القواعد الفقهيّة - ج ٢

آية الله السيّد محمّد حسن البجنوردي

القواعد الفقهيّة - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد حسن البجنوردي


المحقق: مهدي المهريزي
الموضوع : الفقه
الناشر: نشر الهادي
المطبعة: مؤسسة الهادي
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-400-030-7

الصفحات: ٣٩٢

من جهة سهوه في الركعات.

وأمّا إذا كان العلم بالزيادة بواسطة. انقلاب الشكّ كما مثّلنا له فتجب إعادة الصلاة لعدم علاج آخر ، وأمّا الشكّ الأوّل فلا أثر له على كلّ حال لأنّه زال وانعدم ، وبقاء الموضوع شرط عقلي لترتّب حكمه.

وأما إذا علم إجمالا بعد الانقلاب بالزيادة أو النقيصة ، كما إذا شكّ بين الثلاث والأربع في حال الصلاة فبنى على الأربع وأتمّ الصلاة ، ثمَّ بعد الفراغ انقلب شكّه إلى الثلاث أو الخمس ، فلا يخلو الأمر حسب الشكّ الأخير أنّ ما صلّى إمّا الثلاث ـ فتكون ناقصة ـ وإمّا تكون الصلاة التي صلاها خمس فتكون زائدة فيها ركعة ، ولا طريق إلى العلم بالامتثال والفراغ اليقيني إلاّ بالإعادة فتجب.

الأمر التاسع : لو مات الشاكّ في الشكوك الصحيحة بعد أن بنى على الأكثر أو على ما هو وظيفته ، كما إذا كان شاكّا بين الأربع والخمس بعد إكمال السجدتين ، فبنى على الأربع ـ كما تقدّم وجهه ـ قبل أن يأتي بصلاة الاحتياط في الشقّ الأوّل ، وقبل أن يأتي بسجدتي السهو في الثاني ، فهل يجب أن يقضى عنه الصلاة ، أم لا بل يجب صلاة الاحتياط في الفرض الأوّل ، وسجدتي السهو في الفرض الثاني؟ أو يفصّل بين الفرضين بأن يقضي الصلاة في الفرض الأوّل ويقضى عنه سجدتا السهو فقط في الفرض الثاني؟ وكذلك الأمر لو كان المنسي بعض أجزاء الركعة التي لها قضاء كالتشهّد والسجدة الواحدة ، فإنّه يجب قضاؤها دون أصل الصلاة ، وجوه :

الأقوى : هو التفصيل بين الفرضين ، ففيما إذا كان الفراغ والتسليم من جهة البناء على الأكثر وكانت الوظيفة وجوب الإتيان بصلاة الاحتياط فاللازم أن يقضى عنه أصل الصلاة ، لأنّ ما أتى به ـ على تقدير كونه الأقل ـ بعض الصلاة ، ويكون كما لو مات في أثناء الصلاة ، وحيث أنّ الصلاة واجب ارتباطي فإذا لم يتعقّب البعض الأوّل ببعضها الباقي يبطل ذلك البعض الأوّل ، فيجب أن يقضى عنه مجموع الصلاة ، لأنّ ما‌

٢٤١

أتى به بمنزلة العدم.

هذا ، مضافا إلى تشريع القضاء في بعض الواجب الارتباطي غير معهود من الشرع ولم يرد دليل عليه.

هذا بالنسبة إلى الفرض الأوّل ، وأمّا في الفرض الثاني فقد أتى بتمام الصلاة وسقط الأمر ، ووجوب سجدتي السهو تكليف آخر وليس من أجزاء الصلاة ، فلا وجه لأن يقتضي عنه أصل الصلاة والقضاء تابع لفوت الفريضة ، والمفروض أنّ الفريضة لم تلفت عنه ، وإنّما الفائت هو سجدتا السهو ، وهو ليس من أجزاء الفريضة ، بل هو واجب مستقلّ فيجب قضائه ، لأنّه فريضة فاتت.

الأمر العاشر : في أنّ في قاعدة البناء على الأكثر حيث أنّ روايات الباب كانت مشتملة على حكمين :

أحدهما : هو البناء على الأكثر فيما كان موجبا لصحة الصلاة ، ولذلك سمّيت مثل هذه الشكوك بالشكوك الصحيحة.

والثاني : هو تتميم ما احتمل نقصانه بصلاة مستقلّة منفصلة ، تسمّى بصلاة الاحتياط.

ولمّا كانت صلاة الاحتياط من لواحق البناء على الأكثر فالمناسبة تقتضي أن نذكر هاهنا شطرا من أحكام صلاة الاحتياط وكيفيتها وشرائطها وغير ذلك من خصوصيّاتها حتّى تكون القاعدة تامّة الفائدة.

فنقول : وتوضيح هذه المسألة وبيان كيفيّتها وأحكامها وشرائطها وموانعها متوقّف على بيان أمور :

[ الأمر ] الأوّل : يشترط فيها جميع يشترط في الصلاة من الشرائط العامّة ، كطهارة البدن ، واللباس ، والستر ، والاستقبال ، وعدم غصبيّة المكان ، أي إباحته إلى غير ذلك من شرائطها.

٢٤٢

والدليل على ذلك أنّها صلاة ، غاية الأمر مردّد أمرها بين أن تقع نافلة أو متمّما للصلاة الأصليّة ، فكلّ أمر دلّ الدليل على اعتبار وجوده أو عدمه في الصلاة من حيث صلاتيّتة فهو معتبر وجودا أو عدما في صلاة الاحتياط.

وحيث أنّ الدليل دلّ على اعتبار النيّة في الصلاة بما أنّها صلاة فتكون معتبرة في صلاة الاحتياط لعين تلك الجهة ، أي أنّها عبادة. ولا يمكن تحقّق العبادة بدون قصد القربة والنيّة ، وكذلك تكبيرة الإحرام ، فإنّ الدليل دلّ على أنّ الصلاة لها افتتاح واختتام ، افتتاحها بالتكبير واختتامها بالتسليم وهذه الأمور التي ذكرناها بإضافة الطهارة الحدثيّة من شرائط طبيعة الصلاة ، وكلّ ما صحّ على الطبيعة صحّ على جميع الأفراد والأصناف ، إلاّ أن يأتي دليل خاصّ على عدم اعتباره في فرد خاصّ ، أو صنف مخصوص.

فمقتضى القاعدة الأوّليّة وجود هذه الأمور وغيرها ممّا اعتبر في طبيعة الصلاة في صلاة الاحتياط ، وهكذا الأمر بالنسبة إلى الموانع والقواطع ، ولا يحتاج إلى وجود دليل خاصّ على اعتبار الوجود أو العدم.

ولكن ربما يستشكل في لزوم تكبيرة الإحرام بل في جوازها ، وذلك من جهة أنّ صلاة الاحتياط ذات احتمالين وتقديرين.

فعلى تقدير عدم النقصان تقع نافلة ، وعلى هذا التقدير تكون تكبيرة الإحرام لازمة ، لأنّ الصلاة ولو كانت نافلة غير معهود وقوعها بدون تكبيرة الإحرام.

وأمّا على تقدير النقصان يكون جزء للصلاة الأصليّة ، فتكون تكبيرة الإحرام وجودها مضرّا للصلاة الأصليّة ، فيكون أمرها من قبيل دوران الأمر بين محذورين ، لأنّ عدم تكبيرة الإحرام مناف مع كونها نافلة مستقلّة على تقدير عدم النقصان ، ووجودها مناف مع جزئيّتها على تقدير النقصان ، لأنّها زيادة ركن في الصلاة.

ولكنّ الذي يدفع هذا الإشكال أنّ وجوب تكبيرة الإحرام في صلاة الاحتياط‌

٢٤٣

إجماعي ، فيكون الإجماع دليلا على عدم مضرّية هذه الزيادة على تقدير الجزئيّة. أو يقال : بأنّه يستكشف من هذا الإجماع أنّه صلاة مستقلّة حتّى على تقدير النقصان ، غاية الأمر يحصل بها ذلك المقدار الذي فات من المصلحة بواسطة النقصان.

ويمكن أن يستشهد لوجوب تكبيرة الإحرام في صلاة الاحتياط برواية زيد الشّحام التي تقدّمت ، وفيها قال عليه‌السلام : « وإن كان لا يدري أزاد أم نقص فليكبّر وهو جالس ، ثمَّ ليركع ركعتين بفاتحة الكتاب في آخر صلاته ثمَّ يتشهّد » (١).

ثمَّ إنّه ظهر ممّا ذكرنا من اعتبار جميع ما اعتبر في الصلاة فيها تعيّن قراءة فاتحة الكتاب فيها ، لأنّها صلاة ، ولا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب.

مضافا إلى ورود أخبار تدلّ عليها ، كرواية العلاء ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل صلّى ركعتين وشكّ في الثالثة؟ قال عليه‌السلام : « يبني على اليقين ، فإذا فرغ تشهّد وقام قائما فصلّى ركعة بفاتحة الكتاب » (٢).

وكصحيحة الحلبي : « إن كنت لا تدري ثلاثا صلّيت أم أربعا ، ولم يذهب وهمك إلى شي‌ء فسلّم ثمَّ صلى ركعتين وأنت جالس تقرأ فيهما بأمّ الكتاب » (٣).

وكصحيحة زرارة ، قال عليه‌السلام في ذيلها في بيان حكم من لم يدر في أربع هو أو في ثنتين وقد أحرز الثنتين قال : « يركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب » (٤).

فهذه الأخبار وغيرها ممّا هو مثلها تدلّ على وجوب قراءة فاتحة الكتاب وتعيّنها في صلاة الاحتياط.

ثمَّ إنّه هل يجب الإخفات فيها أو يجوز الجهر بها؟

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٢٢٣ ، رقم (٢).

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٢٠١ ، رقم (١).

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٢٠٨ ، رقم (٤).

(٤) تقدّم تخريجه في ص ٢١٠ ، رقم (١).

٢٤٤

وقال جماعة كما حكى عن الشهيد قدس سرّه (١) وغيره بالأوّل.

ولعلّ مستندهم أنّها على تقدير النقصان تقوم مقام الركعتين الأخيرتين والحكم فيهما الإخفات في القراءة لو اختارها دون التسبيح ، فكذلك فيما يقوم مقامهما ، بل في الحقيقة صلاة الاحتياط هي الأخيرتين فيما كانت ركعتين ، أو إحديهما فيما كان النقصان بواحد.

ولكن ظاهر الأخبار أنّها صلاة مستقلّة منفردة يتدارك بها المقدار الفائت من مصلحة الصلاة الأصليّة على تقدير النقصان.

وبناء على هذا حيث أنّه لم يرد دليل على وجوب الإخفات أو الجهر فمقتضى القاعدة هو التخيير ، وإن كان الإخفات أحوط.

الأمر الثاني : في أنّه لا أذان ولا إقامة ولا سورة ولا قنوت فيها.

أمّا الأوّلان ـ أي عدم الأذان والإقامة فيها ـ فلأنّ أمرها دائر بين أن تكون نافلة فليس فيها الأذان والإقامة ، أو تكون جزءا للفريضة الأصلية ولم يشرعا في جزء الفريضة. نعم لو قلنا بأنّ صلاة الاحتياط صلاة واجبة مستقلّة وسبب وجوبها تدارك مصلحة الفائتة بها على تقدير النقصان ، فيمكن أن يقال بشمول إطلاقات أدلّتهما لهذا المورد أيضا.

وفيه : أنّه وإن ورد في موثّقة سماعة « لا صلاة إلاّ بأذان وإقامة » (٢) ولكن لا يمكن الأخذ بهذا الإطلاق ، وذلك للاتّفاق على عدم مشروعيّتهما في غير اليوميّة ، فلو كانت صلاة الاحتياط صلاة مستقلّة ، ولم تكن من متممات اليوميّة ، فتشريع الأذان والإقامة فيها غير معلوم ، ومقتضى الأصل عدم جوازهما.

__________________

(١) « الدروس » ج ١ ، ٣٧٢ ، « البيان » ص ٢٥٥.

(٢) « تهذيب الأحكام » ج ٢ ، ص ٢٨٢ ، ص ١١٢٣ ، باب الأذان والإقامة ، ح ٢٥ ، « الاستبصار » ج ١ ، ص ٣٠٠ ، ح ١١٠٩ ، باب الأذان والإقامة في صلاة المغرب ... ، ح ٦ ، « وسائل الشيعة » ج ٤ ، أبواب الأذان والإقامة ، باب ٣٥ ، ح ٢.

٢٤٥

نعم لو كانت مع أنّها صلاة مستقلّة جزء لليوميّة وبحكمها لكانا مشروعين فيها ، ولكن إثبات ذلك مشكل ، مع أنّها لو كانت كذلك فأيضا لا يخلو عن إشكال ، لأنّ الفريضة اليوميّة منصرفة عن مثل هذه الصلاة فالأصحّ أنّ الأذان والإقامة لم يشرعا فيها.

وأمّا السورة والقنوت فللاتّفاق على عدم وجوبهما فيها ولا استحبابهما ، وأيضا لو كانا فيها واجبين أو كان خصوص السورة واجبا لكان عليه‌السلام ذكره في عداد الواجبات ، ونصوص الباب خالية عنهما مع ذكر سائر الواجبات فيها.

وأمّا القول بوجوب السورة بلحاظ وجوبها في سائر الصلوات الواجبة فلو قلنا بأنّ صلاة الاحتياط صلاة واجبة مستقلّة يتدارك بها ما فات من مصلحة الفريضة ، فالدليل على وجوبها في سائر الصلوات الواجبة دليل على وجوبها فيها.

وفيه : أنّ وجوب هذه الصلاة وإن كان من المسلّم ، ولكن ليس وجوبا مستقلا كسائر الواجبات لوجود ملاك ومصلحة في نفسها ، بل وجوبها باعتبار تتميم ما نقص من الفريضة الأصليّة ، ولذلك لو تنبّه في أثنائها بتماميّة الفريضة الأصليّة لا يجب عليها إتمامها ، ويجوز بل يجب العدول إلى النافلة لأنّه لا موضوع بعد ذلك الالتفات لإتيانها بصفة الوجوب ، لأنّ موضوعها احتمال النقص في الصلاة الأصليّة.

الأمر الثالث : فيما إذا صدر منه ما يبطل الصلاة قبل أن يأتي بصلاة الاحتياط ، كما إذا صدر منه أحد القواطع فهل تبطل الصلاة ويجب إعادتها؟ إذ لا تأثير بعد ذلك في صلاة الاحتياط ، إذ بناء على أنّ صلاة الاحتياط متمّمة للنقص الذي حصل في الصلاة الأصلية ، فالقاطع كالحدث مثلا وقع في الأثناء ، فليست صلاة الاحتياط باعتبار أنّها متمّمة للصلاة الأصليّة قابلة لأن تنضمّ إلى الصلاة الأصليّة ، لأنّ القاطع قطع حبل الاتّصال.

وبعبارة أخرى : القاطع قطع صورة الصلاتيّة ، وبهذا الاعتبار يطلق عليه القاطع ،

٢٤٦

فالجزء الصوري الذي يكون المراد به الهيئة الصلاتيّة انعدمت بواسطة القاطع ، فليست الأجزاء الباقية بعد وجود القاطع قابلا لتشكيل الهيئة الصلاتيّة بواسطة انضمامها إلى الأجزاء السابقة ، فقهرا تبطل الصلاة ويجب إعادتها.

ولكن هذا بناء على كون صلاة الاحتياط جزءا متمّما للصلاة الأصليّة على تقدير النقصان.

وأمّا لو قلنا بأنّها صلاة مستقلّة شرعت لأجل تدارك ما فات من مصلحة الصلاة الأصليّة على تقدير النقصان ، وهذا الأمر من قبيل حكمة تشريعها ، كما ورد في حكمة تشريع النوافل التي هي رواتب الفرائض اليوميّة أنّها شرعت لأجل جبران النقص الذي ربما يقع في الفرائض الخمس ، بحيث يكون المجموع من الرواتب والفرائض الناقصة وافيا بمصالح الفرائض الواقعيّة التامّة ، فوقوع الحدث مثلا قبل صلاة الاحتياط وبعد الصلاة الأصليّة لا يؤثّر في بطلان الصلاة الأصليّة ، لأنّه وقع قبلها لا في أثنائها.

ولكن التحقيق : أنّ مقتضى الجمع بين الأدلّة هو أنّ هذه الصلاة لا مستقلة تماما ، ولا جزء متمّم ، بل فيها جهة الاستقلال باعتبار قوله عليه‌السلام في مرسل جميل : « إن شاء صلّى ركعة وهو قائم ، وإن شاء صلّى ركعتين وأربع سجدات وهو جالس » (١).

وأيضا قوله عليه‌السلام : في صحيحة الحلبي : « ثمَّ صلّ ركعتين وأنت جالس » (٢).

وفيها جهة الجزئيّة.

وإنّها متمّم لنقص الصلاة الأصليّة لقوله عليه‌السلام في موثّقة عمّار « وأتم ما ظنت أنّك نقصت » (٣) فهي معنى متوسط بين الاستقلال والجزئيّة وليست أجنبيّة عن كليهما.

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٢٠٦ ، رقم (٢).

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٢٠٨ ، رقم (٤).

(٣) تقدّم تخريجه في ص ١٨٣ و ١٨٤.

٢٤٧

وبناء على هذا ـ من حيث أنّها صلاة مستقلّة ، وتشريعها لأجل تدارك المصلحة الفائتة على تقدير النقصان ، وليست جزء من الصلاة الأصليّة ـ فالصلاة الأولية تمّت بواسطة البناء على الأكثر ، والفراغ منها بواسطة التسليم حصل ، فلم يقع القاطع في أثنائها كي تبطل ، والمصلحة الفائتة يتدارك فيما بعد بواسطة صلاة الاحتياط ، فلا يبقى وجه للبطلان والإعادة.

ومن حيث أنّ فيها جهة كونها متمّما للصلاة الأصليّة تكون بحكم الجزء ، فكان القاطع وقع في الأثناء فتكون فاسدة ، فيكون حدوث القاطع موجبا للبطلان ولزوم الإعادة.

ولكن أنت خبير بأنّ ما قلنا : إنّ فيه جهة الجزئية ، ليس المراد منه أنّها جزء الصلاة الأصليّة ، بل المراد أنّها جزء متمّم لما هو ذو المصلحة ، فالصلاة الأصليّة وصلاة الاحتياط كلاهما مجموعا دخيلان في حصول المصلحة لا أنّ أحدهما جزء للآخر ، فوقوع الحدث بينهما لا يضرّ بكلّ واحد منهما.

الأمر الرابع : فيما إذا تذكر بعد الفراغ عن الصلاة الأصليّة والبناء على الأكثر أنّ ما صلّى كان كذلك من الركعة ، وارتفع الشكّ وحصل له اليقين.

فهذا لا يخلو حاله : إمّا أن يحصل له اليقين بالتمام أو بالنقصان.

فإن كان الأوّل‌ وكان بعد الإتيان بصلاة الاحتياط فتكون صلاة الاحتياط نافلة ، كما هو مفاد بعض الأخبار.

وإن كان قبل صلاة الاحتياط فلا يجب إتيانها ، لأنّ وجوبها كان باعتبار تتميم ما نقص ، وبعد اليقين بالتمام وتذكّره وارتفاع الشكّ الذي كان موضوع وجوب صلاة الاحتياط لا يبقى مورد ومحلّ لوجوب إتيانها.

وإن كان التذكّر في أثناء الاحتياط فله أن يقطع ويرفع اليد عنها ، لتبيّن عدم وجوبها فلا مانع من قطعها. وله أن يتمّها نافلة ، فإن كان الاحتياط ركعة يضمّ إليها‌

٢٤٨

ركعة أخرى ويتمّها نافلة.

ولا يكتفي في جعلها نافلة بتلك الركعة الواحدة ، وذلك من جهة عدم معهوديّة كون صلاة النافلة ركعة واحدة في غير الوتر.

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ الدليل الذي مفاده جعل صلاة الاحتياط نافلة على تقدير كون الصلاة الأصلية تامّة يشمل بإطلاقه ما إذا كان صلاة الاحتياط ركعة واحدة ، فيدلّ على صحّة كون النافلة ركعة واحدة.

وإن كان الثاني ، ( تذكر نقصان الصلاة الأصليّة ) ، فلها صور :

الصورة الأولى : أن يكون تذكّره بعد الإتيان بصلاة الاحتياط ، وكان النقص المنكشف مطابقا مع صلاة الاحتياط كمّا وكيفا فلا شي‌ء عليه ، وقد أتى بما هو وظيفته ، وصحّت صلاته ، لما تقدّم من قوله عليه‌السلام في موثّقة عمّار : « وإن ذكرت أنّك كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت » (١).

الصورة الثانية : هي عين الصورة الأولى لكن مع الاختلاف في الكمّ مثل أن يكون النقص المنكشف ركعتين والاحتياط ركعة واحدة ، كما إذا شكّ بين الثلاث والأربع ، فبعد استقرار الشكّ بنى على الأربع وصلّى الاحتياط ركعة واحدة ، وبعد الفراغ عنها تذكر أنّ صلاته الأصليّة كانت ركعتين ، ففي مثل هذا المورد من المحتمل القول بأنّه يضيف على الاحتياط ركعة أخرى كي يتمّ بها النقص المنكشف.

وهناك احتمالان آخران :

أحدهما : كفاية صلاة الاحتياط التي أتى بها وإن كانت مخالفة مع النقص المنكشف في الكمّ.

واختار شيخنا الأستاذ قدس سرّه هذا الاحتمال تمسّكا بإطلاق قوله عليه‌السلام : « وإن ذكرت‌

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ١٨٤ ، رقم (١).

٢٤٩

أنّك نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت » (١).

ولكنّ الظاهر أنّه عليه‌السلام في مقام أنّ صلاة الاحتياط لا تذهب هدرا على كلّ تقدير ، بل إمّا أن تكون متمّما للنقصان على تقدير النقص ، وإمّا أن تكون نافلة على تقدير التمام. وليس في مقام بيان أنّه متمّم على كلّ حال ولا يحتاج إلى شي‌ء آخر ، فلا مجال للتمسّك بإطلاقه من هذه الجهة.

الثاني : بطلان الصلاة ووجوب الإعادة باعتبار عدم إمكان العلاج ، والشكّ في الامتثال بإتيان ركعة أخرى وتتميم ما نقص.

أمّا عدم إمكان العلاج فمن جهة عدم كون صلاة الاحتياط جابرة للنقص ، لكونها أقلّ منه.

وأمّا تتميمها بركعة أخرى منفصلة فليس عليه دليل ، إذ صلاة الاحتياط في مورد الشكّ ، والشكّ ارتفع ، فلو أتى بركعة أخرى مضافا إلى صلاة الاحتياط وإن كان يتمّ بها النقص من حيث عدد الركعات ولكن الانفصال والخروج عن الصلاة بالتسليم لا علاج له.

ولا يقاس بصلاة الاحتياط ، فإنّها وإن كانت منفصلة وبعد التسليم ، إلاّ أنّ عليها دليل كموثقات عمّار وغيرها. وتلك الأدلة لا تشمل المقام ، لأنّ موضوع الحكم بالاحتياط فيها هو الشكّ ، والمفروض أنّ الشكّ ارتفع فيما نحن فيه ، فيكون شكّا في الامتثال فتجب الإعادة لتحصيل القطع بالامتثال.

وممّا ذكرنا ظهر لك أنّه لا وجه للقول بأنّه يعمل عمل المحتمل لهذا النقص المنكشف ، والشاكّ فيه مثلا في المفروض أليس أنّه انكشف أنّ صلاته التي صلاّها كانت ركعتين والنقص بركعتين ، فيعمل عمل الشكّ بين الاثنتين والأربع ، أي يأتي بركعتين من قيام ويصرف النظر عن الاحتياط الذي عمل به.

__________________

(١) « كتاب الصلاة » ج ٣ ، ص ١٩٨.

٢٥٠

وهو احتمال غريب ، لأنّه لم يشكّ مثل هذا الشكّ بل ليس له شكّ أصلا ، لأنّ شكّه الذي كان بين الثلاث والأربع ارتفع ، وليس له شكّ آخر فيكون حكما بلا موضوع ، فالأظهر بل الأرجح هو الإعادة في صورة الاختلاف في الكمّ.

وأمّا إن كان اختلافهما في الكيف ، مثلا شكّ بين الاثنتين والثلاث فبنى على الثلاث وأتمّ الصلاة ، ثمَّ صلّى صلاة الاحتياط ركعتين من جلوس ، فتذكر أنّ صلاته كانت اثنتين ، فالظاهر أنّه أتى بوظيفته. وركعتين من جلوس وإن كانتا مخالفتين في الكيف مع الركعة من قيام ، لكنّ الشارع جعلهما بدلا عن الركعة من قيام ، فحصل الامتثال وسقط الأمر.

هذا كلّه فيما إذا كان تذكره بعد صلاة الاحتياط.

وأمّا لو كان قبلها ، أي تذكر النقص وأنّه بركعة مثلا أو بركعتين قبل أن يأتي بصلاة الاحتياط ، فهذه الصورة الثالثة من تذكّر النقص.

وهنا احتمالات :

الأوّل : وهو الصحيح أن يأتي بالنقص المتيقن ، وذلك من جهة وقوع السلام في غير محلّه فلم يخرج عن الصلاة بصرف السلام ، والمفروض أنّه لم يأت بمناف ، أي أحد القواطع من الحدث ، أو الاستدبار ، أو السكوت الطويل الماحي لصورة الصلاة ، أو غيرها من القواطع ، وإلاّ فمعلوم أنّه فيما إذا أتى بأحد القواطع فالصلاة باطلة وتجب إعادتها.

فمقتضى القاعدة أنّ سلامة مثل السلام السهوي ، فبعد أن تذكّر السهو يجب عليه أن يقوم ويأتي بالبقيّة.

وهناك احتمالان آخران :

الأوّل : بطلان الصلاة ووجوب إعادتها ، وذلك من جهة أنّه خرج عن الصلاة بالتسليم ، وعلم بنقصان صلاته بركعة أو ركعتين ، والركعة مشتملة على الأركان ،

٢٥١

ونقيصة الركن غير مغتفر في الصلاة ، عمدا كانت أو سهوا.

وفيه : أنّ نقيصة الأركان وإن كانت موجبة للبطلان ، ولكن النقيصة لا يتحقّق إلاّ بأحد أمرين : إمّا بخروجه عن الصلاة بإيقاع السلام في محلّه ، أو بوجود أحد القواطع ، وإلاّ بصرف عدم وجود شرط أو جزء ركني مع بقاء محلّه لا يصدق النقيصة.

هذا ، مضافا إلى ورود روايات معتبرة على أنّه لو تذكّر نقص صلاته بعد التسليم وقبل صدور المنافي يجب عليه أن يأتي به.

منها : خبر محمّد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام في نقصان ركعتين في رجل صلّى ركعتين من المكتوبة فسلّم وهو يرى أنّه قد أتم الصلاة وتكلّم ، ثمَّ ذكر أنّه لم يصلّ غير ركعتين؟ فقال عليه‌السلام : « يتمّ ما بقي من صلاته ولا شي‌ء عليه » (١).

والفرق بين المقام وبين ذاك بأنّ مورد الرواية هو السلام باعتقاد الفراغ هناك ، وهاهنا بحكم الشارع غير فارق فيما هو المناط وهو كون في غير محلّه.

وقد شرحنا هذه المسألة ، أي تذكر النقص بعد السلام في المجلّد الأوّل من هذا الكتاب ، في شرح قاعدة « لا تعاد » (٢) وإن شئت فراجع.

وخلاصة الكلام : أنّ بطلان الصلاة بنقص ركعة أو ركعتين أن تذكّر وانكشف له بعد التسليم قبل إتيان ما هو المبطل لا وجه له ، بل يجب عليه التدارك وإتيان ما نقص بعنوان تتمّة الصلاة ، لا صلاة الاحتياط.

الثاني : هو أنّه يجب عليه الصلاة الاحتياط ، كما أنّه لو كان شكّه باقيا ولم يتذكّر النقص فصلاته الأصلية مع صلاة الاحتياط موجبة للقطع بالامتثال ، وتوجب براءة الذمّة وإسقاط الأمر.

__________________

(١) « تهذيب الأحكام » ج ٢ ، ص ١٩١ ، ح ٧٥٧ ، باب أحكام السهو في الصلاة ... ، ح ٥٨ ، « الاستبصار » ج ١ ، ص ٣٧٨ ، ح ١٤٣٦ ، باب من تكلّم في الصلاة ساهيا أو عامدا ، ح ٤ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٠٩ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ٣ ، ح ٩.

(٢) « القواعد الفقهية » ج ١ ، ص ١١٦.

٢٥٢

وهذا احتمال غريب وبعيد إلى الغاية ، وذلك من جهة أنّ صلاة الاحتياط موضوعها الشاكّ ، فإذا ارتفع الشكّ وتذكّر النقص يخرج عن موضوع خطاب صلاة الاحتياط.

وأمّا إذا كان تذكره للنقص في أثناء صلاة الاحتياط ، فهذه هي الصورة الرابعة.

وفي هذه الصورة صور ، ربما يختلف حكمها ، فنقول :

الأولى : أن تكون صلاة الاحتياط مطابقة مع النقص الذي تذكره كمّا وكيفا ، مثلا شكّ بين الاثنين والثلاث وبنى على الثلاث ، ثمَّ تذكّر أنّ صلاته ناقصة بركعة في أثناء صلاة الاحتياط التي هي عبارة عن ركعة من قيام.

فهاهنا يجب عليه إتمام صلاة الاحتياط ، وليس عليه شي‌ء.

والوجه واضح بعد اغتفار زيادة تكبيرة الإحرام ، فإنّ المأمور به في حال الشكّ بعد التسليم هي الركعة الواحدة من قيام ، غاية الأمر بزيادة التكبير ، وبعد تذكّر النقص وأنّه ركعة واحدة أيضا يكون المأمور به هو نفس ما كان حال الشكّ فلا وجه لرفع اليد عنها وتجديدها ثانيا.

الثانية : أن تكون مخالفة مع النقص الذي تذكّره في الكمّ والكيف أو في أحدهما. فهذه الصورة الثانية تنقسم إلى ثلاث :

فالأوّل ، أي المخالف في الكمّ والكيف كما إذا شكّ بين الثلاث والأربع فبنى على الأربع وشرع في صلاة الاحتياط واختار ركعتين من جلوس ، فتذكّر في أثنائها أنّ النقص ركعة واحدة ، فصلاة الاحتياط في هذا الفرض مخالف مع النقص المذكور كمّا ، لأنّه ركعة واحدة وصلاة الاحتياط ركعتين ، وكيفا ، من جهة أنّه من قيام وصلاة الاحتياط من جلوس.

فهنا احتمالات بل أقوال ثلاث :

الأوّل : بطلان الصلاة ولزوم الإعادة ، لأنّ النقص فيها معلوم وليس له علاج ، ولا‌

٢٥٣

يمكن تداركه ، لأنّ التدارك إمّا بصلاة الاحتياط ، ولا يمكن بهذه التي هو فيها ، لمخالفتها مع النقص المعلوم كمّا وكيفا ، أو برفع اليد عن الاحتياط والصلاة قائما بمقدار النقص الذي تذكره أي يتمّها لا بعنوان صلاة الاحتياط ، وهذا لا يمكن ، للفصل بين المتمّم ـ بالكسر ـ والمتمم ـ بالفتح ـ أوّلا ، ولزيادة الأركان المتعدّدة بناء على جزئيّة صلاة الاحتياط للصلاة الأصليّة ثانيا ، ومن جهة الخروج عن الصلاة بالتسليم ثالثا.

وأيضا لا يمكن تداركه بصلاة احتياط أخرى مطابقا للنقص المذكور ، لأنّ صلاة الاحتياط موضوعها الشكّ ، فإذا ارتفع ـ كما هو المفروض في المقام ـ لا يبقى مجال لصلاة الاحتياط مطابقة للنقص الذي تذكّره مرة أخرى ، فلا بدّ من الإعادة.

الثاني : إتمام صلاة الاحتياط والاكتفاء بها وإن كانت مخالفة للنقص المعلوم كمّا وكيفا ، لإطلاق أدلّة صلاة الاحتياط.

وفساد هذا الاحتمال واضح ، لما ذكرنا أنّ جابريّة صلاة الاحتياط للنقص المعلوم فيما إذا كانت مطابقة للنقص المعلوم ، وأمّا إذا لم يكن كذلك فكونه جابرا مع ارتفاع الشكّ لا وجه له أصلا.

الثالث : إدخال هذه المسألة فيمن تذكّر النقص بركعة أو ركعتين بعد التسليم سهوا ، حيث أنّ في تلك المسألة دلّت الأخبار على إتمام الصلاة بالمقدار الذي علم بالنقص.

وقد تقدّم خبر محمّد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام وأنّه عليه‌السلام قال : « يتمّ ما بقي من صلاته ولا شي‌ء عليه » (١) ، وقلنا هناك : إنّ الفرق بين المسألتين بأنّه هناك ـ أي في مورد الرواية ـ صدور السلام يكون سهوا ، وفيما نحن فيه عمدي وبحكم الشارع ليس بفارق فيما هو مناط الحكم وهو وقوع السلام في غير محلّه.

والأرجح من هذه الاحتمالات هو الاحتمال الأخير ، كما ظهر ممّا تقدّم وجهه.

الثالثة : أن تكون مخالفة للشكّ المحتمل وإن كانت موافقة للنقص المعلوم كمّا وكيفا.

__________________

(١) تقدّم ذكره في ص ٢٥٢ ، رقم (١).

٢٥٤

والظاهر أنّه مثل الصورة الأولى من الصورة الرابعة ، أي يمضي في الاحتياط ولا شي‌ء عليه ، إذ ما دام تكون صلاة الاحتياط موافقة مع النقص المعلوم لا أثر لمخالفتها لحكم الشكّ المحتمل ، إذ الشكّ ارتفع وجاء مكانه القطع بالنقص ، فلا بدّ من ملاحظة آثار هذا القطع الموجود لا الشكّ الزائل ، كما أنّه لو كانت موافقة للشكّ المحتمل ، ولكن كانت مخالفة للنقص المعلوم لا أثر لموافقتها للشكّ المحتمل.

الصورة الخامسة : أن يكون تذكّره للنقص بين الاحتياطين. وذلك كما أنّه في الشكّ المركّب ، كالشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع مثلا ، بنى على الأربع فهاهنا ـ كما تقدم في أحكام الشكوك الصحيحة ـ يجب عليه الاحتياط بصلاتين : إحديهما ركعة واحدة من قيام أو ركعتين من جلوس. الثانية : ركعتين من قيام.

فلو حصل له اليقين بمقدار النقص بعد أن أتى بأحد الاحتياطين دون الآخر ، فإن كان الاحتياط الذي أتى به موافقا مع النقص المعلوم ، مثلا علم بأنّ النقص ركعة إذ تذكر أنّه صلّى ثلاث ركعات ، وهو أوّلا أتى بوظيفة الشكّ بين الثلاث والأربع أي صلّى صلاة الاحتياط ركعة من قيام ، أو ركعتين من جلوس ، فإن كان مختاره ركعة من قيام ، فتمّ عمله وليس عليه شي‌ء قطعا. وهذا واضح جدا.

وإن كان مختاره ركعتين من جلوس ، فالظاهر أنّه أيضا كذلك ، لأنّ جعل ركعتين من جلوس في ظرف الشكّ بمنزلة ركعة من قيام ومجزيتين عنها كان مفاد الأدلّة.

والحاصل : أنّه إن كان الاحتياط الأوّل الذي أتى به موافقا مع النقص الذي تذكره ، فصلاته صحيحة ولا شي‌ء عليه ، لما ذكرنا فلا نعيد.

وأمّا إن كان مخالفا له في الكيف والكمّ ، أو الكمّ وحده فواضح أنّه لا يجوز الاكتفاء به ، لزيادتها إن كان الاحتياط الأوّل الذي أتى به أزيد من النقص الذي تذكره ، أو لبقاء مقدار من النقيصة إن كان أقلّ. وفي كلتا الحالتين لا يمكن أن تكون صلاة الاحتياط الأولى جابرة للنقص المعلوم.

٢٥٥

فلا بدّ إمّا من صرف النظر عما أتى به من باب صلاة الاحتياط ، والإتيان بمقدار النقص المعلوم من باب إدخال المسألة في مسألة تذكّر نقص الصلاة بركعة أو ركعتين بعد السلام بزعم الفراغ ، أو إعادة أصل الصلاة.

وقد تقدّم الكلام فيما تقدّم من نظير هذه المسألة إن تذكّر في أثناء الإتيان بصلاة الاحتياط إذا كان احتياطا واحدا كما في الشكّ البسيط.

وأمّا إن كان مخالفا في الكيف فقط ، فيمكن أن يقال بالاكتفاء بذلك الاحتياط ، لجعله الشارع بدلا عمّا هو النقص الواقعي ، مثلا لو شكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع فهنا له وظيفتان : إحديهما : وظيفة الشكّ بين الثلاث والأربع ، وهي ركعتان من جلوس. وأخرى : وظيفة الشكّ بين الاثنتين والأربع ، وهي ركعتان من قيام.

فلو قدّم إتيان الوظيفة الأولى ـ أي الشكّ بين الثلاث والأربع ـ واختار ركعتين من جلوس ، فتذكّر بعد الإتيان بهذه الوظيفة وقبل الإتيان بالوظيفة الأخرى ، أنّ صلاته التي صلاّها كانت ثلاث ركعات والنقص بواحدة ، فحيث أنّ الشارع جعل ركعتين من جلوس في ظرف الشكّ بدلا عن الركعة من قيام ، وقد أتى هو بها في ظرف الشكّ ، فيكون مجزيا وليس عليه شي‌ء. فالاختلاف في الكيف إذا أتى بها في ظرف الشكّ لا أثر له إذا كان مطابقا في الكمّ.

وخلاصة ما ذكرنا في هذا الأمر الرابع ـ أي فيما تذكر النقص وارتفع الشك الذي كان موضوعا لصلاة الاحتياط ـ أنّ تذكّره وارتفاع شكّه إمّا أن يكون قبل صلاة الاحتياط ، أو بعدها ، أو في أثنائها ، أو في أثناء الاحتياطين.

أمّا الأوّل أي فيما إذا كان قبل صلاة الاحتياط ، فالأظهر هو الإتيان بالنقص المعلوم ، لا البطلان وإعادة الصلاة ، ولا التدارك بصلاة الاحتياط ، لارتفاع موضوعها وهو الشكّ.

وأمّا في الشقوق الثلاثة الأخيرة فإن كان ما أتى به بعنوان الاحتياط أو دخل فيه‌

٢٥٦

كذلك موافقا في الكمّ والكيف ، أو في الكمّ فقط مع النقص المعلوم فيمضي في احتياطه ولا شي‌ء عليه ، وإلاّ فيجب إعادة صلاته.

وأمّا موافقة صلاة الاحتياط لحكم الشكّ المحتمل وعدم موافقتها له فلا أثر له بعد بيان الواقع وكشفه وارتفاع الشكّ وحصول اليقين ، فالمناط كلّ المناط مطابقة صلاة الاحتياط للنقص المعلوم وعدم مطابقتها.

ثمَّ إنّه كان جميع ما ذكرنا فيما إذا تذكّر نقص الصلاة التي أتى بها ، وأمّا لو تذكّر زيادتها على ما هو الفرض بركعة أو أزيد ، فواضح بطلانها ، ولزوم إعادتها ، لعدم علاج لزيادة الأركان وأنّها موجبة للبطلان ، عمدا كان أو سهوا.

الأمر الخامس : لو شكّ في إتيان صلاة الاحتياط بعد وجوبها وتنجّزها عليه ، فإن كان الشكّ بعد خروج الوقت فهذا من الشكّ بعد الوقت ولا اعتبار به ، لأنّ حال الصلاة الاحتياط حال سائر أجزاء الصلاة الأصليّة ، فيبني على الإتيان.

وأمّا لو كان حدوث الشكّ في الوقت ، فمقتضى قاعدة الاشتغال لزوم الإتيان بها ، إلاّ فيما يكون مجرى لقاعدة الفراغ أو قاعدة التجاوز ، فإذا كان جالسا في محلّ الصلاة ولم يأت بما هو مناف ومبطل للصلاة ، حتّى السكوت الطويل الماحي لصورة الصلاة ، ولم يدخل في فعل آخر ، فلا مورد لجريان كلتا القاعدتين.

أمّا عدم إحراز مجرى قاعدة الفراغ فلأجل أنّ مجراها هو الشكّ في تماميّة الموجود ، وهاهنا يكون الشكّ في أصل الوجود.

وأمّا قاعدة التجاوز فلأجل عدم التجاوز عن المحلّ الشرعي لصلاة الاحتياط ، بل ولا العرفي.

أمّا لو أتى بالمنافي والمبطل أو دخل في فعل آخر فهل يكون داخلا في مجرى القاعدتين أو إحديهما أو لا؟ فيه كلام.

وتفصيله عبارة عن أنّه هل يصدق الفراغ بإيجاد المنافي أم لا؟ وكذلك التجاوز؟

٢٥٧

والظاهر أنّ المنافي إذا كان مثل الاستدبار أو السكوت الطويل ممّا يكون غالبا بعد الفراغ عن الصلاة يصدق الفراغ به عرفا.

وأمّا الدخول في فعل آخر فلا شك في صدق الفراغ معه ، مضافا إلى أنّ موضوع الحكم بعدم الاعتناء بالشكّ ليس هو عنوان الفراغ ، بل عنوان المضي والتجاوز والخروج عن الشي‌ء والدخول في غيره ، وهذه العناوين تصدق قطعا مع الدخول في فعل آخر مناف للصلاة حتّى مثل التعقيب.

فلو كان جالسا ويشتغل بالتعقيب ، وقلنا بوجوب صلاة الاحتياط عقيب التسليم بلا فصل ـ كما هو مقتضي الجزئية على تقدير النقصان ـ فمع دخوله في التعقيب يصدق التجاوز عن محلّ صلاة الاحتياط والفراغ عنها وعن الصلاة الأصليّة ، ومع ذلك كلّه لا ينبغي ترك الاحتياط بإتيان صلاة الاحتياط ، لأنّه وإن كانت هاتان القاعدتان حاكمتين على قاعدة الاشتغال ، بل وكذلك على استصحاب عدم الإتيان بها إلاّ أنّ الشأن في جريانهما فإنّه لا يخلو من إشكال وإن رجّحنا جريانهما في بعض صور المسألة ، خصوصا إذا حصل الشكّ بعد دخوله في فعل مناف للصلاة.

الأمر السادس : في أنّه لا سهو في سهو.

ويدلّ على هذا الحكم روايات :

منها : ما عن الشيخ في الصحيح ـ أو الحسن ـ عن حفص البختري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « ليس على الإمام سهو ، ولا على من خلف الإمام سهو ، ولا على السهو سهو ، ولا على الإعادة إعادة » (١).

ومنها : ما عن الصدوق بإسناده عن إبراهيم بن هاشم في نوادره أنّه سئل أبا عبد الله عليه‌السلام عن إمام يصلّي بأربع نفر أو بخمس فيسبّح اثنان على أنّهم صلّوا ثلاثا ، ويسبّح ثلاثة على أنّهم صلّوا أربعا ، يقول هؤلاء : قوموا ، ويقول هؤلاء : أقعدوا ،

__________________

(١) « تهذيب الأحكام » ج ٢ ، ص ٣٤٤ ، ح ١٤٢٨ ، باب أحكام السهو ، ح ١٦.

٢٥٨

والإمام مائل مع أحدهما أو معتدل الوهم ، فما يجب عليهم؟ قال عليه‌السلام : « ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلف سهوه باتّفاق منهم ، وليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام ، ولا سهو في سهو » الحديث (١).

وعن الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام نحوه (٢).

فلا إشكال في هذه الجملة من حيث اعتبار السند والصدور ، خصوصا مع تلقّيها الأصحاب بالقبول ، فالعمدة فهم المراد منها.

فنقول : الظاهر من قوله عليه‌السلام : « لا سهو » ، أنّ السهو ـ أي : السهو المنفي ـ بمعنى الشكّ ، بقرينة نظائره في قوله عليه‌السلام « ليس على الإمام سهو ، ولا على من خلف الإمام سهو ، ولا سهو في سهو ، وليس في المغرب سهو ، ولا في الركعتين الأوليين في كلّ صلاة سهو ، ولا سهو في نافلة ».

فإنّ كلمة « السهو » في جميع هذه الموارد المراد به الشكّ كما هو واضح ، وإن كان في حدّ نفسه مع قطع النظر عن هذه القرينة فيها احتمالات ثلاث : خصوص الشكّ ، وخصوص النسيان ، والأعم منهما. والمراد من السهو الثاني ، أي : ما هو الظرف للسهو المنفي ، صلاة الاحتياط التي هي حكم الشكّ في عدد الركعات ، فيكون هذه الجملة نظير « لا شكّ لكثير الشك » من قبيل نفي الحكم بلسان نفي الموضوع ، فمعناه أنّ حكم الشكّ ليس في حكم الشكّ أي البناء على الأكثر ، وصلاة الاحتياط ليس في صلاة الاحتياط إذا شكّ في عدد ركعاتها ، فالسهو الأوّل والثاني ـ أي الظرف والمظروف ـ بمعنى واحد.

ويمكن أن يكون المراد من السهو في كلا المقامين ـ أي الظرف والمظروف ـ أعمّ من‌

__________________

(١) « الفقيه » ج ١ ، ص ٣٥٢ ، باب أحكام السهو في الصلاة ، ح ١٠٢٨.

(٢) « الكافي » ج ٣ ، ص ٣٥٨ ، باب من شكّ في صلاته كلّها ولم يدر زاد أو نقص ... ، ح ٥.

٢٥٩

الشكّ والنسيان ، أي حكم الشكّ الذي هو عبارة عن صلاة الاحتياط ، وحكم النسيان الذي هو عبارة عن سجدتي السهو فقط في بعض الموارد ، ومع القضاء في البعض الآخر ، ليس في حكم الشكّ وفي حكم النسيان فيكون معناه أن الشكّ في عدد ركعات صلاة الاحتياط ليس فيه البناء على الأكثر وصلاة الاحتياط ، وكذلك في سجدتي السهو وقضاء بعض الأجزاء المنسيّة ليس سجدتي السهو ، ولا قضاء إذا نسي شيئا منها.

ولكن هذا المعنى لا يناسب مع وحدة السياق ، فالظاهر تعيّن المعنى الأوّل ، وإلاّ فبحسب الاحتمال تكون الاحتمالات تسعة ، حاصلة من ضرب ثلاثة احتمالات للسهو المظروف في ثلاثة احتمالات السهو الذي هو ظرف ويكون مدخولا لحرف الجر ، سواء كان هو « في » كما في بعض الروايات ، أو « على » كما في البعض الآخر.

ولا يتوهّم أنّ المراد من السهو الأوّل وإن كان هو حكم الشكّ أي البناء على الأكثر وصلاة الاحتياط ، لأنّه من قبيل نفي الحكم بلسان نفي الموضوع ولكن لا دليل على أن يكون المراد من السهو الثاني الذي هو ظرف للسهو الأوّل أيضا حكم الشكّ ، وذلك لعدم جريان دليل الأوّل ـ الذي هو عبارة عن نفي الحكم بلسان نفي الموضع ـ فيه ، لأنّه هناك ليس مقام نفي الحكم بلسان نفي الموضوع ، فإنّه لا نفي هناك أصلا ، لا نفي الحكم ، ولا نفي الموضوع ، وذلك من جهة أنه لا يمكن أن يكون المراد منه نفس الشكّ ، لأنّه حينئذ يكون المعنى : ليس حكم الشكّ في الشكّ. اللهمّ إلاّ أن يكون متعلّق الشكّ هو عدد ركعات صلاة الاحتياط ، فيكون نفس المعنى ، وكرّ على ما فرّ.

ثمَّ إنّ حكم الشكّ وان لم يكن منحصرا بالبناء على الأكثر ولا متعلّقه منحصر بعدد الركعات بل قد يتعلّق بأفعال الصلاة أي إتيان أجزائها وشرائطها ، وترك موانعها وقواطعها ، كما أنّ حكمه قد يكون إبطال الصلاة التي وقع فيها الشكّ كالفريضة الثنائيّة والثلاثيّة والأوليين من الرباعية ، وقد يكون عدم الاعتناء بالشكّ والمضي في المشكوك كالشكّ في النافلة ، وبعد الفراغ وبعد الوقت ، ولكن ظهور نفي حكم الشكّ بنفي‌

٢٦٠