يونس التي أيضا تقدّمت (١) في أوّل هذه القاعدة.
وثانيا : قوله عليهالسلام في رواية إسحاق بن عمار المتقدّمة (٢) « من شرط لامرأته شرطا فليف لها به » فقوله عليهالسلام « فليف لها به » أمر ، والأمر ظاهر في الوجوب.
وما أحسن ما أفاده شيخنا الأستاذ قدسسره في هذا المقام ، وهو أنّ وجوب الوفاء بالشرط تكليفا لم ينكره أحد ، وإنّما الخلاف والبحث في أمر آخر ، وهو أنّه هل الشرط يوجب وثبت حقّا للمشروط له على المشروط عليه كي يكون وجوب الوفاء من آثار ذلك الحقّ ، أم لا يوجب ذلك ، بل أثر الشرط وفائدته قلب العقد اللازم جائزا ، وذلك لإناطة اللزوم بالوفاء بالشرط ، وإيجاد الفعل الملتزم به ، فإن لم يف به فلا لزوم ، وهذا الأخير هو الذي ذهب إليه الشهيد قدسسره.
ومن آثار إثبات الشرط وإيجابه حقّا على المشروط عليه ، هو جواز إجباره على العمل بالشرط ، فهو كسائر الحقوق يكون لمن له الحقّ ، سلطنة على من عليه الحقّ ، وله إجباره على أداء حقّه.
ومن آثار كونه موجبا لحدوث حقّ للمشروط له على المشروط عليه أنّه قابل للإسقاط ، فلو أسقط المشروط له لا يبقى وجوب الوفاء على المشروط عليه قطعا.
وهذا ممّا يدلّ دلالة قطعيّة على أنّ وجوب الوفاء ليس حكما تكليفيا محضا في عرض وجوب الوفاء بالعقد ، وإلاّ لو كان كذلك لما كان قابلا للإسقاط.
فهذا هو الفرق الجلي بين الحقّ والحكم ، وتكون القابليّة للإسقاط خاصّة شاملة للحقّ ، ولذلك عرف به.
فتلخّص ممّا ذكرنا أنّ هذه المسألة ذات قولين :
__________________
(١) تقدّم ذكره في ص ٢٥١ ، رقم (١).
(٢) تقدّم ذكره في ص ٢٥٠ ، رقم (٢).
أحدهما : أنّ الشرط لا يوجب إلاّ تزلزل العقد وجعله معرضا للزوال ، وذلك من جهة إناطة اللزوم بحصول الشرط ، أي ما التزم به ، فإذا لم يحصل فلا لزوم ، فيكون مخيّرا بين الرضا بفاقد الشرط وبين عدمه ، فلا موجب للإجبار.
اللهمّ إلاّ أن يقال بجواز الإجبار أو وجوبه من باب الأمر بالمعروف ، بناء على استفادة وجوب الوفاء تكليفا ممّا ذكرنا من الأدلّة ، وإن لم نقل بأنّ الشرط يوجب ثبوت حقّ على المشروط عليه.
ولكن يرد عليه أوّلا : أنّ وجوب الإجبار بناء على هذا وظيفة جميع المسلمين ، ولا اختصاص له بالمشروط له.
وثانيا : لو كان وجوب الوفاء بهذا المعنى ، وكان حكما تكليفيّا في عرض وجوب أداء مال الغير ومثله ، فليس قابلا للإسقاط ، مع أنّ للمشروط له إسقاط هذا الحقّ إجماعا.
ثانيهما : أنّ الشرط يوجب ثبوت حقّ مالكي للمشروط له على المشروط عليه ،
ومن آثاره جواز إجبار المشروط عليه على الوفاء إذا امتنع ، وجواز إسقاطه. وأمّا في مقام الإثبات ، فمن الإجماع على صحّة إسقاطه يستكشف أنّه حقّ مالكي للمشروط له على المشروط عليه.
وأيضا ظهر ممّا ذكرنا في بيان المراد من كلام الشهيد قدسسره ـ أنّه أراد أنّ الشرط لا يوجب ثبوت حقّ مالكي للمشروط له ، وإنّما يوجب تزلزل العقد فقط لإناطة اللزوم بحصول الشرط ـ أنّ المخالف ليس منحصرا بالشهيد قدسسره بل العلاّمة ، والشيخ في المبسوط (١) أيضا حيث قالا بعدم جواز الإجبار ، فلا بدّ وأن يكون نظرهما إلى عدم حدوث حقّ مالكي بالشرط للمشروط له على المشروط عليه ، واختيارهما مقالة الشهيد قدسسره من أنّ فائدة الشرط وثمرته تزلزل العقد وعدم لزومه ، لا حدوث حقّ
__________________
(١) « المبسوط » ج ٢ ، ص ١٥١.
للمشروط له ، لأنّ حدوث الحقّ مع عدم جواز الإجبار متنافيان ، إذ كلّ ذي حقّ له السلطنة على استيفاء حقّه ولو كان بالقهر والإجبار.
الثاني : في أنّه هل للمشروط له الفسخ مع التمكّن من الإجبار ، أم لا؟
فيه قولان : ذهب إلى الأوّل في التذكرة (١) وجامع المقاصد (٢) ، وإلى الثاني في الروضة (٣).
والأقوى هو الأوّل ، من جهة أنّ حقّ الخيار موضوعه تخلّف المشروط عليه عن إيجاده ، لا عدم إمكان وجوده ولو بإجباره ، فإن لم يفعل باختياره فيتحقّق موضوع الخيار ، ويوجد هذا الحقّ للمشروط له.
والسرّ في ذلك ما ذكرنا سابقا : أنّ مرجع هذا الخيار ـ أي خيار تخلّف الشرط ـ هو أنّ التزام المشروط له بهذه المعاملة في ظرف إيجاد المشروط عليه ما التزم به ، فإن لم يوجده فلا التزام من طرف الشارط ، فيكون مخيّرا بين الفسخ وإنفاذ المعاملة. ولا ينافي وجود هذا الحقّ مع وجود حقّ آخر له ، وهو حقّ إجباره للمشروط عليه بواسطة الاشتراط.
وذلك من جهة أنّ الاشتراط جعله مالكا على المشروط عليه أن يوجد هذا الشرط ، وليس مفاد الشرط صرف الوجوب التكليفي فقط ، كما تقدّم في الأمر الأوّل ، وقلنا : إنّ نتيجة الاشتراط هو حدوث حقّ للمشروط له على المشروط عليه ، وقلنا : إنّ الدليل على أنّه حقّ لا صرف تكليف جواز إسقاطه ، فللشارط كلا الحقّين في عرض واحد : حقّ الفسخ لتخلّف الشرط ، وحقّ الإجبار لأجل الاشتراط ، فيتخيّر بين الفسخ وإجبار المشروط عليه على إيجاد ما التزم.
__________________
(١) « تذكرة الفقهاء » ج ١ ، ص ٤٩٢.
(٢) « جامع المقاصد » ج ٤ ، ص ٤٢٢.
(٣) « الروضة » ج ٣ ، ص ٥٠٦.
وأمّا ادّعاء أنّ اجتماع هذين الحقّين ممّا لا يمكن ، فمما لا وجه له ، إلاّ بناء على أن يكون موضوع الخيار عدم إمكان وجود الشرط ، ولو بالقهر والإجبار. وهذا قول بلا بيّنة ولا برهان.
والذي ذكرنا ـ من أنّ موضوع الخيار هو عدم وفاء المشروط عليه بالشرط وإن كان من الممكن إجباره ـ يكون بناء على أن يكون منشأ الخيار عدم التزام الشارط بالوفاء بالعقد في ظرف عدم الوفاء بالشرط من طرف المشروط عليه ، كما تقدّم شرحه وسيأتي تحقيقه في الأمر الثالث.
وأمّا بناء على أن يكون مدركه الإجماع ، أو قاعدة نفي الضرر ـ كما قالوا ـ فالقدر المتيقّن من تحقّق الإجماع ، هو فيما إذا كان الشرط متعذّر الوجود ولو بالقهر والإجبار. وكذلك لو كان مدركه قاعدة نفي الضرر ، بناء على ما هو التحقيق عندنا من أنّ المرفوع هو الحكم الذي يكون ضرريّا ، فاللزوم الذي هو حكم وضعي ليس مطلقا ضرريّا حتّى مع إمكان إجبار المشروط عليه على الوفاء بالشرط ، فبناء على أن يكون مدرك الخيار أحد هذين لا يجتمع الحقّان معا وليسا عرضيّين ، بل حقّ الخيار في طول إمكان الإجبار.
لكنّك عرفت أنّ المدرك هو الذي ذكرنا ، ولا يكون هذين. وسنتكلّم فيه في الأمر الثالث الآتي إن شاء الله تعالى.
الثالث : لو تعذّر الشرط فللمشروط له الخيار فقط ، لا الأرش ، ولا فساد المعاملة.
أمّا صحّة المعاملة وعدم فسادها مع كون الخيار له ، فبعد الفراغ عن أنّ مورد البحث هي العين الخارجيّة لا الكلّي ، فنقول : إن قال : بعتك هذه الفرس على أن يكون كذا ، أو هذه الفرس المتّصفة بكذا بعشرين دينار مثلا ، فالمبادلة وقعت بين هذه العين وكذا مقدار من الدينار ، واشتراط كون هذه العين كذا ، أو اتّصافها بكذا لا يخرجها عمّا
هي عليه. نعم هو ـ أي المشروط عليه ـ التزم بأمر ، وهو كون العين كذا ، سواء كان بنحو الشرط أو بنحو التوصيف ، والمشروط له قبل هذه المبادلة.
ولكن تعهّده بالوقوف عند هذه المبادلة في صورة وجود هذا الشرط وهذه الصفة ، وإلاّ فنفس المبادلة بين العين والبدل الآخر وقعت وليس فيها قيد أو شرط ، وذلك لما قلنا أنّ العين الخارجيّة لا تتعدّد ولا تتغيّر عمّا هي عليه بواسطة هذا الاشتراط أو هذا التوصيف.
نعم لو كان مورد الشرط أو القيد هو الكلّي ، لكان المقيّد بقيد أو المشروط بشرط ـ الذي هو أيضا بمنزلة التقييد بل هو هو ـ غير ذلك الكلّي الفاقد لذلك القيد أو لذلك الشرط. وأمّا في العين الخارجيّة لا يتطرّق هذا الاحتمال.
فأصل المبادلة بين العين والبدل الآخر وقعت مع قبول الطرف الآخر ، وهذا كما في باب خيار العيب أيضا يكون الأمر كذلك ، فإنّ المشتري مثلا اشترى هذه العين الشخصيّة ، ولكن يكون التزامه بالوقوف عند هذه المعاملة والوفاء بها في ما إذا لم يكن فيه عيب ، بل كان صحيحا وسالما ، ولا يكون خارجا عن مقتضى الخلقة الأصليّة بزيادة أو نقيصة عنه ، فإذا لم يكن كذلك فلا التزام له بالوقوف عندها والوفاء بها مع وقوع أصل المبادلة وحصول الرضا المعاملي بها ، فيكون مخيّرا بين الفسخ والالتزام بها.
وأمّا إذا كان ذات المقيد بقيد أو المشروط بشرط ـ الذي هو أحد العوضين ـ كلّيا ، فيجبر على إعطاء واجد القيد أو الواجد للشرط ، وإن كان متعذّر الوجود تكون المعاملة باطلة ، لعدم قدرته على التسليم.
فالفرق كثير بين أن يكون المبيع المقيّد بقيد أو المشروط بشرط كلّيا ، أو عينا شخصيّة ، فإنّه إن كان كلّيا وكان مقيّدا أو كان مشروطا ، فالمبيع في صورة وجود القيد والشرط وصورة عدم وجودهما مختلف ، فإذا تعذّر ـ أي القيد والشرط ـ فليس قادرا
على تسليم المبيع ، فيبطل البيع.
بخلاف ما إذا كان شخصا خارجيّا ، فإنّه ليس قابلا للتعدّد بواسطة وجود القيد والشرط وعدم وجودهما ، ففي صورة كون المبيع شخصا خارجيّا لا يمكن أن يقال : إنّ هذا الموجود الذي هو فاقد الوصف المذكور في العقد ، أو هو فاقد الشرط كذلك غير ما هو وقع العقد عليه.
وأمّا في صورة كون المبيع كلّيا وقيّد بقيد ، أو اشترط بشرط ، ففي صورة عدمهما يصحّ أن يقال : إنّ هذا الفاقد لم يقع عليه العقد ، فما قصد لم يقع مع أنّ العقود تابعة للقصود ، بل يمكن أن يقال : إنّ ما وقع ـ أي الفاقد القيد ـ غير مقصود.
نعم التزامه بالوفاء بهذه المعاملة فيما إذا كان المبيع شخصا في صورة وجود هذين الأمرين ، أي الشرط والقيد ، فالتزامه بالوفاء معلّق ، لا المبادلة كي يكون من قبيل تعليق المنشأ فيكون باطلا إجماعا ، وإن كان ممكنا عقلا.
فالتحقيق : هو الفرق في باب تخلّف الوصف وتعذّره بين أن يكون الموصوف شخصا أو كليّا ، ففي الأوّل لا يوجب البطلان بل يوجب الخيار فقط ، وفي الثاني يوجب البطلان حسب القواعد الأوليّة.
هذا الذي ذكرنا كان بالنسبة إلى صحّة المعاملة وثبوت الخيار.
وأمّا الأرش بمعنى تدارك نقصان المبيع ـ كما قالوا به في باب خيار العيب من كون المشتري مخيّرا في بعض الصور بين الردّ وأخذ الأرش ، وفي بعضها الآخر يتعيّن أخذ الأرش وعدم جواز الردّ. والتفصيل مذكور في محلّه ـ فحيث أنّه على خلاف القاعدة ، وثبوته هناك بواسطة الأخبار الواردة في ذلك الباب ، فلا يمكن التعدّي إلى هاهنا ، والقول به في المقام لقصور تلك الأدلّة عن شمولها لمحلّ الكلام.
وبعبارة أخرى : القول بثبوت الأرش في مورد كون المبيع معيبا ليس من جهة أنّ مقدارا من الثمن يكون مقابلا لوصف الصحّة ، أو مقابل ذلك العضو الذي فقد فيه ، فلا
يفسخ المعاملة ، ولكن يستردّ من الثمن ذلك المقدار الذي ليس بإزائه شيء ، أو يغرمه بقيمة ذلك الوصف المفقود ، أو بمثله ، لكونه في ذمّته ، بل تمام الثمن وقع في هذا العقد مقابل هذه العين الموجودة بما لها من النقص ، غاية الأمر حيث أنّ البائع التزم أن تكون على صفة كذا ، أو بشرط كذا ، فالتزام المشتري وتعهّده بالوفاء بهذه المعاملة يكون في ظرف وجود تلك الصفة ، أو ذلك الشرط وإلاّ فبدون وجودهما ليس ملزم شرعي يلزمه بالوقوف والثبوت عندها ، فهو مخيّر بين أن يفي بها ، وبين حلّ هذا العقد ، فلا موضوع للأرش ، لأنّ المبادلة وقعت بين هذا الموجود بما فيه من الوصف أو الشرط المفقودين.
إن قلت : إنّ هذا الذي ذكرتم ربما يكون صحيحا في الوصف المفقود في المعاملة على العين الشخصيّة ، أو الشرط الذي يكون بنحو شرط النتيجة ، أي ما يكون في حكم الوصف المفقود. وأمّا لو كان الشرط من قبيل شرط الفعل الذي له ماليّة عند العرف ، فليس الأمر كذلك ، بل في نظر العرف والعقلاء يقع مقدار من الثمن المسمّى في العقد بإزاء ذلك العمل الذي صار متعلّقا للشرط.
قلنا : إنّ الشرط وإن كان من قبيل شرط الفعل الذي يكون له عند العرف ماليّة ، كخياطة الثوب الكذائي مثلا ، ولكن مع ذلك كلّه في المعاملة الشخصيّة التي تقع المعاملة بين الثمن مثلا مع العين الخارجيّة الموجودة ، يكون طرف المبادلة نفس تلك العين الخارجيّة ، فإذا قال مثلا : بعتك هذا الفرس الموجود على أن يكون كذا ، أو بشرط أن يكون كذا ، أو بشرط أن أعمل كذا ، أو تعمل لي كذا ، ففي جميع هذه الصور الطرفان ـ أي : البائع والمشتري ـ يتعهّدان بوقوع المبادلة بين تلك العين الخارجيّة وتمام الثمن ، ولا يقع شيء من الثمن بإزاء الوصف والشرط بكلا قسميه ـ أي : سواء أكان شرط الفعل ، أو شرط النتيجة ـ غاية الأمر أنّ المشروط عليه يلتزم في ضمن تلك المعاملة وذلك التعهّد بأمر آخر ، أو بأن يعمل له عملا ، فأصل المعاملة والمبادلة بين المالين ليس مربوطا ومعلّقا على أمر ، وإلاّ كان من تعليق المنشأ ، وهو باطل
إجماعا إلاّ في موارد معيّنة ورد الدليل عليه.
نعم التزامه بالوفاء بهذه المعاملة والثبوت والوقوف عندها مربوط بوجود هذا الوصف ، أو هذا الشرط ، أو العمل على طبق هذا الشرط ، فإذا لم يوجد ذلك الشرط وذلك الوصف فلا ملزم في البين.
وأمّا حديث أنّ مقدارا من الثمن وان لم يقع مقابل الشرط في عالم الإنشاء ، ولكن لا شبهة في وقوعه مقابله في عالم اللبّ ، فممّا لا ينبغي الالتفات إليه ، لأنّ الأغراض والدواعي لا اعتبار بها في أبواب المعاملات ، بل المناط كلّ المناط في تلك الأبواب هو وقوع العقد والإنشاء على أي شيء ، وأمّا الأغراض والإرادات النفسانيّة فلا أثر لها ما لم تقع تحت الإنشاء.
الرابع : لو تعذّر الشرط بعد خروج العين عن تحت سلطنة المشروط عليه ببيع ،
أو هبة ، أو غير ذلك من التصرّفات الناقلة ، أو بتلف ، أو إتلاف وأمثال ذلك ، فهل للمشروط له فسخ المعاملة واسترجاع العين إن كانت باقية ، والرجوع إلى المثل أو القيمة ـ كلّ واحد منهما في مورده إن كانت تالفة ـ أو الرجوع إلى المثل أو القيمة مطلقا؟ وجوه واحتمالات ، بل أقوال. وهناك احتمال آخر وهو بطلان ذلك التصرّف الناقل.
أقول : التحقيق في المقام أنّ التصرّف الناقل من قبل المشروط عليه تارة يكون منافيا لنفس الاشتراط ، مثل أن يكون الشرط مثلا وقف الدار فباعها ، أو بيعها من زيد فباعها من عمرو. وأخرى ليس كذلك ، بل كان الشرط أجنبيّا عن التصرّف الناقل.
فالأوّل : إن قلنا بأنّ الشرط يوجب ثبوت حقّ مالكي للمشروط له بالنسبة إلى تلك العين التي وقعت عليها المعاملة ـ من قبيل حقّ الرهانة ، ومنذور الصدقة ، وحقّ الفقراء بالنسبة إلى المال الذي تعلّق به الزكاة ، وحقّ الإمام عليهالسلام أو الساداة بالنسبة إلى
المال الذي تعلّق به الخمس ، وحقّ الديّان بالنسبة إلى تركة الميّت في الدين المستوعب ، وأمثال ذلك ـ فيكون موجبا لقصر سلطنة المالك وعدم قدرته تشريعا على التصرّف الناقل ، فيكون نقله باطلا ، وللمشروط له استرجاع العين ممّن انتقل إليه وإلزام المشروط عليه بالوفاء بالشرط.
وأمّا إن قلنا بأنّ الشرط لا يوجب إلاّ وجوبا تكليفيّا بالوفاء بالشرط والعمل على طبقه ، فالمعاملة وإن كانت منهيّة بالدلالة المطابقيّة أو الالتزاميّة ، ولكن النهي في باب المعاملات مطلقا لا يوجب الفساد ، بل يوجبه فيما إذا كان متعلّقا بالمسبّب لا السبب ، وبعبارة أخرى : بالمعنى الاسم المصدري لا المصدري.
وفيما نحن فيه وإن كان النهي على تقدير وجوده متعلّقا بالمعنى الاسم المصدري ، ولكن الشأن في وجوده ، لأنّ التصرّف الناقل في المفروض ضدّ للوفاء بالشرط ، وليس نقيضه ، وقد تحقّق في الأصول عدم اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضده ، فلا نهي كي يقال بأنّه متعلّق بالسبب أو المسبّب ، فبناء على هذا لو لم نقل بأنّ الشرط يوجب ثبوت حقّ مالكي للمشروط له ، فلا مانع من صحّة تصرّفاته الناقلة. هذا في مقام الثبوت.
وأمّا في مقام الإثبات ، فالظاهر من قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « المؤمنون عند شروطهم » أو قوله عليهالسلام : « كلّ شرط جائز إلاّ ما خالف الكتاب » هو ثبوت حقّ للمشروط له ، فتكون تصرّفات المشروط عليه باطلة ، ولا يحتاج إلى فسخ المشروط له.
هذا كلّه فيما إذا كان تصرّف المشروط عليه منافيا لنفس الاشتراط ، أي كان خلاف ما اشترط عليه.
وأمّا الثاني ، أي التصرّفات التي لا تكون منافية لما اشترط عليه ، بل تكون أجنبيّة عن الشرط ، كما إذا باع داره مثلا واشترط على المشتري أن يخيط ثوبه مثلا ، أو عملا آخر ، فلو تعذّر الشرط في هذه الصورة بعد ذلك التصرّف الناقل ، فلا وجه
للقول ببطلان ذلك التصرّف ، لأنّ الدار مثلا في المفروض صارت ملكا طلقا للمشتري ، وإن قلنا بأنّ الشرط يوجب ثبوت حقّ مالكي للمشروط له على المشروط عليه ، لأنّ بطلان بيعه ليس من آثار ثبوت ذلك الحقّ ، بل غاية ما يمكن أن يقال أنّ أثر ذلك الحقّ تغريم المشروط عليه بقيمة ما شرط وماليّته ، وأمّا منعه عن بيع ماله ، أو أيّ تصرف مشروع آخر فلا وجه له أصلا.
نعم يبقى الكلام في أنّه هل للمشروط له فسخ المعالة بعد تعذّر ذلك الشرط ، أم لا؟ لعدم بقاء موضوع للفسخ ، لأنّ انتقاله إلى الغير بمنزلة تلفه ، فلا يمكن استرجاعه.
والتحقيق : أنّ له الفسخ ، لم ذكرنا أنّ التزامه بالوفاء بهذه المعاملة ، والثبوت عنده ، وعدم نقضه لها كان مشروطا بوجود ذلك الشرط ، فإذا تعذّر وجوده بأيّ سبب كان فليس له التزام ، فلا يجب الوفاء عليه وله حلّ تلك المعاملة.
وأمّا حديث عدم بقاء موضوع الفسخ فممّا لا أساس له ، حتّى في مورد التلف الحقيقي لما انتقل إلى المشروط عليه ، فضلا عن انتقاله بناقل شرعي إلى غيره ، وذلك لأنّ الفسخ ليس معناه استرجاع العين كما توهّم ، بل معناه حلّ تلك المعاهدة التي وقعت بينهما ، ورفع التزامه. ونتيجة ذلك هو أنّه بعد حلّ المعاهدة وفسخ العقد ، فإن كانت العين باقية في يد المشروط عليه يسترجعها ، وإن كانت تالفة فيرجع إلى مثلها أو قيمتها ، كلّ واحد منها في مورده ، أي المثل في المثلي ، والقيمة في القيمي.
وإن كانت نقلت إلى غيره بالتصرّف الناقل ، فيحتمل بطلان العقود المترتّبة على هذه المعاملة التي فسخها بواسطة تعذّر شرطها ، ويحتمل الرجوع إلى المثل أو القيمة كما في مورد التلف الحقيقي على القولين في المسألة.
وأمّا التفصيل بين العتق وسائر التصرّفات الناقلة ـ بالرجوع إلى القيمة في العتق ، والبطلان في سائر التصرفات الناقلة ـ فلا وجه له ، وإن نسب هذا التفصيل إلى
العلاّمة (١) والشهيد الثاني قدسسرهما وذلك لأنّ بطلان العقود المترتّبة من جهة كشف الفسخ عن عدم ورود العتق في مورده ، فإنّ مورده الملك المستقرّ لا الملك المتزلزل.
وأمّا قضيّة بناء العتق على التغليب ، فالمراد منها أنّ العبد لو انعتق شقص منه يسرى إلى البقيّة ، وأين هذا من صدوره عمّن هو ليس أهلا لذلك التزلزل ملكه ، وعدم استقرار مالكيّته ، وكونها في معرض الزوال؟! فإن قلنا بعدم بقاء العقود المترتّبة بعد فسخ المعاملة التي تكون هذه العقود مترتّبة عليها ، فلا فرق بين العتق وسائر العقود.
الخامس : هل للمشروط له إسقاط شرطه ، أم لا؟
أقول : إن كان الشرط من قبيل شرط النتيجة ، وكان الشرط كافيا في تحقّقها وحصولها ، ولم تكن وجودها محتاجا إلى وجود سبب خاصّ ـ كما رجّحنا ذلك في باب اشتراط كون الشيء الفلاني ملكا للبائع مثلا أو لغيره ـ ففي هذه الصورة يحصل الشرط بنفس الاشتراط في ضمن المعاملة بعد تحقّق تلك المعاملة ، فالإسقاط لا معنى له ، لأنّ ما صار ملكا لشخص لا يخرج عن ملكه بإسقاطه ، أو بإسقاط شخص آخر.
وكذا لو كانت النتيجة المشروطة انعتاق عبد المشروط عليه ، وقلنا بأنّ العتق يحصل بنفس الاشتراط ولا يحتاج إلى سبب خاصّ ، فبعد وجود المعاملة التي وقع في ضمنها هذا الشرط يتحقّق الانعتاق ، ولا يبقى مجال لإسقاط الشرط ، كما هو واضح.
ولا فرق فيما قلنا ـ من عدم تأثير الإسقاط وعدم قابليّته له ـ بين أن يكون المشروط بطور شرط النتيجة ملكيّة مال شخصي أو مال كلّي في ذمّة المشروط عليه ، لما ذكرنا أنّ الشرط يحصل بعد وجود المعاملة التي وقع هذا الشرط في ضمنها ، فيشغل ذمّة المشروط عليه بذلك المال الكلّي بمحض وجود العقد ، فلا يبقى مجال لإسقاط الشرط.
__________________
(١) « تذكرة الفقهاء » ج ١ ، ص ٤٩٢.
نعم له إبراء ذمّة المشروط عليه عمّا اشتغلت ذمّته به ، وهذا غير إسقاط الشرط.
والحاصل : أنّ الذي قابل للإسقاط هو الحقّ ، وأمّا المال فليس قابلا للإسقاط سواء أكان شخصيّا أو كلّيا بعم المال الكلّي قابل للإبراء.
هذا كلّه في شرط النتيجة ، وأمّا شرط الفعل فبناء على ما اخترنا من أنّه يوجب ثبوت حقّ على المشروط عليه للمشروط له ، فله إسقاط ذلك الحقّ ، لأنّ كلّ حقّ قابل للإسقاط ، وهذه خاصّة شاملة للحقّ ، حتّى أنّ به عرّف الحقّ ، وجعلوا ذلك هو الفرق بين الحق والحكم.
ولا فرق في ذلك بين أن يكون ذلك الشرط ـ أي شرط الفعل والعمل ـ ممّا له ماليّة عند العرف كخياطة ثوبة أو بناء داره ، وبين أن لا يكون له ذلك ، كما إذا شرط عليه عتق عبده أو غير ذلك.
نعم في خصوص شرط عتق عبده وقع الخلاف في أنّه هل له إسقاط هذا الشرط ، أم لا؟
فقال جماعة كالعلاّمة (١) والشهيدين وفخر الدين (٢) قدسسرهما بعدم كون إسقاط هذا الشرط له ، وربما علّل عدم سقوطه بإسقاطه بأنّه اجتمع فيه حقوق ثلاثة : حقّ المشروط له ، وحقّ الله ، وحقّ للعبد ، فهو وإن كان قابلا للإسقاط من ناحية حقّ المشروط له ، ولكن ليس قابلا للإسقاط من ناحية الحقّين الآخرين ، لأنّ أمرهما ليس بيد المشروط له ، لأنّه أجنبي منهما.
ولكن أنت خبير بأنّ هذا كلام عجيب ، من جهة أنّه أيّ حق للعبد ، ومن أين جاء له ذلك؟ نعم العبد ينتفع من وفاء المشروط عليه بهذا الشرط ، وهذا غير كونه صاحب حقّ على البائع أو المشتري.
__________________
(١) « تذكرة الفقهاء » ج ١ ، ص ٤٩٢.
(٢) « إيضاح الفوائد » ج ١ ، ص ٥١٤.
ثمَّ على تقدير حدوث حقّ له بهذا الشرط ليس أمرا مستقلاّ ، بل تابع لحقّ المشروط له وجودا وعدما ، لأنّه من شؤونه ومعلوله ، فلو أسقط المشروط له حقّه فهو ينعدم قهرا وبالتبع.
وأمّا حقّ الله المدّعي في المقام ، فليس شيء في البين إلاّ وجوب الوفاء بهذا الشرط على المشروط عليه ، ومعلوم أنّ وجوب الوفاء تابع لبقاء حقّ المشروط له ، فإذا أسقط لا يبقى موضوع لوجوب الوفاء ، فينعدم أيضا قهرا.
فظهر أنّه لا فرق في شرط الفعل بين أن يكون شرط عتق عبده ، أو غير ذلك من الأفعال والأعمال التي يجوز اشتراطها شرعا ، وأيضا لا فرق بين أن يكون لذلك الفعل والعمل ماليّة أو لا يكون ، ففي جميع ذلك الأمر يدور مدار أنّه هل الشرط يوجب ثبوت حقّ للمشروط له على المشروط عليه ، أم لا؟ فإن قلنا بثبوته فهو قابل للإسقاط ، وإلاّ فلا.
السادس : في أنّ الثمن هل يقسّط على المبيع ، والشرط في الشرط الواقع في ضمن عقد البيع مثلا ، أم لا؟
والتحقيق ـ بعد ما عرفت فيما تقدّم أنّ الشرط ليس طرفا للمعاوضة والمبادلة ، ولا يقع شيء من الثمن في البيع مثلا بإذائه ـ أنّه على أقسام :
الأوّل : أن يكون خارجا عن حقيقة العوض والمعوّض ، بأن لا يكون من ذاتيّاتهما ، ولا من أوصافهما المتّحد وجودا معهما ، ولا من أجزائها.
وذلك مثل أن يبيع داره بثمن كذا بشرط أن يخيط ثوبه ، أو يعمل له عملا آخر ، فهذا العمل الذي هو الشرط في ضمن عقد البيع ليس من أجزاء تلك الدار ، ولا من أوصافها ، ولا هو عند العرف من قبيل صورتها النوعيّة ، بل صرف التزام من قبل المشتري مثلا بأمر في ضمن تلك المعاوضة ، أي معاوضة الدار بالثمن المذكور ، ففي مثل هذا المورد لم يقع الشرط في مقابل الثمن أصلا ، بل يكون تمام الثمن بإزاء نفس الدار.
والتزام المشتري بأن يعمل له عمل كذا ، التزام آخر في ضمن الالتزام الأوّل وأجنبي عن كلا العوضين ، فلا وجه لأن يكون جزء من الثمن بإذائه.
ومثل شرط العمل اشتراط أن يعطي له عينا متموّلا خارجيّا ، فإنّه في ذلك العقد لم تجعل المبادلة بين ذلك الثمن وتلك العين ، بل جعل المبادلة وأنشأها في المثل المفروض بين نفس الدار والثمن المذكور ، فلا ينبغي أن يشكّ وأن يحتمل وقوع شيء من الثمن في قبال ذلك الشرط.
الثاني : أن يكون الشرط من أوصاف المبيع مثلا كأن يقول : بعتك هذا العبد الكاتب ، أو هذا العبد بشرط أن يكون كاتبا. وهذا القسم أيضا مثل القسم الأوّل التزام آخر في ضمن الالتزام الأوّل ، والبائع أنشأ المعاوضة والمبادلة بين هذا العبد الشخصي الخارجي والثمن المذكور ، ففي مقام الإنشاء جعل تمام الثمن بدلا وعوضا في مقابل هذا العبد الشخصي.
غاية الأمر أنّه التزم بأن يكون هذا العبد متّصفا بصفة كذا ، ويكون التزامه بالوفاء بتلك المعاملة في ظرف وجود هذا الشرط. فإذا تعذّر ، أو لم يعمل المشروط بما التزم ، فلا يبقى التزام للمشروط له ، فيكون له الخيار.
وأمّا أصل المعاوضة والمبادلة فليست معلّقة ولا مشروطة بأمر ، وإلاّ يكون العقد باطلا ، لمكان التعليق في المنشأ الذي بطلانه إجماعيّ ، فعدم تقسيط الثمن على الشرط في هذا القسم أيضا واضح.
الثالث : أن يكون الشرط عنوان المبيع ، أو ما وقع عليه المعاوضة في سائر المعاوضات غير البيع ، ويكون عند العرف من قبيل صورته النوعيّة وإن لم يكن كذلك حقيقة وواقعا. كما إذا قال للمشتري : بعتك هذه الجارية الروميّة ، ولم تكن كذلك ، بل كانت حبشيّة ، فعند العرف الجارية الحبشيّة مخالفة في النوع مع الروميّة ، ويكون من قبيل الجوز واللوز وإن كانت بحسب الواقع متّحدة معها في النوع ، لأنّ كلتيهما من نوع
واحد وهو الإنسان ، ولكن في أبواب المعاملات المناط هو النظر العرفي لا الدقّة العقليّة ، لأنّ عليه مدار معاملاتهم.
وتخلّف الشرط في هذا القسم موجب لبطلان المعاملة ، لأنّ المعاوضة وقعت بين الثمن والمعوض الذي له تلك الصورة النوعيّة ، فإذا سئل المشتري وقيل له ما اشتريت؟ يقول : الجارية الروميّة وينكر كون المبيع هي الجارية الحبشيّة ، والعرف يصدّقونه في هذا القول.
الرابع : أن يكون للشرط جهتان : جهة جزئيّة وذاتيّة للمبيع مثلا أو لمعوّض آخر في سائر المعاوضات ، وجهة وصفيّة عرضيّة. فبالاعتبار الأوّل يقع في مقابل جزء من الثمن أو من سائر الأعواض ، وبالاعتبار الثاني يكون خارجا عن دائرة المعاوضة والمبادلة ، ولذلك وقع الخلاف والنزاع في هذا القسم ، وأنّه هل يقسّط الثمن عليه أم لا.
ومثال هذا القسم : كما إذا باع صبرة على أنّها عشرين صاعا ، فظهرت أقلّ أو أكثر ، أو باع أرضا على أنّها مائة جريب ، فظهر كونها أقلّ أو أكثر.
وفي هذا القسم من الشرط صور أربع كما ذكرها في التذكرة (١) ، لأنّ المبيع والشرط إمّا يكونان متساوي الأجزاء ، أو يكونان مختلفها ، وفي كلّ واحدة من الصورتين إمّا يظهر النقص عمّا شرط ، أو الزيادة عنه ، فهذه أربعة أقسام.
الأوّل : أن يكون المبيع متساوي الأجزاء ، وظهر النقص عمّا شرط كونه كذا مقدار ، مثلا شرط كون الصبرة التي باعها عشرين صاعا ، فظهر أنّها أقلّ من ذلك. فالمشهور قالوا بالتقسيط.
والعمدة في وجهه أنّ كميّة الشيء وإن كانت من أعراض الشيء وأوصافه ، إلاّ أنّ المعاوضة في بعض الأشياء تكون باعتبار الكميّة ، كما أنّ الأمر كذلك في أغلب ما
__________________
(١) « تذكرة الفقهاء » ج ١ ، ص ٤٩٤.
يكون من المكيل أو الموزون ، كالحنطة والشعير والأرز والدهن واللحم وأمثالها.
ولذلك ربما تكون المقاولة بين البائع والمشتري قبل البيع بأنّ كلّ صاع من هذه الصبرة بكذا ، فحين البيع يقول : بعتك هذه الصبرة بكذا بشرط أن يكون عشرين صاعا مثلا ، فلا محالة يكون الثمن بنظر المتعاملين والعرف مقابل عشرين صاعا ، أي كلّ صاع من المبيع يقع في مقابل جزء من الثمن.
فلو فرضنا أنّه باع هذه الصبرة الشخصيّة الموجودة بعشرة دراهم على أنّها عشرين صاعا ، فيكون كلّ صاع منها مقابل نصف درهم ، فلو ظهر بعد وقوع العقد أنّها عشرة صيعان ، له أن يسترجع من الثمن المسمّى نصفه ، أي خمسة دراهم ، لما ذكرنا من أنّ العرف والعقلاء يرون الثمن مقابل الكميّة.
وبعبارة أخرى : يكون حال الكميّة في هذا القسم حال الصورة النوعيّة الحقيقيّة أو العرفيّة في القسم الثالث ، من حيث كونها مناط الماليّة ووقوع الثمن بإزائها ، فتكون جزء المبيع ، لا أنّها من أوصافه ، فيدخل في باب تبعّض الصفقة ، لا في باب تخلّف الوصف الذي لا يوجب إلاّ الخيار ، كما تقدّم تفصيله.
وبعبارة أوضح : يكون تبيّن النقص في المبيع المتساوي الأجزاء كظهور كون بعض المبيع ممّا لا يملك وممّا لا يملكه البائع ، غاية الأمر في باب تبعّض الصفقة بعض المبيع في حكم العدم ، من جهة إلقاء ماليّته شرعا بالنسبة إلى ما لا يملك شرعا ، وإن كان عند العرف له ماليّة ، أو من جهة كونه لغير البائع ، فلا يجوز تصرّف البائع فيه ، وفي هذه الصورة معدوم واقعا ، فيكون المشتري مخيّرا بين الفسخ وعدم إمضاء هذه المعاملة أصلا ، لعدم التزامه بالثبوت عند مبادلة هذا الناقص عمّا شرط ، وبين إمضاء هذه المعاملة بالنسبة إلى المقدار الموجود واسترجاع باقي الثمن.
وأمّا ما ربما يقال ، بل قاله جماعة من الأعاظم : إنّ الموجود الخارجي الشخصي ـ الذي هو المبيع في المفروض ـ لا يزيد ولا ينقص ، بل يكون على ما هو عليه من
المقدار ولا يتغيّر بالشرط ، وما وقع عليه العقد ـ أي تلك العين الخارجيّة ـ لم يتبيّن فيه نقص كي يكون من قبيل تبعّض الصفقة ، فهو وقع الطرف المعاوضة بدون أدنى تغيّر فيه. نعم البائع وصفه بوصف غير موجود فيه ، أعني الكميّة الكذائيّة ، فليس في البين إلاّ تخلّف ذلك الوصف المذكور ، فلا يوجب إلاّ الخيار. وقد تقدّم تفصيل كونه موجبا للخيار ، فلا نعيد.
ففيه : أنّ الموجود الخارجي في المفروض تعنون بالكميّة الكذائيّة ، فعند المتفاهم العرفي وما هو الظاهر عندهم أنّ المبيع في المفروض عبارة عن تلك الكميّة الكذائيّة ، لا أنّ المبيع تلك العين الخارجيّة ، والكميّة الكذائية وصف له كي يكون تبيّن النقيصة من قبيل تخلّف الوصف لا يوجب إلاّ الخيار ، فإذا كان المبيع تلك الكميّة الكذائيّة وبعضها غير موجود ، يكون من باب تبعّض الصفقة ، فيكون الأمر كما ذهب إليه المشهور.
والحاصل : أنّ ما نحن فيه يكون من قبيل أن يشير إلى الكتاب الموضوع في قدامه ، ويقول : بعتك هذا الكتاب الموجود الذي هو مجلّدين من كتاب الرياض أو الروضة ، ثمَّ تبيّن أنّه مجلّد واحد من أحد ذينك الكتابين ، فهل ترضى من نفسك أن تقول : إنّ المبيع هو هذا الموجود الخارجي الذي لا يتغيّر ، وليس في البين إلاّ تخلف الوصف؟
ويدلّ على ما ذكرنا أيضا خبر عمر بن حنظلة ، عن أبي عبد الله عليهالسلام في رجل باع أرضا على أنّها عشرة أجربة ، فاشترى المشتري ذلك منه بحدوده ونقد الثمن ووقع صفقة البيع وافترقا ، فلمّا مسح الأرض إذا هي خمسة أجربة ، قال عليهالسلام : « إن شاء استرجع فضل ماله وأخذ الأرض ، وإن شاء ردّ المبيع وأخذ ماله كلّه ، إلاّ أن يكون له إلى جنب تلك الأرض أيضا أرضون فليؤخذ ويكون البيع لازما عليه ، وعليه الوفاء بتمام البيع. فإن لم يكن له في ذلك المكان غير الذي باع ، فإن شاء المشتري أخذ الأرض
واسترجع فضل ماله ، وإن شاء ردّ الأرض وأخذ المال كلّه » (١).
وتقريب الاستدلال بهذا الخبر هو أنّ بائع الأرض التزم بكون الأرض التي باعها عشرة أجربة ، فتبيّن نقصها وأنّها خمسة أجربة ، فلو كان مثل سائر موارد تخلّف الوصف لكان جوابه عليهالسلام أنّ المشتري بعد تبيّن النقص مخيّر بين الفسخ والإمضاء بتمام الثمن ، لا أنّه مخيّر بين الإمضاء واسترجاع فضل ماله ، وبين ردّ الأرض وأخذ ماله كلّه.
فمن جوابه عليهالسلام يستكشف تقسيط الثمن على أجزاء المبيع ، أي الكميّة المذكورة في متن العقد وإن كان بصورة الشرط ، وقد تقدّم أنّه لا تأثير في اختلاف العبارة ، ولا فرق بين أن يكون بصورة الشرط أو يكون بصورة الوصف ، بل المناط كلّ المناط هو أن يكون الوصف عنوانا للمبيع عند العرف ومن قبيل صورته النوعيّة ، فيكون تخلّفه مبطلا ، أو يكون الوصف للمبيع فيكون موجبا للخيار فقط ، سواء أكان بصورة الاشتراط أو التوصيف.
وفي الاشتراط أيضا لا فرق بين أن يكون بأمر خارج عن المبيع ، كخياطة ثوب البائع مثلا ، أو يكون من شؤون المبيع وأوصافه ، أو يكون الشرط كميّة المبيع ، فيكون تخلّفه من قبيل تبعّض الصفقة وتكون المعاملة بالنسبة إلى الكميّة الموجودة صحيحة ، غاية الأمر للمشتري خيار تبعّض الصفقة ، ولذلك لو أمضى المعاملة يسترجع فضل ماله ، كما هو مذكور في الرواية.
وأمّا الإشكال على الاستدلال بالرواية بأنّها في مختلف الأجزاء ، فجوابه أنّه على فرض تسليم أنّه من قبيل مختلف الأجزاء تكون دلالتها على المقام بالأولويّة.
الثاني : أن يكون المبيع مختلف الأجزاء وتبيّن النقص عن الكميّة المذكورة في متن العقد. وفي هذا القسم أيضا ذهب الأكثر إلى التقسيط ، لعين ما ذكرنا في القسم الأوّل
__________________
(١) « الفقيه » ج ٣ ، ص ٢٣٩ ، ح ٣٨٧٥ ، باب بيع الكلاء والزرع. ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ١٥٣ ، ح ٦٧٥ ، باب أحكام الأرضين ، ح ٢٤ ، « وسائل الشيعة » ج ١٢ ، ص ٣٦١ ، أبواب الخيار ، باب ١٤ ، ح ١.
أي المبيع لمتساوي الأجزاء ، ولرواية عمر بن حنظلة التي هي نصّ في المقام.
ولا يأتي هاهنا الإشكال المتقدّم في القسم الأوّل من أنّ ظاهر الرواية كون هذا الحكم في مختلف الأجزاء ، فلا تشمل صورة كون المبيع متساوي الأجزاء.
فيجاب : أنّ شمولها لمتساوي الاجزاء بالفحوى ، وذلك لأنّ هذا القسم الثاني على الفرض هو المبيع المختلف الأجزاء ، فتكون الرواية نصّا فيه.
وأمّا الإشكال في سند الرواية مع عمل الأكثر على طبقها ـ خصوصا عمل من لا يعمل إلاّ بالقطعيّات كابن إدريس (١) ـ فلا مجال له.
نعم ذكر فخر الدين ، ابن العلاّمة قدسسرهما ، إشكالا على التقسيط في المقام (٢) حاصله : أنّ التقسيط متوقّف على معرفة قيمة الجزء الفائت بالنسبة إلى قيمة مجموع الأجزاء المذكورة في متن العقد ، كي يمكن استرجاع قيمة مقدار الفائت من أجزاء المبيع من الثمن للمجموع ، وهذا المعنى في متساوي الأجزاء يمكن ؛ لأنّه إذا باع الحنطة مثلا على أنّها عشرين صاعا فتبيّن كونها خمسة عشر صاعا ، فالمقدار الفائت ربع المجموع ، وقيمته أيضا ربع قيمة المجموع ، فيسترجع ربع الثمن ، وذلك من جهة أنّ الأجزاء والأبعاض متساوية في القيمة إن كانت متساوية في المقدار.
وأمّا في مختلف الأجزاء فلا يمكن ذلك ، لأنّه إذا كانت قيمة الأجزاء مختلفة ، فلا يمكن تعيين ما يكون قسطا للمقدار الفائت ممّا ذكر في متن العقد من ثمن المسمّى ، لأنّ المفروض اختلاف الأجزاء في القيمة ، فمن الممكن أن يكون المقدار الفائت وإن كان بحسب المقدار ربع المجموع ولكن يحسب القيمة يكون مساويا مع ثلاثة أرباع الموجودة غير الفائتة.
وليس الفائت موجودا كي يقومه المقوّمون ، ولا له مثل كي يقاس به ، فلا طريق
__________________
(١) « السرائر » ج ١ ، ص ٤٧.
(٢) « إيضاح الفوائد » ج ١ ، ص ٥١٥.
إلى معرفة قسط الفائت من ثمن المسمّى ، بل تحصيله بطور التحقيق بحيث يعلم بأنّه قسطه محال ، لأنّ المفروض أنّ الأجزاء مختلفة بحسب القيمة.
مثلا هذه الأرض التي اشتراها على أنّها عشرة أمتار ، فظهر أنّها خمسة أمتار ، فالخمسة الفائتة يمكن أن تكون أمتارها كلّها من الغاليات ، ويمكن أن تكون كلّها من الرخيصات ، ويمكن أن تكون من المختلفات ، فبعضها يكون من الغاليات ، وبعضها من الرخيصات على اختلاف مراتب الغاليات والرخيصات أيضا ، وحيث أنّها ليست ولم تكن موجودة أصلا فلا يمكن تشخيصها وتعيينها لنا ، بل ليس لها تعيّن في حاقّ الواقع.
نعم لو كانت موجودة في زمان من الأزمنة ، لكان لها تعيّن في الواقع وإن كانت مجهولة عندنا. وعلى كلّ حال فلا يمكن التقسيط ، لعدم الطريق إلى معرفة قسطها من المسمّى ، فلا بدّ أن يفرق بين المبيع المتساوي الأجزاء من حيث القيمة ، وما هو مختلف الأجزاء من هذه الحيثيّة إذا تبيّن نقصان مقدارها عمّا شرط في متن العقد بالتقسيط في الأوّل دون الثاني ، كما ذهب اليه فخر الدين ابن العلامة قدسسرهما وجمع آخر.
ولكن يمكن أن يقال بعد الفراغ عن أنّ البيع وقع على عشرة أجربة ، والموجودة خمسة من الأرض ، المختلفة بحسب القيمة أجزاؤها ، كالأرض الواقعة على الشارع بعضها دون البعض الآخر ، ومعلوم أنّ الواقع منها على الجادّة العموميّة يساوي أضعاف ما هو بعيد عن الجادّة.
والفائت لا يمكن أن يحسب الأرض الواقعة على الجادّة ، ولا بحساب ما هو بعيد عن الجادة ، لأنّه لا يعلم أنّه من أيّ واحد من القسمين ، بل ليس من كلّ واحد من القسمين واقعا ، لأنّه لم يوجد كي يكون من أحدهما ، ففي حاقّ الواقع ليس له قسط أحدهما ، فاستحقاقه معلوم بقيمة خمسة جريان مجهول القيمة من جهة الجهل بكونها من أي قسم ، بل القطع بأنّها ليست من كلّ واحد من القسمين أو الأقسام ، لأنّها غير