القواعد الفقهيّة - ج ١

آية الله السيّد محمّد حسن البجنوردي

القواعد الفقهيّة - ج ١

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد حسن البجنوردي


المحقق: مهدي المهريزي
الموضوع : الفقه
الناشر: نشر الهادي
المطبعة: مؤسسة الهادي
الطبعة: ١
ISBN: 964-400-030-7
ISBN الدورة:
964-400-030-7

الصفحات: ٣٨٤

نقض صلاته وعليه الإعادة ، فإن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا شي‌ء عليه وقد تمّت صلاته » (١).

والضابط الكلّي في نسيان الواجبات في حال الإتيان بأجزاء الصلاة أنّها إن كانت شرطا لتحقّق ذلك الجزء ، فحيث أنّ بنسيانها ينعدم ذلك الجزء ـ لأنّه بانعدام الشرط ينعدم المشروط ـ فيكون حال نسيان ذلك الواجب في حال إتيان ذلك الجزء حال نسيان نفس ذلك الجزء ، فإن كان قبل تجاوز محلّ ذلك الجزء يتدارك بالإعادة ، وإلاّ فتكون صلاته باطلة لو كان المنسي ركنا ؛ لما ذكرنا من لزوم أحد المحذورين. وأمّا لو لم يكن المنسي ركنا فلا تبطل الصلاة ، بل تجب سجدة السهو لكلّ نقيصة على التفصيل المتقدّم ، وفي خصوص نسيان التشهّد والسجدة الواحدة مضافا إلى سجدتي السهو يجب قضائهما أيضا.

أمّا في التشهّد فلصحيح محمّد عن أحدهما عليهما‌السلام في الرجل يفرغ من صلاته وقد نسي التشهّد حتّى ينصرف ، فقال عليه‌السلام : « إن كان قريبا رجع إلى مكانه فتشهّد ، وإلاّ طلب مكانا نظيفا فتشهد فيه » (٢).

وخبر عليّ بن أبي حمزة ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إذا قمت في الركعتين الأوّلتين ولم تتشهّد فذكرت قبل أن تركع فاقعد وتشهّد ، وإن لم تذكر حتّى تركع فامض في صلاتك كما أنت ، فإذا انصرفت سجدت سجدتين لا ركوع فيهما ، ثمَّ تشهّد التشهّد الذي فاتك » (٣).

__________________

(١) « الفقيه » ج ١ ، ص ٣٤٤ ، باب أحكام السهو والشكّ ، ح ١٠٠٣ ؛ « تهذيب الأحكام » ج ٢ ، ص ١٦٢ ، ح ٦٣٥ ، باب تفصيل ما تقدّم ذكره. ، ح ٩٣ ؛ « الاستبصار » ج ١ ، ص ٣١٣ ، ح ١١٦٣ ، باب وجوب الجهر بالقراءة ، ح ١ ؛ « وسائل الشيعة » ج ٤ ، ص ٧٦٦ ، أبواب القراءة في الصلاة ، باب ٢٦ ، ح ١.

(٢) « تهذيب الأحكام » ج ٢ ، ص ١٥٧ ، ح ٦١٧ ، باب تفصيل ما تقدّم ذكره. ، ح ٧٥ ؛ « وسائل الشيعة » ج ٤ ، ص ٩٩٥ ، أبواب التشهّد ، باب ٧ ، ح ٢.

(٣) « الكافي » ج ٣ ، ص ٣٥٧ ، باب من تكلّم في صلاته أو انصرف. ، ح ٧ ؛ « تهذيب الأحكام » ج ٢ ، ص ٣٤٤ ، ح ١٤٣٠ ، باب أحكام السهو ، ح ١٨ ؛ « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٤١ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ٢٦ ، ح ٢.

١٢١

وأما قضاء السجدة الواحدة فيدلّ عليها صحيح ابن جابر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتّى قام فذكر ـ وهو قائم ـ أنّه لم يسجد ، قال عليه‌السلام : « فليسجد ما لم يركع ، فإذا ركع فذكر بعد ركوعه أنّه لم يسجد فليمض على صلاته حتّى يسلم ثمَّ يسجدها ، فإنّها قضاء » (١).

هناك تفاصيل في المسألة ومعارضات لهذا الخبر وما يشابهه من الحكم بقضاء السجدة إن تجاوز عن محلّ تداركها إمّا بالدخول في الركن الذي واقع بعدها ، وإمّا أن يكون تذكره بعد إتيان السّلام الواجب. ولكن محلّ هذه التفاصيل والنقض والإبرام فيها هو باب الخلل في كتاب الصلاة.

وأمّا إن كانت تلك الواجبات في حال الاشتغال بالأجزاء شرطا لأصل الصلاة لا لتلك الأجزاء ، فالتجاوز عن محلّها وعدم إمكان تداركها بالتجاوز عن نفس ذلك الجزء ، لأنّ ذلك الجزء يقع صحيحا بعد ما لم يكن مشروطا بوجود ذلك الواجب ، فلا يبقى محلّ لتدارك ذلك الواجب ؛ لأنّه مع إعادة ذلك الجزء تلزم الزيادة العمديّة ، ومع عدم إعادته يبقى المظروف بلا ظرف.

فإن كان ذلك الواجب من الأركان كالقيام حال تكبيرة الإحرام تبطل الصلاة لو نسيه ، ولا يشمله حديث « لا تعاد » من جهة تخصيص عقد المستثنى منه فيه بأدلّة ركنيّة القيام في حال تكبيرة الإحرام.

وأمّا إن لم يكن من الأركان كذكر الواجب في الركوع مثلا ، وكنسيان القيام حال القراءة ، أو الطمأنينة حال الأجزاء والأذكار كالطمأنينة حال التشهّد والسجود وغير ذلك ، فإذا نسيها وفات محلّ تداركها على الفرض ، أي بناء على كون هذه الأشياء شرطا للصلاة لا لنفس الجزء فحيث أنّه أتى بالجزء صحيحا فات محلّ تدارك ذلك‌

__________________

(١) « تهذيب الأحكام » ج ٢ ، ص ١٥٣ ، ح ٦٠٢ ، باب تفصيل ما تقدّم ذكره في الصلاة ، ح ٦٠ ؛ « الاستبصار » ج ١ ، ص ٣٥٩ ، ح ١٣٦١ ، باب من ترك سجدة ، ح ٢ ؛ « وسائل الشيعة » ج ٤ ، ص ٩٦٨ ، أبواب السجود ، باب ١٤ ، ح ١.

١٢٢

الواجب.

فعدم بطلان الصلاة بنسيان الواجبات حال الأجزاء متوقّف على أمرين :

أحدهما أن لا يكون ذلك الواجب ركنا ، كالقيام المتّصل بالركوع ، وكالقيام حال تكبيرة الإحرام.

وثانيهما : أن يكون شرطا للصلاة ويكون ظرف إتيانه حال الاشتغال بذلك الجزء لا شرطا لنفس الجزء ، فحينئذ لا يجوز اعادة ذلك الجزء وتكون صلاته صحيحة ، وإلاّ لو كان ذلك الواجب ركنا ولم يكن شرطا لتحقّق ذلك الجزء كالقيام حال التكبيرة فالصلاة باطلة على كلّ حال. وكذلك لو كان شرطا لنفس الجزء ولم يعد ذلك الجزء تكون صلاته باطلة.

نعم لو لم يفت محلّ تدارك ذلك الجزء : بأن لم يدخل بعد في الركن المتأخّر عنه ، أو لم يسلم سلام الواجب يجب عليه إتيان ذلك الجزء مع ذلك الواجب ، وتكون صلاته صحيحة.

وأنت تقدر بعد التأمّل فيما ذكرنا استخراج جميع فروع الخلل ، فلا حاجة إلى تطويل المقام.

وأمّا لو كان المنسي هو السّلام الواجب فإن تذكر قبل الإتيان بما هو مناف مطلقا ، سواء صدر عمدا أو سهوا فيأتي به ويتمّ صلاته.

وأمّا إن تذكر بعد إتيان ذلك المنافي المذكور فالتدارك لا يمكن ؛ لأنّ المفروض بطلان الصلاة بوجود المنافي المذكور ، لأنّه لا يخلو الحال من أحد أمرين : إمّا أن وقع هذا المنافي في الصلاة فيبطل الصلاة ، فإتيان السّلام المنسي وتداركه بعد بطلان الصلاة لا معنى له. وإمّا أن وقع في خارج الصلاة ، مع أنّه خلاف المفروض أيضا لا معنى لتدارك السّلام ؛ لأنّه في خارج الصلاة. ولكن مع عدم إمكان تداركه وعدم دخوله في عقد المستثنى لا تشمله صحيحة « لا تعاد » وذلك لما قلنا مرارا إنّ مفاد الصحيحة عدم‌

١٢٣

وجوب إعادة الصلاة بالنسبة إلى الأجزاء والشرائط التي سها المصلّي عنها إذا لم يكن من الخمسة المستثناة ، وكانت بحيث لو لم تكن هذه الصحيحة كان يجب الإعادة وكان بطلان الصلاة مستندا إليها.

وأمّا فيما نحن فيه فليس الأمر كذلك ؛ لأنّ البطلان ليس مستندا إلى ترك التسليم بل إلى وجود ذلك المنافي ، وإلاّ كان التدارك ممكنا وكان يجب عليه التسليم ، وهو خلاف المفروض أي وجود المنافي المطلق أي سواء كان عمدا أو سهوا.

وبعبارة أخرى : نسيان التسليم بمحض وقوعه لا يوجب سقوطه عن الجزئيّة بحديث « لا تعاد » قطعا ، ولذا لو تذكر قبل وجود المنافي المطلق أي سواء كان عمدا أو سهوا يجب عليه أدائه ، فلا يكون موردا لشمول حديث « لا تعاد » إلاّ بعد وجود ذلك المنافي.

وقد عرفت أنّ بعد وجود المنافي أيضا لا يشمله ؛ لما ذكرنا من أنّ معنى الحديث هو أنّ الجزء أو الشرط الذي نسي عنه الذي كان كلّ واحد منهما كان موجبا للإعادة لنسيانه بحيث تكون الإعادة معلولة لنسيانه فلا تجب الإعادة ، فتكون جزئيّة ذلك الجزء وشرطيّة ذلك الشرط ساقطة لكن موضوع الحكم بسقوطهما نسيان المتّصف بكذا ، أي النسيان الذي لو لا « لا تعاد » كان موجبا للإعادة وبطلان الصلاة ، فبلا تعاد يرتفع البطلان ووجوب الإعادة.

وفيما نحن فيه من الواضح الجليّ أنّه لو لم يكن « لا تعاد » أصلا في البين لم يكن البطلان مستندا إلى التسليم ، بل كان مستندا إلى الحدث ؛ لوقوعه في أثناء الصلاة قطعا ، فاستناد البطلان إلى نسيان التسليم لو لا « لا تعاد » متوقف على شمول « لا تعاد » لهذا المورد حتّى لا يكون التسليم جزءا ، فلا يكون البطلان ووجوب الإعادة مستندا إلى الحدث لعدم وقوعه في الأثناء لنفي الجزئيّة ، وإلاّ فبدون جريان « لا تعاد » وعدم شموله للمورد يكون السّلام جزءا ويكون الحدث واقعا في الأثناء ، فيكون البطلان‌

١٢٤

مستندا إليه.

فظهر من مجموع ما ذكرنا : أنّ شمول « لا تعاد » لنسيان التسليم ، والحكم بعدم وجوب الإعادة في مورده متوقف على أن يكون بطلان الصلاة ووجوب الإعادة مستندا إليه ، لا إلى الحدث لو لا « لا تعاد » ، واستناد البطلان ووجوب الإعادة إليه لا إلى الحدث متوقف على شمول « لا تعاد » للمورد ، وهذا دور واضح.

وإن شئت عبّر بأنّ شمول « لا تعاد » للمورد موقوف على شموله للمورد.

وحاصل الكلام في المقام : أنّ صرف نسيان الجزء أو الشرط بمحض وجوده وتحقّقه لا يوجب سقوط الجزئيّة والشرطيّة عن المنسي بواسطة حديث « لا تعاد » ، وإلاّ لو صار متذكّرا قبل التجاوز عن محلّه لم يكن التدارك واجبا ، مع أنّه ليس كذلك قطعا ولا يمكن الالتزام به ، فشمول الحديث في المفروض متوقف على مجي‌ء المبطل حتّى لا يمكن التدارك ، وإلاّ يجب أن يسلم ويتدارك ، ومع مجي‌ء المبطل ـ أي الحدث ـ وإن كان التدارك لا يمكن وقد تجاوز عن محلّ التدارك ولكن لا يبقى محلّ لمجي‌ء قاعدة « لا تعاد » ؛ لأنّ مفاد قاعدة « لا تعاد » تصحيح العمل وسقوط الإعادة وعدم وجوبها.

وفيما نحن فيه لا يمكن ذلك ؛ لأنّ شمول قاعدة « لا تعاد » موقوف على بطلان العمل ، فيرجع إلى أنّ صحّة العمل متوقف على بطلان العمل ، وهذا ممّا ينبغي أن يضحك عليه لا أن يصغى إليه.

نعم وردت هاهنا أخبار تدلّ على صحّة الصلاة إذا نسي السّلام وأحدث فلعلّ من يفتي بصحّة الصلاة نظره إلى هذه الأخبار ، لا إلى قاعدة « لا تعاد » لما ذكرنا من عدم صحّة التمسّك بها في هذه الصورة ، أي في نسيان السّلام.

وهذه الأخبار هي :

منها : ما في صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، سأله عن الرجل يصلّي ثمَّ‌

١٢٥

يجلس فيحدث قبل أن يسلم ، قال عليه‌السلام : « تمّت صلاته » (١).

ومنها : خبر حسن بن جهم قال : سألته ـ يعني أبا الحسن عليه‌السلام ـ عن رجل صلّى بالظهر أو العصر فأحدث حين جلس في الرابعة ، قال عليه‌السلام : « إن كان قال : أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأشهد أنّ محمّدا رسول الله فلا يعد ، وإن كان لم يتشهّد قبل أن يحدث فليعد » (٢).

ومنها : صحيح الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « إذا التفت في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا ، وإن كنت قد تشهّدت فلا تعد » (٣).

ومنها : موثّق غالب بن عثمان عنه عليه‌السلام عن الرجل يصلّي المكتوبة فيقضي صلاته ويتشهّد ثمَّ ينام قبل أن يسلم ، قال عليه‌السلام : « تمّت صلاته وإن كان رعافا فأغسله ثمَّ ارجع فسلّم » (٤) إلى غير ذلك من الأخبار الواردة بهذا المضمون.

ولكن أنت خبير بأنّ ظاهر هذا الأخبار عدم جزئيّة السّلام إمّا مطلقا وإمّا في حال عدم الاختيار والاضطرار إلى وجود المنافي والمبطل ، فلا ربط لها بمسألة نسيان السّلام بعد الفراغ عن جزئيّته ، فيكون معرضا عنها عند المشهور فتسقط عن الحجيّة. وأمّا عدم مبطليّة الحدث لو صدر اضطرارا كما ذهب إليه بعض وهذا القول شاذ لا ينبغي الالتفات إليه.

__________________

(١) « تهذيب الأحكام » ج ٢ ، ص ٣٢٠ ، ح ١٣٠٦ ، باب كيفية الصلاة وصفتها ، ح ١٦٢ ؛ « الاستبصار » ج ١ ، ص ٣٤٥ ، ح ١٣٠١ ، باب أنّ التسليم ليس بفرض ، ح ١ ؛ « وسائل الشيعة » ج ٤ ، ص ١٠١١ ، أبواب التسليم ، باب ٣ ، ح ٢.

(٢) « تهذيب الأحكام » ج ١ ، ص ٢٠٥ ، ح ٥٩٦ ، باب التيمّم وأحكامه ، ح ٧٠ ؛ وج ٢ ، ص ٣٥٤ ، ح ١٤٦٧ ، باب أحكام السهو ، ح ٥٥ ؛ « الاستبصار » ج ١ ، ص ٤٠١ ، ح ١٥٣١ ، باب أنّ البول والغائط والريح يقطع الصلاة ... ، ح ٢ ؛ « وسائل الشيعة » ج ٤ ، ص ١٢٤١ ، أبواب قواطع الصلاة ، باب ١ ، ح ٦.

(٣) « تهذيب الأحكام » ج ٢ ، ص ٣٢٣ ، ح ١٣٢٢ ، باب كيفيّة الصلاة وصفتها ، ح ١٧٩ ؛ « الاستبصار » ج ١ ، ص ٤٠٥ ، ح ١٥٤٧ ، باب الالتفات في الصلاة ، ح ٥ ؛ « وسائل الشيعة » ج ٤ ، ص ١٠١١ ، أبواب التسليم ، باب ٣ ، ح ٤.

(٤) « تهذيب الأحكام » ج ٢ ، ص ٣١٩ ، ح ١٣٠٤ ، باب كيفيّة الصلاة ، ح ١٦٠ ؛ « وسائل الشيعة » ج ٤ ، ص ١٠٢١ ، أبواب التسليم ، باب ١٣ ، ح ٦.

١٢٦

واحتمل بعض صدور هذه الروايات ـ وأمثالها ممّا تدلّ على عدم بطلان الصلاة بوقوع الحدث قبل التسليم في صورة نسيان التسليم ـ وخروجها مخرج التقيّة.

قال صاحب الجواهر قدس‌سره ذكرنا هناك ـ أي في أوّل مبحث القواطع في أوّل الخاتمة ـ ما يقتضي القطع ببطلان الصلاة بذلك ، وأنّ هذه النصوص وما شابهها مع تعارضها في نفسها واحتمالها احتمالات متعدّدة قد خرجت مخرج التقيّة (١).

هذا كلّه كان في نقصان الصلاة من حيث ترك جزء ، أو شرط ، أو إتيان مانع ممّا عدا الأركان سهوا.

وأمّا الزيادة فيها فان كان من الخمسة المستثناة فتجب الإعادة ؛ لما ذكرنا من شمول حديث « لا تعاد » الخلل الواقع من ناحية الزيادة مثل النقيصة ، وأمّا إن كان من غير الأركان فعقد المستثنى منه من هذا الحديث يدلّ على عدم البطلان ويكون مخصّصا للعمومات التي تدلّ على بطلان الصلاة بالزيادة مطلقا ، عمدا كان أو سهوا ، وتخرج الزيادة السهويّة في غير الأركان عن تحتها ، فيقيّد به إطلاق قول الباقر عليه‌السلام « إذا استيقن أنّه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد بها » (٢). وقول الصادق عليه‌السلام « من زاد في صلاته فعليه الإعادة ». (٣)

والحمد لله أولا وآخرا ، والصلاة والسّلام على

سيّدنا محمّد وأهل بيته الطيّبين الطاهرين المعصومين.

__________________

(١) « جواهر الكلام » ج ١٢ ، ص ٢٧٢.

(٢) « تهذيب الأحكام » ج ٢ ، ص ١٩٤ ، ح ٧٦٣ ، باب أحكام السهو في الصلاة ، ح ٦٤ ؛ « الاستبصار » ج ١ ، ص ٣٧٦ ، ح ١٤٢٨ ، باب من تيقّن أنّه زاد في الصلاة ، ح ١ ؛ « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٣٢ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ١٩ ، ح ١.

(٣) « الكافي » ج ٣ ، ص ٣٥٥ ، باب من سها في الأربع والخمس ولم يدر. ، ح ٥ ؛ « تهذيب الأحكام » ج ٢ ، ص ١٩٤ ، ح ٧٦٤ ، باب أحكام السهو في الصلاة ، ح ٦٥ ؛ « الاستبصار » ج ١ ، ص ٣٧٦ ، ح ١٤٢٩ ، باب من تيقّن أنّه زاد في الصلاة ، ح ٢ ؛ « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٣٢ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ١٩ ، ح ٢.

١٢٧
١٢٨

٦ ـ قاعدة

اليد‌

١٢٩
١٣٠

قاعدة اليد (*)

ومن جملة القواعد الفقهيّة « قاعدة اليد ».

وفيها جهات من الكلام :

الأولى : في أنّها ليست من المسائل الأصوليّة ، بل هي قاعدة فقهيّة.

الثانية : في أنّه ما المراد من كلمة « اليد »؟

الثالثة : في بيان دليل اعتبارها.

الرابعة : في أنّها من الأمارات أو من الأصول التنزيلية؟ وأمّا احتمال كونها من الأصول غير التنزيليّة فساقط جدّا.

الخامسة : في مقدار سعة دلالتها وهل أنّها مخصوصة بإثبات الملكيّة لذي اليد بالنسبة إلى فيما تحت يده ، أو عامّ تشمل أشياء أخر كالتولية فيما هو وقف وتحت يده ، والزوجيّة للمرأة التي تحت يده ، والولديّة للطفل الذي تحت يده ، وهكذا إلى غير ذلك من التوسعة في اعتبارها؟

__________________

(*) « القواعد والفوائد » ج ٢ ، ص ١٩٠ ؛ « الأقطاب الفقهية » قطب ٤٤ ؛ « الحق المبين » ص ٨٦ ؛ « عوائد الأيام » ص ٢٥٤ ؛ « عناوين الأصول » عنوان ٥٧ ؛ « خزائن الاحكام » ش ٢ ؛ « مناط الاحكام » ص ١٨ ؛ « بلغة الفقهية » ج ٣ ، ص ٢٩١ ـ ٣٦٩ ؛ « دلائل السداد وقواعد فقه واجتهاد » ص ٥٢ ؛ « اصطلاحات الأصول » ص ٢٠٦ ؛ « الفوائد العلمية » ص ٢٢٥ ؛ « القواعد » ص ٤٢٩ ؛ « قواعد فقه » ص ٢٩ ؛ « قواعد فقهي » ص ١٩٣ ؛ « قواعد فقهية » ص ٢٣ ؛ « القواعد الفقهية » ( فاضل اللنكرانى ) ج ١ ، ص ٣٥٧ ؛ « القواعد الفقهية » ( مكارم الشيرازي ) ج ١ ، ص ٢٧٩ ؛ « يد امارة مالكيت » شيدا شكوايى ، ماجستير ، جامعة طهران ، ١٣٦٩ ؛ « يد مالكي ويد ضماني » مجلة « حق » فصليّة ، العدد ٩ ، العام ١٣٦٦ ؛ « دو قاعدة فقهي ( قاعدة يد ولا ضرر ) ؛ مجلّة « حق » فصليّة ، العدد ٩ ، العام ١٣٦٦.

١٣١

السادسة : في تعارضها مع سائر الأدلّة من الأصول والأمارات.

أمّا الجهة الأولى‌

فقد تكرّر منّا في موارد كثيرة أنّ المناط في كون المسألة أصوليّة هو وقوع نتيجة البحث عنها كبرى في قياس الاستنباط ، ولا شكّ أنّ نتيجة البحث عن هذه القاعدة ـ وهي حجيّتها وإثبات الملكيّة مثلا لذي اليد ـ لا تقع كبرى في قياس الاستنتاج الحكم الشرعي الكلي الفرعي ، بل لا يستنتج منها إلاّ الملكيّات الشخصيّة أو ما شابهها من سائر الأمور الجزئيّة التي تثبت بها لذوي الأيدي ؛ فهذه قاعدة فقهيّة يستنبطها الفقيه عن أدلّتها التفصيليّة ويفتي بحجيّة اليد ، مثلا بالنسبة إلى ملكيّة ذي اليد لما في يده. ويكون أمر تطبيقها بيد المقلّدين أنفسهم ، بمعنى أنّه في مقام تطبيق هذه الكبرى على مصاديقها المقلّد والمجتهد سواء ، فإذا طبق المقلّد في مورد وأثبت الملكيّة بها لذي اليد عند الشكّ في ملكيّته ، فيجوز له أن يشتري منه ، ويشهد له بالملكيّة ، وهكذا بالنسبة إلى سائر آثار ثبوت الملكيّة له ، أي لذي اليد.

فهذه القاعدة كسائر القواعد الفقهيّة ـ المستعملة في الموضوعات الخارجيّة ، أو الأحكام الجزئيّة كالبيّنة ، وأصالة الصحّة ، وقاعدة الفراغ ، وقاعدة التجاوز ـ يستنبطها الفقيه ويفتي بمضمونها ، فيعمل المقلّد على طبقها.

وظهر مما ذكرنا : أنّه لا فرق في عدم كون هذه القاعدة من المسائل الأصوليّة ، أو كونها من القواعد الفقهيّة بين كون المناط في تميّز المسألة الأصوليّة عن الفقهيّة ما ذكرنا ، وبين ما ذكروه من أنّ المسألة الأصوليّة هي التي لا حظّ للمقلّد في مقام تطبيقها بل يكون أمر تطبيقها بيد المجتهد ، أو ما ذكروه ميزانا للفرق بينهما من أنّ المسألة الأصوليّة ما لم تكن متعلّقا بكيفيّة العمل بلا واسطة بل تكون تعلّقها بكيفيّة العمل مع الواسطة ، بخلاف المسألة الفقهيّة فإنّها متعلّقة بكيفيّة العمل بلا واسطة ؛ لما ذكرنا من‌

١٣٢

أنّ أمر تطبيق هذه القاعدة كما أنّه بيد المجتهد كذلك يكون بيد المقلّد أيضا ، وهما بعد إفتاء المجتهد بمضمونها في مقام التطبيق سواء. وأيضا من الواضح الجليّ أنّه بعد إفتاء المجتهد بمضمونها يكون ذلك المضمون متعلّقا بكيفيّة العمل بلا واسطة.

وأمّا الجهة الثانية‌

فقد ذكر اللغويّون لها معاني متعدّدة ، ولا يهمّنا أنّها حقيقة في الجميع ، أو مجاز في الجميع ، أو حقيقة في البعض ومجاز في البعض الآخر ، وإنّما المهمّ أنّه ما المراد والمتفاهم العرفي منها في محل البحث؟

فنقول : الظاهر أنّ المراد منها في محلّ البحث هو الاستيلاء والسيطرة الخارجيّة ، بحيث يكون زمام ما تحت يده بيده يتصرّف فيه كيف ما يشاء من التصرّفات العقلائيّة المتعارفة ، ولا يخفى أنّه بصرف التمكّن من تحصيل مثل هذه السيطرة والاستيلاء الخارجي لا يقال أنّه ذو اليد ، بل كونه كذلك يحتاج إلى فعليّة الاستيلاء والسيطرة الخارجيّة.

وأمّا ما توهّم : من أنّ اليد بهذا المعنى قد تكون مسبّبا عن الملكية كما في موارد النواقل الشرعية ، اختيارية كانت كما في أبواب المعاوضات ، أو قهريّة كما في باب الإرث ؛ وقد تكون سببا لحصول الملكيّة ، كما في باب حيازة المباحات إذا كان الاستيلاء بقصد التملّك.

ففيه : أنّ ما يفهم عرفا من اليد في المقام هي السيطرة الخارجيّة ، وهي أمر خارجي لا تحصل إلاّ بأسبابها الخارجيّة ، من وجود المقتضى لها كإرادة الاستيلاء والسيطرة ، ومن وجود شرائطها ، ومن فقد موانعها. والملكيّة الاعتباريّة لا أثر لها في هذا الأمر الخارجي.

نعم الملكيّة له أو كونه مأذونا من قبل المالك تؤثّر في عدم كونها يدا عادية ، ثمَّ‌

١٣٣

إنّ المرجع في حصول هذا الاستيلاء أيضا هو العرف ؛ لأنّ الاستيلاء والسيطرة أمر عرفي فلا بدّ في تعيين مفادهما من الرجوع إلى العرف ، وهو يختلف في نظرهم بحسب ما استولى عليه ، مثلا الاستيلاء على الدار والدكان والخان وأمثالها فهو بأن يكون ساكنا في الدار ومشغولا بكسبه في الدكان والخان ، وإمّا بأن تكون أبوابها مغلقة والمفتاح في يده ، وفي الأراضي بالزرع والغرس وأمثال ذلك ، وفي الدوّابّ بربطها في اصطبله أو ركوبها أو كون زمامها بيده.

نعم ربما يتزاحم هذه الجهات بعضها مع بعض ، مثلا لو كان أحد الشخصين راكبا على الدابة وبيد الآخر زمامها ، وكلّ واحد منهما ادّعى ملكيّة تمامها ، ففي مثل هذا الفرض إذا حكم العرف بتقديم احدى الجهتين وأنّها المناط في تحقّق الاستيلاء فهو ، وإلاّ فإن حكم بوجود الاستيلاء وتحققه بالنسبة إلى كلّ واحد منهما فيدخل في مسألة تحقّق يدين على مال واحد كشريكين في دار أو دكان أو غيرهما ، وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى. وإلاّ فإن لم يحكم بشي‌ء منهما فتسقط كلتا الجهتين عن الاعتبار ، ولا يحكم بتحقّق اليد لكلّ واحد منهما.

ولا يخفى أنّه من الممكن أن يكون الاستيلاء على شي‌ء لشخصين أو أكثر كما في الشريكين أو الشركاء ، فبناء على اعتبار اليد وحجيّته يثبت الملكيّة لجميعهم. وإلى هذا يرجع ما اشتهر بين الفقهاء من أنّ تحقّق اليدين على مال واحد يرجع إلى ثبوت يد واحدة تامّة مستقلّة على نصف ذلك المال ، والثلاث إلى الثلث ، والأربع إلى الربع وهكذا.

ثمَّ إنّه لا شكّ في أنّ يد الودعي والمستأجر والمستعير والوكيل يد المودع والموجر والمعير والموكل مع اعترافهم بهذه العناوين. وبعبارة أخرى : كلّ أمين من طرف المالك إذا اعترف بأنّه أمين من قبله فيكون يده يد ذلك الشخص.

١٣٤

الجهة الثالثة

في الدليل على اعتبارها ، وهو من وجوه‌

الأوّل : الروايات‌.

فمنها : رواية حفص بن غياث المرويّة في الكتب الثلاثة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وفيها : أرأيت إذا رأيت شيئا في يد رجل أيجوز لي أن أشهد أنّه له؟ قال عليه‌السلام : « نعم ». فقال الرجل : أشهد أنّه في يده ولا أشهد أنّه له فلعلّه لغيره؟ فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « أفيحلّ الشراء منه؟ » قال : نعم ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « فلعلّه لغيره ، فمن أين جاز لك أن تشتريه ويصير ملكا لك ، ثمَّ تقول بعد الملك هو لي وتحلف عليه ولا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه من قبله إليك » ، ثمَّ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق » (١).

ومنها : المروي عن الصادق عليه‌السلام في حديث فدك : « إن مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام قال لأبي بكر : أتحكم فينا بخلاف حكم الله تعالى في المسلمين؟ قال : لا. قال : فإن كان في يد المسلمين شي‌ء يملكونه ادعيت أنا فيه من تسأل البيّنة؟ قال : إيّاك كنت أسأل البينة على ما تدّعيه على المسلمين. قال عليه‌السلام : فإذا كان في يدي شي‌ء فادّعى فيه المسلمون تسألني البيّنة على ما في يدي وقد ملكته في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعده ولم تسأل البيّنة على ما ادّعوا عليّ كما سألتني البيّنة على ما ادّعيت عليهم؟! إلى أن قال : وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « البيّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر » (٢).

ومنها : رواية مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : « كلّ‌

__________________

(١) « الكافي » ج ٧ ، ص ٣٨٧ ، باب ( من كتاب الشهادات ) ح ١ ؛ « الفقيه » ج ٣ ، ص ٥١ ، باب من يجب ردّ شهادته ومن يجب قبول شهادته ، ح ٣٣٠٧ ؛ « تهذيب الأحكام » ج ٦ ، ص ٢٦١ ، ح ٦٩٥ ، باب البيّنات ، ح ١٠٠ ، « وسائل الشيعة » ج ١٨ ، ص ٢١٥ ، أبواب كيفيّة الحكم ، باب ٢٥ ، ح ٢.

(٢) « علل الشرائع » ص ١٩٠ ، ح ١ ؛ « تفسير القمّي » ج ٢ ، ص ١٥٦ ؛ « الاحتجاج » ، ص ٩٢ ؛ « وسائل الشيعة » ج ١٨ ، ص ٢١٥ ، أبواب كيفيّة الحكم. باب ٢٥ ، ح ٣.

١٣٥

شي‌ء هو لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك ، وذلك مثل الثوب عليك قد اشتريته وهو سرقة ، والمملوك عندك لعلّه حرّ قد باع نفسه أو خدع فبيع قهرا ، وامرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك ، والأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير هذا ، أو تقوم به البيّنة » (١).

ومنها : رواية حمزة بن حمران : أدخل السوق فأريد أن أشتري جارية تقول إنّي حرّة ، فقال عليه‌السلام : « اشترها ، إلاّ أن تكون لها بيّنة » (٢).

ومنها : صحيحة العيص ، عن مملوك ادّعى أنّه حرّ ولم يأت بيّنة على ذلك ، أشتريه؟ قال : « نعم » (٣).

ومنها : موثّقة يونس بن يعقوب ، في المرأة تموت قبل الرجل أو رجل قبل المرأة ، قال عليه‌السلام : « ما كان من متاع النساء فهو للمرأة ، وما كان من متاع الرجال والنساء فهو بينهما ، ومن استولى على شي‌ء منه فهو له » (٤).

ومنها : ما في الوسائل عن العباس بن هلال ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ذكر أنّه لو أقضي إليه الحكم لأقرّ الناس على ما في أيديهم ، ولم ينظر في شي‌ء إلاّ بما حدث في سلطانه ، وذكر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم ينظر في حدث أحدثوه وهم مشركون ، وأنّ من أسلم أقر على ما في يده (٥).

__________________

(١) « الكافي » ج ٥ ، ص ٣١٣ ، باب النوادر ( من كتاب المعيشة ) ، ح ٤٠ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٢٢٦ ، ح ٩٨٩ ، باب من الزيادات ، ح ٩ ؛ « وسائل الشيعة » ج ١٢ ، ص ٦٠ ، أبواب ما يكتسب به ، باب ٤ ، ح ٤.

(٢) « الكافي » ج ٥ ، ص ٢١١ ، باب شراء الرقيق ، ح ١٣ ؛ « الفقيه » ج ٣ ، ص ٢٢٢ ، باب البيوع ، ح ٣٨٢٤ ؛ « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٧٤ ، ح ٣١٨ ، باب ابتياع الحيوان ، ح ٣٢ ؛ « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ٣١ ، أبواب بيع الحيوان ، باب ٥ ، ح ٢.

(٣) « الفقيه » ج ٣ ، ص ٢٢٢ ، باب البيوع ، ح ٣٨٢٥ ؛ « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٧٤ ، ح ٣١٧ ، باب ابتياع الحيوان ، ح ٣١ ؛ « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ٣٠ ، أبواب بيع الحيوان ، باب ٥ ، ح ١.

(٤) « تهذيب الأحكام » ج ٩ ، ص ٣٠٢ ، ح ١٠٧٩ ، باب ميراث الأزواج ، ح ٣٩ ؛ « وسائل الشيعة » ج ١٧ ، ص ٥٢٥ ، أبواب ميراث الأزواج ، باب ٨ ، ح ٣.

(٥) « تهذيب الأحكام » ج ٦ ، ص ٢٩٥ ، ح ٨٢٤ ، باب من الزيادات في القضايا والأحكام ، ح ٣١ ؛ « وسائل الشيعة » ج ١٨ ، ص ٢١٤ ، أبواب كيفيّة الحكم ، باب ٢٥ ، ح ١.

١٣٦

ولا شكّ في دلالة هذه الروايات على اعتبار اليد دلالة واضحة.

وأمّا الإشكال في الرواية الأولى ـ بأنّ محطّ نظر السائل في سؤاله إلى جواز الشهادة بالملكيّة لذي اليد بصرف كون شي‌ء تحت يده أم لا ، وهذا غير إثبات الملكيّة لما تحت اليد باليد حتّى تكون اليد حجّة ـ واضح الفساد ؛ لأنّ حكمه عليه‌السلام بجواز الشهادة مستندا إلى اليد يدلّ بالالتزام على إثبات الملكيّة بها أيضا ، خصوصا بعد ما استدلّ عليه‌السلام على صحّة هذا الحكم وجواز الشهادة بجواز الشراء ممّا في يده.

مضافا إلى أنّ احتمال أن يكون جواز الشهادة بملكيّة ما في يده له حكما تعبّديّا من دون ثبوتها عند الشاهد في غاية البعد ، وينكره الطبع السليم.

وأمّا الإشكال عليها بأنّ ظاهر هذه الرواية جواز الشهادة مستندا إلى اليد من دون حصول العلم للشاهد ، وهذا أمر مستنكر ؛ لأنّ العلم مأخوذ في موضوع جواز أو وجوب أداء الشهادة ، فلا يجوز مستندا إلى الأصول أو الأمارات ، فظاهر هذه الرواية ممّا لم يعمل به فساقط عن الاعتبار.

فلا يرد أصلا ؛ لما ذكرنا أوّلا في محلّه من قيام الأمارات والأصول التنزيليّة مقام القطع المأخوذ في الموضوع على نحو الطريقيّة ـ خلافا لصاحب الكفاية قدس‌سره (١) ـ دون ما أخذ فيه على نحو الصفتيّة.

ومن المعلوم أنّ القطع المأخوذ في موضوع أداء الشهادة جوازا أو وجوبا هو من حيث كونه طريقا وكاشفا عن متعلّقه ، لا بما أنّه صفة كذائية ، بل ذكرنا في مبحث القطع أنّه لم يوجد في الشرعيّات موردا يكون القطع فيه مأخوذا في الموضوع على نحو الصفتيّة. نعم في بعض الموارد أخذ الاطمئنان موضوعا أو جزئه ، ولكن ذلك غير أخذ القطع في الموضوع على نحو الصفتيّة.

وثانيا : لو لم نقل بجواز الشهادة مستندا إلى اليد ، وترتيب آثار الملكيّة على ما‌

__________________

(١) « كفاية الأصول » ص ٢٦٣.

١٣٧

تحت اليد ، يختلّ النظام ولا يستقرّ حجر على حجر ، فكيف يمكن أن يقال إنّ الأصحاب لم يعملوا بمضمون هذه الرواية؟ فهذا الإشكال ساقط على كلّ تقدير.

وأما الإشكال على الرواية الثانية بأنّها لا تدلّ على أكثر من أنّ البينة ليست على ذي اليد ـ أي المنكر ـ بل يكون على المدّعي ، وهذا لا ربط له بكون اليد حجّة على الملكيّة ، وقضيّة « البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر » شبه المتواتر بين المسلمين ؛ لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان » (١). وقد قضى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على هذا النحو في موارد عديدة وهذا من المسلّمات ، ولا شكّ أنّ المتفاهم العرفي من « المنكر » ذو اليد ومن « المدعي » من هو مقابل ذي اليد ، وهو من يطرح الدعوى إلى المنكر ويوجّهها إليه. ففي هذه الرواية يحتجّ بهذا الأمر المسلّم بين المسلمين ؛ فلا ربط لها بإثبات الملكية باليد الذي هو محلّ الكلام.

فالجواب عنه : أوّلاّ : أنّ قوله عليه‌السلام « فإن كان في يد المسلمين شي‌ء يملكونه ادّعيت أنا فيه » (٢) يدلّ على أنّ اليد أمارة الملكيّة ، وإنّ الملكيّة في هذا الكلام ملكيّة إثباتيّة ، وإلاّ لو كان المفروض أمرين ـ أحدهما كونه تحت يدهم ، والثاني كونهم يملكونه ـ فلا يبقى بعد هذا الفرض مجال للدعوى ومطالبة البيّنة.

وثانيا : لا يفهم العرف من كون طرف ذي اليد مدّعيا وأنّه يطالب منه البيّنة إلاّ كون ذي اليد مالكا ، فيحتاج طرفه إلى الدليل على إثبات ما يدّعيه.

وأمّا الرواية الثالثة ـ أعني رواية مسعدة ـ فلا دلالة لها على هذا المطلب أصلا ، بل مضمونه حليّة مشتبه الحرمة ، حتّى يثبت خلاف ذلك بالبيّنة أو العلم.

وأمّا رواية حمزة بن حمران ، وصحيحة العيص فدلالتهما على هذا المطلب أوضح‌

__________________

(١) « الكافي » ج ٧ ، ص ٤١٤ ، باب أنّ القضاء بالبينات والأيمان ، ح ١ ؛ « تهذيب الأحكام » ج ٦ ، ص ٢٢٩ ، ح ٥٥٢ ، باب كيفية الحكم والقضاء ، ح ٣ ؛ « معاني الأخبار » ص ٢٧٩ ؛ « وسائل الشيعة » ج ١٨ ، ص ١٦٩ ، أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى ، باب ٢ ، ح ١.

(٢) تقدّم تخريجه ، ص ١٣٥ ، رقم (٢).

١٣٨

من أن يخفى.

وأمّا قوله عليه‌السلام في موثّقة يونس بن يعقوب : « ومن استولى على شي‌ء منه فهو له » فلا إشكال في دلالته على اعتبار اليد إلاّ تخيّل أنّ ضمير « منه » راجع إلى متاع البيت ، فلا يدلّ إلاّ على أماريّتها في هذا المورد الخاصّ أعني الزوج والزوجة ، لا مطلقا.

ولكن أنت خبير بأنّه لا خصوصيّة لهذا المورد ، مضافا إلى أنّ كلامنا الآن في اعتبارها في الجملة ، وسنتكلم في التفاصيل فيما سيأتي إن شاء الله تعالى.

وأمّا رواية عباس بن هلال ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام فمن المحتمل جدّا أن يكون مراده عليه‌السلام إمضاء جميع ما تقع من المعاملات في زمان انعزالهم عن الحكم ، فإذا وصل إليهم الحكم يقرون الناس على ما في أيديهم ، كما فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع المشركين بالنسبة إلى ما كان في أيديهم في زمان الجاهليّة.

وعلى كلّ حال لا ينبغي الارتياب في دلالة جملة من هذه الروايات على اعتبار اليد ، بل على كونها أمارة الملك. وهاهنا روايات أخر ذكروها ، لبعضها دلالة على اعتبار اليد ، تركناها للاستغناء عنها وكفاية ما ذكرنا منها لإثبات هذا المطلب.

الثاني من وجوه اعتبار اليد : الإجماع‌ والاتّفاق على أنّ من كان في يده شي‌ء من الأموال يكون له.

ولا شكّ في تحقّق هذا المعنى بالنسبة إلى الأعيان المتموّلة ولا خلاف فيه أصلا ، وإن كان خلاف ففي التفاصيل الآتية ، ولكن هذا المقدار لا يكفي في صدق الإجماع المصطلح الذي هو أحد الأدلّة الشرعيّة ؛ لأنّ الإجماع المصطلح الاتّفاق الذي يكون مسبّبا عن رأي المعصوم عليه‌السلام ، أو دليل معتبر عند الكلّ في مقام الثبوت وإن كان سببا وكاشفا عن أحدهما في مقام الإثبات. ولا شكّ أنّ مثل هذا المعنى لا يجتمع مع وجود مدرك بل مدارك في المسألة كما في مسئلتنا ؛ لأنّه حينئذ من الممكن بل من المحتمل جدّا اتّكاء المجمعين واعتماد المتّفقين على ذلك المدرك أو تلك المدارك ، فلا يبقى مجال‌

١٣٩

لاستكشاف رأيهم عليهم‌السلام من مثل هذا الاتّفاق ، ولا ريب في وجود مدارك عديدة من الأخبار الكثيرة وبناء العقلاء.

الثالث من وجوه اعتبارها : بناء العقلاء من جميع الملل والأمم‌ ، سواء أكانوا من أهل الأديان أم لا ، حتّى الملحدين والمنكرين للصانع ـ خذلهم الله ـ على اعتبارها وكونها أمارة لملكيّة المال لمن في يده ، فإنّهم لا يتوقّفون في ترتيب آثار الملكيّة على ما في أيدي الناس ، ولا يفتشون عن أنّ هذا الذي بيده هل له أو لغيره أو مسروق أو مغصوب مثلا ، والشارع المقدّس لم يردع عن هذه السيرة والبناء بل أمضاها ، كما هو مفاد جملة من الروايات المتقدّمة ، مثل قوله عليه‌السلام في ما رواه حفص بن غياث « ولو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق » (١) ، وقوله عليه‌السلام في موثّقة يونس بن يعقوب « ومن استولى على شي‌ء منه فهو له » (٢).

فالإنصاف أنّ اعتبار اليد في الجملة من المسلّمات ، ولا يحتاج إلى البحث والتكلّم أكثر من هذا.

الجهة الرابعة

في أنّها أصل أو أمارة؟

والحقّ في هذا المقام هو أنّه لو كان المدرك لها هو الإجماع أو هذه الأخبار فلا يمكن إثبات أماريّتها.

أمّا الإجماع فليس إلاّ على ترتيب آثار الملكيّة لما تحت يد شخص ، من دون تعرّضه إلى أنّ اليد طريق إلى الملكيّة أم لا.

وأمّا الأخبار فمفادها إمّا جواز الشراء والشهادة مستندا إلى اليد ، كما في رواية‌

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ١٣٥ ، رقم (١).

(٢) تقدّم تخريجه في ص ١٣٦ ، رقم (٤).

١٤٠