القواعد الفقهيّة - ج ٣

آية الله السيّد محمّد حسن البجنوردي

القواعد الفقهيّة - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد حسن البجنوردي


المحقق: مهدي المهريزي
الموضوع : الفقه
الناشر: نشر الهادي
المطبعة: مؤسسة الهادي
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-400-030-7

الصفحات: ٣٥٢

وأمّا ما حكي عن بعض من إتيان هذا البحث في مسألة وطئ الحائض ، من أنّه لو وطئ الحائض وكفّر ، ثمَّ وطئ ثانيا بعد أن كفّر عن الوطي الأوّل يأتي هذا البحث ، بمعنى أنّه بناء على تداخل الأسباب لا تجب الكفّارة للوطئ الثاني ، وبناء على عدم التداخل تجب كفّارة أخرى للوطئ الثاني.

فلا يبعد أن يكون مراد القائل هو أنّ سبب الكفّارة في وطئ الحائض هو صرف الوجود من طبيعة الوطي في حال الحيض ، ولا شكّ في أنّ صرف الوجود من تلك الطبيعة يتحقّق بأوّل وجود منها ، ولا يصدق بعد الوجود الأوّل على الوجود الثاني ، لأنّ معنى صرف الوجود لطبيعة هو وجودها المطلق عاريا عن كلّ قيد ، وهو الذي ربما يعبّر عنه بعادم العدم ، وهو نقيض العدم المطلق ، أي العدم غير المقيّد بقيد.

ولا شكّ في أنّ العدم المطلق ـ أي العدم المحمولي ـ لشي‌ء ليس قابلا للتعدّد ، فنقيضه ، أي الوجود المطلق ، أي صرف الوجود ليس قابلا للتعدّد ، وإلاّ يلزم ارتفاع النقيضين.

فإذا كان الأمر كذلك ، فبالوطئ الأوّل يتحقّق صرف وجود طبيعة الوطي ، والمفروض أنّه موضوع وجوب الكفّارة ، وسائر أفراد هذه الطبيعة لا توجب الكفّارة ، فلو كفّر بعد الوطي الأوّل لا يجب عليه الكفّارة ولو صدر منه الوطي ألف مرّة.

وبناء على ما ذكرنا لو وطئ في حال الحيض ولم يكفّر ، ثمَّ وطئ ثانيا وثالثا وهكذا ، لا يجب عليه إلاّ كفّارة واحدة للوطئ الأوّل الذي هو مصداق صرف الوجود ، دون سائر الأفراد.

فهذه المسألة أجنبيّة عن مسألة أصالة عدم تداخل الأسباب ، وعلى هذا الأساس قلنا : لو نذر شخص أن لا يشرب الشاي ، ويكون متعلّق نذره وهو ترك صرف الوجود من طبيعة شرب الشاي ، لا ترك جميع وجودات هذه الطبيعة. فلو شرب مرارا يحصل الحنث بأوّل وجود من هذه الطبيعة ، وتجب عليه كفّارة حنث النذر ، ولا تجب كفّارات أخر بإيجاد سائر أفراد تلك الطبيعة ، إذ لا يحصل بتلك‌

٢٤١

الإيجادات حنث ، ولا يصدق عليها صرف الوجود الذي تركه متعلّق نذره.

وأيضا على هذا الأساس قلنا : إنّ النواهي على قسمين :

أحدهما : أن يكون متعلّق النهي هي الطبيعة السارية ، فيكون النهي انحلاليّا ، ينحلّ إلى قضايا متعدّدة حسب تعدّد الأفراد ، ولكلّ قضيّة من تلك القضايا إطاعة مستقلّة وعصيان مستقلّ مثل : لا تشرب الخمر ، وأغلب النواهي بل جميعها ـ إلاّ ما شذّ وندر ـ من هذا القبيل.

ولا فرق في كون أغلب النواهي انحلاليّا بين أن يكون لمتعلّقاتها التي هي أفعال المكلّفين مساس وتعلّق بالموضوع الخارجي ، مثل : لا تشرب الخمر ، ولا تغتب المؤمن ، وبين أن لا يكون لها ذلك مثل : لا تكذب.

ثانيهما : أن يكون متعلّقه صرف الوجود ، كقوله : لا تشرب ماء الدجلة ، بناء على أن يكون الأثر المبغوض لصرف وجوده ، وهذا الذي ذكرنا من كون موضوع وجوب الكفّارة في وطئ الحائض صرف الوجود من طبيعة وطئها إنّما هو كان في مقام إمكان أن يكون كذلك في عالم الثبوت ، فلا ينافي مقام الإثبات استظهار أنّ الموضوع للكفّارة هي الطبيعة السارية لوطء الحائض.

فما رواه في الاستبصار بإسناده عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « من أتى حائضا فعليه نصف دينار يتصدّق به » (١) فإنّه ظاهر في الانحلال ، وأنّ وجود طبيعة وطي الحائض ـ أيّ وجود كان ، سواء كان الأوّل أو غيره ـ سبب لوجوب الكفّارة.

وما في فقه مولانا الرضا عليه‌السلام أوضح وأصرح في أنّ الطبيعة في ضمن أي وجود منها كانت تكون سببا للكفّارة ، وهو قوله عليه‌السلام « ومتى جامعتها وهي حائض فعليك‌

__________________

(١) « تهذيب الأحكام » ج ١ ، ص ١٦٣ ، ح ٤٦٧ ، باب حكم الحيض والاستحاضة والنفاس ، ح ٤٠ ، « الاستبصار » ج ١ ، ص ١٣٣ ، ح ٤٥٦ ، باب ما يجب على وطى امرأة حائضا ، ح ٢ ، « وسائل الشيعة » ج ٢ ، ص ٥٧٥ ، أبواب الحيض ، باب ٢٨ ، ح ٤.

٢٤٢

أن تتصدّق بدينار » (١).

الثالث : هو أنّ الكلام والبحث فيما إذا كان المسبّب واحدا بالنوع ، وكان من الممكن تعدّد وجوده بحسب الخصوصيّات الفرديّة. وأمّا إذا كان المسبّب عند وجود كلّ سبب من الأسباب غير ما هو المسبّب عند وجود السبب الآخر بالنوع ، مثلا قال : إذا بلت فتوضّأ ، وأيضا قال : إذا جامعت فاغتسل ، فمن أوضح الواضحات خروج هذا القسم عن محلّ النزاع لا كلام في هذا ، كما أنّه لا كلام في دخول الصورة الأولى في محلّ النزاع.

وإنّما الكلام في أنّه ـ أي المسبّب ـ لو كان من الكميّات المختلفة بحسب المراتب ، كما أنّه لو قال : إذا جامعت الحائض في أوّل الحيض فعليك دينار ، وإن كان في وسطه فنصف دينار ، وإن كان في آخره فربع دينار ، فهل هذا ملحق بالمتّحد نوعا الذي يمكن أن يتعدّد ويكون له وجودات وأفراد لذلك النوع الواحد ؛ كي يكون داخلا في محلّ النزاع ، أو يكون ملحقا بالمسبّب المختلف نوعا ، كي يكون خارجا عن محلّ البحث؟ لا يبعد أن يكون ما ذكر ـ أى المسبّب الواحد بالنوع ، ولكن المختلف بحسب الكميّة ، كصوم يوم أو يومين ، أو إعطاء مدّ في الكفّارة أو مدّين ، أو صدقة دينار أو نصف دينار أو ربع دينار في الوطي في أوّل الحيض وفي وسطه وفي آخره ، وأمثال ذلك وأشباهه ـ ملحقا بالمختلف نوعا ، لأنّ الملاك في الاثنين واحد ، وهو اختلاف الحكم والموضوع جميعا في كليهما.

فكما أنّ في قوله : « إن بلت فتوضّأ » الموضوع هو المكلّف الذي بال ، والحكم هو وجوب الوضوء ، وفي قوله : « إن جامعت فاغتسل » الموضوع هو المكلّف الذي جامع ، والمحمول هو وجوب الغسل ، فالقضيتان مختلفتان موضوعا ومحمولا ، فلا وجه للبحث عن التداخل وعدمه ، لأنّ واحدة من القضيتين أجنبيّة عن الأخرى موضوعا‌

__________________

(١) « فقه الرضا عليه‌السلام » ص ٣١ ، « مستدرك الوسائل » ج ٢ ، ص ٢١ ، أبواب الحيض ، باب ٢٣ ، ح ١.

٢٤٣

ومحمولا. وهذا البحث مورده اتّحاد المحمول في القضيتين ، وإن كانتا بحسب الموضوع مختلفين.

فكذلك ما نحن فيه أيضا القضيّتان مختلفتان موضوعا ومحمولا ، لأنّ الموضوع في إحديهما مثلا الوطي في أوّل الحيض ، والمحمول صدقة دينار ، والموضوع في الأخرى الوطي في وسط الحيض أو في آخره ، والمحمول صدقة نصف دينار أو ربعه ، مثل ما إذا كان المحمول مختلفا بالنوع.

بل بناء على القول بأصالة الماهيّة ـ وأنّ مراتب الكمّ والكيف أنواع ـ يكون ما ذكر من مصاديق ما يكون المسبّب مختلفا بالنوع حقيقة ، وإن كان هذا المبنى فاسدا ، كما هو مذكور في محلّه.

الرابع : بعد ما عرفت أنّ مقتضي القاعدة الأوّليّة أصالة عدم التداخل ، فاعلم أنّ هذا ما لم يأت دليل على كفاية مسبّب واحد عن الأسباب المتعدّدة. وأمّا إذا أتى ـ كما في باب الأغسال ـ أنّ الغسل الواحد يكفي عن الأسباب المتعدّدة ، فلو أجنبت ثمَّ حاضت وانقطع حيضها يوم الجمعة وطهرت في ذلك اليوم ومست بدن الميت ، فاجتمعت عليها أسباب متعدّدة ، يكفيها غسل واحد للجميع ، لما تقدّم من رواية حريز ، وروايات كثيرة بهذا المضمون ، لا كلام في هذا.

إنّما الكلام في أنّه هل صرف إتيان الغسل الواحد كاف عن الجميع ، أو في خصوص ما إذا نوى الجميع ، أو التفصيل بين ما إذا نوى خصوص غسل الجنابة يكفي عن الجميع ، وأمّا إذا نوى غير الجنابة فلا يكفي؟ وجوه واحتمالات.

والمستفاد من أخبار الباب أنّ نيّة الجميع بالغسل الواحد يكفي عن الجميع.

كما أنّه أيضا يستفاد ممّا رواه في الكافي ـ عن محمّد بن يحيى بإسناده عن جميل بن درّاج ، عن بعض أصحابنا ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، أنّه عليه‌السلام قال : « إذا اغتسل الجنب بعد‌

٢٤٤

طلوع الفجر أجزأ عنه ذلك الغسل من كلّ غسل يلزمه في ذلك اليوم » (١) أنّ نيّة غسل الجنابة تكفي عن كلّ غسل.

وأمّا لو لم ينو الجميع ولم ينو الجنابة أيضا ، أو لم تكن فيها الجنابة سواء نوى واحدا غير الجنابة ـ خصوصا إذا كان ذلك الغير هو غسل الحيض ـ أو لم ينو أصلا ، فالقول بكفاية مثل ذلك الغسل عن الجميع لا يخلو عن إشكال ، إذ الدليل على كفاية غسل واحد لا يرفع اعتبار النيّة.

والحمد لله أوّلاً وآخراً ، وظاهراً وباطناً.

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٢٣٧ ، رقم (٢).

٢٤٥
٢٤٦

٣٤ ـ قاعدة

المؤمنون عند شروطهم‌

٢٤٧
٢٤٨

قاعدة المؤمنون عند شروطهم *

ومن القواعد الفقهية المشهورة قاعدة « المؤمنون عند شروطهم ».

وفيها جهات من البحث :

[ الجهة ] الأولى

في مدركها‌

وهو أمور‌

الأوّل : الأخبار :

منها : ما رواه محمّد بن يعقوب‌ بإسناده عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : « من اشترط شرطا مخالفا لكتاب الله فلا يجوز له ، ولا يجوز على الذي اشترط عليه ، والمسلمون عند شروطهم ممّا وافق كتاب الله عزّ وجلّ » (٢).

ومنها : عن محمّد بن الحسن‌ بإسناده عن الحسن بن محبوب مثله (٣). وبإسناده عن‌

__________________

(*) « الحق المبين » ص ٧٤ ؛ و ١٤١ ، « عوائد الأيام » ص ٤١ ، « مجموعه قواعد فقه » ص ٨٠ ، « قواعد فقه » ( شهابى ) ص ٦٦.

(١) « الكافي » ج ٥ ، ص ١٦٩ ، باب الشرط والخيار في البيع ، ح ١ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٢٢ ، ح ٩٤ ، باب عقود البيع ، ح ١ ، « وسائل الشيعة » ج ١٢ ، ص ٣٥٣ ، أبواب الخيار ، باب ٦ ، ح ١.

(٢) « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٢٢ ، ح ٩٤ ، باب عقود البيع ، ح ١١ ، « وسائل الشيعة » ج ١٢ ، ص ٣٥٣ ، أبواب

٢٤٩

الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « المسلمون عند شروطهم ، إلاّ كلّ شرط خالف كتاب الله عزّ وجلّ ، فلا يجوز » (١).

ومنها : ما عن إسحاق بن عمّار ، عن جعفر عليه‌السلام عن أبيه عليه‌السلام : « إنّ عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام كان يقول : « من شرط لامرأته شرطا فليف لها به ، فإنّ المسلمين عند شروطهم إلاّ شرطا حرّم حلالا ، أو أحلّ حراما » (٢).

ومنها : ما في عوالي اللئالي‌ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « المؤمنون عند شروطهم » (٣).

ومنها : ما عن دعائم الإسلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « المسلمون عند شروطهم إلاّ كلّ شرط خالف كتاب الله » (٤).

قال الشيخ قدس‌سره روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « المسلمون عند شروطهم » (٥).

ومنها : ما في التهذيب عن أيّوب بن نوح، عن صفوان ، عن منصور بن يونس ، عن عبد صالح عليه‌السلام قال : قلت له : إنّ رجلا من مواليك تزوّج امرأة ثمَّ طلّقها فبانت منه ، فأراد أن يراجعها فأبت عليه إلاّ أن يجعل الله عليه أنّ لا يطلّقها ولا يتزوّج عليها ، فأعطاها ذلك ، ثمَّ بدا له في التزويج بعد ذلك ، فيكف يصنع؟ فقال : « بئس ما صنع ، وما كان يدريه ما يقع في قلبه بالليل والنهار ، قل له فليف المرأة بشرطها ، فإنّ رسول

__________________

الخيار ، باب ٦ ، ح ١.

(١) « الفقيه » ج ٣ ، ص ٢٠٢ ، ح ٣٧٦٥ ، باب الشرط والخيار في البيع ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٢٢ ، ح ٩٣ ، باب عقود البيع ، ح ١٠ ، « وسائل الشيعة » ج ١٢ ، ص ٣٥٣ ، أبواب الخيار ، باب ٦ ، ح ٢.

(٢) « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٤٦٧ ، ح ١٨٧٢ ، باب الزيادات في فقه النكاح ، ح ٨٠ ، « وسائل الشيعة » ج ١٢ ، ص ٣٥٣ ، أبواب الخيار ، باب ٦ ، ح ٥.

(٣) « عوالي اللئالي » ج ٣ ، ص ٢١٧ ، ح ٧٧ ، « مستدرك الوسائل » ج ١٣ ، ص ٣١٠ ، أبواب الخيار ، باب ٥ ، ح ٧.

(٤) « دعائم الإسلام » ج ٢ ، ص ٤٤ ، ح ١٠٦ ، « مستدرك الوسائل » ج ١٣ ، ص ٣٠٠ ، أبواب الخيار ، باب ٥ ، ح ١.

(٥) « الخلاف » ج ٣ ، ص ١٠ ، المسألة : ٧.

٢٥٠

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : المؤمنون عند شروطهم » (١).

وهناك أخبار كثيرة مفادها ثبوت هذه القاعدة ، تركنا ذكرها لعدم الاحتياج إليها ، لأنّ ما ذكرناها ـ مضافا إلى صحّة جملة منها من حيث السند ـ قد عمل بها الأصحاب قديما وحديثا ، واستندوا في فتاويهم إليها.

فالإنصاف أنّها في كمال الاعتبار والوثوق بصدورها عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام.

وأمّا دلالتها على صحّة هذه القاعدة فلا يحتاج إلى البيان ، لأنّ متن كثير منها عين هذه القاعدة.

وأمّا المراد من هذه القاعدة ـ التي هي عين متن جملة من هذه الروايات ـ سنذكره ان شاء الله تعالى مع التخصيصات الواردة على هذا العموم ، وشرائط صحّة الشروط ، والشروط الابتدائيّة ، والشروط التي في ضمن العقود ، وحكمها في ضمن أمور.

وأمّا إجمالا : فالظاهر أنّ المراد من هذه القاعدة هو أنّه يجب على كلّ مسلم ومؤمن أن يكون ثابتا عند التزاماته ، بمعنى أنّه إذا التزام لشخص بأمر له ، فيجب عليه الوفاء له بذلك الأمر ، وذلك من جهة وضوح أنّ هذه الكبرى الكليّة الصادرة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مقام إنشاء الحكم ، لا الإخبار عن أمر خارجي ، فقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « المسلمون عند شروطهم » أي : جميع المسلمين ، لأنّ الجمع المعرف باللام يفيد العموم ، يجب أن يثبتوا عند جميع شروطهم ، لأنّ الشروط أيضا جمع مضاف يفيد العموم ، فهو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحكم على جميع المسلمين بلزوم الثبوت عند جميع شروطهم.

والمراد من الثبوت والاستقرار عند الشرط هو ترتيب الأثر على شرطه الذي‌

__________________

(١) « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٣٧١ ، ح ١٥٠٣ ، باب المهور والأجور ، ح ٦٦ ، « الاستبصار » ج ٣ ، ص ٢٣٢ ، ح ٨٣٥ ، باب من عقد على امرأة و. ، ٤ ، « وسائل الشيعة » ج ١٥ ، ص ٣٠ ، أبواب المهور ، باب ٢٠ ، ح ٤.

٢٥١

شرط ، وعدم الفرار عن العمل على طبق التزامه ، وحيث أنّ الشرط إذا تعدّي بـ « على » ـ مثلا قال : باع ، وشرط عليه ـ يكون المتفاهم العرفي أنّه ألزمه بأمر ، ولو قيل : شرط له بأمر ، فالمتفاهم العرفي أنّه التزم له بذلك.

ولذلك نقل عن أهل اللغة أنّه ـ أي الشرط ـ هو الإلزام والالتزام (١).

وبهذا المعنى يصحّ أن يطلق على جميع الأحكام الإلزاميّة من قبل الله على العباد أنّها شروط من قبل الله تعالى ، أي إلزامات من قبله تعالى عليهم.

ولعلّه من هذه الجهة أطلق الشرط صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على كن الولاء للمعتق لا الذي يبيع الأمة بشرط أن يكون ولائها له في قصّة اشتراء عائشة لبريرة بشرط أن يكون ولائها للبائع بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « إنّ شرط الله أحق وأوثق » (٢)

أي : كون الولاء لمن أعتق.

وبناء على ما ذكرنا فيكون معنى « المسلمون عند شروطهم » هو وجوب الوفاء على كلّ مسلم بما التزام لغيره ، لا بما ألزم غيره ، لأنّه لا معنى لأن يكون ثابتا عند إلزامه غيره بأمر ، ولو لم يكن استثناء في البين لكان وجوب الوفاء عامّا بالنسبة إلى جميع التزاماته ، ولكن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « المسلمون عند شروطهم إلاّ كلّ شرط خالف كتاب الله » كما في رواية دعائم الإسلام أخرج الشرط المخالف لكتاب الله عن تحت هذا العموم.

وفي بعض هذه الروايات قيد لزوم الوفاء بالتزاماتهم ، الذي هو عبارة أخرى عن شروطهم بكونها ممّا وافق كتاب الله عزّ وجلّ ، وفي بعض آخر استثني عن لزوم الوفاء بكلّ شرط والتزام الشرط الذي حرّم حلالا أو أحلّ حراما ، وسنتكلّم في هذه القيود‌

__________________

(١) « القاموس المحيط » ج ٢ ، ص ٥٤٢ ( شرط ).

(٢) « صحيح البخاري » ج ٢ ، ص ١٨ ، كتاب البيوع ، باب ٦٧ : البيع والشراء مع النساء ، وص ٢٠ ، باب ٧٣ : إذا اشترط شروطا في البيع لا تحلّ ، وص ١١٩ ، كتاب الشروط ، باب ١٣ : الشروط في الولاء.

٢٥٢

والاستثناءات عمّا قريب إن شاء الله تعالى.

وخلاصة الكلام في المراد عن هذه القاعدة بطور الإجمال هو أنّه يجب على جميع المسلمين الوفاء بجميع التزاماتهم إلاّ في موارد تلك الاستثناءات التي سنذكرها إنّ شاء الله تعالى. فهذه القاعدة بالنسبة إلى الشروط نظير ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) بالنسبة إلى العقود.

الثاني : هو الإجماع واتّفاق الفقهاء‌ قديما وحديثا على وجوب الوفاء بالشروط الصحيحة في ضمن العقود اللازمة.

وفيه : مضافا إلى أنّ الدليل أخصّ من المدّعي ، ما قلنا مرارا من أنّ هذه الإجماعات مع وجود مدارك معتبرة من الروايات الواردة في هذه المسألة ليس من الإجماع الذي قلنا بحجّيته في الأصول.

الثالث : أنّ الشروط الواقعة في ضمن العقود الصحيحة اللازمة من توابع تلك العقود ومرتبطة بها، وتكون من ملحقاتها ، فدليل وجوب الوفاء بالعقود كما يدلّ على لزوم الوفاء بتلك العقود وترتيب الأثر عليها ، كذلك يدلّ على لزوم الوفاء بتلك الشروط المرتبطة بالعقود الملحقة بها.

وفيه : أيضا مع أنّه أخصّ من المدّعي ، أنّ العقود عبارة عن نصّ المعاهدة الواقعة بين الطرفين المنشأ بالإيجاب والقبول ، والشروط وإن كانت في ضمن تلك العقود والمعاهدات التزامات أخر غير تلك المعاهدات المؤكّدة التي نسمّيها بالعقود ، ولذلك قالوا في مورد الشرط الفاسد : إنّ فساد الشرط لا يسري إلى العقد ، فكذلك وجوب الوفاء بالعقد لا يسري إلى الشرط ، بل يحتاج وجوب الوفاء بالشرط إلى دليل آخر غير دليل وجوب الوفاء بالعقود ، وهو قوله تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا

__________________

(١) المائدة (٥) : ١.

٢٥٣

أَوْفُوا بِالْعُقُودِ )(١).

الجهة الثانية

في شرح المراد من هذه القاعدة‌

والفرق بين الشروط الابتدائيّة وما تقع في ضمن العقود ، وبيان شرائط صحّة الشروط ، وبيان أنّ مخالفة الشرط هل يوجب الخيار فقط أم لا بل يوجب بطلان العقد ، وأنّه ما هو حكم تعذّر الشرط؟

فهذه المطالب تذكر في ضمن أمور :

[ الأمر ] الأوّل : في شرح ألفاظ هذه القاعدة وما هو الظاهر منها ، وإن بيّنّاه إجمالا.

فنقول : أمّا كلمة « المؤمنون » أو « المسلمون » جمع معرّف باللام يفيد العموم ومعناهما واضح.

وأمّا الظرف متعلّق بثابتون المقدّر ، وهو مشتقّ من أفعال العموم. وأمّا « الشروط » فهو جمع مضاف يفيد العموم ، والمتفاهم العرفي من هذه الكلمة قلنا إنّه الإلزام باعتبار انتسابه إلى من له ، والالتزام باعتبار انتسابه إلى من عليه.

نعم يبقى شي‌ء آخر ، وهو أنّه ـ أي الشرط ـ مطلق الإلزام والالتزام ، أو هما في ضمن عقد. ونتكلّم فيه في بعض الأمور الآتية إنّ شاء الله تعالى.

وأمّا المعاني الأخر مثل ما اصطلح عليه النحويّون أو الأصوليّون فأجنبيّة عن محلّ كلامنا ، لأنّ كلامنا في المراد من القاعدة التي هي مضمون قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « المؤمنون أو‌

__________________

(١) المصدر.

٢٥٤

المسلمون عند شروطهم » ، وتعيين المراد من الحديث الشريف لا طريق له إلاّ بما يفهم العرف منه ، لأنّ ما هو حجّة عند العقلاء في محاوراتهم لتشخيص المراد ليس إلاّ ظهور الكلام ، والمراد من الظهور هو المتفاهم العرفي منه ، فذكر سائر المعاني والمصطلحات تضييع للعمر وإتلاف للوقت من غير مبرر.

فيكون معنى القاعدة ـ التي هي عين مفاد الحديث الشريف بناء على ما ذكرنا من شرح ألفاظها وأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مقام إنشاء الحكم لا الإخبار عن أمر خارجي ـ أنّه يجب على كلّ مؤمن أو مسلم الثبوت عند التزاماته إمّا مطلقا ، وإمّا أن تكون تلك الالتزامات في ضمن عقد.

وهذا الاحتمال الأخير لأجل احتمال أن يكون إطلاق الشرط على الشروط الابتدائيّة مجازا.

والمراد من الثبوت عند التزاماته كون ما التزم به ثابتا عليه ، وأنّه في عهدته ، وأنّه لا يخرج عن عهدته إلاّ بالوفاء به ، فيشبه أبواب الضمانات.

فكما أنّه في باب الضمان تكون العين أو مثله في عهدته بوجوده الاعتباري ولا تتخلّص عهدته إلاّ بالأداء ، فكذلك لا يتخلّص الملتزم عمّا التزم به إلاّ بالوفاء بالتزامه والعمل على طبقه ، فيكون مفاد قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « المؤمنون عند شروطهم » ـ بناء على ما ذكرنا في معناه ـ حكما وضعيّا ، مثل مفاد قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) وهو ثبوت ما التزم به واستقراره عليه ، وليس مفاده وجوب العمل على طبق ما التزم به تكليفا فقط.

الأمر الثاني : في بيان الفرق بين الشروط الابتدائيّة ، وبين الشروط الواقعة في ضمن العقود.

فنقول : أوّلا : أنّ إطلاق الشرط على مطلق الالتزام بشي‌ء لشخص ـ سواء أكان في ضمن عقد ، أو كان التزاما ابتدائيّا غير مربوط بشي‌ء ـ لا يخلو من نظر وتأمّل ، بل‌

٢٥٥

الظاهر حسب المتفاهم العرفي هو أن يكون إلزامه أو التزامه بشي‌ء في ضمن عقد ومعاملة ، أو أمر آخر ، بمعنى أن يكون إلزامه غيره بشي‌ء أو التزامه لغيره بشي‌ء مربوطا بأمر آخر ، وليس معنى الشرط مطلق الإلزام والالتزام.

فالشرط بالمعنى المصدري عبارة عن جعل شي‌ء مرتبطا بأمر آخر. وبهذا المعنى يكون مبدأ للاشتقاقات منه ، كالشارط والمشروط وأمثالهما من المشتقّات من هذه المادّة ـ وبمعنى الاسم المصدري عبارة عن الشي‌ء المرتبط بغيره.

هذا هو المتفاهم العرفي ، مضافا إلى أنّه لو كان مطلق الإلزام والالتزام ـ ولو كانا ابتدائيّين غير مربوطين بشي‌ء يلزم تخصيص الأكثر في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « المؤمنون عند شروطهم » (١) وهو مستهجن جدّا.

فلا بدّ من حمل الشروط في الحديث على الشروط الواقعة في ضمن العقود ، كي لا يلزم تخصيص الأكثر المستهجن ، لأنّ الشروط الابتدائيّة لا يجب الوفاء بها إجماعا.

فإن قلنا بأنّ الشرط أعمّ من الشروط الابتدائيّة وغيرها ، فيكون استعماله في الحديث عنائيّا مجازيّا ، وهو خلاف ظاهر هذا الكلام.

وأمّا الاستشهاد لكونه أعمّ من الابتدائي وغيره بالأخبار ، كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « شرط الله أحقّ وأوثق ، والولاء لمن أعتق » في قصة بريرة ، فإطلاق الشرط على حكمه تعالى بأنّ الولاء لمن أعتق ، يمكن أن يكون استعمالا عنائيّا مجازيّا ، لأنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة.

ويمكن أن يكون على نحو الحقيقة ، باعتبار كون أحكامه تبارك وتعالى مرتبطة بعهده إلى العباد ، وأخذ الميثاق عنهم أن لا يعبدوا الشيطان ، كما يشير قوله تعالى ( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ ) (٢).

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٢٥١.

(٢) يس (٣٦) : ٦٠.

٢٥٦

فهذه الأحكام إلزام على العباد في ضمن ذلك العهد والميثاق ، فإطلاق الشرط على أيّ حكم إلزامي من الأحكام الشرعيّة لا ينافي كون معنى الشرط هو الإلزام والالتزام المرتبط بأمر آخر ، لأنّ جميع الأحكام الالتزاميّة الشرعيّة إلزامات مرتبطة بذلك العهد وفي ضمنه.

وأمّا التوجيه في الحديث الشريف ـ بأنّ إطلاق الشرط على كون الولاء لمن أعتق من باب المشاكلة على حدّ قول شاعر :

قالوا اقترح شيئا نجد لك طبخه

قلت اطبخوا لي جبّة وقميصا

ـ فلا يصحّح الإطلاقات الكثيرة الآخر بالنسبة إلى سائر الأحكام ، كإطلاقه على خيار الحيوان في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الشرط في الحيوان ثلاثة أيّام » (١) ، وكقوله عليه‌السلام في رواية منصور بن يونس المتقدّمة « فليف للمرأة بشرطها » (٢) حيث أطلق الشرط فيها على النذر أو العهد ، ولا مشاكلة في البين.

وعلى كلّ حال لا شبهة في أنّ المتفاهم العرفي من لفظ « الشرط » بالمعنى المصدري هو إلزام المشروط عليه ، أو الالتزام للمشروط له بأمر في ضمن عقد ، أو عهد ، أو أمر آخر ، فالإلزامات أو الالتزامات الابتدائيّة لا يطلق عليها الشرط إلاّ بالعناية ، ولا يجب الوفاء بها إجماعا.

الأمر الثالث : في بيان شرائط صحّة الشروط الواقعة في ضمن العقود‌.

وهي أمور :

__________________

(١) « الكافي » ج ٥ ، ص ١٦٩ ، باب الشرط والخيار في البيع ، ح ٢ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٢٤ ، ح ١٠٢ ، باب عقود البيع ، ح ١٩ ، « وسائل الشيعة » ج ١٢ ، ص ٣٥٠ ، أبواب الخيار ، باب ٤ ، ح ١.

(٢) « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٣٧١ ، ح ١٥٠٣ ، باب المهور والأجور ، ح ٦٦ ، « الاستبصار » ج ٣ ، ص ٢٣٢ ، ح ٨٣٥ ، باب من عقد على امرأة. ، ح ٤ ، « وسائل الشيعة » ج ١٥ ، ص ٣٠ ، أبواب المهور ، باب ٢٠ ، ح ٤.

٢٥٧

[ الشرط ] الأوّل : أن يكون مقدورا للمشرط عليه ، بمعنى أنّ الذي يلتزم به المشروط عليه للمشروط له يكون إيجاده داخلا تحت قدرته إن كان الشرط ـ أي ما التزم به ـ من الأفعال ، أو كان تسليمه متّصفا بذلك الوصف وتلك الخصوصيّة تحت قدرته إن كان ما التزم به من الأوصاف والحالات.

والمقصود من هذا الشرط أنّ المشروط عليه حيث أنّه بالتزامه فعلا للمشروط له ، أو وصفا وخصوصيّة فيما ينتقل إلى المشروط له ، فكأنّه جعل عهدته مشغولة له بأمر ، فلا بدّ أن يكون ذلك الأمر تحت سلطانه بحسب العادة كي يكون متمكّنا من الوفاء بما التزم به ، وإلاّ يكون مثل ذلك الاشتراط لغوا في نظر العقلاء ، ويكون من قبيل : « وهب الأمير ما لا يملك ».

فمثل اشتراط جعل الزرع سنبلا والبسر رطبا ، أو اشتراط كون الدابّة بحيث تحمل في المستقبل حيث أنّها ليست تحت سلطان المشروط عليه يكون لغوا وباطلا ، بل لو أخذ وصفا للمبيع في البيع أو لغيره في سائر المعاوضات يكون العقد فاسدا ، لكونه غرريّا. لأنّ هذه الأمور بيد الله جلّ جلاله ، وتكون أفعال العباد بالنسبة إليها من المقدّمات الإعداديّة ، فيمكن أن تقع ويمكن أن لا تقع ، وقال الله تعالى في كتابه العزيز ( أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ. أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ ) (١) ، وقال تعالى أيضا : ( أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ. أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزّارِعُونَ ) (٢).

فالتزام المشروط عليه بإيجاد هذه الأمور ، أو التزامه بتسليم العين متّصفة بهذه الصفات يكون ممّا لا يعتني به عند العقلاء ، ويرون الملتزم بها مجازفا.

وأمّا اشتراط النتائج ككون مال مثلا ملكا لشخص ، فإن كان ممّا يحصل بنفس الاشتراط ، ولا يحتاج إلى سبب خاصّ ، فلا إشكال فيه ، لحصولها بنفس الاشتراط.

__________________

(١) الواقعة (٥٦) : ٥٨ ـ ٥٩.

(٢) الواقعة (٥٦) : ٦٣ ـ ٦٤.

٢٥٨

وأمّا ما يحتاج إلى سبب خاصّ ، ككون زوجته مطلّقة ، أو أمته أو عبده حرّا فلا يصحّ قطعا ، لامتناع حصولها بصرف الاشتراط.

نعم لا مانع من اشتراط إيجاد أسبابها إن كانت تحت اختياره وقدرته ، وأمّا المرأة لو التزمت في ضمن عقد لازم بأن تكون مطلّقة بطور شرط النتيجة ، أو بطور إيجاد أسباب كونها مطلّقة ، فهذا الشرط باطل مطلقا ، لعدم قدرتها على إيجاد أسباب طلاقها ، لأنّ الطلاق بيد من أخذ بالساق.

وخلاصة الكلام : أنّ الالتزام بأمر غير مقدور له وإن كان في ضمن عقد لازم باطل ، لا يشمله قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « المؤمنون عند شروطهم » ، لأنّه لا يمكن الوفاء به ، فلا يجب. ثمَّ إنّه ربما يكون موجبا لصيرورة المعاملة غرريّا وباطلا ، مضافا إلى بطلان نفسه. وذلك فيما إذا كان إنشاء المعاوضة والمبادلة في العقد المعاوضي مبنيّا على هذا الشرط غير المقدور الذي يعلم حصوله في المستقبل.

وممّا ذكرنا ظهر أنّ اشتراط ما هو لا يجوز شرعا ، كاشتراط أن يصنع تمره خمرا مثلا أيضا باطل ، وذلك لأنّ الممتنع شرعا كالممتنع عقلا.

[ الشرط ] الثاني : أن يكون سائغا شرعا‌ هكذا ذكره الفقهاء ، ولكن أنت خبير أنّ هذا الشرط داخل في الشرط الأوّل ؛ لأنّه لا فرق في عدم كونه مقدورا بين أن يكون عدم قدرته من جهة المنع الشرعي ، أو لجهات تكوينيّة.

[ الشرط ] الثالث : أن يكون ممّا فيه غرض معتدّ به عند العقلاء‌ وإن لم تكن له ماليّة ، أي العقلاء لا يبذلون بإذائه المال.

والوجه في اشتراط هذا الشرط هو أنّه إن لم يكن كذلك فيكون لغوا ، وأدلّة وجوب الوفاء بالشروط تكون منصرفة عن مثل هذا الشرط.

[ الشرط ] الرابع : أن لا يكون مخالفا للكتاب والسنّة.

٢٥٩

وتوضيح هذا الأمر ببيان أمور :

الأوّل : الفرق بين هذا الأمر والأمر الثاني‌ هو أنّ المراد من كونه سائغا هناك هو أن يكون الشرط بمعنى ما التزم به جائزا شرعا ، أي لا يكون فعل حرام ، أو ترك واجب.

وهاهنا المراد من كونه غير مخالف للكتاب والسنّة ، أو كونه موافقا لهما هو أن لا يكون ما يلتزم به ويجعل على نفسه أو يلزم غيره به مخالفا للجعل الإلهي ، مثلا في الكتاب والسنّة جعل الولاء لمن أعتق ، فإلزام المشتري بأن يكون الولاء للبائع أو التزامه بذلك يكون على خلاف ما جعل في الكتاب ؛ لأنّ الشارع جعل هذا الحقّ للمعتق.

فجعله بواسطة الشرط لشخص آخر يكون على خلاف الكتاب ، أي أحكام الله المكتوبة على المكلّفين ، سواء أكانت بواسطة كتاب الله الكريم ، أو بواسطة السنّة النبويّة ، أو الروايات المرويّة عن الأئمّة الطاهرين ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ وكذلك اشتراط رقّية حرّ ، أو توريث من لم يجعله الله وارثا.

فالالتزام بهذه الأمور مخالف للكتاب والسنّة ، أي لما هو المجعول فيهما. هكذا قيل.

ولكنّ الإنصاف أنّ الشرط الثاني مندرج في الشرط الرابع ، لأنّ اشتراط فعل محرّم أو ترك واجب يكون مخالفا للكتاب قطعا.

الثاني : في أنّ المستثنى من عموم هذه القاعدة هل هو عنوان المخالف للكتاب ، أو عنوان ما ليس في الكتاب ، أو يشترط نفوذ الشرط بأن يكون موافقا للكتاب؟ فإنّ هذه العناوين الثلاثة كلّها وردت في الروايات.

أقول : بعد الفراغ عن أنّ المراد بالكتاب ليس خصوص القرآن الكريم ، بل المراد منه كلّ ما كتب على المكلّفين من أحكام الدين ، سواء كان في القرآن الكريم ، أم في الأحاديث النبويّة المرويّة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٢٦٠