القواعد الفقهيّة - ج ٢

آية الله السيّد محمّد حسن البجنوردي

القواعد الفقهيّة - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد حسن البجنوردي


المحقق: مهدي المهريزي
الموضوع : الفقه
الناشر: نشر الهادي
المطبعة: مؤسسة الهادي
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-400-030-7

الصفحات: ٣٩٢

٢١ ـ قاعدة

البناء على الأكثر‌

١٨١
١٨٢

قاعدة البناء على الأكثر (*)

ومن جملة القواعد الفقهيّة المشهورة قاعدة « البناء على الأكثر عند الشكّ في عدد الركعات إن كان الشكّ في الرباعيّة الواجبة بعد إكمال السجدتين من الركعة الثانية ».

وفيها جهات من البحث :

[ الجهة ] الأولى

في مدركها‌

وهو عبارة عن الروايات المعتبرة الواردة في هذا المقام :

منها : موثّقة عمّار الواردة في حكم الشك عن الصادق عليه‌السلام قال عليه‌السلام : « كلّما دخل عليك من الشك في صلاتك فاعمل على الأكثر قال عليه‌السلام : « كلّما دخل عليك من الشك في صلاتك فاعمل على الأكثر قال عليه‌السلام : فإذا انصرفت فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت » (١).

ومنها : موثّقته الأخرى ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن شي‌ء من السهو في الصلاة؟ فقال : « ألا أعلّمك شيئا إذا فعلته ثمَّ ذكرت أنك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شي‌ء؟ » قلت : بلى ، قال عليه‌السلام : « إذا سهوت فابن على الأكثر ، فإذا فرغت وسلّمت فقم فصلّ ما ظننت أنّك نقصت ، فإن كنت قد أتممت لم يكن عليك في هذه‌

__________________

(*) « القواعد » ص ٧١ ، « المبادي العامة للفقه الجعفري » ص ٢٤٨.

(١) « تهذيب الأحكام » ج ٢ ، ص ١٩٣ ، ح ٧٦٢ ، باب أحكام السهو في ـ الصلاة ... ، ح ٦٣ ، « الاستبصار » ج ١ ، ص ٣٧٦ ، ح ١٤٢٦ ، باب من شكّ فلا يدري صلّى اثنتين أو ثلاثا ، ح ٤ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣١٨ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ٨ ، ح ٤.

١٨٣

شي‌ء ، وإن ذكرت أنّك كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت » (١).

ومنها : موثّقة ثالثة عن عمّار أيضا قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « يا عمّار أجمع لك السهو كله في كلمتين : متى ما شككت فخذ بالأكثر ، فإذا سلّمت فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت » (٢).

ثمَّ إنّ المراد من السهو ـ في الموثّقتين الأخيرتين ـ هو الشكّ لا السهو بمعناه الحقيقي ، أي النسيان وذلك أنّ الناسي إذا لم يلتفت إلى نسيانه لا في الصلاة ولا بعدها فلا يتوجّه إليه حكم بالنسبة إلى نسيانه ، وإن التفت إليه فإن كان في حال الصلاة والمفروض أنّ متعلّق النسيان هو ركعات الصلاة فإن كان ما أتى به ناقص فيجب أن يأتي بالباقي متّصلا لا منفصلا كما في صلاة الاحتياط ، وظاهر هذه الروايات وإن كان ما أتى به من الركعات زائدا على الفريضة فتكون الصلاة باطلة ويجب إعادتها.

فالمراد بقرينة هذا الحكم ـ أي : قوله عليه‌السلام « فإذا فرغت وسلّمت فقم فصلّ ما ظننت انّك نقصت » إلى آخره ـ هو الشكّ وإطلاق السهو على الشكّ بعلاقة السببيّة جائز لا ضير فيه ، إذ المجاز بعلاقة السببيّة متعارف ومعهود في اللغة.

وأمّا كون السهو سببا للشك فأمر معلوم غني عن البيان ، ودلالة الموثّقات الثلاث على هذا الحكم ـ أي البناء على الأكثر ـ واضح لا يحتاج إلى التكلّم فيه.

الجهة الثانية

في شرح مفاد هذه القاعدة‌

وهو يتوقّف على بيان أمور‌ :

__________________

(١) « تهذيب الأحكام » ج ٢ ، ص ٣٤٩ ، ح ١٤٤٨ ، باب أحكام السهو ، ح ٣٦ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣١٨ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ٨ ، ح ٣.

(٢) « الفقيه » ج ١ ، ص ٣٤٠ ، باب أحكام السهو في الصلاة ، ح ٩٩٢ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣١٧ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ٨ ، ح ١.

١٨٤

[ الأمر ] الأوّل : أنّ الشكّ في عدد الركعات الذي هو موضوع هذه المسألة قد يكون في النافلة ، وقد يكون في الفريضة.

والأوّل خارج عن محلّ كلامنا ، لورود أدلّة خاصّة على نفي الشّك في النافلة ، كقوله عليه‌السلام « ليس في النافلة سهو » (١). وقد تكلّمنا في هذه القاعدة ـ أي قاعدة نفي الشكّ في النافلة ـ في هذا الكتاب (٢) ، وقلنا بأنه مخيّر بين البناء على الأقلّ والبناء على الأكثر.

والثاني قد يكون في الفريضة الثانيّة مثل أن يكون الشكّ في فريضة الصبح بين الواحد والاثنين أو غيرها من الصور ، وقد يكون في الثلاثيّة مثل أن يشكّ في المغرب بين الواحد أو الاثنين والثلاث أو غيرها من الصور ، وقد يكون في الرباعيّة.

وهذا على قسمين : لأنّ الشكّ قد يكون قبل إكمال السجدتين من الركعة الثانية ، وقد يكون بعده.

فالأوّل مثل أن يشكّ بين الاثنين والثلاث مثلا ، ولكن قبل إكمال السجدتين ، مثل أن يكون شكّه هذا في حال القيام أو في حال السجدة الأولى من الركعة التي بيده.

والثاني مثل أن يكون شكّه أيضا بين الاثنين والثلاث مثلا ، ولكن بعد إكمال السجدتين من الركعة التي بيده.

وبعبارة أخرى : الشكّ في الفريضة الرباعيّة تارة يكون طرف الأقلّ من الشكّ أقلّ من الركعتين التامّتين وأخرى لا يكون كذلك ، بل يكون طرف الأقلّ هو حصول الركعتين التامّتين فما زاد ، كالشك بين الثلاث والأربع في أيّ حال كان من الحالات. وأما الشكّ بين الاثنين فما زاد فلا بدّ وأن يكون بعد تماميّة السجدة الثانية ، وإلاّ ليس‌

__________________

(١) « الكافي » ج ٣ ، ص ٣٥٩ ، باب من شكّ في صلاته كلّها ولم يدر ... ، ح ٥ و ٩ ، « تهذيب الأحكام » ج ٣ ، ص ٥٤ ، ح ١٨٧ ، باب أحكام الجماعة وأقل الجماعة ... ، ح ٩٩ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٤٠ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ٢٤ ، ح ٨.

(٢) سيأتي في هذه المجلّدة ، ص ٣١٧.

١٨٥

الشكّ بعد إكمال السجدتين.

فالشكّ في الثنائيّة والثلاثيّة خارج عن تحت هذه القاعدة مطلقا وفي أيّ حال من الأحوال كان ، والشكّ في الرباعيّة أيضا خارج إن كان قبل إكمال السجدتين بالمعنى الذي عرفت ، أي كون طرف الأقلّ من الشكّ أقلّ من الركعتين التامّتين ، وذلك لما دلّ على بطلان الصلاة بهذه الشكوك ، وتلك الأدلّة أخصّ من الموثّقات فتخصّص بها.

فبناء على هذا ، لو شكّ في الثلاثيّة أو في الثنائيّة الواجبة ـ كصلاة المغرب ، أو الصبح ، وفي السفر ، سواء أكانت ثنائيّة بالأصل أو صارت ثنائيّة بواسطة وجوب التقصير في السفر ، وكصلاة الجمعة ، وصلاة الكسوف ، بل وصلاة العيدين بناء على عدم شمول حكم النافلة لهما في عصر الغيبة ، وإلاّ تكون خارجة عن محلّ البحث ـ تكون صلاته باطلة وليست مشمولة لهذه الموثّقات.

والدليل على بطلانها ـ وتخصيص هذه الموثّقات به ـ قوله عليه‌السلام في مصحّح حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « إذا شككت في المغرب فأعد ، وإذا شككت في الفجر فأعد » (١).

وصحيح العلاء عن الصادق عليه‌السلام سألته عن الرجل يشكّ في الفجر؟ قال عليه‌السلام : « يعيد ». قلت : المغرب؟ قال عليه‌السلام : « نعم والوتر والجمعة » من غير أن أسأله (٢).

وقوله عليه‌السلام في هذه الرواية « والوتر والجمعة » مبني على أن يكون الوتر ثلاثة ركعات ، أي مجموع الشفع والوتر ، وإلاّ لو كان الوتر عبارة عن الركعة الواحدة مقابل‌

__________________

(١) « الكافي » ج ٣ ، ص ٣٥٠ ، باب السهو في الفجر والمغرب والجمعة ، ح ١ ، « تهذيب الأحكام » ج ٢ ، ص ١٧٨ ، ح ٧١٤ ، باب أحكام السهو في الصلاة وما يجب منه إعادة الصلاة ، ح ١٥ و ٢٤ ، « الاستبصار » ج ١ ، ص ٣٦٥ ، ح ١٣٩٠ ، باب الشكّ في فريضة الغداة ، ح ١ و ٧ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٠٤ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ٢ ، ح ١ و ٥.

(٢) « تهذيب الأحكام » ج ٢ ، ص ١٨٠ ، ح ٧٢٢ ، باب أحكام السهو في الصلاة وما يجب منه اعادة الصلاة ، ح ٢٣ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٠٥ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ح ٧ ، وص ٣٣١ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ١٨ ، ح ٣.

١٨٦

الشفع فتصوير الشكّ في عدد الركعات لا يخلو من نظر.

نعم يمكن الشكّ فيه بمعنى الشكّ في وجوده وعدمه.

وموثق سماعة قال : سألته عن السهو في صلاة الغداة؟ فقال عليه‌السلام : « إذا لم تدر واحدة صلّيت أم ثنتين فأعد الصلاة من أوّلها ، والجمعة أيضا إذا سها فيه الإمام فعليه أن يعيد الصلاة لأنّها ركعتان ، والمغرب إذا سها فيها فلم يدر كم ركعة صلّى فعليه أن يعيد الصلاة » (١).

ومصحّح ابن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يصلّي ولا يدري واحدة صلّى أم ثنتين؟ قال : « يستقبل حتّى يستيقن أنّه قد أتم » (٢).

ويظهر من موثق سماعة أنّ كون الصلاة التي وقع فيها الشكّ ركعتين موجب للبطلان ، وذلك من جهة تعليله عليه‌السلام إعادة الجمعة التي وقع فيها السهو ـ أي الشكّ ـ بقوله عليه‌السلام : « لأنّها ركعتان » ، فيستفاد حكم كلّ فريضة ثنائيّة منها سواء أكانت ثنائيّة بالأصل كالصبح والجمعة والعيدين وصلاة الآيات ، أو صارت ثنائيّة بواسطة السفر كالتقصير في الرباعيّات في السفر.

وعلى كلّ حال يظهر من هذه الروايات بطلان الصلاة في ثلاثة أقسام : أحدها الثنائيّة الواجبة. الثاني : الثلاثيّة الواجبة. الثالث : أن يكون الشكّ بين الواحدة وما زاد.

وأمّا ما ذهب إليه الصدوق قدس سرّه (٣) من التخيير بين الإعادة والبناء على الأقلّ فيما إذا‌

__________________

(١) « تهذيب الأحكام » ج ٢ ، ص ١٧٩ ، ح ٧٢٠ ، باب أحكام السهو في الصلاة ... ، ح ٢١ ، « الاستبصار » ج ١ ، ص ٣٦٦ ، ح ١٣٩٤ ، باب الشكّ في فريضة الغداة ، ح ٥ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٠٥ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ٢ ، ح ٨.

(٢) « الكافي » ج ٣ ، ص ٣٥١ ، باب السهو في الفجر والمغرب والجمعة ، ح ٢ ، « تهذيب الأحكام » ج ٢ ، ص ١٧٩ ، ح ٧١٥ ، باب أحكام السهو في الصلاة و ... ، ح ١٦ ، « الاستبصار » ج ١ ، ص ٣٦٥ ، ح ١٣٩١ ، باب الشكّ في فريضة الغداة ، ح ٢ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٠٤ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ٢ ، ح ٢.

(٣) حكى عنه العلامة في « المنتهى » ج ١ ، ص ٤١٠ ، وراجع : « الفقيه » ج ١ ، ص ٣٥١ ، باب أحكام السهو في الصلاة ، ذيل ح ١٠٢٤.

١٨٧

شكّ بين الواحدة والاثنين ، للجمع بين الروايات المتقدّمة ورواية الحسين بن أبي العلاء عن الرجل لا يدري أركعتين صلّى أم واحدة؟ قال عليه‌السلام : « يتمّ » (١).

ففيه : بأنّ هذا الجمع لا شاهد له وليس جمعا عرفيّا كما في الخاصّ والعامّ ، والحاكم والمحكوم ، والظاهر والأظهر ، ومضافا إلى أنّ هذه الرواية لم يعمل بها أحد ، حتّى أنّ الوحيد وصاحب الحدائق (٢) ـ قدس سرّهما ـ أنكرا نقل هذا القول عن الصدوق.

وكذلك رواية عمّار ـ عن رجل لم يدر صلّى الفجر ركعتين أو ركعة؟ قال عليه‌السلام : « يتشهّد وينصرف ثمَّ يقوم فيصلي ركعة ، فإن كان قد صلّى ركعتين كانت هذه تطوّعا ، وإن كان قد صلّى ركعة كانت هذه تمام الصلاة ». قلت : فصلّى المغرب فلم يدر اثنتين صلّى أم ثلاثا؟ قال عليه‌السلام : « يتشهّد وينصرف ثمَّ يقوم فيصلّي ركعة ، فإن كان صلّى ثلاثا كانت هذه تطوّعا ، وإن كان صلّى اثنتين كانت هذه تمام الصلاة » (٣) ـ لم يعمل به أحد وأعرض عنه الجميع.

وخلاصة الكلام أنّ بطلان الصلاة في الموارد الثلاثة المذكورة اتّفاقي لم ينكره أحد إلاّ الصدوق قدس سرّه فيما تقدّم ، وقد عرفت الحال فيه.

وأمّا الشكّ في الرباعيّة قبل إكمال السجدتين : فيدلّ على بطلانها صحيح زرارة : روى الصدوق بإسناده عن زرارة بن أعين قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : « كان الذي فرض الله على العباد عشر ركعات ، وفيهنّ القراءة وليس فيهنّ وهم ـ يعني سهو ـ فزاد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبعا وفيهنّ الوهم وليس فيهن قراءة ، فمن شكّ في الأوّلتين أعاد‌

__________________

(١) « تهذيب الأحكام ، ج ٢ ، ص ١٧٧ ، ح ٧١٠ ، باب أحكام السهو في الصلاة ... ، ح ١١ ، « الاستبصار » ج ١ ، ص ٣٦٤ ، ح ١٣٨٧ ، باب السهو في الركعتين الأولتين ، ح ١١ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٠٣ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ١ ، ح ٢٠.

(٢) « الحدائق الناضرة » ج ٩ ، ص ١٩٣.

(٣) « تهذيب الأحكام » ج ٢ ، ص ١٨٢ ، ح ٧٢٨ ، باب أحكام السهو في الصلاة و ... ، ح ٢٩ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٠٦ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ٢ ، ح ١٢.

١٨٨

حتّى يحفظ ويكون على يقين ، ومن شكّ في الأخيرتين عمل بالوهم » (١).

وأيضا روى بإسناده عن عامر بن جذاعة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا سلمت الركعتان الأولتان سلمت الصلاة » (٢).

وأيضا بإسناده عن إبراهيم بن هاشم في نوادره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال : « ليس في الركعتين الأوّلتين من كلّ صلاة سهو » (٣).

وما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا سهوت في الأوّلتين فأعدهما » (٤).

ورواية موسى بن بكر قال : سأله الفضيل عن السهو؟ فقال : « إذا شككت في الأوّلتين فأعد » (٥).

هذه جملة ممّا يدلّ على بطلان الصلاة إذا كان الشك في الأوّلتين وبهذا المضمون روايات كثيرة فوق حد الاستفاضة.

وحاصل مفاد جميعها هو بطلان الصلاة ولزوم الإعادة مع احتمال نقص في الأوّلتين ، بل لا بدّ في الحكم بصحّة الصلاة من حفظ الأوليين بتمامهما وكمالهما ، ولازم هذا المعنى هو أن يكون الشكّ بعد إكمال السجدتين ، فالشكّ في الموارد الأربعة المذكورة موجب للبطلان وخارج عن مفاد أخبار البناء على الأكثر حكومة‌

__________________

(١) « الفقيه » ج ١ ، ص ٢٠١ ، باب فرض الصلاة ، ح ٦٠٥ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٢٩٩ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ١ ، ح ١.

(٢) « الفقيه » ج ١ ، ص ٣٤٦ ، باب أحكام السهو في الصلاة ، ح ١٠١٠ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٢٩٩ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ١ ، ح ٣.

(٣) « الفقيه » ج ١ ، ص ٣٥٢ ، باب أحكام السهو في الصلاة ، ح ١٠٢٨ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٠٠ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ١ ، ح ٤.

(٤) « تهذيب الأحكام » ج ٢ ، ص ١٧٧ ، ح ٧٠٦ ، باب أحكام السهو في الصلاة ... ، ح ٧ ، « الاستبصار » ج ١ ، ص ٣٦٤ ، ح ١٣٨٣ ، باب السهو في الركعتين الأوّلتين ، ح ٧ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٠٢ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ١ ، ح ١٥.

(٥) « الاستبصار » ج ١ ، ص ٣٦٤ ، ح ١٣٨١ ، باب السهو في الركعتين الأوّلتين ، ح ٤ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٠٢ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ١ ، ح ١٩.

١٨٩

أو تخصيصا.

ثمَّ إنّه من موارد بطلان الصلاة بالشكّ في عدد ركعاتها ـ وعدم شمول هذه القاعدة له ـ هو الشكّ بين الاثنتين والخمس أو الأكثر وإن كان بعد إكمال السجدتين ، وذلك من جهة أنّه لا طريق إلى تفريغ الذمّة ممّا اشتغل به يقينا ، لا وجدانا ولا تعبّدا.

أمّا وجدانا فواضح ، لأنّ المفروض أنّه شاكّ في أنّ ما أتى به اثنتين أو الخمس أو الأكثر ، فإن سلّم ولم يأت بشي‌ء فاحتمال النقيصة والزيادة كلاهما موجود ، وليس دليل تعبدي في البين يدلّ على عدم مضرّية هذه الزيادة أو النقيصة على تقدير وجودهما. ولو أتى بما يحتمل نقصانه فيبقى احتمال الزيادة ، وليس شي‌ء يدلّ على عدم مضرّية هذا الاحتمال وتفريغ الذمّة.

وأمّا تعبّدا فمن جهة عدم شمول روايات البناء على الأكثر للمقام ، لأنّها واردة فيما إذا كان الأكثر صحيحا ، كي يكون موجبا لتفريغ الذمّة.

وأمّا إذا كان البناء على الأكثر موجبا لفساد الصلاة فهو خارج عن محطّ نظر هذه الأخبار.

وبعبارة أخرى : هذه الروايات كلّها ناظرة إلى علاج العمل وكيفيّة تصحيحه ، فلا يشمل الأمر الذي يوجب بطلان العمل ، فليس هذا المورد مشمولا لتلك الأخبار العلاجيّة ، أي البناء على الأكثر وإتمام ما نقص منفصلا بصلاة الاحتياط.

وأمّا أخبار البناء على اليقين فأيضا لا تشمل المقام ، لأنّ الظاهر منها أيضا هو البناء على الأكثر وتتميم ما نقص بصلاة الاحتياط كي يحصل اليقين بالبراءة على كلّ واحد من التقديرين ، وفيما نحن فيه لا يمكن ذلك ، لأنّه على تقدير كونه في الواقع هو الأقلّ يمكن التدارك بصلاة الاحتياط وتحصيل اليقين بتفريغ الذمّة. وأمّا على تقدير كونه هو الأكثر تكون الصلاة باطلة ، ولم يرد دليل بالخصوص على عدم كون الزيادة على تقدير وقوعها مضرّة.

١٩٠

وأمّا استصحاب عدم تحقّق الزيادة على المقدار المعلوم وهو الاثنتين ففيه أوّلا : أنّه طرح الشارع إجراء الاستصحاب في باب الشكّ في عدد الركعات لحكمه بالبناء على الأكثر. وثانيا أنّ الاستصحاب لا يثبت أنّ ما أتمّه هي الركعة الثانية حتّى يتشهد فيها ، ولا الثاني من الركعتين التاليتين اللتين يأتي بهما بعد الاستصحاب أنّها الرابعة فيأتي فيها بالتشهد الأخير ، إلاّ على القول بالأصل المثبت.

مع أنّ صريح الأخبار أنّ ظرف التشهّد الأوّل هو بعد رفع الرأس عن السجدة الثانية في الركعة الثانية ، والتشهّد الثاني هو بعد رفع الرأس عن السجدة الثانية من الركعة الرابعة ، فلا طريق إلى تصحيح العمل وتفريغ ما في الذمّة بالاستصحاب ، فلا بدّ من الإعادة.

وهذا معنى كون الشكّ موجبا للبطلان.

فظهر أنّ مورد الخامس من الشكوك المبطلة أيضا خارج عن عموم هذه القاعدة ، وعلى هذا المنوال المورد السادس والسابع من موارد الشكوك المبطلة ـ أي الشكّ بين الثلاث والستّ أو الأزيد ، أو الشكّ بين الأربع والستّ أو الأزيد ـ يكونان خارجين عن عموم هذه القاعدة ، أي البناء على الأكثر.

أمّا المورد السادس فلعين ما ذكرنا في المورد الخامس حرفا بحرف.

وأمّا المورد السابع ـ أي : الشكّ بين الأربع والستّ أو الأزيد فقد قاسه بعضهم ـ وهو ابن أبي عقيل (١) ـ بالشكّ بين الأربع والخمس فقال بالصحّة قياسا على الشكّ بين الأربع والخمس.

ولكن أنت خبير بأنّ الصحّة هناك لدليل خاصّ لا يشمل المقام ، فإنّ قوله عليه‌السلام في صحيح عبد الله بن سنان ـ « إذا كنت لا تدري أربعا صلّيت أم خمسا فاسجد سجدتي‌

__________________

(١) « مختلف الشيعة » ج ٢ ، ص ٣٩٠.

١٩١

السهو بعد تسليمك » (١) ـ حكم خاصّ في موضوع خاصّ ، أي الشكّ بين الأربع والخمس ، فإسراء هذا الحكم إلى موضوع آخر وهو الشكّ بين الأربع والستّ يشبه القياس ، أو هو هو.

وأمّا كون المراد هو الشكّ بين ما هو تمام العدد الصحيح وما هو الزائد عليه ـ وذكر الخمس في الرواية من باب أحد المصاديق ـ دعوى بلا بيّنة ، بل خلاف ظاهر الرواية.

وأمّا التمسّك لصحّته باستصحاب عدم تحقّق الزائد على الأربع ، فقد بيّنّا أنّه لا يثبت أنّ ما أتمّه هي الركعة الرابعة ، إلاّ على القول بالأصل المثبت. مضافا إلى ما ذكرنا من أنّ الشارع لم يعتن بالاستصحاب في تعيين عدد ركعات الصلاة ، بل أسقطه عن الاعتبار بجعل البناء على الأكثر فيما إذا شكّ في أعداد الرباعيّة بعد إكمال الركعتين الأوّلتين.

وأمّا المورد الثامن من الشكوك المبطلة ـ وهو أن يكون شكّه بحيث لا يدري أنّه كم صلّى ـ فهو أيضا خارج عن عموم هذه الموثّقات ، للإجماع على بطلان الصلاة ولزوم الإعادة ، وللروايات المعتبرة الواردة في لزوم الإعادة إذا اتفق كون شكّه هكذا ، أي كان بحيث لا يدري أنّه كم صلّى ، واحدة أم اثنتين ، أم ثلاثا ، أم أربع.

منها : رواية صفوان عن أبي الحسن عليه‌السلام : « إن كنت لا تدري كم صلّيت ولم يقع ووهمك على شي‌ء فأعد الصلاة » (٢).

هذا ، مضافا إلى أنّ مرجع هذا الشكّ إلى عدم حفظ الأوليين ، وقد تقدّم أنّه يبطل الصلاة عند عدم حفظهما.

__________________

(١) « الكافي » ج ٣ ، ص ٣٥٥ ، باب من سها في الأربع والخمس ... ، ح ٣ ، « تهذيب الأحكام » ج ٢ ، ص ١٩٥ ، ح ٧٦٧ ، باب أحكام السهو في الصلاة ... ، ح ٦٨ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣١٤ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ٥ ، ح ٢ ، وباب ١٤ ، ح ١.

(٢) « الكافي » ج ٣ ، ص ٣٥٨ ، باب من شكّ في صلاته كلّها ... ، ح ١ ، « تهذيب الأحكام » ج ٢ ، ص ١٨٧ ، ح ٧٤٤ ، باب أحكام السهو في الصلاة ... ، ح ٤٥ ، « الاستبصار » ج ١ ، ص ٣٧٣ ، ح ١٤١٩ ، باب من شكّ فلم يدر صلّى ركعة أو اثنتين ... ، ح ٢ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٢٧ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ح ١.

١٩٢

وخلاصة الكلام أنّ جميع الصور الثمانية التي تكون للشكوك المبطلة خارج عن عموم هذه القاعدة ، وذلك من جهة أنّ أخبار البناء على الأكثر وردت في مقام علاج الشكّ في عدد الركعات ، فإذا كان الشكّ غير قابل للعلاج ـ ولا بدّ فيه من إعادة الصلاة ، أو جاء دليل خاصّ على بطلان الصلاة بشكّ ـ فيكون خارجا عن عموم هذه الموثّقات.

وقد عرفت ممّا ذكرنا أنّ الشكوك المبطلة لا تخلو من أحد هذين الأمرين : إمّا لا يمكن العلاج فيها ، وإمّا دلّ دليل خاصّ على بطلان الصلاة بها.

هذا حال الشكوك المبطلة.

وأمّا الشكوك التي لا اعتبار بها كشكّ كثير الشكّ ، وشكّ كلّ واحد من الإمام والمأموم مع حفظ الآخر ، والشكّ في النافلة ، والشكّ في صلاة الاحتياط ، فكلّها خارجة عن تحت هذه القاعدة وعموم هذه الموثّقات حكومة أو تخصيصا.

وأمّا الشكوك التسعة الصحيحة فكلّها مشمولة لهذه الموثّقات كما سنبيّن فيما سيأتي إنّ شاء تعالى.

الأمر الثاني : في أنّه عليه‌السلام بصدد علاج الشكّ‌ بقوله : « إذا سهوت فابن على الأكثر » أو قوله : « كلّما دخل عليك من الشكّ في صلاتك فاعمل على الأكثر ، فإذا انصرفت فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت » أو غيرهما ممّا هو بهذا المضمون.

ومعلوم أنّ هذا العلاج لا يتمّ فيما إذا كان الأكثر من طرفي الشكّ أو أطرافه زائدا على الأربع.

فإذا كان الشكّ في الرباعيّة قبل إكمال السجدتين من الركعة الثانية تكون الصلاة باطلة لما تقدّم ، وتكون هذه الصورة خارجة عن عموم هذه الأخبار لما تقدّم أيضا.

وأمّا إن كان بعد تماميّة الركعتين وسلامتهما ، فلو كان أحد طرفي الشكّ أو أحد أطرافه زائدا على الأربع ، فالصلاة أيضا باطلة ، لعدم تطرّق هذا العلاج وليس‌

١٩٣

علاج آخر.

نعم في خصوص الشكّ بين الأربع والخمس بعد إكمال السجدتين جاء الدليل على الصحة بالبناء على الأقلّ الذي هو الأربع ـ وسجدتي السهو للزيادة المحتملة ـ أو كان هذا الشك في حال القيام حتّى بهدمه يرجع الشكّ إلى الثلاث والأربع كي لا يكون البناء على الأكثر مبطلا ، وهذا يجري في كلّ مورد كان طرف الأكثر هو الخمس وكان في حال القيام كي يرجع بالهدم إلى الأقلّ من الأربع والأربع ، فيمكن تطرّق هذا العلاج فتشمله هذه الأخبار.

الأمر الثالث : في صور الشكّ في الرباعيّة ، وهو على قسمين : مركّب وبسيط.

والمراد بالشكّ البسيط هو أن يكون للشكّ طرفان فقط : الأقلّ والأكثر ، كالشكّ بين الاثنين والأربع ، أو الثلاث والأربع.

والمراد بالمركّب هو أن يكون أطراف الشكّ أكثر من الاثنين ، كالشكّ بين الاثنين والثلاث والأربع.

وفي كلّ واحد من القسمين ـ أي البسيط والمركّب ـ إمّا أن لا يكون طرف الأكثر أكثر من الأربع أو يكون ، والقسم الثالث هو أن يكون كلا طرفي الشكّ أكثر من الأربع.

وإن شئت قلت : تارة لا يكون كلا طرفي الشكّ أكثر من الأربع. وأخرى يكون كلاهما أكثر من الأربع. وثالثة يكون أحد طرفيه أكثر دون الآخر.

أمّا الأوّل كالشكّ بين الثلاث والأربع. وأمّا الثاني كالشكّ بين الخمس والستّ.

وأمّا الثالث كالشكّ بين الأربع والخمس.

فمجموع الأقسام يصير ستّة : اثنان منها البسيط والمركب في نفس الرباعيّة ، بمعنى أنّ طرف الأكثر ليس زائدا على الأربعة ، أو كلاهما ـ أي طرفا الشكّ في البسيط والمركب ـ في الزائد على الأربعة ، أو كلاهما ـ أي البسيط والمركب ـ فيما إذا كان أحد‌

١٩٤

طرفي الشكّ في الأربعة والطرف الآخر في الزائد عليها.

أمّا القسم الأوّل ، أي الشكّ البسيط في نفس الأربعة صورة ثلاث : وهي الشكّ بين الاثنين والثلاث ، والشكّ بين الاثنين والأربع ، والشكّ بين الثلاث والأربع.

أمّا القسم الثاني ، أي : الشكّ المركّب في نفس الأربعة فصورة واحدة ، وهي الشكّ بين الاثنين والثلاث والأربع.

فهذه أربع صور للشكّ البسيط والمركب في نفس الأربعة ، أي ليس طرف الأكثر زائدا على الأربعة.

وأمّا القسم الثالث ، أي الشكّ البسيط فيما إذا كان طرفا الشكّ زائدا على الأربعة ، كالشكّ بين الخمس والستّ.

وأمّا القسم الرابع ، أي الشكّ المركّب في الزائد على الأربعة بحيث تكون أطراف الشكّ زائدة على الأربعة ، كالشكّ بين الخمس والستّ والسبع.

وأمّا القسم الخامس ، أي الشكّ البسيط بحيث يكون أحد طرفيه في الأربعة والطرف الآخر فيما زاد عليها ، كالشكّ بين الأربع والخمس.

وأمّا القسم السادس ، أي الشكّ المركّب فيما إذا كان طرف الأقلّ داخلا في الأربعة وطرف الأكثر زائدا عليها ، كالشكّ بين الثلاث والأربع والخمس ، أو بين الأربع والخمس والستّ.

إذا عرفت هذا فنقول :

أمّا حكم القسم الأوّل والثاني أي تلك الصور الأربع فواضح ، أي يجب البناء على الأكثر وتتميم ما يحتمل نقصه بصلاة الاحتياط ، كما هو صريح موثّقات عمّار.

١٩٥

نعم هاهنا أمران يجب أن يذكر :

[ الأمر ] الأوّل : أنّ مقتضى قوله عليه‌السلام ـ « فابن على الأكثر » لو لم يكن قوله عليه‌السلام : « فإذا سلّمت فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت » ـ هو المضي وعدم وجوب صلاة الاحتياط لأنّ معنى البناء على الأكثر عدم الاعتناء باحتمال الأقلّ عملا ، بل يجب عليه أن يجعل عمله على طبق احتمال الأكثر.

لست أقول إنّه ـ أي البناء على الأكثر ـ أمارة ومن باب تتميم الكشف ، لأنّ الشكّ مأخوذ في موضوعه ، ومثل ذلك لا يمكن أن يكون أمارة ، لأنّ مفاد الأمارة إلغاء الشكّ ، والموضوع لا بدّ وأن يكون محفوظا حتّى يأتي الحكم ، وتخلّفه عن الموضوع خلف محال ، بل ولا نقول بأنّه من الأصول المحرزة ، لأنّ الأصل المحرز عبارة عن لزوم العمل على طبق أحد طرفي الشكّ عمل المتيقن به ولذلك يكون حاكما على الأصل غير المحرز لرفع موضوعه به تعبّدا ، وليس في أخبار الباب ما يدلّ على أنّ العمل بالأكثر والبناء عليه باعتبار أنّه عمل المتيقّن بالأكثر.

وعلى كلّ حال فيكون معنى البناء على الأكثر ترتيب آثار الأكثر شرعا من حيث العمل ، ومن آثار الأكثر أنّه ليس عليه شي‌ء ، لا صلاة الاحتياط ولا غيرها ، فتشريع صلاة الاحتياط بملاحظة احتمال الأقلّ وتداركه ، ولذلك ربما يقال بأنّ جعل صلاة الاحتياط مرجعه إلى البناء على الأقلّ لا البناء على الأكثر ، وقوله عليه‌السلام « ابن على الأكثر » يكون باعتبار تصحيح محلّ التشهّد والتسليم ، وإلاّ فبحسب أصل كمّيّة صلاة الفريضة يكون البناء على الأقلّ.

ولذلك قال بعضهم : إنّ البناء على الأكثر في الصلاة ليس مخالفا للاستصحاب ، بل وجوب صلاة الاحتياط يكون نتيجة استصحاب عدم إتيان ما يحتمل عدم إتيانه ، وإلاّ لم يكن وجه لوجوب الإتيان بصلاة الاحتياط.

الأمر الثاني : في أنّ طرف الأقلّ من الشكّ في الرباعيّة إذا كان الاثنتين لا بدّ وأن‌

١٩٦

يكون بعد إكمال السجدتين من الركعة الثانية ، لما تقدّم من دلالة الروايات على لزوم حفظ الأوليين بتمامهما وكمالهما ، وأنّ الشكّ في أي جزء منهما ما لم يكن دليل شرعي أو عقلي على تماميّتهما مبطل للصلاة ، فيقع الكلام في أنّه ما المدار في إكمال السجدتين؟ هل هو الدخول في السجدة الثانية مع الاستقرار فيها ، أو بعد الإتيان بذكر الواجب فيها ، أو بعد رفع الرأس عنها؟ ونسب الأخير إلى المشهور.

ولكنّ الظاهر أنّ المدار في إكمالها هو الإتيان بالذكر الواجب في السجدة الثانية من الركعة الثانية ، وذلك من جهة أنّ وجود المركّب بوجود تمام أجزائه ، فإذا وجد الجزء الأخير منه مع كونه مسبوقا بوجود سائر الأجزاء في المركّب التدريجي الوجود يصدق أنّه وجد بتمامه وكماله ، وأمّا الخروج عنه فليس جزء له كما هو واضح.

ومعلوم أنّ الركعة عبارة عن القيام والذكر الواجب فيه من القراءة أو التسبيح والركوع والسجدتين ، فإذا وجد هذه الأمور فقد وجد الركعة بتمامها واحتمال أن يكون رفع الرأس من السجدة الثانية أيضا جزء للركعة بعيد بل مقطوع العدم ، لعدم الدليل عليه وإنما هو مقدّمة للدخول في الركعة التي بعدها ، أو للتشهد والتسليم.

الجهة الثالثة

في موارد تطبيق هذه القاعدة‌

فنقول :

إذا عرفت هذه الأمور فلنرجع إلى التكلّم في الشكوك الأربعة للقسم الأوّل والثاني ، أي الشكّ البسيط والمركّب ، من الشكّ في نفس الرباعيّة من دون أن يكون طرف الأكثر زائدا على الأربعة.

[ الصورة ] الأولى : أي الشك بين الاثنتين والثلاث بعد إكمال السجدتين‌ فهو يبنى على الثلاث على المشهور ، بل ادّعى عليه الإجماع ، بل عن الأمالي : أنّه من دين‌

١٩٧

الإماميّة (١).

والدليل عليه هي الموثّقات العمّار الثلاث التي تقدّمت (٢).

هذا هو الحكم الأوّل في هذا الشكّ والحكم الثاني هو الإتيان بصلاة الاحتياط ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس بعد إتمام صلاته ، أي بعد إتيان الرابعة والتشهّد والتسليم.

والدليل على وجوب صلاة الاحتياط قبل الإجماع ـ لما قلنا مكررا من أنّ الإجماع في أمثال هذه الموارد ممّا لها مدرك من الأخبار الصحيحة المعمول بها عند الأصحاب لا وجه له ـ هو ذيل الموثقات الثلاث للعمّار ، أي قوله عليه‌السلام : « فإذا انصرفت فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت » ، وما هو بمضمونه في الموثّقتين الأخيرين ، فإنّ ذيل هذه الموثّقات صريح في أنّ إتمام مظنون النقصان إنّما هو بعد الفراغ من الصلاة والانصراف عنها ، فيكون بصلاة مستقلّ وهو الذي نسمّيه بصلاة الاحتياط.

ثمَّ إنّ هاهنا أمران :

[ الأمر ] الأول : إنّ في هذه المسألة أقوال أخر : البناء على الأقل وهو المحكي عن الصدوق محمّد بن عليّ بن بابويه في الفقيه (٣) ، والتخيير بين البناء على الأقلّ والأكثر وهو المحكي عن والده علي بن بابويه (٤) ، والإعادة وهو المحكي عن المقنع (٥). ومنشأ هذه الأقوال هو اختلاف الأخبار الواردة في هذا المقام ، فلنذكرها كي نرى ما هو المحصّل منها ، فنقول :

__________________

(١) « أمالي الصدوق » ص ٥١٣.

(٢) تقدّم في ص ١٨٣ و ١٨٤.

(٣) حكى عنه في « مدارك الأحكام » ج ٤ ، ص ٢٥٦.

(٤) « فقه الرضا » ص ١١٧ ـ ١١٨.

(٥) « المقنع » ص ١٠١.

١٩٨

منها : مصحّح زرارة ـ أو حسنته ـ عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : قلت له : رجل لا يدري واحدة صلّى أم اثنتين؟ قال : « يعيد ». قلت : رجل لم يدر اثنتين صلّى أم ثلاثا؟ قال : « إن دخله الشكّ بعد دخوله في الثالثة مضى في الثالثة ثمَّ صلّى الأخرى ولا شي‌ء عليه ويسلّم » (١).

فربما يقال : بأنّ هذه الرواية دليل على قول الصدوق قدس سرّه أي البناء على الأقلّ ، وذلك من جهة أنّ قوله عليه‌السلام « مضى في الثالثة ثمَّ صلّى الأخرى » معناه أنّ ما أتى به هو اثنين ، وهذا الذي بيده هو الثالثة ويصلّى الأخرى ، أي الركعة الرابعة الباقية متّصلة ويسلّم ولا شي‌ء عليه ، لا الإعادة ولا صلاة الاحتياط ، وهذا هو البناء على الأقلّ.

وبعبارة أخرى : ظاهرها أنّ الركعة التي يشكّ في أنّها الثانية أو الثالثة هي التي فرغ عنها ودخل في الثالثة ، فالأمر بالمضي في الثالثة وقوله عليه‌السلام بعد ذلك « ثمَّ صلّى الأخرى ـ أي الرابعة ـ ويسلّم » صريح في أنّه أمر بالبناء على أنّ الركعة المشكوكة التي فرغ عنها بالدخول في الثالثة هي الثانية ، وهذا هو البناء على الأقلّ ، فيخصّص بها موثّقات عمّار المتقدّمة ، لأنّها أخصّ منها. والنتيجة هي قول الصدوق قدس سرّه أي البناء على الأقلّ.

هذا أحد الاحتمالين في الرواية الذي موافق لما نسب إلى الصدوق وحكي أيضا عن السيّد ـ قدّس سرهما ـ في المسائل الناصريات (٢).

والاحتمال الآخر ـ الذي موافق لمذهب المشهور ، أي : البناء على الأكثر وأصرّ عليه صاحب الحدائق (٣) واستظهره من هذه الرواية ـ هو أن يكون اللام في قوله « إن‌

__________________

(١) « الكافي » ج ٣ ، ص ٣٥٠ ، باب السهو في الركعتين الأوّلتين ، ح ٣ ، « تهذيب الأحكام » ج ٢ ، ص ١٩٢ ، ح ٧٥٩ ، باب أحكام السهو في الصلاة ... ، ح ٦٠ ، « الاستبصار » ج ١ ، ص ٣٧٥ ، ح ١٤٢٣ ، باب من شكّ فلا يدري صلّى اثنتين أو ثلاثا ، ح ١ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٠٠ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ١ ، ح ٦ ، وباب ٩ ، ح ١.

(٢) « الناصريات » ضمن الجوامع الفقهيّة ، ص ٢٣٧.

(٣) « الحدائق الناضرة » ج ٩ ، ص ٢١٢.

١٩٩

دخله الشكّ » للعهد ، أي الشكّ المسؤول عنه إن عرض له بعد الدخول في الثالثة ، أي الركعة التي قطعا ليس أقلّ من الثالثة ، وإن كان من المحتمل أن تكون هي الرابعة.

وقوله عليه‌السلام بعد ذلك « مضى في الثالثة » أي ، يمضي في صلاته مع بنائه على أنّ تلك الركعة المشكوكة المحتملة أن تكون الثانية أو تكون الثالثة هي الثالثة ، فتكون الركعة التي بيده هي الرابعة فيكون المراد بقوله « ثمَّ صلّى الأخرى » هو أن يأتي بركعة منفصلة ، أعني صلاة الاحتياط ، وبعد أن أتم ما ظنّ نقصه بصلاة الاحتياط يسلّم. وهذا كما ترى هو البناء على الأكثر في الركعة المشكوكة.

وممّا يؤيّد أنّ المراد بقوله عليه‌السلام « ثمَّ صلّى الأخرى » هي الركعة المنفصلة لا الموصولة هي كلمة « ثمَّ » التي للترتيب بانفصال ، وإلاّ لو كان المراد هي الركعة الموصولة لكان ينبغي أن يقول عليه‌السلام « مضى في الثالثة ويصلي الأخرى » بالواو لا بثمّ.

ثمَّ إنّه على تقدير أن لا يكون هذا الاحتمال أظهر من الاحتمال الأوّل لكن يكون موجبا لإجمال الرواية ، فلا يكون دليل على البناء على الأقلّ كما توهّم.

ولكن الإنصاف أنّ الاحتمال الأوّل ـ أي كون الأمر بالمضي في الثالثة بمعنى أنّه يبنى على أنّ ما بيده الذي هو كان ظرف وجود الشك في أنّ الركعة التي خرج منه ودخل في الثالثة هل هي الثانية أو الثالثة هي الثالثة ـ أظهر ، وذلك من جهة ظهور قوله عليه‌السلام « ثمَّ صلّى الأخرى ولا شي‌ء عليه ويسلّم » في الركعة الموصولة.

ويؤيّد هذا الظهور وقوع « يسلّم » بعد هذه الجملة ، ولو كان المراد هي الركعة المنفصلة وصلاة الاحتياط كان ينبغي أن يقدّم هذه الكلمة ويقول « يسلّم ثمَّ صلّى الأخرى ».

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ هذا التعبير منه عليه‌السلام إيهام إلى البناء على الأقلّ تقيّة ، وفي أخبار الباب يوجد كثيرا مثل هذا الخبر ممّا ظاهرها يوهم البناء على الأقلّ وظاهر عليها أمارات التقيّة والتورية ، وقد أشرنا إليها في بعض روايات باب الاستصحاب.

٢٠٠