القواعد الفقهيّة - ج ٣

آية الله السيّد محمّد حسن البجنوردي

القواعد الفقهيّة - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد حسن البجنوردي


المحقق: مهدي المهريزي
الموضوع : الفقه
الناشر: نشر الهادي
المطبعة: مؤسسة الهادي
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-400-030-7

الصفحات: ٣٥٢

وبعد العلم بأنّ الكتاب بهذا المعنى لم يهمل حكم شي‌ء ، بل بيّن جميع الأحكام المتعلّقة بجميع الأشياء ، فلا يبقى فرق بين هذه العناوين ، فكلّ شرط مخالف للكتاب بالمعنى الذي ذكرنا له يصدق عليه أنّه ليس في الكتاب ، ويصدق عليه أنّه ليس ممّا وافق الكتاب ، كما أنّه كل شرط لم يكن مخالفا للكتاب فلا محالة يكون موافقا للكتاب ، لعدم الواسطة بينهما.

وإن قلنا بأنّهما أمران وجوديّان ، والتقابل بينهما تقابل التضادّ ، مع أنّ التحقيق أنّ التقابل بينهما تقابل العدم والملكة ، ففي الموضوع القابل لا يمكن اجتماعهما ولا ارتفاعهما ، كما هو الشأن في جميع موارد تقابل العدم والملكة.

نعم ربما يفرق بين هذه العناوين بالنسبة إلى مجاري الأصول ، فلو كان الشرط ـ أي شرط صحّة الشرط ـ عدم مخالفته للكتاب ، فإذا شكّ في شرط أنّه مخالف أم لا ، فيجري استصحاب عدم مخالفته للكتاب بناء على جريان استصحاب العدم الأزلي في النعوت العدميّة ، كأصالة عدم كون المرأة قرشيّة عند الشكّ في كونها قرشيّة.

فباستصحاب عدم كونه مخالفا قبل وجوده يحرز شرط الصحّة الذي هو عبارة عن عدم كونه مخالفا للكتاب ، وأمّا لو كان الشرط موافقة الكتاب ففي مورد الشكّ لا يمكن إحراز الشرط بالاستصحاب ، لعدم الحالة السابقة للموافقة.

ولكن بناء على ما حقّقناه في كتابنا « منتهى الأصول » (١) من عدم جريان الاستصحاب في الأعدام الأزليّة إذا كان الأثر للعدم النعتي لا للعدم المحمولي ، وذلك من جهة أنّ العدم النعتي مثل وجوده المقابل له متوقّف على وجود موضوعه ، ففي الرتبة السابقة على وجود موضوعه لا أثر له ولا عين له حتّى يجر بالاستصحاب إلى زمان وجود موضوعه.

والعدم المحمولي وإن كان له حالة سابقة أزلا لأنّ جميع الأشياء ما سوى الله‌

__________________

(١) « منتهى الأصول » ج ٢ ، ص ٤٩٧.

٢٦١

تعالى كانت معدومة قبل وجودها ، لكن لا أثر له ، بل الأثر للعدم النعتي ، وإثبات العدم النعتي باستصحاب العدم المحمولي يكون من الأصل المثبت الذي أثبتنا في الأصول عدم حجّيته.

فالنتيجة : أنّه لا فرق بين أن يكون شرط صحّة الشروط عدم مخالفتها للكتاب ، أو كان الشرط موافقته للكتاب حتّى بالنسبة إلى مجاري عدم الأصول وحديث السالبة المنتفية بانتفاء الموضوع تهويل خال عن التحصيل.

الثالث : في أنّه ما المراد من عدم مخالفة الكتاب أو موافقته، وما هو الضابط لذلك؟ فنقول : الضابط في ذلك هو أن يكون الشرط نافيا لما أثبته الشارع ، أو مثبتا لما نفاه ، فلو شرط عليه ارتكاب حرام أو ترك واجب ، يكون هذا الشرط مخالفا للكتاب والسنّة قطعا ، لأنّ ارتكاب الحرام وترك الواجب ممّا نفاه الشارع ومنع منه.

وأمّا لو شرط عليه فعل ما ليس بواجب ولا حرام ، أو تركه سواء كان مباحا أو مستحبّا أو مكروها ، فلا يكون مخالفا ، لأنّ الشارع لم يمنع من فعل متعلّقات الأحكام غير الإلزامية ، ولا عن تركها ، فليس الشرط نافيا لما أثبته الشرع ، أو مثبتا لما نفاه.

نعم لو شرط عليه أو هو التزم بكون ما أحلّه الشارع حراما ، أو ما حرّمه حلالا وكذلك في سائر الأحكام الخمسة بأن يكون الحكم على خلاف ما جعله الشارع ، فيكون مثل هذا الشرط مخالفا للكتاب والسنّة ، لأنّه مثبت لما نفاه ، وناف لما أثبته.

فيكون مشتملا على أمرين كلّ واحد منهما يكون موجبا لكونه على خلاف الكتاب والسنّة ، بل اشتراط كون الفعل الفلاني حكمه كذلك مطلقا باطل ، سواء كان ذلك الحكم موافقا لما جعله الشارع ، أو كان مخالفا له. أمّا لو كان مخالفا فلأجل مخالفته أوّلا ، ولأجل عدم كونه مقدورا للمشروط عليه ثانيا ، لأنّ وضع الأحكام الشرعيّة ورفعها بيد الشارع وليس ذلك لغيره.

وأمّا لو كان موافقا فلأجل أنّ الشرط يكون حينئذ من قبيل تحصيل الحاصل ،

٢٦٢

فيكون لغوا.

هذا بالنسبة إلى الأحكام التكليفيّة ومتعلّقاتها.

وأمّا الأحكام الوضعيّة فما كان منها مجعولا من قبل الشارع بلحاظ حال شخص ولرعايته ، سواء كان ذلك الشخص واحدا أو متعدّدا كباب الحقوق ، فيكون ذلك الشخص مسلّطا عليه ، وهذا اعتبار عقلائي ، وهو أنّ صاحب الحقّ له السلطنة على حقّه.

ولذلك اتّفقوا على أنّ كلّ حقّ قابل للإسقاط حتّى أنّهم عرفوا الحقّ بذلك ، لأنّه خاصّة شاملة ، فشرط وجوده وعدمه ليس مخالفا للكتاب ، لأنّ أمر وضعه ورفعه بيد من له الحقّ وإن كان مجعولا من قبل الشارع ، وذلك كأغلب الخيارات. بل قد يكون جعله أيضا بيد من له ومن عليه مع توافقهما كخيار الشرط.

وأمّا ما ليس جعلها من قبل الشارع برعاية حال أحد ، بل يكون جعلها كسائر الأحكام تبعا للمصالح والمفاسد التي في متعلّقاتها ، فهي على قسمين :

أحدهما : ما لا يكون الشرط من أسباب وجودها ، كالطهارة والنجاسة وغيرهما ، فشرط وجودها أو عدمها باطل على كلّ حال ، لكونه غير مقدور للمشروط عليه أوّلا ، وكونه مخالفا للكتاب ثانيا إن كان مخالفا لما جعله الشارع ، كاشتراط كون الميتة مثلا طاهرا ، أو اشتراط صيرورة ماء الكرّ بصرف ملاقاة النجاسة نجسا ، مع عدم تغيّر أحد أوصافه الثلاثة بالنجاسة وإن كان موافقا لما جعله الشارع ، فلما ذكرنا من أنّه من قبيل تحصيل الحاصل ، فيكون الشرط لغوا.

بقي شي‌ء : وهو أنّه لو شرط عليه ترك ما ليس بواجب طول عمرة ، أو هو التزام بذلك ، فهل يكون مثل هذا الشرط باطلا ومخالفا للكتاب ، أم لا؟ وبعبارة أخرى : هذا تحريم للحلال ، أم لا؟

الظاهر أنّ هذا ليس من تحريم الحلال ، من جهة أنّ ترك ما ليس بواجب سواء‌

٢٦٣

كان مباحا بالمعنى الأخصّ ، أو كان مستحبّا ، أو كان مكروها جائز شرعا ، فالالتزام به وإن كان طول العمر ليس مخالفا للكتاب فيأتي السؤال بأنّه فأين مصداق الشرط المحرّم للحلال الذي استثناه عليه‌السلام من الشرط الصحيح والجائز في الموثق المروي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : « من شرط لامرأته شرطا ، فليف به لها ، فإنّ المسلمين عند شروطهم ، إلاّ شرطا حرّم حلالا أو أحلّ حراما » (١)؟

ولكن يمكن الجواب عن هذا السؤال بأنّ ما ذكرنا من أنّ شرط ترك ما ليس بواجب وإن كان الترك طول عمره ليس مخالفا للكتاب ومحرّما للحلال باعتبار مضمون الشرط والمعنى الاسم المصدري له ، أي باعتبار ما التزم به. وأمّا باعتبار المعنى المصدري له ـ أي نفس الالتزام ـ فمخالف للكتاب ومحرّم للحلال ، لأنّ الالتزام بترك شي‌ء طول العمر عرفا عبارة عن تحريمه على نفسه ، كما أنّ إلزامه غيره بذلك أيضا عبارة عن تحريمه عليه ، فيكون تحريم ما أحلّه الله عليه. ويشهد بذلك الرواية الواردة في بطلان الحلف على ترك شرب العصير المباح دائما ، معلّلا بأنّه ليس لك أن تحرم ما أحلّه الله.

فشرط ترك المباح دائما ، إن كان الالتزام متعلّقا بترك نوع مباح ، لا ببعض أفراده ومصاديقه لخصوصيّة فيه ، يكون تحريما للحلال باعتبار نفس الالتزام لا الملتزم به.

وأمّا شرط ترك بعض أفراد نوع منه ، كأن يشترط ترك شرب فرد من العصير مثلا وإن كان دائما فليس تحريما للحلال.

فصدق كون الشرط تحريما للحلال بنظر العرف ـ أي نفس الالتزام بذلك ، لا الملتزم به ـ مشروط بأمرين :

أحدهما : أن يكون المشروط ترك نوع من المباح ، لا فرد ومصداق من‌

__________________

(١) « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٤٦٧ ، ح ١٨٧٢ ، باب الزيادات في فقه النكاح ، ح ١٠ ، « وسائل الشيعة » ج ١٢ ، ص ٣٥٣ ، أبواب الخيار ، باب ٦ ، ح ٥.

٢٦٤

مصاديقه.

الثاني : أن يكون الشرط تركه دائما لا موقّتا ، خصوصا إذا كان الوقت قليلا.

وذلك من جهة أنّ الحرام والمنهيّ عنه غالبا يكون النهي متعلّقا بالطبائع ، والمطلوب ترك الطبيعة في جميع الأزمان لا موقّتا أو ترك فرد منها ، فإذا التزم بترك طبيعة دائما فدليل نفوذ الشرط واعتباره يلزمه بالوفاء به ، فيرجع أنّ شرطه هذا صار سببا لتحريم حلال عليه ، وحيث أنّ مثل هذا الشرط استثناه الشارع عن دليل اعتباره الشرط ونفوذه بقوله عليه‌السلام « المسلمون عند شروطهم ، إلاّ شرطا حرّم حلالا ، أو أحلّ حراما » فلا تشمله أدلّة الاعتبار ونفوذ الشرط.

ثمَّ إنّه بعد الإحاطة على ما ذكرنا يظهر لك حال موارد الخلاف ، وأنّها هل من الشرط المخالف أو ليس منه؟ وذلك مثل شرط رقّية الولد الذي أحد أبويه حرّ ، ومثل شرط إرث المتمتّع بها ، وشرط الضمان في العين المستأجرة ، وشرط اختيار المكان للزوجة ، فما ذكرنا من الضابط في مخالفة الشرط للكتاب والسنّة يجب أن يراعى في جميع الموارد ، إلاّ فيما إذا جاء دليل خاصّ معتبر على بطلان الشرط أو صحّته في ذلك المورد ، فيستكشف عدم مخالفته للكتاب ، وإلاّ فهذا الشرط ليس قابلا للتخصيص.

ثمَّ إنّه إذا حصل الشكّ في مورد أنّه من الشرط المخالف أم لا ، ولم يأت دليل خاصّ على بطلانه أو صحّته ، فلا يصحّ الرجوع إلى عموم « المؤمنون عند شروطهم » فإنّه تمسّك بعموم العامّ في الشبهة المصداقية للمخصّص ، وقد أثبتنا في الأصول عدم جوازه ، وقد عرفت عدم جريان أصالة عدم مخالفته للكتاب ، فليس أصل منقّح للموضوع في البين ، فلا بدّ من الرجوع إلى الأصول الجارية في نفس حكم المسألة.

الرابع : الدليل على هذا الشرط الأخبار الكثيرة المستفيضة ، بل ربما يدّعي بلوغها حدّ التواتر :

فمنها : صحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول عليه‌السلام‌ :

٢٦٥

« من اشترط شرطا مخالفا لكتاب الله عزّ وجلّ فلا يجوز له ، ولا يجوز على الذي اشترط عليه ، والمسلمون عند شروطهم فيما وافق كتاب الله عزّ وجلّ » (١).

ومنها : صحيحته الأخرى عنه أيضا‌ قال عليه‌السلام : « المسلمون عند شروطهم ، إلاّ كلّ شرط خالف كتاب الله عزّ وجلّ ، فلا يجوز » (٢).

ومنها : ما عن ابن سنان‌ عنه عليه‌السلام أيضا قال : سألته عن الشرط في الإماء لا تباع ولا توهب؟ قال : « يجوز ذلك غير الميراث فإنّها تورث ، لأنّ كلّ شرط خالف كتاب الله باطل » (٣).

ومنها : مرسلة جميل‌ عن أحدهما عليهما‌السلام في رجل اشترى جارية وشرط لأهلها أن لا يبيع ولا يهب ، قال عليه‌السلام : « يفي بذلك إذا شرط لهم » (٤).

ومنها : رسالته الأخرى‌ وزاد : « إلاّ الميراث » (٥).

ومنها : موثّقة إسحاق بن عمّار المتقدّمة (٦).

ومنها : صحيحة الحلبي‌ عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن الشرط في الإماء لا تباع ولا تورث ولا توهب؟ فقال : « يجوز ذلك غير الميراث ، فإنّها تورث ، وكلّ شرط خالف كتاب الله فهو ردّ » (٧).

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٢٤٩ ، رقم (١).

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٢٥٠ ، رقم (١).

(٣) « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٦٧ ، ح ٢٨٩ ، باب ابتياع الحيوان ، ح ٣ ، « وسائل الشيعة » ج ١٢ ، ص ٣٥٣ ، أبواب الخيار ، باب ٦ ، ح ٣.

(٤) « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٢٥ ، ح ١٠٦ ، باب عقود البيع ، ح ٢٣ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ٤٤ ، أبواب بيع الحيوان ، باب ١٥ ، ح ٢.

(٥) « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٣٧٣ ، ح ١٥٠٩ ، باب المهور والأجور ، ح ٧٢ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ٤٤ ، أبواب بيع الحيوان ، باب ١٥ ، ذيل ح ٢.

(٦) سبق ذكره في ٢٥٠ ، رقم (٢).

(٧) « الكافي ج ٥ ، ص ٢١٢ ، باب شراء الرقيق ، ح ١٧ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ٤٣ ، أبواب بيع الحيوان ، باب ١٥ ، ح ١.

٢٦٦

ومنها : أخبار أخر كثيرة‌ تركناها لعدم الاحتياج إلى ذكرها ، وحيث أنّ دلالة هذه الأخبار على ما ذكرناه من شرح المراد من هذه القاعدة واضحة ، فلا يحتاج إلى بيان وجه الدلالة وبسط الكلام فيها.

[ الشرط ] الخامس : أن لا يكون منافيا لمقتضى العقد.

وهذه العبارة يحتمل فيها وجوه من المعاني :

أحدهما : أن يكون المراد منها أن لا يكون الشرط منافيا لما هو مضمون العقد بالمعنى المصدري ،

مثلا عقد البيع بالمعنى المصدري عبارة عن إنشاء تمليك عين متموّل بعوض مالي ، والمنشأ بهذا الإنشاء ـ أي التمليك المذكور ـ مضمون العقد ، وهو مقتضى العقد بالمعنى المصدري ، إذ المراد من المقتضى ـ بالكسر ـ هو مفيض الأثر ، فالأثر يفاض منه مع اجتماع الشرائط وعدم الموانع.

ولا شكّ في أنّ العقد بالمعنى المصدري يؤثّر في وجود مضمونه عند العرف ، وكذلك عند الشرع مع اجتماع شرائطه وعدم موانعه ، فلو كان الشرط منافيا لمقتضى العقد بهذا المعنى ـ بأن يقول : بعتك هذه العين المتموّلة بكذا ، بشرط أن لا يتحقّق هذا التمليك الكذائي ـ فهذا يرجع إلى قصد تحقّق النقيضين ، فيكون مثل هذا العقد باطلا قطعا ، فضلا عن بطلان الشرط. فإذا قال وكيل المرأة : أنكحتك الفلانة بشرط أن لا تصير زوجتك مثلا ، فهذا تناقض وتهافت لا يصدر عن عاقل إن لم يكن هازلا.

الثاني : أن لا يكون الشرط منافيا لجميع آثار ذلك العقد ، كأن يقول وكيل الزوجة : زوّجتك فلانة بشرط أن لا تستمتع منها أيّ استمتاع ، أو يقول : بعتك هذا المال بشرط أن لا تتصرّف فيه أيّ قسم من التصرّفات.

وهذا أيضا يرجع إلى الوجه الأوّل ، لأنّ نفي جميع الآثار مستلزم لنفي المؤثّر ،

٢٦٧

خصوصا إذا كان المؤثّر من الأمور الاعتباريّة ، إذ مع نفي جميع الآثار يكون ذلك الاعتبار لغوا.

الثالث : أن يكون منافيا للأثر الظاهر للعقد ، بحيث يكون تمام النظر في العقد والمعاملة إلى ترتيب ذلك الأثر. وذلك كما أنّه لو شرط وكيل المرأة أو نفسها حين إنشاء النكاح الدائم عدم وطيها طول عمر الزوجين ، ولا شكّ في أنّ الأثر الظاهر للنكاح الدائم ، وما هو العمدة في نظر العرف بل الشرع هو الوطي ، فإنّه الغرض الأصلي من النكاح الدائم ، وإن كانت هناك أغراض وآثار أخر.

وكذلك التاجر الذي شغله البيع والشراء أو اشترى أشياء وأجناسا لأن يبيع ويربح كما هو شغل الكسبة والتجّار ، وشرط عليه البائع الأوّل أن لا يبيع تلك الأجناس ، فهذا الشرط مناف لما هو الأثر من الاشتراء الأوّل.

فهل مثل هذا الشرط باطل وحده ، أو المعاملة المشتملة على هذا الشرط باطلة ، أو ليس شي‌ء منهما بباطل؟

يمكن أن يقال : نفى الأثر الظاهر ملازم عرفا مع نفي ما هو مضمون العقد ، فيستكشف في مقام الإثبات عدم القصد إلى مضمون العقد ، لأنّ قصد الشرط مناف مع قصد المضمون ، فإن لم يقصد الشرط فالشرط باطل ، لعدم كونه مقصودا ، وإن قصده فالمضمون غير مقصود ، لما ذكرنا من التنافي بين قصديهما عرفا ، فالعقد باطل ، لأنّ العقود تابعة للقصود ، فيكون الشرط باطلا ، لأنّه يبقى بلا موضوع.

ولكن يمكن أن يقال : حيث أنّه في مقام الثبوت لا مانع من قصد عدم الأثر الظاهر مع قصد مضمون العقد ، فيؤخذ بظاهر الاثنين ويحكم بصحة العقد والشرط جميعا ، فلا مانع من الحكم بصحّة الشرط من ناحية كونه منافيا لمقتضى العقد ، وإن كان هناك مانع من الحكم بصحّته لا بدّ وأن يكون من جهة أخرى ، ككونه غير سائغ ، أو كونه مخالفا للكتاب والسنّة ، أو غير ذلك من الجهات التي تكون أجنبيّة عن‌

٢٦٨

محلّ الكلام.

الرابع : أن يكون منافيا لبعض الآثار العرفيّة التي للعقد ، ولا يكون من الآثار الظاهرة للعقد‌ بحيث تكون ملازمة عرفيّة بين نفيها ونفي مضمون العقد. وذلك كشرط البائع عليه عدم بيعه من زيد مثلا ، أو هبته لابنه ، أو أحد أصدقائه.

وبعبارة أخرى : إذا شرط البائع على المشتري أن لا يتصرّف في المبيع بعض التصرّفات التي من آثار ملكه عرفا ، فلا مانع من صحّة الشرط من جهة منافاته لمقتضى العقد ، لأنّ عمدة وجه بطلان الشرط ، إذا كان منافيا لمقتضى العقد هو عدم إمكان اجتماع صحّة العقد مع صحّة الشرط ، وإلاّ فلا وجه لبطلان الشرط من هذه الجهة. نعم يمكن أن يكون باطلا لجهة أخرى.

وبعبارة أوضح : وجه كون مخالفة الشرط لمقتضى العقد موجبا لبطلانه ، هو عدم إمكان الأخذ بدليل ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) مع الأخذ بدليل وجوب الوفاء بالشرط ، لتنافيهما ، فلا بدّ إمّا من إسقاط كلا الدليلين ، أو إسقاط أحدهما ، وعلى جميع التقادير تكون النتيجة بطلان الشرط.

وفي المقام حيث لا تنافي بينهما في عالم الثبوت ، فلا تعارض بين الدليلين في مرحلة الإثبات ، إذ الشرط في المفروض ليس منافيا لمقتضى ذات العقد ، بل مناف لإطلاق العقد ، فإذا قيّد بواسطة الشرط لا يبقى موضوع لإطلاقه كي يكون الشرط منافيا معه ، فإذا لم يكن في مثل المقام وجه آخر لبطلان الشرط من كونه مخالفا للكتاب والسنّة ، أو كونه غير سائغ ، أو كونه غير مقدور وأمثال ذلك ، فلا يكون باطلا من جهة منافاته لمقتضى العقد.

الخامس : أن يكون منافيا لبعض الآثار الشرعيّة التي جعلها الشارع للعقد‌ بالمعنى الاسم المصدري ، مثل أن تشترط الزوجة في عقد النكاح أن يكون السكنى باختيارها ، أو اشترطت على الزوج أن يسكن في بلد أبويها ، أو اشترطت عليه أن‌

٢٦٩

يجوز لها الخروج من البيت متى شاءت ، وأمثال ذلك ممّا جعلها الشارع من آثار الزوجيّة التي حصلت بالعقد ، وأن يكون الشرط مخالفا لها.

وكذلك الأمر لو باعه مال وشرط على المشتري أن لا يتصدّق به على أحد ، وأمثال ذلك في سائر العقود والمعاملات ، فلا بدّ وأن ينظر إلى دليل ذلك الأثر ، وأنّه يستفاد منه أنّ هذا الأثر من الحقوق القابلة للإسقاط ، أم لا بل حكم شرعي ليس قابلا للإسقاط؟

فإن كان من قبيل الأوّل ، فلا مانع من اشتراط عدمه ، ويرجع إلى إسقاط المشروط عليه حقّه. وذلك مثل أن يشترط بائع الحيوان على المشتري أن لا يكون له خيار الحيوان ، أو يشترط الزوج على الزوجة أن لا يكون لها حقّ المضاجعة ليلة في كلّ أربع ، وعلى هذا النهج في سائر العقود.

وأمّا إن كان من قبيل الثاني ، فاشتراط عدمه يكون من مخالفة الكتاب والسنّة ، فلو شرطت على زوجها جواز الخروج عن بيتها بدون إذن الزوج ، أو المسافرة في غير السفر الواجب بدون إذنه ، يكون من الشرط المخالف للكتاب.

نعم لو شرطت عليه أن يأذن لها الخروج فيما يجوز الخروج مع إذنه ، كالخروج إلى مجالس العزاء لسيّد الشهداء عليه‌السلام ، أو لزيارة أحد أقاربها ومحارمها ، يجب الوفاء بهذا الشرط وأن يأذن لها.

وأمّا لو كان الخروج إلى مجلس يحرم الحضور فيه ، كذهابها إلى الملاهي فهذا شرط مخالف للكتاب.

وعلى أيّ حال شرط عدم بعض الآثار الشرعيّة للمعقود عليه لا يكون باطلا من جهة مخالفته لمقتضى العقد ، فإن كان مانع من صحّته يكون لجهات أخر.

ثمَّ إنّه صار بعض الفروع هاهنا وفي هذا المقام محلّ الكلام‌.

منها : أنّ المشهور بينهم عدم صحّة اشتراط الضمان في الإجارة ، وصحّته في

٢٧٠

العارية، خلافا للمحقّق المقدّس الأردبيلي (١) ، وجمال المحقّقين (٢) قدس‌سرهما فإنّهما قالا بصحّته في الإجارة أيضا. وفصّل شيخنا الأستاذ قدس‌سره بين الإجارة الواقعة على الأعيان والأموال ، وبين الإجارة الواقعة على الأعمال ، فقال في الأوّل بعدم صحّة شرط الضمان كما ذهب إليه المشهور ، وفي الثاني ـ أي الإجارة على الأعمال ـ بالصحّة.

والتحقيق : هو أنّ الإجارة مطلقا ـ سواء أكان إجارة الأعيان ، أو كان في إجارة الأعمال ـ تسليم العين إلى المستأجر في الأوّل ، وإلى الأجير في الثاني ، كما إذا أعطى وسلّم ثوبه إلى الخيّاط مثلا ، حيث أنّها أمانة مالكيّة بيد المستأجر في الأوّل ، وبيد الأجير في الثاني ، فتلفه لا يوجب الضمان إلاّ مع التعدّي والتفريط. وقد شرحا المسألة مفصّلا في إحدى قواعد هذا الكتاب (٣).

ولكن عدم اقتضاء الأمانة المالكيّة للضمان غير اقتضائه عدم الضمان ، والإجارة مع العارية مشتركان في كونهما أمانة مالكيّة.

وما ذكره شيخنا الأستاذ قدس‌سره في وجه التفصيل وعدم صحّة اشتراط الضمان في إجارة الأعيان من استحقاق المستأجر على الموجر كون العين المستأجرة تحت يده وتصرّفه ، وهذا الاستحقاق من ناحية عقد الإجارة ، فإنّ إجارة العين عبارة عن تمليك منفعة العين كسكنى الدار مثلا التي هي صفة في العين ، فتسليم هذا الملك إلى مالكه ـ حيث أنّه ليس له وجود استقلالي ـ يكون بتسليم العين ، فالمستأجر يستحقّ تسلم العين لاستحقاقه تسلّم المنفعة التي هي ملكه ، ووجود المنفعة مندكّ في وجود العين ، كما هو الحال في كلّ صفة مع موصوفه ، فاستحقاقه للمنفعة بعقد الإجارة عين استحقاقه لتسلّم العين بعقد الإجارة ، فلم يأخذ المستأجر إلاّ ما يستحقّ ، وهذا الاستحقاق ليس مجّانا بل بالعوض المسمّى ، أي ما جعل في العقد عوضا لتمليك المنفعة‌

__________________

(١) « مجمع الفائدة والبرهان » ج ١٠ ، ص ٦٩.

(٢) « الحاشية على الروضة » ص ٣٦٧ ـ ٣٦٨.

(٣) « القواعد الفقهية » ج ٢ ، ص ٧ ، قاعدة عدم ضمان الأمين.

٢٧١

المعلومة ، فلا موجب لضمان آخر لأخذه العين وتسلّمها.

ثمَّ أفاد أنّ هذا الوجه لا يأتي في تسلّم الأجير للعين لأجل العمل فيها ، فالخيّاط مثلا الذي يستأجره المالك لأجل خياطة ثوبه لا يستحقّ بعقد الإجارة وبعوض ما يأخذه من أجرة عمله تسلّم العين وأن تكون تحت يده ، إذ من الممكن أن يخيطه وهو في يد مالكه ، فيمكن أن يقال بصحّة شرط الضمان على الأجير بخلاف شرط ضمان العين على المستأجر الذي صار مالكا للمنفعة بعقد الإجارة عوضا لما يأخذه مالك العين.

وما أفاده من الفرق بين تسلّم العين من الأجير لأجل العمل ، وبين تسلّمها من المستأجر لأجل استيفاء المنفعة وإن كان حسنا ، ولكن كونه موجبا لصحّة شرط الضمان في أحدهما دون الآخر لا يخلو من تأمّل.

وذلك من جهة أنّ صرف استحقاق المستأجر لتسلّم العين المستأجرة بعوض معلوم ، لا يوجب عدم صحّة شرط الضمان ، وكون شرط الضمان مخالفا للسنّة ، لأنّ يده واقعة على مال الغير ، وهذه اليد وإن كانت لا توجب الضمان ـ لأنّه مأذون من قبل المالك ، وما تحت يده أمانة مالكيّة ، وهذه الجهة مشتركة بين العارية وقسمي الإجارة ، أي إجارة الأعيان والأعمال ـ إلاّ أنّها ليست أيضا مقتضية لعدم الضمان كي يكون شرط الضمان خلاف مقتضاها.

ولا يقاس بالوديعة ؛ لأنّ ذا اليد في الوديعة محسن في حفظ مال الغير ، فليس عليه سبيل بحكم الشارع ، فيكون شرط الضمان هناك مخالف للكتاب ، ولم يحكم الشارع هاهنا بعدم الضمان كي يكون شرطه مخالفا للكتاب.

نعم إن قيل بعدم كون الشرط من أسباب الضمان ـ مثل اليد غير المأذونة ، والإتلاف ، وغيرهما من أسباب الضمان ـ فالشرط لا يؤثّر في الضمان.

ولكن هذا الكلام مع بطلانه في نفسه يكون مشتركا بين الإجارة والعارية.

٢٧٢

وخلاصة الكلام : أنّ شرط الضمان في باب الإجارة لا مانع من نفوذه إن لم يكن إجماع على الخلاف ، وممّا ذكرنا ظهر الإشكال أيضا فيما ذكره شيخنا الأستاذ قدس‌سره من عدم صحّة شرط الضمان على المرتهن في العين المرهونة ، باعتبار أنّ يد المرتهن على العين المرهونة بحقّ مالكي بواسطة عقد الرهن ، فيقتضي عدم الضمان ، فيكون شرط الضمان مخالفا للكتاب أو لمقتضى العقد الذي هو عدم الضمان.

وقد عرفت الجواب ، وأنّ عقد الإجارة في إجارة الأعيان وكذلك عقد الرهن لا يقتضي الضمان بالنسبة إلى العين المستأجرة ، وكذلك لا يقتضي الضمان بالنسبة إلى العين المرهونة ، لا أنّهما يقتضيان عدم الضمان كي يكون شرط الضمان فيهما منافيا لمقتضى العقد ، أو يكون خلاف الكتاب.

وأمّا حديث استحقاقه بحقّ مالكي ، أي استحقاق المرتهن كون العين المرهونة في يده بعقد الرهن ، لأنّ هذا معنى كونه وثيقة عنده. ويدلّ عليه قوله تعالى ( فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ ) (١) فقد عرفت أنّه لا يقتضي عدم الضمان ، وأيضا ليس من أحكام هذا الحقّ شرعا عدم الضمان كي يكون شرط الضمان خلاف المشروع.

نعم في الوديعة والوكالة حيث أنّ الوكيل والودعي نائبان عن المالك في حفظ ماله ، فتكون يدهما بمنزلة يد المالك ، فكما أنّه لو تلف في يد مالكه لا يوجب الضمان ، بل لا معنى لأن يكون الشخص ضامنا لنفسه ، فكذلك من هو بمنزلته ، أي الوكيل والودعي. هذا ما ذكره شيخنا الأستاذ.

ولكن التحقيق هو الفرق بين الوكيل والودعي ، وذلك لأنّ الودعي محسن و ( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) (٢) ، ولا شكّ في أنّ الضمان سبيل. وأمّا الوكيل الذي يعمل بأجرة ، فليس بمحسن كي لا يكون عليه سبيل.

__________________

(١) البقرة (٢) : ٢٨٣.

(٢) التوبة (٩) : ٩١.

٢٧٣

نعم لو كان الوكيل يعمل مجّانا وقصده الإحسان إلى الموكّل ، فيكون حاله حال الودعي ، ولا يصحّ شرط الضمان عليه.

ثمَّ إنّه ظهر ممّا ذكرنا واتّضح حال شرط الضمان في العارية ، وأنّه لا مانع منه وليس هناك ما يوجب بطلان هذا الشرط مثل نفي السبيل على المحسنين ، لأنّ المستعير ليس منهم ، بل المعير الذي هو صاحب المال محسن إليه. وأمّا كونه أمانة مالكيّة فليس مقتضيا لعدم الضمان.

نعم اليد الأمانيّة ليست موجبة للضمان ، لا أنّها موجبة لعدمها كي يكون شرط الضمان مخالفا لمقتضى العقد ، أو يكون مخالفا للكتاب. وأمّا أخذ العين باستحقاق مالكي بالعقد ، فمضافا إلى أنّه لا كبرى لهذا الكلام لا صغرى له في المقام ، فصحّة شرط الضمان في العارية لا إشكال فيه أصلا.

وأمّا قوله عليه‌السلام : « ليس على مستعير عارية ضمان » (١) فالمراد نفي الضمان من حيث اقتضاء نفس العارية ، لا نفيه مطلقا وإن كان من قبل الشرط.

فقد عرفت ممّا ذكرنا أنّ الأمانات الخمس ، أي العارية ، والإجارة ، والوكالة ، والرهن ، والوديعة ما عدى الأخير يصحّ في كلّها شرط الضمان.

ومنها : أي من الموارد التي صار محلّ الكلام : شرط البائع على المشتري عدم بيع ما اشتراه ، فالمشهور قالوا بعدم صحّة هذا الشرط ، ولكن العلامة قدس‌سره استشكل في التذكرة (٢) ، وبعض من تأخّر عنه قوّى صحّته على ما حكاه الشيخ الأعظم الأنصاري (٣) قدس‌سره.

__________________

(١) « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ١٨٢ ، ح ٧٩٨ ، باب العارية ، ح ١ ، « الاستبصار » ج ٣ ، ص ١٢٤ ، ح ٤٤١ ، باب أنّ العارية غير مضمونة ، ح ١ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ٢٣٧ ، أبواب كتاب العارية ، باب ١ ، ح ٦.

(٢) « تذكرة الفقهاء » ج ١ ، ص ٤٨٩.

(٣) « المكاسب » ص ٢٨١.

٢٧٤

والأقوى صحّة هذا الشرط إن لم يكن الإجماع على بطلانه.

وذلك من جهة أنّ شرط عدم البيع ليس منافيا لمضمون عقد البيع ، ولا منافيا للأثر الظاهر الذي يلازم نفيه عرفا نفي البيع الأوّل ، وأيضا ليس شرط عدم بيعه شرط نفي جميع الآثار كي يكون اعتبار ملكيّته للمشتري في البيع الأوّل لغوا ، ولم يرد دليل من الشرع أنّ عدم جواز بيع ما اشتراه مخالف للكتاب والسنّة حتّى يكون الشرط مخالفا للكتاب.

فلا موجب لبطلان هذا الشرط إلاّ ما ادّعاه الشيخ قدس‌سره من تحقّق الإجماع على بطلان هذا الشرط ، ثمَّ عقّبه بقوله : فلا إشكال في أصل الحكم (١). نعم ذكرنا فيما تقدّم أنّه قد يكون المشتري شغله البيع والشراء ، فيشتري لأن يبيع ، كما هو الشأن لأغلب الكسبة في القرى والمدن الصغيرة ، فيشترون في المدن الكبيرة من التجّار الكبار للبيع في المدن الصغيرة.

ففي مثل هذه الموارد يمكن أن يدّعي أنّ الأثر الظاهر للبيع الأوّل عرفا جواز بيع ما اشتراه ، فنفيه عرفا مناف لمضمون البيع الأوّل.

ومنها : اشتراط عدم الخسران لأحدهما في عقد الشركة‌ بأن يقول أحدهما للآخر : تشاركنا على أن يكون الربح بيننا والخسران عليك ، فصار محلّ الخلاف في صحّة هذا الشرط وبطلانه. وتدلّ على صحّته صحيحة رفاعة قال : سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام عن رجل شارك رجلا في جارية له وقال : إن ربحنا فيها فلك نصف الربح ، وإن كانت وضيعة فليس عليك شي‌ء؟ فقال عليه‌السلام : « لا أرى بهذا بأسا إذا طابت نفس صاحب الجارية » (٢).

__________________

(١) « المكاسب » ص ٢٨١.

(٢) « الكافي » ج ٥ ، ص ٢١٢ ، باب شراء الرقيق ، ح ١٦ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ١٧٥ ، أبواب كتاب الشركة ، باب ١ ، ح ٨.

٢٧٥

وذهب ابن إدريس قدس‌سره إلى بطلانه (١) ، ولم يعمل بالصحيحة ، لعدم حجّية الخبر الواحد عنده.

وقال الشهيد رحمه‌الله في اللمعة : الأظهر هو البطلان (٢).

وقال في الشرائع : هذا الشرط ـ أي كون الخسران على أحدهما ـ فيه تردّد ، والمرويّ الجواز (٣).

وحكى عن الدروس التعدّي إلى مطلق المبيع في بيع الحيوان (٤) وفي الصلح تسلم الصحّة بلا إشكال بأن يصطلحا على أن يكون الربح بينهما والخسران على الآخر (٥).

وحكي عن التنقيح الاقتصار على مورد النصّ تعبّدا ، (٦) أي في خصوص الشركة في الجارية ، وذلك لأنّ النص على خلاف القاعدة عنده فوقف على مورده تعبّدا.

والتحقيق في هذا المقام هو أنّ متعلّق هذا الشرط لو كان صيرورة الربح الحاصل ببيع مال المشترك ملكا للمشروط له ، وذلك بأن لا يتبع الربح والخسران المال الذي ربح أو خسر في بيعه ، فهذا يقينا خلاف ما تقتضيه الشركة ، وخلاف ما يقتضيه الكتاب.

وذلك من جهة أنّ ارتفاع قيمة مال أو نزولها تابع لذلك المال شرعا وعرفا بل عقلا ، لأنّه من نعوته القائمة به ، فنماء المال متّصلا كانت أو منفصلة ملك لصاحب المال ويتبع المال ، فشرط أن يكون لغير المالك خلاف الكتاب والسنّة ، وخلاف مقتضى الشركة.

__________________

(١) « السرائر » ج ٢ ، ص ٣٤٩.

(٢) « اللمعة الدمشقيّة » ج ٤ ، ص ٢٠١.

(٣) « شرائع الإسلام » ج ٢ ، ص ١٠٦.

(٤) « الدروس الشرعية » ج ٣ ، ص ٢٢٣ ـ ٢٢٤.

(٥) « الدروس الشرعية » ج ٣ ، ص ٣٣٣.

(٦) « التنقيح الرائع » ج ٢ ، ص ١٢٠.

٢٧٦

وأمّا لو كان الشرط انتقال حصّة النفع من أحد الشريكين إلى الآخر كي يكون مجموع الربح له ، أي حصّة نفسه وحصّة شريكه ، فلا مانع منه. نعم يحتاج إلى سبب مملّك ، وهو الشرط الواقع في ضمن العقد اللازم الذي هو البيع أو الصلح ، ولا بدّ وأن تحمل صحيحة رفاعة على هذا المعنى.

وفي كون الخسران على أحدهما دون الآخر أيضا يكون الأمر كذلك ، أي لو كان الشرط عدم تبعيّة الخسارة لحصّة الشريك ، فهذا خلاف الكتاب والسنّة ، وخلاف مقتضى الشركة ، بل غير معقول. وأمّا لو كان هذا الشرط مرجعه إلى جبران خسارته من مال الشريك الآخر ، فلا إشكال فيه ولا مانع منه.

ومنها : اشتراط عدم إخراج الزوجة من بلدها ، فقد صار محلاّ للخلاف.

والتحقيق فيه : أنّ متعلّق الشرط إن كان عدم سلطنة الزوج على إخراجها ، فهذا خلاف الكتاب والسنّة يقينا. وأمّا إن كان مرجعه إلى الالتزام بأن لا يعمل سلطنته ، فلا محذور فيه.

نعم لو كان اختيار السكنى بيد الزوج من الحقوق ، وبعد الفراغ عن أنّ كلّ حقّ قابل للإسقاط ، فيمكن أن يكون مرجع هذا الشرط إلى إسقاط حقّه ، فلا محذور أيضا.

ومنها : مسألة توارث الزوجين بالعقد المنقطع وعدمه.

فتارة : متعلّق الشرط توارثهما ، أو كون أحدهما يرث دون الآخر ، وأخرى : عدم توارثهما أو عدم كون أحدهما وارثا فصار صحّة هذا الشرط محلّ الكلام. وقال في الشرائع : لا يثبت بهذا العقد ميراث بين الزوجتين ، شرطا سقوطه أو أطلقا (١).

وقال في الجواهر : وفاقا للأكثر بل المشهور ، بل عن الغنية نفي الخلاف. انتهى. (٢)

ويدلّ عليه روايات :

__________________

(١) « شرائع الإسلام » ج ٢ ، ص ٢٥١.

(٢) « جواهر الكلام » ج ٣٠ ، ص ١٩٠.

٢٧٧

منها : صحيح سعيد بن يسار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يتزوّج المرأة متعة ولم يشترط الميراث؟ قال : « ليس بينهما ميراث ، اشترطا أو لم يشترطا » (١).

والروايات في هذه المسألة مثل الأقوال وإن كانت مختلفة إلاّ أنّ المتحصّل من الجموع بعد الجمع أنّ عقد الانقطاع في حدّ نفسه لم يجعل الشارع بينهما توارث ، ومن هذه الجهة ـ أي جهة الميراث ـ هما كالاجنبيّين.

فشرط الإرث فيها ـ كشرط الإرث للأجنبي ـ مخالف للكتاب. وإن شئت قلت : إنّه غير مقدور ، لأنّ أمر جعل الأحكام بيد الشارع لا بيد الشارط.

وأمّا قول القائل : إنّه مع الشرط مجعول من قبل الشارع ، استنادا إلى صحيح محمّد بن مسلم عن الصادق عليه‌السلام في حديث : « وإن اشترطا الميراث فهما على شرطهما » (٢) ، وإلى صحيح البزنطي ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : « تزويج المتعة نكاح بميراث ، ونكاح بغير ميراث ، إن اشترطت كان ، وإن لم تشترط لم يكن » (٣).

ففيه : أنّ هذا الكلام على تقدير صحّته ، وغضّ النظر عن الإشكالات التي أوردوها عليه ، ووجود المعارض الأقوى ، لا دخل له بما نحن فيه ، لأنّ كلامنا في أنّ الشرط نافذ ويشمله دليل نفوذ الشرط ، أم لا؟ وهذا لو صحّ يرجع إلى أنّ موضوع إرث زوجة المتمتّع بها مركّب من أمرين : أحدهما كونها زوجة منقطعة ، والثاني : شرط‌

__________________

(١) « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٢٦٤ ، ح ١١٤٢ ، باب تفصيل أحكام النكاح ، ح ٦٧ ، « الاستبصار » ج ٣ ، ص ١٤٩ ، ح ٥٤٨ ، باب أنّه إذا شرط ثبوت الميراث. ، ح ٣ ، « وسائل الشيعة » ج ١٤ ، ص ٤٨٧ ، أبواب المتعة ، باب ٣٢ ، ح ٧.

(٢) « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٢٦٤ ، ح ١١٤١ ، باب تفصيل أحكام النكاح ، ح ٦٦ ، « الاستبصار » ج ٣ ، ص ١٤٩ ، ح ٥٤٧ ، باب أنّه إذا شرط ثبوت الميراث. ، ح ٢ ، « وسائل الشيعة » ج ١٤ ، ص ٤٨٦ ، أبواب المتعة ، باب ٣٢ ، ح ٥.

(٣) « الكافي » ج ٥ ، ص ٤٦٥ ، باب الميراث ، ح ٢ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٢٦٤ ، ح ١١٤٠ ، باب تفصيل أحكام النكاح ، ح ٦٥ ، « الاستبصار » ج ٣ ، ص ١٤٩ ، ح ٥٤٦ ، باب أنّه إذا شرط الميراث في المتعة. ، ح ١ ، « وسائل الشيعة » ج ١٤ ، ص ٤٨٥ ، أبواب المتعة ، باب ٣٢ ، ح ١.

٢٧٨

كونها وارثة ، وهو عجيب.

[ الشرط ] السادس : أن لا يكون الشرط مجهولا إن كان في ضمن عقد البيع ، أو معاملة أخرى يكون الغرر فيه مبطلا ، لأنّ المعاملة التي لا يضرّ بصحّتها الجهالة ، كالصلح حيث أنّ مبناها على الجهالة ، أو المعاملة المحاباتيّة التي يكون البناء فيها على المسامحة والمحاباة ، فالغرر فيهما لا يوجب البطلان ، لأنّ المفروض أنّ البناء في الصلح على التسالم على أمر غير معلوم بعوض مالي ، وفي المحاباة على المساهلة والمسامحة ، فلا يضرّ الجهالة في أصل المعاملة ، فضلا عن شرطها.

وأمّا فيما يكون الغرر مضرّا ومبطلا ، كالبيع الذي يكون من المسلم واتّفاقا من الكلّ مبطليّة الغرر له ، للخبر المشهور : « نهى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بيع الغرر » (١) وكالإجارة وسائر المعاملات التي يكون الغرر فيها مبطلا على المشهور ، للمرسلة المعروفة : « نهى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الغرر » بدون لفظ « البيع » ، فيكون الغرر مطلقا في أيّ معاملة كانت منهيّا.

فالشرط إن كان غرريّا يكون باطلا على كلّ حال ، سواء سرى الغرر إلى نفس المعاملة والعقد أو لم يسر ، وذلك من جهة أنّه لو سرى إليها فتكون المعاملة غرريّة وباطلة ، فيبقى الشرط بلا موضوع ، لأنّ المفروض أنّ موضوع وجوب الوفاء هو الشرط الواقع في ضمن المعاملة الصحيحة والعقد اللازم ، وإذ ليس فلا يجب.

وأمّا إن لم يسر فنفس الشرط حيث أنّه يكون غرريّا يكون باطلا ، للمرسلة المعروفة : « نهى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الغرر » التي ضعف سندها منجبر بعمل الأصحاب ، ولكن لم يثبت وجود هذه الجملة ، أي جملة « نهى النبيّ عن الغرر » بدون لفظ « البيع » في كتب الروايات والأحاديث ، لا من طرق القوم وكتب أحاديثهم ، ولا من طرق الإماميّة رضوان عليهم أجمعين.

__________________

(١) « عيون أخبار الرضا عليه‌السلام » ج ٢ ، ص ٤٦ ، ح ١٦٨ ، « عوالي اللئالي » ج ٢ ، ص ٢٤٨ ، ح ١٧.

٢٧٩

نعم في غير واحد من الصحاح المعتبرة عندهم يرون عن أبي هريرة : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن بيع الغرر ، فإثبات أنّ المنهيّ هو مطلق الغرر مشكل.

فلا طريق إلى الحكم ببطلان المعاملة المشتملة على الشرط المجهول إلاّ أن تكون تلك المعاملة بيعا مع سراية جهل الشرط إلى نفس المعاملة ، إلاّ أن يكون دليل خاصّ من إجماع أو غيره على البطلان ، ولا يصحّ دعوى الإجماع في مسألتنا هذه على البطلان مع اختلاف الأقوال ، إذا كان الشرط من الأمور الخارجة عن العوضين.

فقال الشهيد قدس‌سره في الدروس فيما لو جعل الحمل جزءا للمبيع : الأقوى الصحّة ، لأنّه بمنزلة الاشتراط ولا يضرّ الجهالة (١).

ويظهر من هذه العبارة أنّ عدم بطلان المعاملة بالشرط المجهول أمر مفروغ عنه عنده. نعم إذا كان الشرط من أوصاف أحد العوضين وكان مجهولا ربما يدّعي اتّفاقهم على البطلان ، لصيرورة العوض بواسطة ذلك الشرط مجهولا.

فالأدلّة الدالّة على لزوم معلوميّة العوضين تدلّ على بطلان تلك المعاملة التي مشروطة بشرط مجهول يكون من أوصاف أحد العوضين.

والتحقيق في هذه المسألة أنّ المعاملة المشتملة على شرط مجهول ، إن سرت جهالة الشرط إلى نفس المعاملة بحيث صارت المعاملة بواسطة ذلك الشرط غرريّا ، فإنّه قد يكون ذلك وكان تلك المعاملة بيعا ، فتلك المعاملة باطلة قطعا ، وذلك لحديث « نهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بيع الغرر » والضعف منجبر بعمل الأصحاب وإن كانت غير بيع ، فيحتاج الحكم بالبطلان إلى دليل خاصّ ، من إجماع أو غيره.

وأمّا إن لم تسر الجهالة إلى نفس المعاملة ، فلا وجه لبطلان الشرط ، فضلا عن بطلان المعاملة ، إلاّ ما يدّعي من نهيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن مطلق الغرر في البيع أو في غيره. وقد‌

__________________

(١) « الدروس الشرعية » ج ٣ ، ص ٢٤٦.

٢٨٠