القواعد الفقهيّة - ج ٤

آية الله السيّد محمّد حسن البجنوردي

القواعد الفقهيّة - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد حسن البجنوردي


المحقق: مهدي المهريزي
الموضوع : الفقه
الناشر: نشر الهادي
المطبعة: مؤسسة الهادي
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-400-030-7

الصفحات: ٤٢٣

والخالات ، وبنات الأخ ، وبنات الأخت.

والرضاع الذي هو عبارة عن امتصاص الثدي ، أو الضرع ، أو مطلق شرب اللبن ـ كما بيّنّاه ـ أيضا يوجب حدوث إضافات حقيقيّة ونسب خارجيّة مقوليّة مثل الولادة طابق النعل بالنعل ، فالولد الذي ارتضع من ثدي امرأة ، له نسبة مع المرضعة تسمّى بالبنوّة ، كما أنّ للمرضعة أيضا نسبة معه تسمّى بالأمومة ، وأيضا للولد المرتضع نسبة مع زوج المرضعة الذي هو صاحب اللبن تسمّى أيضا بالبنوّة ، كما أنّ لصاحب اللبن نسبة مع الولد المرتضع تسمّى بالأبوّة وهكذا الحال بالنسبة إلى سائر الإضافات التي تحصل من الولادة ، تحصل كلّها من الرضاع أيضا.

وكلّ هذه الإضافات والنسب الحاصلة من الولادة أو من الرضاع خارجيّة حقيقيّة ومقوليّة تكوينيّة ، وليس من الاعتباريات الصرفة التي لا وجود لها في الأعيان أصلا ، بل هي موجودة في الخارج ، سواء أكان في العالم معتبر أو لم يكن.

نعم تسمية تلك الإضافات بتلك الأسماء اعتبارات من الواضعين ، كما هو الحال بالنسبة إلى جميع الألفاظ الموضوعة لمعانيها ، ولذلك تختلف باختلاف الأمم واللغات ، وهذا واضح جدّا.

ثمَّ لا يخفى أنّ الإضافة الحاصلة من الرضاع ليس أضعف من الإضافة الحاصلة من الولادة بتوهّم عدم ترتّب جميع الآثار المترتّبة على الحاصلة من الولادة على الحاصلة من الرضاع ، كالتوارث مثلا.

وذلك من جهة أنّه من الممكن أن يكون وجه عدم الترتّب عدم جعل الشارع إحدى الإضافتين موضوعا مع ترتيبه الأثر على الأخرى بدون أن يكون اختلاف في الإضافتين من حيث الشدّة والضعف ، بل تصوير الاختلاف بالشدّة والضعف في سنخ واحد من الإضافة ـ كالأبوّة أو الأمومة مثلا ـ في الحاصلة من الولادة مع الحاصلة من الرضاع لا يخلو من غموض وإشكال.

٣٢١

ثمَّ إنّ الألفاظ الموضوعة لهذه النسب والإضافات ، كالأب والأمّ وغيرهما هل موضوعة للجامع بين القسمين؟ بمعنى أنّ لفظ الأمّ ـ مثلا ـ موضوع للجامع بين الأمومة الحاصلة من الولادة ، والحاصلة من الرضاع كي تكون آية تحريم نكاح العناوين السبعة ـ أعنى : الأمّهات والبنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت ـ دالّة على تحريم ما يحصل من هذه العناوين بالرضاع ، كما تدلّ على تحريم ما يحصل منها بالولادة من دون احتياج إلى دليل آخر.

أو مشترك لفظي بينهما ، كي لا تكون دالّة على ذلك ، لأنّ استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد لا يجوز ، وإرادة هذه العناوين الحاصلة من الولادة معلوم من الآية ، فيحتاج ـ تحريم ما يحصل من هذه العناوين من الرضاع ـ إلى دليل آخر غير الآية؟

أو تكون حقيقة في الحاصلة من الولادة ، ومجاز في ما يحصل من الرضاع. وبناء على هذا أيضا تحريم ما يحصل من الرضاع يحتاج إلى دليل آخر؟ احتمالات.

الأقرب هو الأخير ، لأنّ هذا تنزيل شرعيّ ، وإلاّ عند العرف هذه العناوين ظاهرة في الحاصلة من الولادة ، حتّى أنّ الشارع لو لم يجعل الرضاع سببا محرّما لما كان يلتفت العرف إلى هذه العناوين بالنسبة إلى الرضاع أصلا ، خصوصا في ما عدى الأمّ والأخت.

الجهة الثانية

في الدليل على هذه القاعدة‌

وهو ثلاثة :

الأوّل : الآية الشريفة ، وهي قوله تعالى ( وَأُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ

٣٢٢

مِنَ الرَّضاعَةِ ). (١)

ولكن في هذه الآية الشريفة لم يذكر ممّا يحرم بالرضاع إلاّ موردين : أمّ الرضاعيّة ، والأخت من الرضاعة ، وأمّا سائر ما يحرم بالنسب ـ كالعمّة والخالة وبنات الأخ وبنات الأخت وغيرها ـ فيستفاد حرمتها من الحديث الشريف المرويّ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » (٢).

الثاني : الإجماع ، بل هو من ضروريّات الدين ، ولا خلاف فيه في الجملة بين المسلمين. نعم هناك اختلاف بين الفقهاء في تحقّق الرضاع الشرعي الذي جعل موضوعا لحرمة التزويج من حيث شروط الرضاع ، بعضها يتعلّق بالرضيع ، وبعضها بمدّة الرضاع ، وبعضها بكيفيّة الارتضاع ، وبعضها بالمرضعة ، وسنذكرها وما هو المختار منها إن شاء الله تعالى.

الثالث : الأخبار.

فمنها : النبويّ الذي رواه الفريقان : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ».

ومنها : ما رواه في الكافي والتهذيب عن عبد الله بن سنان ـ في الصحيح ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : « يحرم من الرضاع ما يحرم من القرابة » (٣).

ومنها : ما رواه في الكافي عن عبد الله بن سنان ـ في الصحيح أو الحسن ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « لا يصلح للمرأة أن ينكحها عمّها ولا خالها من الرضاعة » (٤).

__________________

(١) النساء (٤) : ٢٣.

(٢) « الفقيه » ج ٣ ، ص ٤٧٥ ، ح ٤٦٦٥ ، باب الرضاع ، ح ٥ ، « وسائل الشيعة » ج ١٤ ، ص ٢٨٠ ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب ١ ، ح ١ ، « صحيح البخاري » ج ٣ ، ص ٢٢٢ ، باب الشهادة على الأنساب ، والرضاع المستفيض ، « صحيح مسلم » ج ٢ ، ص ١٠٧٠ ، ح ١٤٤٥ ، كتاب الرضاع ، ح ٩ ، باب تحريم الرضاعة من ماء الفحل ، « مسند أحمد » ج ١ ، ص ٤٥٤ ، ح ٢٤٨٦ ، مسند عبد الله بن عباس.

(٣) « الكافي » ج ٥ ، ص ٤٣٧ ، باب الرضاع ، ح ١ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٢٩١ ، ح ١٢٢٢ ، باب من أحلّ الله نكاحه من النساء وحرم منهن في شرع الإسلام ، ح ٥٨.

(٤) « الكافي » ج ٥ ، ص ٤٤٥ ، باب نوادر في الرضاع ، ح ١٠ ، « وسائل الشيعة » ج ١٤ ، ص ٣٠٠ ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب ٨ ، ح ٥.

٣٢٣

ومنها : ما رواه في الكافي والفقيه عن أبي عبيدة الحذاء ـ في الصحيح ـ قال :

سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « لا تنكح المرأة على عمّتها ، ولا على خالتها ، ولا على أختها من الرضاعة » (١).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « عرضت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابنة حمزة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أما علمت أنّها ابنة أخي من الرضاعة؟ وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعمّه قد رضعا من امرأة » (٢).

ومنها : ما رواه في الكافي عن عبد الله بن سنان ـ في الصحيح ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سئل وأنا حاضر عن امرأة أرضعت غلاما مملوكا لها من لبنها حتّى فطمته ، هل لها أن تبيعه؟ قال : فقال : « لا ، هو ابنها من الرضاعة ، حرم عليها بيعه وأكل ثمنه » قال : ثمَّ قال : « أليس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب؟ » (٣).

ومنها : ما رواه الشيخ ـ في الصحيح ـ عن الحلبي وابن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في امرأة أرضعت ابن جاريتها قال : « تعتقه » (٤).

ومنها : ما رواه عن أبي بصير وأبي العباس وعبيد ، كلّهم جميعا عن أبي‌

__________________

(١) « الكافي » ج ٥ ، ص ٤٤٥ ، باب نوادر في الرضاع ، ح ١١ ، « وسائل الشيعة » ج ١٤ ، ص ٣٠٤ ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب ١٣ ، ح ١.

(٢) « الكافي » ج ٥ ، ص ٤٤٥ ، باب نوادر في الرضاع ، ح ١١ ، « الفقيه » ج ٣ ، ص ٤١١ ، ح ٤٤٣٦ ، باب ما أحلّ الله عزّ وجلّ من النكاح وما حرّم منه ، ح ٢١ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٢٩٢ ، ح ١٢٢٩ ، باب من أحلّ الله نكاحه من النساء وحرّم منهن في شرع الإسلام ، ح ٦٥ ، « وسائل الشيعة » ج ١٤ ، ص ٣٠٠ ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب ٨ ، ح ٦.

(٣) « الكافي » ج ٥ ، ص ٤٤٦ ، باب نوادر في الرضاع ، ح ١٦ ، « وسائل الشيعة » ج ١٤ ، ص ٣٠٧ ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب ١٧ ، ح ١.

(٤) « تهذيب الأحكام » ج ٨ ، ص ٢٤٣ ، ح ٨٧٨ ، باب العتق وأحكامه ، ح ١١١ ، « وسائل الشيعة » ج ١٤ ، ص ٣٠٧ ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب ١٧ ، ح ٢.

٣٢٤

عبد الله عليه‌السلام قال : « لا يملك أمّه من الرضاعة ، ولا أخته ، ولا عمّته ، ولا خالته فإنّهنّ إذا ملكن عتقن ». وقال : « كلّما يحرم من النسب فإنّه يحرم من الرضاع » (١).

ومنها : ما عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن امرأة أرضعت جارية ، ولزوجها ابن من غيرها ، أيحل للغلام ابن زوجها أن يتزوّج الجارية التي أرضعت؟ فقال : « اللبن للفحل » (٢).

ومنها : ما في الحسن عن الحلبي قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أمّ ولد رجل قد أرضعت صبيّا ، وله ابنة من غيرها ، أيحل لذلك الصبيّ هذه الابنة؟ قال : « ما أحبّ أن أتزوّج ابنة رجل قد رضعت من لبن ولده » (٣).

ومنها : ما في الموثّق عن سماعة قال : سألته عن رجل كان له امرأتان ، فولدت كلّ واحدة منهما غلاما ، فانطلقت إحدى امرأتيه ، فأرضعت جارية من عرض الناس أينبغي لابنه أن يتزوّج بهذه الجارية؟ قال : « لا ، لأنّها أرضعت بلبن الشيخ » (٤).

ومنها : ما رواه الشيخ ـ في الصحيح ـ عن صفوان بن يحيى ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : قلت له : أرضعت أمّي جارية بلبني ، فقال : « هي أختك من الرضاعة ». قال : قلت : فتحلّ لأخ لي من أمّي لم ترضعها أمي بلبنه ، يعني ليس بهذا البطن ولكنّ ببطن آخر؟ قال : « والفحل واحد؟ » قلت : نعم هو أخي لأبي وأمّي قال : « اللبن للفحل صار أبوك‌

__________________

(١) « الفقيه » ج ٣ ، ص ١١٣ ، ح ٣٤٣٥ ، باب العتق وأحكامه ، ح ٣ ، « تهذيب الأحكام » ج ٨ ، ص ٢٤٦ ، ح ٨٧٧ ، باب العتق وأحكامه ، ح ١١٠ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ٢٩ ، أبواب بيع الحيوان ، باب ٤ ، ح ١.

(٢) « قرب الإسناد » ص ٣٦٩ ، ح ١٣٢٣ ، أحاديث متفرقة ، « الكافي » ج ٥ ، ص ٤٤٠ ، باب : صفة لبن الفحل ، ح ٤ ، « وسائل الشيعة » ج ١٤ ، ص ٢٩٥ ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب ٦ ، ح ٧.

(٣) « الكافي » ج ٥ ، ص ٤٤١ ، باب : صفة لبن الفحل ، ح ٦ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٣١٩ ، ح ١٣١٩ ، باب ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح ٢٧ ، « الاستبصار » ج ٣ ، ص ١٩٩ ، ح ٧٢٢ ، باب : ان اللبن للفحل ، ح ٤ ، « وسائل الشيعة » ج ١٤ ، ص ٢٩٥ ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب ٦ ، ح ٨.

(٤) « الكافي » ج ٥ ، ص ٤٤٠ ، باب : صفة لبن الفحل ، ح ٢ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٣١٩ ، ح ١٣١٧ ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح ٢٥ ، « الاستبصار » ج ٣ ، ص ١٩٩ ، ح ٧٢٠ ، باب : ان اللبن للفحل ، ح ٢ ، « وسائل الشيعة » ج ١٤ ، ص ٢٩٥ ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب ٦ ، ح ٦.

٣٢٥

أباها وأمّك أمّها » (١).

ومنها : في الصحيح عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل تزوّج امرأة ، فولدت منه جارية ، ثمَّ ماتت المرأة فتزوّج أخرى ، فولدت منه ولدا ، ثمَّ إنّها أرضعت من لبنها غلاما ، أيحلّ لذلك الغلام الذي أرضعته أن يتزوّج ابنة المرأة التي كانت تحت الرجل قبل المرأة الأخيرة؟ قال : « ما أحبّ أن يتزوّج ابنة فحل قد رضع من لبنه » (٢).

ومنها : ما عن التهذيب ـ في الموثق ـ عن جميل بن درّاج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا رضع الرجل من لبن امرأة ، حرم عليه كلّ شي‌ء من ولدها ، وإن كان الولد من غير الرجل الذي كان أرضعت بلبنه ، وإذا أرضع من لبن رجل حرم عليه كلّ شي‌ء من ولده ، وإن كان من غير المرأة التي أرضعته » (٣).

ومنها : ما عن الكافي ـ في الصحيح أو الحسن ـ عن الحلبي وعبد الله ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل تزوّج جارية صغيرة فأرضعتها امرأته أو أم ولده قال : « تحرم عليه ». (٤)

ومنها : أيضا ما في الكافي ـ في الصحيح أو الحسن ـ عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لو أنّ رجلا تزوّج جارية رضيعة فأرضعتها امرأته فسد النكاح » (٥).

__________________

(١) « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٣٢٢ ، ح ١٣٢٨ ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح ٣٦ ، « وسائل الشيعة » ج ١٤ ، ص ٢٩٩ ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب ٨ ، ح ٣.

(٢) « الكافي » ج ٥ ، ص ٤٤٠ ، باب : صفة لبن الفحل ، ح ٥ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٣١٩ ، ح ١٣١٨ ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح ٢٦ ، « الاستبصار » ج ٣ ، ص ١٩٩ ، ح ٧٢١ ، باب : ان اللبن للفحل ، ح ٣ ، « وسائل الشيعة » ج ١٤ ، ص ٢٩٤ ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب ٦ ، ح ٥.

(٣) « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٣٢١ ، ح ١٣٢٥ ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح ٣٣ ، « وسائل الشيعة » ج ١٤ ، ص ٣٠٦ ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب ١٥ ، ح ٣.

(٤) « الكافي » ج ٥ ، ص ٤٤٤ ، باب : نوادر في الرضاع ، ح ٤ ، « وسائل الشيعة » ج ١٤ ، ص ٣٠٥ ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب ١٥ ، ح ١.

(٥) « الكافي » ج ٥ ، ص ٤٤٥ ، باب : نوادر في الرضاع ، ح ٦ ، « وسائل الشيعة » ج ١٤ ، ص ٣٠٣ ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب ١٠ ، ح ٢.

٣٢٦

قال : وسألته عن امرأة رجل أرضعت جارية أتصلح لولده من غيرها؟ قال : « لا ». قلت : فنزلت منزلة الأخت من الرضاعة قال : « نعم من قبل الأب » (١).

ومنها : رواية عثمان عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : قلت له : إنّ أخي تزوّج امرأة فأولدها فانطلقت فأرضعت جارية من عرض الناس ، فيحلّ لي أن أتزوّج تلك الجارية التي أرضعتها امرأة أخي؟ فقال : « لا إنّه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » (٢).

ومنها : رواية مسمع عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « ثمانية لا يحلّ مناكحتهم ـ إلى أن قال : ـ أمتك وهي عمّتك من الرضاع ، أمتك وهي خالتك من الرضاع » (٣).

ومنها : روايته الأخرى عنه عليه‌السلام قال : « عشر لا يجوز نكاحهن ـ إلى أن قال : ـ أمتك وهي عمّتك من الرضاعة ، أمتك وهي خالتك من الرضاعة » (٤).

ومنها : رواية مسعدة بن زياد عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « يحرم من الإماء عشر : لا يجمع بين الأمّ والبنت ، ولا بين الأختين ـ إلى أن قال : ـ ولا أمتك وهي عمّتك من الرضاعة ، ولا أمتك وهي خالتك من الرضاعة ، ولا أمتك وهي أختك من الرضاعة » (٥).

__________________

(١) « الكافي » ج ٥ ، ص ٤٤٤ ، باب : نوادر في الرضاع ، ح ٤ ، « وسائل الشيعة » ج ١٤ ، ص ٣٠٢ ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب ١٠ ، ح ١.

(٢) « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٣٢٣ ، ح ١٣٣٢ ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح ٤٠ ، « وسائل الشيعة » ج ١٤ ، ص ٣٠٠ ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب ٨ ، ح ٧.

(٣) « الكافي » ج ٥ ، ص ٤٤٧ ، في نحوه ( في كتاب النكاح ) ، ح ١ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٢٩٣ ، ح ١٢٣٠ ، باب : من أحلّ الله نكاحه من النساء وحرم منهن في شرع الإسلام ، ح ٦٦ ، « وسائل الشيعة » ج ١٤ ، ص ٣٠٠ ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب ٨ ، ح ٤.

(٤) « تهذيب الأحكام » ج ٨ ، ص ١٩٨ ، ح ٦٩٦ ، باب : السراري وملك الايمان ، ح ٢ ، « وسائل الشيعة » ج ١٤ ، ص ٥١٧ ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، باب ١٩ ، ح ٢.

(٥) « الفقيه » ج ٣ ، ص ٤٥١ ، ح ٤٥٥٩ ، أحكام المماليك والإماء ، ح ٤ ، « تهذيب الأحكام » ج ٨ ، ص ١٩٨ ، ح ٦٩٥ ، باب : السراري وملك الايمان ، ح ١ ، « وسائل الشيعة » ج ١٤ ، ص ٥١٧ ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، باب ١٩ ، ح ١.

٣٢٧

ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في رجل فجر بامرأة أيتزوّج أمّها من الرضاعة أو بنتها؟ قال : « لا » (١).

قال في الحدائق : ومن هذه الصحيحة يستفاد أنّه لو لاط بغلام حرمت عليه أمّه وأخته وبنته من الرضاع ، كما يحرمن من النسب تحقيقا لفرعيّة الرضاع على النسب ، كما دلّت عليه هذه الأخبار (٢).

وأنت إذا تدبّرت وتأمّلت في هذه الأخبار وفي الآية الشريفة (٣) عرفت أنّ هذه الأخبار أغلبها ، وكذلك الآية الشريفة ليست وافية بجميع ما يحرم بالرضاع وشاملة لجميع فروعها ، إلاّ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » وهكذا قوله عليه‌السلام : « يحرم من الرضاع ما يحرم من القرابة » الذي هو أيضا بمعنى الأوّل ، فإنّ هذا الكلام الشريف يشمل جميع موارد الرضاع وفروعه ، إلاّ ما شذّ ممّا ورد فيه دليل خاصّ في مورد مخصوص ، كما سنذكره فيما سيأتي إن شاء الله.

وذلك من جهة أنّ الآية الشريفة لم يذكر فيها إلاّ الأمّهات من الرضاعة والأخوات منها.

وأمّا الأخبار فكذلك لم يذكر في أغلبها إلاّ بعض موارد التحريم بالرضاع.

وأمّا قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » قضيّة كلّية ، مفادها أنّ كلّ عنوان من العناوين السبعة المعروفة ، أو من غيرها التي توجب حرمة نكاح المرأة إذا كان حاصلا من النسب ، فذلك العنوان بعينه يوجب حرمة النكاح إذا كان حاصلا‌

__________________

(١) « الكافي » ج ٥ ، ص ٤١٦ ، باب : الرجل يفجر بالمرأة فيتزوج أمها أو ابنتها. ، ح ٨ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٣٣١ ، ح ١٣٦٠ ، باب : القول في الرجل يفجر بالمرأة ثمَّ يبدو له في نكاحها. ، ح ١٨ ، « وسائل الشيعة » ج ١٤ ، ص ٣٢٥ ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ونحوها ، باب ٧ ، ح ١.

(٢) « الحدائق الناضرة » ج ٢٣ ، ص ٤٤٢.

(٣) النساء (٤) : ٢٣.

٣٢٨

من الرضاع ، مثلا الأمومة إحدى تلك العناوين التي توجب حرمة نكاح الأمّ على ابنها إذا كانت حاصلة من النسب ـ أي : الولادة ـ فهذا العنوان بعينه إذا كان حاصلا من الرضاع أيضا يوجب الحرمة.

فمن النسب يحرم عنوان الأمّ والبنت والأخت وغيرها من العناوين المحرّمة بوجوداتها السارية في جميع مصاديقها ، فكذلك تحرم نفس هذه العناوين أيضا الحاصلة من الرضاع بوجوداتها السارية ، فلا حاجة إلى تقدير لفظة « المثل » أو « النظير » بأن يقال : يحرم من الرضاع نظير ما يحرم من النسب ، كما صنعه شيخنا الأعظم قدس‌سره في رسالته المعمولة في الرضاع (١) مع اعترافه بأنّ ظاهر هذا الحديث الشريف هو أنّ عين ما يحرم بالنسب يحرم بالرضاع.

نعم لو كان المراد بالموصول في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ما يحرم بالنسب » النساء الخارجيّات المعنونات بهذه العناوين ، فلا بدّ حينئذ من التقدير ، ولكن هذا خلاف ظاهر اللفظ ، لأنّ ظاهره ـ كما ذكرنا ـ أنّ نفس العناوين التي تحرم من النسب ، تحرم أيضا إذا كانت من الرضاع.

إن قلت : قد تكون الحرمة من جهة المصاهرة الشرعيّة كأمّ الزوجة أو بنتها مع الدخول ، بها ، من جهة الزنا كأمّ المزني بها وبنتها ، أو من جهة الإيقاب كأمّ الغلام الموقب وأخته وبنته ، مع أنّ كل هذه المذكورات تحرم إذا كانت هذه العناوين حاصلة من الرضاع ، فالأمّ الرضاعيّة للزوجة ، وبنتها الرضاعية مع الدخول بها ، والأمّ والبنت الرضاعيّتان للمزني بها ، والأمّ والأخت والبنت الرضاعيّات للموقب تحرم هذه كلّها ، مع أنّ الحرمة آتية من ناحية المصاهرة والزنا والإيقاب لا النسب ، فيحتاج حرمة هذه المذكورات إلى دليل غير هذا الحديث الشريف.

قلت : إنّ في حرمة أمّ الزوجة على الزّوج ـ مثلا ـ إذا كانت الأمومة حاصلة من‌

__________________

(١) « كتاب المكاسب » ص ٣٧٦ و ٣٨٢.

٣٢٩

النسب جهتين :

إحديهما : المصاهرة ، ولأجل ذلك عدّها الفقهاء قدس‌سرهم في المحرّمات بالمصاهرة ، إذ لو لم يكن بين هذا الرجل وهذه المرأة مصاهرة لما كان يحرم عليه أمّها.

ثانيهما : النسب ، أي نسبة الأمومة التي بين الزوجة وأمّها. فهذه النسبة أيضا دخيلة في حرمة أمّ الزوجة على الزوج ، إذ لو لم تكن بين الزوجة وتلك التي نسمّيها أمّها نسبة ، بل كانت أجنبيّة عنها لما كانت تحرم على الزوج. فثبت أنّ هناك جهتان يمكن إسناد الحرمة إلى مجموع الجهتين ، ويمكن إسنادها إلى كلّ واحدة منهما.

وأمّا عدّها الفقهاء في المحرّمات بالمصاهرة ، فلأجل مقابلتها مع ما هو علّة الحرمة متمحّض في النسب ، كالعناوين السبعة المعروفة ، لا أنّ علّة الحرمة فيها منحصرة في المصاهرة كما توهّم.

وهكذا الحال في أمّ المزني بها وبنتها وأمّ الموقب وأخته وبنته ، ففي كلّ من هذه أيضا جهتان : ففي الأوّل جهة الزنا وجهة النسب ، وفي الثاني جهة الإيقاب وجهة النسب ، ويصحّ إسناد الحرمة إلى كلّ واحدة من الجهتين ، كما يصحّ إسنادها إلى مجموعهما.

فالحديث الشريف يشمل جميع هذه الموارد ، لصدق أنّ الحرمة في هذه الموارد من جهة النسب ، وإن كان يصدق أيضا أنّها من جهة المصاهرة أو الزنا أو الإيقاب.

ولا دليل على أنّ شمول الحديث لا بدّ وأن يكون في مورد تكون النسب علّة تامّة منحصرة للتحريم ، بل ظاهره أنّ في كل مورد تكون العلاقة الحاصلة من النسبة دخيلة في الحرمة ، تكون تلك العلاقة إذا كانت حاصلة من الرضاع تقوم مقام العلاقة الحاصلة من النسب.

فلو كان موضوع الحرمة مركّبا من أمرين : أحدهما الإضافة الحاصلة من النسب ، وبوجودها وحدها لا يترتّب الحكم ، بل لا بدّ من وجود الجزء الآخر وهو‌

٣٣٠

ثانيهما ، كذلك تلك الإضافة وحدها لو حصلت من الرضاع لا توجب ثبوت الحكم ، بل لا بدّ من وجود الجزء الآخر ، أي المصاهرة ، أو الزنا ، أو الإيقاب.

نعم هذا الحديث الشريف لا يشمل العناوين الملازمة للعناوين النسبيّة المحرّمة ـ كما توهّم ـ ويسمّونها بعموم المنزلة ، لأنّ ظاهره هو أنّ نفس هذه العناوين التي توجب تحريم المعنون بها الحاصلة من النسب توجب التحريم أيضا ، إذا كانت حاصلة من الرضاع ، لا الملازم لها ، فأمّ الأخ النسبي ملازم لأحد العنوانين الذين كلّ واحد منهما يوجب التحريم ، وهما : أمّ الإنسان وزوجة أبيه ، وكلتاهما محرّمتان عليه ، ومع ذلك عنوان أمّ الأخ ليس من العناوين المحرّمة. وسيأتي تفصيل هذه المسألة وما يقول القائل بعموم المنزلة وما يقول من يخالفه.

ثمَّ إنّه لا يتوهّم : أنّ المراد من النسب هي النسبة التي بين المحرم والمحرّم عليه كي لا تشمل المذكورات ، لأنّه لا نسبة بين الرجل وأمّ زوجته ، أو بين الزاني وأم المزني بها ، أو بين الموقب وأمّ الغلام الموقب مثلا ، لأنّه لا وجه لهذا التقييد ، بل ظاهر الحديث ـ كما ذكرنا ـ هو أنّ كلّما كانت النسبة سببا للحرمة ، بأن تكون تمام الموضوع أو جزء للموضوع إذا كانت حاصلة من الولادة ، فيقوم مقامها عين تلك النسبة إذا كانت حاصلة من الرضاع ، سواء أكانت النسبة النسبيّة بين المحرّم والمحرّم عليه ، كالعناوين السبعة المعروفة ، أو كان بين شخصين آخرين ، كالنسبة التي بين الزوجة وأمّها ، أو بين المزني بها وأمّها ، أو بين الغلام الموقب وأمّها.

الجهة الثالثة‌

فيما إذا شكّ في الرضاع من جهة الشبهة المفهوميّة أو المصداقيّة ، فتارة نتكلّم من حيث الرجوع إلى الإطلاق ورفع الشكّ بها ، وأخرى من جهة الرجوع إلى الأصول العمليّة.

٣٣١

ومعلوم أنّه مع إمكان رفع الشكّ بالإطلاقات لا يبقى مجال للرجوع إلى الأصول العمليّة ، لحكومة الأصول اللفظية عليها.

أمّا التكلم من الجهة الأولى :

فنقول : إنّه فرع أن يكون هناك إطلاق في البين ، وهو متفرّع على أن يكون الرضاع الموجود في الأدلّة العامّة هو ما يكون عند العرف رضاعا ، وإلاّ لو كان معنى شرعيّا ـ استعمل لفظة « الرضاع » فيه مجازا أو بوضع آخر ـ فلا يمكن التمسّك بالإطلاق اللفظي ، لأنّ العرف لا طريق له إلاّ بيان الشارع في فهم مراده ، فإذا شككنا في اشتراط الرضاع بشرط ، أو تقيّده بقيد في الشبهة المفهوميّة فليس إطلاق في البين حتّى يرفع هذا الشكّ.

نعم لا بأس بالتمسّك بالإطلاق المقامي ، وهو أنّ الشارع بصدد بيان تمام ما له دخل في حكمه ، أي الحرمة في هذا المقام ، فلو كان شي‌ء آخر غير المذكورات له دخل ، كان عليه البيان.

وقد بيّنّا نظير ذلك في الأصول في باب الصحيح والأعمّ بالنسبة إلى لفظة « الصلاة » بناء على وضعه للصحيح.

وأمّا الشبهة المصداقيّة ، فلا يمكن التمسّك لرفعها بالإطلاق على كلّ حال ، سواء أكان لفظة « الرضاع » المستعمل في الأدلّة بمعناه العرفي ، أم لا ، لأنّه من قبيل التمسّك بالعامّ لما هو مشكوك المصداقيّة له ، وهذا من قبيل إثبات الموضوع بالحكم ، وهو غير معقول.

والظاهر : أنّ لفظ « الرضاع » في الروايات العامّة لم يستعمل إلاّ فيما هو المراد منه عند العرف ، غاية الأمر أنّ الشارع جعله موضوعا لحرمة النكاح مقيّدا بقيود.

وذلك من جهة أنّ الرضاع في اللغة ولو كان بمعنى مطلق الامتصاص أو الشرب ولو كان مرّة ومقدارا قليلا من اللبن ، ولكن المتفاهم العرفي منه لا يبعد أن يكون‌

٣٣٢

الشرب مدّة من الزمن حدّده الشارع بكذا ، مثل السفر والإقامة وغيرهما من الأمور المتكممة عند العرف والشرع ، وإن كان التحديد الشرعي ربما يكون أوسع ممّا عند العرف ، وربما يكون أضيق.

فتلخّص ممّا ذكرنا : أنّه يمكن التمسّك بالإطلاق اللفظي مثل الإطلاق المقامي لرفع الشكّ فيما شكّ في شرطيّته وفي مدخليّته في الرضاع المحرّم.

ثمَّ إنّه هل يمكن تنقيح موضوع الرضاع الذي جعله الشارع محرّما ـ بعد الفراغ عن أنّ الشي‌ء الفلاني مثلا شرط له ـ بالاستصحاب؟ مثلا بعد الفراغ عن أنّ الحياة شرط في المرضعة ، فإذا شككنا في حياتها فهل يمكن إثبات الموضوع المترتّب عليه الحرمة باستصحاب الحياة ، أم لا؟

والظاهر : أنّه لا مانع من إثباته به ، لأنّ الظاهر من الأدلّة أنّ الموضوع مركّب من شرب اللبن مع هذه القيود والشروط ، فيكون من قبيل الموضوعات المركّبة التي أحرز بعضها بالأصل ، وبعضها الآخر بالوجدان ، لا أنّ الموضوع للحرمة عنوان بسيط متحصّل من هذا المركّب الخارجي ، مثل الطهارة الحاصلة من الغسلات والمسحات في باب الوضوء ، بناء على أنّها من هذا القبيل ، كي يكون الاستصحاب مثبتا بالنسبة إلى حصول ذلك العنوان.

هذا كلّه فيما إذا كان المرجع هي الإطلاقات.

وأمّا إذا لم يكن إطلاق في البين ، ووصلت النوبة إلى الأصول العمليّة ، فالشبهة إمّا حكميّة وإمّا موضوعيّة مصداقيّة.

فالأوّل ـ أي الشبهة الحكميّة ـ كما إذا شككنا في اعتبار شي‌ء فيه شرعا ، ولم يكن إطلاق نتمسّك به إمّا لعدم كون مفهوم الرضا الذي جعله الشارع موضوعا لحرمة النكاح مفهوما عرفيّا ، والمفهوم الشرعي غير معلوم على الفرض ، للشكّ في اعتبار هذا الشي‌ء مثلا فيه. وإمّا من جهة عدم إحراز كون الشارع في مقام البيان في‌

٣٣٣

الأدلّة العامّة ، وأيضا لم يكن إطلاق مقامي في البين ، وإلاّ لا تصل النوبة إلى الأصول العمليّة.

وأنت خبير بأنّ كلّما ذكرنا صرف فرض ، وإلاّ من الواضح أنّ الرضاع بماله من المفهوم العرفي أخذ موضوعا للحكم الشرعي ، ومعلوم أنّ الشارع بصدد بيان تمام ما له دخل في الحرمة ، وعلى فرض عدم تماميّة هذين لا إشكال في وجود الإطلاق المقامي ، فلا تصل النوبة إلى الأصول العمليّة في الشبهة الحكميّة أصلا.

ولكن مع ذلك لو فرضنا الوصول إلى تلك المرتبة ، فربما يتوهّم جريان حديث الرفع لرفع شرطيّة ما هو مشكوك الشرطيّة للرضاع المحرم ، أو جزئيّة ما هو مشكوك الجزئيّة. أو قيديّة كلّ ما يحتمل أن يكون قيدا.

وفيه : أنّ حديث الرفع وإن كان يجري لرفع جزئيّة مشكوك الجزئيّة ، وشرطيّة مشكوك الشرطيّة ـ كما حقّقناه في الأصول ـ إلاّ أنّه حيث كان في مقام الامتنان ، فلا يجري إلاّ في ما كان في رفعه منّة على الأمّة ، وها هنا جريانه ضد الامتنان ، لأنّه يلزم أوّلا من جريانه ثبوت الحرمة حتّى في فاقد المشكوك الشرطيّة ، وفي فاقد المشكوك الجزئيّة. وثانيا أنّ كون الفاقد موضوعا مشكوك ، وإثباته بإجراء حديث الرفع من الأصل المثبت.

وأمّا جريانه في مشكوك الموضوعيّة بأن يقال : موضوعيّة مشكوك الموضوعيّة غير معلوم فمرفوع ، فعلى فرض صحّته ينتج عكس المقصود ، لأنّ مشكوك الموضوعيّة هو الفاقد لذلك الجزء أو الشرط المشكوك ، فينتج مدخليّة المشكوك في الموضوع وشرطيّته له.

وأمّا استصحاب عدم جزئيّة جزء المشكوك ، أو شرطيّة شرط المشكوك ، فليس له حالة سابقة ، والعدم المحمولي مثبت بالنسبة إلى الآخر النعتي.

وأمّا استصحاب عدم تحقّق ما هو الموضوع للتحريم عند الشارع بالمعنى العدم‌

٣٣٤

النعتي ، ليس له حالة سابقة ، والعدم المحمولي وإن كان لا مانع من جريانه لكن مثبت.

وأمّا استصحاب عدم الحرمة ـ بأن يقال : بأنّ هذه المرأة لم تكن محرّمة على هذا الولد قبل أن يرتضع منها عشر رضعات ، وبعد ارتضاعه منها هذا المقدار نشكّ في التحريم أو حصول الأمومة مثلا ، فنستصحب عدم تحقّقهما ، أي التحريم والأمومة مثلا فلا بأس به.

وأمّا ما ربما يتوهّم : من أنّها قبل وقوع العقد عليها كانت أجنبيّة ومحرّمة عليه لأنّها أجنبيّة ، وبعد العقد نشكّ في حصول الزوجيّة وحلّية الوطي وسائر آثار الزوجيّة مثلا ، فنستصحب تلك الحرمة ، أو عدم حصول الزوجيّة ، أو عدم تلك الآثار.

ففيه : أنّ الاستصحاب الأوّل حاكم على هذا الاستصحاب ، لأنّ الشكّ في بقاء عدم الزوجيّة ـ وكونها أجنبيّة ـ مسبّب عن صيرورتها بهذا المقدار من الرضاع ـ مثلا ـ معنونة بأحد العناوين المحرّمة ، وبعد جريان الاستصحاب في عدم حصول أحد هذه العناوين ، لا يبقى مجال لهذا الشكّ أصلا ويرتفع تعبّدا ، وهذا معنى الحكومة. هذا كلّه في الشبهة الحكميّة.

وأمّا الشبهة الموضوعيّة المصداقيّة ، أي : الثاني من قسمي الشبهة ، فإن لم يكن أصلا موضوعيّا في البين ينقّح موضوع المشتبه ، ووصلت النوبة إلى الأصل الحكمي ، وذلك لأنّ الأصول الجارية في الموضوعات حاكمة على الأصول الجارية في أحكامها ، فمقتضى الأصل الحكمي هي حلّية المرأة المشتبهة حلّيتها وحرمتها ، وهو قوله عليه‌السلام : « كل شي‌ء هو لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام بعينه » (١).

إلاّ أن يقال بعدم جريان أصالة الحلّ في مثل هذه الشبهة أيضا ، لاهتمام الشارع بحفظ الأعراض وباب الفروج والدماء.

__________________

(١) « الكافي » ج ٥ ، ص ٣١٣ ، باب النوادر ( من كتاب المعيشة ) ، ح ٤٠ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٢٢٦ ، ح ٩٨٩ ، باب من الزيادات ، ح ٩ ، « وسائل الشيعة » ج ١٢ ، ص ٦٠ ، أبواب ما يكتسب به ، باب ٤ ، ح ٤.

٣٣٥

ولكن ذيل رواية مسعدة بن صدقة التي يقول فيها الإمام عليه‌السلام : « أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك ، والأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين أو تقوم به البيّنة » (١) ينفي هذا الاحتمال.

اللهمّ إلاّ أن يقال بوجود الأصل الموضوعي في مورد الرواية ، وهو أصالة عدم تحقّق العلاقة والإضافة الأختيّة بينه وبينها ، نسبيّة أو رضاعيّة ، فتكون حلّيتها من جهة تنقيح موضوعها وإخراجه عن موضوع الحرمة تعبّدا.

وأمّا الأصول الموضوعيّة في الشبهة المصداقيّة فمختلفة هي ومواردها وآثارها جدّا باعتبار المشكوك ومنشأ الشكّ.

وعلى كلّ حال لا يبقى مجال لجريان الأصل الحكمي بعد جريانها ، لما ذكرنا من حكومتها عليها وإدخالها للموضوع تحت موضوع الحرمة أو الحلّية تعبّدا ، فيرتفع الشكّ تعبّدا ، فمثلا لو شككنا في حياة المرضعة وقلنا إنّ موضوع حرمة النكاح مركّب من الارتضاع من ثدي المرأة ، وكون المرأة حيّة ، لا أنّه أمر بسيط مسبّب عن هذه الأمور ، فباستصحاب بقاء الحياة يثبت الموضوع ، فيحكم بالحرمة ، فلا يبقى مجال لجريان أصالة الحلّ ، لعدم بقاء الموضوع له تعبّدا.

وكذا لو شككنا في أنّ اللبن من نكاح ووطي صحيح أم لا؟ فبجريان أصالة الصحّة في العقد يثبت النكاح الصحيح ويرتفع الشكّ.

وقد يكون الأصل الموضوعي موجبا لرفع موضوع الحرمة ، كما هو الحال في أغلب موارد الشكّ والشبهة المصداقية ، لأنّ استصحاب عدم حصول أحد هذه العناوين السبعة ـ من المشكوك الرضاعيّة ـ يكفي غالبا لارتفاع موضوع الحرمة ، إلاّ أن يكون أصلا جاريا في طرف الموضوع ، أعني نفس الرضاع مع شرائطها وقيودها يكون موجبا لإحرازها ، أو إحراز البعض المركّب منه ومن غيره ، فيكون حاكما على‌

__________________

(١) تقدم راجع ص ٣٣٥.

٣٣٦

هذا الأصل ، أعني أصالة عدم حصول أحد هذه العناوين.

وحاصل الكلام في هذا المقام : أنّ الأصل الحكمي بحسب طبعه الأوّلي هي الحلّية ، لو لم يكن مخصّصا بالإجماع على الاحتياط في باب الفروج في الشبهات المصداقيّة ، والأصل الموضوعي حاكم عليه مطلقا ، سواء أكان موافقا له أو كان مخالفا له.

والأصول الجارية في الموضوع غالبا تكون رافعة لموضوع الحرمة ، وقد تكون في الموارد القليلة موجبة لإثبات موضوع الحرمة ، وذلك في كلّ مورد يكون الأصل الموضوعي مثبتا لبعض أجزاء الموضوع المركب ، أو بعض شرائطه وقيوده ، ويكون البعض الآخر من ذلك الموضوع المركّب محرزا بالوجدان ، كي يكون الموضوع المركّب بعضه محرزا بالأصل ، وبعضه بالوجدان.

هذا تمام الكلام في حكم الشكّ في تحقّق الرضاع مفهوما ومصداقا من حيث الرجوع إلى الإطلاقات ، ومن حيث الرجوع إلى الأصول العمليّة.

الجهة الرابعة

في شرائط تحقّق الرضاع‌

وهي أمور :

[ الشرط ] الأوّل : يشترط أن يكون اللبن عن نكاح صحيح ، أي وطي غير محرّم ، فإذا كان عن الفجور بامرأة فلا يكون محرّما وموجبا لنشر الحرمة قطعا إجماعا بقسميه كما عن الجواهر. (١) وقد حقّقنا في الأصول عدم حجّية مثل هذه الإجماعات التي لها مدرك بل مدارك من الأخبار.

فالعمدة في دليل هذا الحكم قوله عليه‌السلام فيما رواه دعائم الإسلام عن علي عليه‌السلام : أنّه‌

__________________

(١) « جواهر الكلام » ج ٢٩ ، ص ٢٦٥ و ٢٦٦.

٣٣٧

قال : « لبن الحرام لا يحرّم الحلال ، ومثل ذلك امرأة أرضعت بلبن زوجها ثمَّ أرضعت بلبن فجور. قال : ومن أرضع من فجور بلبن صبيّة لم يحرم من نكاحها ، لأنّ اللبن الحرام لا يحرم الحلال » (١).

وقد ورد بهذه الجملة تعليلا لعدم حرمة الحلال بالحرام في موارد عديدة ، وعلى فرض عدم اعتبار ما يتفرّد به دعائم الإسلام هناك روايات معتبرة دالّة على أنّ اللبن الذي يوجب الارتضاع منه نشر الحرمة لا بدّ وأن يكون عن وطي صحيح ، بأن تكون زوجته بالعقد الدائم أو المنقطع ، أو تكون ملكا للواطي ، أو تكون محلّلة له من قبل المالك مع اجتماع شرائط التحليل ، فما ليس عن وطى كما لو درت بدون وطي أصلا لا يوجب الحرمة فضلا عن أن يكون بوطي محرّم مثل الحيض والمحلوفة على ترك وطيها وعن الزنا.

ومن تلك الأخبار ما رواه في الكافي عن يونس بن يعقوب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن امرأة درّ لبنها من غير ولادة ، فأرضعت جارية وغلاما من ذلك اللبن ، هل يحرم بذلك اللبن ما يحرم من الرضاع؟ قال : « لا ». (٢) ورواه الصدوق بإسناده عن ابن أبي عمير ، عن يونس بن يعقوب مثله (٣).

وما رواه الشيخ عن يعقوب بن شعيب قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام امرأة درّ لبنها من غير ولادة ، فأرضعت ذكرانا وإناثا ، أيحرم من ذلك ما يحرم من الرضاع؟ فقال لي : « لا » (٤).

__________________

(١) « دعائم الإسلام » ج ٢ ، ص ٢٤٣ ، ح ٩١٦ ، ذكر الرضاع.

(٢) « الكافي » ج ٥ ، ص ٤٤٦ ، باب : نوادر في الرضاع ، ح ١٢ ، « وسائل الشيعة » ج ١٤ ، ص ٣٠٢ ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب ٩ ، ح ١.

(٣) « الفقيه » ج ٣ ، ص ٤٧٩ ، ح ٤٦٨٢ ، باب الرضاع ، ح ٢٢ ، « وسائل الشيعة » ج ١٤ ، ص ٣٠٢ ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب ٩ ، ح ١.

(٤) « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٣٢٥ ، ح ١٣٣٩ ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح ٤٧ ، « وسائل الشيعة » ج ١٤ ، ص ٣٠٢ ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب ٩ ، ح ٢.

٣٣٨

وما رواه الشيخ أيضا في الصحيح عن عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن لبن الفحل؟ قال : « هو ما أرضعت امرأتك من لبنك ولبن ولدك ولد امرأة أخرى فهو حرام » (١).

وما رواه في الكافي عن بريد العجلي في حديث قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » فسّر لي ذلك؟ قال :

فقال عليه‌السلام : « كلّ امرأة أرضعت من لبن فحلها ولد امرأة أخرى من جارية أو غلام ، فذلك الذي قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » الحديث (٢).

ويظهر من هذه الروايات : أنّ الرضاع المحرّم لا بدّ له من أمرين :

أحدهما : أن يكون عن ولادة.

ثانيهما : أن يكون اللبن لبن فحل المرأة شرعا ، فلو درّ لبنها عن غير ولادة لا يكون محرّما ، فضلا عن أن يكون اللبن من ذكر أو خنثى المشكل ، ولو لم يكن من فحل المرأة شرعا أيضا لا يكون محرّما.

أمّا الأمر الأوّل ، فلقوله عليه‌السلام « لا » في جواب من قال : امرأة درّ لبنها من غير ولادة أيحرم؟ إلخ.

وأمّا الثاني ، فلقوله عليه‌السلام ـ في تفسيره قوله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ـ « كلّ امرأة أرضعت من لبن فحلها ولد امرأة أخرى من جارية أو غلام فذلك الذي قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

ولفظة « الفحل » في هذه الروايات وإن كان ظاهرا في الزوج ، سواء أكان حصول‌

__________________

(١) « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٣١٩ ، ح ١٣١٦ ، باب : ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ، ح ٢٤ ، « الاستبصار » ج ٣ ، ص ١٩٩ ، ح ٧١٩ ، باب : ان اللبن للفحل ، ح ١ ، « وسائل الشيعة » ج ١٤ ، ص ٢٩٤ ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب ٦ ، ح ٦.

(٢) « الكافي » ج ٥ ، ص ٤٤٢ ، باب : صفة لبن الفحل ، ح ٩ ، « وسائل الشيعة » ج ١٤ ، ص ٢٩٣ ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، باب ٦ ، ح ١.

٣٣٩

الزوجيّة بالعقد الدائم أو المنقطع ، ولكن لا يبعد كونه كناية عن الوطي الشرعي المحلّل مقابل الزنا ، فيشمل الملك والتحليل ، بل وطي الشبهة إن كان المراد من الوطي المحلّل المحلّل ظاهرا وإن كان حراما واقعيّا.

ولكن الأخير لا يخلو عن إشكال ، لبعد أن يكون المراد من هذه اللفظة هو الوطي الحلال ، ولو كان حلالا ظاهريا.

وعلى كلّ حال هذه الروايات تدلّ على أنّ اللبن الناشئ من الزنا لا يكون محرّما ، كما أنّها تدلّ على أنّ لبن الحاصل من الوطي الحلال واقعا سواء أكان حلّيته من جهة أنّ الواطي زوج أو مالك أو محلّل عليه من قبل المالك. نعم في شمولها للوطي بالشبهة إشكال كما ذكرنا.

وأمّا قوله عليه‌السلام ـ فيما رواه في الصحيح ـ [ عن ] عبد الله بن سنان « هو ما أرضعت امرأتك » محمول على الغالب ، وإنّ هذه اللفظة أيضا مثل لفظة « فحلها » كناية عن الوطي الشرعي الصحيح ، وعبّر عن هذا المعنى بامرأتك لأنّ غالب الوطي الصحيح الحلال واقعا يكن مع امرأته في أغلب الأشخاص ، وفي أغلب الأعصار والأمصار.

بقي الكلام في الوطي بالشبهة ، وأنّه هل ملحق بالوطي الصحيح من جهة حلّيته الظاهريّة ، أو ملحق بالزنا من جهة حرمته الواقعية؟

فيه وجهان :

قد يقال بأنّ عمومات التحريم ومطلقاته أنّه خصّصت أو قيّدت ـ بما ذكر في جملة من الروايات من أن يكون اللبن ـ بعنوان لبن امرأتك ، أو عنوان أن يكون لبن فحلها ، وهذان العنوانان لا ينطبقان على الوطي بالشبهة.

وقد أجبنا عن هذا بأنّ هذين العنوانين يمكن أن يكونا كنايتين عن الوطي الصحيح الشرعي.

٣٤٠