤٧٧ ، ح ٤٦٧٤ ، باب الرضاع ، ح ١٤ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٣١٧ ، ح ١٣١٠ ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح ١٨ ، « الاستبصار » ج ٣ ، ص ١٩٧ ، ح ٧١٣ ، باب : مقدار ما يحرم من الرضاع ، ح ١٨ ، « وسائل الشيعة » ج ١٤ ، ص ٢٩٢ ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب ٥ ، ح ٨.

(٤) « المعتبر » ج ١ ، ص ٢٩ ، مقدمة الكتاب ، الفصل الثالث : في مستند الأحكام.

٣٥٤

أنّ هذه الكلمة ـ أي : رضاع يوم وليلة بعد معلوميّة أنّه ليس المراد منها اتّصال الرضاع في هذه المدّة ، أي يكون الطفل مشغولا بالارتضاع في تمام هذه المدّة كي يكون المجموع رضعة واحدة ، لأنّ هذا المعنى غير ممكن وقوعها عادة ـ ظاهرة في أن يكون الولد في تمام هذه المدّة يرتضع بنحو المتعارف ، بحيث يشبع إذا جاع ، فلا فرق بين أن يكون إشباعه بعد أن جاع برضعات كاملة ، أو كان برضعات ناقصة. فلو أرضعته رضعة ناقصة ، ثمَّ أكملته برضعة أخرى ، وهكذا إلى تمام يوم وليلة يصدق أنّه رضاع يوم وليلة ، أو أنّه ليس بأقلّ منها.

ومنها : أنّه هل لا بدّ من أن يكون ابتداء الرضاع في أوّل النهار إلى تمام الليل ، أو ابتدائه من أوّل الليل إلى انتهاء النهار ، أو يكفي الملفّق منهما؟

الظاهر كفاية التلفيق لصدق رضاع يوم وليلة على الملفّق منهما ، لأنّه لا خصوصيّة لعنوان اليوم الكامل أو الليلة الكاملة ، بل المراد امتداد زمان الرضاع حتّى ينبت اللحم ويشدّ العظم ، ولا أثر لخصوصيّة بياض اليوم وسواد الليل ، حتّى إنّه لو كان من الممكن امتداد زمان الرضاع أربعة وعشرين ساعة متّصلة ـ كلّه من الليل أو كلّه من النهار ـ لكان كافيا ، لكنّه غير ممكن.

ويمكن أن يقال كما أفاده شيخنا الأعظم قدس‌سره (١) : إنّ قوله عليه‌السلام : « لا يكون أقلّ من رضاع يوم وليلة » أظهر في صدقه على الملفّق من صدق رضاع يوم وليلة ، لأنّ لفظة « لا يكون أقلّ من زمان كذا » ربما يكون قرينة على أنّ المراد من اليوم والليلة ليس عنوان اليوم الكامل والليلة هكذا.

ومنها : أنّه لو أطعمه في أثناء اليوم والليلة بطعام آخر ، هل يكون مضرّا بصدق رضاع يوم وليلة أم لا؟

الظاهر عدم كفاية ذلك الرضاع حينئذ ، لأنّ الظاهر من هذه الكلمة « أن يكون‌

__________________

(١) الشيخ الأنصاري في « كتاب المكاسب » ص ٣٧٩ ، في شروط انتشار الحرمة بالرضاع.

٣٥٥

غذاؤه بحسب المتعارف مدّة يوم وليلة » هو هذا الرضاع ، نعم لو كان الطعام الآخر قليلا بحيث لا ينافي صدق هذا العنوان عليه ، فليس بمضرّ.

ومنها : أنّه هل يعتبر حال هذا الطفل في الإرضاع أو أوساط الأطفال؟

الظاهر هو ما ذكرنا من إشباع شخص هذا الطفل ، سواء أكان شربه لللبن أكثر من المتعارف أو أقلّ ، أو كان على المتعارف.

ومنها : أنّه هل يعتبر احتمال تأثير هذا الرضاع في إنبات اللحم وشدّ العظم ، أم لا؟

الظاهر لزوم هذا الاحتمال ، كما هو مفاد بعض الأخبار السابقة (١).

الثالث : التقدير بالعدد ، وقد عرفت عدم صحّة ما حكى عن القاضي نعمان المصري من التحرير بمسمّى الرضاع (٢) ، وهكذا ما حكى عن الإسكافي من كفاية الرضعة الواحدة في نشر الحرمة (٣) ، وقلنا إنّ الروايات التي استدلّوا بها لهذين القولين مأوّل أو مطروح (٤) ، لإعراض الأصحاب عنها.

والمشهور بين الإماميّة في التحديد بالعدد قولان :

أحدهما : العشر رضعات.

ثانيهما : خمسة عشر رضعة ، ولعله أشهر القولين ، بل ما هو المشهور بين المتأخّرين هو الأخير ، أي الخمسة عشر رضعة.

والمدرك لكلّ واحد من القولين هي الروايات الواردة في هذا الباب.

فمدرك القول بالعشر أخبار :

__________________

(١) تقدم راجع ص ٣٤٨ ، هامش رقم (٢).

(٢) تقدم راجع ص ٣٤٤.

(٣) تقدم راجع ص ٣٤٥ ، هامش رقم (٢).

(٤) تقدم راجع ص ٣٤٤ ـ ٣٤٦.

٣٥٦

منها : رواية فضيل بن يسار عن الباقر عليه‌السلام قال : « لا يحرم من الرضاع إلاّ ما كان مخبورا ». قلت : وما المخبور؟ قال : « أم مربيّة أم تربي أو ظئر تستأجر أو خادم تشتري أو ما كان مثل ذلك موقوفا عليه » (١).

ومنها : الموثّق عن عمر بن يزيد ، قال : سألت الصادق عليه‌السلام عن الغلام يرضع الرضعة والثنتين؟ فقال : « لا يحرم » فعددت عليه حتّى أكملت عشر رضعات؟ قال : « إذا كانت متفرّقة فلا » (٢).

ومنها : خبر عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن الرضاع ما أدنى ما يحرم منه؟ قال : « ما ينبت اللحم والدم » ثمَّ قال : « أترى واحدة تنبته؟ » فقلت : اثنتان أصلحك الله فقال : « لا » فلم أزل أعد عليه حتّى بلغت عشر رضعات » (٣).

ومنها : خبره الآخر أيضا في حديث ، إلى أن قال : فما الذي يحرم من الرضاع؟ فقال : « ما أنبت اللحم والدم ». فقلت : وما الذي ينبت اللحم والدم؟ فقال : « كان يقال عشر رضعات ». قلت : فهل تحرم عشر رضعات؟ وقال : « دع ذا ، ما يحرم من النسب فهو يحرم من الرضاع » (٤).

ومدرك القول بالخمسة عشر أيضا أخبار :

منها : ما تقدّم عن زياد بن سوقة في القسم الثاني من تحديد الرضاع ، أي : التقدير بالزمان ، في الموثق وهو قوله عليه‌السلام فيه : « لا يحرم الرضاع أقلّ من رضاع يوم وليلة ، أو‌

__________________

(١) « معاني الأخبار » ص ٢١٤ ، باب : معنى قول الصادق عليه‌السلام « لا يحرم من الرضاع إلاّ ما كان مجبورا » ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٣٢٤ ، ح ١٣٣٤ ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح ٤٢ ، « وسائل الشيعة » ج ١٤ ، ص ٢٨٤ ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب ٢ ، ح ٧.

(٢) « الكافي » ج ٥ ، ص ٤٣٩ ، باب : حد الرضاع الذي يحرم ، ح ٨ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٣١٤ ، ح ١٣٠٢ ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح ١٠ ، « الاستبصار » ج ٣ ، ص ١٩٤ ، ح ٧٠٣ ، باب : مقدار ما يحرم من الرضاع ، ح ٨ ، « وسائل الشيعة » ج ١٤ ، ص ٢٨٣ ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب ٢ ، ح ٥.

(٣) تقدم راجع ص ٣٤٧ ، هامش رقم (١).

(٤) تقدم راجع ص ٣٤٨ ، هامش رقم (١).

٣٥٧

خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد ولم يفصل بينها رضعة امرأة غيرها ، فلو أنّ امرأة أرضعت غلاما أو جارية عشر رضعات من لبن فحل واحد ، وأرضعتهما امرأة أخرى من لبن فحل آخر عشر رضعات لم يحرم نكاحهما » (١).

ومنها : مرسل مقنع الذي تقدّم في ذلك المقام أيضا ، وهو : سئل الصادق عليه‌السلام هل لذلك حد؟ فقال عليه‌السلام : « لا يحرم من الرضاع إلاّ رضاع يوم وليلة ، أو خمس عشرة رضعات متواليات لا يفصّل بينهن » (٢).

ومنها : موثّقة عبيد بن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول « عشر رضعات لا يحرمنّ شيئا » (٣).

ومنها : صحيحة علىّ بن رئاب ، عن الصادق عليه‌السلام قال : قلت : ما يحرم من الرضاع؟ قال : « ما أنبت اللحم وشدّ العظم ». قلت : فيحرم عشر رضعات؟ قال : « لا ، لأنّه لا تنبت اللحم ولا تشدّ العظم عشر رضعات » (٤).

ومنها : ما في التهذيب عن ابن بكير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقال : « عشر رضعات لا تحرم » (٥).

هذه جملة من الروايات الواردة في مدرك هذين القولين.

__________________

(١) تقدم راجع ص ٣٥٢ ، هامش رقم (٢).

(٢) تقدم راجع ص ٣٥٢ ، هامش رقم (٣).

(٣) « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٣١٣ ، ح ١٢٩٩ ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح ٧ ، « الاستبصار » ج ٣ ، ص ١٩٥ ، ح ٧٠٦ ، باب : مقدار ما يحرم من الرضاع ، ح ١١ ، « وسائل الشيعة » ج ١٤ ، ص ٢٨٣ ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب ٢ ، ح ٣.

(٤) تقدم راجع ص ٣٤٨ ، هامش رقم (٢).

(٥) « قرب الإسناد » ص ١٧٠ ، ح ٦٢٢ ، أحاديث متفرقة ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٣١٣ ، ح ١٣٠٠ ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح ٨ ، « وسائل الشيعة » ج ١٤ ، ص ٢٨٣ ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب ٢ ، ح ٤.

٣٥٨

وهناك وردت رواية أخرى مفادها عدم التحريم بخمسة عشر رضعة ، وهو ما رواه عمر بن يزيد قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « خمسة عشر رضعة لا تحرم » (١) ولكنّها مؤولة أو مطروحة ، للإجماع على خلافها.

ففي التقدير بالعدد يدور الأمر بين هذين القولين ، فإذا بطل أحدهما يثبت الآخر ، للإجماع على عدم تحريم أقلّ من العشرة ، ولا لزوم الزيادة على الخمسة عشر ، وعدم القول بتحريم ما زاد على العشرة مع كونه دون الخمسة عشر إلاّ من جهة كون العشرة محرّما ومندرجا تحته ، وإلاّ فالمتوسّط بين العشرة والخمسة عشر لم يجعل موضوعا للتحريم إجماعا.

إذا عرفت هذا ، فنقول : ذهب المفيد (٢) والمعاني (٣) وسلار (٤) والقاضي (٥) والتقي (٦) وابن حمزة (٧) والعلاّمة في المختلف (٨) وولده (٩) والشهيد في اللمعة قدس‌سرهم (١٠) إلى التقدير بالعشر ، ومستندهم في ذلك ـ بعد الإطلاقات ـ الروايات المتقدّمة ، أي رواية فضيل بن يسار باعتبار ذيلها ، أي قوله عليه‌السلام : « ثمَّ ترضع عشر رضعات يروى الصبيّ وينام » (١١) وموثّق‌

__________________

(١) « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٣١٤ ، ح ١٣٠١ ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح ٩ ، « الاستبصار » ج ٣ ، ص ١٩٣ ، ح ٦٩٧ ، باب مقدار ما يحرم من الرضاع ، ح ٢ ، « وسائل الشيعة » ج ١٤ ، ص ٢٨٤ ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب ٢ ، ح ٦.

(٢) « المقنعة » ص ٥٠٢.

(٣) « مختلف الشيعة » ج ٧ ، ص ٢٩ ، في المحرمات بالرضاع ، حكى عن العمّاني.

(٤) « المراسم » ص ١٤٩.

(٥) « المهذب » ج ٢ ، ص ١٩٠.

(٦) « الكافي في الفقه » ص ٢٨٥.

(٧) « الوسيلة » ص ٣٠١.

(٨) « مختلف الشيعة » ج ٧ ، ص ٣٠.

(٩) « إيضاح الفوائد » ج ٣ ، ص ٤٦.

(١٠) « اللمعة الدمشقية » ص ١٨٧ ، كتاب النكاح ، الفصل الثالث : في المحرمات.

(١١) تقدم راجع ص ٣٥٧ ، هامش رقم (١).

٣٥٩

عمر بن يزيد ، (١) وخبري عبيد بن زرارة (٢).

وفيه : أنّ الإطلاقات على فرض وجودها مخصّصة بالروايات المتقدّمة في التقدير بالأثر وما تقدّم في أوّل هذا العنوان ـ أعني : صحيحة على بن رئاب (٣) ، وموثّقة عبيد بن زرارة (٤) ، وخبر ابن بكير (٥) ـ فلا يبقى وجه للتمسّك بالإطلاقات أصلا.

أمّا الروايات ، فعمدتها رواية فضيل بن يسار ، حيث أنّها تدلّ بمنطوقها على تحريم عشر رضعات بخلاف سائرها ، فإنّها لو كانت دالّة تكون دلالتها بالمفهوم ، مع وجود مناقشات كثيرة فيها سنذكر بعضها إن شاء الله تعالى.

وهذه الرواية مخدوشة من جهات :

فأوّلا : من جهة سندها ، لأنّ فيه محمّد بن سنان ، وقال النجاشي في حقّه : وهو رجل ضعيف جدّا ، لا يعول عليه ، ولا يلتفت إلى ما تفرّد به ، وحكى عن الكشّي ، عن محمّد بن قتيبة النيشابوري ، عن الفضل بن شاذان أنّه قال : لا أحلّ لكم إن ترووا أحاديث محمّد بن سنان (٦) وطعن عليه الكشي أيضا (٧).

وثانيا : من جهة مضمونها باعتبار حصرها المحرّم في المجبور ، مع أنّه ليس كذلك إجماعا ، لأنّه لو لم تكن المرضعة أمّا ولا مستأجرة ولا أمة أيضا يوجب إرضاعها التحريم إجماعا.

وثالثا : من جهة متنها ، فإنّ الصدوق قدس‌سره رواها بدون ذلك الذيل ، أي قوله عليه‌السلام :

__________________

(١) تقدم راجع ص ٣٥٧ ، هامش رقم (٢).

(٢) تقدم راجع ص ٣٤٧ ، هامش رقم (١) ، وص ٣٤٨ ، هامش رقم (١).

(٣) تقدم راجع ص ٣٤٨ ، هامش رقم (٢).

(٤) تقدم راجع ص ٣٤٧ ، هامش رقم (١).

(٥) تقدم راجع ص ٣٥٨ ، هامش رقم (٥).

(٦) « رجال النجاشي » ص ٣٢٨ ، رقم (٨٨٨).

(٧) « رجال الكشي » ص ٣٨٩ ، ح ٧٢٩ ، وص ٥٠٧ ، ح ٩٧٩ و ٩٨٠.

٣٦٠